المحسن السّبط مولود أم سقط

السيد محمد مهدي السيد حسن الموسوي الخرسان

المحسن السّبط مولود أم سقط

المؤلف:

السيد محمد مهدي السيد حسن الموسوي الخرسان


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات دليل ما
المطبعة: نگارش
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣١
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

ثم هل نسي عليّ أنّ حرب هو والد أم جميل ـ وهي حمالة الحطب ـ التي كانت تؤذي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى نزلت سورة في ذمها وذم زوجها ، فقال تعالى : ( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ * تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَىٰ نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ ) (١) فهل يُعقل أنّ علياً لا يعرف مَن هو حرب ؟ ومن هم آباء حرب ؟ ومن هم أبناء حرب حتى يغرم باسم حرب ؟

والآن بعد هذا الخطو السريع في رحاب التاريخ ، فهل رأينا من دافع أو شافع مغر يحمل علياً على التهالك في تسمية أبنائه ( بحرب ) ؟

هل كانت بين البيتين في ميزان التفاضل موازنة صحيحة ، في منكب أو موكب يتساوى فيها رجال البيتين ؟ هل كانت لدى المقارنة بين رجال الحييّن مساواة في حول أو طول ؟ ثم أليس هو القائل في هذا المضمار رداً على معاوية حفيد حرب :

وأما قولك : إنّا بنو عبد مناف فكذلك نحن ، ولكن ليس أمية كهاشم ، ولا حرب كعبد المطلب ، ولا أبو سفيان كأبي طالب ، ولا المهاجر كالطليق ، ولا الصريح كاللصيق ، ولا المحق كالمبطل ، ولا المؤمن كالمدغل ، ولبئس الخلف خلفاً يتبع سلفاً هوى في نار جهنم (٢).

ألم يسمع علي قول أبيه في بني حرب حيث يقول :

قديماً أبوهم كان عبداً لجدنا

بني أمة شهلاء جاش بها البحر

لقد سفهوا أحلامهم في محمّد

فكانوا كجعر بئس ما ظفطت جعر (٣)

_____________________

١ ـ المسد : ١ ـ ٥.

٢ ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١ : ٢١٩.

٣ ـ نفس المصدر ٤ : ٤٦٧.

٦١
 &

كيف لم يسمع ؟ وكيف لم يعلم ؟ والأمر بين الحييّن من الوضوح حتى كان يعرفه بنو هاشم كما يعرفه أبناء حرب أنفسهم.

فهذا ابن جعفر يقول ليزيد بن معاوية مفاخراً له بحضور أبيه معاوية : بأيّ آبائك تفاخرني ؟! أبحرب الذي أجرناه ؟ أم بأمية الذي ملكناه ؟ أم بعبد شمس الذي كفلناه ؟ فقال معاوية : لحرب بن أمية يقال هذا ؟ ما كنت أحسب أن أحداً في عصر حرب يزعم أنّه أشرف من حرب ، فقال عبد الله بن جعفر : بلى أشرف منه من كفأ إناءه عليه وجلّله بردائه ، فنهى معاوية ولده عن مفاخرة بني هاشم ، وأنّهم لا يجهلون ما علموا ، ولا يجد مبغضهم لهم سباً (١).

فاتضح من خلال ما تقدم أن ليس في شخصية حرب من دوافع مغرية تدعو الإمام علياً عليه‌السلام لأن يحب أن يكتنى باسمه ، فيبقى الحديث المزعوم الذي لم يثبت لصنّاعه ما أرادوه ، حبراً على ورق فلا يسمن ولا يغني إذا ما قرأنا ما أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (٢) بسنده عن سورة بنت مشرح قالت : كنت فيمن حضر فاطمة رضي‌الله‌عنها حين ضربها المخاض في نسوة ، فأتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : ( كيف هي ؟ ) قالت : إنها لمجهودة يا رسول الله ، قال : ( فإذا هي وضعت فلا تسبقين فيه بشيء ) قالت : فوضعت فسروّه ولغفوه في خرقة صفراء ، فجاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : ( ما فعلت ؟ ) قالت : قد ولدت غلاماً وسررته ولففته في خرقة ، قال : ( عصيتني ) قالت : أعوذ بالله من من معصية الله ومن غضب رسوله ، قال : ( ائتيني به ) فأتيته به ، فألقى الخرقة الصفراء ، ولفّه في خرقة بيضاء ، وتفل في فيه ، وألبأه بريقه ، فجاء علي رضي‌الله‌عنه فقال : ( ما سميته يا علي ؟ ) قال : سمّيته جعفراً يا رسول الله ، قال : ( لا ولكن حسن وبعده حسين ، وأنت أبو حسن الخير ) (٣).

_____________________

١ ـ نفس المصدر ٤ : ٤٣٥.

٢ ـ المعجم الكبير ٣ : ٢٣.

٣ ـ قال محقق الكتاب في الهامش : قال في المجمع ٩ : ١٧٥ ، رواه الطبراني بإسنادين في أحدهما =

٦٢
 &

فالآن حصحص الحق ، وتبيّن الصدق ، بأنّ علياً أراد تسمية ابنه الأول باسم أخيه جعفر شهيد مؤتة ، إلا أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سمّاه حسناً كما سمى الوليد الثاني حسيناً قبل أن يولد ، مما دلّ على أن الوحي الإلهي تصرّف في المقام ، فأين يكون موضع الحديث المزعوم بعد ما نقرأ حديث سورة بنت مسرح القابلة ؟

وبعد بيان زيف الحديث المزعوم من هذا الجانب ، فهل ثمة جانب آخر يريد الوضاعون الاستفادة منه ؟

نعم ، وذلك هو الجانب الأهم ، وهو الذي أخفوه أو حاولوا إخفاءه وذلك هو : إثبات ولادة المحسن السبط الثالث للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم في عهده ، وهذا الوليد الذكر هو الثالث من أبناء الإمام أمير المؤمنين من الصديقة فاطمة الزهراء عليها‌السلام.

وهذا ما سنقرأ عنه شيئاً في النقطة السادسة.

*       *      *



_____________________

= عمر بن فيروز وعمر بن عمير ولم أعرفهما ، وبقية رجاله وثّقوا. وسيأتي ( ٧٨٦ / ٢٤ ).

أقول : ولدى مراجعة الموضع المشار إليه ، وجدت الحديث كما هو إلا أن فيه اسم القابلة سودة بنت مسرح ، ولم ينبه المحقق على ذلك ، والصواب ما في الموضع الثاني ، وقد ذكرها ابن عبد البر في الاستيعاب بهامش الإصابة ٤ : ٣١٨ ، وأشار إلى الحديث المذكور باختصار.

٦٣
 &

المحسن السبط مولود أم سقط ـ السيّد محمّد مهدي السيّد حسن الموسوي الخرسان

٦٤
 &

النقطة الخامسة في كنى الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام

النقطة الخامسة : في كنى الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام :

كان من حق هذا الموضوع تقديمه في البحث على ما سيق لو كنّا نبحث عن كنى الإمام عليه‌السلام وكم هي ؟ وما هي ؟ إلّا أن بحثنا لم يكن في ذلك ، وإنما تطرقنا إليه بسبب حديث الاكتناء بأبي حرب الذي نسجه النسّاجون ، وطبّل له المهرّجون ، فحمله زوامل الاسفار والمخرّفون ولمّا انتهينا إلى تزييفه سنداً ومتناً ، لزمنا أن نعرّج على موضوع كنى الإمام عليه‌السلام ؛ لنرى هل كانت له كنى يعرف بها قبل ولادة أبنائه ؟ وبماذا كان يكنى ؟ ومن كنّاه ؟ وما هي أحب كنا إليه ؟

والجواب عن جميع هذه التساؤلات إنّما يكفي فيه البحث عن كنيته بأبي تراب دون بقية كناه كأبي الحسن وأبي الحسين أو أبي الحسنين أو أبي الرياحنتين أو أبي السبطين ، ونحو ذلك ما هو حادث بعد ولادة الأبناء له ، وإن كانت بعضها كنّاه بها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كأبي الريحانتين ، وقد سلّم بها عليه كما في حديث جابر قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « سلام عليك أبا الريحانتين ، أوصيك بريحانتي من الدنيا فعن قليل ينهد ركناك والله خليفتي عليك » ، قاله لعلي ( أبو نعيم وابن عساكر ـ عن جابر ) (١).

ولمّا كان الحديث عن كنيته ( بأبي تراب ) يستدعي معرفة الزمن الذي حصلت فيه ، وإذا عرفنا أنها وردت في أحاديث كثيرة وكانت من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد

_____________________

١ ـ كنز العمّال ١٢ : ٢٢٠.

٦٥
 &

كنّاه بها مراراً حين يراه في كل مرّة متوسداً التراب وقد أثر فيه ، فيقول له : أنت أبو تراب ، وتلك الأحاديث اختلف زمانها وتفاوتت أحداثها ، فلا بد لنا من عرضها حسب تسلسلها الزمني :

المرة الأولى في حديث المؤاخاة :

وهو حديث مستفيض نقلاً ، أخبت بصحته الحفّاظ ، وأخرجه أصحاب الحديث والسير والتواريخ ، ولا يتطرق إليه ريب ، ويكفي في روايته المصادر التالية : المعجم الكبير (١) والأوسط وهما للطبراني ، ومجمع الزوائد للهيثمي (٢) عن ابن عباس قال :

لما آخى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بين أصحابه من المهاجرين والأنصار ، فلم يؤاخ بين علي بن أبي طالب وبين أحد منهم ، وخرج مغضباً حتى أتى جدولاً فتوسّد ذراعه فسفت عليه الريح ، فطلبه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى وجده ، فوكزه برجله فقال له : قم فما صلحت أن تكون إلا أبا تراب ؟ أغضبت عليّ حين آخيت بين المهاجرين والأنصار ولم أؤاخ بينك وبين أحد منهم ؟ أما أن ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلا أنّه لا نبي بعدي ، ألا من أحبّك حُفّ بالأمن والإيمان ، ومن أبغضك أماته الله ميتة جاهلية ، وحوسب بعمله في الإسلام.

أقول : وأخرجه المتقي الهندي في كنز العمال (٣) ، والخوارزمي الحنفي في المناقب (٤) ، وابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة (٥).

_____________________

١ ـ المعجم الكبير ١١ : ٦٢.

٢ ـ مجمع الزوائد للهيثمي ٩ : ١١١.

٣ ـ كنز العمّال ١٢ : ٢٠٦.

٤ ـ المناقب : ٢٢.

٥ ـ الفصول المهمّة : ٢٢.

٦٦
 &

وهذا الحديث أخرجه ابن عساكر في تاريخه (١) بسنده عن سماك بن حرب ، قال : قلت لجابر : إنّ هؤلاء القوم ـ يعني بني أمية ـ يدعونني إلى شتم علي ، قال : وما عسيت أن تشتمه به ؟ قال : أكنيه بأبي تراب.

قال : فوالله ما كانت لعلي كنية أحب إليه من أبي تراب ، انّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم آخى بين الناس ولم يؤاخ بينه وبين أحد ، فخرج حتى أتى كثيباً من رمل فنام عليه ، فأتاه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : قم أبا تراب ، وجعل ينفض التراب عن ظهره وبردته ويقول : قم أبا تراب ، أغضبت إن أنا آخيت بين الناس ولم أواخ بينك وبين أحد ؟ قال : نعم ، فقال له : أنت أخي وأنا أخوك. وجاءت عدة أحاديث بهذا المعنى.

وإذا عرفنا أنّ المؤاخاة كانت مرّتين مرّة قبل الهجرة وأخرى بعد الهجرة بخمسة أشهر ، فإنّ تكنية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي بأبي تراب كانت في الثانية ، كما هو صريح حديث ابن عباس ؛ لذكر المؤاخاة فيها بين المهاجرين فقط ، وبناء على ذلك فتكون تكنية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأبي تراب قد وقعت بعد الهجرة بخمسة أشهر ، وهذا التحديد الزمني يعني أنّها كانت قبل ولادة الحسن أول أبنائه بأكثر من سنتين ونصف تقريباً ، لأنّ ولادة الحسن عليه‌السلام كانت في النصف من شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة.

ولئن كانت تلك المرة هي الأولى التي كنى بها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علياً بأبي تراب ، فانّها لم تكن الأخيرة ، فقد تكررّت أيضاً مرّة أخرى.

المرة الثانية في غزوة العُشيرة :

أخرج ابن عساكر في تاريخه (٢) بأسانيده عن عمار بن ياسر ، والنسائي في الخصائص (٣) عن عمار بن ياسر واللفظ له ، قال : كنت أنا وعلي بن أبي طالب

_____________________

١ ـ تاريخ ابن عساكر ( ترجمة الإمام ) ١ : ٢٣.

٢ ـ المصدر نفسه ٣ : ٢٨٥.

٣ ـ الخصائص : ٣٩.

٦٧
 &

رفيقين في غزوة العُشيرة من بطن ينبع ، فلما نزلها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أقام بها شهراً ، فصالح فيها بني مدلج وحلفاءهم من ضمرة فوادعهم ، فقال لي علي : هل لك يا أبا اليقظان أن نأتي هؤلاء النفر من بني مدلج يعملون في عين لهم ، فننظر كيف يعملون ؟ قال : قلت : إن شئت ، فجئناهم فنظرنا إلى أعمالهم ساعة ، ثم غشينا النوم ، فانطلقت أنا وعلي حتى اضطجعنا في ظل صور (١) من النخل وفي دقعاء (٢) من التراب فنمنا ، فوالله ما أهبنا إلا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يحرّكنا برجله ، وقد تربنا من تلك الدقعاء التي نمنا فيها.

فيومئذٍ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعلي : ما لك يا أبا تراب ؟ لما يرى عليه من التراب ، ثم قال : ألا أحدثكما بأشقى الناس رجلين ؟ قلنا : بلى يا رسول الله ، قال : أحيمر ثمود الذي عقر الناقة ، والذي يضربك على هذه ـ ووضع يده على قرنه ـ حتى يبلّ منها هذه ، وأخذ بلحيته.

وهذا الحديث أخرجه أحمد في مسنده (٣) ، وأخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد (٤) عن البزار ، والأسفراييني في معالم الاسلام كما في تاريخ ابن الوردي (٥) ، والديار بكري في تاريخ الخميس (٦) ، وورد في شرح المواهب للزرقاني (٧) ، ودلائل النبوة لأبي نعيم ، وليس فيه : ( قم أبا تراب ) فمن الذي حذف

_____________________

١ ـ الصور وصيران وأصوار : النخل الصغير.

٢ ـ الدقعاء : التراب اللين.

٣ ـ مسند أحمد بن حنبل ٢ : ٢٦٢ ؛ والحاكم في المستدرك ٣ : ١٤٠ ؛ والطحاوي في مشكل الآثار ١ : ٣٥١ ؛ والمتقي الهندي في كنز العمّال ١٥ : ١٢٣ ، وقال أخرجه البغوي ، والطبراني ، وابن مردويه ، وأبو نعيم ، وابن عساكر ، وابن النجار.

٤ ـ مجمع الزوائد ٩ : ١٣٦.

٥ ـ تاريخ ابن الوردي ١ : ٢١٩.

٦ ـ تاريخ الخميس ١ : ٣٦٤.

٧ ـ شرح المواهب ١ : ٣٩٥.

٦٨
 &

ذلك يا ترى ؟ وأخرجه الحسكاني في شواهد التنزيل ، والحمويني في فرائد السمطين (١) وغيرهم.

أقول : إنّ غزوة العُشيرة ـ بضم العين مصغراً بالشين وقيل بالسين المهملة آخرها هاء ـ بخلاف العسرة فهي غزوة تبوك ، أما هذه فمنسوبة لموضع بني مدلج بينبع.

وإذا رجعنا نستجوب كتب السيرة عن زمانها ، فهي تعيّن زمانها بأنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خرج إليها في جمادى الأولى أو الآخرة على رأس ستة عشر شهراً من الهجرة ، وسبب تلك الغزوات كانت وقعة بدر ، وقد ذكر الحلبي (٢) حديث تكنية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي بأبي تراب ، فعلى هذا التحديد الزمني ظهر أن التكنية كانت للمرّة الثانية ، وبعد مرور ما يقرب على سنة بعد المرة الأولى ، وأيضاً هي قبل ولادة الحسن عليه‌السلام أول أبناء الإمام بأكثر من سنة ونصف.

المرة الثالثة في المسجد النبوي الشريف :

أخرج ابن عساكر في تاريخه في ترجمة الإمام (٣) بأسانيده عن أبي حازم أنّ رجلاً جاء إلى سهل بن سعد فقال :

هذا فلان ـ لأمير المدينة ـ يدعو علياً عند المنبر ، قال : فيقول ماذا ؟ قال : يقول له : أبو تراب ، فضحك قال : والله ما سمّاه إلّا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وما كان له اسم أحبّ إليه منه ، فاستطعمت الحديث سهلاً وقلت : يا أبا عباس كيف ؟ قال : دخل علي على فاطمة ثم خرج فاضطجع في المسجد ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أين ابنُ عمّكِ ؟ قالت : في المسجد ، فخرج إليه فوجد رداءه قد سقط عن ظهره وخلص التراب إلى ظهره ، فجعل يمسح التراب عن ظهره فيقول : اجلس يا أبا تراب يا أبا تراب مرّتين.

_____________________

١ ـ فرائد السمطين ١ : ٣٨٤.

٢ ـ السيرة الحلبية ٢ : ١٢٦ ؛ وسيرة زيني دحلان بهامش الحلبية ١ : ٣٦١.

٣ ـ تاريخ ابن عساكر في ترجمة الإمام ١ : ٢٢.

٦٩
 &

وهذا الحديث أخرجه البخاري في صحيحه في أربعة مواضع بتفاوت في ألفاظه مع انتهاء إسناده إلى راوٍ واحد ، وتلكم المواضع هي :

١ ـ كتاب بدء الخلق في باب مناقب علي بن أبي طالب (١).

٢ ـ كتاب الصلاة في باب نوم الرجال في المسجد (٢).

٣ ـ كتاب الأدب في باب التكني بأبي تراب (٣).

٤ ـ كتاب الاستيذان في باب القائلة في المسجد (٤).

ورواه أيضاً في الأدب المفرد في باب من كنى رجلاً بشيء هو فيه.

ورواه الطبري في تاريخه (٥).

وأخرجه مسلم في صحيحه في مكانين :

١ ـ في باب مناقب أمير المؤمنين (٦).

٢ ـ كتاب الصلاة في باب نوم الرجل في المسجد (٧).

وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (٨).

وتوجد عدة أحاديث وردت فيها تكنية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي عليه‌السلام بأبي تراب ، ولم يذكر فيها زمان أو مكان يمكن أن نحدد على ضوئها زمان الصدور.

١ ـ فمنها حديث علي عليه‌السلام قال : طلبني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فوجدني في جدول نائماً ، فقال : ما ألوم الناس يسمونك أبا تراب ، فرآني كأنّي وجدت في نفسي من

_____________________

١ ـ صحيح البخاري ، كتاب بدء الخلق في باب مناقب علي بن أبي طالب ٥ : ١٨.

٢ ـ المصدر نفسه ، كتاب الصلاة في باب نوم الرجال في المسجد ١ : ٩٢.

٣ ـ المصدر نفسه ، كتاب الأدب في باب التكني بأبي تراب ٨ : ٤٥.

٤ ـ المصدر نفسه ، كتاب الاستيذان في باب القائلة في المسجد ٨ : ٦٣.

٥ ـ تاريخ الطبري ٢ : ١٢٤ ـ ٣٦٣.

٦ ـ صحيح مسلم ، في باب مناقب أمير المؤمنين ٧ : ١٢٤ وفيه ذكر المغاضبة.

٧ ـ صحيح مسلم ، كتاب الصلاة في باب نوم الرجل في المسجد.

٨ ـ السنن الكبرى للبيهقي ٢ : ٤٤٦.

٧٠
 &

ذلك ، فقال : قم والله لأرضينّك ، أنت أخي وأبو ولدي ، تقاتل على سنتي ، وتبرئ ذمتي ، من مات في عهدي فهو كبّر الله ، ومن مات في عهدك فقد قضى نحبه ، ومن مات يحبك بعد موتك ختم الله له بالأمن والإيمان ما طلعت شمس أو غربت ، ومن مات يبغضك مات ميتة جاهلية وحوسب بما عمل في الإسلام. أخرجه أبو يعلى في مسنده ، والسيوطي في الجامع الكبير كما في كنز العمّال (١) ، وقال البوصيري : رواته ثقات.

٢ ـ ومنها حديث أبي الطفيل قال : جاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعلي نائم في التراب ، فقال : أحق اسمائك أبو تراب ، أنت أبو تراب. أخرجه ابن عساكر في تاريخه في ترجمة الإمام (٢) ، والطبراني في معجمه الكبير والأوسط ، وعنه الهيثمي في مجمع الزوائد (٣) وقال : ورجاله ثقات.

٣ ـ ومنها ما رواه ابن هشام في سيرته بعد ذكره لحديث عمار المتقدم ، قال ابن إسحاق : وقد حدّثني بعض أهل العلم أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إنّما سمّى علياً أبا تراب أنّه كان إذا عتب على فاطمة في شيء لم يكلّمها ولم يقل لها شيئاً تكرهه إلا أنّه يأخذ تراباً فيضعه على رأسه ، قال : فكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا رأى عليه تراباً عرف أنّه عاتب على فاطمة ، فيقول : ما لك يا أبا تراب ؟

وعقّب ابن هشام على ذلك بقوله : فالله أعلم أيّ ذلك كان ، وليس في تعقيبه ما يدعونا إلى التعليق عليه إذ يبدوا أنّه لم يجزم بواحد منهما ، ولكنه لا يعدوها.

ولكن هلمّ الخطب فيما يقوله السهيلي في الروض الانف (٤) ، وهو في شرح سيرة ابن هشام ، قال السهيلي وقد ذكر الحديثين الأولين في تكنية علي بأبي

_____________________

١ ـ كنز العمّال ١٢ : ٢٠٦.

٢ ـ تاريخ ابن عساكر في ترجمة الإمام ١ : ٢٤.

٣ ـ مجمع الزوائد للهيثمي ٩ : ١٠١.

٤ ـ الروض الأنف للسهيلي ٢ : ٥٨.

٧١
 &

تراب : وأصحّ من ذلك ما رواه البخاري في جامعه ، وهو أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وجده في المسجد نائماً ، وقد ترب جنبه فجعل يحث ـ كذا في النسخة ولعل الأصوب يحتّ بالمثناة ـ التراب عن جنبه ويقول : قم أبا تراب ، وكان قد خرج إلى المسجد مغاضباً لفاطمة.

وهذا معنى الحديث ، وما ذكره ابن إسحاق عن حديث عمار مخالف له إلا أن يكون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كنّاه بها مرّتين ، مرّة في المسجد ومرّة في هذه الغزوة ، فالله أعلم.

أقول : ونحن قد ذكرنا مواضع الحديث في صحيح البخاري ، وأنّه ذكره في أربعة مواضع من جامعه ، وأشرنا إلى أنّه لم تتفق صور رواياته للحديث على صورة واحدة ، مع أنّها عن راوٍ واحد ، وهو أبو حازم عن سهل بن سعد ، مما يكشف عن عدم دقة البخاري في نقله ، ومع ذلك التفاوت في روايات البخاري ، فراجع وقارن بين ما حكاه السهيلي عن البخاري ، وبين ما هو موجود في الجامع الصحيح ، فسوف تجده لا يتفق مع أيّ صورة منها.

نعم ، لقد تخلّص السهيلي بلباقة حيث قال موهماً : وهذا معنى الحديث ! فهل يعني أنّ ما حكاه عن البخاري كان نقلاً بالمعنى لما رواه البخاري ؟ وكان عليه أن يعيّن الرواية التي أرادها ، ومهما يكن ذلك فلا يهمنا تفسيره ، ونتركه له ولقومه.

ذكر الزرقاني في شرح المواهب (١) ما قاله السهيلي ، وما ذكره غيره كابن حجر الذي أبى وأصرّ إلا أن تكون التكنية مرّة واحدة ، وقال بامتناع الجمع بين ما جاء في حديث المؤاخاة في حديث عمار ، وبين ما جاء في حديث سهل بن سعد ، ثم قال : ولم يظهر من تعليله امتناع الجمع فإنه ممكن بمثل ما جمعوا به بين الحديثين قبله ، فيكون كنّاه ثلاث مرّات :

أولها : يوم المؤاخاة في المسجد.

_____________________

١ ـ شرح المواهب للزرقاني ١ : ٣٩٦.

٧٢
 &

وثانيها : في هذه الغزوة في نخل بني مدلج.

وثالثها : بعد بدر في المسجد لما غاضب الزهراء ( ؟ ) وإنما يمتنع لو قال في رواية الصحيحين أنه أول يوم كنّاه فيه كما ادعى ابن القيّم.

أقول : أتدري لماذا يصرّ القوم على الالتزام بما جاء في صحيح البخاري في المقام ؛ لأنّه ذكر في رواياته أن سبب خروج علي إلى المسجد كان مغاضبته الزهراء ، وبذلك يكون علي قد أغضب فاطمة ، ومن أغضب فاطمة أغضب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومن أغضب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد أغضب الله ، ومن أغضب الله فقد باء بغضبٍ منه وعذاب أليم ؟!

فتكون النتيجة أنّ علياً ما دام مغاضباً للزهراء فهو لا يستحق الولاية ، لأنّ الله سبحانه يقول في آخر سورة الممتحنة : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ) (١) وهذا هو بعض المطلوب لمن لا يخفى نصبه وعناده.

ولنترك البخاري وأحاديثه ومن هلج في تركاضه وراءه ، فيكفي في رد فرية المغاضبة نفس حديث التسمية بأبي تراب ، فإذا عرفنا أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الذي سمّاه بأبي تراب ـ كما مرّ في حديث ابن عباس وحديث عمّار ـ عرفنا لماذا كان علي يعتزّ بذلك ، ولم يكن أحبّ إلى علي من ذلك الاسم ، كما في حديث سهل بن سعد وجابر ؛ لأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سمّاه به دون غيره ، وعرفنا كذلك أيضاً لماذا كان بنو أمية ينتقصون علياً بذلك الإسم منذ حياته وحتى بعد وفاته ، لأنّهم كانوا يحسدونه وينفذون من وراء سبّه إلى سبّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهذا ما أدركه غير واحد من الحفاظ.

فمنهم الحاكم ابن البيع فقد قال : كان بنوا أمية تنقص علياً عليه‌السلام بهذا الاسم الذي سمّاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ويلعنوه على المنبر بعد الخطبة مدة ولايتهم ، وكانوا

_____________________

١ ـ الممتحنة : ١٣.

٧٣
 &

يستهزئون به ، وانّما استهزأوا الذي سمّاه به ، وقد قال الله تعالى : ( قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ) الآية (١).

ومنهم الحافظ سبط ابن الجوزي ، قال في التذكرة (٢) معقباً على قول الحاكم وقد ذكره : والذي ذكره الحاكم صحيح ، فإنّهم يتحاشون من ذلك ، بدليل ما روى مسلم عن سعد بن أبي وقاص أنّه دخل على معاوية بن أبي سفيان فقال : ما منعك أن تسبّ أبا تراب ، الحديث (٣).

ومنهم أبو رياش قال في شرحه على هاشميات الكميت (٤) كما سيأتي : فجعل ذلك بنو أمية من حسدهم ذماً له رضي‌الله‌عنه. انتهى.

والشواهد على ذلك كثيرة ، ويكفي أنّ بني أمية كانوا إذا غضبوا على الرجل لموالاته لعلي قالوا له : ترابي. فهذا معاوية ـ وهو أول من سنّ السبّ لعلي بذلك ـ قال لعبد الله الحضرمي ، وقد أرسله إلى البصرة فأوصاه بقوله : ودع عنك ربيعة فلن ينحرف عنك أحد سواهم لأنّهم كلهم ترابية (٥).

وجاء في تاريخ ابن الأثير (٦) في ذكر سرية أرسلها معاوية بقيادة زهير بن مكحول العامري لتغير على أطراف السماوة ، وبلغ الإمام علي عليه‌السلام فأرسل سرية بقيادة الحلّاس بن عمير لردّ عادية الغزاة ، جاء في تلك الحادثة قول الغزاة لراع هناك : أين أخذ هؤلاء الترابيون ؟

_____________________

١ ـ التوبة : ٦٥ ـ ٦٦.

٢ ـ تذكرة الخواص : ٤.

٣ ـ صحيح مسلم ٧ : ١٢٠.

٤ ـ شرح هاشميات الكميت : ٣٦.

٥ ـ تاريخ ابن الأثير ٣ : ١٦٥.

٦ ـ المصدر نفسه ٣ : ١٦٥.

٧٤
 &

وجاء في حديث الحجاج مع الحسن البصري ، وقد سكت عن الخوض في سب الإمام : ترابي عراقي (١).

ويكفي في شيوع ذلك اللقب على الشيعة ما جاء في مختصر فتح رب الأرباب بما أهمل في لب الألباب من واجب الأنساب (٢) : ( الترابي ) إلى أبي تراب كنية أمير المؤمنين ـ كرّم الله وجهه ـ وهو في أيام بني أمية من يميل إلى أبي تراب المذكور ، وعلى ذلك جاء قول الكميت بن زيد الأسدي (٣) :

وقالوا ترابيّ هواه ورأيه

بذلك أدعى فيهم وألقّب

على ذلك أجرياي فيكم ضريبتي

ولو أجمعوا طُراً عليّ وأجلبوا

نعود فنقول : إذا عرفنا جميع ذلك فهل يبقى مجال لمجرد التوهم ـ فضلاً عن الظن واليقين ـ أن علياً أحبّ أن يكتني بأبي حرب ، وهو الذي كانت كنيته أبا تراب ، وكنّاه بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكانت أحبّ كناه إليه ؟ يا ترى ما الذي حدث لأن يحب ثانياً غير حبه الأول ؟ وهل أبقى الحب الأول مكاناً ليحب ثانياً أن يكتني بأبي حرب ؟

نعم ، اللهمّ إلّا أن يطرأ طارئ فيزيل الحب الأول عن مكانه ، وهذا لم يحدث أبداً ، إذن ما الذي حدث حتى ذكروا أنّه أحب حرباً وأحب أن يكتني بأبي حرب ؟ إنّ كل ما حدث هو أنّ الحكام الأمويين اتخذوا بطانة سوء ، تضع لهم ما يشاؤون من أحاديث بحسب أهوائهم ، فكان حديث حبّ الاكتناء بأبي حرب من بعض تلك المفتريات.

_____________________

١ ـ شواهد التنزيل للحسكاني ١ : ٩٤ ـ ٩٥.

٢ ـ مختصر فتح رب الأرباب : ١٠.

٣ ـ الهاشميات : ٣٦ ـ ٣٧.

٧٥
 &

أولاً : فهم بهذا الحديث قد رفعوا بضبع جدهم حرب إلى أن جعلوا مثل الإمام يحب أن يكتني به.

ثانياً : بهذا الحديث قد ضيّعوا فضيلة للإمام علي ، وهي كنيته بأبي تراب التي كنّاه بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكانت أحبّ كناه إليه.

ثالثاً : وهم بهذا الحديث قد تزيدوا وتزايدوا في انتقاص الإمام ، إذ اختلقوا له سبباً هو مغاضبة الزهراء عليها‌السلام ، وبذلك يكون علي ممّن أغضب فاطمة ، ومن أغضبها فقد أغضب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما مرّت الإشارة إلى ذلك.

كل ذلك رواه لهم رواة السوء ، وأثبته من جاء بعدهم في كتبهم أمثال البخاري ممّن لا يخفى نصبه وعناده.

رابعاً : جعلوا من حديث الاكتناء بأبي حرب دليل اثبات على ولادة المحسن السبط عليه‌السلام على عهد جده النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهذا هو بيت القصيد في معزوفة الأمويين ، وزادوا في الطين بلّة أن تقوّلوا على الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام بأنه قال : « أما حسن وحسين ومحسن فإنّما سمّاهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وعقّ عنهم ، وحلق رؤوسهم ، وتصدّق بوزنها ، وأمر بهم فسرّوا وختنوا ».

وهذا ما أخرجه الطبراني وابن عساكر فيما نقله عنهما المتقي الهندي في كنز العمّال (١) ، وبذلك يكون الستار قد أسدل على جريمة قتله سقطاً ، وهو حمل لم تكتمل شهور حمله.

وهذا هو المطلوب للأمويين وأشياعهم ، ولسوف نقرأ في النقطة السادسة أنّ هذا ما وراء الأكمة.

وقبل أن أودّع القارئ في حديثي عن كنية الإمام بأبي تراب أحب له أن يقرأ ما قاله أمير الشعراء أحمد شوقي حين يخاطب الإمام بكنيته تلك ، ويستعرض

_____________________

١ ـ كنز العمال ١٦ : ٢٦٨.

٧٦
 &

بأسى ومرارة ما لاقاه من أولئك الذئاب على حد تعبيره ، فاقرأ ما يقوله في كتابه دول العرب وعظماء الإسلام (١) :

ما لك والناس أبا تراب

ليس الذئاب لك بالأتراب

هم طرّدوا الكليم كل مطردِ

وأتبعوا عصاه بالتمرّدِ

وزيّن العجل لهم لما ذهب

وافتتنوا بالسامريّ والذهب

وبابن مريم وشوا ونمّوا

واحتشدوا لصلبه وهمّوا

وأخرجوا محمداً من أرضه

وسرحت ألسنهم في عرضه

إلى أن قال :

وهب من لحقّك اختلس

وفجعوك بالصلاة في الغلس

واشرقوا الحسين بالدماء

ملوّحاً بين عيون الماء

فاسم سمّو الزاهد الحواري

في درجات القرب والجوار

إن زال مُلك الأرض عنك من مَلَك

يا طول مُلكٍ في السماء تم لك

*       *      *

_____________________

١ ـ دول العرب وعظماء الإسلام : ٥٨.

٧٧
 &

المحسن السبط مولود أم سقط ـ السيّد محمّد مهدي السيّد حسن الموسوي الخرسان

٧٨
 &

النقطة السادسة ماذا وراء الأكمة ؟

النقطة السادسة : وأخيراً ـ لا آخراً ـ ماذا وراء الأكمة من تعتيم وظلمة لتضليل الأمة ؟

لقد سبق منّا في استعراض البيانات السابقة ما انتهينا إليه من النتائج التالية ، ففي البيان الأول قرأنا :

كشفاً بمصادر الحديث المزعوم في حب علي أن يكتني بأبي حرب ، واستعرضنا اختلاف صوره والتفاوت تزيّداً ونقصاناً في حديث الراوي الواحد في المصادر.

وقرأنا في البيان الثاني حال رجال الاسناد ، وما قاله أئمة الجرح والتعديل منهم ، وانتهينا إلى زيف حالهم ، وقرأنا في البيان الثالث عن متن الحديث النقاط الخمس الآتية ، فكانت النتائج كما يلي :

في النقطة الأولى حول تحقيق اسم ( حرب ) وهل هواسم معنى أم أسم علم ؟ وأنّ المطلوب لصنّاعي الحديث هو الثاني.

وفي النقطة الثانية كان التحقيق في اسم ( حرب ) هل كان محبوباً أو مبغوضاً ، وانتهينا إلى أنّ اسم حرب من الأسماء المبغوضة.

وفي النقطة الثالثة بحثنا عن السرّ وراء إصرار الإمام على التكنية بأبي حرب مع أنّه اسم مبغوض شرعاً ، وما يعني منه ذلك الإصرار المزعوم ـ إن صدق رواة

٧٩
 &

الأخبار ـ وانتهينا إلى أنّ سماسرة الوضاعين أرادوا تشويه تاريخ الإمام باثبات مخالفاته ـ كما يزعمون ـ لما جاء عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وفي النقطة الرابعة استعرضنا تاريخ حرب وآل حرب ، ومواقفهم من علي وآباء علي مما لا يمكن تصديق أن يكون علي يحب أن يكتنى باسم عدو لدود هو وآله لعلي وآله.

وفي النقطة الخامسة بحثنا موضوع كنى الإمام ، وهل كانت له كنية قبل أن يولد له ولد فيكنّى به ؟ وأثبتنا أنّه كان يكنّى بأبي تراب ، وهي كنيته لم يعرف بها أحد سواه ، وهي كانت من أحبّ كناه إليه ، لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الذي كنّاه بها ، كما أنّها كانت من أبغض كناه إلى أعدائه ، فكان بنو أمية يستهزئون بها ، ويعيّرون شيعته بها ، ويأمرون بسبّه بها.

وما حديث سهل بن سعد الساعدي إلا في ذلك ، قال أبو الفرج في مقاتل الطالبيين (١) : وذكر سهل بن سعد الساعدي أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كنّاه بأبي تراب ، وكانت من أحبّ ما يكنّى به إليه ، وكانت بنو أمية دعت سهل إلى أن يسبّه على المنبر ، ثم ساق أبو الفرج حديث سهل في سبب الكنية ، وفي آخره قال : وكنّا نمدح علياً إذا قلنا له أبو تراب.

وذكر أيضاً قول سهل : إن كان لأحب أسماء علي إليه أبو تراب ، وان كان يفرح أن يدعى بها ، وما سمّاه بذلك إلّا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وهذا كله ، وجميع ما مر من نقاط بالغة الأهمية ، ليس بذي بال ، إذا ما رجعنا إلى الحديث المزعوم ، ورأينا ما في غيابته وغياهبه ، من مزاعم مكذوبة تثبت

_____________________

١ ـ مقاتل الطالبيين : ٢٥ ، وانظر تاريخ بغداد ١ : ١٣٣ ، مرآة الجنان ١ : ١٠٨ ؛ ومسند أحمد ٤ : ٢٦٣ ؛ وإرشاد الساري للقسطلاني ٦ : ١٣٨ ؛ وعمدة القاري ٢٢ : ٢١٤ ؛ وصفة الصفوة ٤ : ١٤٥.

٨٠