القاضي النعمان بن محمّد التميميّ المغربي
المحقق: السيد محمّد الحسيني الجلالي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦١١
أصحاب الشجرة (١) وكان منهم ، وما أخبرنا بعد أنه سخط عليهم ، وقال رسول الله صلىاللهعليهوآله لعمر ـ حين قال له ائذن لي أن أضرب عنق حاطب (٢) فقال : وما يدريك لعلّ الله قد اطلع على أهل بدر ، فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم.
[٦١٩] وعنه ، باسناده ، عن علي صلوات الله عليه ، أنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله :
يا علي ، ألا اعلمك كلمات إذا قلتهن غفر لك مع أنه مغفور لك. قل : لا إله إلا الله الحكيم الكريم ، لا إله إلا الله العلي العظيم ، سبحان الله ربّ السماوات السبع وربّ الأرضين السبع [ وما فيهن وما بينهن وما تحتهن ] (٣) وربّ العرش العظيم والحمد لله ربّ العالمين.
[٦٢٠] وعنه ، باسناده ، عن علي عليهالسلام ، أنه قال : بعثني رسول الله صلىاللهعليهوآله الى اليمن وانا شاب فقلت : يا رسول الله تبعثني [ الى قوم ] (٤) أقضي بينهم ولا علم لي بالقضاء.
فقال : ادن ، فدنوت. فضرب بيده على صدري.
ثم قال : اللهمّ اهد قلبه وسدّد لسانه. فما شككت بعد ذلك في قضاء بين اثنين.
__________________
(١) اشارة الى الآية الكريمة ( لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ) الآية ( الفتح : ١٨ ).
(٢) وهو حاطب بن أبي بلتعة اللخمي ٣٥ قبل الهجرة ، وهو الذي كاتب أهل مكة بتجهيز الرسول صلىاللهعليهوآله إليهم فنزلت فيه : يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم. فقال عمر : دعني أضرب عنقه. فاعتذر حاطب للنبي صلىاللهعليهوآله فقبل عذره. مات في المدينة ٣٠ ه.
(٣) ما بين المعقوفتين من مناقب الخوارزمي : ص ٢٥٨.
(٤) من مسند أحمد بن حنبل ١ / ٨٣.
[٦٢١] وعنه ، باسناده ، عن زيد بن أرقم ، وذكر حديث الغدير ـ وقد تقدم ذكره ـ.
قال زيد : فسمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله ـ وقد أخذ بيد علي عليهالسلام ـ : من كنت مولاه اللهمّ وال من والاه ، وعاد من عاداه.
[٦٢٢] سعيد ، باسناده ، عن علي عليهالسلام ، أنه قال : أعللت علة بلغت مني.
فقلت : اللهمّ إن كان أجلي قد حضر فأرحني ، وإن كان متأخرا فارفق بي ، وإن كان بلاء فصبرني.
فإذا رسول الله صلىاللهعليهوآله ، يسمع ما أقول. فقال : كيف قلت يا علي؟
فأعدت عليه ما قلت.
فقال : اللهمّ عافه واشفه. [ ثم قال : قم. فقمت ].
قال : فما اشتكيت وجعي ذلك بعد.
[٦٢٣] جابر بن صبيح ، باسناده ، عن أم عطية (١) ، قالت : بعث رسول الله صلىاللهعليهوآله علي بن أبي طالب صلوات الله عليه في بعث (٢).
قالت : فسمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يدعو له وهو رافع يديه ، يقول : اللهمّ لا تمتني حتى تجمع بيني وبين علي (٣) بن أبي طالب.
__________________
(١) الأنصارية ، ويقال لها نسيبة بنت كسب.
(٢) وفي مناقب ابن المغازلي ص ١٢٢ : ان رسول الله صلىاللهعليهوآله بعث جيشا فيهم علي بن أبي طالب.
(٣) وفي مناقب الخوارزمي ص ٢٠ : اللهمّ لا تمتني حتى تريني عليا.
فدعاء النبي صلىاللهعليهوآله لعلي بأن يوالي الله عزّ وجلّ من والاه ، ويعادي من عاداه ، وينصر من نصره (١) ، ويخذل من خذله بيان منه صلىاللهعليهوآله على استخلافه وإمامته ، لأن النصر والولاية لا يكونان إلا لاولي الأمر الذين أوجب الله عزّ وجلّ ذلك لهم على كافة العباد ، ونهاهم عن أن يخذلوهم أو يعادوهم ، ودعاؤه عليهالسلام بعد ذلك له مما يبين اختصاصه إياه وموقفه من قبله ومكانه عنده.
__________________
(١) وفي الاصل : ينصر من نصراه.
[ قضاء أمير المؤمنين ]
علم علي صلوات الله عليه وما ذكر من أحكامه وقضاياه وأمر النبي صلىاللهعليهوآله بردّ ما اختلف فيه إليه.
[٦٢٤] أبو غسان ، باسناده ، عن علي عليهالسلام قال : بعثني رسول الله صلىاللهعليهوآله الى اليمن. فقلت : يا رسول الله تبعثني الى قوم ذوي أسنان وأنا حديث السن ، ولا علم لي بالقضاء.
فقال لي : اذهب ، فان الله تعالى يهدي قلبك ويثبت لسانك.
قال : فما شككت بعد ذلك في قضاء بين اثنين.
[ الصيد في لباس الاحرام ]
[٦٢٥] عمر بن حماد ، باسناده ، عن عبادة بن الصامت (١) ، قال : قدم من الشام حجاج ، فأصابوا أدحى نعامة فيه خمس بيضات ، وهم مجرمون ، فشووهن وأكلوهن ، ثم قالوا : ما أرانا إلا وقد أخطأنا وأصبنا الصيد ونحن محرمون ، فأتوا المدينة ، وذلك في أيام عمر بن الخطاب ، فأتوه
__________________
(١) أبو الوليد ، عباد بن الصامت بن قيس الانصاري الصحابي ولد ٣٨ قبل الهجرة. شهد العقبة ، ثم حضر فتح مصر وهو أول من ولى القضاء بفلسطين ، مات بالرملة أو ببيت المقدس ٣٤ ه.
فقصوا عليه القصة ، فقال : انظروا الى قوم من أصحاب النبي صلىاللهعليهوآله فاسألوهم عن ذلك ليحكموا فيه.
فأتوا جماعة من أصحاب النبي صلىاللهعليهوآله ، فسألوهم ، فاختلفوا في الحكم في ذلك.
فقال عمر : إذا اختلفتم فهاهنا رجل كنا أمرنا إذا اختلفنا في شيء أن نحكمه فيه.
فأرسل الى امرأة يقال لها أم عطية ، فاستعار منها أتانا (١) لها ، فركبها ، وانطلق بالقوم معه حتى أتى عليا عليهالسلام وهو بينبع في أرض له يجري فيها ماء ، ومعه قنبر.
فلما نظر قنبر الى عمر ، قال لعلي عليهالسلام : هذا عمر قد أطلّك ، فخرج علي عليهالسلام ، فتلقاه ، ثم قال له : هلا أرسلت إلينا ، فنأتيك؟
فقال له عمر : الحكم يؤتى في بيته ، فقصّ عليه القوم القصة.
فقال علي عليهالسلام لعمر : مرهم فليعمدوا الى خمس قلائص (٢) من الإبل فيطرقوها الفحل ، فإذا أنتجت اهدوا ما نتج منها جزاء عما أصابوا.
فقال له عمر : يا أبا الحسن إن الناقة قد تجهض.
فقال له علي عليهالسلام : وكذلك البيضة قد تمزق.
فقال عمر : لهذا أمرنا أن نسألك.
__________________
(١) الأتان : الحمارة.
(٢) القلوص من الابل : أول ما يركب من اناثها ، الشابة منها.
[ ضبط الغريب ]
قوله ـ في هذا الحديث ـ : أدحى نعامة. الأدحى : الموضع الذي تبيض فيه النعامة لتجمع بيضها فيه ، ثم تحضنه هناك.
وقوله قلائص : فالقلائص : جمع قلوص ، والقلوص الانثى من الإبل.
وقوله فليطرقوها الفحل : أن يفحلوه عليها ، يقال منه : أطرق الفحل ضرابه إذا نزاهن. والناقة طروقة فحلها ، والامرأة طروقة زوجها.
وأما قوله : إن الناقة تجهض : يعني تسقط ولدها ، الجهيض السقط الذي قد تمّ خلقه ، ونفخ فيه روحه من غير أن يعيش. يقال للناقة خاصة : أجهضت إجهاضا ، وهي مجهض ، والجمع مجاهيض ، وهي تجهض إذا ألقت ولدها.
وقوله : إن البيضة تمزق : أي تفسد ، يقال منه : مزقت البيضة مزوقا ، إذا فسدت فصارت دما.
[ عمر والاعرابي ]
[٦٢٦] عمرو بن حماد القتاد ، بإسناده ، عن أنس بن مالك ، قال : كنت مع عمر بمنى ، إذ أقبل أعرابي معه ظهر (١).
فقال عمر : يا أنس ، سله هل يبيع الظهر.
فقمت إليه ، فسألته ، فقال : نعم.
فقام إليه عمر ، فاشترى منه أربعة عشر بعيرا.
ثم قال : يا أنس الحقها بالظهر ـ يعني التي له ـ.
__________________
(١) الظهر ـ بالفتح ـ : الركاب التي تحمل الأثقال.
قال الأعرابي : يا أمير المؤمنين جردها من أحلاسها.
فقال عمر : إنما اشتريتها منك بأحلاسها وأقتابها.
فقال الأعرابي : يا أمير المؤمنين جردها من أحلاسها وأقتابها.
فقال عمر : إنما اشتريتها منك بأحلاسها وأقتابها. (١)
فقال الأعرابي : يا أمير المؤمنين ، جردها ، فما بعت منك أحلاسا ولا قتبا.
فقال عمر : هل لك أن تجعل بيننا وبينك رجلا كنا أمرنا إذا اختلفنا في شيء أن نحكمه.
ثم قال لي عمر : انظر هل نرى عليا في الشعب.
فأتيت الشعب فوجدت عليا عليهالسلام قائما يصلّي ، ومعي الأعرابي ، فأخبرته. فقام حتى أتى عمر فقصّ عليه القصة.
فقال له علي عليهالسلام : أكنت شرطت عليه أقتابها وأحلاسها؟
فقال عمر : لا ما اشترطت ذلك.
قال : فجردها له فإنما لك الإبل.
فقال أنس : فقال لي عمر : فجردها ، وادفع أقتابها وأحلاسها الى الأعرابي ، وألحقها بالظهر.
ففعلت. [ فدفع إليه عمر الثمن ] (٢).
[٦٢٧] محمّد بن سلام ، باسناده ، عن ضميرة ، قال : أصاب رجل محرم بيض نعام ، فأتى النبي صلىاللهعليهوآله وسأله في ذلك فقال لعلي عليهالسلام : احكم فيها يا علي!
__________________
(١) الحلس : كل ما يوضع على ظهر الدابة تحت السرج أو الرجل. القتب : الرحل.
(٢) كنز العمال : ٢ / ٢٢١.
فقال للرجل : اعمد الى أبكار من إبلك بعدد البيض ، فأحمل عليها الفحل وسمّ ما في بطونها هديا ، فما أنتجت فاهده.
فقال النبي صلىاللهعليهوآله : الحمد لله جعل من أهل بيتي من يحكم بحكم داود.
[٦٢٨] مكحول (١) ، باسناده ، أن رسول الله صلىاللهعليهوآله دعا عليا عليهالسلام ليوجهه الى اليمن ، فدخلته هيبة ، فقال له رسول الله صلىاللهعليهوآله : ادن مني ، فدنا منه.
فقال : افتح فمك.
ففعل. فتفل فيه رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وقال :
اللهمّ املأه علما وزده حكما وفهما.
ثم قال له : اطبق فمك ، ولا تكلمن أحدا حتى تصلّي ركعتين تقرا في الاولى منهما آية الكرسي ، وفي الثانية آية من الأعراف : ( إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ ) الى قوله ( رَبُّ الْعالَمِينَ ) (٢).
ففعل. فكان من بعد أعلم الامة وأقضاها.
[٦٢٩] إبراهيم بن محمّد ، باسناده ، عن علي صلوات الله عليه أنه قال :
علمني رسول الله صلىاللهعليهوآله الف باب من العلم ، كل باب منها يفتح الف باب.
[ عمر يستشير عليا ]
[٦٣٠] يزيد بن أبي خالد ، باسناده ، عن طلحة بن عبيد الله (٣) ، قال : أتى
__________________
(١) أبو عبد الرحمن محمّد بن عبد الله بن عبد السّلام المعروف بمكحول من أهل بيروت ، توفي ٣٢١ ه.
(٢) الأعراف : ٥٤.
(٣) الصحابي القرشي قتل في وقعة الجمل بجانب عائشة ٣٦ ه.
عمر بمال فقسمه بين المسلمين ففضلت منه فضلة ، فاستشار عمر فيها من حضره من الصحابة.
فقالوا : خذها لنفسك ، فإنها إن قسمتها لم يصب كل رجل منا منها إلا ما لا يلتفت إليه.
فقال لعلي عليهالسلام : ما تقول يا أبا الحسن؟
فقال : اقسمها أصابهم من ذلك ما أصابهم ، والقليل والكثير في ذلك سواء.
فقسمها عمر ، ثم التفت الى علي صلوات الله عليه ، فقال : ويد لك مع أياد لم أجزك بها (١).
[٦٣١] إسماعيل بن عياش (٢) ، باسناده ، أن عليا عليهالسلام قضى على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآله بقضية ، فأعجبت رسول الله صلىاللهعليهوآله .
فقال : الحمد لله الذي جعل الحكمة فينا أهل البيت.
[٦٣٢] حمزة الرباب المغربي ، باسناده ، عن الحارث الأعور ، قال : دخلت المسجد فرأيت الناس يخوضون في الأحاديث ، فأتيت عليا صلوات الله عليه ، فأخبرته.
فقال : وقد فعلوها ، إني سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : إنها ستكون فتنة.
قلت : فما المخرج منها يا رسول الله.
قال : كتاب الله فيه بناء ما قبلكم وخير ما بعدكم وحكم
__________________
(١) يعني : هذه نعمة من نعمك الكثيرة التي لا استطيع أن اجزيك بها وأشكرك عليها.
(٢) هكذا صححناه وفي الاصل : إسماعيل بن عباس.
ما بينكم ، هو الفصل ليس بالهزل ، من تركه من جبار قصمه الله ، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله ، وهو حبل الله المتين والذكر الحكيم ، هو الذي لا يزيغ الأهواء ولا تلبس به الألسن ، ولا تنقضي عجائبه ، هو الذي لم تهنه الجن إذ سمعته : ( فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً ) (١) من قال به صدق ، ومن عمل به أجر ، ومن حكم عدل ، ومن دعا إليه هدي الى صراط مستقيم ، خذها إليك يا أعور.
[٦٣٣] أحمد بن علي ، باسناده ، عن عائشة ، أنها قالت :
علي أعلم الناس بالسنّة.
[٦٣٤] شريك ، باسناده ، عن علي عليهالسلام ، أنه قال :
لئن لقيت نصارى بني تغلب لأقتلن المقاتلة ، ولأسبين الذرية ، فاني أنا الذي كتبت الكتاب بينهم وبين رسول الله صلىاللهعليهوآله . وكان من الشرط عليهم فيه أن لا ينصروا أبناءهم.
[٦٣٥] يحيى بن معن ، باسناده ، عن عطاء بن أبي رياح (٢) ، أنه سئل : هل تعلم أحدا بعد رسول الله صلىاللهعليهوآله أعلم من علي عليهالسلام؟
فقال : لا والله ما أعلمه.
[٦٣٦] علي بن هاشم ، باسناده ، عن سلمان الفارسي ، قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول :
علي بن أبي طالب أعلم امتي بعدي.
[٦٣٧] جعفر بن محمّد ، عن أبيه عليهماالسلام أنه قال في قول الله عزّ وجلّ :
__________________
(١) الجن : ١.
(٢) عطاء بن أسلم بن صفوان تابعي ولد في جند ( اليمن ) ٢٧ هـ وكان عبدا أسود ونشأ بمكة توفي ١١٤ ه.
( قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ ) (١).
قال : الذي عنده علم الكتاب علي بن أبي طالب صلوات الله عليه.
[ سلوني قبل أن تفقدوني ]
[٦٣٨] علي بن الأعرابي ، باسناده ، عن ابن شبرمة ، أنه قال : ما أحد قال على المنبر سلوني قبل أن تفقدوني غير علي بن أبي طالب صلوات الله عليه.
[٦٣٩] علي بن لهيعة ، باسناده ، عن علي عليهالسلام ، أنه قال يوما عنده جماعة من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآله وقد ذكروا أهل الكتاب.
فقال علي عليهالسلام : أما لو كسرت لي الوسادة ، وجلست عليها لحكمت بين أهل الفرقان بقرآنهم ، وبين أهل التوراة بتوراتهم ، وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم بالحكم الذي نزل به جبرائيل عليهالسلام ، وما من قريش رجل إلا وقد نزلت فيه آية يسوقه الى الجنة أو يقوده الى النار.
فقال ابن عباس : فما الآية التي نزلت فيك يا أمير المؤمنين؟
قال : قول الله عزّ وجلّ : ( أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ ) (٢).
[٦٤٠] جعفر بن سليمان ، باسناده ، عن علي عليهالسلام أن قوما ذكروا التشبيه في مجلسه ، فزجر القوم ، ونهاهم عن الكلام في ذلك فأمسكوا.
ثم قال : الحمد لله الذي بطن بخفيات الامور ، ودلت عليه أعلام الظهور واستتر بلطفه عن عين البصيرة ، فلا عين من لم يره تنكره ، ولا
__________________
(١) الرعد : ٤٣.
(٢) هود : ١٧.
قلب من أثبته يبصره ، سبق في العلو فلا شيء أعلا منه ، وقرب في الدنو فلا شيء أقرب منه. فلا استعلاؤه باعده عن شيء من خلقه ، ولا قربه ساواهم بالمكان به ، لم تطلع العقول على تحديد صفته ، ولم يحجبها السواتر عن يقين معرفته ، فهو الذي تشهد له عين الوجود على إقرار قلب ذي الجحود ، تعالى عما يقول المشبهون به الجاحدون له علوا كبيرا.
[٦٤١] علي بن زياد المنذر ، باسناده ، عن عبد الله بن عباس ، أنه قال :
قسم العلم ستة أجزاء فأعطي علي صلوات الله عليه منها خمسة ، وقسم بين الناس سدس ، فايم الله لقد شاركنا في سدسنا حتى لهو أعلم به منا.
[ ثلاثة سافروا وعاد اثنان ]
[٦٤٢] علي بن مسهر ، باسناده ، عن شريح القاضي (١) ، قال : خرج ثلاثة في سفر فرجع اثنان ، وبقي واحد.
فجاء أولياؤه إليّ بالرجلين. فقالوا : إن هذين خرجا مع ولينا في سفر ، فقتلاه ، فسألتما ، فأنكرا ذلك ، وقالا : مالنا به من علم ، فدعوت أولياء الرجل بالبينة على دعواهم ، فلم يجدوا بينة تشهد بذلك لهم. وأتوا عليا عليهالسلام فذكروا ذلك له.
فقال : إنه لو حضرت بينة ما قتلاه بحضرتهما ، وأمر بالرجلين ففرق بينهما ، وسأل أحدهما عن قصة الرجل ، فقال : خرج معنا ، فمات في
__________________
(١) أبو أمية شريح بن الحارث بن قيس بن الجهم الكندي أصله من اليمن ولي قضاء الكوفة مدة طويلة حتى استعفاه الحجاج ٧٧ هـ مات بالكوفة ٧٨ ه.
سفره ، فدفناه.
فقال : أين مات؟ وفي أيّ يوم مات؟ وفي أيّ ساعة مات؟ وأين دفنتموه؟ وفيما ذا كفنتموه؟ ومن غسله؟ ومن صلّى عليه؟ ومن أنزله في قبره؟ يسأله عن ذلك شيئا شيئا ، ويجيبه الرجل عنه حتى أتى على ما أراد من سؤاله.
ثم كبّر علي صلوات الله عليه ، وأمر من حوله ، فكبّروا حتى ارتفعت أصواتهم ، فسمع صاحبه التكبير ، فلم يشك في أن صاحبه قد أقر.
ثم أمر بالذي خاطبه فأبعد ، وأتي بالآخر ، فقال : أصدقنا كما صدق صاحبك.
فقال : يا أمير المؤمنين ، قتلناه ، وأخذنا ما معه.
فقال : وما أخذتما له ، فذكر ذلك ، فردّ الأول ، وقرره فأقر ، فدفعهما الى أولياء المقتول.
وقال محمّد بن سيرين (١) : الذي قاله شريح وهو ما ينبغي للقاضي أن يقوله ويفعله في مثل ذلك ، وللإمام أشياء ليست للقاضي.
[ امرأتان لزوج توفي ]
[٦٤٣] سفيان بن عيينة ، باسناده ، عن محمّد بن يحيى ، قال :
كان لرجل امرأتان ، امرأة من الأنصار ، وامرأة من بني هاشم. فطلق الأنصارية (٢) ، ثم مات بعد مدة ، فذكرت الأنصارية ـ التي
__________________
(١) هكذا صححناه وفي الاصل : بن شيرين.
(٢) قال الإمام مالك في الموطأ ص ٣٦ : وهي ترضع فمرت بها سنة ثم هلك عنها ولم تحض.
طلقها ـ أنها في عدتها ، وقامت عند عثمان بن عفان بميراثها منه ، فلم يدر ما يحكم به في ذلك ، وردّهم الى علي عليهالسلام.
فقال : تحلف أنها لم تحض بعد أن طلقها ثلاث حيض ، وترثه.
فقال عثمان للهاشمية : هذا قضاء ابن عمك.
قالت : قد رضيته ، فلتحلف ، وترث.
فتحرجت الأنصارية من اليمين ، وتركت الميراث.
[ زوّج ابنته وزفّ اختها ]
[٦٤٤] إسماعيل بن موسى ، باسناده ، عن رجل من أهل الشام تزوج ابنة لرجل من امرأة مهرية ، فزوّجه إياها ، ثمّ زفّ إليه ابنة له اخرى من أمة ، فبنابها ، ثم علم بعد ذلك أنها غير التي تزوج ، فخاصم أباها الى معاوية.
فقال معاوية : ما أرى إلا أنها امرأة بامرأة. وقال ذلك من حوله.
ثم رفعهما الى علي ، فأتيا إلى علي عليهالسلام ، فقصّا عليه القصة. فمد يده الى الأرض ، فأخذ منها شيئا بإصبعه.
ثم قال : القضاء بينكما في هذا أيسر من هذا لهذه ، ما سقت إليها بما استحللت من فرجها ، وعلى أبيها أن يجهز الاخرى بمثل ما سقت الى هذه ، ويسوقها إليك بعد أن انقضى عدة هذه التي قد وطئتها منك ، ويجلد (١) أبوها نكالا لما فعل.
__________________
(١) وفي كنز العمال ٣ / ١٨٠ : يضرب.
[ معاوية وقضاء علي ]
[٦٤٥] شريك بن عبد الله (١) ، باسناده ، عن ابن ابحر العجلي (٢) ، قال : كنت عند معاوية ، فاختصم إليه رجلان في ثوب.
فقال أحدهما : ثوبي ، وأقام البينة. وقال الآخر : ثوبي اشتريته من السوق من رجل لا أعرفه.
فقال معاوية : لو كان لها علي بن أبي طالب.
قال ابن ابحر : فقلت له : قد شهدت عليا قضى في مثل هذا.
قال معاوية : وما الذي قضى به؟
قلت : قضى بالثوب للذي أقام البينة ، وقال الآخر : أطلب البائع منك.
فقضى معاوية بذلك بين الرجلين.
[٦٤٦] عباد بن يعقوب ، باسناده ، عن علي بن الحسين صلوات الله عليه ، أنه قال لنفر من أهل الكوفة :
فيكم نثر علي عليهالسلام علمه.
[٦٤٧] أبو سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله :
أقضاكم علي بن أبي طالب.
[ مجنونة اقترفت جريمة ]
[٦٤٨] عطاء بن السائب ، عن أبي ظبيان ، أن عمر بن الخطاب اوتي بامرأة
__________________
(١) أبو عبد الله ، شريك بن عبد الله بن الحارث النخعي الكوفي ولد في بخارى ٩٥ هـ ولي القضاء بالكوفة زمانا وتوفي في الكوفة ١٧٧ ه.
(٢) هكذا صححناه وفي الاصل : ابن الحر وهو حجار بن ابحر العجلي.
قد زنت ـ وكانت مجنونة ـ فأمر بها عمر أن ترجم.
فمروا بها على علي عليهالسلام فأرسلها ، وقال لعمر : لقد علمت أن رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : رفع القلم عن النائم حتى يستيقظ ، وعن المجنون حتى يعقل ، وعن الصغير حتى يكبر (١) ، وهذه مجنونة.
فقال عمر : صدقت يا أبا الحسن. وخلّى عنها.
[ عمر وقضاء علي ]
[٦٤٩] يزيد بن أبي جندب ، باسناده ، عن أبي رافع ، قال : تذاكر أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآله العزل يوما عند عمر بن الخطاب في أيامه ، وفيهم علي عليهالسلام وعثمان وطلحة ومعاذ بن جبل ، فاجتمع رأيهم على أن لا بأس له ، ثم أصغى رجل منهم الى صاحبه ، فقال : إنهم يزعمون أنها المودة الصغرى ، فقال عمر : ما تقول؟ فأخبره.
فقال : إذا اختلفتم وأنتم أهل بدر فإلى من نرجع؟ فقال علي عليهالسلام : إنها لا تكون مؤدة حتى تمر بالتارات ، ألست تكون نطفة ، ثم تكون علقة ، ثم تكون مضغة ، ثم عظما ، ثم لحما ، ثم يكون خلقا آخر.
فقال له عمر : صدقت يا أبا الحسن ، فأبقاك الله للمعضلات.
[٦٥٠] سلمان بن حرب ، قال : كان عمر بن الخطاب يقول لعلي عليهالسلام ـ عند بعض ما يسأله عنه فيفرجه ـ :
لا أبقاني الله بعدك.
__________________
(١) وفي فرائد السمطين ١ / ٣٥٠ : وعن المجنون حتى يبرأ ، والغلام حتّى يدرك.
[٦٥١] سعيد بن المسيب (١) ، قال : كان عمر يقول :
اللهمّ لا تبقني (٢) لمعضلة ليس لها أبو الحسن.
[ عمر عند الحجر الأسود ]
[٦٥٢] أبو سعيد الخدري ، قال : حججنا مع عمر ، فلما دخل الطواف ، استقبل الحجر الأسود ، فقبّله.
ثم قال : إنى لأعلم (٣) أنك لا تضرّ ولا تنفع ، ولكني رأيت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقبّلك ، فقبّلتك.
فقال له علي عليهالسلام : بل إنه ليضرّ وينفع ويشهد يوم القيامة لمن وافاه بالموافاة.
فقال عمر : أعوذ بالله أن أعيش في قوم ليس فيهم أبو الحسن.
[٦٥٣] وفي رواية شعبة ، عن قتادة ، عن أنس : أن عمر لما قال :
إني لأعلم إنك حجر لا تضرّ ولا تنفع.
فقال له علي عليهالسلام : لا تقل ذلك. فإن رسول الله صلىاللهعليهوآله ما فعل فعلا ، ولا سنّ سنّة إلا عن أمر الله عزّ وجلّ تدل على حكمة وتفيد معنى.
وذكر باقي الحديث.
[ هدم الاسلام ما كان قبله ]
[٦٥٤] أبو عثمان البدري (٤) ، قال : جاء رجل الى عمر بن الخطاب ، فقال :
__________________
(١) وهو سعيد بن المسيب بن حزن بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ القرشي المخزومي توفي ٩٤ ه.
(٢) وفي فرائد السمطين ١ / ٣٤٥ : أعوذ بالله من معضلة.
(٣) وفي الاصل : لا أعلم.
(٤) وفي بحار الأنوار ٤٠ / ٢٣٠ : النهدي.
إني طلقت امرأتي في الشرك تطليقة ، وفي الاسلام تطليقتين (١) فما ترى؟
فسكت عمر.
فقال له الرجل : ما تقول؟
فقال : كما أنت حتى يجيء علي بن أبي طالب.
فجاء علي عليهالسلام ، فقال للرجل : قصّ عليه قصتك.
فقال علي عليهالسلام : هدم الاسلام ما كان قبله ، هي عندك على واحدة.
[ رجم الحامل ]
[٦٥٥] أبو عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن جده ، قال : كان رجل من أصحاب النبي صلىاللهعليهوآله يقال له : الهيثم ، قد أرسله عمر بن الخطاب في جيش ، فغاب غيبة بعيدة ، ثم قدم ، فجاءت امرأته بولد بعد قدومه بستة أشهر فأنكر ذلك منها ، وجاء بها الى عمر بن الخطاب ، وقصّ عليه قصتها ، فقال لها عمر : ما تقولين؟
فقالت : والله ما فجرت ولا غشني رجل غيره ، وإنه لابنه.
فأمر بها أن ترجم ، فذهبوا بها ، وحفروا لها حفيرا ، وأنزلوها فيه لترجم.
وبلغ عليا عليهالسلام خبرها ، فجاء مسرعا ، فأدركها قبل أن ترجم ، فأخذ بيدها ، فنشلها من الحفرة.
ثم قال لعمر : أربع على نفسك (٢) إنها صدقت ، إن الله عزّ وجلّ
__________________
(١) هكذا صححناه وفي الاصل : على تطليقة.
(٢) أي : توقف.
يقول : ( وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً ) (١). ( وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ ) (٢) فالحمل والرضاع ثلاثون شهرا.
فقال عمر : لو لا علي لهلك عمر. وخلّى سبيلها. وألحق الولد بالرجل.
[٦٥٦] إسماعيل بن صالح ، عن الحسن ، قال : بلغ عمر أن امرأة يتحدث عندها الرجال (٣) ، فأرسل إليها ، فأتاها رسله ، وهي حامل ، فألقت ولدا ميتا ، فسأل عمر جلساءه.
فقالوا : يا أمير المؤمنين ، وإنما أنت مؤدب ولا عليك شيئا.
وكان علي عليهالسلام بحضرتهم. فقال له عمر : ما تقول أنت يا أبا الحسن؟
فقال : قد قالوا.
قال : أعزم عليك لما قلت بما عندك.
قال : إن كانوا داروك فقد غشوك ، وإن كانوا اجتهدوا فقد أخطئوا ، أرى عليك الدية.
[ قال عمر : صدقت ]
[٦٥٧] عبد الله بن سليمان العرزمي ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه صلوات الله عليه ، قال :
أتى عمر بن الخطاب برجل وجد ينكح في دبره وقامت البينة
__________________
(١) الاحقاف : ١٥.
(٢) البقرة : ٢٣٣.
(٣) وفي سنن البيهقي ٦ / ١٢٣ : إن امرأة بغية يدخل عليها الرجال.
عليه أنهم رأوا ذلك كالمرود في المكحلة ، فلم يدر عمر ما يقضي فيه.
فأرسل الى علي صلوات الله عليه ، فأتاه ، فقصّ عليه قصته ، فأمر به فضرب عنقه ، ثم أمر بقصب فأضرب فيه نارا ، فأحرقه.
ثم قال : إن من الرجال من لهم أرحام كأرحام النساء ، في أجوافهم غدة كغدة البعير ، تهيج إذا هاجوا ، وتسكن إذا سكنوا.
فقال له رجل : فما لهم لا يحبلون كما تحبل النساء؟
فقال : لأن أرحامهم منكوسة.
[ غلام قتل مولاه ]
[٦٥٨] أبو القاسم الكوفي ، باسناده ، قال : رفع الى عمران عبدا قتل مولاه ، فأمر بقتله.
فدعاه علي عليهالسلام ، فقال له : أقتلت مولاك؟
قال : نعم.
قال له : ولم قتلته؟
قال : غلبني على نفسي وأتاني في ذاتي.
فقال علي عليهالسلام لأولياء المقتول : أدفنتم وليكم؟
قالوا : نعم.
قال : ومتى دفنتموه؟
قالوا : الساعة.
فقال علي عليهالسلام لعمر : احبس هذا الغلام ولا تحدث فيه حدثا حتى تمر ثلاثة أيام.
ثم قال لأولياء المقتول : إذا مضت ثلاثة أيام فأحضرونا.
فلما مضت ثلاثة أيام حضروا ، فأخذ علي صلوات الله عليه بيد