ذكرى الشيعة في أحكام الشّريعة - ج ١

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]

ذكرى الشيعة في أحكام الشّريعة - ج ١

المؤلف:

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-103-6
الصفحات: ٤٧١

الأقطاب الأربعة

١ ـ العبادات

٢ ـ العقود

٣ ـ الإيقاعات

٤ ـ السياسات

القطب الأول : العبادات

كتاب الصلاة‌

٦١
٦٢

وأمّا الأقطاب فأربعة :

أولها : العبادات ، وهو : فعل وشبهه مشروط بالقربة. وللجهاد ونحوه غايتان ، فمن حيث الامتثال المقتضي للثواب عبادة ، ومن حيث الإعزاز وكف الضرار لا يشترط فيه التقرّب ، وما اشتمل عليه باقي الأقطاب من مسمى العبادة من هذا القبيل.

وأما الكفارات والنذور فمن قبيل العبادات ، ودخولها في غيرها تغليبا أو تبعا للأسباب.

وثانيها : العقود ، وهو : صيغة مشروطة باثنين ـ ولو تقديرا ـ لترتّب أثر شرعي.

وثالثها : الإيقاعات ، وهو : صيغة يترتّب أثرها بواحد.

ويطلق على هاتين : المعاملات.

ورابعها : السياسات ـ وتسمى : الأحكام ، بمعنى أخص ـ وهو : ما لا يتوقف على قربة ولا صيغة غالبا.

وتقريب الحصر : أنّ الحكم إمّا أن يشترط فيه القربة أو لا ، والأول العبادات ، والثاني : اما ذو صيغة أو لا ، والثاني السياسات. والأول : اما وحدانيّة أو لا ، والأول الإيقاعات والثاني العقود.

٦٣
٦٤

القطب الأول في العبادات : كتاب الصلاة :

وهي لغة : الدعاء.

قال الله تعالى ( وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ) (١).

وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « وصلّت عليكم الملائكة » (٢) ، « وإذا أكل عند الصائم صلّت عليه الملائكة » (٣).

وقال الشاعر (٤) :

..........

وصلّ على دنها وارتسم

وقال (٥) :

عليك مثل الذي صليت فاغتمضي

..........

على ان أهل اللغة أوردوا الصلاة بمعناها الشرعي جاعليه أصلا ، وجعلوها فعلة من صلّى ، أي : حرّك صلويه ، لأن المصلي يفعل ذلك ، أو من صليت العود ، أي : ليّنته ، لأن المصلي يليّن قلبه وأعضاءه لخشوعه.

وشرعا : أفعال مفتتحة بالتكبير ، مشترطة بالقبلة للقربة ، فتدخل الجنازة.

وقيل : أركان مخصوصة ، وأذكار معلومة الشرائط ، مخصوصة في أوقات‌

__________________

(١) سورة التوبة : ١٠٣.

(٢) مسند أحمد ٣ : ١٣٨ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٥٦ ح ١٧٤٧ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان ٧ : ٣٥٠ ح ٥٢٧٢.

(٣) مسند أحمد ٦ : ٣٦٥ ، سنن الدارمي في ٢ : ١٧.

(٤) ديوان الأعشى : ١٩٦. وصدره :

وقابلها الريح في دنها

..........

(٥) ديوان الأعشى : ١٠٦ ، وعجزه :

..........

يوما فان لجنب المرء مضطجعا

٦٥

مقدّرة تقربا الى الله.

ودليل وجوب ما يجب منها : قوله تعالى ( وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ ) (١).

وقوله تعالى : ( إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً ) (٢).

وقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « بني الإسلام على خمس : شهادة ان لا إله إلاّ الله ، واقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وحج البيت ، وصوم شهر رمضان » (٣).

والإجماع منعقد على وجوب : اليومية ، والجمعة ، وبعض الملتزمة.

وإجماعنا على الباقي ، وتسمى : التسبيح ، من قوله تعالى ( فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ ) (٤) ، ( وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ ) (٥). والسبحة غالبة في النفل.

ومنه قوله النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ستدركون أقواما يصلّون لغير وقتها ، فصلوا في بيوتكم ، ثمّ صلّوا معهم واجعلوها سبحة » (٦).

وقول الإمام الصادق عليه‌السلام : « فإذا زالت الشمس لا يمنعك الاّ سبحتك » (٧).

والصلاة إمّا واجبة ، أو مستحبة. والواجب سبع : اليومية ، والجمعة ، والعيدين ، والآية ، والطوافية ، والجنازة ، والملتزمة بسبب من المكلّف.

وفضلها ظاهر. قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « انّ عمود الدين‌

__________________

(١) سورة البقرة : ٤٣.

(٢) سورة النساء : ١٠٣.

(٣) مسند أحمد ٢ : ١٢٠ ، صحيح البخاري ١ : ٩ ، صحيح مسلم ١ : ٤٥ ح ١٦ ، الجامع الصحيح ٥ : ٥ ح ٢٦٠٩ ، سنن النسائي ٨ : ١٠٧.

(٤) سورة الروم : ١٧.

(٥) سورة ق : ٣٩.

(٦) مسند أحمد ١ : ٣٧٩ ، سنن ابن ماجة ١ : ٣٨٩ ح ١٢٥٥ ، سنن النسائي ٢ : ٧٦ ، السنن الكبرى ٣ : ١٢٧.

(٧) الكافي ٣ : ٢٧٥ ح ١ ، التهذيب ٢ : ٢ ح ٥٦ ، الاستبصار ١ : ٢٦٠ ح ٩٣٢.

٦٦

الصلاة » (١) ، وهو من مفهوم الحصر ، وبيانه في قوله عليه الصلاة والسلام : « وهي أول ما ينظر فيه من عمل ابن آدم ، فان صحّت نظر في عمله ، وان لم تصح لم ينظر في بقيّة عمله » ورواه عنه أمير المؤمنين علي عليه‌السلام (٢).

وشبهها أمير المؤمنين عليه‌السلام بالنهر الجاري على باب ، من يغتسل منه في اليوم والليلة خمس مرات ، فكما لا يبقى على المغتسل درن لم يبق على المصلي ذنب (٣).

وقال الصادق عليه‌السلام : « حجّة أفضل من الدنيا وما فيها ، وصلاة فريضة أفضل من ألف حجّة » (٤).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٣٧ ح ٩٣٦.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٣٧ ح ٩٣٦.

(٣) تفسير العياشي ٢ : ١٦١ ح ٧٤ ، مجمع البيان : ٢٠١ ، عن علي عليه‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وفي التهذيب ٢ : ٢٣٧ ح ٩٣٨ عن الباقر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وفي الفقيه ١ : ١٣٦ ح ٦٤٠ مرسلا.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٤٠ ح ٩٥٣.

٦٧

٦٨

وشروط الصلاة ستة في ستة أبواب :

الباب الأول : الطهارة :

وهي لغة : النزاهة من الأدناس.

وشرعا : استعمال الماء ، أو الصعيد لإباحة العبادة. وتطلق على الاستعمال للقربة وازالة الخبث مجازا ، والثلج والوحل داخلان.

فالنظر : اما في المستعمل ، وهو : المكلّف وحكمه. والمستعمل ، وهو : الماء والصعيد. والمستعمل له ومنه ، وهو : الأسباب الفاعلية كالإحداث ، والغائية كالعبادة. والاستعمال.

فهاهنا فصول أربعة‌ :

٦٩
٧٠

الفصل الأول : في المستعمل الاختياري :

وهو : الماء. قال الله تعالى ( وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً ) (١) والطهور هو المطهّر ، لقوله تعالى ( وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ ) (٢) وذلك هو المطلق ، أي : المستغني عن قيد ، الممتنع السلب.

واختصاصه بإزالة الحدث والخبث من بين المائعات إمّا تعبدا ـ أي : لا لعلّة معقولة ـ فيجب الاقتصار عليه ، أو لاختصاصه بمزيد رقة وطيب ، وسرعة اتصال وانفصال ، بخلاف غيره فإنه لا ينفك من أضدادها ، حتى أنّ ماء الورد لا يخلو من لزوجة ، وأجزاء منه تطهر عند طول مكثه ما دام كذلك.

ويعرض له أمور ثمانية :

الأول : زوال الاسم بحيث يلزم الإضافة ، كماء الدقيق والزعفران. ومن ثم لا يحنث الحالف على الماء بشربه ، فيخرج عن الطهورية ، فالمعتصر أولى بالمنع. وكذا ما لا يقع عليه اسم الماء ، كالصبغ والمرقة والحبر.

وإنّما لا يطهر المضاف ، لقوله تعالى ( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا ) (٣).

وقول الصادق عليه‌السلام : « إنّما هو الماء أو الصعيد » (٤) ، وهو للحصر.

وقول الصدوق أبي جعفر بن بابويه ـ رحمه‌الله ـ بجواز الوضوء وغسل الجنابة بماء الورد (٥) لرواية محمد بن عيسى عن يونس عن أبي الحسن عليه‌السلام (٦) ، يدفعه : سبق الإجماع وتأخره ، ومعارضة الأقوى ، ونقل الصدوق ان‌

__________________

(١) سورة الفرقان : ٤٨.

(٢) سورة الأنفال : ١١.

(٣) سورة النساء : ٤٣.

(٤) التهذيب ١ : ١٨٨ ح ٥٤٠ ، الاستبصار ١ : ١٥٥ ح ٥٣٤ ، وفيهما : « والصعيد ».

(٥) الهداية : ١٣.

(٦) الكافي ٣ : ٧٣ ح ١٢ ، التهذيب ١ : ٢١٨ ح ٦٢٧ ، الاستبصار ١ : ١٤ ح ٢٧.

٧١

محمد بن الوليد لا يعتمد على حديث محمد بن عيسى عن يونس ، واستثنى الصدوق ما انفرد به أيضا (١).

قال الشيخ أبو جعفر الطوسي ـ رحمه‌الله ـ : هي شاذة ، أجمعنا على ترك العمل بظاهرها ، وحملها على التحسين والتنظيف ، أو على مطلق مجاور الورد (٢).

وظاهر الحسن بن أبي عقيل ـ رحمه‌الله ـ حملها على الضرورة ، وطرد الحكم في المضاف والاستعمال (٣).

قال الشيخ المحقق نجم الدين ـ رحمه‌الله ـ : اتفق الناس جميعا انه لا يجوز الوضوء بغير ماء الورد من المائعات (٤).

وقول المرتضى ـ قدّس الله روحه ـ برفعه الخبث ، لإطلاق ( وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ ) ، وقول النبي عليه‌السلام في المستيقظ : « لا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها » ، وكذا قولهم عليهم‌السلام : « انما يغسل الثوب من المني والدم » والمضاف يصدق عليه التطهير والغسل (٥) ، يدفعه ما ذكر ، ومعارضته بتخصيص الغسل‌

__________________

(١) حكاه عنه النجاشي في رجاله ١ : ٣٣٣.

(٢) التهذيب ١ : ٢١٩ ، الاستبصار ١ : ١٤.

(٣) مختلف الشيعة : ١٠.

(٤) في المعتبر ١ : ٨٢ بعد ان ذكر خلاف الصدوق في ماء الورد ودليله وإبطاله ، قال : فرع : لا يجوز الوضوء بماء النبيذ ، ثم ذكر خلاف أبي حنيفة فيه ، ثم أخذ في الاستدلال عليه ، وقال بعد ذلك : واتفق الناس جميعا انه لا يجوز الوضوء بغيره من المائعات.

قال الشيخ محمد حسن النجفي في جواهر الكلام ١ : ٣١٢ بعد ذكر ذلك : والظاهر أن مرجع الضمير انما هو النبيذ ، لكنه في الذكرى نقل عنه هذه العبارة بإبدال ضمير غيره بماء الورد ، ومثله في المدارك ١ : ١١٢ ولعلهما عثرا على غير ما عثرنا عليه ، أو يكون فهما منه ذلك لكونه في معرض الرد على أبي حنيفة.

(٥) حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة : ١١.

والآية في سورة المدثر : ٤٠.

والحديث الأول في : مسند أحمد ٢ : ٤٠٣ ، صحيح البخاري ١ : ٥٢ ، صحيح مسلم ١ : ٢٣٣ ح ٢٧٨ ، سنن ابن ماجة ١ : ١٣٨ ح ٣٩٣ ، سنن أبي داود ١ : ٢٥ ح ١٠٣ ، الجامع الصحيح ١ : ٣٦ ح ٢٤ ، سنن النسائي ١ : ٦.

٧٢

بالماء في قول الصادق عليه‌السلام : « وإذا وجد الماء غسله » (١) ، والمطلق يحمل على المقيد ، ولأن الغسل حقيقة شرعية في استعمال الماء.

وكذا لا يستعمل النبيذ إجماعا. ورواية عبد الله بن المغيرة بجوازه عن النبي عند عدم الماء (٢) مرسلة ، مخالفة للوفاق ، مأوّلة بتمرات يسيرة لا تغيّر الماء ، كما تضمّنته رواية الكليني عن الصادق عليه‌السلام (٣). وأفتى به الصدوق مقيدا بعدم تغيّر لون الماء (٤).

فروع :

الأول : لو تغيّر بالتراب أو الملح فأضيف إليهما لم يقدح ، لبقاء الاسم ، وعدم الإضافة ، وللأمر بتعفير الإناء بالتراب ، وجواز الطهارة بماء البحر على ما يأتي ، ولا فرق بين الملح الجبلي والمائي. وكذا لو تغيّر بورق الشجر مع بقاء الاسم.

الثاني : لو خالط الماء غير سالب الاسم ، جاز استعمال الجميع ، للاستهلاك.

الثالث : لا عبرة بالقصد في الخلط بل بالاسم ، لأن الحكم تابع له.

الرابع : لو مزج بموافقة في الصفات‌ ـ كمنقطع الرائحة من ماء الورد ـ فالحكم للأكثر عند الشيخ ، فان تساويا جاز الاستعمال (٥).

والقاضي ابن البراج يمنعه ، أخذا بالأصل والاحتياط (٦).

والشيخ الفاضل جمال الدين ـ رحمه‌الله ـ : يقدّر المخالفة ، كالحكومة في‌

__________________

والحديث الثاني سيأتي في ص ١١٢ الهامش ١ عن النبي ٦.

(١) التهذيب ١ : ٢٧١ ح ٧٩٩ ، الاستبصار ١ : ١٨٧ ح ٦٥٥.

(٢) التهذيب ١ : ٢١٩ ح ٦٢٨ ، الاستبصار ١ : ١٥٠ ح ٢٨.

(٣) الكافي ٦ : ٤١٦ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٢٢٠ ح ٦٢٩ ، الاستبصار ١ : ١٦ ح ٢٩.

(٤) الفقيه ١ : ١١.

(٥) المبسوط ١ : ٨.

(٦) المهذب ١ : ٢٤.

٧٣

الحرّ (١). فحينئذ يعتبر الوسط في المخالفة ، فلا يعتبر في الطعم حدة الخلّ ، ولا في الرائحة ذكاء المسك.

وينبغي اعتبار صفات الماء في العذوبة والرقة والصفاء وأضدادها ، ولا فرق هنا بين قلة الماء وكثرته.

ولو مزج بالمستعمل في الأكبر ، انتظم عند الشيخ اعتبار الكمية (٢) وان كان بالكر يبنى على أنّ بلوغه كرا لا يرد الطهورية ، ويمكن فيه تقدير المخالفة كالأول.

الخامس : إذا جوز استعمال المخلوط غير الغالب وجب تعيينا أو تخييرا.

لصدق اسم الماء. والشيخ : يجوز ولا يجب. لعدم وجوب تحصيل شرط الواجب المشروط (٣) وفيه منع ظاهر.

قاعدة :

ينجس المضاف بالملاقاة إجماعا. لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الفأرة تموت في السمن : « ان كان مائعا فلا تقربوه » (٤) فيحرم استعماله ، لقوله تعالى : ( وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ) (٥) إلاّ لضرورة ، للحرج.

وطهّره في المبسوط بأغلبية كثير المطلق عليه وزوال أوصافه (٦) لتزول التسمية التي هي متعلّق النجاسة.

والفاضل جمال الدين ـ رحمه‌الله ـ تارة بزوال الاسم وان بقي الوصف ، لأنّه تغيّر بجسم طاهر في أصله. وتارة لمجرد الاتصال وان بقي الاسم ، لأنّه لا سبيل‌

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ١ : ٢ ، مختلف الشيعة : ١٤.

(٢) المبسوط ١ : ٨.

(٣) المبسوط ١ : ٨.

(٤) المصنف لعبد الرزاق ١ : ٨٤ ح ٢٧٨ ، مسند أحمد ٢ : ٢٦٥ ، سنن أبي داود ٣ : ٢٦٤ ح ٣٨٤٢ ، السنن الكبرى ٩ : ٣٥٣.

(٥) سورة المدثر : ٥.

(٦) المبسوط ١ : ٥.

٧٤

إلى نجاسة الكثير بغير تغيّر بالنجاسة وقد حصل (١). والثاني أشبه.

أما الخمر ومشتدّ العصير فبالخلّية ، ويختص العصير بذهاب الثلثين ، للخبر (٢).

والأقرب في النبيذة المساواة ، لثبوت تسميته خمرا. ولو قلنا بنجاسة عصير التمر بالاشتداد ، فالأشبه أنه كالعنب.

اما غليان القدر فغير مطهر وان كانت النجاسة دما في الأحوط.

والمشهور : الطهارة مع قلّة الدم ، للخبر عن الصادق عليه‌السلام (٣) والرضا عليه‌السلام (٤) ، صحّحه بعض الأصحاب (٥) ، وطعن فيه الفاضل ـ رحمه‌الله ـ في المختلف بجهالة بعض رواته (٦). ويندفع بالمقبولية.

ونسبه ابن إدريس إلى الشذوذ ـ مع اشتهاره ـ والى مخالفة الأصل من طهارة غير العصير بالغليان (٧).

وهو مصادرة ، والخبر معلّل بان النار تأكل الدم ، ففيه إيماء إلى مساواة العصير في الطهارة بالغليان ، ولجريان مجرى دم اللحم الذي لا يكاد ينفك منه.

والحمل على دم طاهر بعيد.

العارض الثاني : زوال أحد أوصافه مع بقاء اسمه ، فان كان بطاهر لم ينجس في المشهور ، لإطلاق اسم الماء عليه ، ولعدم انفكاك السقاء أول استعماله من التغير ، ولم ينقل عن الصحابة الاحتراز منه ، ولم يستدل في الخلاف عليه بالإجماع (٨).

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ١ : ٥ ، مختلف الشيعة : ١٤.

(٢) الكافي ٦ : ٤١٩ ح ١ ، التهذيب ٩ : ١٢٠ ح ٥١٦.

(٣) الكافي ٦ : ٢٣٥ ح ١ ، الفقيه ٣ : ٢١٦ ح ١٠٠٥.

(٤) الكافي ٦ : ٤٢٢ ح ١ ، التهذيب ١ : ٢٧٩ ح ٨٢٠.

(٥) نزهة الناظر : ٢٠.

(٦) مختلف الشيعة : ٦٨٥.

(٧) السرائر : ٣٧٠.

(٨) الخلاف ١ : ٥٧ المسألة : ٧.

٧٥

وكذا لو تغير بنفسه ، وان كره الطهارة به اختيارا ، لرواية الحلبي عن الصادق عليه‌السلام في الوضوء به (١) والغسل أولى لقوته ، وازالة الخبث أحرى ، لأنّ العينية أشدّ من الحكمية.

وإن كان بنجس ، فان كان بمجرد مرور الرائحة من غير ملاقاة لم ينجس ، للأصل. وان كان بملاقاته نجس مطلقا ، لقول النبي عليه‌السلام : « خلق الله الماء طهورا ، لا ينجسه الاّ ما غير طعمه أو ريحه » (٢) ، وفي بعضها : « لونه » (٣).

وعن الصادق عليه‌السلام : « إذا تغير الماء وتغير الطعم ، فلا تتوضأ منه ولا تشرب » (٤).

وعنه عليه‌السلام : « إذا كان النتن الغالب على الماء ، فلا يتوضأ ولا يشرب » (٥).

والجعفي وابنا بابويه لم يصرحوا بالأوصاف الثلاثة ، بل اعتبروا أغلبية النجاسة للماء (٦) وهو موافقة في المعنى.

ولو توافق الماء والنجاسة في الصفات ، فظاهر المذهب بقاء الطهارة ، لعدم التغيّر ، والعلاّمة على أصله السابق (٧) وحينئذ ينبغي فرض مخالف أشد أخذا‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢١٧ ح ٦٢٦ ، الاستبصار ١ : ١٢ ح ٢٠.

(٢) تلخيص الحبير ١ : ١٠٠. ونحوه في المصنف لعبد الرزاق ١ : ٨٠ ح ٢٤٦ ، سنن الدار قطني ١ : ٢٨ ، السنن الكبرى ١ : ٢٥٩.

(٣) عوالي اللئالي ١ : ٧٦ ح ١٥٤ ، ٢ : ١٥ ح ٢٩. ونحوه في سنن ابن ماجة ١ : ١٧٤ ح ٥٢١ ، شرح معاني الآثار ١ : ١٦.

(٤) الكافي ٣ : ٤ ، التهذيب ١ : ٢١٦ ح ٦٢٥ ، الاستبصار ١ : ١٢ ح ١٩.

(٥) التهذيب ١ : ٢١٦ ح ٦٢٤ ، الاستبصار ١ : ١٢ ح ١٨.

(٦) الفقيه ١ : ١١ ، المقنع : ١١.

(٧) تقدم في ص ٧٤ ـ ٧٥ الهامش ١.

٧٦

بالاحتياط.

ولو شك في استناد التغير إلى النجاسة بنى على الأصل ، ولو ظنّه فالطهارة أقوى ، لقول الصادق عليه‌السلام : « الماء كلّه طاهر حتى تعلم أنّه قذر » (١) وحمل العلم على شامل الظن مجاز

ولا عبرة بغير الصفات الثلاثة ، لدلالة الاستثناء على الحصر ، فماء البحر طهور ، لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « الطهور ماؤه » (٢).

والثلج طهور ، فان تعذر الغسل به وأمكن الدلك وجب ، وأجزأ إن جرى. واقتصر الشيخان على الدهن (٣).

ونازع ابن إدريس بناء على فهم المسح منه (٤).

والمرتضى وسلار أوجبا التيمم بنداوته (٥).

وقول الصادق عليه‌السلام : « هو بمنزلة الضرورة يتيمم » (٦) يحتمل ذلك.

ويحتمل أن يراد التيمم بالتراب.

والظاهر : قول الشيخين ، فيقدّم على التيمم.

ولو لاقته نجاسة فكالجامد ، لعدم السريان ، وكذا الجمد ، ويطهران بالكثير مع زوال العين.

والمسخن بالنار جائز ، وهو مروي عن تقرير النبي (٧) وفعله ، وفعل الصادق‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ١ ح ٢ ، ٣ ، التهذيب ١ : ٢١٥ ح ٦١٩.

(٢) الموطأ ١ : ١٢٢ ، المصنف لابن أبي شيبة ١ : ١٣٠ ، مسند أحمد ٢ : ٣٦١ ، سنن ابن ماجة ١ : ١٣٦ ح ٣٨٦ ، سنن أبي داود ١ : ٢١ ح ٨٣ ، الجامع الصحيح ١ : ١٠٠ ح ٦٩.

(٣) المقنعة : ٨ ، النهاية : ٤٧ ، الخلاف ١ : ١ المسألة ٣.

(٤) السرائر : ٢٥.

(٥) المراسم : ٥٣ ، وحكاه عن المرتضى : ابن إدريس في السرائر : ٢٦ ، والعلامة في مختلف الشيعة : ٤٩.

(٦) الكافي ٣ : ٦٧ ، التهذيب ١ : ١٩١ ح ٥٥٣ ، الاستبصار ١ : ١٥٨ ح ٥٤٤.

(٧) السنن الكبرى ١ : ٥.

٧٧

عليه‌السلام (١).

نعم ، لو اشتدت السخونة بحيث تفضي إلى عسر الإسباغ فالأولى الكراهية ، لفوات الأفضلية.

ويكره في غسل الميت ، لنهي الصادق عليه‌السلام عنه (٢) إلاّ لضرورة الغاسل بالبرد للحرج.

والشمس في الآنية مكروه في الطهارة والعجين ، للخبر (٣) ولا فرق في الآنية ، والبلدان ، والقصد وبقاء السخونة وعدمهما (٤) للعموم.

وابن الجنيد : الكبريتي كذلك ، وابن البراج : يكره استعماله (٥).

نعم ، يكره التداوي به قطعا ، لقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « انها من فوح جهنم » (٦).

وطهر الجاري بالتدافع ، والكثير بتموّجه ان بقي كرا فصاعدا غير متغير ، والا فبإلقاء كرّ عليه متصل فكر حتى يزول تغيره. ولو عولج بغير الماء ثم به طهر ، ولو وقعا معا أمكن ذلك ، لزوال المقتضي. ولو قدّر بقاء الكر الطاهر متميزا ، وزال التغير بتقويته بالناقص عن الكر ، أجزأ.

ولا تحقق للجريات بالاستقلال في الأنهار العظيمة إجماعا ، ولا في المعتدلة عندنا. للاتصال المقتضي للوحدة. ويلزم منجس الجرية المارة على النجاسة في الجهات الأربع نجاسة جدول طوله فراسخ بغير تغير ، وهو ظاهر البطلان.

ولا يكفي زوال التغير من نفسه ، أو بتموّجه نجسا ، أو بملاقاة جسم طاهر‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٩٨ ح ٥٧٦ ، الاستبصار ١ : ١٦٣ ح ٥٦٤.

(٢) الكافي ٣ : ١٤٧ ، التهذيب ١ : ٣٢٢ ح ٩٣٧.

(٣) الكافي ٣ : ١٥ ح ٥ ، التهذيب ١ : ٣٧٩ ح ١١٧٧.

(٤) في س وط : وعدمها.

(٥) المهذب ١ : ٢٧.

(٦) المحاسن : ٥٧٩ ، الكافي ٦ : ٣٨٩ ح ١ ، الفقيه ١ : ١٤ ح ٢٥.

٧٨

ساتر ، أو مزيل للاستصحاب ، ولأنه كما لا ينجس إلاّ بوارد لا يطهر الا بوارد ، وهو إلزام. ويلزم من قال بطهارة المتمّم طهره بذلك ، وقد صرح به بعض الأصحاب (١) ، لأصالة الطهارة في الماء والحكم بالنجاسة للتغير ، فإذا زال سبب النجاسة عمل الأصل عمله.

مسائل :

الاولى : لا ينجس الجاري بالملاقاة إجماعا ، ولا يعتبر فيه الكرية في المشهور ـ لم أقف فيه على مخالف ممن سلف ـ لعدم استقرار النجاسة ، ولنص الصادق عليه‌السلام على رفع البأس عن بول الرجل في الجاري (٢).

والعلاّمة اعتبره ، لعموم اعتبار الكرية (٣). وهو يتم في غير النابع.

ويلحق به :

ماء الغيث نازلا. لحكم الصادق عليه‌السلام بطهارة الممتزج بالغيث والبول ، وقال : « ما اصابه من الماء أكثر منه » (٤).

وطينه ، لقول أبي الحسن عليه‌السلام في طين المطر : « لا بأس أن يصيب الثوب ثلاثة أيام إلاّ أن تعلم نجاسته ، وان أصابه بعد ثلاثة فاغسله ، وإن كان الطريق نظيفا لم تغسله » (٥) ويمكن حمل طين غيره عليه.

وماء الحمام بالمادة ، لنص الباقر (٦) والصادق (٧) عليهما‌السلام.

والأظهر : اشتراط كثرتها حملا للمطلق على المقيد.

__________________

(١) كابن سعيد في الجامع للشرائع : ١٨.

(٢) التهذيب ١ : ٣١ ح ٨١ ، و ٤٣ ح ١٢١ ، الاستبصار ١ : ١٣ ح ٢٣.

(٣) تذكرة الفقهاء ١ : ٢.

(٤) الفقيه ١ : ٧ ح ٤.

(٥) الكافي ٣ : ١٣ ح ٤ ، الفقيه ١ : ٤١ ح ١٦٣ ، التهذيب ١ : ٢٦٧ ح ٧٨٣ ، باختصار في الألفاظ.

(٦) الكافي ٣ : ١٤ ح ٢ ، التهذيب ١ : ٣٧٨ ح ١١٦٨.

(٧) الكافي ٣ : ١٤ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٣٧٨ ح ١١٦٩.

٧٩

وفي المعتبر : لا يشترط ، لإطلاق الخبر والعسر (١).

ولو شك في الكرية استصحب السابق.

وعلى اشتراط الكرية في المادة : يتساوى الحمام وغيره ، لحصول الكرية الدافعة للنجاسة. وعلى العدم ، فالأقرب : اختصاص الحمام بالحكم ، لعموم البلوى ، وانفراده بالنص.

الثانية : لا ينجس الكثير بالملاقاة ، وفاقا لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إذا بلغ الماء كرا لم يحمل خبثا » (٢) ـ وروي « قلتين » (٣) ـ وقول الصادق عليه‌السلام : « إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شي‌ء » (٤).

ويستعمل بأسره ، ولا يجب إبقاء قدر النجاسة ، لاستهلاكها. ولو كانت قائمة بلا تغير ، لم يجب التباعد بمقدار القلّتين ، لعدم انفعال الماء. ولو اغترف منه فنقص عن الكر ، فالمأخوذ طاهر لا ظاهر الإناء ، وتجنّبه أولى.

وقول الجعفي : وروي الزيادة على الكر ، راجع الى الخلاف في تقديره.

والمشهور : بلوغ تكسيره اثنين وأربعين شبرا وسبعة أثمان شبرا بمستوي الخلقة ، لقول الصادق عليه‌السلام في رواية أبي بصير : « إذا كان ثلاثة أشبار ونصفا في مثله ثلاثة أشبار ونصف في عمقه » (٥) و « في » للضرب ، ولأنه يلزمه ذلك.

والقميّون أسقطوا النصف (٦) ، لصحيحة إسماعيل بن جابر عن الصادق عليه‌السلام (٧). وترجّح الأولى بالشهرة والاحتياط.

__________________

(١) المعتبر ١ : ٤٢.

(٢) عوالي اللئالي ١ : ٧٦ ح ١٥٦.

(٣) مسند أحمد ٢ : ١٢ ، سنن أبي داود ١ : ١٧ ح ٦٣ ، الجامع الصحيح ١ : ٩٧ ح ٦٧ ، سنن النسائي ١ : ٤٦ مسند أبي يعلى ٩ : ٤٣٨ ح ٥٥٩٠ ، شرح معاني الآثار ١ : ١٥.

(٤) الكافي ٣ : ٢ ح ١ ، ٢ ، الفقيه ١ : ٨ ح ١٢ ، التهذيب ١ : ٣٩ ح ١٠٧ ، ١٠٨ ، الاستبصار ١ : ٦ ح ١ ، ٢.

(٥) الكافي ٣ : ٣ ح ٥ ، التهذيب ١ : ٤٢ ح ١١٦ ، الاستبصار ١ : ١٠ ح ١٤.

(٦) كالصدوق في الفقيه ١ : ٦ ، والمقنع : ١٠.

(٧) الكافي ٣ : ٣ ح ٧ ، التهذيب ١ : ٣٧ ح ١٠١ ، الاستبصار ١ : ١٠ ح ١٣.

٨٠