المحسن السّبط مولود أم سقط

السيد محمد مهدي السيد حسن الموسوي الخرسان

المحسن السّبط مولود أم سقط

المؤلف:

السيد محمد مهدي السيد حسن الموسوي الخرسان


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات دليل ما
المطبعة: نگارش
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣١
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

ياسر ، والبراء بن عازب ، وأبيّ بن كعب ، ومالوا مع علي بن أبي طالب ، وقال في ذلك عتبة بن أبي لهب :

ما كنت أحسب أن الأمر منصرف

عن هاشم ثم منهم عن أبي حسن

عن أول الناس إيماناً وسابقة

وأعلم الناس بالقرآن والسنن

وآخر الناس عهداً بالنبي ومَن

جبريل عون له في الغسل والكفن

من فيه ما فيهم لا يمترون به

وليس في القوم ما فيه من الحسن

النص الثاني : قال (١) : وكذلك تخلّف عن بيعة أبي بكر أبو سفيان من بني أمية.

النص الثالث : قال (٢) : ثم انّ أبا بكر بعث عمر بن الخطاب إلى علي ومن معه ليخرجهم من بيت فاطمة رضي‌الله‌عنها ، وقال : إن أبوا عليك فقاتلهم ، فأقبل عمر بشيء من نار على أن يضرم الدار ، فلقيته فاطمة رضي‌الله‌عنها وقالت : إلى أين يا بن الخطاب ، أجئت لتحرق دارنا ؟ قال : نعم ، أو تدخلون فيما دخلت فيه الأمة ، فخرج علي حتى أتى أبا بكر فبايعه ، كذا نقله القاضي جمال الدين بن واصل ، وأسنده إلى ابن عبد ربه المغربي.

النص الرابع : قال : وروى الزهري عن عائشة قالت : لم يبايع علي أبا بكر حتى ماتت فاطمة ، وذلك بعد ستة أشهر لموت أبيها صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأرسل علي إلى أبي بكر فأتاه في منزله فبايعه ....

ما ذكره النويري :

السادس والعشرون : شهاب الدين النويري ( ت ٧٣٣ هـ ) فماذا عنده ؟

النص الأول : قال في نهاية الإرب (٣) : وعن مالك بن مغول ، عن ابن أبجر قال : لما بويع أبي بكر الصديق جاء أبو سفيان بن حرب إلى علي فقال : غلبكم على

_____________________

١ ـ المختصر في أخبار البشر ١ : ١٥٦.

٢ ـ المصدر نفسه ١ : ١٥٦.

٣ ـ نهاية الإرب ١٩ : ٤٠.

٤٤١
 &

هذا الأمر أرذل بيت في قريش ، أما والله لأملأنّها خيلاً ورجالاً ، فقال له علي : ما زلت عدواً للإسلام وأهله ، فما ضر ذلك الإسلام وأهله شيئاً ، إنّا رأينا أبا بكر لها أهلاً. ورواه عبد الرزاق عن ابن المبارك.

النص الثاني : ذكر ما تقدم من رواية ابن عبد البر في الاستيعاب عن زيد بن أسلم عن أبيه ـ وهذا هو مولى عمر ـ إنّ علياً والزبير كانا حين بويع لأبي بكر يدخلان على فاطمة فيشاورانها في أمرهم ، فبلغ ذلك عمر ، فدخل عليها فقال : يا بنت رسول الله ما كان في الخلق أحد أحب إلينا من أبيك ـ إلى أخر ما مرّ وليس فيه من جديد ـ إلا أنّ النويري عقّب على ذلك بقوله : ( وهذا الحديث يردّ قول من زعم أنّ علي بن أبي طالب لم يبايع إلا بعد وفاة فاطمة رضي‌الله‌عنها ).

ومن حق القارئ أن يسأل النويري كيف اعتمد هذا الحديث وهو مخدوش سنداً ومتناً ، أما سنداً فإن زيد بن أسلم قال عنه مالك : كان زيد يحدث من تلقاء نفسه ، وهو يروي عن أبيه أسلم ، وهذا مولى عمر بن الخطاب ، وهو ممن كان معه يوم الهجوم على بيت فاطمة الزهراء ، وأما متناً فإنّ الامتناع عن البيعة من حديث عائشة في البخاري ، ويرويه عنها عروة ابن اختها ، وعنه الزهري ، وكلّهم غير متهم في المقام.

النص الثالث : ذكر شعر ابن أبي عزة الجمحي في بيعة أبي بكر (١) ، وهذا أيضاً مرّ عن الاستيعاب ، وقلنا أنّ الشعر منحول ، بدليل ما يقوله ابن حزم انّ أبا عزة الجمحي ـ الذي قتله النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم اُحد ـ لا عقب له ، ولم يكن في بني جمح من يسمى بأبي عزة غيره.

النص الرابع : قال (٢) : وروي عن سعيد بن المسيب قال : لما قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ارتجّت مكة ، فسمع أبو قحافة فقالوا (٣) : ما هذا ؟ فقالوا : قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ،

_____________________

١ ـ المصدر نفسه ١٩ : ٤١.

٢ ـ المصدر نفسه ١٩ : ٤١.

٣ ـ والصحيح : فقال.

٤٤٢
 &

قالوا (١) : أمر جلل ، فمن ولي بعده ؟ قالوا : ابنك ، قال : فهل رضيت بذلك بنو عبد مناف وبنو المغيرة ؟ قالوا : نعم ، قال : لا مانع لما أعطى الله ، ولا معطي لما منع الله.

وهذا النص ورد في كثير من المصادر ، واللافت للنظر فيه قول أبي قحافة : فهل رضيت بذلك بنو عبد مناف وبنو المغيرة ؟ لأنّ الرجل يعرف من نفسه وقومه بني تيم ليسوا بالموضع الذي يؤهلهم لنيل خلافة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهم على حد ما قال أبو سفيان أرذل بيت في قريش ، ولم يتجن عليهم أبو سفيان ولا غيره حين يصفون بني تيم بالضعة ، وشاعرهم يقول : ( وما تيم إلا أعبد وإماء ) ازدراء بهم واحتقاراً لهم.

ما ذكره الذهبي :

السابع والعشرون : الذهبي ( ت ٧٤٨ هـ ) فماذا عنده ؟

النص الأول : قال في سير أعلام النبلاء (٢) :

فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سيدة نساء العالمين في زمانها ، البضعة النبوية ، والجهة المصطفوية ، أم أبيها ، بنت سيد الخلق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أبي القاسم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشية الهاشمية وأم الحسنين ، مولدها قبل المبعث بقليل ، وتزوجها الإمام علي بن أبي طالب في ذي القعدة أو قبيله من سنة اثنتين بعد وقعة بدر ، وقال ابن عبد البر : دخل بها بعد وقعة اُحد فولدت له الحسن والحسين وأم كلثوم وزينب.

أقول : ما حكاه ونقله عن ابن عبد البر لا يوجد في ترجمة فاطمة عليها‌السلام من الاستيعاب ، وبين يدي فعلاً ثلاث طبعات وهي : طبعة حيدر آباد سنة ١٣٣٦ هـ ،

_____________________

١ ـ والصحيح : فقال.

٢ ـ سير أعلام النبلاء ٣ : ٤٢٥.

٤٤٣
 &

وطبعة مصطفى محمد سنة ١٣٥٨ هـ بهامش الإصابة ، وطبعة بتحقيق علي محمد البجاوي. وقد سبق أن نبّهت على هذا في الفصل الأول من الباب الأول فيمن ذكر المحسن فراجع.

ثم ما ذكره في أول العنوان بقوله : ( سيدة نساء العالمين في زمانها ) نصب وعجب في زعمه هذا بعد ما صح عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قوله : ( فاطمة سيدة نساء أهل الجنة ) وهذا رواه أحمد في مسنده (١) مسند حذيفة وغيره ، فنساء أهل الجنة من الأولين والآخرين إذن ليست سيدة العالمين ( في زمانها ) فحسب ، وكذلك قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين ، وسيدة نساء المؤمنين ، وسيدة نساء هذ الأمة ».

وهذا الحديث روته عائشة كما في المستدرك على الصحيحين (٢) وصححه ، ورواه الذهبي نفسه في تلخيص المستدرك وصححه أيضاً ، وقد ذكرت الأحاديث باختلاف ألفاظها وتعدد رواتها وكثرة مصادرها ما يثبت لها السيادة المطلقة سلام الله عليها فراجع كتاب ( علي إمام البررة ) (٣).

النص الثاني : قال (٤) : ولما توفي أبوها تعلّقت آمالها بميراثه ، وجاءت تطلب ذلك من أبي بكر الصديق ، فحدثها أنه سمع من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : ( لا نورث ، ما تركنا صدقة ) فوجدت عليه ثم تعللت ؟

النص الثالث : قال (٥) : روى إسماعيل بن أبي خالد ، عن الشعبي قال : لما مرضت فاطمة أتى أبو بكر فاستأذن ، فقال علي : يا فاطمة هذا أبو بكر يستأذن

_____________________

١ ـ مسند أحمد ٥ : ٣٩١ ، ح ٢٣٧١٨.

٢ ـ المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٥٦.

٣ ـ علي إمام البررة ٢ : ٢٣١ ـ ٢٩٣.

٤ ـ سير أعلام النبلاء ٣ : ٤٢٦.

٥ ـ المصدر نفسه.

٤٤٤
 &

عليك ، فقالت : أتحب أن آذن له ؟ ـ قلت : والقائل الذهبي : عملت السنة رضي‌الله‌عنها ، فلم تأذن في بيت زوجها إلا بأمره ـ ، قال : فأذنت له ، فدخل عليها يترضاها ، وقال : والله ما تركت الدار والمال والأهل والعشيرة إلا ابتغاء مرضاة الله ورسوله ، ومرضاتكم أهل البيت ، قال : ثم ترضاها حتى رضيت.

وقد كرر ذكر الخبر مرّة اُخرى بأخصر من ذلك وبنفس السند عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي (١).

وإسماعيل هذا أطروه كثيراً ووثقوه لأنه كان صاحب سنّة ، ومع ذلك كان أميّاً حافظاً ثقة ، وأغرب من ذلك قول هيثم فيه : كان إسماعيل فحش اللحن ، كان يقول : حدّثني فلان عن أبوه ( ! ) ، وهو مع ذلك الإطراء في التوثيق قال يحيى بن سعيد : مرسلات ابن أبي خالد ليست بشيء.

أقول : وهذا الذي ذكره الذهبي عنه من زعمه : « ثم ترضاها حتى رضيت » من المرسلات ، لأنّ الشعبي لم يكن حاضراً يومئذٍ بالمدينة ، ولا هو ممن أدرك عيادة أبي بكر لفاطمة ( فترضاها حتى رضيت ) فالخبر من المرسلات ، ومرسلات ابن أبي خالد ليست بشيء كما قال يحيى بن سعيد ، مضافاً إلى نُصب الشعبي وكذبه ، راجع بشأنه كتاب ( علي إمام البررة ) (٢).

النص الرابع : ذكر في ميزان الاعتدال (٣) ترجمة أحمد بن محمد بن السري بن يحيى بن ابن أبي دارم فقال : أبو بكر الكوفي الرافضي الكذاب ، مات في أول سنة سبع وخمسين وثلاثمائة ... روى عنه الحاكم وقال : رافضي غير ثقة ، وقال

_____________________

١ ـ المصدر نفسه ٣ : ٤٣١.

٢ ـ علي إمام البررة ٢ : ٣٢٣ ـ ٣٣٤.

٣ ـ ميزان الاعتدال ١ : ١٣٩.

٤٤٥
 &

محمد بن أحمد بن حماد الكوفي الحافظ ... بعد أن أرّخ موته : كان مستقيم الأمر عامة دهره ، ثم في آخر أيامه كان أكثر ما يقرأ عليه المثالب ، حضرته ورجل يقرأ عليه : إنّ عمر رفس فاطمة حتى أسقطت بمحسن.

وفي خبر آخر في قوله تعالى : ( وَجَاءَ فِرْعَوْنُ ) ـ عمر ـ ( وَمَنْ قَبْلَهُ ) ـ أبو بكر ( وَالْمُؤْتَفِكَاتُ ) (١) عائشة وحفصة ، فوافقته على ذلك ، ثم إنّه حين أذّن الناس بهذا الأذان المحدث وضع حديثاً متنه : « تخرج نار من قعر عدن تلتقط مبغضي آل محمد » ، ووافقته عليه.

وجاءني ابن سعيد في أمر هذا الحديث فسألني ، فكبر عليه ، وأكثر الذكر له بكل قبيح ، وتركت حديثه ، وأخرجت عن يدي ما كتبته عنه ، ويحتجون به في الأذان ، زعم أنّه سمع موسى بن هارون عن الحماني ، عن أبي بكر بن عياش ، عن عبد العزيز بن رفيع ، عن أبي محذورة قال : كنت غلاماً ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اجعل في آخر أذانك حيّ على خير العمل (٢).

وهذا حدّثنا به جماعة عن الحضرمي عن يحيى الحماني ، وإنّما هو : اجعل في آخر أذانك : الصلاة خير من النوم. تركته ولم أحضر جنازته.

أقول : أتعلم أيّها القارئ الكريم من هو ابن أبي دارم الذي تحامل عليه الذهبي ؟ إنّه هو الذي ذكره في سير أعلام النبلاء فقال عنه :

ابن أبي دارم ، الإمام الحافظ الفاضل ، أبو بكر أحمد بن محمد السري بن يحيى بن السري ابن أبي دارم ، التميمي الكوفي الشيعي ، محدّث الكوفة.

_____________________

١ ـ الحاقة : ٩.

٢ ـ راجع رسالتنا ( حي على خير العمل ) مسائل شرعية بين السنّة والبدعية ط دار الهادي بيروت سنة ١٤٢٣ هـ ، تجد أن الأذان بها شرعية لأنّه كان بأمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والأذان بالصلاة خير من النوم بدعيّة لأنّه كان بأمر عمر.

٤٤٦
 &

سمع إبراهيم بن عبد الله ... ، وحدّث عنه الحاكم ، وأبو بكر بن مردويه ، ويحيى بن إبراهيم المزكّي ، وأبو الحسن ابن الحمامي ، والقاضي أبو بكر الحيري ، وآخرون.

كان موصوفاً بالحفظ والمعرفة إلا أنه يترفض ، قد ألف في الحط على بعض الصحابة ، وهو مع ذلك ليس بثقة في النقل ، ومن عالي ما وقع لي منه ـ ثم ساق بإسناده إليه حديث « الحلال بيّن والحرام بيّن ، وبين ذلك مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس ، من ترك الشبهات استبرأ لدينه وعِرضه ، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام ، كالراعي إلى جنب الحمى ، يوشك أن يواقعه » الحديث متفق عليه.

مات أبو بكر في المحرم سنة اثنتين وخمسين وثلثمائة ، وقيل : سنة إحدى وخمسين ، قال الحاكم : هو رافضي غير ثقة.

وقال محمد بن أحمد بن حماد الحافظ : كان مستقيم الأمر عامة دهره ، ثم في آخر أيامه كان أكثر ما يقرأ عليه المثالب ، حضرته ورجل يقرأ عليه : انّ عمر رفس فاطمة حتى أسقطت محسناً.

وفي خبر آخر قوله تعالى : ( وَجَاءَ فِرْعَوْنُ ) عمر ( وَمَنْ قَبْلَهُ ) أبو بكر ( وَالْمُؤْتَفِكَاتُ ) (١) عائشة وحفصة ، فوافقته وتركت حديثه ، قلت ـ والقائل هو الذهبي ـ : شيخ ضال معثر.

أقول : وترجمه في تذكرة الحفاظ (٢) فقال : أبو بكر بن أبي دارم ، الحافظ المسند الشيعي ، أحمد بن محمد بن السري بن يحيى بن السري التميمي الكوفي ، محدّث الكوفة ـ ثم ذكر مشايخه ومن روى عنه كما مرّ في سير أعلام النبلاء ـ جمع في الحط على الصحابة ، وكان يترفض وقد اتهم في الحديث ... ، وكان

_____________________

١ ـ الحاقة : ٩.

٢ ـ تذكرة الحفاظ ٣ : ٨٨٤.

٤٤٧
 &

موصوفاً بالحفظ ، له ترجمة سيئة في الميزان ، ذكرنا فيها ما حدّث به من الإفك المبين لا رعاه الله. ثم ساق الحديث الذي ذكره في الحلال والحرام ....

وهكذا تحامل على الرجل لأنّه يروي الإفك المبين ( ؟ ) فيما يراه الذهبي ، ولو أنصف نفسه قبل أن ينصفه ، لعلم أنّه ما من دخان إلا من وراء نار ، أوليس هو ـ الذهبي ـ قد ترجم عُلوان ـ بالضمّ ـ بن داود ، وذكر في ترجمته مثلّثات أبي بكر ، وفيها : وددت أنّي لم أكشف بيت فاطمة وتركته وإن أغلق على الحرب ، ألا مسائل الذهبي : لماذا ندم أبو بكر ؟ وماذا جرى بأمره في كشف بيت فاطمة ؟ أليس هو مجيئ عمر ومن معه بقبس من نار ليحرق البيت على من فيه ، فقالوا له : إنّ في الدار فاطمة ، قال : وإن.

ومن المضحك المبكي ـ وشر البلية ما يضحك ، وشر الرزية ما يبكي ـ أنّ الذهبي ابتعد كثيراً في كتابه ( المنتقى من منهاج الاعتدال ) عن منهج الاعتدال ، حيث ذكر (١) ما ذكره شيخه ابن تيمية في منهاج السنة تعليقاً على مثلثات أبي بكر ومنها ما يتعلق بالمقام.

قال : ـ ابن المطهر ـ : « وقال عند موته : ليتني كنت تركت بيت فاطمة لم أكشفه ، وليتني في سقيفة بني ساعدة كنت ضربت على يد أحد الرجلين ، فكان هو الأمير وكنت الوزير ، وهذا يدلّ على إقدامه على بيت فاطمة عند اجتماع علي والزبير وغيرهما ، ويدلّ على أنّه كان يرى الفضل لغيره ».

قلنا : لا يقبل القدح إلا إذا ثبت النقل ، ونحن نعلم يقيناً أنّ أبا بكر لم يقدم على علي والزبير بشيء من الأذى ، بل ولا على سعد بن عبادة الذي مات ولم يبايعه ، وغاية ما يقال : انه كبس البيت لينظر هل فيه شيء من مال الله الذي أمر

_____________________

١ ـ المنتقى : ٥٨٣.

٤٤٨
 &

بقسمته ، ثم رأى أنه لو تركه لهم جاز ، والجهلة يقولون انّ الصحابة هدموا بيت فاطمة ، وضربوا بطنها حتى طرحت ، أفيسوغ في عقل عاقل انّ صفوة الامة يفعلون هذا بابنة نبيّهم لا لأمر ، فلعن الله من وضع هذا ومن افتعل الرفض.

أقول : ما دام الرجل لا يستحي من الكذب ، وقد لعن من وضع هذا ومن افتعل الرفض ، فمن حقنا نحن أيضاً أن نقول : لعن الله من تعمّد الكذب ومن أسس النصب ، ولقد مرّ ما يتعلق برد العذر البارد والتافه من أنّ كبس البيت كان لينظر هل فيه شيء من مال الله الذي أمر بقسمته ، فلا حاجة إلى اعادته.

ما ذكره الصفدي :

الثامن والعشرون : الصفدي ( ت ٧٦٤ هـ ) فماذا عنده ؟وليعلم مسبقاً انّه نسج على نول الذهبي ، وطرّزه بما يلي :

النص الأول : قال في ترجمة إبراهيم بن سيّار النظام من شيوخ المعتزلة (١) : ومنها ميله إلى الرفض ووقوعه في أكابر الصحابة ، وقال : نص النبي صلّى‌الله‌عليه‌وسلّم على أنّ الإمام عليّ وعيّنه ، وعرفت الصحابة ذلك ، ولكن كتمه عمر لأجل أبي بكر.

حسب القائل أن يقول : صدق النظام في دعوى النص ، ويوم الغدير شاهد على الملأ الإسلامي يومئذٍ ، وقد سلّم الشيخان على الإمام كما مرّ بإمرة المؤمنين (٢).

النص الثاني : قال في نفس الصفحة : وقال : إنّ عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتى ألقت المحسّن من بطنها.

_____________________

١ ـ الوافي بالوفيات للصفدي ٦ : ١٧.

٢ ـ قال المناوي في فيض القدير ٦ : ٢١٨ ط ١ سنة ١٣٥٧ مطبعة مصطفى محمد نقلاً عن ابن حجر في ذكر حديث الغدير : ( ولما سمع أبو بكر وعمر ذلك قالا ـ فيما أخرجه الدارقطني عن سعد بن أبي وقاص ـ أمسيت يا بن أبي طالب مولى كل مؤمن ومؤمنة.

٤٤٩
 &

وهذا أيضاً ثابت ، وقد مرّت أسماء من قال بأنّه سقط ذلك اليوم ، فكان النظام واحداً منهم.

النص الثالث : قال في نفس الصفحة : ووقع في جميع الصحابة فيما حكموا فيه بالاجتهاد ، فقال : لا يخلو إمّا أن جهلوا فلا يحلّ لهم ، أو أنهم أرادوا أن يكونوا أرباب مذاهب فهو نفاق ، وعنده الجاهل بأحكام الدين كافر ، والمنافق فاسق أو كافر ، وكلاهما يوجب الخلود في النار.

ما ذنب النظام إذا قرأ عن أبي بكر وعمر وغيرهما من الفتاوى التي تخالف النص ، ولا اجتهاد في مقابل النص ، وحسب القارئ مراجعة كتاب الغدير للشيخ الأميني رحمه‌الله (١) ، وكتاب الاجتهاد والنص للسيد شرف الدين رحمه‌الله.

النص الرابع : قال (٢) في ترجمة الشاه بوري الواعظ البلخي ، وقد ذكر إطراءه عن ابن النجار ومنه : وروى عنه شيخه السلفي ، وكان يعظمه ويجلّه ويعجب بكلامه ... وكان يميل إلى الرفض ... وكان يدسّ سبّ الصحابة في كلامه ، مثل قوله : قال علي يوماً لفاطمة وهي تبكي : لم تبكين ؟ أأُخذت منكِ فَدَك ؟ أفعلتُ كذا ؟ أفعلتُ كذا ؟

ما ذكره ابن كثير :

التاسع والعشرون : ابن كثير الشامي ( ت ٧٧٤ ) فماذا عنده ؟

النص الأول : قال في البداية والنهاية (٣) : وقد اتفق الصحابة على بيعة الصديق في ذلك الوقت ـ غداة اليوم الثاني من بيعة السقيفة ـ حتى علي بن أبي طالب

_____________________

١ ـ الغدير : ج ٦ ، و ٧ ، وما بعدهما.

٢ ـ الصفدي ٣ : ٢٤٣.

٣ ـ البداية والنهاية ٦ : ٣٠١.

٤٥٠
 &

والزبير بن العوام ، والدليل على ذلك ما رواه البيهقي حيث قال : أنبأنا أبو الحسين علي بن محمد بن علي الحافظ الاسفراييني ، ثنا أبوعلي الحسين بن علي الحافظ ، ثنا أبو بكر بن خزيمة (١) وإبراهيم بن أبي طالب قالا : ثنا بندار بن بشار (٢) ، ثنا أبو هشام المخزومي ، ثنا وهيب ، ثنا داود بن أبي هند ، ثنا أبو نضرة (٣) ، عن أبي سعيد الخدري قال :

قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم واجتمع الناس في دار سعد بن عبادة ، وفيهم أبو بكر وعمر ، قال : فقام خطيب الأنصار فقال : أتعلمون أنّا أنصار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فنحن أنصار خليفته كما كنّا أنصاره ، قال : فقام عمر بن الخطاب فقال : صدق قائلكم ولو قلتم غير هذا لم نبايعكم ، فأخذ بيد أبي بكر وقال : هذا صاحبكم فبايعوه ، فبايعه عمر ، وبايعه المهاجرون والأنصار ، وقال : فصعد أبو بكر المنبر فنظر في وجوه القوم فلم ير الزبير ، قال : فدعا الزبير فجاء ، قال : قلتَ : ابن عمة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أردتَ أن تشقّ عصا المسلمين ، قال : لا تثريب يا خليفة رسول الله ، فقام فبايعه.

ثم نظر في وجوه القوم فلم ير علياً ، فدعا بعلي بن أبي طالب قال : قلت ابن عم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وختنه على ابنته ، أردت أن تشق عصا المسلمين ، قال : لا تثريب يا خليفة رسول الله فبايعه ، هذا أو معناه.

_____________________

١ ـ هو أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة ( ت ٣١١ هـ ) من كبار حفّاظ الحديث ، وقد أثنى عليه الذهبي في تذكرة الحفاظ كثيراً ، وساق في ترجمته بعض معتقده في مسائل ، منها قوله : ... وانّه تعالى ينزل إلى سماء الدنيا ، ومن زعم أنّ علمه ينزل أو أمره ضلّ ، ويكلّم عباده بلا كيف ، الرحمن على العرش استوى بلا كيف ، لا كما قالت الجهمية أنه استولى ....

٢ ـ في المصادر : يسار ، والصحيح بشار ، وهو محمد بن بشار العبدي البصري النساج ، كان عالماً بحديث البصرة ... قال العجلي : ثقة كثير الحديث حائك ، توفي سنة ٢٥٢ هـ ، قال الذهبي في تذكرة الحفاظ ١ : ٥١١ : ولا عبرة بقول من ضعفه.

٣ ـ في المصدر : أبو نصرة ، والصحيح هو أبو نضرة ، وهو المنذر بن مالك بن قطعة العوفي البصري.

٤٥١
 &

قال الحافظ أبو علي النيسابوري : سمعت أبي خزيمة يقول : جاءني مسلم بن الحجاج فسألني عن هذا الحديث ، فكتبته له في رقعة وقرأت عليه ، فقال : هذا حديث يساوي بدنة ، فقلت : يسوى بدنة ؟ بل هذا يسوي بدرة.

ثم قال ابن كثير : وقد رواه الإمام أحمد عن الثقة عن وهيب مختصراً ، وأخرجه الحاكم في مستدركه من طريق عفان بن مسلم عن وهيب مطولاً كنحو ما تقدم ، وروينا من طريق المحاملي عن القاسم بن سعيد بن المسيب ، عن علي بن عاصم ، عن الجريري (١) ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد ، فذكره مثله في مبايعة علي والزبير يومئذٍ. انتهى.

إلقاء نظرة على حديث البُدرة :

إنّ النص المتقدم الذي اهتم به ابن كثير كثيراً ، وساقه بإسناد الحافظ ابن خزيمة ، وابن خزيمة كما في ترجمته كان من أسلاف السلفية القائلين بالتجسيم ، ونقل عنه أنه قرأ الحديث على مسلم ، فرأى مسلم في سوقه انّه يسوى بدنة ـ وهي الناقة ، وزاد الأزهري أو بعير ذكر ، كما في المصباح المنير ـ ولم يقنع ابن خزيمة بذلك التقويم حتى قال : بل يسوى بدرة ـ والبدرة كيس ألف أو عشرة آلاف درهم ، أو سبعة آلاف دينار كما في القاموس ـ.

وقد ساق ابن كثير عدة أسماء من أئمة الحديث كأحمد بن حنبل ، والحاكم ، والمحاملي ممن رووا ذلك النص متهالكاً في إثباته ، مع أنّ القارئ الفطن يدرك

_____________________

١ ـ في المصدر : الحريري ، والصحيح الجريري وهو سعيد بن أياس البصري ، قال أحمد : هو محدث أهل البصرة ، وقال أبو حاتم : تغيّر حفظه قبل موته ، قال أحمد بن حنبل : سألت ابن علية : أكان الجريري اختلط ؟ فقال : لا ، كبر الشيخ فرقّ ، وأما ابن عدي فقال : لا نكذب الله ، سمعنا من الجريري وهو مختلط ( ت ١٤٤ هـ ).

٤٥٢
 &

أنّ النص مكذوب على أبي سعيد ، وإن كثرت أسانيد الرواية عنه ، مع وجود الآفة في بعض رجال الرواة ، كالجريري الذي اختلط وتغيّر حفظه ، ومع ذلك لم يترك ابن علية وابن عدي السماع منه ، بل أقسم ابن عدي فقال : لا نُكذِب الله ، سمعنا من الجريري وهو مختلط. هذا من جهة السند ، ولنلق نظرة عابرة على متنه لنرى مدى صحته ، وهل يسوى سماعه وتحصيله بدرة أو لا يسوى حتى بعرة ؟

فنقول : إنّ صحيح البخاري له مقام عند العامة ، لا يوازيه أيّ كتاب من صحاحهم وغيرها ، حتى قالوا فيه : إنّه أصح كتاب بعد كتاب الله ، وهذا وإن لم نقبله نحن ، ولكن لإلزام ابن كثير وقومه نقول لهم : إنّ بخاريّكم روى بسنده عن الزهري عن عروة عن عائشة خبر مطالبة الزهراء عليها‌السلام في باب غزوة خيبر (١) ـ وقد مرّ ذكره في النص الثاني فماذا عند البخاري فراجع ـ وقد جاء فيه : ( فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئاً ، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك ، فهجرته فلم تكلّمه حتى توفيت ، وعاشت بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ستة أشهر ، فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلاً ولم يؤذن بها أبا بكر وصلى عليها ، وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة ، فلما توفيت استنكر علي وجوه الناس ، فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته ، ولم يكن يبايع تلك الأشهر ... ).

وقد بيّنا هناك اقتضاب البخاري ـ ومثله أحمد بن حنبل في مسنده ـ لهذا الخبر ، مع أنّ عبد الرزاق وهو قبلهما ، قد روى الخبر بنفس السند وبصورة أتم ، ومما جاء فيه : قال معمّر : فقال رجل للزهري : فلم يبايعه علي ستة أشهر ؟ قال : لا ، ولا واحد من بني هاشم حتى بايعه علي. ( راجع النص التاسع فيماذا عند عبد الرزاق ).

_____________________

١ ـ صحيح البخاري ٥ : ١٣٩.

٤٥٣
 &

ومن المضحك ـ وشر البلية ما يضحك ـ أنّ ابن كثير لم يغب عنه ما رواه عبد الرزاق وأحمد والبخاري ، فراوغ في الجمع بين ما ذكره أولاً من خبره الذي رواه ابن خزيمة ، وقوّم تحصيل سماعه ببُدرة ، وبين ما رواه الثلاثة ، فساق خبراً كذباً عقب ما مرّ وهو النص الآتي.

النص الثاني : وقال موسى بن عقبة في مغازيه عن سعد بن إبراهيم : حدّثني أبي أنّ أباه عبد الرحمن بن عوف كان مع عمر ، وأنّ محمد بن مسلمة كسر سيف الزبير ، ثم خطب أبو بكر واعتذر إلى الناس وقال : والله ما كنت حريصاً على الإمارة يوماً ولا ليلة ، ولا سألتها الله في سر ولا علانية ، فقبل المهاجرون مقالته ، وقال علي والزبير : ما أغضبنا إلّا لأنّنا أُخّرنا عن المشورة ، وإنّا نرى أبا بكر أحق الناس بها ، إنّه لصاحب الغار ، وإنّا لنعرف شرفه وخيره ، ولقد أمره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالصلاة بالناس وهو حي.

ثم قال ابن كثير : وهذا اللائق بعلي رضي‌الله‌عنه ، والذي يدلّ عليه الآثار من شهوده معه الصلوات ، وخروجه معه إلى ذي القصة بعد موت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كما سنورده ، وبذله له النصيحة والمشورة بين يديه ، وأما ما يأتي من مبايعته إياه بعد موت فاطمة ، وقد ماتت بعد أبيها عليه‌السلام بستة أشهر ، فذلك محمول على أنّها بيعة ثانية أزالت ما كان قد وقع من وحشة بسبب الكلام في الميراث ، ومنعه إياهم ذلك بالنص عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في قوله : لا نورث ما تركنا فهو صدقة.

أقول : هذا هو الجمع بين الخبرين فيما يراه ابن كثير ، فكل من بايع أبا بكر من المسلمين بايعه مرّة واحدة ، إلّا علي المظلوم فقد بايعه مرّتين ، لك الله يا علي ؟! إنّها لفرية جازت الحد ، ولا تسوى النقد والرد ، وإنّما أشرت إليها لأثبت للقارئ أنّ الخبر الذي رواه ابن خزيمة لا يسوى سماعه بعرة فضلاً عن بدرة ، وما تمسك ابن كثير به إلا لنصبه ، وقد ذكره في كتابه ( السيرة النبوية ) (١) مع غيره من الطامات ما لا سبيل إلى قبولها بأيّ وجه.

_____________________

١ ـ السيرة النبوية ٤ : ٤٩٤.

٤٥٤
 &

ولدلالة القارئ على جانب مما يكشف عن نَصبه ما ذكره تعقيباً عليه فقال : وفيه أنّ زيد بن ثابت أخذ بيد أبي بكر فقال : هذا صاحبكم فبايعوه ، ثم انطلقوا ، فلما قعد أبو بكر على المنبر نظر في وجوه القوم فلم ير علياً ، فسأل عنه ، فقام ناس من الأنصار فأتوا به.

ثم ذكر بقية الخبر وقصة بيعة الزبير بعد علي ، ثم قال : « وقد رواه الإمام أحمد ... وهذا إسناد صحيح محفوظ من حديث أبي نضرة ... وفيه فائدة جليلة وهي مبايعة علي بن أبي طالب ، أما في أول يوم أو في اليوم الثاني من الوفاة وهذا حق ( ؟! ) فإنّ علي بن أبي طالب لم يفارق الصديق في وقت من الأوقات ، ولم ينقطع في صلاة من الصلوات خلفه كما سنذكره ، وخرج معه إلى ذي القصة لما خرج الصديق شاهراً سيفه يريد قتال أهل الردة ( ؟! )

ولكن لما حصل من فاطمة رضي‌الله‌عنها عتب على الصديق ، بسبب ما كانت متوهمة من أنّها تستحق ميراث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولم تعلم بما أخبرها به أبو بكر الصديق انّه قال : ( لا نورث ما تركنا فهو صدقة ) فحجبها وغيرها من أزواجه وعمه عن الميراث بهذا النص الصريح ، كما سنبيّنه في موضعه ، فسألته أن ينظر علي في صدقة الأرض التي بخيبر وفَدَك ، فلم يجبها إلى ذلك ، وهو الصادق البار الراشد التابع للحق ، فحصل لها ـ وهي امرأة من البشر ليست بواجبة العصمة ( ؟! ) ـ عتب وتغضّب ولم تكلّم الصدّيق حتى ماتت ، واحتاج علي أن يراعي خاطرها بعض الشيء ، فلما ماتت بعد ستة أشهر من وفاة أبيها صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأى علي أن يجدّد البيعة مع أبي بكر مع ما تقدم له من البيعة قبل دفن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ( ؟ ) ويزيد ذلك صحة قول موسى بن عقبة في مغازيه : أقول ... » ثم ذكر ما مرّ عنه آنفاً في أول النص الثاني.

هذا بعض ما عند ابن كثير من زخرف القول بالباطل في بيعة أبي بكر ، ولم يستطع إخفاء نصبه مضافاً إلى كذبه إنه لم يترض عن علي ولا مرّة واحدة ، مع

٤٥٥
 &

تكرر ذكره في الخبر خمس مرّات ، بينما ترضّى عن صاحبه أبي بكر ثلاث مرّات ، وليس هذا بشيء إزاء شنعته الصلعاء حين نفى عصمة الصديقة الزهراء عليها‌السلام ، مع سوء أدب وقلة حياء ....

ولو كان ممن آتاه الله فهماً في كتابه ، لما عمي عن مدلول آية التطهير وشأن نزولها ، وتأكيد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على تعيين أصحابها وهم فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها (١) ، ولا عن مدلول آية المباهلة ، ولا عن آية المودة.

ولو كان لديه قلة حياء لما تعامى عن أقوال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نحو قوله : « فاطمة بضعة منّي فمن أغضبها أغضبني » (٢).

وقوله الآخر : « فاطمة بضعة منّي يريبني ما أرابها ، ويؤذيني ما آذاها » (٣).

وقوله الثالث : « إنّ الله يغضب لغضبكِ ويرضى لرضاكِ » (٤).

وقوله الرابع : « فاطمة بضعة منّي يقبضني ما يقبضها ، ويبسطني ما يبسطها » (٥).

وقوله الخامس : « قال لعلي عليه‌السلام : أوتيتَ ثلاثاً لم يؤتهنّ أحد ولا أنا ، أوتيت صهراً مثلي ولم أوت أنا مثله ، وأوتيتَ زوجة صديقة مثل ابنتي ولم أوت مثلها

_____________________

١ ـ راجع كتاب ( علي إمام البررة ) ١ : ٣٧١ ـ ٤٠٨.

٢ ـ صحيح البخاري في كتاب بدء الخلق ، باب مناقب قرابة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومنقبة فاطمة ، وله عدّة مصادر اُخرى : منها خصائص النسائي : ٣٥ ، وذكره المناوي في فيض القدير ٤ : ٤٢١ ، وقال : استدل به السهيلي على أنّ من سبّها كفر ، لأنّه يغضبه ، وأنها أفضل من الشيخين.

٣ ـ صحيح البخاري في كتاب النكاح ورواه غيره ، راجع كتاب علي إمام البررة ٢ : ١٦٨ ـ ٢٣٠ و ٢٨٠.

٤ ـ أخرجه الحاكم في المستدرك ٣ : ٥٣ وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ، ورواه ابن الأثير في اُسد الغابة ٥ : ٥٢٢ ، وابن حجر في الإصابة ٨ : ١٥٩ ، وفي تهذيب التهذيب ١٢ : ٤٤١ ، وابن عدي في الكامل ٢ : ٣٥١ في ترجمة الحسين بن زيد العلوي ، وذكره الذهبي في ميزان الاعتدال ١ : ٢٢١ ، ورواه ابن عساكر في تاريخه ١ : ٢٩٩ ، والمتقي الهندي في كنز العمّال.

٥ ـ مسند أحمد ٤ : ٣٢٣ ، ومستدرك الحاكم ٣ : ١٥٨.

٤٥٦
 &

زوجة ، وأوتيت الحسن والحسين من صلبك ولم أوت من صلبي مثلهما ، ولكنكم منّي وأنا منكم » أخرجه أبو سعيد في شرف النبوة ، وعنه المحب الطبري في الرياض النضرة (١).

وقوله السادس : « رأيت على باب الجنة مكتوباً : لا إله إلّا الله ، محمد رسول الله ، علي حبّ الله ، والحسن والحسين صفوة الله ، فاطمة خيرة الله ، على باغضهم لعنة الله » أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد (٢).

وقوله السابع : « إنما فاطمة بضعة منّي يؤذيني ما آذاها » أخرجه مسلم في الصحيح في كتاب فضائل الصحابة في باب فضائل فاطمة ، وذكره الفخر الرازي في تفسير آية المودّة في سورة الشورى بلفظ « يؤذيني ما يؤذيها » وأخرجه الترمذي بتفاوت يسير.

وقوله الثامن : « إنّما فاطمة بضعة منّي ، يؤذيني ما آذاها ، وينصبني ما أنصبها » أخرجه الترمذي في صحيحه (٣) ، والحاكم في مستدركه ، وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين (٤) ، وأخرجه أحمد في مسنده (٥).

وقوله التاسع : « إن الله عزوجل فطم ابنتي فاطمة وولدها ومن أحبهم من النار ، فلذلك سمّيت ابنتي فاطمة » أخرجه الديلمي عن أبي هريرة مرفوعاً ، ورواه المتقي في كنز العمّال ، ونحوه في ذخائر العقبى (٦).

_____________________

١ ـ الرياض النضرة ٢ : ٢٠٢.

٢ ـ تاريخ بغداد ١ : ٢٥٩.

٣ ـ صحيح الترمذي ٢ : ٣١٩ ، ومستدرك الحاكم ٣ : ١٥٩ ، مسند أحمد ٤ : ٥.

٤ ـ المستدرك ٣ : ١٥٩.

٥ ـ مسند أحمد ٤ : ٥.

٦ ـ ذخائر العقبى : ٢٦.

٤٥٧
 &

وقوله العاشر : « يا بنية أما ترضين أنك سيدة نساء العالمين ؟ قالت : يا أبت فأين مريم ابنة عمران ؟ قال : تلك سيدة نساء عالمها وأنتِ سيدة نساء عالمكِ ، أما والله زوجتك سيداً في الدنيا والآخرة ولا يبغضه إلا منافق » أخرجه أبو نعيم في الحلية ، والطحاوي في مشكل الآثار ، والمحب الطبري في ذخائر العقبى (١) ، وغيرهم.

وقوله الحادي عشر : « إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ : يا معشر الخلائق طأطئوا رؤوسكم حتى تجوز فاطمة بنت محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم » ، أخرجه الخطيب في تاريخه ، والمحب الطبري في ذخائر العقبى وقال : خرّجه ابن بشران عن عائشة (٢).

هذه إحدى عشرة رواية كاملة صريحة العبارة واضحة الدلالة على فضل فاطمة الزهراء عليها‌السلام ، وانّها صديقة معصومة ، وهي سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين ، ومع هذا كلّه فيأبى ابن كثير الشامي أن يقرّ لها بالعصمة ، بل وتجاوز الحد في نصبه فقال : « وهي امرأة من البشر ليست بواجبة العصمة ».

وما أدري كيف يثبتون العصمة لغيرها مع سوء التصرف مع إمام الحق في زمانها ، ولا أقل من قبول شهادة عائشة وهي أم المؤمنين بأنّ فاطمة عليها‌السلام أصدق الناس حديثاً ما عدا والدها ، فقد أخرج الحاكم في المستدرك (٣) ، بسنده عن عائشة أنّها كانت إذا ذكرت فاطمة ( سلام الله عليها ) بنت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قالت : ما رأيت أحداً كان أصدق لهجة منها إلا أن يكون الذي ولدها. وقال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط مسلم.

_____________________

١ ـ حلية الأولياء ٢ : ٤٢ ، مشكل الآثار ١ : ٥٠ ، ذخائر العقبى : ٤٣.

٢ ـ الخطيب في تاريخه ٨ : ١٤١ ، ذخائر العقبى : ٤٨.

٣ ـ المستدرك ٣ : ١٦٠.

٤٥٨
 &

وقد روى الخبر أيضاً أبو عمر في الاستيعاب (١) ، وفي لفظ أبي نعيم في الحلية (٢) قالت عائشة : ما رأيت أحداً قط أصدق من فاطمة غير أبيها.

فهي في دعواها صادقة ، ولم يكن أبو بكر أصدق منها في زعمه سماعه الحديث ( إنا لا نورث ) شهادة ابنته عائشة كما مرّ ، ومع هذا يقول ابن كثير أنّها متوهمة ، وهي امرأة من البشر ليست بواجبة العصمة !!

ولنا أن نسأل منه ما رأيه في روايات البخاري في صحيحه التي تثبت غضبها على أبي بكر ، وليس كما يقول هو فحصل لها ... عتب وتغضب ، بل حصل غضب وشديد أيضاً فلنقرأ :

ففي صحيح البخاري (٣) أنّ فاطمة عليها‌السلام ابنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سألت أبا بكر ... أن يقسم لها ميراثها ... فغضبت فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فهجرت أبا بكر ، فلم تزل مهاجرته حتى توفيت ، والحديث عن عائشة.

وفيه أيضاً (٤) ... فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلّمه حتى توفيت ... والحديث عن عائشة ، وفيه أيضاً (٥) ... فهجرته فاطمة فلم تكلمه حتى ماتت ... والحديث عن عائشة.

وهذا ما رواه مسلم (٦) ، ورواه أحمد في مسنده (٧) ، ورواه البيهقي في سننه (٨).

وروى الترمذي في صحيحه في باب ما جاء في تركة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّ فاطمة قالت لأبي بكر وعمر : والله لا اُكلمكما أبداً ، فماتت ولا تكلّمهما.

_____________________

١ ـ الاستيعاب ٢ : ٧٥١.

٢ ـ حلية الأولياء ٢ : ٤١.

٣ ـ صحيح البخاري ٤ : ٧٩ ، كتاب الخمس.

٤ ـ المصدر نفسه ٥ : ١٣٩ ، باب غزوة خيبر.

٥ ـ المصدر نفسه ٨ : ١٤٩ ، كتاب الفرائض.

٦ ـ صحيح مسلم ٥ : ١٥٣ ، كتاب الجهاد.

٧ ـ مسند أحمد ١ : ٩.

٨ ـ سنن البيهقي ٦ : ٣٠٠.

٤٥٩
 &

وروى ابن قتيبة في الإمامة والسياسة (١) : فقالت ـ فاطمة عليها‌السلام ـ لأبي بكر وعمر : أرأيتكما إن حدثتكما حديثاً عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تعرفانه وتفعلان به ؟ قالا : نعم ، فقالت : نشدتكما الله ألم تسمعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : رضى فاطمة من رضاي ، وسخط فاطمة من سخطي ، فمن أحبّ فاطمة ابنتي فقد أحبني ، ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني ، ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني ؟

قالا : نعم ، سمعناها من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قالت : فإنّي أشهد الله وملائكته أنكما أسخطتماني وما أرضيتماني ، ولئن لقيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأشكونكما إليه ، فقال أبو بكر : أنا عائذ بالله تعالى من سخطه وسخطك يا فاطمة ، ثم انتحب أبو بكر يبكي حتى كادت نفسه أن تزهق ، وهي تقول : والله لأدعون الله عليك في كل صلاة أصليها ، ثم خرج فاجتمع الناس فقال لهم : يبيت كل رجل منكم معانقاً حليلته مسروراً بأهله وتركتموني وما أنا فيه ، لا حاجة لي في بيعتكم ، أقيلوني بيعتي.

هذا ما رواه شيوخ الحديث من أصحاب ابن كثير ، وهو مع ذلك يقول بكل صلف عن فاطمة عليها‌السلام ما قال ، ونحن لا نزيد على قول الله تعالى في محكم كتابه : ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ) (٢).

ولم يخف ابن كثير نُصبه وايذاءه لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأهل بيته بكل سبيل ، حتى حاول صرف بيعة الغدير عن مغزاها وتفريغها عن محتواها ، فقال :

( فصل في إيراد الحديث الدال على أنه عليه‌السلام خطب بمكان بين مكة والمدينة ، مرجعه من حجة الوداع قريب من الجحفة ـ يقال له غدير خم ـ فبيّن فيها فضل علي بن أبي طالب ، وبراءة عِرضه مما كان تكلم فيه بعض من كان معه بأرض اليمن ، بسبب ما كان صدر منه اليهم من العدالة التي ظنّها بعضهم جوراً

_____________________

١ ـ الإمامة والسياسة : ١٤ ، في بيعة أمير المؤمنين عليه‌السلام.

٢ ـ الأحزاب : ٥٧.

٤٦٠