المحسن السّبط مولود أم سقط

السيد محمد مهدي السيد حسن الموسوي الخرسان

المحسن السّبط مولود أم سقط

المؤلف:

السيد محمد مهدي السيد حسن الموسوي الخرسان


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات دليل ما
المطبعة: نگارش
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣١
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

وببالي أنّي رأيت في بعض الكتب أنّه كان حنفياً ، ومهما كان مذهبه الفقهي ، فهو معتزلي الأصول ، وصرح بذلك في قوله :

ورأيت دين الاعتزال وإنني

أهوى لأجلك كل من يتشيّع

نعم ، كان معتزلياً ولم يكن من معتدلي المعتزلة كشيوخه البغداديين ، وإن كانت بغداد سكناه ومدفنه ، فهو في شرحه نهج البلاغة كان سنياً صلباً ، ومتعصباً جداً ، ومجنّداً كل طاقاته في الدفاع عن شيوخ السلف ، وخاصة عن الشيخين بما لا يُحسنا هما الدفاع بمثله عن أنفسهما لو كانا حيين ، وسيأتي بعض ما يدلّ على ذلك في مواقف علماء التبرير ، وتعجبني كلمة صاحب ( نسمة السحر في من تشيع وشعر ) (١) حين ذكر ترجمته فقال : ( وكانت حالة عز الدين المذكور عجباً بيّناً ، هو شيعي متعصب كما في القصائد المشار إليها ـ السبع العلويات ـ إذ صار معتزلياً جاحظياً (٢) أو أصمعياً (٣) كما في أكثر شرحه ).

_____________________

١ ـ نسمة السحر ١ : ٣٤٠ ـ ٣٤٥.

٢ ـ هو أبو عثمان الجاحظ من معتزلة البصرة ، وهم أشد تعصباً للسلف من معتزلة بغداد ، حتى كان بينهما نقد ورد خصوصاً مع الجاحظ في عثمانيته ، فرد عليه الاسكافي في نقض رسالته ، وكلاهما مطبوعان بمصر.

وقد تعرض ابن أبي الحديد في شرح النهج لنقد الجاحظ ، راجع ١٣ : ٢١٩ ـ ٢٢٠ و ٢٣٥ و ٢٤٣ و ٢٥٣ و ٢٧٨ و ٢٨٥ وغيرها.

٣ ـ نسبة إلى الأصمعي وهو عبد الملك بن قريب الأصمعي ، كان من المنحرفين عن الأمام أمير المؤمنين عليه‌السلام ، روى الخطيب في تاريخ بغداد ١٠ : ٤١٩ عن أبي العيناء ، قال : كنّا في جنازة الأصمعي سنة ( ٢١٥ هـ ) ، فحدثني أبو قلابة الجرمي الشاعر وأنشدني لنفسه :

لعن الله أعظماً حملوه

نحو دار البلى على خشبات

أعظماً تبغض النبي وأهل الـ

ـبيت والطيبين والطيبات

وفي معجم الأدباء ١٢ : ١٥٣ : عن أبي العيناء ، قال لي المتوكل : بلغني أنك رافضي ؟ فقلت : يا أمير المؤمنين وكيف أكون رافضياً وبلدي البصرة ، ومنشأي مسجد جامعها ، واستاذي الأصمعي.

١٦١
 &

أقول : فمن يقرأ قوله في عينيته من السبع العلويات يجده جاز حد التعصب ، بل وحتى حد الغلو والارتفاع ، وإليك قوله :

يا برق إن جئت الغريّ فقل له

أتراك تعلم مَن بأرضك مودع

فيك ابن عمران الكليم وبعده

عيسى يقفيه وأحمد يتبع

بل فيك جبريل وميكال وإس‍

ـرافيل والملأ المقدس أجمع

بل فيك نور الله جل جلاله

لذوي البصائر يستشفّ ويلمع

فيك الإمام المرتضى فيك الو

صي المجتبى فيك البطين الأنزع

إلى أن يقول :

لو لا حدوثك قلت انّك جاعل الأ

رواح في الأشباح والمستنزع

لو لا مماتك قلت إنّك باسط الأ

رزاق تقدر في العطاء وتوسع

٢٤ ـ المحب الطبري ( ت ٦٩٤ هـ ) أبو العباس أحمد بن عبد الله شيخ الحرم المكي ، قال الذهبي : الفقيه الزاهد المحدّث كان شيخ الشافعية ومحدّث الحجاز. وقال غيره : له تصانيف كثيرة في غاية الحسن منها : الرياض النضرة في فضائل العشرة ، وذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى ، والسمط الثمين في مناقب أمهات المؤمنين ، وغير ذلك.

٢٥ ـ أبو الفدا صاحب حَماه ( ت ٧٣٢ هـ ) ، هو الملك إسماعيل بن عليّ المعروف بأبي الفدا ، أثنى عليه ابن شاكر في فوات الوفيات (١) فقال : ( الملك المؤيد صاحب حَماه ، إسماعيل بن عليّ ، الإمام العالم الفاضل السلطان ... فيه مكارم وفضيلة تامة من فقه وطب وحكمة وغير ذلك ... ) أما ابن الوردي الذي

_____________________

١ ـ فوات الوفيات ١ : ١٨٣.

١٦٢
 &

ذيل على تاريخه فقال في تتمة المختصر : ( ... وكان سخياً محباً للعلم والعلماء ، ومتفنناً يعرف علوماً ، وقد رأيت جماعة من ذوي الفضل يزعمون أنّه ليس في الملوك بعد المأمون أفضل منه ).

٢٦ ـ النويري ( ت ٧٣٣ هـ ) ، هو أبو العباس أحمد بن عبد الوهاب بن أحمد بن عبد الوهاب بن عبادة البكري النويري الشافعي ، شهاب الدين ، مؤرخ أديب مشارك في علوم كثيرة ، من تصانيفه ( نهاية الأرب في فنون الأدب ) في ثلاثين مجلداً ، ترجمه ابن حجر في الدرر الكامنة (١) ، وابن كثير في البداية والنهاية (٢) والسيوطي في حسن المحاضرة (٣) وآخرون.

٢٧ ـ الذهبي ( ت ٧٤٨ هـ ) ، هو شمس الدين أبو عبد الله ، ترجمه ابن شاكر في فوات الوفيات (٤) ، فقال : ( الشيخ الإمام العلامة الحافظ شمس الدين أبو عبد الله الذهبي ، حافظ لا يجارى ، ولافظ لا يبارى ، أتقن الحديث ورجاله ، ونظر علله وأحواله ، وعرف تراجم الناس ، وأزال الابهام في تواريخهم والإلباس ، جمع الكثير ، ونفع الجم الغفير ، وأكثر من التصنيف ... ).

وقال السيوطي في طبقات الحفاظ (٥) : ( الذهبي الإمام الحافظ ، محدّث العصر ، وخاتمة الحفاظ ، ومؤرخ الإسلام ، وفرد العصر ... ).

أقول : ومع ما قيل فيه من جمل الإطراء والثناء ، فهو شديد في تسننه ونصبه كشيخه ابن تيمية ، إن لم يزد عليه فهو مثله في تكذيب أحداث

_____________________

١ ـ الدرر الكامنة ١ : ١٩٧.

٢ ـ البداية والنهاية ١٤ : ١٦٤.

٣ ـ حسن المحاضرة ١ : ٣٢٠.

٤ ـ فوات الوفيات ٢ : ١٨٣.

٥ ـ طبقات الحفاظ : ٥٢١.

١٦٣
 &

الهجوم والإسقاط ، كما سيأتي ذلك عنه في الفصل الثالث في ( نصوص ثابتة يجب أن تقرأ بامعان ) كما يأتي عنه ما ينسف تكذيبه من روايته قول محمّد بن أحمد بن حماد الكوفي ، في ابن أبي دارم الكوفي وقد حضره ورجل يقرأ عليه : إنّ عمر رفس فاطمة حتى أسقطت بمحسن ، ولم يعقب عليه بشيء.

٢٨ ـ الصفدي ( ت ٧٦٤ هـ ) ، هو الصلاح خليل بن أيبك الصفدي ، ترجمه ابن حجر العسقلاني في الدرر الكامنة (١) ترجمة وافية ، فذكر فيها شيوخه ومنهم الذهبي وابن كثير والحسيني ، ونقل عن الذهبي أنّه قال في حقه : ( الأديب البارع الكاتب ، شارك في الفنون ، وتقدم في الإنشاء ، وجمع وصنف ) ، وقال أيضاً : ( سمع منّي وسمعت منه ، وله تواليف وكتب وبلاغة ) إلى غير ذلك مما حكاه ابن حجر في ترجمته.

والصفدي ذكر باختصار ما كان يجري في مجلس الحافظ البلخي في كتابه الوافي بالوفيات (٢) ، وسيأتي ذلك في الفصل الثالث إن شاء الله تعالى.

٢٩ ـ ابن كثير ( ت ٧٧٤ هـ ) ، هو أبو الفداء عماد الدين إسماعيل بن عمر بن كثير البصري الدمشقي الشافعي ، محدث ، مؤرّخ ، مفسر ، فقيه ، تأثر بشيخه ابن تيمية كثيراً ، فكان معه حياً ودفن معه ميتاً.

له عدة تصانيف منها : تفسير القرآن العظيم وهو مطبوع ، وله البداية والنهاية في التاريخ مطبوع في ١٤ مجلداً ، وله نهاية النهاية في جزئين ، وله جامع المسانيد وهو كتاب كبير جمع فيه أحاديث الكتب الستة والمسانيد الأربعة ، وله السيرة

_____________________

١ ـ الدرر الكامنة ٢ : ٨٧.

٢ ـ الوافي بالوفيات ٣ : ٣٤٤.

١٦٤
 &

النبوية في أربعة أجزاء مطبوعة إلى غير ذلك ، وقد ترجمه ابن حجر في الدرر الكامنة (١) ، وابن العماد الحنفي في شذرات الذهب (٢) وغير ذلك.

وهذا له مواقف ناصبية معلنة في أحداث السقيفة وما بعدها ، ستأتي بعض النصوص نقلاً عن كتابه البداية والنهاية في الفصل الثالث ، وكذا عن كتابه السيرة النبوية.

٣٠ ـ نور الدين الهيثمي ( ت ٨٠٧ هـ ) ، هو أبو الحسن عليّ بن أبي بكر بن سليمان الهيثمي الشافعي ، محدث حافظ ، رافق الحافظ العراقي في السماع ولازمه ، له عدة تصانيف منها : ( موارد الظمآن في رواية صحيح ابن حبان ) وهو مطبوع ، و ( مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ) أيضاً مطبوع ، و ( البغية في ترتيب أحاديث الحلية ) مطبوع.

٣١ ـ ابن الشحنة ( ت ٨١٥ هـ ) ، هو أبو الوليد محمّد بن محمّد بن محمّد بن محمود الحلبي الحنفي المعروف بابن الشحنة ، فقيه ، أصولي ، مفسر ، فرضي ، أديب ، ناظم ، نحوي ، مؤرّخ ، أفتى ودرس وتولّى قضاء الحنفية بحلب ثم بدمشق ، له عدة مؤلّفات منها : ( روض المناظر في علم الأوائل والأواخر ) مطبوع على هامش تاريخ الكامل لابن الاثير (٣) ط بولاق بمصر. ترجمه السخاوي في الضوء اللامع (٤) ، وابن العماد الحنبلي في شذرات الذهب (٥) ، والشوكاني في البدر الطالع (٦) وغيرهم.

٣٢ ـ ابن حجر العسقلاني ( ت ٨٥٢ هـ ) ، قال الشوكاني في البدر الطالع (٧) : ( الحافظ الكبير الشهير ، الإمام المتفرد بمعرفة الحديث وعلله في الأزمنة

_____________________

١ ـ الدرر الكامنة ١ : ٣٧٣ ـ ٣٧٤.

٢ ـ شذرات الذهب ٦ : ٢٣١ ـ ٢٣٢.

٣ ـ الكامل لابن الأثير : ١١ ـ ١٢.

٤ ـ الضوء اللامع ١٠ : ٣ ـ ٦.

٥ ـ شذرات الذهب ٧ : ١١٣ ـ ١١٤.

٦ ـ البدر الطالع ٢ : ٢٦٤ ـ ٢٦٥.

٧ ـ المصدر نفسه ١ : ٨٧.

١٦٥
 &

المتأخرة ... وشهد له بالحفظ والاتقان القريب والبعيد ، والعدو والصديق ، حتى صار اطلاق لفظ ( الحافظ ) عليه كلمة اجماع ... ).

وقد كتب تلميذه السخاوي كتاباً في ترجمته سمّاه ( الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر ). وقال السيوطي في طبقات الحفاظ (١) : ( ابن حجر شيخ الإسلام ، وإمام الحفاظ في زمانه ، حافظ الديار المصرية بل حافظ الدنيا مطلقاً ... وقد غلق بعده الباب ).

هذا شيء عن ترجمته ، وقد زاد على الذهبي فيما ذكره في ترجمة ابن أبي دارم بما ذكره في ترجمة محمّد بن عبد الله الواعظ البلخي ، وسيأتي ذلك في الفصل الثالث في نصوص يجب أن تقرأ بإمعان.

٣٣ ـ جلال الدين السيوطي ( ت ٩١١ هـ ) ، هو أبو الفضل عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمّد بن أبي بكر ، الخضيري الأصل الطولوني المصري الشافعي ، عالم مشارك في أنواع من العلوم.

له مؤلفات كثيرة ، استقصى الداودي مؤلفاته فنافت عدتها على خمسمائة مؤلّف ، فمنها ما بلغ عدة أجزاء كالجامع الكبير ، والدر المنثور في التفسير بالمأثور ، ومنها ما لم يتجاوز عدة أوراق ، راجع مصادر ترجمته في معجم المؤلفين لعمر رضا كحالة (٢).

٣٤ ـ المتقي الهندي ( ت ٩٧٥ هـ ) ، وهو عليّ بن حسام الدين بن عبد الملك الجونيوري الهندي ، فقيه ، محدث ، واعظ ، مشارك في بعض العلوم ، أقام بمكة ومات بها ، له تصانيف منها كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال ، طبع في الهند وغيرها مكرراً ، وله المنتخب منه طبع بهامش مسند أحمد بن حنبل ( الطبعة الأولى بمصر ) وله غير ذلك.

*       *      *

_____________________

١ ـ طبقات الحفاظ : ٥٥٢.

٢ ـ معجم المؤلفين ٥ : ١٢٩ ـ ١٢١.

١٦٦
 &

٣ ـ نظرة في المصادر :

إنّما يكون اعتماد الباحث على المصدر الذي يرجع إليه في التصديق لما فيه ، إما من توثيق خارجي كأن يوثقه أهل الخبرة من الاعلام ، أو من اتساق بين مرويّاته مع مرويات الآخرين ممّن يوثق بهم ، فتحصل القناعة الكافية بصحة المروي في المصدر.

ونحن الآن إذا رجعنا إلى المصادر التي ذكرت الأحداث التي صاحبت سقوط المحسن السبط السقط ، نجد الإتساق بين مروياتها جميعاً إجمالاً ، وإن تفاوتت في التفصيل ، كما سيأتي عرض النصوص المنقولة عنها في الفصل الثالث ، والإتساق والاتفاق عنصر مهم في توثيق الحَدَث ، وربما كان أقوى من توثيق عالم واحد لكتاب واحد ، فالاتساق مضموناً يعني الاتفاق رواية ، وتصديق بعضٍ بعضاً.

بقي علينا التحقق من صحة نسخة المصدر ونسبتها إلى صاحبه ، ليتم التوثيق والاتساق ، وحينئذٍ تحصل الثقة فيتم الاستدلال.

والآن إلى مرور عابر على بعض المصادر التي سنقتطف منها نصوصاً نستدل بها على فظاعة الأحداث يوم سقوط ( المحسن السبط السقط ) أول ضحايا العنف في أحداث السقيفة ، أو اختلفت روايتها عن مؤلفيها ، لوقوع ذلك في ضمن جملة من المصادر ، وعلى سبيل المثال كصحيح البخاري ، وحسبنا « دليلاً ظاهراً » ، الاطلاع على طبعة بولاق التي سودت هوامشها باختلاف النسخ حسب رموز رواتها ، وهذا ما يسبب عناء للباحث ، ويثير الشكوك ، ويرفع أصابع الإتهام مشيرة إلى أكثر من واحد ، إلى الراوي ؟ إلى الناسخ ؟ إلى المحقق ؟ إلى الناشر ؟ وكل

١٦٧
 &

هؤلاء أطراف تحوم حولهم الشبهة ، ولذلك كان علينا أن نلقي نظرة عابرة على بعض المصادر التي سننقل عنها بعض النصوص في رسالتنا هذه عن السيد ( المحسن السبط ).

١ ـ كتاب سيرة ابن هشام ، فقد اختان صاحبها ضميره حين أخفى ـ رهبة أو رغبة ـ بعض الحقائق ، وقد مرّت الإشارة إلى حذفه اسم العباس من قائمة أسرى بدر ، وما صنعه ابن هشام في سيرة ابن إسحاق.

٢ ـ كتاب طبقات ابن سعد ، وهذا الكتاب لم يصل إلينا كاملاً في طبعاته الأولى ، ومع ذلك فثمّة فيه نصوص نافعة ستأتي في الفصل الثالث.

٣ ـ كتاب ( المصنف ) لابن أبي شيبة ، وهذا الكتاب تلاعبت الأهواء في المنقول عنه في جملة من المصادر التي روت الحدث بسنده ، كما ستأتي الإشارة إليه.

٤ ـ كتاب ( المعارف ) لابن قتيبة ، تلاعبت رواته عن مؤلفه ، فاختلفت رواية تلاميذ ابن قتيبة لكتابه ( المعارف ) فضاعت منه نصوص منقولة عنه ، ولم نقف عليها فيما وصلت إلينا من نسخه ، إلّا أنّ مصادر ثانوية نقلت ذلك أو أشارت إليه.

وسيأتي مزيد بيان عن ذلك في آخر الرسالة في الملحق الثاني ، وفيما يتعلّق بموضوع رسالتنا ( المحسن السبط مولود أم سقط ) وجدنا ابن قتيبة معدوداً في كل فصل من الفصول الثلاثة من الباب الثاني كما مر.

ففي الفصل الأول : كان معدوداً مع الّذين ذكروا ( المحسن ) ولم يذكروا عن موته شيئاً ، فقد ورد في كتاب المعارف (١) ذكره معدوداً مولوداً.

وفي الفصل الثاني صار ابن قتيبة مذكوراً مع الّذين ذكروا ( المحسن ) مولوداً ومات صغيراً ، كما مرّ لما ورد في كتاب المعارف أيضاً (٢).

_____________________

١ ـ كتاب المعارف : ٢١٠.

٢ ـ المصدر نفسه : ٢١١.

١٦٨
 &

وفي الفصل الثالث كان ابن قتيبة معدوداً مع الّذين ذكروا ( المحسن ) وأنه مات سقطاً ، كما مر ، وهذا ما لم نجده في المطبوع من كتاب المعارف سواء المحقق منه أو غير المحقق ، فمن الذي غص بذكر النص فابتلعه على مضض ؟!

ولدى التحقيق وجدنا الرواة لكتاب المعارف عن مؤلفه ابن قتيبة ، هم الّذين يتحملون قسطاً من الوزر في موضوع ( المحسن ) ، كما ستأتي الاشارة إليه في الملحق الخاص بكتاب ( المعارف ) أما من الذي يتحمل الوزر في حذف النص الآتي في اسقاط ( المحسن ) فذلك ما لم أقف عليه فعلاً.

والذي يجب التنبيه عليه في المقام هو توثيق ما نقل من نص في اسقاط ( المحسن ) ، لقد روى لنا الحافظ ابن شهرآشوب السروي ( ت ٥٨٨ هـ ) ، عن كتاب المعارف النص التالي : ( وفي معارف القتبي : أن محسناً فسد من زحم قنفذ العدوي ).

وهذا ما خلت عنه نسخ ( المعارف ) المطبوعة ، فبين يدي طبعتان من الكتاب ، الأولى مطبوعة سنة ١٢٥٣ هـ بدون تحقيق ، والثانية مطبوعة سنة ١٩٦٠ م بتحقيق الدكتور ثروت عكاشة ، وليس فيها النص المحكي عن المعارف ، ولمّا كان النص ذا دلالة واضحة وصريحة في الإدانة ، فليس متوقعاً أن يسلم من أيدي الخيانة.

وقد ينطق سائل : كيف نثق بصحة رواية الحافظ ابن شهرآشوب السروي وهو من شيوخ الشيعة ؟ والجواب ببساطة هو أن نقرأ توثيق الرجل على لسان غير الشيعة : كالصفدي ، وابن حجر ، والسيوطي ، والداودي وغيرهم ، فكلّهم أثنوا عليه بما هو أهله ، ولنقرأ ما قاله الصفدي في كتابه الوافي بالوفيات (١) :

( أحد شيوخ الشيعة ، حفظ أكثر القرآن وله ثمان سنين ، وبلغ النهاية في أصول الشيعة ، كان يرحل إليه من البلاد ، ثم تقدم في علم القرآن والغريب

_____________________

١ ـ الوافي بالوفيات ٤ : ١٤٦.

١٦٩
 &

والنحو ، وعظ على المنبر أيام المقتفي ببغداد ، فأعجبه وخلع عليه ، وكان بهيّ المنظر ، حسن الوجه والشيبة ، صدوق اللهجة ، مليح العبارة ، واسع العلم ، كثير الخشوع والعبادة والتهجد ، لا يكون إلّا على وضوء ، أثنى عليه ابن أبي طي في تاريخه ثناء كثيراً ... ).

ولم نذكر باقي الترجمة لطولها ، كما لا نذكر ما قاله عنه ابن حجر في لسان الميزان (١) ، والسيوطي في بغية الوعاة (٢) ، والداودي في طبقات المفسرين (٣) ، فكلّهم أثنوا عليه ثناءاً عاطراً حسناً فراجع.

إذن فمن كان بهذه المثابة من الدين والعلم ، لا يتطرق إليه الريب في حكايته ما وجده في كتاب معارف القتبي ـ كما سماه ـ من زحم قنفذ وسقوط المحسن.

ويزيدنا إيماناً بصحة ما حكاه ذلك الشيخ الجليل ، أنّ الحافظ الكنجي الشافعي (٤) صاحب كتاب ( كفاية الطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ) قد أكّد خبر الإسقاط نقلاً عن ابن قتيبة فقال : ( وهذا ـ الإسقاط ـ شيء لم يوجد عند أحد من أهل النقل إلّا عند ابن قتيبة ).

ولمّا لم يذكر الحافظ الكنجي اسم الكتاب الذي ذكر فيه ابن قتيبة ذلك ، كان من المرجح عندي هو كتاب ( المعارف ) الذي سبق للحافظ ابن شهرآشوب النقل عنه.

_____________________

١ ـ لسان الميزان ٥ : ٣١٠.

٢ ـ بغية الوعاة : ٧٧.

٣ ـ طبقات المفسرين ٢ : ٢١٠.

٤ ـ لمزيد من المعرفة بالحافظ الكنجي الشافعي تحسن مراجعة مقدمة كتابه ( البيان في أخبار صاحب الزمان ) لمحمد مهدي الخرسان ، فهي مقدمة ضافية ، كما في طبعة النجف بمطبعة النعمان ، وأوفى منها في طبعة بيروت منشورات دار الهادي.

١٧٠
 &

٥ ـ كتاب ( الإمامة والسياسة ) لابن قتيبة ، وشهرة نسبة الكتاب ـ أيّ كتاب كان ـ إلى مؤلف ما ، تستبعد عنها كثيراً من الاحتمالات المشككة ، فإذا كانت هناك مؤشرات ثبوتية بتوثيقه يقوي بعضها بعضاً تحصل القناعة لدى من يرى صحة النسبة ، أما الّذين تستحكم عندهم الشبهة ، فيبقون عند رأيهم ، وعليهم البحث حتى يثبت لهم وجه الحق ، والناس أحرارٌ في آرائهم.

ولمّا كان كتاب ( الإمامة والسياسة = تاريخ الخلفاء الراشدين ) من الكتب التي حامت حوله الشبهات ، وكادت تلفه غياهب الظلمات ، فشك غير واحد في صحة نسبته إلى ابن قتيبة ، وخلص إلى النفي بعد أن ساق عدة ملاحظات تمسك بها المشككون ، وجلّها لا بل كلّها لا تخلو من مناقشة.

وستأتي تلك الملاحظات مع المناقشات في آخر الرسالة في الملحق الثالث ، حيث ستكون النتيجة اعتماد الكتاب بعد صحة نسبته إلى ابن قتيبة ، ولا مانع من أخذ النص منه في الأحداث التي أصابت المسلمين بهلع وفزع بعد وفاة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتزامنت مع سقوط ( المحسن السبط ) لاتساق ما ورد في الكتاب مع ما ورد في المصادر الأخرى.

٦ ـ كتاب ( الاستيعاب ) لأبي عمر ابن عبد البر المالكي ، ويعتبر من أمّهات كتب التاريخ لمعرفة الصحابة ، وقد اعتمده كلّ من ابن الأثير في كتابه ( أسد الغابة ) وابن حجر في كتابه ( الإصابة ) وغيرهما ممّن بحث في تاريخ الصحابة ، وقد قال هو عن كتابه : ( ومن وقف على ما ذكرنا في كتابنا هذا من أسماء الصحابة وما تضمنه من عيون أخبارهم ، فقد أخذ بحظ من علم الخبر ومعرفة الحديث ... ) (١).

_____________________

١ ـ الاستيعاب : ١٩٧٣.

١٧١
 &

ومع هذا كلّه فالكتاب لا يخلو من هفوات وأكثر من هنات ، ومهما أحسنّا الظن بمؤلّفه الذي مرّت ترجمته ، وما قرأناه من وصفه ( كان ديّناً ثقة ... ) لكن يبقى في النفس من وصفه بذلك ريب ، إذ أنّه روى خبر التهديد بالاحراق عن زيد بن أسلم عن أبيه ... وأبوه كان مولى لعمر بن الخطاب ، وممّن حمل معه الحطب في النفر الذي أتوا إلى بيت فاطمة عليها‌السلام ، فهو من شهود الواقعة ، وعنصر المشاهدة في الرواية يزيدنا وثوقاً بها.

أقول : روى ابن عبد البر هذا الخبر عن زيد بن أسلم عن أبيه في الاستيعاب (١) ، وفيه قول عمر لفاطمة عليها‌السلام : ( ولقد بلغني أنّ هؤلاء النفر يدخلون عليك ، ولئن يبلغني لأفعلنّ ولأفعلنّ ) هكذا رواه ولم يذكر التهديد بالإحراق صريحاً ، بل كتم ذلك وكنى عنه بقوله : ( لأفعلنّ ولأفعلنّ ) وإذا رجعنا إلى بقية المصادر التي ذكرت التهديد بالإحراق صراحة ، نجدها تنقل ذلك برواية زيد بن أسلم عن أبيه ، فقد روى ذلك ابن أبي شيبة في كتابه ( المصنف ) (٢) ولفظه : ( وأيم الله ما ذاك بمانعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندك أن آمر بهم أن يحرق عليهم البيت .. ) ، ورواه غيره كما ستأتي مصادره في الفصل الثالث في نصوص يجب أن تقرأ بإمعان. فلماذا انقلب التهديد الصريح إلى تهديد مبطّن عند ابن عبد البر ، الذي أثبت بفعله مكذوب الثناء عليه ( كان ديّناً ثقة ... ) فما كان في فعله ذلك برّاً ولا تقياً.

٧ ـ كتاب ( الأموال ) لأبي عبيد ( ت ٢٢٤ هـ ) ، فقد تعمد الإيهام والاستبهام في كتابه ذلك حين روى خبر عبد الرحمن بن عوف مع أبي بكر قبل موته بخمس عشرة ليلة ، وفيه مثلثات أبي بكر نادماً على ما فعل وما لم يفعل ، فكان من

_____________________

١ ـ الاستيعاب : ٩٧٥.

٢ ـ المصنف ١٤ : ٥٦٧.

١٧٢
 &

خبره قول أبي بكر : ( أما الثلاث التي فعلتها وودت أنّي لم أفعلها : فوددت أنّي لم أكن فعلت كذا وكذا لخلة ذكرها ) قال أبو عبيد : لا أريد ذكرها.

وهذا ما جعلنا نهزأ بمن يتكتم على الحق لئلّا يظهر للناس فيعرفوا الحق لأهله ، فأبو بكر يصرّح بماذا فعله وود أنّه لم يفعله نادماً ، يأتي أبو عبيد بعد أكثر من قرنين من الزمان ، فيقول : ( لخلة ذكرها لا أريد ذكرها ) لماذا ؟ فهل أنت أحرص على أبي بكر من نفسه ؟ فهو يذكر تلك الخِلة وأنت لا تريد ذكرها ، إنّها لملكية فوق الملك ، وهذه بلية شملت آخرين من المؤرخين أشير إلى بعضهم هنا وأترك ذكر المثلثات ، إذ سيأتي تمام ذكرها في بداية الفصل الثالث في أول ( نصوص يجب أن تقرأ بإمعان ) ، موثقة رواياتها من مصادر كثيرة تناهز العشرة وربما تزيد فانتظر.

٨ ـ كتاب ( الأموال ) لحميد بن زنجويه ( ت ٢٥١ هـ ) ، وفيه ورد خبر المثلثات مرّتين ، ففي الأولى ذكر النص بسند رجال ثقات وليس في النص أيّ تلاعب ، لكن حين ذكره ثانية بسنده دون سنده في المرة الأولى ، وجدنا يكنى بـ ( كذا وكذا لشيء ذكره ؟! ).

٩ ـ كتاب ( الكامل ) للمبرد ( ت ٢٨٥ أو ٢٨٦ هـ ) ، وهذا الكتاب من عيون الكتب الأدبية ، تتخلله نكات تاريخية ، ذات دلالة يعني الباحث بها ، ومنها ذكره خبر أبي بكر المشار إليه آنفاً من دون ذكر المثلثات ، وهذا مما يؤاخذ عليه.

١٠ ـ كتاب مروج الذهب للمسعودي ، وهذا فيه مواطن تستدعي الوقوف عندها لسنا بصدد ذكرها فعلاً ، لكن ما يستدعي التنبيه عليه في خصوص ما يتعلق بالمقام ، هو رواية خبر المثلثات الآنف الذكر ، وجاء فيه :

( ومرض أبو بكر قبل وفاته بخمسة عشر يوماً ، ولمّا احتضر قال : ما آسى على شيء إلّا على ثلاث فعلتها وددت أنّي تركتها ، وثلاث تركتها وددت أنّي فعلتها ،

١٧٣
 &

وثلاث وددت أنّي سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عنها ، فأما الثلاث التي فعلتها ووددت أنّي تركتها : فوددت أنّي لم أكن فتشت بيت فاطمة ، وذكر كلاماً كثيراً ... ).

فبتر المسعودي الكلام الكثير من أبي بكر ، وانّها لبلية المؤرّخ حين يعيش أزمة الضمير الخانقة ، فهو لا يقوى ـ بجرأة وشجاعة ـ على نقل الوقائع كما هي بحذافيرها وجميع حيثياتها ، إما لغلبة العاطفة بحكم الولاء والانتماء ، أو تقية من سلطان حاكم يخشى بطشه ، أو خوفاً من هياج رعاع الناس حيث لا تحتمل نفوسهم قساوة المصارحة ، ويبدو أنّ المسعودي كان يعيش تلك الدوّامة ، فأعرض عن ذكر الكلام الكثير لأبي بكر.

وفي كتابه ما ستأتي الإشارة إليه من جناية الناشرين أو المحققين عند ذكر ما ننقله من نصوص يجب أن تقرأ بإمعان في الفصل الثالث.

١١ ـ كتاب ( إعجاز القرآن ) للباقلاني ( ت ٤٠٣ هـ ) ، وهو معروف بتعصبه ، ومن يقرأ كتابه ( التمهيد ) لا يحتاج في إثبات نُصبه إلى مزيد.

فهذا نقل في كتابه إعجاز القرآن (١) بتعليق السلفي محب الدين الخطيب : روى خبر دخول عبد الرحمن بن عوف على أبي بكر ، ولكنه بتر المثلثات كلّها جملة وتفصيلاً ، ومن الطبيعي أن لا يعلّق محب الدين الخطيب منبهاً على ذلك.

غير أنّ الكتاب أعيد طبعه في دار المعارف بتحقيق السيد أحمد صقر ، وكان بحق صقراً حيث انقضّ على ما ذكره المبرّد في تفسير بعض جمل الخبر ، وأشار في الهامش إلى ذلك ، ولم يذكر عن المثلثات المحذوفة شيئاً (٢).

كما لم يشر في الهامش إلى تاريخ الطبري والعقد الفريد اللذين ورد فيهما الخبر بتمامه وكماله مشتملاً على المثلثات ، وأحسبه فعل ذلك لئلّا يحرج نفسه ويجرح عاطفة قرّائه.

_____________________

١ ـ إعجاز القرآن : ١١٦.

٢ ـ إعجاز القرآن : ٢١٠ ـ ٢١١.

١٧٤
 &

١٢ ـ كتاب ( حلية الأولياء ) لأبي نعيم الأصبهاني ( ت ٤٣٠ هـ ) ، أطنب مترجموه في الثناء عليه حتى قال فيه ابن مردويه : كان أبو نعيم في وقته مرحولاً إليه ، لم يكن في أفق من الآفاق أحد أحفظ منه ولا أسند منه ، كان حفاظ الدنيا قد اجتمعوا عنده ، وكلّ يوم نوبة واحد منهم يقرأ ما يريد إلى قريب الظهر ، فإذا قام إلى داره ربما كان يقرأ عليه في الطريق جزؤه ، لم يكن له غذاء سوى التسميع والتصنيف ) (١).

وهذا الحافظ ممّن بتر المثلثات من حديث أبي بكر كما صنع في حلية الأولياء (٢).

١٣ ـ وعلى سبيل من مضى جرى من أتى بعدهم حتى من الباحثين المحدثين.

فهذا أحمد زكي صفوت ذكر في كتابه جمهرة خطب العرب (٣) حديث عبد الرحمن بن عوف مع أبي بكر في مرضه الذي مات فيه ، وذكر كلام من الرجلين إلّا مثلثات أبي بكر فقد بترها ، مع أنّه ذكر في مصادره تاريخ الطبري والعقد الفريد ، واعتمد عليهما في نقل الخبر ، لكنه فيما يبدو يعيش أزمة تاريخ في ذمة مؤرخ ، فاقتطع ما ذكره وترك ما لا يعجبه ذكره ، حفاظاً على قداسة الموروث.

*       *      *

_____________________

١ ـ تذكرة الحفاظ ٣ : ١٠٩٦.

٢ ـ حلية الأولياء ١ : ٣٤.

٣ ـ جمهرة خطب العرب ١ : ٧٨.

١٧٥
 &

المحسن السبط مولود أم سقط ـ السيّد محمّد مهدي السيّد حسن الموسوي الخرسان

١٧٦
 &

المحسن السبط مولود أم سقط ـ السيّد محمّد مهدي السيّد حسن الموسوي الخرسان

١٧٧
 &

١ ـ ما هي الأحداث ؟

في هذا الفصل نقرأ أولاً ما هي الأحداث ، وما ينبغي للباحث الرجوع إليه من اشتات روايات متناثرة تناثر النجوم في الأفق السحيق.

وحبذا لو كانت الروايات فقط منثورة ، ولكن العناء يزداد حين نجدها مبتورة ، وقد رواها الخلف عن السلف على ما فيها من تهويش وتشويش.

ومع ذلك كله ، فلم يصلنا من تسجيل الحدَثَ الذي يعنينا أمره في المقام ، وهو ما يتعلّق بسيدنا ( المحسن السبط ) إلّا القليل القليل ، لم يلم بجميع حيثياته ، ومع ذلك فذلك القليل المتناثر يكشف جوانباً مهمة عن الأزمات التي أحاطت بجوانب الحدَثَ ، حتى لم تستطع قوى الدفاع بكل ما لديها من قوة وحيلة دفع التساؤل ، أو تجيب على ما قيل ويقال حول ذلك الحدَثَ.

وأنّى لمن يحاول الغمغمة في الجواب أن يفعل شيئاً ، ولا يزال شريط الأنباء ـ كما يقال اليوم ـ يعيد للناس ما تحتفظ به الذاكرة من أخبار إدانة لا تحتمل التبرير ولا يلفها التحوير ، ومن ذلك ما قاله أبو بكر لعمر : ( إئتني بعليّ بأعنف العنف ) لماذا ؟

والجواب حاضر على البديهة : لأنّه لم يبايع ، ومن لم يبايع فسيلقى أقسا العقاب ، وأخيراً فعليه القتل ، هكذا تقول الروايات كما ستأتي النصوص بحذافيرها.

ومن ذلك ما جاء أنّ عمر جاء بقبس من نار ، ومعه عصابة من المهاجرين والأنصار ، ومنهم يحملون الحطب إلى بيت فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهدّد

١٧٨
 &

عمر بإحراق البيت على من فيه ، وخرجت فاطمة عليها‌السلام تدافع وتمانع ، واستنكرت فئات من الناس تهديد عمر ، وخافوا وقوع الكارثة إن نفّذ تهديده ، فقالوا له فيما ظنّوه ردعاً ومنعاً : إنّ في البيت فاطمة عليها‌السلام ، قال : وإن (١).

وجاء انّ فاطمة قالت لعمر : أتراك محرقاً عليّ بابي ؟ قال : نعم ، وذلك أقوى فيما جاء به أبوكِ ، فولولت وبكت وصاحت : يا أبتاه ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب (٢).

وجاء أنّ عمر ومن معه زحموا الباب وزخموا فاطمة ، فتلقت الرفسة والعصرة ، وأخيراً إسقاط جنينها المحسن.

وجاء أنّ الزبير ثار بسيفه فأخذوه وضربوا بسيفه على صخرة ، واقتيد إلى خارج الدار ، وسلموه بيد خالد بن الوليد.

وجاء أنّهم أخرجوا علياً وقادوه كالفحل المخشوش (٣) ، وأخرجوا من كان معه في البيت ، وكانوا جماعة بني هاشم ومن الصحابة لا يتجاوزون عدد الأصابع ، كما ستأتي أسماؤهم.

وجاء أنّ علياً أوقفوه بين يدي أبي بكر وقالوا له : بايع ، فقال : إن لم أفعل ؟ قالوا : تقتل ، فقال : تقتلون عبداً لله وأخاً لرسوله ، فقالوا : أما عبداً لله فنعم ، وأما أخا رسوله فلا.

وجاء أنّ فاطمة عليها‌السلام خرجت خلفه لتخليصه من أيدي القوم ، وارتفع صوتها تستغيث قائلة : يا أبتاه ماذا لقينا بعدك من ابن أبي قحافة وابن الخطاب.

_____________________

١ ـ تاريخ الخلفاء الراشدين ( الإمامة والسياسة لابن قتيبة ) ، كما سيأتي.

٢ ـ أنساب الأشراف ، كما سيأتي .

٣ ـ كما في كتاب معاوية وسيأتي نصه .

١٧٩
 &

وجاء أنّ أبا بكر لم يستجب لإلحاح عمر على قتل عليّ ، وقال له : أنّي لا أكرهه ما دامت فاطمة إلى جانبه.

وجاء أنّ فاطمة جاءت إلى أبي بكر تطلب ميراثها ، فردها أبو بكر بخبره المكذوب : ( إنّا معاشر الأنبياء لا نورّث ... ) ، وجاء أنّ فاطمة طالبته بالنحلة فردها ، وجاء أنّها طالبته بسهم ذوي القربى فلم يستجب لها ، وهكذا جاء أنّها هجرته مغاضبة له فلم تكلمه حتى ماتت وهي غضبى عليه (١).

*       *      *

_____________________

١ ـ ستأتي الإشارة إلى مصادرها.

١٨٠