شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار - ج ٢

القاضي النعمان بن محمّد التميميّ المغربي

شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار - ج ٢

المؤلف:

القاضي النعمان بن محمّد التميميّ المغربي


المحقق: السيد محمّد الحسيني الجلالي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦١١

تسمّى حروراء ، فنسبوا إليها. فقالت : والله لو شاء علي بن أبي طالب لأخبركم بما أخبره به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عنهم. وقد جئتك يا أمير المؤمنين أسألك عن ذلك.

فهلّل علي عليه‌السلام وكبّر مرتين.

ثم قال : نعم ، دخلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وليس عنده أحد غير عائشة. فقال : يا علي ، كيف أنت وقوم كذا وكذا؟

قلت : الله ورسوله أعلم. قال : هم قوم يخرجون من المشرق يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، فيهم رجل مخدج كأن يده ثدي امرأة (١).

ثم نظر الى الناس فقال : انشدكم الله هل أخبرتكم بهم؟

قالوا : نعم.

قال : فانشدكم الله هل أخبرتكم أنه فيهم؟ فقلتم : إنه ليس فيهم. فحلفت لكم أنه فيهم وإني ما كذبت ولا كذبت ، فأتيتموني به تسحبونه كما نعت لكم.

قالوا : نعم. [ صدق الله ورسوله ].

[٤٢٣] يحيى بن اكثم (٢) باسناده ، عن ابن عباس ، قال : لما قتل علي عليه‌السلام أهل النهروان ، قال : أيّ نهر هذا؟

قالوا : هو النهروان.

قال : اطلبوا في القتلى رجلا أخدج إحدى اليدين ليست له كف

__________________

(١) وفي خصائص النسائي ص ١٤٧ : ثدي حبشية.

(٢) أبو محمّد يحيى بن اكثم بن محمّد بن قطن التميمي الأسيدي المروزي القاضي ولد بمرو ١٥٩ واتصل بالمأمون ولاه قضاء البصرة ٢٠٢ هـ ثم قضاء بغداد. واحتجاجه مع الامام الجواد مشهور. عزله المتوكل ومات في الربذة ٢٤٢ ه‍.

٦١

ولا ذراع على موضع عضده مثل ثدي المرأة في طرفه حلمة مثل حلمة الثدي ، فيها سبع شعرات طوال.

فالتمسناه ، فلم نجده ، فما رأيته اشتدّ عليه شيء كما اشتدّ ذلك عليه. وقال : اطلبوه! فو الله ما كذبت ولا كذبت وأنه لفيهم.

فرجعنا ، وأتينا خندقا فيه قتلى بعضهم على بعض ، فاستخرجناه من تحتهم. فلما رآه فرح فرحا ما رأيناه فرح مثله.

[٤٢٤] إسماعيل بن موسى ، باسناده ، عن علي عليه‌السلام ، أنه لما أتى بالمخدج سجد ـ سجدة الشكر ـ (١).

[٤٢٥] الحكم بن سليمان ، باسناده ، عن أبي سعيد الخدري ، أنه قال : ذكر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الخوارج ووصفهم ، ثم قال : يقتلهم خير البرية علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

[٤٢٦] إسماعيل ، باسناده ، عن حبة العرني ، انه قال : لما فرغ علي عليه‌السلام من قتال أهل النهروان قام إليه رجل ، فقال : الحمد لله الذي قتلهم وأخزاهم وأفناهم.

فقال له علي عليه‌السلام : لقد بقي منهم من هو في أصلاب الرجال ومن هو في أرحام النساء ، ولا تزال الخارجة تخرج منهم بعد الخارجة حتى تخرج منهم فرقة ـ أو قال : طائفة ـ لا يناويهم أحد إلا قتلوه ـ أو قال : ظهروا عليه ـ ، قال : فيخرج إليهم رجل مني (٢) ـ أو قال : من ولدي ـ فيقتلهم فلا يخرج منهم بعدها خارجة أبدا.

فاخلق أن يكون الخارج إليهم بعد ما كان منهم وصفه علي

__________________

(١) وفي نسخة ـ ج ـ : سجدتي الشكر.

(٢) هكذا في نسخة ـ أ ـ وفي الاصل : من امتي.

٦٢

صلوات الله عليه الإمام المنصور بالله صلوات الله عليه ، فانه لم يكن للخوارج فئة أشد ولا أغلظ على الامة من فئة اللعين مخلد ، ولا فتنة أعظم من فتنته عمّت الأرض شرقا وغربا وبرا وبحرا حتى خرج إليه المنصور عليه‌السلام من دار ملكه ، فلم يزل يفله ويقل حده وجمعه ، ويقتلهم في كل موطن ، وهم يولون بين يديه ناكصين على أعقابهم هربا منه يتوغلون الصحاري والرمال ، ويقطعون الفيافي ، وينزلقون في قلل الجبال وهو على ذلك لا يثني عنهم عنان الطلب حيث ما أمعنوا ، وجدوا في الحرب متجشما في ذلك لفح الهجير والحر ، ومباشرة الثلج والقرّ والصرّ حتى أمكنه الله عزّ وجلّ من رمته وأفنى على يديه أكثر أهل نحلته. ولن تخرج إن شاء الله لهم بعد ذلك خارجة أبدا. وفيه إن شاء الله جاء الخير وبذلك عن علي صلوات الله عليه (١).

[ عائشة والخوارج ]

[٤٢٧] الدغشي ، باسناده ، عن مسروق (٢) ، قال : قالت لي عائشة : ترى قول علي عليه‌السلام « والله ما عبروا النهر ولا يعبرونه » حق؟

قلت : إي والله حق.

قالت : أفترى قوله في ذي الثدية : اطلبوه ، فو الله ما كذبت ولا كذبت؟

__________________

(١) ومن المتوقع أن هذه الرواية وردت في المهدي محمّد بن الحسن العسكري ـ لأن شراذم من الخوارج وبقاياهم موجودون في الأرض ولهم حكومات كدولة عمان ودول في المغرب العربي حتى يظهر (ع) ويطهر الأرض منهم وهذه من مؤيدات عدم ظهوره (ع) بعد. وسنذكر في الجزء الخامس عشر بطلان ما ادعاه المؤلف من أن المنصور بالله الفاطمي هو المهدي ، فراجع.

(٢) مسروق بن الأجذع بن مالك الهمداني الوادعي ـ أبو عائشة ـ سكن الكوفة ، توفي ٦٣ ه‍.

٦٣

قلت : إي والله.

قالت : والله إني لأعلم أن الحق مع علي ، ولكني كنت امرأة من الأحماء.

[٤٢٨] وبآخر ، عن غالب الهمداني ، قال : أخبرني رجل من كندة ، قال : خرجت من الكوفة اريد الحج ، فمررت بعائشة ، فدخلت عليها.

فقالت لي : ممن الرجل؟

قلت : رجل من أهل العراق.

فقالت : إني أسألك عن أمر ، ولا تقل بلغني ولا قيل لي ، فإن ذلك قد ينسو به الكذب ، ولا تخبرني إلا عمّا رأته عيناك وسمعته اذناك.

قلت : سلي عما شئت يا أم المؤمنين ، فإني لا اخبرك إلا بما رأيت وسمعت.

قالت : شهدت شيئا من حروب على عليه‌السلام؟

قلت : قد شهدت جميعها ، فاسألي عمّا شئت.

قالت : صف لي الموضع الذي اصيب فيه الخوارج؟

قلت : نعم ، اصيبوا. بجانب نهر يقال لأسفله : النهروان ، ولأعلاه :

تأمر ، أصبناهم بين أخافيق وأودية وطرق ، بقرب بناء لبوران بنت كسرى ، هنالك أصبناهم.

قالت : فأصبتم فيهم ذا الثدية؟

قلت : نعم أصبناه ، رجلا أسود له يد كثدي المرأة ، إذا مديت امتدت ، وإذا تركت تقلصت.

قالت : فعل الله بعمرو بن العاص ما فعل به ، فقد قال : إنه أصابه على نيل مصر.

٦٤

قلت : يا اماه ، وما أردت بسؤلك عن ذلك؟

قالت : لخبر.

قلت : فإني أسألك بحقّ رسول الله إلا أخبرتنيه.

قالت : سبحان الله ، سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : هم شرّ الخلق والخليقة يقتلهم خير الخلق والخليقة ، وأقربهم عند الله وسيلة يوم القيامة.

٦٥

[ ابن عباس ومعاوية ]

[٤٢٩] وبآخر ، عن عبيد الله بن عبد الله الكناني ـ من أهل المدينة ـ حليفا لبني أميّة ، قال : حجّ معاوية ، فأتى المدينة ، فجلس في المسجد في حلقة ، فيها أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فيهم عبد الله بن عباس (١).

فقال له معاوية : أنا كنت أولى بالأمر منك من ابن عمك.

قال ابن عباس : ولم؟

قال : لأني ابن عم الخليفة المقتول ظلما.

قال ابن عباس : فهذا إذا أولى بالأمر منك ومن ابن عمك ـ وأشار الى عبد الله بن عمر ـ لان أباه قتل مظلوما قبل ابن عمك.

قال معاوية : إن أبا هذا ليس كابن عمي ، إن أبا هذا قتله مشرك ، وإن ابن عمي قتله المسلمون.

فضحك ابن عباس ، وقال : ذاك والله أدحض لحجتك إذ كان المسلمون قتلوه.

فسكت معاوية ولم يجر جوابا.

ثم أقبل على سعد بن أبي وقاص.

__________________

(١) وفي تاريخ دمشق ٣ / ١٢١ : في مجلس فيه سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر وعبد الله بن العباس.

٦٦

فقال : وأنت يا سعد الذي لم تعرف حقنا عن باطل غيرنا ، فتكون معنا أو علينا (١).

فقال سعد : إني والله لما رأيت الظلمة قد غشيت الأرض قلت لبعيري : هيج ، فلما أسفرت مضيت.

قال له معاوية : لقد قرأت ما بين اللوحين ، فما سمعت فيه هيج (٢).

فقال سعد : أما إذا أبيت ، فإني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لعلي عليه‌السلام : أنت مع الحق والحق معك.

فقال له معاوية : لتجيئني بمن سمع ذلك معك أو لأفعلن أو لأصنعن ـ.

فقال سعد : بيني وبينك أمّ سلمة هي سمعته معي.

فقام معاوية وجماعة معه وسعد ، فأتوها.

فناداها معاوية.

فقال : يا أم المؤمنين إن الكذب قد فشى على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فلا يزال قائل يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما لم يقله ، وقد زعم سعد أنه سمع قولا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله [ ما لم نسمعه ] سمعه يقول لعلي بن أبي طالب أنه مع الحق والحق معه (٣) ، فإنك سمعت ذلك معه.

قالت : صدق سعد ، في بيتي قال ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي عليه‌السلام.

__________________

(١) وفي تاريخ دمشق : فلم تكن معنا ولا علينا.

(٢) وفي جميع المصادر التي لدينا كلمة إخ : صوت اناخة الجمل.

(٣) وفي تاريخ دمشق ٣ / ١٢١ : أنت مع الحق والحق معك حيثما دار.

٦٧

قال سعد : الله اكبر.

فأقبل عليه معاوية ، فقال : الآن والله أنت ألوم ما تكون عندي ، والله لو سمعت هذا من رسول الله ما زلت خادما لعلي حتى أموت.

وكذب عدو الله قد سمع من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أكثر من ذلك ممّا ذكرناه ، وسمع قوله : من كنت مولاه فعليّ مولاه اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه. فما تولاّه ولا والاه بل حاربه وعاداه ولا رجع عما كان فيه ، إذ أخبره سعد وأمّ سلمة بما أخبراه به عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بل تمادى على ظلمه وأصرّ عليه.

٦٨

[ ندامة عائشة ]

[٤٣٠] وبآخر ، عن عائشة ، أنها قالت : والله لوددت أني كنت غصنا رطبا ، ولم أسر مسيري ـ تعني الى البصرة ـ يا ليتني كنت حيضة ، يا ليتني كنت حممة.

[ ضبط الغريب ]

والحممة : الفحمة الباردة ، وجمعها حمم. ويقال للمرأة السوداء حممة ، شبهوها بالفحمة لسوادها.

[٤٣١] وبآخر ، عن قيس بن أبي حازم ، أنه قال : قالت عائشة : لا تدفنوني (١) مع أزواج النبي ، فإني أحدثت بعده حدثا ـ تعني خروجها مع طلحة والزبير ـ.

[٤٣٢] وبآخر ، عن جميع بن عمير ، أنه قال : دخلت على عائشة ، وأنا غلام

__________________

(١) وأظن أن هنا تصحيفا والصحيح : لا تدفنوني مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وادفنوني مع أزواج النبي. أو كما ذكرنا الحديث : ادفنوني مع أزواج النبي ( راجع تخريج الاحاديث ) ويؤيده ما رواه المجلسي في بحار الأنوار مجلد ٨ / ٦٤٠ : عن مصعب بن سلام ، عن موسى بن مطير ، عن أبيه ، عن أم حكيم بنت عبد الرحمن بن أبي بكر ، قالت ـ لما نزلت بعائشة الموت ـ قلت لها : يا امتاه ندفنك في البيت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ وقد كان موضع قبر تذخره لنفسها ـ؟ قالت : لا ، ألا تعلمون حيث سرت ، ادفنوني مع صواحبي فلست خيرهن.

٦٩

مع أمي وخالتي ، فسألتاها عن أشياء ، ثم قالتا لها : ما كانت منزلة علي فيكم؟

قالت : سبحان الله كيف تسألاني عن رجل قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على صدره ، وسالت نفسه في يده فمسح بها وجهه ، ولم يدر الناس وجهة حيث يدفنونه؟ فقال : إن أفضل بقعة بقعة قبض فيها ، فادفنوه بها.

فقالتا لها : وكيف رأيت الخروج عليه؟

قالت : والله لوددت أني افتديت من ذلك بما في الأرض من شيء.

[٤٣٣] وبآخر ، عن فاطمة بنت الحسين ، أنها زاملت (١) عائشة الى مكة ، فرأت يوما عذرة ، فقالت :

والله وددت أني كنت هذه ، ولم أخرج في وجهي الذي خرجت فيه.

قال عبد الله بن الحسين : فقد تابت ، فلا تقولوا إلا خيرا (٢).

__________________

(١) المزاملة : المعادلة على البعير.

(٢) إن هذه الرواية وأمثالها ربما تفيد الظن ، وبديهي أن الظن لا يقاوم العلم ولا يمكن رفع اليد منه بالظن. أضف الى ذلك الروايات الكثيرة المعارضة القوية أو المساوية لها رتبة. فمنها :

ما رواه أبو الفرج الاصفهاني في مقاتل الطالبيين ص ٢٦ : عن محمّد بن الحسين الأشناني ، عن موسى بن عبد الرحمن المسروقي ، عن عثمان بن عبد الرحمن ، عن إسماعيل بن راشد ، باسناده ، قال : لما اتي عائشة نعي علي أمير المؤمنين عليه‌السلام تمثلت :

فالقت عصاها واستقرت بها النوى

كما قرّ عينا بالإياب المسافر

ثم قالت : من قتله؟

فقيل : رجل من مراد.

فقالت :

فإن يك نائبا فلقد بغاه

غلام ليس في فيه التراب

٧٠

[٤٣٤] وعن عمرو بن أمّ سلمة ، أنه قال : قالت عائشة : والله لوددت أني شجرة ، والله لوددت إن كنت مدرة ، والله لوددت أن الله لم يكن خلقني شيئا ، ولم أسر سيري الذي سرت.

[٤٣٥] وعن أبي جعفر ـ محمّد بن علي ـ صلوات الله عليه ، إن عيسى بن دينار المؤذن ، قال له : يا ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما تقول في عائشة ، وقد سارت المسير الذي علمت الى أمير المؤمنين ، وأحدثت ما أحدثت في الدين؟

فقال أبو جعفر عليه‌السلام : أولم يبلغك ندامتها ، وقولها : يا ليتني كنت شجرة ، يا ليتني كنت حجرا؟

قال له عيسى : فما ذاك منها يا ابن رسول الله؟ قال : توبة.

[٤٣٦] الليث بن سعد ، يرفعه الى عائشة ، أنها قالت :

لئن اكون قد قعدت عن يوم الجمل أحب إليّ من أن يكون [ لي ] من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سبعون ـ أو قالت أربعون ـ ولدا ذكرا.

__________________

وروى أيضا : عن الأشناني ، عن أحمد بن حازم ، عن عاصم بن عامر ، عن جرير ، عن الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي البحتري قال : لما أن جاء عائشة قتل علي عليه‌السلام سجدت.

وأما ما روي عن بكائها ، فكانت تبكي لأجل الخيبة لا للتوبة. وممّا يدل على ذلك ما رواه الواقدي باسناده ، أن عمار (ره) استأذن على عائشة بالبصرة بعد الفتح ، فأذنت له ، فدخل. فقال : يا أمة كيف رأيت صنع الله حين جمع بين الحق والباطل ، ألم يظهر الحق على الباطل ويزهق الباطل؟

فقالت : إن الحروب دول وسجال وقد اديل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولكن انظر يا عمار كيف تكون في عاقبة أمرك.

وروى مسروق ، أنه قال : دخلت على عائشة ، فجلست احدثها ، واستدعت غلاما لها أسود ، يقال له : عبد الرحمن ، فجاء حتى وقف. فقالت : يا مسروق أتدري لم سميته عبد الرحمن ، فقلت : لا. فقالت حبا مني لعبد الرحمن بن ملجم.

وأما قصتها مع جثمان الإمام الحسن عليه‌السلام فمن أهم الدلائل على ما ذكرنا.

٧١

[ ندامة عبد الله بن عمر ]

[٤٣٧] وعن فاطمة بنت علي ، أنها قالت :

ما مات عبد الله بن عمر حتى تاب عن تخلفه عن علي عليه‌السلام [٤٣٨] عن عبد الله بن عمر ، أنه قال : كان يقول : ما أسى على شيء من امور الدنيا إلا أن أكون قد قاتلنا الفئة الباغية مع علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

[٤٣٩] وعنه ، أنه قال :

ما أسى على شيء إلا على ظلماء الهواجر (١) ، وإني لم أكن قاتلت مع علي عليه‌السلام الفئة الباغية.

[ ندامة مسروق ]

[٤٤٠] فطر (٢) بن خليفة ، باسناده ، عن الشعبي ، أنه قال :

ما مات مسروق (٣) حتى تاب الى الله عزّ وجلّ من تخلفه عن علي عليه‌السلام.

__________________

(١) وفي طبقات ابن سعد ٤ / ١٣٦ : ظماء الهواجر ومكابدة الليل وأ لا اكون قاتلت هذه الفئة الباغية التي حلّت بنا.

(٢) وفي الاصل : قطر. وهو أبو بكر الحناط فطر بن خليفة القرشي المخزومي ، توفي ١٥٣ ه‍.

(٣) وهو مسروق بن الأجدع بن مالك الهمداني الوادعي ، أبو عائشة الكوفي.

٧٢

[ التحريض على القتال ]

ولم يزل علي عليه‌السلام ـ بعد قتله الخوارج ـ يدعو الناس الى الخروج الى قتال معاوية وأصحابه ، ليقضي دين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الذي أمره وتقدم إليه بقضائه عنه من جهاد المنافقين الذين أمر الله عزّ وجلّ به بقوله ( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ ) (١) ، لا يشغله عن ذلك شاغل ولا تدركه فيه سأمة ، والناس في ذلك يتثاقلون عنه ويتخلفون ويعتذرون لما أصابهم من طول الجهاد معه ، الى أن اصيب صلوات الله عليه على ذلك غير وان فيه ولا مقصر عنه.

ومن ذلك ما يؤثر من تحريضه ممّا رواه.

[٤٤١] الدغشي ، باسناده ، عنه عليه‌السلام ، أنه خطب الناس بالكوفة. فقال : بعد حمد الله ، والثناء عليه ، والصلاة على محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله :

أيها الناس المجتمعة أبدانهم ، المختلفة قلوبهم وأهواؤهم ، ما عزت دعوة من دعاكم ، ولا استراح قلب من قاساكم ، كلامكم يوهي (٢) الصم الصلاب ، وفعلكم يطمع فيكم عدوكم ، إذا قلت لكم سيروا إليهم ، قلتم : كيت وكيت ، ومهما ، ولا ندري أعاليل وأضاليل (٣) وفعل ذي

__________________

(١) التوبة : ٧٣.

(٢) وفي الغارات : كلامكم يوهن.

(٣) وفي نسخة ـ ج ـ : وأضالبل ، وفعلتم فعل.

٧٣

الدين المطلّ ، هيهات لا يمنع الضيم الذليل ، ولا يدرك الحق إلا بالصدق والجد ، أيّ جار بعد جاركم تمنعون؟ وعن أيّ دار بعد داركم تدفعون؟ ومع أيّ إمام بعدي تقاتلون؟ الذليل والله من نصرتموه ، ومن فاز بكم فاز بالسهم الأخيب ، أصبحت لا أطمع في نصرتكم ، ولا أرغب في دعوتكم ، فرق الله بيني وبينكم ، وأبدل لي بكم من هو خير لي منكم ، وأبدل لكم بي من هو شرّ مني لكم.

فلما كان بالعشي راح الناس إليه يعتذرون ، فقال لهم :

أما أنكم ستلقون بعدي ذلا شاملا ، وسيفا قاتلا ، وأثرة قبيحة ، يتخذها الظالمون عليكم حجة تبكي عيونكم ، ويدخل الفقر عليكم في بيوتكم ، ولا يبعد الله إلا من ظلم.

فكان كعب بن مالك بن جندب الأزدي إذا ذكر هذا الحديث ، يبكي ، ثم يقول : صدق والله أمير المؤمنين ، لقد رأينا بعده ذلا شاملا ، وسيفا قائلا ، وأثرة قبيحة.

[٤٤٢] ومن ذلك ما رواه محمّد بن الجنيد ، عن أبي صادق ، قال : بعث معاوية خيلا فأغارت على الأنبار (١) ، فقتلوا عامل علي عليه‌السلام عليها ، وأصابوا من أهلها ، وانصرفوا. فبلغ ذلك عليا عليه‌السلام. فخرج من فوره مع من خفّ معه حتّى أتى النخيلة (٢) ، فأدركه الناس ، وقالوا : ارجع يا أمير المؤمنين فنحن نكفيكهم.

فقال : والله لا تكفوني ولا تكفون أنفسكم.

ثم صعد المنبر : فحمد الله وأثنى عليه ، وصلّى على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله

__________________

(١) مدينة في أواسط العراق.

(٢) النخيلة : على بعد فرسخين من الكوفة.

٧٤

ثم قال : أيها الناس إن الجهاد باب من أبواب الجنة ، فمن تركه ألبسه الله الذلة ، وشمله البلاء ، وضرب بالصغار ، هذا عامل معاوية قد أغار على الأنبار ، فقتل بها عاملي ابن حسان ، ورجالا كثيرا ، وانتهكت بها حرم من النساء ، فقد بلغني أن الرجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة والاخرى المعاهدة ، فينتزع خلخالها ورعاثها (١) لا تمتنع منه إلا بالاسترحام والاسترجاع ، ثم انصرفوا لم يكلم أحد منهم ، فو الله لو أن امرأ مات من دون هذا أسفا ما كان عندي ملوما ، بل كان عندي جديرا ، يا عجبا ، عجبت لبث القلوب ، وتشعب الآراء من اجتماع هؤلاء القوم على باطلهم ، وفشلكم عن حقكم حتى صرتم غرضا (٢) ترمون ولا ترمون ، وتغزون ولا تغزون ، ويغار عليكم ولا تغيرون ، ويعصى الله وترضون. اذا قلت لكم : اغزوهم في البرد ، قلتم : هذه أيام صرّ وقرّ. واذا قلت لكم : اغزوهم في الحر ، قلتم : هذه حمارة القيظ (٣) ، امهلنا حتى ينسلخ الحر. فأنتم من الحر والبرد تفرون ولأنتم والله من السيف أفر ، يا أشباه الرجال ولا رجال ، ويا طغام الأحلام ، ويا عقول ربات الحجال ، قد ملأتم قلبي غيظا بالعصيان والخذلان ، حتى قالت قريش : إن علي بن أبي طالب رجل شجاع ، ولكن لا علم له بالحرب ، ومن منهم أعلم بالحرب مني ، لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين ، وأنا الآن قد عاقبت الستين ، لكن لا رأي لمن لا يطاع ، كم أمرتكم أن تغزوهم قبل أن يغزوكم ، وقلت لكم : إنه لم يغز قوم قط في عقر دارهم إلاّ ذلوا ، فما قبلتم أمري ، ولا استجبتم لي ، أبدلني الله بكم

__________________

(١) الرعاث : جمع رعثة أي الرعثة القرط.

(٢) غرضا : هدفا.

(٣) حمارة القيظ : شدة الحر.

٧٥

من هو خير منكم ، وأبدلكم بي من هو شرّ لكم مني ، قد أصبحت لا أرجو نصرتكم ، ولا أصدق قولكم ، ولقد فاز بالسهم الأخيب من فاز بكم.

فقام إليه جندب بن عبد الله ، فقال : يا أمير المؤمنين هذا أنا وأخي (١) ، أقول كما قال موسى عليه‌السلام : ( رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي ) (٢). فمرنا بأمرك. فو الله لنضر بن دونك ، وإن حال دون ما تريده جمر الغضا وشوك القتاد.

فأثنى عليهما خيرا ، وقال : وأين تقعان رحمكما الله ممّا اريد.

ثم نزل ، ولم يزل على ذلك يدعو الناس ويحضهم على جهاد عدوهم ، حتى اصيب صلوات الله عليه ورحمته وبركاته.

__________________

(١) وفي الغارات ٢ / ٤٧٧ : آخذا بيد ابن أخ له يقال عبد الرحمن بن عبد الله بن عفيف. والقائم حبيب بن عفيف.

(٢) المائدة : ٢٥.

٧٦

[ الحجة على من حارب عليّا ]

نكب من الاحتجاج على من حارب عليا ومن خذله

قد ذكرنا أنا لم نبسط هذا الكتاب إلا لذكر فضائل علي صلوات الله عليه ، وفضائل الائمة من ذريته عليهم‌السلام ، وما يدخل في ذلك ممّا يشبهه ، وإن ذكر ما يثبت إمامته ، ويوجب الحجة على من تقدم عليه ، ومن قال بذلك واعتقد يخرج عن حدّ هذا الكتاب لطوله ، واتساع القول فيه ، وكذلك الحجة فيه على مناصبيه والمتوثبين عليه وخاذليه ، تخرج أيضا إذا استقصيت عن حده. ولكنا لما ذكرنا من حاربه وناصبه ، ومن قام معه ونصره ، ومن تخلف عنه وخذله رأينا أن نذكر جملا من الحجة في ذلك ، لأن لا نخلي هذا الكتاب من ذكر شيء من ذلك ، فيلتبس الأمر في ذلك ، ويشكل على من قصر فهمه ، وقلّ علمه ، وإن كنا قد أوردنا فيه ما رواه الخاص والعام من فضل علي صلوات الله عليه ، وما يوجب إمامته وطاعته ، وينهى عن التقدم عليه ، وعن مخالفته ومناصبته والتخلف عنه ، وذكرت ما كان منه صلوات الله عليه من الصبر على تقدم من تقدم عليه بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، واستأثر دونه بحقه الذي جعله الله عزّ وجلّ ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله مخافة ما يكون في ذلك من الاختلاف والتنازع واراقة الدماء ، وما يتخوف منه من الفتنة والردة لقرب عهد الإسلام وأهله بالجاهلية ، وكثرة من لم يعتقده

٧٧

حق الاعتقاد ومن تسمى به من المنافقين والذين في قلوبهم مرض ، فسالم أبا بكر وعمر وعثمان أيام حياتهم مخافة ذلك ولما عهد إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، حتى أحدث عثمان ما أحدثه ، ممّا أنكره عليه جماعة من المسلمين الذين بتقديمهم إياه استحق فيما زعم! وزعم من أوجب ذلك له ما صار إليه ، وخيّروه بين أن يتوب عما أحدثه ويرجع عنه أو أن يعتزل ، فامتنع من كلا الأمرين ، وإذا كان من الواجب أن يقوم باقامتهم إياه ، فالواجب أن يعتزل بعزلهم له ، وتمالوا بأجمعهم في ذلك عليهم ، فلم يكن منهم إلا قائم في ذلك عليه ، حتى قتلوه ، أو خاذل له فيما أتوه إليه ، معرض عنهم فيه.

وكان علي صلوات الله عليه فيمن أعرض عن ذلك لم يكن منه فيه أمر ولا نهي ، خلا أنه نهاهم عن حصاره ، وأرسل الماء والطعام إليه ، فكان أكثرهم نفعا له.

فلما قتلوه أتوا عليا صلوات الله عليه بأجمعهم ، فبايعوه بعد أن دفعهم ، فلم يقبلوه منه ، ولا انصرفوا عنه ، وبعد أن شرط عليهم من السمع والطاعة في الحق والعدل ، ما تقدم ذكره ، وأخذ ميثاقهم ، وبيعتهم عليه ، بعد أن عقد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليهم البيعة له في غير موطن ـ كما تقدم القول بذلك ـ فلما لم يجد أكثرهم عنده ما عودوه وأرادوه ، نكث من نكث منهم عليه ، وحاربوه ، وقعد من قعد منهم عن نصرته وخذلوه ، وقام أكثرهم معه وحاربوا من حاربه وناصبوا من ناصبه ـ كما تقدم القول باخبارهم ـ وما آلى إليه أمره عليه‌السلام وأمرهم.

وليس ترك علي صلوات الله عليه القيام على من تغلّب عليه بمسقط ما وجب له ، وقد أجمع المسلمون على أن سكوت ذي الحق عن طلب حقه ممن هو عنده وعليه ، ما سكت عن ذلك ولم يطلبه غير مسقط لشىء منه ،

٧٨

وأن له إذا شاء أن يطلب ذلك منه طلبه ، والقيام فيه.

وكذلك امتناعه أن يبايعهم لما أتوه ليبايعوه ، ليس بمزيل ما وجب له ، كما أن ذا الحق إذا عرض عليه حقه ، فأبى في وقت ذلك أخذه ، وأخره الى وقت آخر لم يسقط ذلك ، مع ما أراد صلوات الله عليه في ذلك من التأكيد عليهم باشتراط ما شرطه لما تقدم ـ وعودوه من خلافه من غير الواجب.

وكان اول ما امتحن به عليه‌السلام بعد أن بويع ، وافضي الأمر إليه ، بعد أن أوغر صدور الخاصة بأن قطع عنهم من الإثرة ما عودوه ، والعامة بما حملهم من العدل عليه إلا من عصم الله جلّ ذكره ممّن امتحن الله بالايمان قلبه فخف عليه من ذلك ما استثقله غيره ، ما قد احتال به من أراد التوثب عليه من القيام بدم عثمان ممّن كان قد ألب عليه ، وقام مع قاتليه وممّن خذله ، وقعد عنه ، فامتحن علي صلوات الله عليه بذلك محنة لم يجد معها غير ما صار إليه ، لأن جميع الخواص والوجوه من جميع الصحابة والمهاجرين والأنصار كانوا قد حلوا فيه محلتين ونزلوا فيه منزلتين : بين قائم عليه مجاهر بذلك حتى قتل ، وبين راض بذلك ، خاذل له معرض عما حلّ به. وعامة من غاب عن ذلك من سواد الناس وجملتهم يكبرون قتله ، ويتعاظمونه مع ما قبحه لهم وألبهم به ، وأغراهم من قبح ذلك لهم ممّن خرج مع طلحة والزبير وعائشة ، واظهارهم أنهم إنما قاموا يطلبون بدم عثمان. وما اقتفاه معاوية وعمرو بن العاص في ذلك من آثارهم ، وسلكاه حتى صار ذلك عند العامة من أكبر الكبائر ، وأعظم العظائم لا يلتفتون فيه الى من قتله ، وأعان عليه ، ولا إلى من قعد عنه وخذله فيه من أكابر الصحابة الذين هم قدوتهم ، وعنهم يأخذون دينهم.

فوقف علي صلوات الله عليه من ذلك على أمرين ، المكروه في كليهما ، إن هو صرح بتصويب قتله استفسد العامة. وإن صرح بإنكاره استفسد الخاصة.

٧٩

فكان أكثر ما عنده في ذلك إذا سئل عنه معاريض القول.

ومجمل الكلام كقوله صلوات الله عليه : ما سرني قتله ولا ساءني. فناولت الخاصة ذلك على الاستحقاق به. وناولته العامة على أنه أراد بقوله : ما سرني أنه قتل ، ولا ساءني إذا استشهد فدخل الجنة.

وكقوله عليه‌السلام : ما قتلته ولا أمرت بقتله ، وهذا بما أبان فيه عما كان منه.

وكقوله : قتله الله وأنا معه فتأول ذلك الذين قتلوه على أنه أراد به ، أنه مع الله عزّ وجلّ في قتله.

وتأولته العامة على أنه كان معه لما رووه عنه من النهي عن حصاره ، وارساله الماء إليه وهو محصور ، لأنه كان معه من لا ينبغي أن يقتل عطشا في كلام كثير يحتمل التأويل. وما سلم مع ذلك من الأقاويل كما أن سلطانا لو أسر أسيرا ، أو اعتقل رجلا مذكورا فمات الأسير ، أو المعتقل في سجنه لم يعد قائلا يقول : إنه هو الذي قتله ، أو سقاه سما ، أو احتال في موته حتى لو رأوا صاعقة وقعت عليه ، أو عذابا من السماء ، لما صرفهم ذلك عن أن يقولوا فيه.

وكان ما وقع من الفتنة ، وقتل من قتل فيها من الامة ، واختلاف الناس الى اليوم في ذلك مع شهرته ، واطباق من أطبق من الصحابة على قتل عثمان ، أو خذلانه ، ولحق من ذلك عليا عليه‌السلام وأولياء الله ـ الائمة من ذريته ـ ما لحقهم من السفلة والعوام مع ذلك ، فكيف لو قد قام عليه‌السلام على أبي بكر فقتله ، أو على عمر فقتله ، أو كان قد قام فيمن قام على عثمان؟

فمحنة أولياء الله ، وإن تحفظوا منها لا بدّ أن يمتحنوا بها ، ليكمل الله عزّ وجلّ بها لهم فضيلة الإمامة ، ويرفعهم في أعلى درجات الكرامة. وما كان عندي أن يكون جوابه وقوله وفعله غير السكوت عن ذلك كما سكت لما

٨٠