السيد محمد مهدي السيد حسن الموسوي الخرسان
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات دليل ما
المطبعة: نگارش
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣١
عند الجمال شيء يرجون الانتفاع به ، فما ظنّك بهم إذا حصلت خلافة يرجون نفعها ورياستها ؟
وقال الله تعالى في سوء صحبتهم ما قال الله جل جلاله : ( وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ ) (١).
ولو كانوا معذورين في سوء صحبتهم ما قال الله جل جلاله : ( فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ ) وقد عرفت في صحيحي مسلم والبخاري معارضتهم للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في غنيمة هوازن لما اُعطي المؤلّفة قلوبهم أكثر منهم (٢).
ومعارضتهم له لما عفا عن أهل مكة ، وتركه تغيير الكعبة واعادتها إلى ما كانت في زمن إبراهيم عليهالسلام خوفاً من معارضتهم له (٣) ، ومعارضتهم له لما خطب في تنزيه صفوان بن المعطل لما قذف عائشة ، وانّه ما قدر أن يتم الخطبة (٤) ، أتعرف هذا جميعه في صحيحي مسلم والبخاري ؟
فقال : هذا صحيح.
فقلت : وقال الله جل جلاله في ايثارهم عليه القليل من الدنيا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ) (٥) وقد عرفت انّهم امتنعوا من مناجاته ومحادثته لأجل التصدق برغيف وما دونه ، حتى تصدّق علي بن أبي طالب عليهالسلام بعشرة دراهم عن عشر دفعات ناجاه
_____________________
١ ـ آل عمران : ١٥٩.
٢ ـ راجع سيرة ابن هشام ٢ : ٤٩٩.
٣ ـ المصدر نفسه ٢ : ٣٠٠ ـ ٣٠١.
٤ ـ المصدر نفسه.
٥ ـ المجادلة : ١٢.
فيها ، ثم نسخت الآية بعد أن صارت عاراً عليهم ، وفضيحة إلى يوم القيامة بقوله جل جلاله : ( أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ) (١).
فإذا حضرت يوم القيامة بين يدي الله جل جلاله وبين يدي رسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وقال لك : كيف جاز لك أن تقلد قوماً في عملهم وفعلهم وقد عرفت منهم مثل هذه الاُمور الهائلة ، فأيّ عذر وأيّ حجة تبقى لك عند الله وعند رسوله في تقليدهم ، فبهت وحار حيرة عظيمة.
فقلت له : أما تعرف في صحيحي البخاري ومسلم في مسند جابر بن سمرة وغيره انّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال في عدة أحاديث : « لا يزال هذا الدين عزيزاً ما وليهم اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش » (٢).
وفي بعض أحاديثه عليه وآله السلام من الصحيحين : « لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنى عشر خليفة كلهم من قريش » (٣).
وأمثال هذه الألفاظ كلها تتضمن هذا العدد الاثني عشر ، فهل تعرف في الإسلام فرقة تعتقد هذا العدد غير الإمامية الاثني عشرية ، فإن كانت هذه أحاديث صحيحة كما شرطت على نفسك في تصحيح ما نقله البخاري ومسلم ، فهذه مصححة لعقيدة الإمامية ، وشاهد بصدق ما رواه سلفهم ، وإن كانت كذباً فلأيّ حال رويتموها في صحاحكم ؟
فقال : ما أصنع بما رواه البخاري ومسلم من تزكيته أبي بكر وعمر وعثمان ، وتزكية تابعهم ؟
_____________________
١ ـ المجادلة : ١٣.
٢ ـ صحيح مسلم ، باب الناس تبع لقريش ، ومسند أحمد ٥ : ٩٨ ، وفتح الباري ١٣ : ٢١١.
٣ ـ صحيح مسلم كتاب الامارة ، وفتح الباري ١٣ : ٢١١.
فقلت له : أنت تعرف انّني شرطت عليك أن لا تحتج عليَّ بما ينفرد به أصحابك ، وأنت أعرف انّ الإنسان ولو كان من أعظم أهل العدالة بمهما شهد من الاُمور مما يقبل فيه شهادة أمثاله قبلت شهادته ، والبخاري ومسلم يعتقدان إمامة هؤلاء القوم ، فشهادتهم شهادة بعقيدة نفوسهم ، ونصرة لرياستهم ومنزلتهم.
فقال : والله ما بيني وبين الحق عداوة ، ما هذا إلّا واضح لا شبهة فيه ، وأنا أتوب إلى الله تعالى بما كنت عليه من الاعتقاد ....
قال السيد النقيب : فلما فرغ من شرط التوبة إذا رجل من ورائي قد أكبّ على يدي يقبّلها ويبكي ، فقلت من أنت ؟ فقال : ما عليك اسمي ، فاجتهدت به حتى قلت : فأنت الآن صديق أو صاحب حق ، فكيف يحسن لي أن لا أعرف صديقي وصاحب حق عليَّ لاُكافيه ، فامتنع من تعريف اسمه ، فسألت الفقيه الذي في المستنصرية فقال : هذا فلان ابن فلان من فقهاء النظامية ، سهوت عن اسمه الآن.
وبهذا أنهى السيد ابن طاووس كلامه ، فرحمة الله عليه وأعلا مقامه.
* * *
دمعة ولاء حمراء على المحسن حبيب الزهراء عليهاالسلام
( للمحسن السقط ) حقٌ لو توفّيه |
|
( فالمحسن السبط ) مظلوم لتبكيه |
ميلاده كان رزءاً حين نذكره |
|
للمصطفى جدّهِ حقاً نعزّيه |
فابن البتولة لا ذكرى تقامُ له |
|
ورزؤه رزؤها مذ أُثكلت فيه |
مولى هو الفذ في الدنيا بأجمعها |
|
فلا شبيه له فيها يوازيه |
في أشهر الحمل ستاً نيّفت فعلت |
|
على السنين جهاداً حيث ترويه |
من يومه بان وجه الزيف في صُحفٍ |
|
تُملى وتُتلى كما يرويه راويه |
لولا رزيّته في يوم هجمتهم |
|
لم يعرف الناس مولى من أعاديه |
* * * *
إيهاً بني لُحمة التاريخ نوّلها |
|
نيل الولاة وأيديكم تسدّيه |
ماذا جرى رحلة المختار مبدؤها |
|
أين انتهت ؟ آخر الأنباء تحكيه |
فقلتمُ غاب صحبٌ عن جنازته |
|
فأين راحوا ؟ ولم غابوا ؟ لنرويه |
تصاهلت زمرُ الأطماع في زجل |
|
لخدمة الحكم تشويهاً بتمويه |
وكان للأصفر الرنّان رنّته |
|
عجينة الفكر مطبوعاً بتشويه |
فربّما حَدَثٌ قد جاء مبتراً |
|
لموقف الحق عن عمدٍ ليطويه |
قالوا بنو قيلة ضمّت سقيفتهم |
|
عناصر الشر إذ سعداً تناحيه |
فأسرع النفر الثالوث مقتنصاً |
|
طيرَ الشواهين ما اصطادت لتلقيه |
وقد جرى ما جرى والكلّ يعلمه |
|
علم اليقين بلا زيف وترويه |
إنّ الأولى أسرعوا عافوا نبيّهمُ |
|
لم يحضروا الغسل لا دفناً يواريه |
من ذا تولّى ؟ لذا قالت روايتكم |
|
ما كان غير أبي السبطين يكفيه |
قلتم عليٌ وأهلوه به اضطلعوا |
|
نفسي فداء عليٍ ثم أهليه |
ما بارحوا حجرة طابت معالمُها |
|
وطاب تربٌ أجنّ المصطفى فيه |
وخيّم الحزنُ في الأجواء جلّله |
|
خوف الغزاة لبيت مَن يحاميه ؟ |
إذ أضمروا الحقد في غلواء أنفسهم |
|
أنّى عليٌّ له المختار يعليه |
منذ الغدير فقد جاشت مراجلهم |
|
واستضعفوا حيدراً مذ غاب حاميه |
شاهت وجوههم رغماً معاطسهم |
|
لولا الوصية مَن يقوى يدانيه |
* * * *
يا ( محسن السقط ) في الدنيا ونرثيه |
|
أنت ( المحسَّن ) في الأخرى نرجّيه |
حدّث فديتك مظلوماً أفدّيه |
|
سِفر الشهادة بدءاً أنت ترويه |
يا ثالثاً شرف الأسباط سابقها |
|
سبق الشهادة جلّى في معاليه |
يا أولاً لضحايا العُنف أسّسه |
|
حكمُ الأولى لم تزل تترى تواليه |
يا منية العمر عند الأم ترقبه |
|
كيما تهدهده مهداً تناغيه |
فصرت أول مظلوم قضيت وقد |
|
نلت الشهادة حملاً شُلّ جانيه |
حدث فديتك بعض النثّ تبديه |
|
ليكشف الزيف ما التاريخ يطويه |
ماذا لقيت من الأصحاب حين أتوا |
|
صحابةٌ ظلمت جَداً ذراريه |
جاءت لبيتكمُ تغلي مراجلُها |
|
وألقت الجزلَ عند الباب توريه |
خابت ظنون بني الأحقاد إذ حسبت |
|
بجمرة الحقدِ نور الله تطفيه |
وجاوزوا الحدّ ضرب الطهر سوط جفا |
|
وعصرَها لَمصابٌ أنت تدريه |
فأسقطتك على الترباء من وَجَلٍ |
|
بزحم قنفذ يا ويلي مَواليه |
يابن البتولة والجلى تؤرّقها |
|
قد هدّ حملُك من صبرٍ رواسيه |
عمرٌ من الحمل ما تمت كواملُه |
|
فأسقطته لدى الأعتاب تلقيه |
كانت تؤمّل أن يبقى ليؤنسها |
|
في وحشة الليل إذ يبكي تناغيه |
كانت ترجّى بك الزهراء مؤنسها |
|
فخاب ظنٌ وكان الحزنُ تاليه |
* * * *
يا ثاوياً جَدَثاً ضاعت معالمه |
|
في تربة البيت ربّ البيت يدريه |
إن ضاع قبرك في الأجداث إنّ له |
|
من قلب كل وليّ مشهداً فيه |
واسيت أمَك فيما قد ألمّ بها |
|
حتى بقبرك إذ تخفى مغانيه |
روحي فداك فأين القبر ضمكما |
|
بيتٌ فقدّس ربّ العرش ثاويه |
نفتّ أكبادنا حزناً ليومكمُ |
|
ما قيمة الدمع طوفاناً ونذريه |
تلكم قلوبٌ تلظّت في محبتكم |
|
تُجنّ حبّكمُ طوراً وتبديه |
* * * *
يا سيدي وعزائي اليوم منصرفٌ |
|
للخمسة الصيد إذ كلاً نعزّيه |
للمصطفى جدكم نزجي العزاء أسىً |
|
والمرتضى أبداً في الفضل تاليه |
نفس النبي بآيٍ أنزلت فيه |
|
من ذا يقاس به فضلاً يوازيه |
وأنزل الوحيُ هاروناً له شبهاً |
|
سماكمُ باسم ابناه لما فيه |
فشابه الغدر وصفاً في صحابته |
|
قوم ابن عمران إذ خانوه في التيه |
ثمّ العزاء لطهر كنت تؤنسها |
|
حملاً خفيفاً وجلّ الخطبُ ما فيه |
بعدُ العزاء لسبطي أحمد فهما |
|
كانا الشقيقين في اسم وتشبيه |
* * * *
يا سادتي وحديث السقط ترويه |
|
مصادرٌ لجلجت عمداً بتمويه |
كم حاول القومُ إنكاراً لمحسننا |
|
تخال غاشية الأضواء تخفيه |
تسهّموه بأقوال لهم نُجمت |
|
عن سرّ فعل لأشياخ الجفا فيه |
فأنكروا ذكره طوراً برمّته |
|
ودمدموا مثل مخبولٍ ومعتوه |
وقال قومٌ فذا قدمات في صِغرٍ |
|
أنّى ؟ وكيف ؟ بذا ضاعت معانيه |
وقارب الحقَ من أبدى حقيقته |
|
فذاك سقط له الزهراء تلقيه |
وأمطروا ساحة التاريخ كذبهمُ |
|
غطّى النجودَ فغطّى الكذبُ واديه |
وباع للحاكم النوكى ضمائرهم |
|
فقدّسوا ذكره الجاني بتنزيه |
فأهملوا ما جرى ستراً لشُنعته |
|
إذ أنكروا ما إله الخلق مبديه |
وضيّعت محسناً بغضاً لوالده |
|
وجاوزت حقدها حتى تعاديه |
وهكذا جاء تاريخ صحائفُه |
|
تتلى وتكتب في أقلام ممليه |
فاستنطقوا ( المحسن ) المظلوم كيف قضى ؟ |
|
من ذا الذي باء وزراً من أعاديه ؟ |
سلوا ( المحسّن ) عما دار في فلك |
|
بعد السقوط فمن قد كان جانيه ؟ |
لا تأمنوا حَدَث التاريخ تكتبه |
|
زعانفُ الحكم توحيه وتمليه |
واستنبطوا النص كشفاً عن دلالته |
|
وأعملوا الفكر في شتى نواحيه |
لا تخدعوا بحديث شاده سندٌ |
|
فربّ آفة إسنادٍ لراويه |
* * * *
يا ( محسن السبط ) ما زالت ظلامتكم |
|
في ( محسن السقط ) عنواناً وتبديه |
كم محسن من بني الزهراء أسقطه |
|
حقدُ العداة له التاريخ يخفيه |
فابن البتولة قدماً مرّ مسقطهُ |
|
وقد أصات نعاء الاُم تبكيه |
( تقول يا والدي ضاق الخناق بنا |
|
لما مضيت ) وباقي البيت ترويه |
وابن الحسين سميٌّ كان مسقطه |
|
مثل السميّ شبيهٌ في مآسيه |
فأمه سُبيت في أسر طاغيةٍ |
|
إلى الشئام لدى الشهباء تلقيه |
لكنّ هذا وإن عزّت مصيبته |
|
ما زال مشهده الإملاك تحميه |
يزوره الناس إيماناً ببقعته |
|
بالغرب من حَلَبٍ بالشوق تأتيه |
لكنما عمّه ضاعت معالمه |
|
فضوّع المسكَ في أخبار راويه |
فاستنشق العطر من ريّا معطّره |
|
وأمطرت لؤلواً حرّى مآقيه |
يا ( محسنَين ) فعذراً إنّني كلف |
|
مستنطق زبر التاريخ ما فيه |
هل كان حقاً لنا التاريخ يرويه |
|
كلاكما كان سقطاً من أعاديه ؟ |
فربما انبثقت عفواً روايته |
|
عن وجه حق فذاك الحق يحميه |
وتلك فلتة إنسان يسجلها |
|
في صحوة من ضمير فيه ما فيه |
قالوا بأنّ البتول الطهر لطمتها |
|
أصابت القُرط فانداحت لئاليه |
قالوا لنا حيدرٌ قد قيد مضطهداً |
|
قسراً بحبل وتاج الرأس يلويه |
وقد رووا صرخة السبطين يشفعها |
|
رنين فاطمة الزهراء تبكيه |
فكل هذا جرى والخصم يرويه |
|
ويبتغي سفهاً منّا نواليه |
ونحن حجتنا قول النبي لهم |
|
والوا علياً وعادوا من يعاديه |
* * * *
يا سيدي وختام الشعر معتذراً |
|
أتيت أنفث وجدي في قوافيه |
من طيب شهد علاك استاف عنبره |
|
فاقبل فديتك مشتاراً فتوفيه |
فأنت أول من يشكو لخالقه |
|
من زحم قنفذ في الأخرى يشكّيه |
لن يذهبن دمكم طلّاً بلا ترةٍ |
|
فسوف يأتي الذي دوماً نرجّيه |
فاشفع فديتك في عبد يحبكمُ |
|
ويرتجي زلفةً ترقى مراقيه |
ويحسن الله في الأخرى مثوبته |
|
ويبدل الله بالحسنى مساويه |
* * * *
٨ / جمادى الثاني / ١٤٢٥ هـ ٩٤ بيتاً
تاريخ وضع ( اللمسات الأخيرة ) على كتاب ( المحسن )
تفضل به السيد الجليل العلّامة السيد عبد الستار الحسني أحسن الله جزاه ، وله منّي جزيل الشكر ووافر الدعاء :
مَهْدِيُّ آلِ مُحَمَّدٍ آثارُهُ |
|
لِذَوَي الهُدى وَالْعِلْم ِ قُرَّةُ أَعْيُنِ |
( صُحُفٌ مُطَهَّرَةٌ ) حَوَتْ فِي طَيِّها |
|
آياً لِمُلْتَمِسِ الصِّراطِ الْبَيِّنِ |
رَشَحاتُ مِرْقَمِهِ نَطَقْنَ شَواهِداً |
|
بـ ( الأَوْحَدِيَّةِ ) فِيَ رقِيْمِ الأَزْمُنِ |
عَلَمُ الشَّرِيْعَةِ مِقْوَلُ الحَقِّ الّذي |
|
بِيَمِيْنِهِ صَرْحُ الْمَعارِفِ قَدْ بُنِيْ |
إِنْ كُنْتُ أَدَّخِرُ الْولاءِ لِمِثْلهِ |
|
وَأَرى مَوَدَّتَهُ شِعارَ تَدَيُّني |
فَمَوَدَّةُ ( الأَشرافِ ) غايَةُ مَأْرَبي |
|
أَبَداً ، وَحُبُّ بَني النُّبُوَّةِ دَيْدَني |
وولائيَ ( الْمَهْدِيَّ ) ضَرْبَةُ لازَبٍ |
|
كَولاءِ عِترَةِ أَحْمَدَ الْمُتَعَيّنِ |
فَإلَيْهِمُ ضَرَبَتْ بِهِ أَعْراقُهُ |
|
فَهُوَ الْهِجانُ المَحْضُ غَيْرُ مُهَجَّنِ |
للهِ مِنْ خَوّاضِ عِلْمٍ ليس يَسْ |
|
ـأَمُ في تَتَبُّعِهِ الحَثِيْثِ وَلا يَنيْ |
وَالْيَوْمَ وافانا بأكْرَم ِ تُحْفَةٍ |
|
مِنْ رَوْضِهِ المُزْدانِ بالثَّمَر الجَنيْ |
عَنْ ( مُحْسِنٍ ) نَجْلِ الْبَتُولِ أَفاضَ فِي |
|
أَبْحاثِهِ بِعَزِيْمَةٍ لا تَنْثَنِيْ |
وَأَقامَ فِي الْتَحقِيقِ غُرَّ شَواهِدٍ |
|
تَشْدُو بِتَقْرِيْظٍ لِمَنْهَجِهِ السَّنِيْ |
هُوَ إِنْ نَطَقْتَ ( مُحَسِّنٌ ) أَوْ ( مُحْسِنٌ ) |
|
فَكِلاهُمَا نُقِلا بِضَبْطٍ مُتْقَنِ |
لكنّما ( التخفيفُ ) شاعَ وَلَمْ يَكُنْ |
|
يَوْمَاً لِيُنْكِرَهُ فِصاحُ الألْسُنِ |
( سَـــِـُقطٌ ) (١) بِهِ زادَتْ ظُلامَةُ أُمِّهِ |
|
عُظْماً ، وَكُدِّرَ بَعْدَهُ الْعَيْشُ الهَنِيْ |
وَبِمُقْتَضى ( الإلْزامِ ) جاءَ حَدِيْثُهُ |
|
( مُتَشَيِّعٌ ) يَرْوِيْهِ عَنْ ( مُتَسَنِّنِ ) |
* * * *
_____________________
١ ـ وَضَعْتُ الحركاتَ الثَّلاثَ على كلمة ( سُـِـَقط ) لأنَّهُ مُثَلَّثُ الْسِّيْنِ.
أَعْظِمْ بِهِ سِفْراً سَما بِحَقائِقٍ |
|
مِنْ قَبْلِهِ لِذَوِي النُّهى لَمْ تُعْلَنِ |
رَقَمَتْ صَحائِفَهُ يَراعَةُ عَيْلَمٍ |
|
فَأَتى كَعِقْدٍ بالنُّضارِ مُزَيَّنِ |
( فَنُّ الحِجاج ) بِما حَوى اقْتَعَدَ الذّرى |
|
بِحَصِيْفِ فِكْرِ الْنَّيْقَدِ ( المُتَفَنِّنِ ) |
أَوْفى على ( الأَسْفارِ ) في إسْفارِهِ |
|
إِذْ لاحَ شَمْسَ هِدايَةٍ لِلْمُوقِنِ |
وَبـ ( باءِ ) ( بِسْمِ اللهِ ... ) أَرَّخْناهُ : « قَدْ |
|
أَحْيى (١) لَنا المَهْدِيُ ذِكْرى المُحْسِنِ » |
١٠٤ |
|
٢٩ ٨١ ٩٠ ٩٣٠ ١٨٩ |
وكنت قد قلتُ بعد قولي : ( أوفي أعلى الأسفار ... ) سنة ١٤٢٥ هـ :
ومُذِ ازْدَهَتْ للناظرين فصولُهُ |
|
وَتَدَفَّقَتْ بعطائها الثّرِّ الْغني |
بأئمة الثَقَلَين أرّخْناهُ : « قد |
|
أَحْيى لنا المهديُّ ذِكْرَ المُحْسِنِ |
١٢ ١٠٤ |
|
٢٩ ٨١ ٩٠ ٩٢٠ ١٨٩ |
وأنتم تختارون ما يقع عليه الإختيار.
* * *
_____________________
١ ـ أحيى يحيي مثل ألقى يُلقي ألِفُهُ منقلبة عن ( ياء ) فتكتب ألِفُهُ الأخيرةُ على صورةِ الياء وإن شاع على اسلات الأقلام كتابته بالألف ( أحيا ).
الملحق الأول :
حول نسبة كتابة ( الإمامة والسياسة ) إلى ابن قتيبة :
إنّ نسبة أيّ كتاب كان إلى مؤلف مخصوص لا تأتي اعتباطاً ، وشهرة النسبة تستبعد كثيراً من الاحتمالات المشككة ، وإذا كانت هناك مؤشرات ثبوتية يقوي بعضها بعضاً ، تحصل القناعة لدى من يرى صحة النسبة.
أمّا الذين تستحكم في نفوسهم شبهة عدم النسبة فلهم رأيهم ، والناس أحرار في آرائهم ، ولما كان كتاب ( الإمامة والسياسة ) لابن قتيبة من تلك الكتب التي حامت حوله الشبهة في صحة النسبة إلى ابن قتيبة ، وشكك غير واحد في صحة ذلك ، وأبدوا ملاحظات تمسكوا بها ، وبعضها لا يخلو من مناقشة كما سيأتي بيان ذلك.
وأول من أعلن تشكيكه ، بل نفى النسبة هو ( غاينفوس المجريطي ) ذكر ذلك في صدر كتابه عن الأندلس في سنة ( ١٨٨١ م ) ثم تبعه دوزي وآخرون (١).
وساقوا أدلّة على ما يقولون ، نلخصها في النقاط العشر التالية :
١ ـ لم يذكره أحد ممن ترجم لابن قتيبة انّه له.
٢ ـ ذكر في الكتاب فتح الأندلس نقلاً عمن شاهد ذلك ، وكان الفتح في سنة / ٩٢ قبل مولد ابن قتيبة بنحو مائة وعشرين سنة.
٣ ـ ورد في الكتاب خبر يوهم بأن أبا العباس والسفاح شخصيتان متغايرتان ، كما ورد فيه : ان للمهدي ولد اسمه عبد الله ، وانّه هو الذي سمّه.
_____________________
١ ـ شاكر مصطفى في كتابه التاريخ العربي والمؤرخون ١ : ٢٤١.
٤ ـ في الكتاب مزيد عناية بأخبار الأندلس ، لم يكن لابن قتيبة ولا لغيره من معاصريه في العراق سبيل إلى معرفتها.
٥ ـ لم يرد ذكر أحد من شيوخ ابن قتيبة الذي يروي عنهم عادة في كتبه.
٦ ـ المؤلف مالكي الهوى والمذهب ، بينما كان ابن قتيبة حنفياً.
٧ ـ يظهر من المؤلّف انّه كان مقيماً بدمشق ، وابن قتيبة لم ير هذه المدينة.
٨ ـ في الكتاب رواية عن أبي يعلى محمد بن عبد الرحمن الأنصاري المتوفى سنة ١٤٦ هـ قبل ولادة ابن قتيبة بخمس وستين سنة.
٩ ـ ورد في الكتاب ذكر ( مراكش ) وفتح موسى بن نصير لها ، وهي بناها يوسف بن تاشفين سنة / ٤٥٤ هـ.
١٠ ـ وأخيراً مغايرة أسلوب الكتاب لمألوف أسلوب ابن قتيبة.
هذه هي الشبهات التي ساقها المشككون ، وبالأحرى النافون نسبة الكتاب لابن قتيبة ، وقد ذكرها الدكتور شاكر مصطفى في كتابه ( التاريخ العربي والمؤرخون ) (١) ، وأخذ بعضها الدكتور ثروت عكاشة في مقدمة كتاب ( المعارف ) لابن قتيبة حيث تولى كبر تحقيقه ، وستأتي بعض الملاحظات على تحقيقه لذلك الكتاب ( مقدمة ومتناً وفهرسة ) في الملحق الثاني ، وسيطلع القارئ على نماذج تثبت عن أنّ الرجل لم يكن فارس ميدانه ، بل كان راجلاً ومتعثراً في خطاه.
ونعود إلى النقاط التي ذكرت حول نفي النسبة ، فإنّ بعضها لا يخلو من مناقشة. فمثلاً ما ذكر أولاً من عدم ذكر مترجمي ابن قتيبة لهذا الكتاب بانّه له ، فكم له من نظير ، ولا عجب بعد أن نقرأ ما قاله النووي ( ت ٦٧٦ هـ ) في تهذيب الأسماء واللغات (٢) عند ذكره :
_____________________
١ ـ التاريخ العربي والمؤرخون ١ : ٢٤١ ـ ٢٤٢.
٢ ـ تهذيب الأسماء واللغات ٢ : ٢٨١.
( القتُبي ـ مذكور في المهذب والوسيط (١) في كتاب الوقف ، ثم في أول كتاب العدد من المهذب ـ بضم القاف وفتح التاء بعدها موحدة ـ وهو أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري ، الكاتب اللغوي الفاضل في علوم كثيرة ، سكن بغداد وله مصنفات كثيرة جداً ، رأيت فهرستها ، ونسيت عددها ، أظنها تزيد على ستين مصنفاً في أنواع العلوم ... ).
فإذا كان مثل النووي في إحاطته بترجمة ابن قتيبة يقول هذا ، وهو أقرب زماناً ومكاناً إلى ابن قتيبة من المستشرق ( غاينفوس المجريطي ) فالأولى بنا أن نصدّقه في ذكره كثرة مصنفات ابن قتيبة في علوم شتى ، وأحرى بنا أيضاً أن نصدّقه في رؤيته فهرست تلك المصنّفات حتى ظن انّها تزيد على ستين مصنفاً ، ولا نأسف على نسيانه حقيقة العدد ، كما نأسف على عدم ذكره جميع ما بقي على ذُكر من اسمه ، لكنه ذكر ما رآه فقط فقال :
( فمن كتبه التي رأيتها غريب القرآن ، ومشكل القرآن ، وغريب الحديث ، ومختلف الحديث ، وأدب الكاتب ، والمعارف ، وعيون الأخبار ... ).
وهذا الذي رآه لا يدل على عدم صحة نسبة كتاب ( الإمامة والسياسة ) لعدم ذكره ، فالرجل ذكر ما رآه من كتبه وهي سبعة ، وأما ما لم يره فلم يذكره ، وليكن كتاب ( الإمامة والسياسة ) من ذلك الكم الكثير الذي لم يره.
وهذا النسيان الذي اعتذر به محتمل عند غيره من قدامى مترجمي ابن قتيبة إذا أحسنّا الظن بهم ، فلم يذكروا كتاب ( الإمامة والسياسة ) ، ولم يكن إهمالهم لذكره عن سوء نيّة وخبث طوية ، لأنّ في الكتاب ما لا يعجبهم ذكره من أحداث وقعت في صدر الإسلام ، فهذا ابن خلدون ( ت ٨٠٨ هـ ) غمز من قناة ابن قتيبة على
_____________________
١ ـ من كتب الفقه الشافعي.
استخذاء في تاريخه (١) ، وقد ذكر وقعة الجمل وختم بقوله :
( هذا أمر الجمل ملخص من كتاب أبي جعفر الطبري ، اعتمدناه للوثوق به ولسلامته من الأهواء الموجودة في كتب ابن قتيبة وغيره من المؤرخين ).
وهذا كما هو تعريض صريح بابن قتيبة ، فهو تلويح إلى كتاب ( الإمامة والسياسة ) ، إذ لم يرد عند ابن قتيبة في بقية كتبه ما يثير حفيظة ابن خلدون وأضرابه كما ورد في كتاب ( الإمامة والسياسة ).
ولئن تحاشى ابن خلدون التصريح باسمه وحشره مجملاً مهملاً في كتب ابن قتيبة وغيره من المؤرخين ، فإنّ ابن العربي المالكي ( ت ٥٤٣ هـ ) تحامل صريحاً فذكر ابن قتيبة ووصفه بالجاهل العاقل ( ؟ ) فقال في كتابه ( العواصم من القواصم ) (٢) :
( ومن أشد شيء على الناس جاهل عاقل ، أو مبتدع محتال ، فأمّا الجاهل فهو ابن قتيبة ، فلم يبق ولم يذر للصحابة رسماً في كتاب ( الإمامة والسياسة ) إن صح جميع ما فيه ... ) ونحن حسبنا تصريحه بصحة نسبة كتاب ( الإمامة والسياسة ) إلى ابن قتيبة ، فلنا شهادته بصحة النسبة ، وله رأيه في جميع ما فيه.
وكذلك كان ابن حجر الهيتمي في كتابه تطهير الجنان واللسان (٣) ، فقد نعى على ابن قتيبة ذكر ما شجر بين الصحابة فقال :
( وقد علمت مما قدّمته في معنى الإمساك عن ذلك ، أنّ عدم الإمساك امّا أن يكون واجباً لا سيما مع ولوع العوام به ، ومع تآليف صدرت من بعض المحدّثين كابن قتيبة مع جلالته القاضية بانّه كان ينبغي له أن لا يذكر تلك الظواهر ، فإن أبى إلّا ذكرها فليبيّن جريانها على قواعد أهل السنّة ، حتى لا يتمسك مبتدع أو جاهل بها ... ).
_____________________
١ ـ تاريخ ابن خلدون ٢ : ١٠٩٠.
٢ ـ العواصم من القواصم : ٢٤٨.
٣ ـ تطهير الجنان واللسان : ٤٣.
وقد علّق محقق الكتاب على ذلك بقوله في هامش صفحة / ٤٤ ، فذكر قول ابن العربي في العواصم ـ وقد مر نقله ـ ثم قال : وكالمبرّد في كتابه الأدبي ، وأينَ عَقلُهُ من عقل ثعلب الإمام المتقدم في أماليه ، فانّه ساقها بطريقة أدبية سالمة من الطعن على أفاضل الأمة ، وأمّا المبتدع فالمسعودي فإنّه يأتي منه متاخمة الالحاد فيما روى من ذلك ، إمّا البدعة فلا شك فيه ، هذا وقد ذكر العلماء ان الإمامة والسياسة ليست لابن قتيبة ، لأنّه يروي فيه عن عالمين كبيرين في مصر ولم يدخلها ولم يأخذ عنهما ، والمعروف عن المبرّد ينزع إلى رأي الخوارج ، وأمّا المسعودي فهو من كبار الشيعة وله في نحلتهم مؤلفات.
أقول : ليت المحقق صرح لنا بأسماء العلماء الذين ذكروا انّ الإمامة والسياسة ليس لابن قتيبة ، لننظر في مدى صحة آرائهم وحججهم ، لكنه هو الآخر فيما يبدو لي تأثر بتشكيك المستشرقين ، وستأتي مناقشتهم فيما ذكروه حول الكتاب.
وقد كان الأولى به أن ينهج نهج العلّامة الشيخ محمد زاهد الكوثري في انصاف ابن قتيبة ، حيث قال في مقدمة كتاب ( الاختلاف في اللفظ والرد على الجهمية والمشبّهة ) لابن قتيبة (١) ، وهو يذكر أهمية الكتاب للمتأدب والمتكلم والمفيد ... فقال : ( وأمّا المتكلم الذي يرى ابن قتيبة هجّاءً ولوجاً فيما لا يحسنه ، كرّاميّاً مشبّهاً غير متثبت في نقل ما شجر بين الصحابة ، منحرفاً عن أهل بيت النبوة ( رضي الله عنهم ) ، نظر إلى كتاب الإمامة والسياسة المعزوّ إليه من قديم الدهر إلى غير ذلك مما هو مثبوت في كتب خاصة يلفيه قد رجع إلى الصواب في كثير من تلك المسائل ، ولطّف لهجته في جملة منها ).
_____________________
١ ـ مقدمة الكتاب.
ولم يكن الشيخ الكوثري الوحيد في تقويمه الصحيح ، ونقده الهادئ ، وإلى القارئ جملة من أقوال آخرين من الكتّاب المحدثين لم يبتعدوا كثيراً عن نهج الكوثري.
١ ـ قال عبد الكريم الخطيب في كتابه ( علي بن أبي طالب بقية النبوة وخاتم الخلافة ) (١) : اهتم ابن قتيبة في كتابه ( الإمامة والسياسة ) اهتماماً خاصاً بالفتنة التي كانت في أخريات خلافة عثمان ، ثم ما تلاها في خلافة علي ، وما وقع من حروب كوقعة الجمل وصفين والنهروان وغيرها ، وهو ينقل كثيراً ممن سبقوه كابن إسحاق وابن سعد وغيرهما.
وقد أورد معظم أخباره غير مسندة ، مخالفاً بذلك السنن الذي كان متبعاً عند رواة السير والأخبار ممن سبقوه أو عاصروه ، إذ غلب عليهم المنهج الذي كانوا يتبعونه في رواية الأحاديث النبوية ، وكان كثير منهم محدّثاً قبل أن يكون مؤرخاً.
واكتفى ابن قتيبة بأن يصدّر أخباره بنسبتها تلك النسبة المجهّلة العامة ، فيقول : ذكروا ، أو قالوا ، أو حدّثوا ، أو رووا ، ولعلّه لم يكن ذلك من ابن قتيبة عن رغبة في الاختصار ، بقدر ما هو شعور بأنّ هذه الأخبار التي تروي أحداث هذه الفترة ، ليست على الصحة والسلامة التي يُطمأن إليها ويوثق بها ... وإذن فليس ثمة داعية لربطها هذا الربط المحكم ، وشدّها ذلك الشدّ الوثيق بسلسلة موصولة الحلقات بأهل الثقة من الصحابة والتابعين وغيرهم ، وانّه لأقرب إلى طبيعتها والأشبه بحالها أن ترسل هكذا إرسال ، لا تحمل على أحد ، ولا تضاف إلى أحد ، وبهذا يمكن أن يسوّى حسابها ، ونقدّر قيمتها ، في ذاتها ولذاتها دون نظر إلى شيء آخر وراء ما يحمل جوهرها من صدق أو كذب.
_____________________
١ ـ علي بن أبي طالب بقية النبوة : ٤١.
٢ ـ الدكتور طه محمد الزيني الاستاذ بالأزهر ، فقد تولّى تحقيق كتاب ( الإمامة والسياسة ) ونشرت الكتاب مؤسسة الحلبي وشركاه للنشر والتوزيع ، ونأى عن الخوض في مسألة صحة نسبة الكتاب إلى ابن قتيبة أو عدمه ، بل قال في مقدمته : ( وبعد فإنّ « كتاب الإمامة والسياسة » للعالم الفاضل المؤرخ العظيم عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري من أشهر الكتب تداولاً بين قراء العربية ... ) فهذا المحقق يبدو جازماً بصحة النسبة.
٣ ـ وأمّا علي شيري فهو أيضاً حقق الكتاب ، وطبعته دار الأضواء في بيروت ، غير انّه ذكر في مقدمته ما اُثير حول الكتاب من شك في نسبته إلى ابن قتيبة ، فقال في ص ٨ :
« وقد ظهر مؤخراً عدم اتفاق على اسم مؤلّف هذا الكتاب ، بعد ان شكّك كثير من العلماء في نسبته إلى ابن قتيبة ، وحيث انّ بعضهم استبعد انتسابه إليه ، وكان أول من تزعّم التشكيك بنسبته إلى ابن قتيبة المستشرق غاينفوس المجريطي ، ثم تبعه الدكتور دوزي في صدر كتابه تاريخ الأندلس وآدابه ، ويشير د ، بيضون في صدر كتابه المتقدم ( الحجاز والدولة الإسلامية ) وأيضاً السيد أحمد صقر في مقدمته لكتاب تأويل مشكل القرآن المطبوع بالقاهرة سنة ١٩٧٣ م حيث يقول : وقد نسب إلى ابن قتيبة كتاب مشهور شهرة بطلان نسبته إليه ، وهو كتاب الإمامة والسياسة ... ثم قال علي شيري :
ومهما يكن من أمر فقد بقي كتاب ( الإمامة والسياسة ) محافظاً على قيمته كأحد أبرز المصادر ، بما تضمن من نصوص يكاد ينفرد بها عن غيره ... ثم قال : ونبقى مترددين باتخاذ موقف حاسم من هذه القضية المطروحة ».
أقول : وعلى خلاف هؤلاء جمهرة من قدماء ومحدثين ، ذهبوا إلى صحة نسبة كتاب ( الإمامة والسياسة ) إلى مؤلّفه ابن قتيبة منهم :
١ ـ الحجّاج بن يوسف بن محمد البلوي ( ت ٦٠٤ هـ ) في كتابه ألف باء (١) قال : ذكر ابن قتيبة في الإمامة والسياسة : أنه لما قدم على الحجاج سعيد بن جبير ، قال له : ما اسمك ؟ قال : أنا سعيد بن جبير ، فقال الحجاج : أنت شقي بن كُسير ، قال سعيد : أمي أعلم باسمي ....
٢ ـ القاضي ابن الشباط ( ت ٦٨١ هـ ) نقل عنه في كتابه ( حلة السمط وسمة المرط ) في الفصل الثاني من الباب الرابع والثلاثين ، وهو كتاب في الأدب والتاريخ في أربعة أجزاء كبار (٢).
٣ ـ تقي الدين الفاسي المكي ( ت ٨٣٢ هـ ) في كتابه العقد الثمين في أخبار البلد الأمين (٣) ، وفي كتابه الآخر شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام (٤).
٤ ـ عمر بن فهد المكي ( ت ٨٨٥ هـ ) في كتابه اتحاف الورى بأخبار أم القرى في ذكر وقائع سنة / ٩٣ ، نقل عنه في ذكر كيفية القبض على سعيد بن جبير.
٥ ـ ابن السابق عز الدين عبد العزيز بن عمر بن فهد ( ت ٩٢١ هـ ) أخذ عنه في كتابه غاية المرام بأخبار سلطنة البلد الحرام.
٦ ـ محمد محبوب عالم ، أخذ عنه في تفسيره المعروف بتفسير شاهي.
إلى غير هؤلاء.
وأمّا من المحدثين فهم كثيرون ، منهم :
١ ـ محمد فريد وجدي في كتابه ( دائرة معارف القرن العشرين ) ذكر في ( خلف ) فنقل عن كتاب ( الإمامة والسياسة ) خطبة أبي بكر في السقيفة فقال : نقول :
_____________________
١ ـ كتاب ألف باء : ٤٧٨.
٢ ـ راجع مقدمة كتاب المعارف : ٥٦ ، لثروت عكاشة. وبشأن ابن الشباط وكتابه راجع معجم المؤلفين لعمر رضا كحالة ١١ : ٥٧.
٣ ـ العقد الثمين ٧ : ١٩٥.
٤ ـ شفاء الغرام : ١٧١.