المحسن السّبط مولود أم سقط

السيد محمد مهدي السيد حسن الموسوي الخرسان

المحسن السّبط مولود أم سقط

المؤلف:

السيد محمد مهدي السيد حسن الموسوي الخرسان


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات دليل ما
المطبعة: نگارش
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣١
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

٢ ـ من ذا سنختار من المصنّفين :

إنّا سنختار بعون الله ـ وهو من وراء القصد ـ مجموعة من مشاهير المحدّثين والمورّخين ، بدءاً من القرن الثاني وانتهاء بالقرن العاشر الهجري ، ومروراً فيما بينهما من قرون ، ونختار من مؤلّف كلّ منهم نصّاً أو أكثر ممّا يدين السلف الجاني بسوء ما صنعوا ، ومن المتوقع أن تفح أفاعي النواصب ، إذ لا ترضى بكشف ما جهدوا على ستره بحجة : ذلك أمر حدث وانتهى دوره ، فلا حاجة إلى إعادة ذكره ونشر خبره ، وهذه نغمة قيلت ولا تزال تقال لإخفاء الحقائق وحجبها عن أجيال المسلمين ، لتُنسى ثم تُمحى من الذاكرة ، وفي هذا بلاء عظيم ، وسيأتي مزيد عن هذا في مواقف علماء التبرير.

والآن إلى معرفة المصنّفين الّذين سننقل النصوص من كتبهم :

١ ـ محمّد بن إسحاق بن يسار صاحب المغازي ( ت ١٥٢ هـ ) ، قال فيه شعبة : محمّد بن إسحاق أمير المؤمنين في الحديث (١) ، وقال : لو كان لي سلطان لأمّرت ابن إسحاق على المحدّثين (٢).

وقال يحيى بن معين وقد سئل عنه فقال : ليس هو عندي بذاك ولم يثبته وضعّفه ، ولم يضعفه جداً ، فقيل له : ففي نفسك من صدقه شيء ؟ قال : لا ، كان صدوقاً (٣).

_____________________

١ ـ الكامل لابن عدي ٦ : ١٠٧.

٢ ـ المصدر نفسه.

٣ ـ المصدر نفسه ٦ : ١٠٦.

١٤١
 &

ولم يسلم من جرح معاصره مالك بن أنس ، فقيل له : انّ محمّد بن إسحاق يقول : إعرضوا عليّ علم مالك فإنّي أنا بيطاره ، فقال : انظروا إلى دجال من الدجاجلة يقول : إعرضوا عليّ علمي (١).

وقد ترجمه الخطيب في تاريخ بغداد ودافع عنه فراجع ؛ قال ابن عدي في الكامل (٢) : ولو لم يكن لابن إسحاق من الفضل إلّا أنّه صرف الملوك عن كتب لا يحصل منها شيء ، فصرف أشغالهم حتى اشتغلوا بمغازي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومبتدأ الخلق ومبعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فهذه فضيلة لابن إسحاق سبق بها ، ثم بعده صنفه قوم آخرون ، ولم يبلغوا مبلغ ابن إسحاق فيه ، وقد فتشت أحاديثه الكثيرة فلم أجد في أحاديثه ما يتهيأ أن يقطع عليه بالضعف ، وربما أخطأ أو وهم في شيء بعد الشيء ، كما يخطيء غيره ولم يتخلف عنه في الرواية عنه الثقات والأئمة وهو لا بأس به.

٢ ـ عبد الرزاق بن همام صاحب المصنف ( ت ٢١١ هـ ) ، قال ابن عدي : ولعبد الرزاق بن همام أصناف وحديث كثير ، وقد رحل إليه ثقات المسلمين وأئمتهم وكتبوا عنه ، ولم يروا بحديثه بأساً ، إلّا أنّهم نسبوه إلى التشيع ، وقد روى أحاديث غيرهم مما لم أذكره في كتابي هذا ، وأما في باب الصدق فأرجوا أن لا بأس به ، إلّا أنّه قد سبق منه أحاديث في فضائل أهل البيت ومثالب آخرين مناكير (٣).

أقول : ومن الغريب أن يقول ابن عدي ذلك ، وهو الذي روى لنا قول عبد الرزاق : الرافضي كافر (٤) ، وروى لنا قوله : لأفضّل الشيخين بتفضيل عليّ إياهما

_____________________

١ ـ المصدر نفسه ٦ : ١٠٦.

٢ ـ المصدر نفسه ٦ : ١١٢.

٣ ـ المصدر نفسه ٥ : ٣١٥.

٤ ـ المصدر نفسه ٥ : ٣١٢.

١٤٢
 &

على نفسه ، ولو لم يفضّلهما لم أفضّلهما ، كفى بي إزراء أن أحبّ علياً ثم أخالف قوله (١). فأين التشيع الذي نسبوه إليه ؟!

وأما أحاديث الفضائل التي رواها مما لا يوافقه عليها أحد من الثقات ، فهذه دعوى تحتاج إلى إثبات ، وبين أيدينا كتابه المصنف وهو موسوعة جليلة ، وكل ما وقفنا عليه من أحاديث الفضائل وجدنا المحقق للكتاب ذكر في الهوامش تخريجها عن مصادر الآخرين.

وحسبي الإشارة في المقام إلى ما أخرجه ابن عدي نفسه من حديث زعم نكارته فقال : حدّثنا أحمد بن محمّد الشرقي قال : ذكر أبو الأزهر قال : كان عبد الرزاق قد خرج إلى ضيعته ، فخرجت خلفه وهو على بغلة له فالتفت فرآني ، فقال : يا أبا الأزهر تعنّيت ها هنا ، فقال : اركب.

قال : فأمرني فركبت معه على بغلة ، فقال : ألا أخصّك بحديث أخبرني معمر عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لعلي : « أنت سيد في الدنيا سيد في الآخرة ، من أحبك فقد أحبني ، ومن أبغضك فقد أبغضني ، وحبيبك حبيب الله ، وبغيضك بغيض الله ، والويل لمن أبغضك بعدي ».

قال أبو الأزهر : فلما قدمت بغداد كنت في مجلس يحيى بن معين ، فذاكرت رجلاً بهذا الحديث ، فارتفع حتى بلغ يحيى بن معين ، قال : فصاح يحيى بن معين فقال : من هذا الكذاب الذي يروي هذا عن عبد الرزاق ، قال : فقمت في وسط المجلس قائماً ، فقلت : أنا رويت هذا الحديث عن عبد الرزاق ، وذكرت له حتى خرجت به إلى القرية ، قال : فسكت يحيى ، قال ابن عدي : قال لنا الشرقي : هذا الحديث بعضه سمعت من أبي الأزهر.

_____________________

١ ـ المصدر نفسه ٥ : ٣١٢.

١٤٣
 &

أقول : فهذا الحديث سبق وأن رواه في ترجمة أحمد بن الأزهر (١) وقال عقبه : وأبو الأزهر هذا بصورة أهل الصدق ، وقد روى عنه الثقات من الناس ، وأما هذا الحديث عن عبد الرزاق ، وعبد الله من أهل الصدق ، وهو ينسب إلى التشيع فلعله شبّه عليه لأنّه شيعي.

هذا ما عقب به ابن عدي ، وهو مردود عليه بتثريب ، فقد مرّت منّا مناقشة تهمة التشيع لعبد الرزاق ، ثم انّ الحديث المذكور أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد (٢) في ترجمة أبي الأزهر بأسانيد متعددة ، ثم قال بعد ذكره الحديث : قلت : وقد رواه محمّد بن حمدون النيسابوري ، عن محمّد بن عليّ بن سفيان النجار ، عن عبد الرزاق. فبرئ أبو الأزهر عن عهدته إذ قد توبع على روايته.

ورواه الحاكم النيسابوري في المستدرك (٣) بعدة أسانيد وقال : صحيح على شرط الشيخين. وأبو الأزهر باجماعهم ثقة ، وإذا تفرّد الثقة بحديث فهو على أصلهم صحيح. وقال الذهبي في التلخيص : رواته ثقات ... .

ورواه أحمد بن حنبل في مناقب الإمام في الحديث رقم : ٢١٤ ، ورواه الطبراني في المعجم الأوسط كما في مجمع الزوائد (٤) وقال : رجاله ثقات ، ورواه المحب الطبري في الرياض النضرة (٥) وقال : أخرجه أحمد في المناقب ، وأبو عمر ، وأبو الخير الحاكمي.

فبعد هذا التظافر على نقل الحديث وتوثيق رواته لا جناح على عبد الرزاق لو رواه ، وقد وافقه على روايته الثقات ، لا كما قال ابن عدي.

_____________________

١ ـ المصدر نفسه ١ : ١٩٣ ، ترجمة : أحمد بن الأزهر.

٢ ـ تاريخ بغداد ٤ : ٤١.

٣ ـ مستدرك النيسابوري ٣ : ١٢٧.

٤ ـ مجمع الزوائد ٩ : ١٣٣.

٥ ـ الرياض النضرة ٢ : ٢١٩ ، و ٣٣٤.

١٤٤
 &

وأما اتهامه بروايته المثالب في الآخرين ، فلم يذكر لنا ابن عدي منها سوى حديث : ( إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه ) (١).

وهذا حديث ذكر له هو نفسه عدة أسانيد ، وقد رواه من الحفاظ جمع كثير منهم الخطيب البغدادي ، والخطيب الخوارزمي ، ونصر بن مزاحم ، وأحمد بن حنبل ، والطبري ، وابن أبي الحديد ، والذهبي ، وابن حجر ، والسيوطي ، والمناوي ، وأبو الفداء ، والبوصيري وغيرهم وغيرهم ، وقد تلاعبت الأهواء فيه بالتحريف والتصحيف بما لا يسع المجال ذكره ، وقد ذكرت جانباً منها في اعترافات خطيرة في تحريف الحديث والتاريخ والسيرة.

٣ ـ نصر بن مزاحم المنقري ( ت ٢١٢ هـ ) ، كوفي المنشأ بغدادي السكنى ، وحدّث ببغداد عن سفيان الثوري وشعبة بن الحجاج وآخرين ، كما روى عنه أبو الصلت الهروي وأبو سعيد الأشج وجماعة من الكوفيين.

ترجم له الخطيب في تاريخ بغداد (٢) ، وترجم له ياقوت في معجم الأدباء (٣) ، وقال : كان عارفاً بالتاريخ والأخبار ، وذكر مصنفاته ابن النديم في الفهرست (٤).

وذكره ابن حبان في الثقات ، وقال عنه ابن أبي الحديد المعتزلي الشافعي : ( فهو ثقة ، صحيح النقل ، غير منسوب إلى هوى ولا إدغال ، وهو من رجال أصحاب الحديث ) (٥).

ولم يسلم من تجريح العقيلي في ضعفائه (٦) حيث قال : شيعي ، في حديثه اضطراب وخطأ كثير ، من حديثه ما حدّثناه عليّ بن العباس ... قال : حدّثنا محمّد

_____________________

١ ـ الكامل ٥ : ٣١٤.

٢ ـ تاريخ بغداد ٢٣ : ٢٨٢ ـ ٢٨٣.

٣ ـ معجم الأدباء ١٩ : ٢٢٥.

٤ ـ الفهرست : ١٣٧.

٥ ـ شرح النهج ٢ : ٢٠٦.

٦ ـ الضعفاء للعقيلي ٤ : ٣٠٠.

١٤٥
 &

بن عمارة بن صبيح ، قال : حدّثنا نصر بن مزاحم ، عن قيس ، عن جابر ، عن عامر ، عن ابن عباس ، قال : قيل : يا رسول الله متى كنت نبياً ؟ قال : وآدم بين الروح والجسد.

حدّثنا محمّد بن محمّد الكوفي ، قال : حدّثنا محمّد بن عمرو السوسي ، قال : حدّثنا نصر بن مزاحم ، عن عمرو بن سعيد ، عن ليث ، عن مجاهد في قول الله عزوجل : ( وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ ) (١) ، ثم قال : الذي جاء بالصدق محمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والذي صدّق به عليّ رضي‌الله‌عنه.

أما الحديث الأول فقد روي من غير هذا الوجه بإسناد أصح من هذا ، وأما الآخر فلا يتابع إليه.

أقول : إنّ الحديث الآخر الذي قال فيه لا يتابع عليه ، قويّ رواه الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل عن جماعة بسنده عن الحسين بن الحكم الحبري بسنده إلى مجاهد ، وقال : رواه عنه ـ الحبري ـ جماعة بسنده عن العقيلي عن نصر بن مزاحم كما مرّ ، ثم قال : ورواه محمّد بن يحيى بن ضريس عن نصر مثله.

ورواه الحسكاني أيضاً بسنده عن أبي بكر الجعابي بسنده إلى مجاهد.

وقال الحسكاني : ورواه أيضاً أبو بكر السبيعي عن الحسين في العتيق.

ورواه سعد بن أبي سعيد التغلبي عن أبيه ، عن مقاتل بن سليمان ، عن الضحاك ، عن ابن عباس قال : هو النبي جاء بالصدق ، والذي صدّق به عليّ بن أبي طالب.

ورواه الجوهري بسنده إلى ابن عباس كما سبق ، ورواه الحسكاني بسنده إلى أبي الطفيل عن عليّ قال : الذي جاء بالصدق رسول الله ، وصدّق به أنا ، والناس كلهم مكذبون كافرون غيري ... وغيره.

_____________________

١ ـ الزمر : ٣٣.

١٤٦
 &

أقول : ورواه السيوطي الشافعي في الدر المنثور (١) في تفسير الآية عن ابن مردويه ، عن أبي هريرة قال : هو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ( وَصَدَّقَ بِهِ ) قال : هو عليّ بن أبي طالب.

ورواه ابن المغازلي المالكي في المناقب (٢).

كما رواه الكنجي الشافعي في كفاية الطالب (٣).

ورواه القرطبي المالكي في تفسيره (٤).

ورواه أبو حيان الأندلسي في البحر المحيط (٥).

كما رواه ابن عساكر في تاريخه في ترجمة الإمام (٦).

فهؤلاء جميعاً رووه بأسانيد متعددة ، وعن جماعة من الصحابة ولم ينبسوا بكلمة في نقد رواة الحديث ، وما أدري كيف يكون حد المتابعة عند العقيلي وقد جاوزوا العشرة ؟ ثم انّ ابن حبان ذكره في الثقات.

ومع هذا فنصر بن مزاحم لهذا الحديث يبقى زائغ الحديث متروك عند أبي حاتم ، وعلى نوله تبعاً للعقيلي وللذهبي سدّى ابن حجر فطاله بلسانه في لسان ميزانه.

وما ذلك منهم إلّا لأنّه شيعي ، وكأنّ التشيع ذنب لا يغتفر ! وحسبنا الله ونعم الوكيل ، فلكم الله يا شيعة عليّ. على ان أبا الفرج الأصبهاني في المقاتل وابن أبي الحديد قالا بعاميّته ومع ذلك وثّقاه.

_____________________

١ ـ الدر المنثور ٥ : ٣٢٨.

٢ ـ المناقب : ٢٦٩.

٣ ـ كفاية الطالب : ٢٣٣.

٤ ـ تفسير القرطبي المالكي ١٥ : ٢٥٦.

٥ ـ البحر المحيط ٧ : ٤٢٨.

٦ ـ تاريخ ابن عساكر ٢ : ٤١٨.

١٤٧
 &

٤ ـ عبد الملك بن هشام الحميري ( ت ٢١٨ هـ ) ، صاحب السيرة المعروفة باسمه ( سيرة ابن هشام ) ، ولو حقّقنا في صحة تلك النسبة ، لرأينا الأولى أن تسمى بسيرة ابن إسحاق برواية ابن هشام ، أو باختصار ابن هشام ، ولم يكن بمستوى جرأة ابن إسحاق في ذكر الأحداث بأمانة ، فمثلاً ذكر ابن إسحاق اسم العباس مع جيش قريش الكفار في واقعة بدر وأسر المسلمين إياه ، فجاء ابن هشام فحذف الخبر خوفاً من العباسيين.

وحسبنا اعترافه بذلك حيث قال : « ... وتارك بعض ما يذكره ابن إسحاق في هذا الكتاب مما ليس لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيه ذكر ، ولانزل فيه من القرآن شيء ... وأشياء يشنع الحديث به وبعض يسوء بعض الناس ذكره ... ».

ومهما تكن المؤاخذة عليه في ذلك ، فقد حفظ لنا الكثير من سيرة ابن إسحاق ، وكاد الناس ينسون معه مؤلف السيرة الأولى محمّد بن إسحاق ، وفي هذا فضل كبير.

٥ ـ محمّد بن سعد كاتب الواقدي ( ت ٢٣٠ ـ ٢٣١ هـ ) ، صاحب كتاب الطبقات الكبير ، وهذا أثنى عليه غير واحد ، بدءاً من قول تلميذه الحسين بن فهم : كان كثير العلم ، كثير الحديث والرواية ، كثير الكتب. ومروراً بقول ابن النديم : كان عالماً بأخبار الصحابة والتابعين ، وكان ثقة مستوراً (١) ، وقول الخطيب البغدادي : كان من أهل العلم والفضل (٢).

وقول ابن خلكان : وكان صدوقاً ثقة (٣) ، وقول ابن حجر : وأحد الحفاظ الكبار والثقات المتبحرين (٤). وأخيراً فلي دراسة وافية عنه وعن كتابه الطبقات والنصوص الضائعة منها عسى أن تسنح لي الفرصة بنشرها.

_____________________

١ ـ الفهرست : ١١١.

٢ ـ تاريخ بغداد ٥ : ٣٢١.

٣ ـ وفيات الأعيان ٤ : ٣٥١.

٤ ـ تهذيب التهذيب ٩ : ١٨٢.

١٤٨
 &

٦ ـ أبو بكر عبد الله بن محمّد بن أبي شيبة ( ت ٢٣٥ هـ ) ، صاحب ( المصنف ) قال عنه الذهبي في سير أعلام النبلاء (١) : الإمام العلم ، سيد الحفاظ ، وصاحب الكتب الكبار ( المسند ) و ( المصنف ) و ( التفسير ) ... وهو من أقران أحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه ، وعلي بن المديني في السن والمولد والحفظ ... حدث عنه الشيخان ـ البخاري ومسلم ـ وأبو داود ، وابن ماجة ... وروى عنه محمّد بن سعد الكاتب ، ومحمد بن يحيى ، وأحمد بن حنبل ، وأبو زرعة ... وأمم سواهم ، وأثنى عليه كل من ترجمه.

٧ ـ أحمد بن حنبل إمام الحنابلة ( ت ٢٤١ هـ ) ، كتبت له ترجمة في البحث عن حديث الثقلين وعملية الانقضاض عليه ، اقتبست الكثير فيها من كتاب المصعد الأحمد في ختم مسند الإمام أحمد للحافظ شمس الدين بن الجزري الذي نشره أحمد محمّد شاكر في مقدمة المسند الذي تولّى تحقيقه ، وهذه السطور من تلك الترجمة :

قال قتيبة : ( أحمد بن حنبل إمام الدنيا ) وقال إسحاق : ( أحمد حجة بين الله وبين خلقه ) ، وكان عند أهل خراسان ( يرون أحمد بن حنبل أنّه لا يشبه البشر ، يظنّون أنّه من الملائكة ) ؟! وقال آخر : ( نظرة من أحمد تعدل عبادة سنة ) إلى غير ذلك من مزايدات في الكرامات نحن في غنى عن ذكرها.

ولم يسلم مع ذلك من تجريح الخصوم ، وله كلمة في مسنده ارتفع بها إلى أعلا الغلو فقال : ( هذا الكتاب جمعته وانتقيته من أكثر من سبعمائة ألف حديثاً وخمسين ألفاً ، فما اختلف فيه المسلمون من حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فارجعوا إليه ، فإن وجدتموه وإلّا فليس بحجة ).

_____________________

١ ـ سير أعلام النبلاء ١١ : ١٢٢ ـ ١٢٧.

١٤٩
 &

وللعلماء حول كلمته هذه نقد وردّ وتوجيه ، حفاظاً على مكانة الصحاح خصوصاً صحيح البخاري الذي قالوا عنه أنّه أصح كتاب بعد كتاب الله ، وقد وردت فيه أحاديث لم يذكرها أحمد في مسنده ، وهكذا طال النقاش بين الأخذ والرد حول الموضوع ، وذكرته في البحث عن حديث الثقلين وعملية الانقضاض عليه.

٨ ـ محمّد بن اسماعيل البخاري ( ت ٢٥٦ هـ ) ، صاحب الجامع الصحيح ، ذكر له ابن حجر في آخر هدى الساري (١) ترجمة مفصلة فيها كثير من المزايدات حتى الرؤى والأحلام ، وفيها من الغلو المرذول نحو قول من يقول : ( محمّد بن إسماعيل إمام فمن لم يجعله إماماً فاتهمه ) ومن يقول : ( عندي لو أنّ أهل الاسلام اجتمعوا على أن يصيبوا آخر مثل محمّد بن إسماعيل لما قدروا عليه ).

إلى آخر ما ذكره ابن حجر من أقوال أبناء الحلال ، لكنّه لم يذكر ما ذكره الآخرون من عده في المدلسين ، وأخيراً إخراجه من بخارى لفتياه في الرضاع التي لم يوافقه عليها أحد من علماء المسلمين ، وهي نشر الحرمة بين من شرب ألبان البهائم ، فراجع بشأنها المبسوط للسرخسي الحنفي (٢).

٩ ـ مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري ( ت ٢٦١ هـ ) ، صاحب الصحيح ( أحد الأئمة الحفاظ ، وأعلام المحدثين ، رحل إلى الحجاز والعراق والشام ومصر ، وسمع يحيى بن يحيى النيسابوري ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه ، وروى عنه الترمذي ، وكان من الثقات ).

وقال الحافظ أبو عليّ النيسابوري : ما تحت أديم السماء أصح من كتاب مسلم في علم الحديث ، وقال الخطيب البغدادي : فكان مسلم يناضل عن البخاري حتى أوحش ما بينه وبين محمّد بن يحيى الذهلي بسببه (٣).

_____________________

١ ـ هدى الساري ٢ : ٢٥٠ ـ ٢٦٦.

٢ ـ المبسوط للسرخسي ٥ : ١٣٩ ـ ١٤٠ و ٣٠ : ٢٩٧.

٣ ـ وفيات الأعيان ٥ : ١٩٣.

١٥٠
 &

١٠ ـ عمر بن شبّة ( ت ٢٦٢ هـ ) ، البصري النحوي الأخباري ، نزيل بغداد ، روى عن أبيه وجماعة منهم الأصمعي وأبي زيد الأنصاري ، وروى عنه ابن ماجة ، والبلاذري ، وابن أبي الدنيا ، وثعلب ، وأحمد بن عبد العزيز الجوهري وآخرون ، قال ابن أبي حاتم : كتبت عنه مع أبي وهو صدوق صاحب عربية وأدب ، قال الدارقطني : ثقة.

وذكره ابن حبان في الثقات وقال : مستقيم الحديث ، وكان صاحب أدب وشعر وأخبار ومعرفة بأيام الناس.

وقال الخطيب : كان ثقة ، عالماً بالسير وأيام الناس ، وله تصانيف كثيرة ، وكان قد نزل في آخر عمره سر من رأى وتوفي بها.

ثم ذكر امتحانه بسر من رأى في مسألة خلق القرآن ، فقال أبو علي الغزي : امتحن عمر بن شبّه بسرّ من رأى بحضرتي فقال : القرآن كلام الله ليس بمخلوق ، فقالوا له : فتقول من وقف فهو كافر ؟ فقال : لا أكفّر أحداً ، فقالوا له : أنت كافر ومزقوا كتبه ، فلزم بيته وحلف أن لا يحدث شهراً ، وكان ذلك حدثان قدومه من بغداد بعد الفتنة ، فكنت ألزمه أكتب عنه ، وما امتنع مني من جميع ما أسأله ، فأنشدني قصيدة له أنشدها في محنته :

لما رأيت العلم ولّى ودَبَر

وقام بالحمل خطيب فهمَر

لزمت بيتي معلناً ومستتَر

مخاطباً خير الورى لمن غَبر

أعني النبي المصطفى على البشر

والثاني الصدّيق والتالي عمر

ومن اردت من مصابيح زُهَر

مثل النجوم قد أطافت بالقمر

إلى آخر شعره ولم يسمّ فيها عثمان ولا علي ، وحمل فيه على أهل الحديث الذين سبّبوا له المحنة ، وهذا يحكي جانباً من تاريخ سرّ من رأى في ذلك العهد والحالة الاجتماعية المتردية.

١٥١
 &

وقال المرزباني في معجم الشعراء : عمر بن شبة أديب فقيه واسع الرواية صدوق ثقة ... نزل بغداد عند خراب البصرة ... (١).

١١ ـ ابن قتيبة ( ت ٢٧٦ هـ ) ، هو أبو محمّد عبد الله بن مسلم بن قتيبة كان فاضلاً ثقة ، سكن بغداد وحدّث بها عن إسحاق بن راهويه ... وأبي حاتم السجستاني وتلك الطبقة ... وتصانيفه كلها مفيدة (٢).

وقال الذهبي في تذكرة الحفاظ : ( ابن قتيبة من أوعية العلم ، لكنه قليل العمل في الحديث ).

وقال الحافظ السلفي : ( كان ابن قتيبة من الثقات ومن أهل السنة ) ، وقال الخطيب البغدادي : ( وكان ثقة ديّناً فاضلاً ) ، وقال ابن حزم : ( كان ابن قتيبة ثقة في دينه وعلمه ).

ومع هذا الثناء والاطراء فقد جرحه الدارقطني بقوله : ( كان ابن قتيبة يميل إلى التشبيه ، منحرفاً عن العترة ، وكلامه يدل عليه ) وكذلك البيهقي قال : ( كان ابن قتيبة يرى رأي الكرامية ، وليس بين المشبهة والكرامية كبير فرق ، فالكرامية أتباع محمّد بن كرام ، وكان يذهب إلى التجسيم والتشبيه ، وينعى على عليّ صبره على ما جرى على عثمان ) راجع بشأن هذه الأقوال مقدمة كتاب المعارف تحقيق ثروت عكاشة.

ولمّا كانت النصوص التي سننقلها عنه من كتابيه ( المعارف ) و ( الإمامة والسياسة ) فلا مناص من التعريف بهما وما جرى عليهما ، فالأول لعبت به أيد أثيمة ، فضاعت منه بعض النصوص ، والثاني اعترت نسبته شكوك أثارها فريق من الباحثين ، وبأزائهم فريق صحح النسبة فنقل عنه معتمداً عليه ، لهذا سنبحث عن

_____________________

١ ـ تهذيب التهذيب ٧ : ٤٦٠ ـ ٤٦١.

٢ ـ وفيات الأعيان ٣ : ٤٢.

١٥٢
 &

الكتابين باختصار في نظرة على المصادر ، ونحيل القارئ إلى الملاحق الآتية في آخر الكتاب ( الملحق الثاني والثالث ) حيث يجد مزيداً من التحقيق.

١٢ ـ البلاذري ( ت ٢٧٩ هـ ) ، وهو أحمد بن يحيى بن جابر بن داود البلاذري البغدادي الكاتب ، ترجمه ياقوت في معجم الأدباء (١) فقال : ( ... حافظ أخباري علامة ) وترجمه ابن عساكر في تاريخ دمشق فقال : ( وكان عالماً فاضلاً نسابة متقناً ... ) ، وله تراجم في لسان الميزان لابن حجر ، وفوات الوفيات لابن شاكر ، وبغية الطلب لابن العديم وغيرها.

١٣ ـ ابن جرير الطبري ( ت ٣١٠ هـ ) ، هو أبو جعفر محمّد بن جرير ، شيخ المفسرين وشيخ المؤرّخين.

ترجمه ياقوت في معجم الأدباء (٢) ، كما ترجمه الخطيب في تاريخ بغداد (٣) ، وابن عساكر في تاريخه (٤) ، وغيرهم وكلّهم أثنوا عليه ، ولعلّ القفطي هو أوفى من غيره فيما كتب عنه ، فقد ذكره في كتابه ( انباه الرواة ) وذكر أنّه وضع في سيرته كتاباً أسماه ( التحرير في أخبار محمّد بن جرير ) وصفه بأنّه كتاب ممتع وضاع فيما ضاع من كتبه ، وحسبنا اليوم ما كتبه محمّد أبو الفضل إبراهيم في مقدمة كتابه التاريخ طبعة دار المعارف بمصر.

وكان ابن جرير مفسراً بارعاً ، ومؤرخاً جامعاً ، ومحدثاً نافعاً ، وكتبه نيفت على العشرين ، منها : التفسير في ثلاثين جزء ، والتاريخ في عشرة أجزاء ، وله في الحديث ( تهذيب الأثار ) في عدة أجزاء طبع منها ( مسند عمر ) و ( مسند عليّ ) و ( مسند ابن عباس ).

_____________________

١ ـ معجم الأدباء ٢ : ١٢٨.

٢ ـ معجم الأدباء ١٨ : ٤٨ ـ ٦٥.

٣ ـ تاريخ بغداد ٢ : ١٦٤ ـ ١٦٦.

٤ ـ تاريخ ابن عساكر ١٨ : ٣٥١ ـ ٣٥٦.

١٥٣
 &

ومن تآليفه ( أحاديث غدير خم في مجلدين ) رآه ابن كثير ، ونصّ عليه غيره باسم كتاب ( الولاية ) فهذا ما قرأناه عنه ولم نعلم أين استقر به الثوى.

١٤ ـ ابن عبد ربه الأندلسي ( ت ٣٢٨ هـ ) ، هو أحمد بن محمّد بن عبد ربه الأندلسي ، قال ابن خلكان في وفيات الأعيان (١) : ( كان من العلماء المكثرين من المحفوظات والاطلاع على أخبار الناس ، وصنّف كتابه العقد ، وهو من الكتب الممتعة ، حوى من كلّ شيء ... ).

وترجمه الذهبي في جملة من كتبه ، فله ترجمة في سير أعلام النبلاء (٢) ، كما أثنى عليه في العبر وغيره وقال : ( وكان موثقاً نبيلاً بليغاً شاعراً ، عاش ٨٢ سنة وتوفي سنة ٣٢٨ هـ ).

أقول : ومن المؤاخذات على الذهبي وعلى غيره ممّن ترجم لابن عبد ربه ، إغضاؤهم عن نصبه ، فلم يذكروا ـ ولو على نحو الاشارة ـ إلى ذلك ، فقد كان ناصبياً معلناً ذلك في ارجوزته في الخلفاء ، حيث ذكر الثلاثة ثم ربّع بمعاوية ، ولم يذكر الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، ولا الإمام الحسن عليه‌السلام ، وذلك ما حدا بالقاضي منذر بن سعيد أن يغضب فيسب ابن عبد ربه.

فقد روى المقري في نفح الطيب (٣) نقلاً عن كتاب التكملة لابن الأبار (٤) بسنده عن أبي عبيد القاسم بن خلف الجبيري الفقيد الطرطوشي قال : نزل القاضي منذر بن سعيد على أبي بطرطوشة ، وهو يومئذٍ يتولّى القضاء في الثغور الشرقية ... فأنزله أبي في بيته الذي يسكنه ، فكان إذا تفرغ نظر في كتب أبي ، فمر

_____________________

١ ـ وفيات الأعيان ١ : ١١٠.

٢ ـ سير أعلام النبلاء ١٥ : ٢٨٣.

٣ ـ نفح الطيب ٣ : ٢٦٦ ـ ٢٦٧.

٤ ـ التكملة ١ : ٢٩٣.

١٥٤
 &

على يديه كتاب ( ارجوزة ابن عبد ربه ) يذكر فيه الخلفاء ويجعل معاوية رابعهم ، ولم يذكر علياً فيهم ، ثم وصل بذكر الخلفاء من بني مروان إلى عبد الرحمن بن محمّد ، فلما رأى ذلك منذر غضب وسبّ ابن عبد ربّه ، وكتب في حاشية الكتاب :

أو عليّ لا برحت ملعّناً

يابن الخبيثة عندكم بإمام

رب الكساء وخير آل محمّد

داني الولاء مقدّم الإسلام

قال أبو عبيد : والأبيات بخطه في حاشية كتب أبي إلى الساعة.

أقول : وقد ذكر ابن عبد ربه في آخر الجزء الرابع من العقد ( بتصحيح أحمد أمين وأحمد الزين وإبراهيم الأبياري ) أرجوزته في فتوحات عبد الرحمن بن محمّد الأموي ، وهذه غير تلك التي رآها القاضي منذر بن سعيد وكتب في حاشيتها ما تقدم.

ومع نصبه فقد ذكر ما سيأتي نصاً فيه الإدانة لرموز الخيانة جاء فيه : ( وأما عليّ والعباس والزبير ، فقعدوا في بيت فاطمة حتى بعث إليهم أبو بكر عمر بن الخطاب ليخرجوا من بيت فاطمة ، وقال له : إن أبوا فقاتلهم ، فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار ، فلقيته فاطمة ، فقالت : يابن الخطاب ، أجئت لتحرق دارنا ؟ قال : نعم أو تدخلوا ما دخلت فيه الأمة ).

١٥ ـ المسعودي ( ت سنة ٣٤٦ هـ ) ، هو أبو الحسن عليّ بن الحسين المسعودي صاحب ( مروج الذهب ) من شيوخ المؤرخين ، وكتابه ( مروج الذهب ) من خيرة المصادر ، وقد ذكر في أوله مآخذه ، فكانت نخبة المؤلفات المعتمدة في عصره ، لذلك صار كتابه مقبولاً تاريخياً ، على ما فيه مما لا يخلو منه كتاب غير كتاب الله سبحانه وتعالى الذي : ( لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ) (١).

_____________________

١ ـ فصلت : ٤٢.

١٥٥
 &

وعَلَمية المسعودي تغني عن الإطناب في ترجمته ، ولقد ترجمه السبكي في طبقات الشافعية (١) وذكر أخذه وحضوره عند أبي العباس بن سريج ـ شيخ الشافعية في وقته ـ وهو الذي علّق عنه ( رسالة البيان عن أصول الأحكام ) قال السبكي : وهذه الرسالة عندي نحو خمس عشرة ورقة.

كما لم تخل كتب التراجم الشيعية من ذكره وعده من الشيعة ، ولعله كان عامياً ثم استبصر ، وكتب كتابه ( اثبات الوصية ) وإلّا ففي مروج الذهب ما يمكن الاستدلال به على عاميته.

١٦ ـ الطبراني ( ت ٣٦٠ هـ ) ، هو الحافظ أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب اللخمي الطبراني الحافظ الثبت المعمر ، لا ينكر له التفرد في سعة ما روى ، عاش مئة سنة ، وسمع وهو ابن ثلاث عشرة سنة ، وبقي إلى سنة ستين وثلاثمائة ، وكان واسع العلم كثير التصانيف ، وقيل : ذهبت عيناه في آخر عمره.

وللحافظ ابن مندة جزء فيه ذكر الطبراني وبعض مناقبه ومولده ووفاته وعدد تصانيفه ، حقّقه حمدي السلفي وألحقه بالمجلد الخامس والعشرين من المعجم الكبير للطبراني ، وذكر في آخره ما وجد من تصانيفه فبلغت ( ١٠٦ ) مصنفاً بينها المعاجم الثلاثة ، الكبير والأوسط والصغير ، وهي في عدة أجزاء ، وقد طبعت جميعها كما طبع له غيرها.

١٧ ـ الجوهري ( كان حياً سنة ٣٢٢ ، حيث قرئ عليه كتابه السقيفة ) (٢) هو أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري صاحب ( كتاب السقيفة ) ذكره الشيخ الطوسي في الفهرست ، وابن شهرآشوب في معالم العلماء ، وهو معاصر لأبي الفرج الاصبهاني ( ت ٣٥٦ هـ ) ، وقد روى عنه في كتاب الأغاني قريباً من ثمانين رواية ، فقال : ( حدثني أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري ) (٣).

_____________________

١ ـ طبقات الشافعية ٣ : ٤٢٦.

٢ ـ راجع كشف الغمة ١ : ٤٥٣.

٣ ـ الأغاني ٢ : ٢٤٤ ، وكذلك في بقية الأجزاء.

١٥٦
 &

وروى عنه المرزباني ( ت ٣٨٤ هـ ) في كتابه الموشح (١) ، وروى عنه أبو هلال العسكري ( ت ٣٨٢ هـ ) في كتابه الأوائل كثيراً ، وفي كتابه شرح ما يقع فيه التصحيف والتحريف (٢) ، وقال : قرأت على أبي بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري ، وكان ضابطاً صحيح العلم. وروى عنه الطبراني ( ت ٣٦٠ هـ ) في المعجم الصغير (٣).

أما ابن أبي الحديد فقد نقل في شرح النهج كثيراً من النصوص من كتبه : السقيفة ، والذيل على السقيفة ، وفدك وعرفه فقال : ( الفصل الأول فيما ورد من الأخبار والسير المنقولة من أفواه أهل الحديث وكتبهم ، لا من كتب الشيعة ورجالهم ، لأنّا مشترطون على أنفسنا ألّا نحفل بذلك ، وجميع ما نورده في هذا الفصل من كتاب أبي بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري في السقيفة وفدك ، وما وقع من الاختلاف والاضطراب عقب وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأبو بكر الجوهري هذا عالم محدث ، كثير الأدب ، ثقة ورع ، أثنى عليه المحدثون ، ورووا عنه مصنفاته ) (٤).

ولم يكن هذا من ابن أبي الحديد فقط ، قال أيضاً : ( واعلم أنّا إنّما نذكر في هذا الفصل ما رواه رجال الحديث وثقاتهم ، وما أودعه أحمد بن عبد العزيز الجوهري في كتابه ، وهو من الثقات الأمناء عند أصحاب الحديث ... ) (٥).

١٨ ـ ابن عبد البر المالكي ( ت ٤٦٣ هـ ) ، صاحب ( الاستيعاب ) و ( التمهيد ) و ( الاستذكار ) هو أبو عمر يوسف بن عبد البر الأندلسي المالكي ، أثنى عليه كلّ

_____________________

١ ـ الموشح : ٢٨ ، ٤٧.

٢ ـ شرح ما يقع فيه التصحيف والتحريف : ٤٥٧.

٣ ـ المعجم الصغير ١ : ٥٩.

٤ ـ شرح النهج ١٦ : ٢٠٩ ـ ٢١٠.

٥ ـ المصدر نفسه ١٦ : ٢٣٤.

١٥٧
 &

من ترجمه من المشارقة والمغاربة ، وحسبنا قول الذهبي في تاريخ الاسلام فيما حكاه عن شيخه محمّد بن أبي الفتح قال :

( كان أبو عمر ابن عبد البر أعلم من بالأندلس في السنن والآثار واختلاف علماء الأمصار ، كان في أوّل زمانه ظاهري المذهب مدة طويلة ، ثم رجع عن ذلك إلى القول بالقياس من غير تقليد أحد ، إلّا أنّه كان كثيراً ما يميل إلى مذهب الشافعي رحمه‌الله ) (١).

وقال في سير أعلام النبلاء : ( كان إماماً ديناً ثقة علامة متبحراً ، صاحب سنة واتباع ، وكان أولاً أثرياً ظاهرياً فيما قيل ، ثم تحوّل مالكياً مع ميل إلى فقه الشافعي في مسائل ، ولا ينكر له ذلك ، فإنّه ممّن بلغ مرتبة الأئمة المجتهدين ، ومن ينظر في مصنفاته بان له منزلته من سعة العلم ، وقوة الفهم ، وسيلان الذهن ، وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلّا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولكن إذا أخطأ إمام في اجتهاده لا ينبغي لنا أن ننسى محاسنه ، ونغطي معارفه ، بل نستغفر له ونعتذر عنه ... ) (٢).

أقول : حبّذا لو صدقت الأحلام في جميع رجال الاسلام ، لكن ازدواجية المعايير تذهب بالعير والنفير.

١٩ ـ الشهرستاني صاحب الملل والنحل ( ت ٥٤٩ هـ ) ، هو أبو الفتح عبد الكريم ( شيخ أهل الكلام والحكمة صاحب التصانيف ، برع في الفقه على الإمام أحمد الكوفي الشافعي ، وقرأ الأصول على أبي نصر القشيري ... وكان كثير المحفوظ ، قوي الفهم ، مليح الوعظ ... ). هكذا وصفه الذهبي في سير أعلام النبلاء (٣).

_____________________

١ ـ تاريخ الإسلام.

٢ ـ سير أعلام النبلاء ١٣ : ٥٢٥.

٣ ـ سير أعلام النبلاء ٥ : ٨٦.

١٥٨
 &

وقال السمعاني (١) : ( كان إماماً فاضلاً متكلماً أصولياً ، عارفاً بالأدب والعلوم المهجورة ، وهو متّهم بالإلحاد والميل اليهم ، غال في التشيع ... ) ؟!

أقول : لا ينقضي عجبي من السمعاني حيث اتهم الرجل بالإلحاد ، مع ما سبق له من الثناء عليه ووصفه له بالفضل والإمامة ... ، والغريب أيضاً قوله فيه : ( غال في التشيع ) وما أدري كيف اجتمع الالحاد والتشيع في شخص الشهرستاني الذي تظهر شخصيته العقائدية في كتابيه ( الملل والنحل ) و ( نهاية الأقدام في علم الكلام ) طافحة بأشعريته المعلنة ، وعلى ذلك وصف بها في وفيات الأعيان ومرآت الجنان.

نعم ، ورد في لسان الميزان لابن حجر نقلاً عن ابن السمعاني ، وقد دافع ابن السبكي في طبقات الشافعية (٢) عن الشهرستاني بنفي التهمة وقال : ( وما أدري من أين ذلك لابن السمعاني ، فإن تصانيف أبي الفتح دالة على خلاف ذلك ... ).

٢٠ ـ أبو السعادات ابن الأثير الجزري ( ت ٦٠٦ هـ ) ، هو المبارك بن محمّد بن محمّد ... الشيباني الشافعي مجد الدين ، عالم أديب ناثر مشارك في تفسير القرآن والنحو واللغة والحديث والفقه وغير ذلك.

ترجمه ابن خلكان في الوفيات ، والسبكي في طبقات الشافعية ، وياقوت في معجم الأدباء وغيرهم ، وأثنوا عليه ثناءاً بالغاً ، وطبع من تصانيفه النهاية في غريب الحديث ، وجامع الأصول.

٢١ ـ أبو الحسن ابن الأثير الجزري ( ت ٦٣٠ هـ ) ، هو عليّ بن محمّد بن محمّد ... الشيباني أخو السابق ، وهو صاحب كتاب ( الكامل في التاريخ ) و ( اُسد الغابة في معرفة الصحابة ) و ( اللباب في تهذيب الأنساب ) وكلّها مطبوعة مكرراً ،

_____________________

١ ـ التحبير ٢ : ١٦٠.

٢ ـ طبقات الشافعية ٦ : ١٣٠.

١٥٩
 &

ترجمه ابن خلكان في الوفيات ، والسبكي في طبقات الشافعية ، والذهبي في سير أعلام النبلاء وغيرهم.

٢٢ ـ الكلاعي ( ت ٦٣٤ هـ ) ، أبو الربيع سليمان بن موسى الحميري المعروف بابن سالم ، وصفه الذهبي في سير أعلام النبلاء (١) بقوله : ( الإمام العلامة الحافظ المجوّد الأديب البليغ ، شيخ الحديث والبلاغة بالأندلس ).

وساق في ترجمته ما قاله ابن الأبار وغيره في اطرائه وذكر تصانيفه ، ومنها كتابه الاكتفاء في مغازي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومغازي الخلفاء ، ولم يذكر علياً عليه‌السلام لعدم الفتوحات في عصره ، هكذا في هامش السير.

٢٣ ـ ابن أبي الحديد المعتزلي ( ت ٦٥٦ هـ ) ، هو عز الدين عبد الحميد بن أبي الحديد ، ترجمه معاصره ابن الفوطي الحنبلي في ( تلخيص مجمع الأداب في معجم الألقاب ) (٢) فقال : ( الكاتب الأصولي .. كان أديباً فاضلاً حكيماً كاتباً .. ) وترجمه اليونيني في ذيل مرآة الجنان (٣) ، والصفدي في الغيث المسجم (٤) ، وابن شاكر في فوات الوفيات (٥) ، والاتابكي في المنهل الصافي (٦) ، وابن خلكان في وفيات الأعيان (٧) ضمن ترجمة ابن الأثير ، وغير هؤلاء آخرون ، وكلّهم وصفوه بأنّه كان كاتباً أديباً فقيهاً فاضلاً ، ونقل في هامش فوات الوفيات (٨) بأنّه كان شافعياً في الفقه.

_____________________

١ ـ سير أعلام النبلاء ١٦ : ٤٠٣.

٢ ـ تلخيص مجمع الأداب في معجم الألقاب ٤ ق ١ : ١٩٠.

٣ ـ ذيل مرآة الجنان ١ : ٦٢.

٤ ـ الغيث المسجم ٢ : ٩١.

٥ ـ فوات الوفيات ٢ : ٢٥٩.

٦ ـ المنهل الصافي ٧ : ١٤٩.

٧ ـ وفيات الأعيان ٢ : ٩١.

٨ ـ فوات الوفيات ٢ : ٢٥٩.

١٦٠