المحسن السّبط مولود أم سقط

السيد محمد مهدي السيد حسن الموسوي الخرسان

المحسن السّبط مولود أم سقط

المؤلف:

السيد محمد مهدي السيد حسن الموسوي الخرسان


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات دليل ما
المطبعة: نگارش
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣١
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

ونحو هذا رواه الشعبي أيضاً من دون ذكر التكبيرات ، أتُريدون كذباً فوق هذا ؟! ويبدو أنّ رواة السوء حاولوا فاشلين أن يشوشوا على المسلمين تاريخهم بذكر أكاذيب تعتيماً على الحقائق ومَن يصدقهم ، وأسفارهم تروي أيضاً ما يلي :

روى ابن سعد (١) بسنده عن عمرة بنت عبد الرحمن قالت : صلّى العباس بن عبد المطلب على فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ونزل في حفرتها هو وعلي والفضل بن عباس.

وروى ابن سعد (٢) بسنده عن عروة : إن علياً صلّى على فاطمة.

وروى ابن سعد (٣) بسنده عن الزهري قال : دُفنت فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليلاً ودفنها علي.

وروى ابن سعد (٤) بسنده عن ابن شهاب ـ الزهري ـ قال : دفنت فاطمة ليلاً دفنها علي.

وكم من نظير نحو ما مرّ عن عروة ، وكسابقه عن عائشة ، وكسابقه عن يحيى بن سعيد ، وأخيراً :

روى ابن سعد (٥) بسنده عن علي بن حسين ـ يعني زين العابدين ـ قال : سألت ابن عباس متى دفنتم فاطمة ؟ فقال : دفنّاها بليل بعد هدأة ، قال : قلت : فمن صلّى عليها ؟ قال : علي.

هذه جملة من النصوص التي رواها ابن سعد في طبقاته ، وفيها دلالة واضحة على ظلامة فاطمة الزهراء عليها‌السلام.

ما ذكره ابن أبي شيبة :

سادساً : ماذا عند ابن أبي شيبة ( ت ٢٣٥ هـ ) ؟

النص الأول : أخرج ابن أبي شيبة في كتابه المصنف (٦) ، بسنده عن هشام ، عن

_____________________

١ ـ ٥ المصدر نفسه ٨ : ١٩.

٦ ـ المصنف ١٢ : ١٣٩ ، برقم : ١٢٣٥٥.

٢٤١
 &

عروة ، عن أبيه : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان قطع بعثاً قبل موته ، وأمّر عليهم أسامة بن زيد ، وفي ذلك البعث أبو بكر وعمر.

قال : فكان أناس من الناس يطعنون في ذلك لتأمير رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أسامة عليهم ، قال : فقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فخطب الناس ثم قال : إنّ أناساً منكم قد طعنوا علي في تأمير أسامة ، وإنّما طعنوا في تأمير أسامة كما طعنوا في تأمير أبيه من قبله ، وأيم الله إن كان لخليقاً للإمارة ، وإن كان لمن أحب الناس إليّ ، وإنّ ابنه لأحبّ الناس إليّ من بعده ، وإنّي أرجو أن يكون من صالحيكم فاستوصوا به خيراً.

فهذا الخبر أورده مرّة ثانية (١) ، وذكره ابن سعد في الطبقات (٢) ، وعبد الرزاق (٣) باختصار ، وأورده في كنز العمّال (٤) من رواية ابن أبي شيبة ، كلّهم عن هشام بن عروة.

والخبر صريح في أنّ أناساً طعنوا على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فمَنْ هم أولئك الذين طعنوا على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تأميره أسامة بن زيد على بعث فيه أبو بكر وعمر ؟.

والجواب : إنّهم لا شك من الصحابة بل ومن وجوه الصحابة ـ كما يسمونهم ـ ولو شئت أن أسمي لسميت ، لماذا طعنوا ؟ وليس من حقهم أن يطعنوا لو كانوا مؤمنين ، فإن القرآن الكريم يقول : ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ) (٥).

النص الثاني : أخرج ابن أبي شيبة في المصنف (٦) بسنده عن ابن جريج عن أبيه أنّهم شكوا في قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أين يدفنونه ؟ فقال أبو بكر : سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول :

_____________________

١ ـ المصنف ١٤ : ٥٢٠ ، برقم : ١٨٨٢٦.

٢ ـ طبقات ابن سعد ٤ ، ق ١ : ٤٦.

٣ ـ المصنف ١١ : ٢٣٤.

٤ ـ كنز العمّال ٥ : ٣١٢.

٥ ـ الأحزاب : ٣٦.

٦ ـ المصنف ١٤ : ٥٥٣.

٢٤٢
 &

إنّ النبي لا يحوّل عن مكانه ، يدفن حيث يموت ، فنحوا فراشه فحفروا له موضع فراشه.

وهذا الخبر أورده الهندي في كنز العمّال (١) من طريق ابن أبي شيبة ، والإمام أحمد ، وفيه قال ابن كثير : هذا منقطع ، فإنّ والد ابن جريج فيه ضعف ، ولم يدرك أبا بكر الصديق ، وكأنّ المهم ملاحظة السند فقط أما المتن في ذمة الرواة.

أقول : وما أدري لماذا يروي مدونوا الحديث والسيرة والتاريخ أمثال هذه الأخبار التي تستبطن كذبها ، أليس هم يروون باتفاق بأنّ أبا بكر وعمر وأبا عبيدة بن الجراح ، كانوا في سقيفة بني ساعدة ينازعون الأنصار على الخلافة ، حتى صرح عروة بن الزبير ـ وهو ممّن لا يتهم عندهم ـ فقال : إنّ أبا بكر وعمر لم يشهدا دفن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانا في الأنصار ، فدفن قبل أن يرجعا.

وهذا أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (٢) ، وأورده المتقي الهندي في كنز العمّال (٣) أيضاً من طريق ابن أبي شيبة ، ويكذبه أيضاً ما رواه النص الثالث ابن أبي شيبة في المصنف (٤) بسنده عن سعيد بن المسيب أنّ الذي ولي دفن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإجنانه أربعة نفر دون الناس : علي وعباس والفضل وصالح مولى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلحدوا له ونصبوا عليه اللبن نصباً.

وهذا أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (٥) ، وأورده الهندي في كنز العمّال (٦) من طريق ابن أبي شيبة.

_____________________

١ ـ كنز العمّال ٤ : ٥٠.

٢ ـ مصنف ابن أبي شيبة ١٤ : ٥٦٨ ، برقم : ١٨٨٩٢.

٣ ـ كنز العمّال ٣ : ١٤٠.

٤ ـ مصنف ابن أبي شيبة ١٤ : ٥٥٦.

٥ ـ السنن الكبرى للبيهقي ٤ : ٥٣.

٦ ـ كنز العمّال ٤ : ٦٠.

٢٤٣
 &

النص الرابع : وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف (١) بسنده عن جعفر عن أبيه قال : خرجت صفية وقد قبض النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهي تلمع بثوبها ـ يعني تشير به ـ وهي تقول :

قد كان بعدك أنباء وهنبثة

لو كنت شاهدها لم تكثر الخُطب

أقول : وهذا أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (٢) بسنده عن جعفر بن محمد عن أبيه قال : لما قبض النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم خرجت صفية تلمع (٣) بردائها وهي تقول :

قد كان بعدك أنباء وهنبثة

لو كنت شاهدها لم تكثر الخُطب

ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد (٤).

وهذا الخبر يطوي في بيت شعره أنباءً وهنبثة حدثت بعد موت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هزت المسلمين ، وعظم وقعها على أهل البيت خاصة ، حتى خرجت صفية بنت عبد المطلب وهي أم الزبير بن العوام تلمع بثوبها ـ تشير به ـ وهذا حال مَن بَلغَ به الأسى مبلغاً ضاق به صاحبه ذرعاً ، فعلاه الحزن لفقد فقيده الغالي ، وزاد أساه ما لاقاه من المآسي التي حيقت به من بعد فقيده ، وما هي تلك الأنباء والهنبثة غير تقديم من أخّر الله وتأخير من قدّم الله ، وغصب الخلافة من صاحبها.

قال ابن منظور في لسان العرب (٥) : الهنابث : الدواهي ، واحدها هنبثة ... ، وفي الحديث : إنّ فاطمة قالت بعد موت سيدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

قد كان بعدك أنباء وهنبثة

لو كنت شاهدها لم تكثر الخُطب

إنّا فقدناك فقد الأرض وابلها

فاختل قومك فاشهدهم ولا تغب

_____________________

١ ـ مصنف ابن أبي شيبة ١٤ : ٥٥٦ ، برقم : ١٨٨٧٤.

٢ ـ المعجم الكبير للطبراني ٢٤ : ٢٥٣.

٣ ـ لمع بثوبه وسيفه لمعاً وألمع أشار ، وقيل : أشار للإنذار ، ولمع أعلى وهو أن يرفعه ويحركه ليراه غيره فيجيء إليه ( لسان العرب ) ( لمع ).

٤ ـ مجمع الزوائد للهيثمي ٩ : ٩٢.

٥ ـ لسان العرب ٣ : ٢٠.

٢٤٤
 &

الهنبثة واحدة الهنابث ، وهي الأمور الشداد المختلفة ، وقد ورد هذا الشعر في حديث آخر قال : لما قبض سيدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خرجت صفية تلمع بثوبها وتقول البيتين. انتهى. يقال : لمع بثوبه وألمع به إذا رفعه وحركه ليراه غيره فيجيء إليه.

وقفة تحقيق :

وقفة تحقيق عابرة عند هذه الأبيات التي ورد فيها إقواء في القافية وهو من عيوب الشعر ، فنقول :

لقد ورد البيتان في جملة من المصادر التاريخية والأدبية واللغوية على تفاوت في روايتهما تصحيفاً أو تحريفاً ، ومع الإقواء وبدونه ، وهذا ما يكشف عن أيدٍ أثيمة بدّلت واستبدلت ، حتى غيّرت في معاني الشعر ، فلا إتساق بين الصدر والعجز ، ومِن الذين رووا البيتين مع الإقواء ابن الأثير في النهاية (١) ، والزمخشري (٢) في الفائق ، والزبيدي في تاج العروس (٣). فهؤلاء رووا أنّ فاطمة عليها‌السلام قالت :

قد كان بعدك أنباء وهنبثة

لو كنت شاهدها لم تكثر الخُطب

إنّا فقدناك فقد الأرض وابلها

فاختل قومك فاشهدهم ولا تغب

وأعطف على هؤلاء علي فهمي جابي زادة في كتابه حسن الصحابة في أشعار الصحابة (٤) ، وحكاه نقلاً عن العقد الفريد (٥) ، ولدى مراجعتي له وجدت هكذا :

إنّا فقدناك فقد الأرض وابلها

وغاب مذ غبت عنّا الوحي والكتب

فليت قبلك كان الموت صادفنا

لما نُعيت وحالت دونك الكثب

_____________________

١ ـ النهاية لابن الأثير ٨ : ٢٧٧.

٢ ـ الفائق للزمخشري ٤ : ١١٦.

٣ ـ تاج العروس للزبيدي ٣ : ٦٥٤.

٤ ـ حسن الصحابة ١٢٨.

٥ ـ العقد الفريد ٣ : ٢٣٨.

٢٤٥
 &

وهذا غير ما حكاه علي فهمي كما هو ظاهر.

أما الذين رووا بتصحيف وتحريف مع الإقواء ، لعل أقدم من رأيت ذلك عنده هو محمد بن سعد صاحب الطبقات ، فقد روى الرثاء منسوباً إلى هند بنت أثاثة ، وهو صحيح في نسبته إلّا أنّ تحريفاً وتصحيفاً وإقواءاً حصل في البيت الثاني والخامس من أبيات خمسة هي :

قد كان بعدك أنباء وهنبثة

لو كنت شاهدها لم تكثر الخُطَب

إنّا فقدناك فقد الأرض وابلها

فاحتل لقومك واشهدهم ولا تغبِ

قد كنت بدراً ونوراً يستضاء به

عليك تنزل من ذي العزة الكتب

وكان جبريل بالآيات يحضرنا

فغاب عنّا وكل الغيب محتجب

فقد رزئت أيا سهلاً خليقته

محض الضريبة والأعراق والنسبِ

فلاحظوا التصحيف في البيت الثاني في كلمة ( فاختل ) بالخاء المعجمة ، وهي فعل ماضي من الإختلال ، فصُحّفت إلى ( فاحتل ) بالحاء المهملة ، وهي فعل أمر من إعمال الحيلة ؟

ولاحظوا التحريف في قافية البيت الثاني أيضاً حيث لا معنى يتسق مع سياق البيت ، وفيه إقواء ، وكذلك البيت الخامس ففيه أيضاً تحريف وإقواء.

أما الذين رووا الأبيات بدون إقواء ، لكنّهم لم يسلموا من ضغط الموروث ، فكان التحريف في اللفظ والتحريف في النسبة ، فمثالهم جسوس في كتابه شرح الشمائل الترمذية (١) ، فقد قال : ويقال إنّ عائشة لما وقفت على القبر الشريف أنشدت :

قل للمغيّب تحت أطباق الثرى

هل أنت تسمع ضرعتي وندائيا

_____________________

١ ـ شرح الشمائل ٢ : ١٨٢.

٢٤٦
 &

ماذا على من شمّ تربة أحمدٍ

أن لا يشمّ مدى الزمان غواليا

صبّت عليّ مصائب لو أنّها

صبّت على الأيام صرن لياليا

ثم قالت للقبر ثانية ، وتمثلت بقول صفية عمّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

قد كان بعدك أنباء وهينمة

لو كنت شاهدها لم تكثر الخُطَب

إنّا فقدناك فقد الأرض وابلها

واختلى قومك فافقدهم فقد نكبوا

قد كان جبريل بالآيات يؤنسنا

فغاب عنّا فكل الخير محتجب

وكنت نوراً وبدراً يستضاء به

عليك تنزل من ذي العزة الكتب

فقد رزئنا بما لم يرزأ به أحد

من البرية لا عجمٌ ولا عربُ

فهذه رواية جسوس جعلت صاحبة الرثاء والإنشاد عائشة ، وهذا ما لم أقف عليه عند غيره ، وكذبه واضح ؛ لأنّ صاحبة الرثاء الأول تشكو ما صبّ عليها من مصائب لو أنّها صُبّت على الأيام صرن ليالياً حالكات لشدة وقعها ، وعائشة لم يصبها أيّ أذى بعد فقد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بل أصبحت ذات عزّة ومنعة لتولي أبيها الخلافة ، فلا يمكن التصديق بما ذكره عنها وإن نسبه إلى القيل ، وهو مشعر بالتمريض. وقد صرّح الزرقاني في شرح المواهب (١) ، وعلى القارئ في شرح الشمائل (٢) ، بأنّ الشعر أنشأته ـ عند الأول ـ وأنشدته ـ عند الثاني ـ فاطمة عليها‌السلام.

ثم إنّ نسبة الأبيات الخمسة إلى صفية هو أيضاً من الخطأ ، فإنّها ـ الأبيات ـ ليست لها بل هي تمثلت ببيت واحد منها حينما خرجت تلمع بثوبها ، كما سبق في رواية ابن أبي شيبة وراجع لسان العرب (٣) ، بل هي ـ الأبيات ـ لهند بنت إثاثة كما في طبقات ابن سعد.

_____________________

١ ـ شرح المواهب للزرقاني ٨ : ٢٩٣.

٢ ـ شرح الشمائل ٢ : ٢١٠.

٣ ـ راجع لسان العرب ٣ : ٣٠.

٢٤٧
 &

ومما يؤكد أنّ البيت لفاطمة عليها‌السلام ، ما ذكره الزمخشري في الفائق (١) أنّ معاوية قال يوم صفّين : آهاً أبا حفص :

قد كان بعدك أنباء وهنبثة

لو كنت شاهدها لم تكثر الخُطَب

هي كلمة تأسّف ، وانتصابها على إجرائها مجرى المصادر ، كقولهم ويحاً له ... ، الهنبثة : إثارة الفتنة ، وهي من النبث ، والهاء زائدة ، ويقال للأمور الشدائد : هنابث. يريد ما وقع الناس فيه من الفتن بعد عمر ، وهذا البيت يعزى إلى فاطمة. انتهى.

النص الخامس : مما أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (٢) ، بسنده أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لعلي : « ستلقى بعدي جهداً » ، قال : « يا رسول الله في سلامة من ديني ؟ » ، قال : « نعم ، في سلامة من دينك ».

وهذا الحديث أخرجه الحاكم في المستدرك (٣) عن ابن عباس ، وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ، ووافقه الذهبي في تلخيصه على تخريجه ورمز له : ( خ م ) يعني : البخاري ومسلم.

وأخرجه غير أولاء ، وحمله بعضهم مفسراً له بما عاناه الإمام عليه‌السلام في الحروب الثلاثة : الجمل وصفّين والنهروان ، وهو كذلك. إلّا أنّ البعدية في لفظ الحديث تشير إلى ما أصابه بعد فقد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من غدر الأمة به ، كما رواه أبو إدريس الأودي عن علي قال : « إنّ مما عهد إليّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّ الأمة ستغدر بي بعده ».

_____________________

١ ـ الفائق للزمخشري ١ : ٦٦.

٢ ـ المصنف ١٢ : ٧٨.

٣ ـ المستدرك للحاكم ٣ : ١٤٠.

٢٤٨
 &

أخرجه الحاكم في المستدرك (١) ، وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، ووافقه الذهبي في التلخيص على تخريجه وتصحيحه. وللحديث مصادر أخرى كدلائل النبوة للبيهقي ، وتاريخ بغداد ج ١١ ، وتاريخ دمشق ج ٣ ، وخصائص النسائي ، وكنز العمال ، وغيرها كثير.

النص السادس : وأخرج في المصنف (٢) ، بسنده عن أسلم ، وذكر خبر مجيئ عمر إلى فاطمة يريد منها منع علي والزبير من الاجتماع في بيتها ، وتهديدها بقوله : وأيم الله ما ذاك بمانعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندك أن آمر بهم أن يحرق عليهم البيت ... ، والخبر إلى هنا ليس فيه ما يستنكر عنه من يعرف شدة عمر ، وعدم مبالاته في شن الغارة على بيت فاطمة ، وأمره بأن يحرق على من فيه.

ولكن هلم الخطب في بقية الخبر فاقرأ ماذا فيه : ( فلمّا خرج عمر جاؤوها فقالت : تعلمون أنّ عمر قد جاءني ، وقد حلف بالله لئن عدتم ليحرقن عليكم البيت ، وأيم الله ليمضينّ لما حلف عليه فانصرفوا راشدين ، فروا رأيكم ولا ترجعوا إليّ ، فانصرفوا عنها ، فلم يرجعوا إليها حتى بايعوا لأبي بكر ) ؟

فهذا الجزء من الخبر نسف الرأي الثابت في مجيئ عمر ومعه قبس من النار ، ومعه من يحمل الحطب ، واقتحامه الدار بعنف ، وإخراج عليّ والزبير بالعنف ، كما سيأتي عن البلاذري وابن قتيبة وغيرهما ، إلى آخر ما هنالك من الأذى الذي لحق بفاطمة من ضرب وإسقاط جنين و و ....

النص السابع : وأخرج في المصنف (٣) بسنده عن عروة أنّ أبا بكر وعمر لم يشهدا دفن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كانا في الأنصار فدفن قبل أن يرجعا.

_____________________

١ ـ المصدر نفسه ٣ : ١٤٠.

٢ ـ المصنف ١٤ : ٥٦٨.

٣ ـ المصدر نفسه ١٤ : ٥٦٨.

٢٤٩
 &

النص الثامن : وأخرج في المصنف (١) بسنده عن أسلم قال : دخل عمر على أبي بكر وهو آخذ بلسانه ينضنضه ، فقال له عمر : الله الله يا خليفة رسول الله ، وهو يقول : هاه إنّ هذا أوردني الموارد (٢).

تعقيب على حديث غدر الأمة بالإمام :

لقد وردت عدة أحاديث تندّد مفهوماً بالأمة ، وتصرّح منطوقاً بما سيلقى الإمام من جهد بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من تلك الأمة ، وألفاظها مختلفة مما يدلنا على اهتمام الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بابن عمه ، فهو إذ يخبره بما سيجري عليه من بعده ، وهو إذ يسلّيه أيضاً يعدّه لمواجهة الأحداث بصبر وثبات ، وهذا ما دلّ عليه جواب الإمام « في سلامة من ديني ».

فمن الأحاديث في هذا المعنى خبر الحدايق التي مرّ عليها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومعه الإمام ، فيقول الإمام : « ما أحسن هذه » ويجيبه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ولك في الجنة أحسن منها » ، ثم اعتنقه وأجهش باكياً ، فقال علي عليه‌السلام : « ما يبكيك يا رسول الله ؟ » ، فقال : « أبكي لضغائن في صدور قوم لا يبدونها لك إلّا بعدي ، فقلت : في سلامة من ديني ؟ فقال : في سلامة من دينك ». ( أخرجه أبو يعلى في مسنده ، والحاكم في المستدرك ، والمحب الطبري في الرياض النضرة ، والهيثمي في مجمع الزوائد ، والخوارزمي في المناقب ، والحمويني في فرائد السمطين ، وابن أبي الحديد في شرح النهج ، والمتقي الهندي في كنز العمال ، والقندوزي في الينابيع ، وغيرهم ).

_____________________

١ ـ المصدر نفسه ١٤ : ٥٦٨.

٢ ـ وهذا أخرجه قبلاً في المصنف ٩ : ٦٦ كتاب الأدب ، وذكر في الهامش : أخرجه أبو نعيم في الحلية ١ : ٣٣ ، وأورده الهندي في كنز العمّال ٣ : ٤٧٨. أقول : وذكره غيرهم في تاريخ أبي بكر ، وحتى في بعض مصادر اللغة في مادة ( نضنض ) فراجع.

٢٥٠
 &

ومن الأحاديث ما أخرجه أبو نعيم في الحلية بسنده عن أبي برزة الأسلمي رضي‌الله‌عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : « انّ الله تعالى عهد إليَّ في علي عهداً ، إنّ علياً راية الهدى ، وإمام أوليائي ، ونور من أطاعني ، وهو الكلمة التي ألزمتها المتقين ، من أحبّه أحبني ، ومن أبغضه أبغضني ، فبشّره فجاء علي فبشرته بذلك ، فقال : يا رسول الله أنا عبد الله فإن يعذبني فبذنبي ، وإن يتمّ الذي بشّرني به فالله أولى به ». قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : « قلت : اللّهمّ أجل قلبه واجعله ربيع الإيمان ، فقال الله تبارك وتعالى : قد فعلت به ذلك ، ثم قال تعالى : إنّي مستخصّه بالبلاء ، فقلت : يا رب إنه أخي ووصيي ، فقال تعالى : إنّه شيء قد سبق فيه قضائي ، إنّه مبتلى » (١).

ومن الأحاديث ما أخرجه الموفق بن أحمد الخوارزمي في المناقب بسنده عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه قال : أعطى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم الراية يوم خيبر إلى علي ففتح الله عليه ، وفي يوم غدير خم أعلم الناس انّه مولى كل مؤمن ومؤمنة ، وقال له : « أنت منّي وأنا منك ، وأنت تقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله » ، وقال له : « أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا انّه لا نبي بعدي » ، وقال له : « أنا سلم لمن سالمك ، وحرب لمن حاربك ، وأنت العروة الوثقى ، وأنت تبيّن ما اشتبه عليهم من بعدي ، وأنت ولي كل مؤمن ومؤمنة بعدي ، وأنت الذي أنزل الله فيك : ( وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ ) (٢) وأنت الآخذ بسنتي ، والذاب عن ملتي ، وأنا وأنت أوّل من تنشق الأرض عنه ، وأنت معي تدخل الجنة والحسن والحسين وفاطمة معنا ، إنّ الله أوحى إليَّ أن أبيّن فضلك ، فقلت للناس وبلّغتهم ما أمرني الله تبارك وتعالى بتبليغه ».

_____________________

١ ـ حلية الأولياء ، وعنه في ينابيع المودة : ١٣٤.

٢ ـ التوبة : ٣.

٢٥١
 &

ثم قال : « اتق الضغائن التي كانت في صدور قوم لا تظهرها إلّا بعد موتي ، أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون » ، وبكى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم قال : « أخبرني جبرئيل انّهم يظلمونك بعدي ، وأنّ ذلك الظلم لا يزول بالكلية عن عترتنا ، حتى إذا قام قائمهم ، وعلت كلمتهم ، واجتمعت الأمة على مودتهم ، والشانيء لهم قليلاً ، والكاره لهم ذليلاً ، والمادح لهم كثيراً ، وذلك حين تغيّر البلاد ، وضعف العباد حين اليأس من الفرج ، فعند ذلك يظهر القائم مع أصحابه ، فبهم يظهر الله الحق ، ويخمد الباطل بأسيافهم ، ويتبعهم الناس ، راغباً إليهم وخائفاً منهم ، ابشروا بالفرج ، فإنّ وعد الله حق لا يخلف ، وقضاؤه لا يرد ، وهو الحكيم الخبير ، وانّ فتح الله قريب.

اللّهمّ إنّهم أهلي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، اللّهمّ اكلأهم وارعهم ، وكن لهم وانصرهم وأعزّهم ولا تذلّهم ، واخلفني فيهم ، إنّك على ما تشاء قدير » (١).

وقال علي كرّم الله وجهه : « كل حقد حقدته قريش على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أظهرته فيَّ ، وستظهره في ولدي من بعدي ، ما لي ولقريش إنّما وترتهم بأمر الله وأمر رسوله ، أفهذا جزاء من أطاع الله ورسوله إن كانوا مسلمين » (٢).

ما ذكره أحمد بن حنبل :

سابعاً : ماذا عند أحمد بن حنبل ( ت ٢٤١ هـ ) ؟

النص الأول : أخرج في المسند (٣) ، قال : حدّثنا عبد الرزاق ، قال : حدّثنا معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة أنّ فاطمة والعباس أتيا أبا بكر يلتمسان

_____________________

١ ـ المناقب للخوارزمي الحنفي وينابيع المودة : ١٣٥.

٢ ـ ينابيع المودة : ١٣٥.

٣ ـ المسند ١ : ٢٦ ، برقم : ٩ ، بتحقيق أحمد محمد شاكر.

٢٥٢
 &

ميراثهما من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهما حينئذٍ يطلبان أرضه من فدك ، وسهمه من خيبر ، فقال لهم أبو بكر : إنّي سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : لا نورّث ، ما تركنا صدقة ، إنّما يأكل آل محمد في هذا المال ، وإنّي والله لا أدع أمراً رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يصنعه فيه إلا صنعته.

أقول : لقد مرّ هذا الحديث عن المصنف لعبد الرزاق فراجع ( تاسعاً ) ستجد زيادة طويلة بترها أحمد ولم ينقلها ، ومما جاء في تلك الزيادة « قال : فهجرته فاطمة فلم تكلّمه في ذلك حتى ماتت ، فدفنها عليّ ليلاً ولم يؤذن بها أبا بكر ، قالت عائشة : وكان لعلي من الناس حياة فاطمة حبوة ، فلما توفيت فاطمة انصرفت وجوه الناس عنه ، فمكثت فاطمة ستة أشهر بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم توفيت. قال معمر : فقال رجل للزهري : فلم يبايعه علي ستة أشهر ؟ قال : لا ، ولا أحد من بني هاشم حتى بايعه علي ....

إلى غير ذلك ممّا مرّ لفظه نقلاً عن المصنف ، وهو كلام كثير يتضمن كيف بايع الإمام ، وتحت طائلة الضغط الاجتماعي ، وقد نبّهت هناك على ما صنعه أحمد والبخاري في اختصار هذا الحديث اختصاراً مهيناً ومشيناً فراجع ، على أنّ تخريج أحمد للحديث هنا في مسند أبي بكر لروايته لا نورّث ، فهو أشبه بمسند عائشة منه بمسند أبي بكر ، فلاحظ.

النص الثاني : أخرج في المسند (١) ، فقال : حدّثنا عبد الله بن محمد بن أبي شيبة [ قال عبد الله : وسمعته من عبد الله بن أبي شيبة ] قال : حدّثنا محمد بن فضيل عن الوليد بن جميع ، عن أبي الطفيل قال : لما قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أرسلت فاطمة إلى أبي بكر : أنت ورثت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أم أهله ؟

قال : فقال : لا ، بل أهله ، قالت : فأين سهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؟ قال : فقال أبو بكر : إنّي سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : إنّ الله عزوجل إذا أطعم نبياً طعمة ثم قبضه جعله للذي

_____________________

١ ـ المسند ١ : ٢٨ ، برقم : ١٤.

٢٥٣
 &

يقوم من بعده ، فرأيت أن أرده على المسلمين ، فقالت : فأنت وما سمعت من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أعلم.

وهذا الحديث علّق عليه المحقق بقوله : إسناده صحيح ، الوليد بن جُميع هو الوليد بن عبد الله بن جميع ، نسب إلى جده وهو ثقة. أبو الطفيل : هو عامر بن واثلة ، من صغار الصحابة ، وهو آخرهم موتاً ، مات سنة : ١٠٧ ، أو سنة : ١١٠ هـ.

والحديث ذكره الحافظ ابن كثير في تاريخه (١) ، نقلاً عن المسند ثم قال : هكذا رواه أبو داود عن عثمان بن أبي شيبة ، عن محمد بن فضيل به ، ففي لفظ هذا الحديث غرابة ونكارة ، ولعله روي بمعنى ما فهمه بعض الرواة ، وفيهم من فيه تشيع ، فليعلم ذلك ، وأحسن ما فيه قولها : أنت وما سمعت من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهذا هو الصواب ، وهو المظنون بها ، واللائق بأمرها وسيادتها وعلمها ودينها ـ رضي‌الله‌عنها ـ وكأنّها سألته بعد هذا أن يجعل زوجها ناظراً على هذه الصدقة ، فلم يجبها إلى ذلك لما قدمناه ، فتعتبت عليه بسبب ذلك ، وهي امرأه من بنات آدم ، تأسف كما يأسفن ، وليست بواجبة العصمة ، مع وجود نص رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ومخالفة أبي بكر الصديق ، وقد روينا عن أبي بكر أنّه ترضّى فاطمة وتلاينها قبل موتها ، فرضيت رضي‌الله‌عنها.

إلى هنا انتهى ما ذكره أحمد محمد شاكر في الهامش ، ولم يعقّب على ما ذكره ابن كثير بشيء ، فأقول : ومن هنا يعلم موافقته لما قاله ابن كثير ، ومن الواضح أنّ ابن كثير شامي ، والنصب في أهل الشام من مواريثهم من أيام معاوية ، وهو بعدُ تلميذ لابن تيمية ، وذلك يكفي في تعريفه لو شط به القلم وحدا به النصب لأن يقول عن فاطمة الزهراء عليها‌السلام : ( وليست بواجبة العصمة ).

_____________________

١ ـ تاريخ الحافظ ابن كثير ٥ : ٢٨٩.

٢٥٤
 &

غير أنّ العتب على المحقق أحمد محمد شاكر الذي لم يعلّق على هذه الغميزة بما يرفع عنه إصر الموافقة عليها ، وهو لا شك أنّه قد قرأ آية التطهير في سورة الأحزاب : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (١).

ولا شك أنّه قد قرأ قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيها وفي بعلها علي ، وفي ابنيها الحسنين : « اللهم هؤلاء أهل بيتي » بعد أن جللهم بكساء ولم يدخل معهم أحداً ، ولا شك أنّه قد قرأ قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الآخر : « فاطمة بضعة منّي ... » وهو يعرف معنى البضعة ؛ فكلّ هذا لا يوجب العصمة لفاطمة عليها‌السلام ؟ إنّها لظلامة الآخرين وليست بدون ظلامة الأولين ، فلك الله ناصراً يا بنت رسول الله صلى الله على أبيكِ وعلى بعلكِ وعليكِ وعلى أهل بيتكِ الطاهرين.

النص الثالث : أخرج في المسند (٢) ، قال : حدّثنا يعقوب ، قال : حدّثنا أبي عن صالح ، قال ابن شهاب : أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أخبرته : أنّ فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سألت أبا بكر بعد وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يقسم لها ميراثها مما ترك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مما آفاء الله عليه ، فقال لها أبو بكر : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : لا نورّث ما تركنا صدقة ، فغضبت فاطمة فهجرت أبا بكر ، فلم تزل مهاجرته حتى توفيت ، قال : وعاشت بعد وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ستة أشهر.

قال : وكانت فاطمة تسأل أبا بكر نصيبها مما ترك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من خيبر وفدك وصدقته بالمدينة ، فأبى أبو بكر عليها ذلك ، وقال : لست تاركاً شيئاً كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يعمل به إلا عملت به ، وإنّي أخشى إن تركت شيئاً من أمره أن اُزيغ ، فأمّا صدقته بالمدينة فدفعها عمر إلى علي وعباس فغلبه عليها علي ، وأمّا خيبر

_____________________

١ ـ الأحزاب : ٣٣.

٢ ـ المسند ١ : ٣٤ ، برقم : ٢٥.

٢٥٥
 &

وفدك فأمسكهما عمر ، وقال : هما صدقة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كانتا لحقوقه التي تعروه ونوائبه ، وأمرهما إلى من ولي الأمر ، قال : فهما على ذلك اليوم.

النص الرابع : وأخرج في المسند (١) ، قال : حدّثنا حجاج بن محمد ، حدّثنا ليث ، حدّثني عقيل ، عن ابن شهاب ، عن عروة بن الزبير ، عن عائشة زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّها أخبرته : إنّ فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أرسلت إلى أبي بكر الصديق تسأله ميراثها من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك ، وما بقي من خمس خيبر ، فقال أبو بكر : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : لا نورّث ، ما تركنا صدقة ، إنّما يأكل آل محمد في هذا المال ، وإنّي والله لا اُغيّر شيئاً من صدقة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولأعملنّ فيها بما عمل به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة شيئاً ، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك.

فقال أبو بكر : والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أحبّ إليّ أن أصل من قرابتي ، وأما الذي شجر بيني وبينكم من هذه الأموال ، فإنّي لم آل فيها عن الحق ، ولم أترك أمراً رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يصنعه فيها إلا صنعته.

النص الخامس : وأخرج في المسند (٢) ، قال : حدّثنا عبد الرزاق ، حدّثنا معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة : أنّ فاطمة والعباس أتيا أبا بكر يلتمسان ميراثهما من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهما حينئذٍ يطلبان أرضه من فدك وسهمه من خيبر ، فقال لهما أبو بكر : إنّي سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : لا نورّث ، ما تركنا صدقة ، وإنّما يأكل آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم في هذا المال ، وإنّي والله لا أدع أمراً رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يصنعه فيه إلا صنعته.

النص السادس : وأخرج في المسند (٣) ، قال : حدّثنا عفّان ، حدّثنا حماد بن سلمة ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة أنّ فاطمة قالت لأبي بكر : من يرثك

_____________________

١ ـ المسند ١ : ٤٥ ، برقم : ٥٥.

٢ ـ المسند ١ : ٤٦ ، برقم : ٥٨.

٣ ـ المسند ١ : ٤٧ ، برقم : ٦٠.

٢٥٦
 &

إذا متّ ؟ قال : ولدي وأهلي ، قالت : فما لنا لا نرث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؟ قال : سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : إنّ النبي لا يورّث ، ولكنّي أعول من كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يعول ، وأنفق على من كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ينفق.

وهذا علّق عليه المحقق بأنّه منقطع الإسناد ، ولمّا أعاد أحمد بن حنبل إخراجه مرّة ثانية برقم : ٧٩ بالسند إلى أبي سلمة ، ثم رفعه هنا عن أبي هريرة ، ببركة وجوده تم توصيل الانقطاع ، فقال المحقق : إسناده صحيح ، وقد سبق مطولاً برقم : ٦٠ ، ولكن هناك مطولاً ، ولدى المقارنة نجد بين الخبرين فرقاً واضحاً ، فقارن ما يلي مع ما سبق فالحديث عن أبي هريرة أنّ فاطمة جاءت أبا بكر وعمر تطلب ميراثها من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالا : إنّا سمعنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : إنّي لا أورّث ....

النص السابع : وجاء في المسند (١) : حدّثنا عبد الله ، حدّثني أبي ، ثنا إسماعيل ، عن ابن عون ، عن إبراهيم ، عن الأسود قال : ذكروا عند عائشة أنّ علياً كان وصياً ، فقالت : متى أوصى إليه ؟ فقد كنت مسندته إلى صدري أو قالت : حجري ، فدعا بالطست فلقد انخنث في حجري ، وما شعرت أنّه مات ، فمتى أوصى إليه ؟

وهذا الخبر يوحي بأنّ أناساً كانوا يذكرون أنّ علياً كان وصياً ، ومتى كان كذلك ، فقيام غيره بالأمر بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان بغير حق وغصباً لحقه ، ودفعاً لذلك صارت عائشة تزعم أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مات وهي مسندته إلى صدرها أو في حجرها.

ويبدو أنّ أحمد بن حنبل روى في مسنده أحاديث عائشة على نحو ما وصلت إليه بما فيها من تناقض ، وزعمها أنّ النبي مات وهي مسندته إلى صدرها ـ كما هنا ـ نجد عدة أحاديث أخرى عنها تختلف ألفاظها ومعانيها ، فمنها : مات صلى‌الله‌عليه‌وسلم بين حاقنتي وذاقنتي (٢).

_____________________

١ ـ المسند ٦ : ٣٢.

٢ ـ المصدر نفسه ٦ : ٦٤ و ٧٧.

٢٥٧
 &

ومنها : مات صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو يوتر بالسحر (١).

ومنها : مات صلى‌الله‌عليه‌وسلم بين سحري ونحري (٢).

ومنها : كان صلى‌الله‌عليه‌وسلم في حجري حين نزل به الموت (٣).

ومنها : مات صلى‌الله‌عليه‌وسلم ورأسه على فخذ عائشة (٤).

إلى غير ذلك من اختلاف رواياتها مما يشيعه عنها أبناء أختها أسماء ، وهم أبناء الزبير ومن لفّ لفّهم من رواتها ، ولقد نمّت هي على نفسها بأنّها غير مصدقة عند بعض الناس في ذلك ، فكانت تدافع عن نفسها بقولها في حديث رواه أحمد (٥) : مات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بين سحري ونحري ، وفي دولتي لم أظلم فيه أحداً ، فمن سفهي وحداثة سنّي أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبض وهو في حجري ، ثم وضعت رأسه على وسادة ، وقمت ألتدم مع النساء وأضرب وجهي (٦).

ومع ذلك كلّه بقيت الأحاديث عنها في ذلك غير مقبولة ، وأثارت الشكوك حول صحتها ، فرباح ـ أحد الرواة ـ قال : قلت لمعمر : قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو جالس ؟ قال : نعم (٧).

والأسود بن يزيد راوي الحديث الآنف الذكر أولاً هو أبو غطفان ، وهو الذي يسأل ابن عباس فيقول : أرأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم توفي ورأسه في حجر أحد ، قال : توفي وهو لمستند إلى صدر علي ، قلت : فإنّ عروة حدّثني عن عائشة أنّها

_____________________

١ ـ المصدر نفسه ٦ : ٢٠٤.

٢ ـ المصدر نفسه ٦ : ٤٨ و ١٢١ و ٢٧٤.

٣ ـ المصدر نفسه ٦ : ٢٧٠.

٤ ـ المصدر نفسه ٦ : ٨٩.

٥ ـ المصدر نفسه ٦ : ٢٧٤.

٦ ـ وهذا أخرجه ابن سعد في الطبقات ٢ ، ق ٢ : ٥٠.

٧ ـ المسند ٦ : ٢٧٤.

٢٥٨
 &

قالت : توفي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بين سحري ونحري ، فقال ابن عباس : أتعقل ؟ والله لتوفي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأنّه لمستند إلى صدر علي ، وهو الذي غسّله ... (١).

ولمزيد من البحث حول الموضوع راجع كتاب ( علي إمام البررة ) (٢).

ونعود إلى حديث الأسود ـ أبي غطفان ـ الذي رواه أحمد كما مرّ فنقول : وهذا أيضاً رواه البخاري ومسلم كما ستأتي الإشارة إليه ، وجميعهم بتروا من آخره سؤال الراوي من ابن عباس ، وجوابه رداً على زعم عائشة مشفوعاً باليمين ، ومستنفراً لمشاعره بقوله : ( أتعقل ) وهي كلمة لها دلالتها في إثارة الوعي والتنبيه على تلقي الجواب ، مع أنّ الحديث رواه ابن سعد بتمامه كما مرّ ، فلاحظ مدى الأمانة عند أحمد والشيخين.

ويؤكد صحة ما قاله ابن عباس ما رواه أحمد في مسنده (٣) من حديث أم سلمة قالت : والذي أحلف به أن كان علي لأقرب الناس عهداً برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قالت : عدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم غداة بعد غداة يقول : جاء علي ؟ ـ مراراً ـ ، قالت : وأظنّه كان بعثه في حاجة ، قالت : فجاء بعد فظننت أنّ له إليه حاجة ، فخرجنا من البيت ، فقعدنا عند الباب ، فكنت من أدناهم إلى الباب ، فأكبّ عليه علي فجعل يساره ويناجيه ، ثم قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من يومه ذلك ، فكان أقرب الناس به عهداً.

ويزيد ذلك تأكيداً ما جاء عن عمر بن الخطاب ـ وهو غير متهم في المقام ـ وقد مرّ فيما عند ابن سعد حيث سأله كعب الأحبار : ما كان آخر ما تكلّم به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؟ فقال عمر : سل علياً ، قال : أين هو ؟ قال : هو هنا فسأله ، فقال علي : أسندته إلى صدري فوضع رأسه على منكبي فقال : الصلاة الصلاة ، فقال كعب : كذلك

_____________________

١ ـ وهذا أخرجه ابن سعد في الطبقات ٢ ، ق ٢ : ٥١.

٢ ـ علي إمام البررة ٣ : ٣٤٧ ـ ٣٦١ ، ط : دار الهادي.

٣ ـ المسند ٦ : ٣٠٠.

٢٥٩
 &

آخر عهد الأنبياء وبه اُمروا وعليه يبعثون ، قال : فمن غسّله يا أمير المؤمنين ؟ قال : سل علياً ، قال : فسأله فقال : كنت أنا أغسله ، وكان عباس جالساً (١).

ومع هذا كله فعائشة تقول : مات بين سحري ونحري ، وبين حاقتني وذاقتني و ، و ... ، كل ذلك لأنّها لا تطيب له نفساً كما قال ابن عباس ، حيث قالت عائشة : فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ويدٌ له على العباس ، ( كما في مسند أحمد ) (٢) ، أو على الفضل بن عباس ، ( كما في روايتها الأخرى في مسند أحمد ) (٣) ، وعلى رجل آخر وهو يخط برجليه الأرض ، فحدّث عبيد الله بن عبد الله راوي الحديث بذلك ابن عباس ، فقال له : أتدري من الرجل الآخر الذي لم تسم عائشة ؟ هو علي ، ولكن عائشة لا تطيب له نفساً.

بل بلغ بها الحال حين تسمع من يقع في علي صراحة ، فلا تستنكر إلا بما يكشف عن قديم حقدها عليه ، فقد روى أحمد في مسنده (٤) بسنده عن عطاء بن يسار قال : جاء رجل فوقع في علي وفي عمار ـ رضي الله تعالى عنهما ـ عند عائشة فقالت : أما علي فلست قائلة لك فيه شيئاً ، وأما عمار فإنّي سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : لا يخير بين أمرين إلا اختار أرشدهما.

ونحن مع روايتها هذه فإنّا ندينها من فمها حيث اختار عمار علياً إماماً دون غيره ، ووقف إلى جانبه منذ حياة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبعد وفاته في السلم وفي الحرب ، حتى قتلته الفئة الباغية بصفّين ، وهو معه يقول في بعض رجزه كما في وقعة صفّين (٥) :

أنا مع الحق أحامي عن علي

صهر النبي ذي الأمانات الوفي

_____________________

١ ـ الطبقات ٢ ، ق ٢ : ٥١.

٢ ـ المسند ٦ : ٣٤.

٣ ـ المصدر نفسه ٦ : ٢٢٨.

٤ ـ المصدر نفسه ٦ : ١١٣.

٥ ـ وقعة صفّين : ٢٨٩.

٢٦٠