معجم رجال الحديث - ج ١

آية الله السيّد أبو القاسم الموسوي الخوئي

معجم رجال الحديث - ج ١

المؤلف:

آية الله السيّد أبو القاسم الموسوي الخوئي


الموضوع : رجال الحديث
الطبعة: ٥
الصفحات: ٥٠٣
الجزء ١ الجزء ٢

٢ ـ نص أحد الاعلام المتقدمين :

ومما تثبت به الوثاقة أو الحسن أن ينص على ذلك أحد الاعلام ، كالبرقي ، وابن قولويه ، والكشي ، والصدوق ، والمفيد ، والنجاشي ، والشيخ وأضرابهم.

وهذا أيضا لا إشكال فيه ، وذلك من جهة الشهادة وحجية خبر الثقة.

وقد ذكرنا في أبحاثنا الاصولية أن حجية خبر الثقة لا تختص بالاحكام الشرعية ، وتعم الموضوعات الخارجية أيضا ، إلا فيما قام دليل على اعتبار التعدد كما في المرافعات ، كما ذكرنا أنه لا يعتبر في حجية خبر الثقة العدالة.

ولهذا نعتمد على توثيقات أمثال ابن عقدة وابن فضال وأمثالهما.

فإن قيل : إن إخبارهم عن الوثاقة والحسن ـ لعله ـ نشأ من الحدس والاجتهاد وإعمال النظر ، فلا تشمله أدلة حجية خبر الثقة ، فإنها لا تشمل الاخبار الحدسية ، فإذا إحتمل أن الخبر حدسي كانت الشبهة مصداقية.

قلنا : إن هذا الاحتمال لا يعتنى به بعد قيام السيرة على حجية خبر الثقة فيما لم يعلم أنه نشأ من الحدس.

ولا ريب في أن إحتمال الحدس في أخبارهم ـ ولو من جهة نقل كابر عن كابر وثقة عن ثقة ـ موحود وجدانا.

كيف؟ وقد كان تأليف كتب الفهارس والتراجم لتمييز الصحيح من السقيم أمرا متعارفا عندهم ، وقد وصلتنا جملة من ذلك ولم تصلنا جملة أخرى.

وقد بلغ عدد الكتب الرجالية من زمان الحسن بن محبوب إلى زمان الشيخ نيفا ومئة كتاب على ما يظهر من النجاشي والشيخ وغيرهما.

وقد جمع ذلك البحاثة الشهير المعاصي الشيخ آقا بزرك الطهراني في كتابه مصفي المقال.

قال الشيخ في كتاب العدة في آخر فصل في ذكر خبر الواحد :

(إنا وجدنا الطائفة ميزت الرجال الناقلة لهذه الاخبار فوثقت الثقات منهم ، وضعفت الضعفاء ، وفرقت بين من يعتمد على حديثه وروايته وبين من لا يعتمد على خبره ، ومدحوا الممدوح منهم وذموا المذموم. وقالوا : فلان متهم في حديثه ،

٤١

وفلان كذاب ، وفلان مخلط ، وفلان مخالف في المذهب والاعتقاد ، وفلان واقفي ، وفلان فطحي ، وغير ذلك من الطعون التي ذكروها.

وصنفوا في ذلك الكتب واستثنوا الرجال من جملة ما رووه من التصانيف في فهارسهم ، حتى أن واحدا منهم إذا أنكر حديثا طعن في إسناده وضعفه بروايته.

هذه عادتهم على قديم وحديث لا تنخرم).

والنجاشي قد يسند ما يذكره إلى أصحاب الرجال ويقول : (ذكره أصحاب الرجال).

وهذه العبارات ـ كما ترى ـ صريحة الدلالة على أن التوثيقات أو التضعيفات ، والمدح أو القدح كانت من الامور الشائعة المتعارفة بين العلماء وكانوا ينصون عليها في كتبهم.

وبهذا يظهر أن مناقشة الشيخ فخر الدين الطريحي في مشتركاته ـ بأن توثيقات النجاشي أو الشيخ يحتمل أنها مبنية على الحدس ، فلا يعتمد عليها ـ في غير محلها.

٣ ـ نص أحد الاعلام المتأخرين : ومما تثبت به الوثاقة أو الحسن أن ينص على ذلك أحد الاعلام المتأخرين ، بشرط أن يكون من أخبر عن وثاقته معاصرا للمخبر أو قريب العصر منه ، كما يتفق ذلك في توثيقات الشيخ منتجب الدين ، أو ابن شهر آشوب وأما في غير ذلك كما في توثيقات ابن طاووس والعلامة وابن داود ومن تأخر عنهم كالمجلسي لمن كان بعيدا عن عصرهم فلا عبرة بها ، فإنها مبنية على الحدس والاجتهاد جزما.

وذلك : فإن السلسلة قد إنقطعت بعد الشيخ ، فأصبح عامة الناس إلا قليلا منهم مقلدين يعملون بفتاوى الشيخ ويستدلون بها كما يستدل بالرواية على ما صرح به الحلي في السرائر وغيره في غيره.

والذي يكشف عما ذكرناه أنهم حينما يذكرون طرقهم إلى أرباب الاصول والكتب ، المعاصرين للمعصومين عليهم السلام يذكرون طرقهم إلى الشيخ ،

٤٢

ويحيلون ما بعد ذلك إلى طرقه. فهذا العلامة ذكر في إجازته الكبيرة لبني زهرة طريقا له إلى الشيخ الصدوق ، وإلى والده علي بن الحسين بن بابويه ، وإلى الشيخ المفيد ، وإلى السيد المرتضى ، وإلى أخيه السيد الرضي ـ قدس الله أسرارهم ـ ، ثم ذكر طرقه إلى كثير من كتب العامة وصحاحهم وإلى جماعة من المتأخرين عن الشيخ ـ قدس سره ـ.

ثم قال : (ومن ذلك جميع كتب أصحابنا السابقين الذين تقدموا على الشيخ أبي جعفر الطوسي زمانا ، مثل : الشيخ محمد بن يعقوب الكليني ، والحسين بن سعيد ، وأخيه الحسن ، وظريف بن ناصح ، وغيرهم مما هو مذكور في كتاب فهرست المصنف للشيخ أبي جعفر الطوسي برجاله المثبتة في الكتاب).

وهذا الشهيد الثاني في إجازته الكبيرة للشيخ عبد الصمد والد الشيخ البهائي بعد ما ذكر عدة طرق له إلى الشيخ أبي جعفر الطوسي ، قال : (وبهذه الطرق نروي جميع مصنفات من تقدم على الشيخ أبي جعفر من المشايخ المذكورين وغيرهم ، وجميع ما اشتمل عليه كتابه فهرست أسماء المصنفين وجميع كتبهم ورواياتهم بالطرق التي تضمنتها الاحاديث.

وإنما أكثرنا الطرق إلى الشيخ أبي جعفر ، لان أصول المذهب كلها ترجع إلى كتبه ورواياته).

وعلى الجملة : فالشيخ ـ قدس سره ـ هو حلقة الاتصال بين المتأخرين وأرباب الاصول التي أخذ منها الكتب الاربعة وغيرها.

ولا طريق للمتأخرين إلى توثيقات روانها وتضعيفهم غالبا إلا الاستنباط ، وإعمال الرأي والنظر.

ومما يؤكد ما ذكرناه من انقطاع السلسلة أن كتاب الكشي الذي هو أحد الاصول الرجالية ـ وقد حكى عنه النجاشي في رجاله ـ لم يصل إلى المتأخرين ، فلم ينقلوا عنه شيئا ، وإنما وصل إليهم اختيار الكشي الذى رتبه الشيخ واختاره من كتاب الكشي.

وكذلك كتاب رجال ابن الغضائري.

فانه لم يثبت عند المتأخرين ، وقد ذكره ابن طاووس عند ذكره طرقه إلى الاصول الرجالية أنه لا طريق له إلى هذا الكتاب. وأما العلامة ابن داود والمولى القهبائي فانهم وإن

٤٣

كانوا يحكون عن هذا الكتاب كثيرا إلا أنهم لم يذكروا إليه طريقا.

ومن المطمأن به عدم وجود طريق لهم إليه.

وهذا العلامة قد ذكر في إجازته الكبيرة أسماء الكتب التي له طريق إليها ، حتى أنه ـ مضافا إلى ما ذكره من كتب أصحابنا المتقدمين على الشيخ والمتأخرين عنه ـ ذكر شيئا كثيرا من كتب العامة في الحديث والفقه والادب وغير ذلك. ومع ذلك فلم يذكر رجال ابن الغضائري في ما ذكره من الكتب. وهذا كاشف عن أنه لم يكن له طريق إليه ، وإلا لكان هذا أولى بالذكر من أكثر ما ذكره في تلك الاجازة.

نعم إن الشهيد الثاني في إجازته المتقدمة ، والآغا حسين الخونساري في إجازته لتلميذه الامير ذي الفقار ذكرا كتاب الرجال للحسين بن عبيد الله بن الغضائري في ضمن الكتب التي ذكرا طريقهما إليها.

فربما يستظهر من ذلك أن كتاب الرجال للحسين بن عبيد الله قد وصل إليهما وكان عندهما ، ولكن واقع الامر على خلاف ذلك ، فإن الشهيد قدس سره يذكر في طريقه إلى هذا الكتاب العلامة ، وأنه يروي هذا الكتاب بطريق العلامة إليه.

وقد عرفت أن المطمأن به أن العلامة لا طريق له إلى هذا الكتاب.

هذا ، مضافا إلى أن الشهيد يوصل طريقه إلى النجاشي عن الحسين بن عبيد الله الغضائري وهذا على خلاف الواقع ، فإن الحسين بن عبيد الله شيخ النجاشي ، وتعرض النجاشي لترجمته وذكر كتبه ولم يذكر فيها كتاب الرجال ، بل لم ينقل عنه في مجموع كتابه شيئا يستشعر منه أن له كتاب الرجال ، وكذلك الشيخ يروي عن الحسين بن عبيدالله كثيرا ، ولم ينسب إليه كتاب الرجال ، ولا ما يستشعر منه وجود كتاب له في الرجال.

والمتحصل : أن ما ذكره الشهيد الثاني من وجود طريق له إلى كتاب الحسين ابن عبيدالله فيه سهو بين.

وبذلك يظهر الحال في طريق الآغا حسين الخونساري ، فإن طريقه هو طريق الشهيد الثاني.

ويروي ما ذكره من الكتب بطريقه إلى الشهيد قدس سره.

٤٤

هذا حال كتاب الكشي ، وكتاب ابن الغضائري المعدودين من الاصول الرجالية.

وأما باقي الكتب الرجالية المعروفة في عصر الشيخ والنجاشي فلم يبق منها عين ولا أثر في عصر المتأخرين.

نعم قد يتفق أن العلامة وابن داود يحكيان عن ابن عقدة توثيقا لاحد إلا أنهما لا يذكران مستند حكايتهما.

والعلامة لم يذكر فيما ذكره من الكتب التي له إليها طريق في إجازته الكبيرة : كتاب الرجال لابن عقدة.

وقد تحصل مما ذكرناه أن ابن طاووس والعلامة وابن داود ومن تأخر عنهم إنما يعتمدون في توثيقاتهم وترجيحاتهم على آرائهم واستنباطاتهم أو على ما استفادوه من كلام النجاشي أو الشيخ في كتبهم ، وقليلا ما يعتمدون على كلام غيرهما ، وقد يخطئون في الاستفادة كما سنشير إلى بعض ذلك في موارده ، كما قد يخطئون في الاستنباط ، فترى العلامة يعتمد على كل إمامي لم يرد فيه قدح ، يظهر ذلك مما ذكره في ترجمة أحمد بن إسماعيل بن سمكة وغير ذلك.

وترى المجلسي يعد كل من للصدوق إليه طريق ممدوحا ـ وهو غير صحيح ـ على ما نبينه عن قريب إن شاء الله تعالى ، وعليه فلا يعتد بتوثيقاتهم بوجه من الوجوه.

٤ ـ دعوى الاجماع من قبل الاقدمين :

ومن جملة ما تثبت به الوثاقة أو الحسن هو أن يدعي أحد من الاقدمين الاخيار الاجماع على وثاقة أحد ، فإن ذلك وإن كان إجماعا منقولا ، إلا أنه لا يقصر عن توثيق مدعي الاجماع نفسه منضما إلى دعوى توثيقات أشخاص آخرين ، بل إن دعوى الاجماع على الوثاقة يعتمد عليه حتى إذا كانت الدعوى من المتأخرين ، كما اتفق ذلك في إبراهيم بن هاشم ، فقد ادعى ابن طاووس الاتفاق على وثاقته ، فان هذه الدعوى تكشف عن توثيق بعض القدماء لا محالة ، وهو يكفي في إثبات الوثاقة.

٤٥
٤٦

المقدمة الثالثة

* قيمة التوثيق الضمني للاشخاص الذين تم

توثيقهم ضمن توثيق غيرهم.

* تساوي التوثيق التضمني مع التوثيق

المطابقي.

* المناقشة في بعض هذه التوثيقات الجماعية.

٤٧
٤٨

التوثيقات العامة

قد عرفت فيما تقدم أن الوثاقة تثبت بإخبار ثقة ، فلا يفرق في ذلك بين أن يشهد الثقة بوثاقة شخص معين بخصوصه وأن يشهد بوثاقته في ضمن جماعة ، فإن العبرة هي بالشهادة بالوثاقة ، سوء أكانت الدلالة مطابقية أم تضمنية. ولذا نحكم بوثاقة جميع مشايخ علي بن إبراهيم الذين روى عنهم في تفسيره مع انتهاء السند إلى أحد المعصومين عليهم السلام.

فقد قال في مقدمة تفسيره : (ونحن ذاكرون ومخبرون بما ينتهي إلينا ، ورواه مشايخنا وثقاتنا عن الذين فرض الله طاعتهم. فإن في هذا الكلام دلالة ظاهرة على أنه لا يروي في كتابه هذا إلا عن ثقة ، بل استفاد صاحب الوسائل في الفائدة السادسة في كتابه في ذكر شهادة جمع كثير من علماءنا بصحة الكتب المذكورة وأمثالها وتواترها وثبوتها عن مؤلفيها وثبوت أحاديثها عن أهل بيت العصمة عليهم السلام أن كل من وقع في إسناد روايات تفسير علي بن إبراهيم المنتهية إلى المعصومين عليهم السلام ، قد شهد علي بن إبراهيم بوثاقته ، حيث قال : (وشهد علي بن إبراهيم أيضا بثبوت أحاديث تفسيره وأنها مروية عن الثقات عن الائمة عليهم السلام).

أقول : أن ما استفاده ـ قدس سره ـ في محله ، فإن علي بن إبراهيم يريد بما ذكره إثبات صحة تفسيره ، وأن رواياته ثابتة وصادرة من المعصومين عليهم السلام ، وإنها إنتهت إليه بوساطة المشايخ والثقات من الشيعة. وعلى ذلك فلا موجب لتخصيص التوثيق بمشايخه الذين يروي عنهم علي بن إبراهيم بلا واسطة كما زعمه بعضهم.

٤٩

وبما ذكرناه نحكم بوثاقة جميع مشايخه الذين وقعوا في إسناد كامل الزيارات أيضا ، فإن جعفر بن قولويه قال في أول كتابه : (وقد علمنا بأنا لانحيط بجميع ما روي عنهم في هذا المعنى ولا في غيره ، لكن ما وقع لنا من جهة الثقات من أصحابنا رحمهم الله برحمته ولا أخرجت فيه حديثا روي عن الشذاذ من الرجال يؤثر ذلك عنهم عن المذكورين غير المعروفين بالرواية المشهورين بالحديث والعلم.

فإنك ترى أن هذه العبارة واضحة الدلالة على أنه لا يروي في كتابه رواية عن المعصوم إلا وقد وصلت إليه من جهة الثقات من أصحابنا رحمهم الله ، قال صاحب الوسائل بعد ما ذكر شهادة علي بن إبراهيم بأن روايات تفسيره ثابتة ومروية عن الثقات من الائمة عليهم السلام : (وكذلك جعفر بن محمد بن قولويه ، فإنه صرح بما هو أبلغ من ذلك في أول مزاره).

أقول : إن ما ذكره متين ، فيحكم بوثاقة من شهد علي بن إبراهيم أو جعفر ابن محمد بن قولويه بوثاقته ، اللهم إلا أن يبتلي بمعارض.

وممن شهد بوثاقة جماعة ـ على نحو الاجمال ـ النجاشي ، فانه يظهر منه توثيق جميع مشايخه. قال ـ قدس سره ـ في ترجمة أحمد بن محمد بن عبيدالله بن الحسن الجوهري : (رأيت هذا الشيخ وكان صديقا لي ولوالدي وسمعت منه شيئا كثيرا ، ورأيت شيوخنا يضعفونه فلم أرو عنه شيئا ، وتجنبته. وقال في ترجمة محمد بن عبد الله بن محمد بن عبيدالله بن البهلول : (وكان في أول أمره ثبتا ثم خلط ، ورأيت جل أصحابنا يغمزونه ويضعفونه. رأيت هذا الشيخ ، وسمعت منه كثيرا ، ثم توقفت عن الرواية عنه إلا بواسطة بيني وبينه).

ولا شك في ظهور ذلك في أنه لا يروي عن ضعيف بلا واسطة فيحكم بوثاقة جميع مشايخه. هذا وقد يقال : إنه لا يظهر من كلامه إلا أنه لا يروي بلا واسطة عمن غمز فيه أصحابنا أو ضعفوه. ولا دلالة فيه على أنه لا يروي عمن لم يثبت ضعفه ولا وثاقته ، إذا لا يمكن الحكم بوثاقة جميع مشايخه ، ولكنه لا يتم. فإن

٥٠

الظاهر من قوله : (ورأيت جل أصحابنا. أن الرؤية أخذت طريقا إلى ثبوت الضعف ، ومعناه أنه لا يروي عن الضعيف بلا واسطة ، فكل من روى عنه فهو ليس بضعيف ، فيكون ثقة لا محالة.

وبعبارة واضحة إنه فرع عدم روايته عن شخص برؤيته أن شيوخه يضعفونه. ومعنى ذلك أن عدم روايته عنه مترتب على ضعفه ، لا على التضعيف من الشيوخ ، ولعل هذا ظاهر.

وهذا الذي ذكرناه هو المهم من التوثيقات العامة ، ويأتي عن النجاشي في ترجمة عبيدالله بن أبي شعبة الحلبي : (أن آل أبي شعبة بيت بالكوفة وهم ثقات جميعا) ، وفي ترجمة محمد بن الحسن بن أبي سارة : (أن بيت الرواسي كلهم ثقات) ، ويأتي عن الشيخ في ترجمة علي بن الحسن بن محمد الطائى : (أن من روى عنه علي بن الحسن الطاطري في كتبه يوثق به وبروايته).

بقي هنا أمران :

الاول : أن الشيخ محمد ابن المشهدي ، قال في أول مزاره : (فإني قد جمعت في كتابي هذا من فنون الزيارات للمشاهد ، وما ورد في الترغيب في المساجد المباركات والادعية المختارات وما يدعى به عقيب الصلوات وما يناجى به القديم تعالى من لذيذ الدعوات والخلوات ، وما يلجأ إليه من الادعية عند المهمات ، ومما إتصلت به ثقات الرواة إلى السادات.

وهذا الكلام منه صريح في توثيق جميع من وقع في إسناد روايات كتابه.

لكنه لا يمكن الاعتماد على ذلك من وجهين :

١ ـ أنه لم يظهر إعتبار هذا الكتاب في نفسه ، فإن محمد ابن المشهدي لم يظهر حاله ، بل لم يعلم شخصه وإن أصر المحدث النوري : على أنه محمد بن جعفر بن علي بن جعفر المشهدي الحائري ، فإن ما ذكره في وجه ذلك لا يورث إلا الظن.

٢ ـ أن محمد ابن المشهدي من المتأخرين ، وقد مر أنه لا عبرة بتوثيقاتهم

٥١

لغير من يقرب عصرهم من عصره ، فإنا قد ذكرنا أن هذه التوثيقات مبنية على النظر والحدس ، فلا يترتب عليها أثر.

الثاني : أن الصدوق قال في أول كتابه المقنع : (وحذفت الاسناد منه لئلا يثقل حمله ، ولا يصعب حفظه ، ولا يمله قاريه ، إذ كان ما أبينه فيه في الكتب الاصولية موجودا مبينا عن المشايخ العلماء الفقهاء الثقات رحمهم الله).

وهذا الكلام قد يوهم أنه شهادة إجمالية من الشيخ الصدوق بوثاقة رواة ما ذكره في كتابه ، فلا بد وأن يعامل معه معاملة الخبر الصحيح.

ولكن ذلك خلاف الواقع ، فإن الشيخ الصدوق لا يريد بذلك أن رواة ما ذكره في كتابه ثقات إلى أن يتصل بالمعصوم عليه السلام ، وإنما يريد بذلك أن مشايخه الثقات قد رووا هذه الروايات ، وهو يحكم بصحة ما رواه الثقات الفقهاء وأثبتوه في كتبهم ، على ما ستعرفه.

والذي يدل على ما ذكرناه أن الشيخ الصدوق وصف المشايخ بالعلماء الفقهاء الثقات ، وقل ما يوجد ذلك في الروايات في تمام سلسلة السند ، فكيف يمكن إدعاء ذلك في جميع ما ذكره في كتابه.

وبذلك يظهر الحال فيما ذكره الطبري في ديباجة كتابه : بشارة المصطفى ، قال : (ولا أذكر فيه إلا المسند من الاخبار ، عن المشايخ الكبار والثقات الاخيار). على أنه قد مر أنه لا عبرة بتوثيقات المتأخرين لغير من يقرب عصره من عصرهم.

٥٢

المقدمة الرابعة

* الوقوف على مناشئ سائر التوثيقات

العامة.

* عدم حجية هذه التوثيقات.

* نفي دلالة نصوصها على التوثيق.

٥٣
٥٤

مناقشة سائر التوثيقات العامة

إن ما قيل بثبوته في التوثيقات العامة أو الحسن موارد :

١ ـ أصحاب الصادق في رجال الشيخ :

قيل إن جميع من ذكره الشيخ في رجاله من أصحاب الصادق عليه السلام ثقات.

واستدلوا على ذلك بما ذكره الشيخ المفيد (١) في أحوال الصادق عليه السلام ، قال : (إن أصحاب الحديث قد جمعوا أسماء الرواة عنه عليه السلام من الثقات على اختلافهم في الآراء والمقالات فكانوا أربعة آلاف).

وقال ابن شهر آشوب : (نقل عن الصادق عليه السلام من العلوم ما لم ينقل عن أحد. وقد جمع أصحاب الحديث أسماء الرواة من الثقات على اختلافهم في الآراء والمقالات ، وكانوا أربعة آلاف رجل). وقال : (إن ابن عقدة مصنف كتاب الرجال لابي عبد الله عددهم فيه (٢).

وقد ذكر الشيخ في أول رجاله بأنه يذكر فيه جميع من ذكره ابن عقدة.

وممن مال إلى هذا القول الشيخ الحر ـ قدس سره ـ ، قال في أمل الآمل في ترجمة خليد بن أوفى أبي الربيع الشامي : (ولو قيل بتوثيقه وتوثيق جميع أصحاب الصادق عليه السلام إلا من ثبت ضعفه لم يكن بعيدا ، لان المفيد في

______________

(١) الارشاد للمفيد : الصفحة ٢٨٩.

(٢) المناقب : الجزء ٢ ، الصفحة ٣٢٤.

٥٥

الارشاد ، وابن شهر آشوب في معالم العلماء (١) والطبرسي في إعلام الورى قد وثقوا أربعة آلاف من أصحاب الصادق عليه السلام ، والموجود منهم في كتب الرجال والحديث لا يبلغون ثلاثة آلاف.

وذكر العلامة وغيره أن ابن عقدة جمع الاربعة آلاف المذكورين في كتب الرجال.

أقول : الاصل في ذلك هو الشيخ المفيد ـ قدس سره ـ وتبعه على ذلك ابن شهر آشوب وغيره. وأما ابن عقدة فهو وإن نسب إليه أنه عدد أصحاب الصادق عليه السلام أربعة آلاف ، وذكر لكل واحد منهم حديثا إلا أنه لم ينسب إليه توثيقهم. وتوهم المحدث النوري أن التوثيق إنما هو من ابن عقدة ، ولكنه باطل جزما.

وكيف كان فهذه الدعوى غير قابلة للتصديق ، فإنه إن أريد بذلك أن أصحاب الصادق عليه السلام كانوا أربعة آلاف كلهم كانوا ثقات : فهي تشبه دعوى أن كل من صحب النبي صلى الله عليه وآله عادل ، مع أنه ينافيها تضعيف الشيخ جماعة ، منهم إبراهيم بن أبي حبة ، والحارث بن عمر البصري ، وعبد الرحمن بن الهلقام ، وعمرو بن جميع ، وجماعة أخرى غيرهم.

وقد عد الشيخ أبا جعفر الدوانيقي من أصحاب الصادق عليه السلام ، أفهل يحكم بوثاقته بذلك؟ وكيف تصح هذه الدعوى مع أنه لا ريب في أن الجماعة المؤلفة من شتى الطبقات على إختلافهم في الآراء والاعتقادات يستحيل عادة أن يكون جميعهم ثقات.

وإن أريد بالدعوى المتقدمة أن أصحاب الصادق كانوا كثيرين ، إلا أن الثقات منهم أربعة آلاف ، فهي في نفسها قابلة للتصديق ، إلا أنها مخالفة للواقع ، فإن أحمد بن نوح زاد على ما جمعه ابن عقدة ممن روى عن الصادق عليه السلام على ما ذكره النجاشي ، والزيادة كثيرة على ما ذكره الشيخ في ترجمة أحمد بن نوح ،

______________

(١) هذا سهو من قلمه الشريف ، فان ابن شهر آشوب لم يذكر هذا في معالم العلماء ، وإنما ذكره في المناقب كما مر.

٥٦

والشيخ مع حرصه على جميع الاصحاب حتى من لم يذكره ابن عقدة على ما صرح به في أول رجاله. ولاجل ذلك ذكر موسى بن جعفر عليه السلام والمنصور الدوانيقي في أصحاب الصادق عليه السلام ، ومع ذلك فلم يبلغ عدد ما ذكره الشيخ أربعة آلاف. فإن المذكورين في رجاله لا يزيدون على ثلاثة آلاف إلا بقليل ، على أنه لو سلمت هذه الدعوى لم يترتب عليها أثر أصلا ، فلنفرض أن أصحاب الصادق عليه السلام كانوا ثمانية آلاف ، والثقات منهم أربعة آلاف ، لكن ليس لنا طريق إلى معرفة الثقات منهم ، ولا شئ يدلنا على أن جميع من ذكره الشيخ من قسم الثقات ، بل الدليل قائم على عدمه كما عرفت.

٢ ـ سند أصحاب الاجماع :

ومما قيل بثبوته في التوثيقات العامة أو الحسن هو وقوع شخص في سند رواية رواها أحد أصحاب الاجماع ، وهم ثمانية عشر رجلا على ما يأتي ، فذهب جماعة إلى الحكم بصحة كل حديث رواه أحد هؤلاء إذا صح السند إليه ، حتى إذا كانت روايته عمن هو معروف بالفسق والوضع ، فضلا عما إذا كانت روايته عن مجهول أو مهمل ، أو كانت الرواية مرسلة ، وقد اختار هذا القول صريحا صاحب الوسائل في أوائل الفائدة السابعة من خاتمة كتابه.

أقول : الاصل في دعوى الاجماع هذه هو الكشي في رجاله ، فقد قال في تسمية الفقهاء من أصحاب أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام :

١ ـ (أجمعت العصابة على تصديق هؤلاء الاولين من أصحاب أبي جعفر ، وأصحاب أبي عبد الله عليهما السلام وانقادوا لهم بالفقه ، فقالوا أفقه الاولين ستة : زرارة ، ومعروف بن خربوذ ، وبريد ، وأبو بصير الاسدي ، والفضيل بن يسار ، ومحمد بن مسلم الطائفي. قالوا : وأفقه الستة ، زرارة. وقال بعضهم : مكان أبي

٥٧

بصير الاسدي أبو بصير المرادي ، وهو ليث بن البخترى) (١).

وقال في تسمية الفقهاء من أصحاب أبي عبد الله عليه السلام :

٢ ـ (أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عن هؤلاء وتصديقهم لما يقولون ، وأقروا لهم بالفقه من دون أولئك الستة الذين عددناهم وسميناهم (٢) ستة نفر : جميل بن دراج ، وعبد الله بن مسكان ، وعبد الله بن بكير ، وحماد بن عثمان ، وحماد بن عيسى ، وأبان بن عثمان قالوا : وزعم أبو إسحاق الفقيه ـ وهو ثعلبة ابن ميمون ـ إن أفقه هؤلاء جميل بن دراج ، وهم أحداث أصحاب أبي عبد الله عليه السلام) (٣) وقال في تسمية الفقهاء من أصحاب أبي إبراهيم ، وأبي الحسن الرضا عليهم السلام :

٣ ـ (أجمع أصحابنا على تصحيح ما يصح عن هؤلاء وتصديقهم وأقروا لهم بالفقه والعلم ، وهم ستة نفر آخر ، دون الستة نفر الذين ذكرناهم في أصحاب أبي عبد الله عليه السلام ، منهم : يونس بن عبد الرحمان ، وصفوان بن يحيى بياع السابري ، ومحمد بن أبي عمير ، وعبد الله بن المغيرة ، والحسن بن محبوب ، وأحمد ابن محمد بن أبي نصر ، وقال بعضهم : مكان الحسن بن محبوب ، الحسن بن علي ابن فضال ، وفضالة بن أيوب. وقال بعضهم : مكان فضالة بن أيوب ، عثمان بن عيسى ، وأفقه هؤلاء يونس بن عبد الرحمان ، وصفوان بن يحيى) (٤).

وأما من تأخر عن الكشي ، فقد نقل عنه الاجماع ، أو أنه إدعى الاجماع تبعا له ، فقد ذكر السيد بحر العلوم ـ قدس سره ـ في منظومته الاجماع على تصحيح ما يصح عن المذكورين. ولكنه في فوائده في ترجمة ابن أبي عمير : حكى

______________

(١) و (٢) رجال الكشي : الطبعة الحديثة ، الصفحة ٥٠٧.

(٣) نفس المصدر : الصفحة ٣٢٢.

(٤) نفس المصدر : الصفحة ٤٦٦.

٥٨

دعوى الاجماع عن الكشي ، واعتمد على حكايته ، فحكم بصحة أصل زيد النرسي ، لان راويه ابن أبي عمير.

وكيف كان فمن الظاهر أن كلام الكشي لا ينظر إلى الحكم بصحة ما رواه أحد المذكورين عن المعصومين عليهم السلام ، حتى إذا كانت الرواية مرسلة أو مروية عن ضعيف أو مجهول الحال ، وإنما ينظر إلى بيان جلالة هؤلاء ، وأن الاجماع قد إنعقد على وثاقتهم وفقههم وتصديقهم في ما يروونه. ومعنى ذلك أنهم لا يهتمون بالكذب في أخبارهم وروايتهم ، وأين هذا من دعوى الاجماع على الحكم بصحة جميع ما رووه عن المعصومين عليهم السلام ، وإن كانت الواسطة مجهولا أو ضعيفا؟!.

قال أبو علي في المقدمة الخامسة من رجاله عند تعرضه للاجماع المدعى على تصحيح ما يصح عن جماعة : (وادعى السيد الاستاذ دام ظله ـ السيد علي صاحب الرياض ـ أنه لم يعثر في الكتب الفقهية ـ من أول كتاب الطهارة إلى آخر كتاب الديات ـ على عمل فقيه من فقهائنا بخبر ضعيف محتجا بأن في سنده أحد الجماعة وهو إليه صحيح).

أقول : لابد أن السيد صاحب الرياض أراد بذلك أنه لم يعثر على ذلك في كلمات من تقدم على العلامة ـ قدس سره ـ ، وإلا فهو موجود في كلمات جملة من المتأخرين كالشهيد الثاني والعلامة المجلسي والشيخ البهائي. ويبعد أن يخفى ذلك عليه.

ثم إن التصحيح المنسوب إلى الاصحاب في كلمات جماعة ، منهم : صاحب الوسائل ـ على ما عرفت ـ نسبه المحقق الكاشاني في أوائل كتابه الوافي إلى المتأخرين ، وهو ظاهر في أنه أيضا لم يعثر على ذلك في كلمات المتقدمين. قال في المقدمة الثانية من كتابه بعد ما حكى الاجماع على التصحيح من الكشي :

(وقد فهم جماعة من المتأخرين من قوله أجمعت العصابة أو الاصحاب على

٥٩

تصحيح ما يصح عن هؤلاء الحكم بصحة الحديث المنقول عنهم ونسبته إلى أهل البيت عليهم السلام بمجرد صحته عنهم ، من دور إعتبار العدالة في من يروون عنه ، حتى لو رووا عن معروف بالفسق ، أو بالوضع فضلا عما لو أرسلوا الحديث كان ما نقوله صحيحا محكوما على نسبته إلى أهل بيت العصمة صلوات الله عليهم.

وأنت خبير بأن هذه العبارة ليست صريحة في ذلك ولا ظاهرة فيه ، فإن ما يصح عنهم إنما هو الرواية لا المروي.

بل كما يحتمل ذلك يحتمل كونها كناية عن الاجماع على عدالتهم وصدقهم ، بخلاف غيرهم ممن لم بنقل الاجماع على عدالته).

أقول : ما ذكره متين لا غبار عليه.

ثم إنا لو تنزلنا عن ذلك وفرضنا أن عبارة الكشي صريحة في ما نسب إلى جماعة واختاره صاحب الوسائل ، فغاية ذلك دعوى الاجماع على حجية رواية هؤلاء عن المعصومين عليهم السلام تعبدا ، وإن كانت الواسطة بينهم وبين المعصوم ضعيفا أو مجهول الحال ، فترجع هذه الدعوى إلى دعوى الاجماع على حكم شرعي.

وقد بينا في المباحث الاصولية : أن الاجماع المنقول بخبر الواحد ليس بحجة ، وأدلة حجية خبر الواحد لا تشمل الاخبار الحدسية.

بقي هنا شئ : وهو أنه قد يقال : إن دعوى الاجماع على تصحيح ما يصح عن الجماعة المذكورين لا ترجع إلى دعوى حجية روايتهم تعبدا كما ذهب إليه صاحب الوسائل ، وإنما ترجع إلى دعوى أن هؤلاء لا يروون إلا عن ثقة.

وعليه فيعتمد على مراسيلهم وعلى مسانيدهم ، وإن كانت الوسائط مجهولة أو مهملة.

ولكن هذا القول فاسد جزما ، فإنه لا يحتمل إرادة ذلك من كلام الكشي. ولو سلم أنه أراد ذلك فهذه الدعوى فاسدة بلا شبهة ، فإن أصحاب الاجماع قد رووا عن الضعفاء في عدة موارد تقف عليها في تراجمهم في كتابنا هذا إن شاء الله تعالى ، ونذكر جملة منها قريبا.

٦٠