شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار - ج ٢

القاضي النعمان بن محمّد التميميّ المغربي

شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار - ج ٢

المؤلف:

القاضي النعمان بن محمّد التميميّ المغربي


المحقق: السيد محمّد الحسيني الجلالي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦١١

وال من والاه ، وعاد من عاداه.

وان تك أولى بما كانا فيه منهما ، فعلام نتولاهما ، فان كان هذا الأمر يحل فيه الجواب والمسألة ، فأجبني. وإن لم يكن ذلك يحل ، فأبغض الامور إلينا ما كان كذلك.

فقال علي صلوات الله عليه : يا عبد الرحمن ، قبض والله نبيّ الله حين قبض وأنا أول الناس بالناس ، مني بقميصي هذا ، وقد كان من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إليّ عهد لو جنبوني بأنفي لأقررت سمعا وطاعة.

يا عبد الرحمن (١) ، إنه أول ما انتقصنا به إبطال حقنا في الخمس ، ثم طمع فينا رعيان البهم من قريش ، وقد كان لي على الناس حق ، لو قد ردوه إليّ عفوا لقبلته ، وقمت به ، وإن كان إلى أجل معلوم وكنت كرجل له على قوم حق إن عجلوه آخذه ، وحمدهم عليه ، وإن أخروه ، أخذه غير محمودين عليه ، إلا أني كنت رجلا اخذا السهولة ، وهو عند الناس قد أحزن ، وإنما يعرف الهدى بالأنوار ولست أستوحش في طريق الهدى لقلة من أجده من الناس ، فإذا سكت فاعفوني ، فإنه لو جاء أمر تحتاجون فيه الى الجواب لأجبتكم فيه ، كفوا عني ما كففت عنكم.

فقال عبد الرحمن : يا أمير المؤمنين لأنت في هذا كما قال الأول : لعمري لقد أيقظت من كان نائما ، وأسمعت من كانت له أذنان.

__________________

(١) عبد الرحمن بن أبي ليلى واسمه يسار وقيل : داود الكوفي الانصاري والد محمّد وعيسى. توفي ٨٢ ه‍. وقيل : غرق بدجيل.

٢٦١

[ ضبط الغريب ]

قوله : جنبوني : أي قادوني. الجنيبة : الدابة التي تقاد. والرعيان : الرعاة ، والبهم : صغار الغنم. وأحزن : أخذ في الوعر.

[ من عصى أمير المؤمنين ]

[٥٦٤] وبآخر ، عن عبد الله بن عباس ، أنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي عليه‌السلام : ما ينقم الناس منك يا علي؟

قال : ما ينقمون مني إلا أني منك يا رسول الله.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أيها الناس إنكم عباد الله وفي قبضته وأنا رسوله إليكم ، فإذا قلت لكم شيئا ، فاسمعوا لي وأطيعوا ـ وتبيّن الغضب في وجهه ـ ففزع لذلك من كان عنده.

وقالوا : يا رسول الله نعوذ بالله من غضبه وغضبك!

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا أيها الناس ، لا تعصوا عليا ، فإنه من عصاه فقد عصاني ، ومن عصاني فقد عصى الله.

[٥٦٥] سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، أنه قال :

وعظنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : يا أيها الناس إنكم تحشرون يوم القيامة عراة. قال الله تعالى : ( كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ ) (١) وإنه سيؤتى يوم القيامة يقوم من أصحابي فيؤخذ بهم ذات الشمال. فأقول : أصحابي أصحابي.

فيقال لي : يا محمّد إنك لا تدري ما أحدثوا من بعدك.

__________________

(١) الأنبياء : ١٠٤.

٢٦٢

فأقول كما قال العبد الصالح : ( وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ. إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) (١).

فيقال : يا محمّد ، إنهم ارتدوا بعدك حين فارقتهم على أعقابهم.

وقال الله تعالى : ( أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ ) (٢).

قال ابن جبير : ثم قال لي ابن عباس : يا سعيد بن جبير ، إنه يعني بالشاكرين ، صاحبك علي بن أبي طالب صلوات الله عليه. والمرتدين على أعقابهم الذين ارتدوا عنه.

[٥٦٦] جعفر بن محمّد ، عن أبيه صلوات الله عليهما ، أن رجلا سأله ، فقال : يا ابن رسول الله ، بما ذا فضل علي صلوات الله عليه على الناس؟

فقال : يقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من كنت مولاه فعليّ مولاه اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه.

فقال الرجل : فهذا حديث معروف عند الناس يعرفه الخاص والعام ، فهل غير ذلك؟

فقال له أبو جعفر عليه‌السلام : ويحك وهل تدري ما يجمعه هذا القول ، وما يقتضيه ، إن الله عزّ وجلّ جعل له به على الامة ما جعله لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليها من السمع والطاعة.

__________________

(١) المائدة : ١١٧ و ١١٨.

(٢) آل عمران : ١٤٤.

٢٦٣

[ الصدّيق الأكبر ]

[٥٦٧] الأعمش ، عن أبي سخيلة (١) ، قال : قال أبو ذر رحمة الله عليه : يا أبا سخيلة ، إنما ستكون فتنة لا تشبه هذه التي نحن فيها فإن أدركتها فعليك بعلي بن أبي طالب ، فإني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول وقد أخذ بيد علي عليه‌السلام :

هذا أول من آمن بي ، وصدقني ، وهو أول من يصافحني يوم القيامة ، وهو الصدّيق الأكبر ، وهو الفاروق الذي يفرق بين الحق والباطل ، وهذا سلم الله ، وهذا حرب الله ، وهذا الذي يعصم من الفتنة ، وهذا يعسوب المؤمنين ، والمال يعسوب الظالمين ، وقد خاب من افترى.

ثم قال له : يا علي ، إن للجنة أبوابا وطرقا ، وإن للنار طرقا وأبوابا ، وستكون فتنة وضلالة ، وإنك لسبيل الجنة ، وراية الهدى وعلم الحق ، وإمام من آمن بي ، وولي من تولاني ، ونور من أطاعني. يا علي ، بك يذهب الله الغل ، ويشفي (٢) صدور قوم مؤمنين ، وأنت قصد السبيل إن استدلوا بك لم يضلوا ، وإن اتبعوك لم يهلكوا.

ثم قال : أيها الناس اتبعوه وصدقوه ووازروه ، وسامحوه ، ولا تحسدوه ، ولا تجحدوه ، فإن جبرائيل عليه‌السلام أمرني بالذي قلت لكم.

[٥٦٨] أبو علي الكلبي ، عن عبد الوهاب (٣) ، عن مجاهد [ عن ابن عمر ] (٤) قال :

__________________

(١) واسمه عامر بن طريف ( اعيان الشيعة ٧ / ٤٩ ).

(٢) وفي نسخة ـ ج ـ : ويخفي.

(٣) وفي نسخة ـ ج ـ : عن عبد الله.

(٤) هكذا في مناقب ابن المغازلي ص ٢٤٠.

٢٦٤

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من فارق عليا فقد فارقني ، ومن فارقني فقد فارق الله عزّ وجلّ.

[ مثل قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ]

[٥٦٩] وبآخر ، عن سلمان الفارسي قدّس الله روحه ، أنه قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لعلي عليه‌السلام : يا علي فيك (١) مثل قل هو الله أحد ، من قرأها مرة كان له أجر من قرأ ثلث القرآن ، ومن قرأها مرتين كان له أجر من قرأ ثلثي القرآن ، ومن قرأها ثلاث مرات كان له ثواب من قرأ القرآن كله ، وكذلك أنت يا علي من أحبك بقلبه ، كان له ثواب ثلث الإسلام ، ومن أحبك بقلبه ، وأثنى عليك بلسانه ، كان له ثواب ثلثي الإسلام ، ومن أحبك بقلبه وأثنى عليك بلسانه وأعانك بيده ، كان له مثل ثواب الإسلام كله.

[٥٧٠] محمّد بن علي العنبري ، باسناده ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه بينا هو بالمسجد ومعه جماعة من أصحابه ، وفيهم علي بن أبي طالب صلوات الله عليه ، إذ وقف عليهم أعرابي ، فقال : أيكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأومئوا إليه ، فسلم عليه.

ثم قال : يا رسول الله جئتك أسألك عن حرف سمعته من كتاب الله عزّ وجلّ.

قال : سل يا أعرابي.

قال : قول الله عزّ وجلّ : ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) (٢) ما حبل الله الذي أمرنا بالاعتصام به؟

__________________

(١) وفي أمالي الصدوق ص ٣٧ : يا أبا الحسن مثلك في أمتي مثل ...

(٢) آل عمران : ١٠٣.

٢٦٥

فأخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بكف الأعرابي فوضعها على كتف علي عليه‌السلام ، وقال : يا أعرابي ، هذا حبل الله ، اعتصم به.

فدار الأعرابي من خلف علي عليه‌السلام ، فالتزم به ، ثم قال : اللهمّ إني أشهدك أني اعتصمت بحبلك.

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من سرّه أن ينظر الى رجل من أهل الجنة فلينظر الى هذا الأعرابي.

فالعجب لمن سمع هذا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فتخلف عن أن يفعل ما فعله هذا الأعرابي ، ويقول ما قاله ، فيكون من أهل الجنة ، ولكنه الحسد الذي هو أصل كل خطيئة ، كما جاء ذلك عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

[٥٧١] يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ، باسناده ، عن مسروق ، قال : قالت صفية بنت حي (١) لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا رسول الله إنك قد أجليت بني النضير ، فإن كان أمر ، فإلى من؟

قال : علي بن أبي طالب.

[٥٧٢] الأعمش ، باسناده ، عن عبد الله بن عباس. [ قال : ستكون فتنة فمن أدركها منكم فعليه بخصلتين : كتاب الله وعلي بن أبي طالب فإني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ] (٢) يقول ـ في علي عليه‌السلام وهو آخذ بيده ـ :

هذا أول من آمن بي ، وأول من يصافحني يوم القيامة ، وهو

__________________

(١) وفي الاصل : بنت جني. وهي من سبي خيبر ، أسلمت فأعتقها النبي وتزوجها توفيت بالمدينة سنة ٥٠ ه‍.

(٢) ما بين المعقوفتين من تاريخ دمشق ١ / ٧٧ الحديث ١٢٤.

٢٦٦

الصدّيق الأكبر ، وهو فاروق هذه الامة ، يفرق بين الحق والباطل ، وهو يعسوب المؤمنين والمال يعسوب (١) الظلمة ، وهو بابي الذي اوتي منه ، وهو خليفتي من بعدي.

__________________

(١) اليعسوب : وهو الذكر من النحل الذي يقدمها ويحامي عنها.

٢٦٧

[ السير على خطى أمير المؤمنين ]

[٥٧٣] محمّد بن مخلد ، باسناده ، عن زيد بن أرقم ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال ـ يوما لجماعة من أصحابه ، وعنده علي بن أبي طالب صلوات الله عليه ـ :

ألا أدلكم على من إن أنتم اتبعتموه لم تضلوا ، وإن قبلتم منه لم تهلكوا؟

قالوا : بلى ، يا رسول الله.

قال : هذا ـ وأومى الى علي عليه‌السلام ـ ، ثم قال : وآزروه ، وناصحوه ، وصدقوه ، فإن جبرائيل عليه‌السلام أمرني بذلك أن أقول لكم.

[٥٧٤] يونس بن عبيد ، عن الحسن البصري (١) قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوما لأصحابه : ألا أنبئكم بذروة الإسلام وسنامه وعموده؟

قالوا : بلى يا رسول الله.

فضرب بيده على كتف علي عليه‌السلام ، وقال : ها هو هذا ، من أطاعه دخل الجنة ، ومن عصاه دخل النار.

__________________

(١) أبو سعيد ولد ٢١ هـ في المدينة له مكانة عظيمة في التصوف أقام في البصرة وتوفي فيها ١١٠ ه‍.

٢٦٨

[٥٧٥] سفيان ، عن أبيه ، عن زيد بن أرقم [ و ] عن أبي ذر رحمة الله عليه ، قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، يقول :

من أنكر فضل علي بن أبي طالب وجحد ولايته فقد نزع ربقة الإسلام من عنقه ، أيها الناس : أنزلوا آل محمّد منكم منزلة الرأس من البدن. وبمنزلة العينين من الرأس ، إنما مثلهم فيكم مثل سفينة نوح عليه‌السلام من ركبها نجا ، ومن تخلف عنها هلك.

[٥٧٦] موسى بن داود ، باسناده ، عن زيد بن أرقم ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

من أراد أن يتمسك بقضيب الياقوت الأحمر الذي غرسه الله بيمينه لنبيه ، في جنة الخلد ، فليتمسك بعلي بن أبي طالب عليه‌السلام.

[٥٧٧] عبد الله بن موسى (١) ، قال : تشاجر رجلان ، فقال أحدهما : أبو بكر أحق بالولاية من علي.

وقال الآخر : علي عليه‌السلام احق بذلك منه.

قال عبد الله بن موسى : فتراضيا بشريك بن عبد الله (٢) ، فأتياه فاستأذنا عليه ، فخرج إليهما ، فوقف بين البابين ، وضرب بيده على عضادتي الباب ، فأخبرا بما تشاجرا فيه.

فقال شريك : سأخبركما بذلك ، حدثني الأعمش عن شقيق بن سلمة ، عن حذيفة بن اليمان : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : إن الله عزّ وجلّ خلق عليا قضيبا في الجنة ، فمن تمسك به كان

__________________

(١) وفي الاصل : عبد الله بن موسى عن شريك بن عبد الله ، وهو تصحيف.

(٢) وهو أبو عبد الله ولد ٩٥ هـ ، شريك بن عبد الله بن الحارث النخعي الكوفي ، استقصاه المنصور على الكوفة ١٥٣ ، توفي بالكوفة ١٧٧ ه‍.

٢٦٩

من أهل الجنة.

فاستعظم الرجل ذلك. فضرب شريك الباب في وجهه ، ثم دخل. فقال الرجل لصاحبه : هذا حديث ما سمعناه ، فهل لك أن تأتي نوح بن دراج (١).

فأتياه ، فأخبراه بما كان بينهما ، وبقول شريك لهما.

فقال لهما نوح : أتعجبان من هذا ، حدثني الأعمش ، عن أبي هارون العبدي ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن الله عزّ وجلّ خلق قضيبا من نور ، فعلقه ببطنان عرشه ، لا يناله إلا علي ومن تولاه من شيعته. ففيم تعجبان؟

فقال الرجل لصاحبه : هذه اخت تلك ، فهل لك أن نمضي الى وكيع بن الجراح (٢).

فمضيا إليه ، فأخبراه بما كان بينهما ، وبما قال لهما شريك ونوح ، فقال لهما وكيع : أتعجبان من هذا؟ حدثني الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن أركان العرش لا ينالها إلا علي ومن تولاه من شيعته.

قال : فلم يبرح الرجل حتى اعترف بولاية علي صلوات الله عليه ، وتولاه.

[٥٧٨] سليمان بن عبد الله بن سنان ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه

__________________

(١) وهو أبو محمّد النخعي ، قاض من أصحاب أبي حنيفة كان أبوه حائكا من النبط ولي نوح القضاء بالكوفة واصبت عيناه فكان يقضي وهو أعمى واستمر ثلاث لا يعلم أحد بعماه وتوفي ١٨٢ ه‍.

(٢) وهو أبو سفيان وكيع بن الجراح بن مليح الرواسي ، ولد بالكوفة ١٢٩ هـ ، قال أحمد بن حنبل :

ما رأيت أحدا أوعى منه ولا أحفظ. توفي ١٩٧ ه‍.

٢٧٠

عليه‌السلام ، أنه قال : من منعنا مودته وولايته ، وتولى عدونا وقرب منه ، خرج من ولاية الله عزّ وجلّ الى ولاية الشيطان ، وحق على الله أن يحشره الى جهنم. إن الله عزّ وجلّ سمى من لم يتبع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في ولاية علي عليه‌السلام منافقين. وجعل من جحد وصي رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله إمامته كمن (١) جحد محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله نبوته ، فأنزل الله عزّ وجلّ : ( إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ ) يعنى الذين كذبوا بولاية الوصي ( قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ ) لتكذيبهم بولاية علي عليه‌السلام. ( اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ ) هو وصي رسوله ( إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ ) بولايته عدوّهم ( ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ) يعني برسالتك يا محمّد ( ثُمَّ كَفَرُوا ) بولاية وصيك ( فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ ) (٢).

[٥٧٩] عمرو بن ميمون ، عن جابر ، عن أبي جعفر محمّد بن علي صلوات الله عليه أنه قال :

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أتاني جبرائيل ، فقال لي : يا محمّد ، قل لامتك ، من سرّه أن يكون مع الله والله معه ، فليتولّ علي بن أبي طالب ، وليتبرأ من عدوه ، وليسلم لفضله ، وليتبع أمره.

[ علي عليه‌السلام الهادي ]

[٥٨٠] محمّد بن زياد الاعرابي ، باسناده ، عن عطاء بن السائب (٣) ، عن

__________________

(١) هكذا في نسخة ـ ب ـ وفي الأصل : لكن.

(٢) المنافقون : ١ ـ ٣.

(٣) وهو أبو محمّد وقبل أبو السائب الثقفي الكوفي ، توفي ١٣٦ ه‍.

٢٧١

سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، أنه قال : لما نزلت : ( إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ) (١) قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنا المنذر ، وأنت يا علي الهادي ، بك يا علي يهتدي المهتدون.

[٥٨١] جابر ، عن أبي جعفر محمّد بن علي صلوات الله عليه ، قال :

بينما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلي صلوات الله عليه يمشيان خارجا من المدينة ، عرضت لهما جنازة رثة الهيئة قليلة التبع ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ للذين يحملونها ـ : من هذا الميت الذي معكم؟

قالوا : يا رسول الله فلان عبد لبني رياح كان مسرفا على نفسه ، فجفاه الناس ، فقلّ تبعه.

قال : فهل صلّيتم عليه؟

قالوا : لا.

قال : امضوا. ومضى معهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى انتهى الى موضع فسيح ، فأمر بوضعه فيه ، فصلّى عليه. ثم انتهى معهم إلى قبره ، فدفنه ، وسوى عليه التراب ، ثم تفرق القوم.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي عليه‌السلام : يا أبا الحسن ، أما سمعت ما قال هؤلاء في هذا الميت؟

قال : بلى يا رسول الله بأبي أنت وأمي ، وإني لأعرفه ، وله عندي قصة أخبرك بها.

قال. هات يا علي.

قال : والله ما أعلم أنه استقبلني قط إلا قال لي : أنا والله احبك

__________________

(١) الرعد : ٧.

٢٧٢

وأتولاّك.

فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : بها والله أدرك ما أدرك ، لقد رأيت ـ يا أبا الحسن ـ معه قبيلا من الملائكة يشيعون جنازته (١) حتى صلّوا عليه ، ودفنوه.

[٥٨٢] أبو الجارود (٢) ، قال : كنت عند أبي جعفر محمّد بن علي صلوات الله عليه مع جماعة من أصحابه ، فقال له رجل (٣) منهم : يا ابن رسول الله ، حدثنا الحسن البصري أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال :

إن الله أرسلني برسالة ، فضقت بها ذرعا ، فتواعدني إن لم ابلغها أن يعذبني ، ثم قطع الحديث ، فسألناه تمامه ، وأن يخبرنا بالرسالة ما هي ، فجعل يروغ.

فقال أبو جعفر عليه‌السلام : ما لحسن ، قاتل الله حسنا ، أما والله لو شاء أن يخبركم لأخبركم ، ولكني أخبركم.

إن الله عزّ وجلّ بعث محمّدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمّدا رسول الله ، وأقام الصلاة ، فشهد المسلمون الشهادتين ، وصلّوا فأقلوا وأكثروا. فجاء جبرائيل عليه‌السلام إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا محمّد علّم الناس صلاتهم وحدودها ومواقيتها وعددها.

فجمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الناس ، فقال : أيها الناس إن الله عزّ وجلّ فرض عليكم الصلاة في الفجر كذا وكذا عددها

__________________

(١) وفي بحار الأنوار : ٣٩ / ٢٥٤ : إنه قد شيعه سبعون الف قبيل من الملائكة ، كل قبيل على سبعين الف قبيل.

(٢) وهو أبو جارود الاعمى الكوفي زياد بن المنذر.

(٣) وفي بحار الأنوار ٣٧ / ١٤٠ : فقام إليه رجل من أهل البصرة يقال له عثمان الأعشى.

٢٧٣

والظهر كذا وكذا عددها ووقتها حتى أتى على الصلوات الخمس.

ثم قال أبو جعفر عليه‌السلام : فهل تجدون هذا في القرآن.

قالوا : لا.

قال : ثم أنزل الله عزّ وجلّ وآتوا الزكاة ، فتزكى المسلمون على قدر ما يرون ، أعطى هذا من دراهمه ، وأعطى هذا من دنانيره ، وهذا من تمره ، وهذا من زرعه ، فأتاه جبرائيل عليه‌السلام. فقال : يا محمّد علّم الناس من زكاتهم مثل ما علّمتهم من صلاتهم.

فجمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الناس ، فقال : إن الله افترض عليكم الزكاة في الذهب من كذا وكذا وفي الفضة من كذا وكذا ، وعدّد جميع ما يجب فيه الزكاة وما يجب فيه منها.

ثم قال أبو جعفر عليه‌السلام : فهل تجدون هذا في كتاب الله؟

قالوا : لا.

قال : ثم أنزل الله عزّ وجلّ فريضة الحج ، فقال تعالى : ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) (١). ليس فيه كيف يطوفون ولا كيف يسعون. فأتاه جبرائيل عليه‌السلام ، فقال : يا محمّد علّم الناس من حجهم ما علّمتهم من صلاتهم وزكاتهم.

فجمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الناس ، فقال : أيها الناس ، إن الله عزّ وجلّ قد فرض عليكم الحج ، وأوقفهم على مناسك الحج ومعالمه شيئا شيئا.

ثم قال أبو جعفر عليه‌السلام ، فهل تجدون ذلك مفسرا في كتاب الله؟

__________________

(١) آل عمران : ٩٧.

٢٧٤

قالوا : لا.

قال : ثم أنزل الله عزّ وجلّ فرض الصيام ، وإنما كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يصوم يوم عاشورا ، فأتاه جبرائيل. فقال : يا محمّد علّم الناس من صومهم ما علّمتهم من صلاتهم وزكاتهم وحجهم.

فجمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الناس ، فقال : أيها الناس إن الله عزّ وجلّ قد فرض عليكم صيام شهر رمضان ، ثم [ علّمهم ] ما يجتنبون في صومهم وما يأتون وما يذرون.

ثم قال أبو جعفر عليه‌السلام : فهل تجدون هذا في كتاب الله تعالى؟

قالوا : لا.

قال : ثم أنزل الله عزّ وجلّ فريضة الجهاد ، فلم يعلموا كيف يجاهدون ، فأتاه جبرائيل ، فقال : يا محمّد علّم الناس من جهادهم ما علّمتهم من صلاتهم وزكاتهم وصومهم وحجهم.

فجمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الناس ، فقال : أيها الناس إن الله عزّ وجلّ قد فرض عليكم الجهاد في سبيله بأموالكم وأنفسكم.

وبيّن لهم حدوده ، وأوضح لهم شروطه.

ثم أنزل الله عزّ وجلّ الولاية ، فقال : ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ) (١).

فقال المسلمون : هذا لنا ، بعضنا أولياء بعض.

فجاء جبرائيل ، فقال : يا محمّد علّم الناس عن ولايتهم ما علّمتهم من صلاتهم وزكاتهم وصومهم وحجهم وجهادهم.

__________________

(١) المائدة : ٥٥.

٢٧٥

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا جبرائيل ، إن امتي حديثة عهد بجاهلية ، وأخاف عليهم أن يرتدوا ، فأنزل الله عزّ وجلّ : ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) (١) ، فلم يجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بدّا من أن خرج الى الناس ، فقال : أيها الناس إن الله عزّ وجلّ بعثني برسالته ، فضقت بها ذرعا ، وخفت أن الناس يكذبوني ، فتواعدني إن لم ابلغها ليعذبني.

ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب صلوات الله عليه ، ثم قال : أيها الناس ألستم تعلمون أن الله مولاي وأني مولى المؤمنين ووليهم ، وأني أولى بكم من أنفسكم؟

قالوا : بلى.

قال : فمن كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهمّ وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ، وأدر الحق معه حيث دار.

قال أبو جعفر صلوات الله عليه : فوجبت ولاية علي صلوات الله عليه على كل مسلم.

[٥٨٣] عباد بن يعقوب ، باسناده ، عن يعلي بن مرة (٢) ، أنه قال : كنا جلوسا عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إذ دخل علي بن أبي طالب صلوات الله عليه ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : كذب من زعم أنه يتولاني ويحبني ويعادي هذا ويبغضه ، والله لا يبغضه ولا يعاديه

__________________

(١) المائدة : ٦٧.

(٢) أبو المرازم يعلي بن مرة بن وهب بن جابر بن عتاب بن مالك. وأمه سيابة ولذا يقال يعلي بن سيابة.

٢٧٦

إلا كافر أو منافق أو ولد زنا.

[ بني الإسلام على خمس ]

[٥٨٤] الحسن بن غالب ، باسناده ، عن أبي هارون العبدي ، أنه قال : كنت أرى رأي الخوارج ، فجلست يوما إلى أبي سعيد الخدري ، وهو يحدّث ، فقال : بني الإسلام على خمس ، فأخذ الناس بأربع وتركوا واحدة.

قلت : يا أبا سعيد ، ما هي الأربع التي أخذوا بها؟

قال : الصلاة والزكاة والصوم والحج.

قلت : وما الواحدة التي تركوها.

قال : ولاية علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

قلت : انظر ما تقول ، هي مفروضة؟

قال : اي والله إنها لمفترضة (١).

[٥٨٥] عبد الرحمن بن صالح ، باسناده ، عن البراء بن عازب ، قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : إن الصدقة لا تحلّ لي ولا لأهل بيتي ، لعن الله من ادعى الى غير أبيه ، ولعن من انتمى الى غير مواليه الولد لصاحب الفراش وللعاهر الحجر ، ليس لوارث وصية إلا وقد سمعتم مني ورأيتموني ، فمن كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ألا إني فرطكم على الحوض ، ومكاثر بكم الامم يوم القيامة ، فلا تسودوا وجهي ، ألا لأستنقذن من النار رجالا وليستنقذن مني آخرون. فأقول : يا رب أصحابي؟

فيقال لي : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. ألا وان الله وليي

__________________

(١) وفي أمالي المفيد ص ٩٠ زيادة : قال الرجل : فقد كفر الناس اذن ، قال أبو سعيد : فما ذنبي؟

٢٧٧

وأنا وليّ كل مؤمن ، ومن كنت مولاه فعليّ مولاه.

[٥٨٦] سعيد بن خيثم ، باسناده : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : إنه لم تكن امة إلا وقد كان لها علم تعرف به طاعة الله من معصيته ، ابتلى الله قوما ، فقال : لا تأكلوا الحيتان يوم السبت ، وابتلى قوما بناقة ، فقال : لا تعقروها. وابتلى قوما بنهر ، فقال : ( فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي ) (١) ، وجعل سفينة نوح من ركبها نجا ، ومن تخلف عنها غرق ، وجعل باب حطة من دخله ساجدا غفر له.

وإن الله تبارك وتعالى لم يذر هذه الأمة حتى جعل لها علما تعرف به طاعته من معصيته ، وهو علي بن أبي طالب ، من تولاه فقد تولى الله ورسوله ، ومن عصاه فقد عصى الله ورسوله.

[٥٨٧] عبد الرحمن بن محمّد ، باسناده ، عن أبي رافع ، قال : سير عثمان أبا ذر الى الربذة ، فأتيته لأسلم عليه ، فلما أردت الانصراف قال لي : إنه ستكون فتنة ، ولست أدري أدركها أم لا. ولعلك أن تدركها ، فان أدركتها فعليك بالشيخ علي بن أبي طالب ، فاني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول له : أنت أول من آمن بي ويصافحني يوم القيامة ، وأنت الصدّيق الأكبر ، وأنت الفاروق الذي يفرق بين الحق والباطل ، وأنت يعسوب المؤمنين ، والمال يعسوب الكفرة.

[٥٨٨] علي بن عابس ، باسناده ، عن أبي معشر ، قال : دخلت الرحبة ، فإذا علي صلوات الله عليه بين يديه مال مصبوب ، وهو يقول : والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لا يموت عبد وهو يحبني إلا جئت أنا وهو يوم القيامة كهاتين ـ وجمع بين اصبعيه المسبّحتين ـ ولو شئت لقلت كهاتين

__________________

(١) البقرة : ٢٤٩.

٢٧٨

وجمع بين المسبحة والوسطى ـ ، وهذه أفضل من هذه ، وأنا يعسوب المؤمنين ، وهذا ـ وأومأ بيده الى المال ـ يعسوب المنافقين ، بي يلوذ المؤمنون ، وبهذا يلوذ المنافقون.

[٥٨٩] محمّد بن عبد الحميد السهمي ، باسناده ، عن عبد الله بن مسعود (١) ، قال : كنت عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فتنفس الصعداء.

فقلت : مالك ، يا نبيّ الله؟

فقال : نعيت إليّ نفسي.

قلت : ألا تستخلف علينا يا رسول الله.

قال : من؟

فذكرت أبا بكر ، وعمر ، وعثمان ، وطلحة ، والزبير. كل ذلك لا يقول شيئا حتى ذكرت علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

فرفع رأسه ونظر إليّ ، وقال : والذي نفسي بيده يا ابن مسعود لئن سمعوا له وأطاعوا ليدخلن الجنة أجمعين أكتعين (٢).

[٥٩٠] حدثنا جعفر بن سليمان الهاشمي ، باسناده عن عمر بن الخطاب ، أنه قال : لا يتم إسلام مؤمن (٣) إلا أن يتولى علي بن أبي طالب.

ومثل هذا كثير قد ذكرنا جملة منه فيما تقدم من هذا الكتاب ، ونذكر بعد في باقيه كثيرا منه إن شاء الله تعالى. ومن أمر رسول الله صلّى الله عليه

__________________

(١) عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب الهذلي ، أبو عبد الرحمن الصحابي من السابقين الى الاسلام وأول من جهر بقراءة القرآن بمكة ، وكان خادم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو من أهل مكة ، وكان قصيرا جدا يكاد الجلوس يوارونه ، وكان يحب الإكثار من التطيب ، وولي بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بيت مال الكوفة ، ثم قدم المدينة في خلافة عثمان معترضا فتوفي فيها عن نحوستين عاما ٣٢ ه‍.

(٢) أي تام دون نقص. ( مختار الصحاح ص ٥٦٣ ).

(٣) وفي نسخة ـ ج ـ : مسلم.

٢٧٩

وآله بطاعته ، فمن أين يجوز لأحد أن يتأمّر عليه ، ويوجب لنفسه طاعة دونه ، وإنما تكون الطاعة لاولي الأمر ، كما افترض الله عزّ وجلّ ذلك لهم في كتابه ، وقرن فيه طاعتهم بطاعته وطاعة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : ( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) (١) فجعلها طاعات مقرونة موصلة لا يجزي بعضها ولا يقوم بعضها إلا ببعض ، وكما لا تقوم ، ولا تجري طاعة الله عزّ وجلّ مع معصية رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكذلك لا تجزي طاعة الله وطاعة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله مع معصية أولي الأمر الذين أوجب الله عزّ وجلّ طاعتهم ، لأن في معصية أولي الأمر معصية الله ، ومعصية رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، إذ قد أوجب الله عزّ وجلّ في كتابه وعلى لسان رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله طاعتهم ، فلم يطع الله من عصاهم ، إذ قد افترض طاعتهم ، وكذلك لن يطيع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من عصى أحدا منهم ، إذ قد أمر عن أمر الله عزّ وجلّ بطاعتهم ، وقد نصّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كما ذكرنا فيما جاء عنه على طاعة علي عليه‌السلام ، ورغب في ذلك ، وذكر فضله وثوابه ، ونهى عن معصيته وحذر منها ، وذكر ما يوجبه من عقاب ربه.

وأكد ولايته وأقامه للامة مقامه ، ولم يقل شيئا من ذلك عبثا ولا تكلفا ، ولا من قبل نفسه ولا ليمرّ صفحا على من سمعه منه ، وانتهى إليه عنه ، لانه ليس من المتكلفين كما وصفه عزّ وجلّ في كتابه ، ولا ممن : ( يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى ) (٢) ، كما أخبر فيه عنه ، ولا يتبع كما وصفه عزّ وجلّ ( إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى ) إليه.

فأيّ بيان يكون أكثر من هذا البيان وأيّ نصّ يكون أوضح من هذا

__________________

(١) النساء : ٥٩.

(٢) النجم : ٣.

٢٨٠