شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار - ج ٢

القاضي النعمان بن محمّد التميميّ المغربي

شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار - ج ٢

المؤلف:

القاضي النعمان بن محمّد التميميّ المغربي


المحقق: السيد محمّد الحسيني الجلالي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦١١

[٥٢١] عن أم سلمة ، أنها قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا يحل هذا المسجد لجنب ولا لحائض إلا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأزواجه وعلي وفاطمة بنت محمّد ، ألا إني قد بينت لكم لئلا تضلوا (١) [ مرتين ] (٢).

[٥٢٢] عن عبد الله بن عمر ، أنه قال : لقد اعطي علي بن أبي طالب عليه‌السلام ثلاث مناقب لئن تكون (٣) لي إحداهن أحب إليّ من حمر النعم. زوّجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فاطمة عليها‌السلام ، فولدت له السبطين الحسن والحسين عليهما‌السلام. وأعطاه الراية يوم خيبر بعد أن قال : لأعطيّنها رجلا يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله. وسد أبواب الناس كلهم عن المسجد (٤) غير بابه.

[٥٢٣] وبآخر ، عن أنس بن مالك ، أنه قال : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مصدّقا الى قوم ، فعدوا عليه فقتلوه ، فأرسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إليهم عليا عليه‌السلام فقتل المقاتلة وسبى الذرية ، وانصرف

__________________

ذكر عدة روايات بان حديث سد الباب في أبي بكر وانه صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر بسد الابواب إلا باب أبي بكر ، ثم قال :

قال الحافظ ابن حجر : وفي أحاديث سد الابواب ما يخالف ظاهره ما سبق كحديث سعد بن أبي وقاص : أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بسد الابواب الشارعة في المسجد وترك باب علي أخرجه أحمد والنسائي وسنده قوي. زاد الطبراني في الاوسط ورجاله ثقات ، فقالوا : يا رسول الله سددت أبوابنا. فقال : ما أنا سددتها ، ولكن الله سدها.

وفي رواية : أمر بسد أبواب المسجد غير باب علي فكان يدخل المسجد وهو جنب ليس له طريق غيره. أخرجها أحمد والنسائي ورجالهما ثقات.

(١) وفي تاريخ دمشق ١ / ٢٧١ : ألا هل بينت لكم ، ألا ساء أن تضلوا.

(٢) الزيادة من المناقب لابن شهر اشوب ٢ / ١٩٤.

(٣) وفي نسخة ـ ج ـ : لا أن تكون.

(٤) هكذا صححناه وفي جميع النسخ : عن المسجد الحرام.

١٨١

بها ، فبلغ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قدومه ، فسرّ بما كان منه ، وخرج فتلقاه خارجا من المدينة ، فلما لقيه اعتنقه ، وقبّل بين عينيه ، وقال : بأبي وأمي من شد الله به عضدي كما شد عضد موسى بهارون.

[٥٢٤] وبآخر ، عن أبي إسحاق ، قال : [ سأل عبد الرحمن بن خالد قثم ] (١) ابن العباس : بأيّ شيء ورث علي بن أبي طالب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله دون العباس؟

قال : لأنه كان أشدّنا به لزوقا ، وأسرعنا به لحوقا.

[٥٢٥] وبآخر ، عن الحسن البصري (٢) ، أن رجلا أتاه ، فقال له : يا أبا سعيد (٣) ، إن إخوانك من الشيعة يزعمون أنك تبغض عليا عليه‌السلام.

فأطرق طويلا ، ثم رفع رأسه ، وقال :

ذكرت والله سهما صائبا من سهام الله عزّ وجلّ على أعدائه ، ربانيّ هذه الامة [ بعد نبيها ] (٤) وعالمها وذا فضلها ، وذا شرفها ، وذا قرابة قريبة من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لم يكن بالنومة عن حق الله ، ولا بالسروقة من مال الله ، أعطى القرآن والله عزائمه فيما عليه وله. [ فأورده رياضا مونقة وحدائق معذقة ذاك ] علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، فكيف أبغضه! يا لكع.

[٥٢٦] وبآخر ، عن جابر بن يزيد (٥) ، أنه قال : لقد فتّشت في فقهاء أهل

__________________

(١) هكذا صححناه وفي الاصل : قال : قلت لقثم بن العباس.

(٢) أبو سعيد ولد ٢١ هـ في المدينة وتوفي ١١٠ هـ بالبصرة.

(٣) وفي الاصل : يا أبا سعيد الخدري ، وهو غلط ظاهر.

(٤) ما بين المعقوفتين من كتاب المناقب لابن المغازلي ص ٧٣.

(٥) أبو عبد الله جابر بن يزيد بن الحارث الجعفي التابعي الكوفي توفي ١٢٨ ه‍.

١٨٢

الحجاز وأهل العراق وأهل المغرب زيادة على ثمانمائة وسبعين رجلا ، فمحضتهم عما في صدورهم في رفق ولطف ، فما وجدت منهم إلا من يعرف لعلي صلوات الله عليه خلا ثلاثة نفر منهم ، فأخذت ما أصبت منهم فقذفته في الماء.

[٥٢٧] وبآخر ، عن عبد الله بن علي بن الحسين ، يرفعه ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أتى مع جماعة من أصحابه الى علي عليه‌السلام مفتقدا له ، فنظر علي عليه‌السلام فلم يجد عنده شيئا يقربه إليهم.

فخرج يبتغي سلف دينار ، ليشتري لهم ما يتحفهم ، فمرّ غير بعيد ، فإذا هو بدينار على الأرض ، فتناوله ، وعرّف به فلم يجد له طالبا. فقال في نفسه : أشتري لهم به ما اقر به إليهم ، فإن جاء له طالب أديته إليه (١) ففعل ذلك ، واشترى بالدينار طعاما ، وأتى به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأصحابه ، فطعموا ، وانصرفوا وجعل ينشد الدينار فلم يجد له طالبا ، وأصابه عرضة ، فأتى به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأخبره بالخبر.

فقال : يا علي أعطاكه الله عزّ وجلّ لما اطلع على قلبك ، وما أردته وليس هو شيء للناس ، ودعا له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بخير.

[٥٢٨] سعيد بن جبير (٢) ، عن عبد الله بن عباس ، أنه قال : قال رسول الله صلّى

__________________

(١) هكذا في نسخة ـ ج ـ وفي الاصل : ودية إليه.

(٢) سعيد بن حبير بن هشام الاسدي الوالبي الكوفي التابعي الفقيه والمفسر والزاهد والعابد ويعرف بجهبذ العلماء. وفي طبقات الشعراني ١ / ٣٦ : كان يختم القرآن فيما بين المغرب والعشاء في رمضان. صار واليا على الكوفة في خلافه عثمان وعلى المدينة في عهد معاوية ، وورد أن الحجاج ولاه القضاء في الكوفة في بادئ الامر ثم عزله. قتله الطاغية الحجاج بن يوسف الثقفي في شعبان سنة ٩٥ هـ وهو ابن ٤٩ سنة لانه كان يعتقد ويعترف بولاية أهل البيت (ع).

١٨٣

الله عليه وآله لعلي عليه‌السلام :

إن الله عزّ وجلّ أعطاك احدى عشرة خصلة ليس لأحد معك فيها دعوى ، ومن كفر فإن الله غني عن العالمين :

أنت أخي في الدنيا. وأنت أخي في الآخرة. وأنت صاحب رايتي في الدنيا. وأنت صاحب رايتي في الآخرة. وأنت في الدنيا وصيتي في أهلي. ومنزلك في الجنة بقرب منزلي. وعدوك عدوي ، وعدوي عدوّ الله. ووليك وليي ، ووليي ولي الله عزّ وجلّ. وحربك حربي. وسلمك سلمي.

__________________

قال ابن الاثير : في جملة ما قال الحجاج لسعيد بن جبير : والله لأقتلنك ، أجابه : إني إذا لسعيد كما سمّتني أمي ، وضربت رقبته فبدر رأسه وعليه كمة بيضاء لاطية. فلما سقط رأسه هلل ثلاثا ، أفصح بمرة ولم يفصح بمرتين.

ولما قتل سعيد التبس عقل الحجاج فجعل يقول : قيودنا قيودنا. فظنوا أنه يريد القيود فقطعوا رجلي سعيد من انصاف ساقيه وأخذوا القيود. ومرقده في ضواحي مدينة الحي بواسط العراق.

١٨٤

[ احتجاجه (ع) في الشورى ]

[٥٢٩] عن الأعمش ، عن عامر بن واثلة (١) ، قال : كنت على الباب يوم الشورى ، فارتفعت الأصوات بينهم ، فسمعت عليا عليه‌السلام يقول :

أيها الناس الله الله في أنفسكم ، إنها والله الفتنة العمياء الصماء البكماء المقعدة ، الى متى تعصون (٢) الله ، أما تعلمون أنه ما من نفس تقتل ظلما أو يموت جوعا ، وما من ظلم يكون بعد اليوم أو جور أو فساد في الأرض إلا ووزر ذلك على من رد الحق عن أهله ، وأنا والله أهله.

والله ما الدنيا اريد ، ولقد علمت أنكم لن تفعلوا ، ولن تستقيموا ، ولن تجمعوا عليّ ، لكني أحتج عليكم ، واقيم المعذرة الى الله عزّ وجلّ بيني وبينكم.

بايع الناس أبا بكر ، وأنا والله أحقّ وأولى بها منه ، لكني خفت رجوع الناس على أعقابهم لما رأيت من طمع المنافقين في الكفر.

ثم جعلها أبو بكر من بعده لعمر ، فخفت آخرا ما خفته أولا ، وأنت يا عبد الرحمن بن عوف اقتديت بأبي بكر في عمر ، وحالك

__________________

(١) هكذا صححناه وفي الاصل عمرو بن وائلة.

(٢) وفي نسخة ـ ج ـ : تقصون.

١٨٥

ما قال الله عزّ وجلّ في أهل الضلالة : ( إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ ) (١) أستقيم (٢) لكم كما استقمتم ، فإذا غدرتم تغيرت ، والله على ما نقول وكيل ، أما تعلم أن عمر جعلني في خمسة أنا سادسهم لا يعرف لهم عليّ فضل في وجه من الوجوه ، وأنا أحتج عليكم بحجج لا يستطيع العربي منكم ولا المولى ولا المعاهد أن يجحدني منها حجة ، ولا يرد علي منها خصلة.

اناشدكم بالله الذي لا إله إلا هو أيها النفر الخمسة ، أفيكم أخ لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله غيري؟

قالوا : اللهمّ ، لا.

قال : فاناشدكم الله الذي لا إله إلا هو أيها النفر الخمسة ، هل فيكم من ولايته ولاية الله ، وعداوته عداوة الله غيري؟

قالوا : اللهمّ ، لا.

قال : فاناشدكم بالله الذي لا إله إلا هو أيها النفر الخمسة ، أفيكم من قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنت مني بمنزلة هارون من موسى غيري؟

قالوا : اللهمّ ، لا.

قال : فاناشدكم بالله الذي لا إله إلا هو أيها النفر الخمسة ، أفيكم من له عم كعمي حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله ، وسيد الشهداء عند الله [ غيري ]؟

قالوا : اللهمّ ، لا.

__________________

(١) الزخرف : ٢٣.

(٢) وفي نسخة الاصل : استقمت ، وصححناه نسخة ـ ج ـ.

١٨٦

قال : فاناشدكم بالله الذي لا إله إلا هو أيها النفر الخمسة ، هل فيكم من له زوجة كزوجتي فاطمة ابنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وسيدة نساء عالمها ، وامها أول من آمن بالله ورسوله [ غيري ]؟

قالوا : اللهمّ ، لا.

قال : فاناشدكم بالله الذي لا إله إلا هو أيها النفر الخمسة ، هل فيكم من له سبطان مثل سبطي الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة [ غيري ]؟

قالوا : اللهمّ ، لا.

قال : فاناشدكم بالله الذي لا إله إلا هو أيها النفر الخمسة ، هل فيكم أقرب الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مني؟

قالوا : اللهمّ ، لا.

قال : فاناشدكم بالله الذي لا إله إلا هو أيها النفر الخمسة ، هل فيكم وصي لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله غيري؟

قالوا : اللهمّ ، لا.

قال : فاناشدكم بالله الذي لا إله إلا هو أيها النفر الخمسة ، هل فيكم من آمن بالله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله قبلي؟

قالوا : اللهمّ ، لا.

قال : فاناشدكم بالله الذي لا إله إلا هو أيها النفر الخمسة ، هل فيكم من قدم صدقته بين يدي نجواه غيري؟

قالوا : اللهمّ ، لا.

قال : فاناشدكم بالله الذي لا إله إلا هو أيها النفر الخمسة ، هل فيكم أحد جاهد في سبيل الله كجهادي ، وقتل من المشركين كما قتلت ، وبذل نفسه بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كبذلي

١٨٧

لنفسي؟

قالوا : اللهمّ ، لا.

قال : فاناشدكم بالله الذي لا إله إلا هو أيها النفر الخمسة ، هل أفيكم أحد أعطاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سهمين ـ سهم في الخاصة ، وسهم في العامة ـ غيري؟

قالوا : اللهمّ ، لا.

قال : فاناشدكم بالله الذي لا إله إلا هو أيها النفر الخمسة ، هل أفيكم أحد ولي من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما وليته عند موته ، حتى سالت نفسه بيده باختصاصه إياه بذلك ، ودعائه له أن يلي ذلك منه غيري؟

قالوا : اللهمّ ، لا.

قال : فاناشدكم بالله الذي لا إله إلا هو أيها النفر الخمسة ، هل فيكم أحد جاءته التعزية من الله عزّ وجلّ حين هتف بنا جبرائيل عند موت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وليس معه في البيت إلا أنا وفاطمة والحسن والحسين وهو مسجّى بيننا ، فقال :

السّلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته ( كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ مَتاعُ الْغُرُورِ ) (١) إن في الله عزاء من كل مصيبة ، ودركا من كل فائت ، وخلفا من كل هالك ، فبالله فثقوا ، وله فارجعوا ، وإياه فاعبدوا ، وأعلموا أن المصاب من حرم الثواب ، والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته. غيري؟

__________________

(١) آل عمران : ١٨٥.

١٨٨

قالوا : اللهمّ ، لا.

قال : فاناشدكم بالله الذي لا إله إلا هو ، أفيكم أحد ولي غسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالروح والريحان مع كرام الملائكة غيري؟

قالوا : اللهمّ ، لا.

قال : فاناشدكم بالله الذي لا إله إلا هو أيها النفر الخمسة ، أفيكم أحد كفن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وحنطه مع الملائكة غيري؟

قالوا : اللهمّ ، لا.

قال : فاناشدكم بالله الذي لا إله إلا هو أيها النفر الخمسة ، أفيكم أحد وضع رسول الله في لحده ، وكان آخر الناس عهدا غيري؟

قالوا : اللهمّ ، لا.

قال : فاناشدكم بالله الذي لا إله إلا هو أيها النفر الخمسة ، أفيكم أحد كان يسمع حفيف أجنحة الملائكة غيري؟

قالوا : اللهمّ ، لا.

قال : فاناشدكم بالله الذي لا إله إلا هو أيها النفر الخمسة ، أفيكم أحد كان يقاتل بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وجبرائيل عن يمينه ، وميكائيل عن يساره ، وملك الموت (١) أمامه غيري؟

قالوا : اللهمّ ، لا.

قال : فاناشدكم بالله الذي لا إله إلا هو أيها النفر الخمسة ،

__________________

(١) عزرائيل.

١٨٩

أفيكم أحد شهد الكتاب بتطهيره في الخمسة أصحاب الكساء غيري؟

قالوا : اللهمّ ، لا.

قال : فاناشدكم بالله الذي لا إله إلا هو أيها النفر الخمسة ، أفيكم أحد قدمه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وولده وأهله معه للمباهلة لما أنزل الله عزّ وجلّ عليه : ( فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ) (١) وكان كنفس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقال : أنت كنفسي ، غيري؟

قالوا : اللهمّ ، لا.

قال : فاناشدكم بالله الذي لا إله إلا هو أيها النفر الخمسة ، أفيكم أحد ترك رسول الله بابه مع أبوابه يشرع الى المسجد وسد أبواب جميع أصحابه غيري؟

قالوا : اللهمّ ، لا.

قال : فاناشدكم بالله الذي لا إله إلا هو أيها النفر الخمسة ، أفيكم أحد ورث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وصارت تركته إليه من بعده غيري؟

قالوا : اللهمّ ، لا.

قال : فاناشدكم بالله الذي لا إله إلا هو أيها النفر الخمسة ، أفيكم أحد استخلفه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على أهله ، وجعل طلاق نسائه بيده ، غيري؟

قالوا : اللهمّ ، لا.

__________________

(١) آل عمران : ٦١.

١٩٠

قال : فاناشدكم بالله الذي لا إله إلا هو أيها النفر الخمسة ، أفيكم أحد لا يجد حرا ولا بردا بدعاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، غيري؟

قالوا : اللهمّ ، لا.

قال : فاناشدكم بالله الذي لا إله إلا هو أيها النفر الخمسة ، أفيكم أحد أمره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على جميع الناس يوم جمع بني عبد المطلب وأندرهم كما أمره الله عزّ وجلّ أن ينذر عشيرته الأقربين ، وندبهم الى من يؤازره منهم على أمره على أن يجعله أخاه ووزيره في حياته ووصيه وخليفته على الأمة بعد وفاته ، فأبوا من ذلك ، وأجابه وعقد له ذلك وأمرهم بالسمع والطاعة له ، غيري؟

قالوا : اللهمّ ، لا.

قال : فاناشدكم بالله الذي لا إله إلا هو أيها النفر الخمسة ، هل فيكم أحد أقامه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في حجة الوداع عند ما احتج إليه عامة الامة ، فقال لهم : ألستم تعلمون أني أولى بكم منكم بأنفسكم؟ قالوا : اللهمّ ، نعم. قال : فمن كنت مولاه فهذا مولاه ، اللهمّ وال من والاه ، وعاد من عاداه ، غيري؟

قالوا : اللهمّ ، لا.

قال : فاناشدكم بالله الذي لا إله إلا هو أيها النفر الخمسة ، هل فيكم أحد نهض به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على ظهره ليلة كسر أوثان الكعبة ، فألقاها عنها ، وكسرها ، غيري؟

قالوا : اللهمّ ، لا.

قال : فاناشدكم بالله الذي لا إله إلا هو أيها النفر الخمسة ، أفيكم أحد يعرف المنافقون ببغضهم إياه لما ابلي في المشركين غيري؟

قالوا : اللهمّ ، لا.

١٩١

قال : فاناشدكم بالله الذي لا إله إلا هو أيها النفر الخمسة ، أفيكم أحد نودي باسمه من السماء يوم أحد « لا فتى إلا هو لا سيف إلا ذو الفقار » غيري؟

قالوا : اللهمّ ، لا.

قال : فاناشدكم بالله الذي لا إله إلا هو أيها النفر الخمسة ، أفيكم أحد أجابه الجن برسالة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، غيري؟

قالوا : اللهمّ ، لا.

قال : فاناشدكم بالله الذي لا إله إلا هو أيها النفر الخمسة ، أفيكم أحد قال فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لأعطين الراية غدا رجلا يحبه الله ورسوله ، ويحب الله ورسوله ، كرار غير فرار ، لا يرجع حتى يفتح الله على يديه ، ثم أعطاه اياها ، ففتح الله على يديه ، غيري؟

قالوا : اللهمّ ، لا.

قال : فاناشدكم بالله الذي لا إله إلا هو أيها النفر الخمسة ، أفيكم أحد يشهد له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بأنه أعلم الناس بالقضاء ، وضرب على صدره ، ودعا له بالعلم بذلك ، غيري؟

قالوا : اللهمّ ، لا.

قال : فاناشدكم بالله الذي لا إله إلا هو أيها النفر الخمسة ، أفيكم أحد من نزل من القرآن بمدحه وفضله مثل ما أنزل الله فيّ؟

قالوا : اللهمّ ، لا.

قال : فاناشدكم بالله الذي لا إله إلا هو أيها النفر الخمسة ، هل فيكم أحد يدعي شرف كل آية في القرآن أولها ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) لسبقه الى الإيمان ، غيري؟

قالوا : اللهمّ ، لا.

١٩٢

قال : فاناشدكم بالله الذي لا إله إلا هو أيها النفر الخمسة ، أمنكم أحد نزل فيه : ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ) (١) غيري؟

قالوا : اللهمّ ، لا.

قال : فاناشدكم بالله الذي لا إله إلا هو أيها النفر الخمسة ، أفيكم من أنزل الله عزّ وجلّ فيه : ( وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً ) الى قوله : ( إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً ) (٢) غيري؟

قالوا : اللهمّ ، لا.

قال : فحسبي بما أقررتم به من مناقبي وفضائلي ، ولو شئت أن أذكر غير ذلك كثيرا لذكرته ، فاصنعوا بعد ذلك ما أنتم صانعون ، فالله الشاهد على ما تفعلون.

قال عامر بن وائلة : فهذا ما حفظته ممّا عدده علي عليه‌السلام يومئذ من مناقبه على أهل الشورى ، فأقروا بها ، وصدقوه فيها. ثم لم أسمعه كلّمهم بعد ذلك بشيء حتى عقدوا ما عقدوه بينهم ، وافترقوا. وقد ذكرت في فصل قبل هذا جرى فيه مثل هذا الكلام ما أوجب مثل هذا القول من علي عليه‌السلام ، وأن ذلك لما خصه الله به من فضل الإمامة ، فلم يكن ينبغي له الإعراض عن ذلك ، وتركه كما لا ينبغي لمن خصه الله عزّ وجلّ بالنبوة أن يعرض عنها ، ويزهد فيها ، لا على أن ذلك كان من علي صلوات الله عليه لرغبته في شيء من أمر الدنيا. وقد علم الخاص والعام زهده فيها قبل أن يصير أمر الإمامة إليه وبعد ذلك.

__________________

(١) المائدة : ٥٥.

(٢) الانسان : ٨ ـ ٢٢.

١٩٣

[ سعد والسابّ عليّا ]

[٥٣٠] الأعمش ، باسناده ، عن سعد بن أبي وقاص : أنه سمع قوما يسبون بعض أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله . فقال : لا تسبوا أصحاب محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله فإنهم خير منكم ، وان عبتم عليهم ما عبتم.

فقال له رجل من القوم : أما والله ، إنا لنعيب عليكم ، ونجد في تخلفك عن سيد المسلمين (١) وإمام المتقين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه.

فقال سعد : أما والله ما كان ذلك مني لموجدة عليه ، أو أن أكون لا أراه أحق الناس بها ، ولكنه رأي رأيت أخطأ أو أصاب ، وكيف يكون الذي تظنون بي ، وقد سمعت من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في علي عليه‌السلام من المناقب الشريفة ما إني وددت أن واحدة منهن لي بما طلعت الشمس عليه.

سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول ـ يوم غدير خم ـ : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهمّ وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر

__________________

(١) وفي نسخة ـ ج ـ : سيّد المرسلين.

١٩٤

من نصره ، واخذل من خذله. شايلا بيده ، قد أسمع أهل النادي من جميع الناس ـ الأقصين والأدنين ـ.

وسمعته يقول له ـ لما خرج الى تبوك واستخلفه على المدينة وعلى أهله ـ ، وقد قال له : يا رسول الله ، إن بعض الناس يقولون : إنك إنما خلفتني استثقالا لي. فقال له :

يا علي ، إنه لا بدّ من إمام وأمير ، فأنا الإمام وأنت الأمير ، أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى حيث استخلفه على بني إسرائيل إلا أنه لا نبي بعدي يوحى إليه. والله ما خلفتك عن أمري ، ولا عاقبتك عن أمري ، ولا أمرتك عن أمري إن أنا إلا مأمور.

وقال يوم خيبر ـ وقد انهزم أبو بكر وعمر ومن معهما ـ : لأعطين الراية غدا رجلا يحبه الله ورسوله ، ويحب الله ورسوله ، وليفتحن الله تعالى على يديه إن شاء الله تعالى ، ليس بفرار ولا نكاص ولا غدار ، يعطي السيف حقه ، والقرآن عزائمه والنصيحة أهلها. فلما كان من غد تشوق لها كل ذي شرف ، فدعا بعلي عليه‌السلام ـ وكان أرمد ـ فأجلسه بين يديه ، وتفل في عينيه وعلى بدنه.

ثم قال : اللهمّ أذهب عنه الحرّ والبرد ، وارحمه ، وترحم عليه ، وأعنه ، واستعن به ، وانصره ، وانتصر به ، فانه عبدك وأخو رسولك. ودفع الراية إليه ، فخرج يمشي كأنه أسد ، ففتح الله عليه خيبر ، ثم حمل باب المدينة حتى وضعه ناحية ، فاجتمع عليه بعد ذلك سبعون رجلا ، فلم يقدروا أن يحملوه (١) فو الله ما وجد علي عليه‌السلام بعد ذلك حرا ولا بردا.

ولقد أشرفت عليه يومئذ ، فقالوا للجيش : من عليكم؟

__________________

(١) وفي نسخة ـ ج ـ : أن يقيلوه.

١٩٥

قالوا : علي بن أبي طالب.

فقال بعضهم لبعض : لا قوام لكم به ، هذا وصيّ محمّد وهو سيد الأوصياء ، ومحمّد سيّد الأنبياء ، ولكنا لا نرضى أن نكون عبيدا ونحن ملوك.

وأمر رسول الله أعمامه وسائر أصحابه بسد أبوابهم من المسجد ، وترك باب علي عليه‌السلام حتى قال في ذلك حمزة بن عبد المطلب :

العجب من فضل الله عزّ وجلّ يؤتيه من يشاء ، يخرج العم من المسجد ، ويترك ابن العم.

فبلغ ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلقي حمزة ونحن معه.

فقال : يا حمزة بن عبد المطلب ، قد بلغني قولك في أمر المسجد ، وسدّي أبواب عمومتي وترك باب علي ، والله ما عن أمري فتحت الأبواب ، لكنه عن أمر ربّ العالمين. ولا عن أمري سددت ما سددت ، وتركت ما تركت لكنه عن أمر ربّ العالمين ، فأيكم سخط أمر ربّ العالمين.

فقال حمزة : فداك أبي وأمي ما نسخط ذلك بل نرضى ونسلّم ، فقد بعث إلينا وفي قومك من هو أكبر سنا منك ، وأطوع فيهم ، وأكثر أموالا ، وأبعد صوتا ، لكن الله تعالى يعلم حيث يجعل رسالته ، فخصّك بذاك دونهم ، فأهل ذلك ربنا وأهل ذلك أنت عنه وأهل ذلك عليّ من الله ومنك يا رسول الله ، فقد آمن بك عليّ إذ كفرنا بك ، وصدّقك إذ كذبناك ، ورضي بالله وبك وهو غلام وجحدنا نحن ذلك ، ونحن رجال ، ودعوتنا وجميع بني عبد المطلب ، وطلبت من يؤازرك منا على أن تجعله أخاك ووزيرك في حياتك ووصيك وخليفتك من بعدك ، فأحجمنا وامتنعنا من ذلك ونحن رجال ،

١٩٦

وبذل لك نفسه وهو غلام ، فهنيئا لعلي ما منحه الله عزّ وجلّ إياه وفضله به وما ننكر فضله.

فابتهج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لذلك من قول عمه ، وأثنى عليه خيرا.

[ ابن عباس والشامي ]

[٥٣١] إبراهيم بن الفضل الكوفي ، باسناده ، عن موسى بن غسان ، قال : كان أهل الشام يسبون عليا صلوات الله عليه ، فاجتمعوا ذات يوم ، وقالوا : قد طال سبنا لهذا الرجل ، وهذا عبد الله بن عباس يفتي الناس بمكة ، فهلمّوا لترسلوا رسولا يسأله : لم قتل علي صلوات الله عليه من قتل من المسلمين؟ ولم يشركوا بالله العظيم ، ولم يقتلوا من النفس التي حرم الله ، ولم يتركوا صلاة ولا زكاة ولا صوما ولم يكفروا بحجّ ولا بعمرة.

فاختاروا رجلا منهم ، واشتروا له زاحلة وزوّدوه ، وأرسلوه. فخرج حتى أتى مكة ، فوجد عبد الله بن عباس جالسا على زمزم يحدّث الناس ، فسلّم عليه ، فرد ابن عباس عليه‌السلام.

فقال له الرجل : رحمك الله إني رجل غريب ، فأقبل عليّ بسمعك وذهنك ، واسمع كلامي.

[ فوضع ] (١) يده على فمه يومي بها الى الناس أن اصمتوا ، فصمتوا ، ثم أقبل على الرجل ، فقال : ممن الرجل؟

قال : من أهل الشام.

__________________

(١) هكذا صححناه ، وفي الاصل ونسخة ـ ج ـ : فقال ابن عباس بيده.

١٩٧

قال له ابن عباس : أعوان كل ظالم إلا من عصم الله (١) فما حاجتك ، يا أخا أهل الشام؟

قال : إني من عند قوم يلعنون عليا.

وكان ابن عباس متكئا على درب بئر زمزم (٢) ، فاستوى جالسا ، وقال : ولم ذلك؟ لعنهم الله لقرب قرابته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أم لسابقته في الإسلام؟

قال : رحمك الله ، فعلى ما ذا قتل المسلمين الذين لم يشركوا بالله العظيم؟ ولم يقتلوا النفس التي حرم الله ، ولم يتركوا صلاة ولا زكاة ولا صوما ولم يكفروا بحجّ ولا بعمرة؟

قال ابن عباس : ويحك يا أخا أهل الشام ، سل عما يعنيك ، ودع عنك ما لا يعنيك.

قال الرجل : والله ما جئت لحجّ ولا لعمرة ولا جئت إلا لتشرح لي أمر علي وقتله أهل لا إله إلا الله ، واهدني واهد معي خلقا كثيرا ، فاني إنما جئتك عن قوم اشتروا لي راحلتي وزودوني وأرسلوني إليك لأسألك عما سألتك عنه ، وأرجع إليهم بجوابك.

قال ابن عباس : يا أخا أهل الشام إن الحديث لا يحدّث به إلا من سمعه فأدّاه كما سمعه.

قال له الرجل : يرحمك الله لو أنهم لم يعلموا أني كما يريدون في الإبلاغ إليهم لم يختاروني.

قال له : ويحك يا شامي ، إنما مثل علي عليه‌السلام في هذه الامة

__________________

(١) وفي اليقين ص ١٠٦ : إلا من عصمهم الله.

(٢) وفي الاصل : على دائر بين زمزم. وفي نسخة ـ ج ـ : جالسا على زمزم.

١٩٨

كمثل العبد الصالح الذي قال له موسى : ( هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً ) (١).

ويحك ، اجلس حتى اخبرك بما سمعت وحفظت عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : إن الله عزّ وجلّ لما أعطى موسى التوراة وعلمه من كل شيء قال موسى : أنا أعلم الناس ، فلما لقي الخضر عليه‌السلام أقرّ له بعلمه ولم يحسده كما حسدتم أنتم عليا عليه‌السلام ، وكان خرقه للسفينة لله رضا ، وسخطا لأهل الجهالة من الناس ، وكان قتله الغلام لله رضا ، وسخطا لأهل الجهالة من الناس.

ويحك يا شامي ، إنا كنا عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد تزوج زينب بنت جحش (٢) ، وكان يطعم الحيس ، وأقام اسبوعا يطعم الناس ، وكنا إذا دخلنا إليه جلسنا عنده نتحدث ، وكان ذلك يؤذيه ولم نعلم ، فانزلت هذه الآية : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ ) (٣). فكنا إذا اكلنا خرجنا من عنده ، فلما أتم اسبوعا خرج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الى منزل أمّ سلمة ، وكان علي عليه‌السلام لم يأته في ذلك الاسبوع حياء منه ، فأقبل لما بلغه أنه خرج الى منزل أمّ سلمة حتى وقف على الباب ؛ فقرعه قرعا خفيفا ، فعرفه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله

__________________

(١) الكهف : ٦٦.

(٢) وهي زينب بنت جحش بن رئاب الاسدية ولدت ٣٣ قبل الهجرة وكانت زوجة زيد بن حارثة فطلقها واسمها برّة وتزوجها الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وسماها زينب توفيت ٢٠ ه‍.

(٣) الاحزاب : ٥٣.

١٩٩

ولم تعرفه أمّ سلمة. فقال لها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : قومي فافتحي الباب.

قالت أمّ سلمة : وما بلغ من هذا الذي أقوم إليه ، فأستقبله بمعاصمي ومحاسني ، فأفتح له الباب ، وقد نزل فينا بالأمس ما قد نزل؟

فقال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ كالمغضب ـ : أمالي عليك من حق؟

قالت : بلى يا رسول الله.

قال : فقومي فافتحي الدار فإن بالباب رجلا ليس بالخرق ولا بالنزق ، وليس يدخل الباب بعد أن تفتحي الباب حتى يخفى عليه الوطء ، إن بالباب رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله.

فقامت أم سلمة وهي تقول : بخ بخ لرجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ، ففتحت الباب. فأخذ علي صلوات الله عليه بعضادتي الباب ، ومكث حتى سكت عنه الوطء ، ودخلت أم سلمة خدرها ، فسلّم ثلاثا ، ثم دخل.

فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ساعة رآه ـ : والله يا أبا الحسن لقد كنت مشتاقا إليك.

فقال له علي عليه‌السلام : وأنا والله بأبي أنت وأمي يا رسول الله أشدّ شوقا.

وقبّل كل واحد منهما بين عيني الآخر. ثم جلس علي عليه‌السلام ، والتفت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أمّ سلمة ـ وهي في خدرها ـ فقال لها : أما تعرفين هذا؟

فقالت : بلى يا رسول الله ، هو أخوك وابن عمك علي عليه‌السلام.

٢٠٠