ذكرى الشيعة في أحكام الشّريعة - ج ١

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]

ذكرى الشيعة في أحكام الشّريعة - ج ١

المؤلف:

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-103-6
الصفحات: ٤٧١

علم مأخذه على ما لم يعلم. وتظهر الفائدة في مزاحمة اثنين على ماء مباح أو مبذول للأحوج ، فالأهم منهما يقدم.

والصدوق أطلق وجوب غسل الإحرام ، وعرفة ، والزيارة ، والكعبة ، والمباهلة ، والاستسقاء ، والمولود (١).

الثاني : لا يختص غسل الجمعة بآتيها‌ (٢) لعموم قول الرضا عليه‌السلام : « واجب على كل ذكر وأنثى ، من حر وعبد » (٣).

وقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من جاء إلى الجمعة فليغتسل » (٤) يحمل على التأكيد ، ولأن دلالة المفهوم لا تعارض المنطوق.

الثالث : قضاؤه مشروع لمن فاته لعذر وغيره ، لإطلاق الرواية (٥) وخصّه الصدوق بالنسيان والعذر (٦).

ولو قدّمه الخميس ، ثم تمكّن منه في الجمعة ، أعاد ، لسقوط البدل بالمبدل.

ولو تعارض الحال بين التعجيل والقضاء ، فالأفضل : التعجيل ، لقربه من الجمعة.

الرابع : كل غسل لزمان فهو ظرفه ، ولمكان أو فعل فقبله ، إلاّ غسل التوبة والمصلوب.

وفي التقديم لخائف الإعواز والقضاء لمن فاته نظر ، ولعلّهما أقرب ، وقد نبّه عليه في غسل الإحرام ، وفي رواية بكير السالفة (٧).

__________________

(١) الفقيه ١ : ٤٥ ح ١٧٦.

(٢) في م : بإتيانها.

(٣) الكافي ٣ : ٤١ ح ١ ، التهذيب ١ : ١١١ ح ٢٩١ ، الاستبصار ١ : ١٠٣ ح ٣٣٦.

(٤) سنن الدارمي ١ : ٣٦١ ، صحيح البخاري ٢ : ٣ ، صحيح مسلم ٢ : ٥٧٩ ح ٨٤٤‌

(٥) الكافي ٣ : ٢٣ ح ٧ ، التهذيب ١ : ١١٣ ح ٣٠٠ ، ٣٠١.

(٦) الفقيه ١ : ٦١ ، الهداية : ٢٣.

(٧) التهذيب ١ : ٣٧٣ ح ١١٤٢ ، وتقدمت في ص ١٩٨ الهامش ٢.

٢٠١

وذكر المفيد قضاء غسل عرفة (١).

الخامس : لو فقد الماء ، ففي شرعيّة التيمم نظر ، وقد ذكر في غسل الإحرام. والأصل فيه انّها للنظافة المحضة ، وان التراب طهور. وعلى قول المرتضى بأنها ترفع الحدث (٢) يقطع على استحباب التيمّم ، وتكون مبيحة للصلاة.

السادس : الظاهر : ان غسل العيدين يمتدّ بامتداد اليوم ، عملا بإطلاق اللّفظ ، ويتخرّج من تعليل الجمعة أنه إلى الصلاة ، أو الى الزوال الذي هو وقت صلاة العيد ، وهو ظاهر الأصحاب (٣).

السابع : لا فرق في استحباب الغسل للتوبة بين : الفسق والكفر ، وان كان عن ردة.

وأمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قيس بن عاصم (٤) وثمامة بن أثال (٥) ـ بضمّ أول الاسمين ـ بعد إسلامهما بالغسل محمول على الندب ، أو انه وجد منهما سبب الغسل ـ بناء على الغالب ـ والإسلام لا يسقطه ، إذ هو حدث له رافع معلوم.

الثامن : هيئة هذه الأغسال كهيئة الواجب ، فلو نذرها وجبت الهيئة كالترتيب. ولينو السبب فيها ليحصل التمييز فيها ، بخلاف الواجب ، لاختلاف الغايتين.

التاسع : الأقرب : إعادة غسل الفعل بتخلّل الحدث ، وقد ذكر في دخول مكة ـ شرّفها الله ـ وفي النوم في الإحرام. ولو أحدث في الأثناء فالإعادة أولى.

__________________

(١) الاشراف : ٤.

(٢) الناصريات : ٢٢٥.

(٣) راجع المقنعة : ٢٢ ، المبسوط ١ : ٤٠ ، النهاية : ١٣٥.

(٤) مسند أحمد ٥ : ٦١ ، الجامع الصحيح ٢ : ٥٠٢ ح ٦٠٥ ، سنن النسائي ١ : ١٠٩.

(٥) الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان ٢ : ٢٦٩ ح ١٢٣٥ ، السنن الكبرى ١ : ١٧١.

٢٠٢

مسائل أربع :

الأولى : يمكن ان يكون الوضوء معتبرا في تحقق غايتها ، لعموم حسن حمّاد ابن عثمان عن الصادق عليه‌السلام : « في كل غسل وضوء ، إلاّ الجنابة » (١) وقول الكاظم عليه‌السلام في خبر علي بن يقطين : « إذا أردت أن تغتسل للجمعة فتوضّأ واغتسل » (٢).

ويمكن ان اعتباره في العبادة المشروطة به ـ كالصلاة ، والطواف ـ لإطلاق الأمر بالغسل ، فالفاعل ممتثل.

وفي مكاتبة محمّد بن عبد الرّحمن الهادي عليه‌السلام : « لا وضوء للصلاة في غسل الجمعة ولا غيره » (٣).

وروى عمار عن الصادق عليه‌السلام في الغسل من جنابة ، أو يوم جمعة ، أو عيد ، أعليه وضوء قبل أو بعد؟ فقال عليه‌السلام : « ليس عليه قبل ولا بعد » (٤).

وفي مرسل حمّاد بن عثمان عن الصادق عليه‌السلام في الرجل يغتسل الجمعة ، أو غير ذلك ، أيجزئه عن الوضوء؟ فقال عليه‌السلام : « وأي وضوء أطهر من الغسل » (٥).

وهي دليل ابن الجنيد والمرتضى على إجزاء الغسل ـ فرضه ونفله ـ عن الوضوء (٦) وحملت على سلب الوضوء بالنسبة إلى غاياتها ، لا سلبه لأجل الصلاة.

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٤٣ ح ٤٠٣ ، ٣٠٣ ح ٨٨١ ، الاستبصار ١ : ٢٠٩ ح ٧٣٣.

(٢) التهذيب ١ : ١٤٢ ح ٤٠١ ، الاستبصار ١ : ١٢٧ ح ٤٣٤.

(٣) التهذيب ١ : ١٤١ ح ٣٩٧ ، الاستبصار ١ : ١٢٦ ح ٤٣١.

(٤) التهذيب ١ : ١٤١ ح ٣٩٨ ، الاستبصار ١ : ١٢٧ ح ٤٣٢.

(٥) التهذيب ١ : ١٤١ ح ٣٩٩ ، الاستبصار ١ : ١٢٧ ح ٤٣٣.

(٦) حكاه عنهما العلامة في مختلف الشيعة : ٣٣.

٢٠٣

ويندفع بأنّه قد صرّح « لا وضوء للصلاة ». والحمل على غير وقتها بعيد جدا ، لقوله : « ولا بعد ».

والحق أنّ الترجيح باعتبار الشهرة بين الأصحاب ، ويكاد يكون إجماعا ، والروايات معارضة بمثلها وبما هو أصحّ إسنادا منها.

الثانية : أوجب ابن أبي عقيل غسل الإحرام‌ (١) ونقله المرتضى عن كثير من الأصحاب (٢).

والمشهور الاستحباب ، وقول الصادق : « واجب » (٣) يحمل على التأكيد.

وأوجب المرتضى ـ في المصرية الثالثة ـ وأبو الصلاح وسلاّر غسل الكسوف والخسوف (٤) ، لظاهر الأمر عنهم عليهم‌السلام (٥).

ويندفع باحتمال الصيغة : الندب ، فيصار إليه لفتوى الأصحاب (٦).

وأبو الصلاح غسل المصلوب (٧) وأرسله الصدوق (٨).

وأوجب ابن حمزة غسل المولود (٩) لصيغة الوجوب ، وهو من التأكيد.

الثالثة : قيل : لا تداخل في هذه الأغسال ، لاعتبار نية السبب.

وقال الشيخان : إذا ضمّ إليها واجب تداخلت إذا نوى الجميع ، أو نوى الجنابة (١٠) ، لخبر زرارة عن أحدهما عليهما‌السلام : « إذا اجتمعت لله عليك‌

__________________

(١) مختلف الشيعة : ٢٨.

(٢) الناصريات : ٢٢٤ المسألة ٤٤.

(٣) الفقيه ١ : ٤٥ ح ١٧٦ ، التهذيب ١ : ١٠٤ ح ٢٧٠ ، الاستبصار ١ : ٩٨ ح ٣١٦.

(٤) الكافي في الفقه : ١٣٥ ، المراسم : ٤٠ ، وحكاه عن المرتضى : العلامة في مختلف الشيعة : ٢٨.

(٥) الفقيه ١ : ٤٤ ح ١٧٢ ، التهذيب ١ : ١١٤ ح ٣٠٢.

(٦) راجع : المقنعة : ٦ ، المهذب ١ : ٣٣ ، مختلف الشيعة : ٢٨.

(٧) الكافي في الفقه : ١٣٥.

(٨) الفقيه ١ : ٤٥ ح ١٧٥ ، الهداية : ١٩.

(٩) الوسيلة : ٥٤.

(١٠) الاشراف : ٤ ، الخلاف ١ : ٢٢٢ المسألة : ١٩١.

٢٠٤

حقوق أجزأك عنها غسل واحد » ، قال : « وكذلك المرأة يجزئها غسل واحد لجنابتها ، وإحرامها ، وجمعتها ، وغسلها من حيضها ، وعيدها » (١). وهذا قوي ، لعموم قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لكلّ امرئ ما نوى » (٢).

وفي الخبرين دلالة على إجزاء الواحد وإن لم يجامع الواجب ، ولأنّ الغرض مسمى الغسل وهو حاصل ، ومن قال برفعه الحدث فلا إشكال عنده في التداخل ، ولو نوى البعض حصل وبقي الآخر.

هذا كلّه مع اشتراكها في الندب. اما لو جامعها الواجب ، فيشكل من حيث تضادّ وجهي الوجوب والندب إن نواها معه ، ووقوع عمل بغير نيّة إن لم ينوها ، إلاّ أن يقال : نية الوجوب تستلزم نيّة الندب ، لاشتراكهما في ترجيح الفعل ، ولا يضر اعتقاد منع الترك ، لأنّه مؤكّد للغاية ، ومثله الصلاة على جنازتي بالغ وصبي لدون ست ، بل مطلق الصلاة الواجبة.

وقال الشيخ : لو نوى المجنب وعليه غسل الجمعة الجميع ، أو الجنابة ، أجزأ عنهما. ولو نوى الجمعة لم يجزئ عن أحدهما ، لعدم نيّة ما يتضمّن رفع الحدث فلا ترتفع الجنابة ، ولأنّ الغرض التنظيف ولا يصحّ مع وجود الحدث فلا يحصل غسل الجمعة (٣).

ونوقض بإجزاء غسل الإحرام من الحائض ، للخبر (٤) وفتوى الأصحاب (٥).

والفرق عدم قبول الحيض للرفع بخلاف الجنابة.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤١ ح ١ ، التهذيب ١ : ١٠٧ ح ٢٧٩ ، السرائر ٤٨٥.

(٢) التهذيب ٤ : ١٨٦ ح ٥١٩ مسند أحمد ١ : ٢٥ ، صحيح البخاري ١ : ٢ ، صحيح مسلم ٣ : ١٥١٥ ح ١٩٠٧ ، سنن أبي داود ٢ : ٢٦٢ ح ٢٢٠١ ، الجامع الصحيح ٤ : ١٠٧٩ ح ٢١٤٧. السنن الكبرى ٧ : ٣٤١.

(٣) الخلاف ١ : ٣٦ المسائل ١٨٩ ـ ١٩٣.

(٤) الكافي ٣ : ٤١ ح ١ ، التهذيب ١ : ١٠٧ ح ٢٧٩.

(٥) راجع : المعتبر ١ : ٣٦٢ ، مختلف الشيعة : ٢٩.

٢٠٥

والأقرب ـ تفريعا على القول بانّ الغسل المندوب لا يرفع الحدث ـ صحته من كلّ محدث لحصول الغاية.

الرابعة : لو أجنبت ثم حاضت أخّرته ، إذ لا طهارة مع الحيض ، ولقول الصادق عليه‌السلام : « قد جاءها ما يفسد صلاتها » (١) ، وكذا لو نفست.

امّا لو استحيضت ، لم يمنع الرفع مع بقاء حدث الاستحاضة ، لأنّه غير مانع من الصلاة.

وامّا التيمّم فيجب لما تجب له الطهارتان ، تحقيقا للبدليّة.

وفي الصوم نظر ، لعدم رفع الحدث به ، وعدم اشتراط الطهارة فيه ، ومن وجوب الغسل المتعذر فلينتقل الى بدله ، لعموم قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « الصعيد طهور المسلم » (٢) وقوله لأبي ذر : « يكفيك الصعيد عشر سنين » (٣) وقول الصادق عليه‌السلام : « هو بمنزلة الماء » (٤).

وكذا في تيمّم الحائض لإباحة الوطء ان شرطنا الغسل ، لرواية عمار عن الصادق عليه‌السلام به (٥).

ويزيد (٦) : الخروج من المسجدين للمجنب والحائض ، لقول الباقر عليه‌السلام في المحتلم في المسجدين : « لا يمرّ إلاّ متيمّما ».

وكذلك الحائض إذا أصابها الحيض تفعل ذلك ، رواه أبو حمزة عنه عليه‌السلام (٧).

وفي المعتبر : لا يجب على الحائض وإن استحب ، لأنّه لا سبيل لها إلى‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٨٣ ح ١ ، التهذيب ١ : ٣٧٠ ح ١١٢٨ ، السرائر : ٤٨٥.

(٢) سنن أبي داود ١ : ٩١ ح ٣٣٣ ، الجامع الصحيح ٢ : ٢١٢ ح ١٢٤ ، السنن الكبرى ١ : ٢١٢.

(٣) الفقيه ١ : ٥٩ ح ٢٢١ ، التهذيب ١ : ١٩٤ ح ٥٦١.

(٤) التهذيب ١ : ٢٠٠ ح ٥٨١ ، الاستبصار ١ : ١٦٣ ح ٥٦٦.

(٥) التهذيب ١ : ٤٠٥ ح ١٢٦٨.

(٦) في « م » : ونريد ، وفي « س » : ومزيل ، وفي ط : ومريد. ومع التأمل الصحيح هو المتثبت.

(٧) الكافي ٣ : ٧٣ ح ١٤.

٢٠٦

الطهارة بخلاف الجنب (١) وهو اجتهاد في مقابلة النص.

وابن حمزة : يستحبّ التيمّم لخروج الجنب (٢).

وابن الجنيد : إذا اضطرّ الجنب أو الحائض إلى دخول المساجد تيمّما (٣).

ويبعد إرادة منقطعة الحيض في الخبر ، وفي كلامه.

وجاز ان يكون التيمّم مبيحا لهذا ـ وإن كان الحدث باقيا ـ فإنّه لا يرفع الحدث في موضع إمكانه بالمائية ، فكيف موضع استحالته؟.

فروع :

الأول : يجب على المجنب الذهاب بأقرب الطرق ، تخفيفا للكون. ولو قصر زمان الخروج عن زمان التيمّم ، فالأقرب : الوجوب ، للعموم (٤).

الثاني : الأقرب : استحباب التيمّم لباقي المساجد ، لما فيه من القرب إلى الطهارة ، ولا يزيد الكون فيه عن الكون في التيمّم في المسجدين.

الثالث : الخبر ورد في المحتلم ، والظاهر : الشمول لكلّ مجنب ، لعدم تعقّل خصوصيّة الاحتلام ، ولا فرق بين الرجل والمرأة.

الرابع : لو أمكنه الغسل في المسجد (٥) بماء كثير أو قليل ، ففي جوازه نظر ، من تخصيص التيمّم بالذكر ، مع حرمة الكون في المسجد ، وقضية الأصل ، وذكر التيمم بناء على الغالب من عدم التمكّن من تعجيل الغسل في المسجد إعمالا للبدليّة الاضطرارية. وحينئذ يمكن تعيّن الغسل ، ولو ساوى زمان التيمم فالإجزاء أقوى ، هذا مع عدم تنجيس المسجد.

__________________

(١) المعتبر ١ : ٢٢٢ ـ ٢٢٣.

(٢) الوسيلة : ٧٠.

(٣) المعتبر ١ : ٢٢٣.

(٤) التهذيب ١ : ٤٠٧ ح ١٢٨٠.

(٥) في س : المسجدين.

٢٠٧

ويستحبّ بدلا من الوضوء في كلّ مكان يكون الوضوء رافعا. وفي استحبابه بدلا من وضوء غير رافع ـ كنوم الجنب ، وجماع المحتلم ، وذكر الحائض ـ وجه بطريق الأولى. وعن الغسل ذكر.

نعم ، يستحبّ للنوم مع وجود الماء ، وفي الجنازة على المشهور ، بل ادّعى عليه الشيخ الإجماع (١) وهو في خبر سماعة.

قال : سألته عن رجل مرّت به جنازة وهو على غير طهر ، قال : « يضرب يديه على حائط لبن فيتيمم » (٢) ، ولم أر لها رادّا غير ابن الجنيد ، حيث قيده بخوف الفوت (٣).

وفي المعتبر : الإجماع لا نعلمه ، والخبر ضعيف المستند ، والمتن مقطوع ، فالتمسك بالأصل من اشتراط عدم الماء في التيمّم أولى ما لم يخف فوت الجنازة (٤). ويرد بحجّية الإجماع المنقول بخبر الواحد ، والحجة عمل الأصحاب بالرواية فلا يضرّ ضعفها ، وهي ظاهرة في المراد.

وفي استحباب تجديده بحسب الصلوات وجه ، مخرّج من الرواية الدالّة على التيمّم لكلّ صلاة ، كما روي عن علي عليه‌السلام (٥) والسكوني عن الصادق عليه‌السلام (٦) وأبو همام عن الرضا عليه‌السلام (٧) فحمله في التهذيب والمعتبر على الاستحباب (٨).

__________________

(١) الخلاف ١ : ١٦٠ المسألة : ١١٢.

(٢) الكافي ٣ : ١٧٨ ح ٥ ، التهذيب ٣ : ٢٠٣ ح ٤٧٧.

(٣) المعتبر ١ : ٤٠٤.

(٤) المعتبر ١ : ٤٠٥.

(٥) المصنف لابن أبي شيبة ١ : ١٦٠ ، السنن الكبرى ١ : ٢٢١.

(٦) التهذيب ١ : ٢٠١ ح ٥٨٤ ، الاستبصار ١ : ١٦٣ ح ٥٦٥.

(٧) التهذيب ١ : ٢٠١ ح ٥٨٣ ، الاستبصار ١ : ١٦٤ ح ٥٦٨.

(٨) التهذيب ١ : ٢٠١ ، المعتبر ١ : ٤٠٣.

٢٠٨

المطلب الثاني :

في المستعمل منه. وهو الأسباب الموجبة للطهارة ، وهي تنقسم ثلاثة أقسام : موجب الوضوء وحده ، وموجب الغسل وحده ، وموجبهما مجتمعين أو متفرّقين.

فالأول ستة : خروج البول والغائط والريح من الموضع المعتاد ، والنوم الغالب على الحاسّتين تحقيقا أو تقديرا ، وما يزيل العقل ، والاستحاضة ـ على وجه.

قال الشيخ : اتفق المسلمون أنّ خروج هذه ينقض الطهارة (١).

ولقوله تعالى ( أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ ) (٢).

وقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لكن من بول أو غائط » (٣).

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « فلا ينصرفنّ حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا » (٤).

وقول الصادق عليه‌السلام : « لا يجب الوضوء إلاّ من بول ، أو غائط ، أو ضرطة ، أو فسوة تجد ريحها » (٥).

وقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « العين وكاء السّه فمن نام فليتوضأ » (٦) والسّه : حلقة الدبر.

__________________

(١) لاحظ : التهذيب ١ : ٥ ، المعتبر ١ : ١٠٦.

(٢) سورة النساء : ٤٣.

(٣) سنن ابن ماجة ١ : ١٦١ ح ٤٧٨ ، السنن الكبرى ١ : ١١٨.

(٤) صحيح مسلم ١ : ٢٧٦ ح ٣٦٢ ، سنن ابن ماجة ١ : ١٧١ ح ٥١٤ ، الجامع الصحيح ١ : ١٠٩ ح ٧٥ ، سنن النسائي ١ : ٩٨.

(٥) التهذيب ١ : ١٠ ح ١٦.

(٦) سنن ابن ماجة ١ : ١٦١ ح ٤٧٧ ، سنن أبي داود ١ : ٥٢ ح ٣٠٣ ، سنن الدار قطني ١ : ١٦١ ، السنن الكبرى ١ : ١٦٧.

٢٠٩

وقال الباقر والصادق عليهما‌السلام : « والنوم حتى يذهب العقل » (١) ومنه يعلم مزيل العقل.

ولقول الصادق عليه‌السلام : « إذا خفي عليه الصوت وجب الوضوء » (٢).

وقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « المستحاضة تتوضّأ لكلّ صلاة » (٣) وبمعناه كلام الصادق عليه‌السلام (٤).

مسائل :

الأولى : الخارج من الثلاثة من غير المخرج المعتاد ناقض ان اعتيد ، سواء كان فوق المعدة أو تحتها ، وإلاّ فلا.

اما مع العادة ، فلعموم الآية (٥) والحديث (٦).

ولقول الصادق عليه‌السلام : « ليس ينقض الوضوء الا ما خرج من طرفيك ، اللذين أنعم الله بهما عليك » (٧) لتحقّق النعمة بهما.

واما مع الندور ، فللأصل والخبر ، إذ ليس من (٨) الطرفين.

الثانية : لا ينقض ما يخرج منهما غير الثلاثة والدماء الثلاثة ، ما لم يستصحب حدثا ، للأصل ، والخبر ، وقول الصادق عليه‌السلام : « ليس في‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٦ ح ٦ ، الفقيه ١ : ٣٧ ح ١٣٧ ، التهذيب ١ : ٩ ح ١٥.

(٢) الكافي ٣ : ٣٧ ح ١٤ ، التهذيب ١ : ٩ ح ١٤ ، عن أبي الحسن عليه‌السلام.

(٣) سنن أبي داود ١ : ٨٠ ح ٢٩٨ ، السنن الكبرى ١ : ٣٤٧.

(٤) الكافي ٣ : ٨٨ ح ٢ ، التهذيب ١ : ١٠٦ ح ٢٧٧.

(٥) سورة النساء : ٤٣.

(٦) الكافي ٣ : ٣٦ ح ٢ ، التهذيب ١ : ١٠ ح ١٨.

(٧) الكافي ٣ : ٣٥ ح ١ ، التهذيب ١ : ١٠ ح ١٧ ، الاستبصار ١ : ٨٥ ح ٢٧١.

(٨) ليست في م ، س.

٢١٠

حب القرع والديدان الصغار وضوء » (١) والتقييد بالصغار لأن الكبيرة مظنة التلطّخ ، وعليه يحمل قول الصادق عليه‌السلام في الوضوء من حب القرع (٢).

الثالثة : لا ينقض خروج الريح من الذّكر ، للأصل ، ولعدم المنفذ الى الجوف.

أمّا قبل المرأة ، فقال الفاضلان : ينقض خروج الريح منه للمنفذ ، وتسميته ريحا (٣).

ويشكل : بالحمل على المعهود مع التمسك بالأصل حتى يعتاد.

اما الجشاء ، فلا ينقض إجماعا.

الرابعة : لا ينقض الدهن المستدخل والحقنة إذا خرجا ما لم يستصحبا ، خلافا لابن الجنيد في الحقنة (٤).

ولو خرجت المقعدة ملوّثة بالغائط ، ثم عادت ولمّا ينفصل ، فالأقرب : عدم النقض ، لعدم صدق الخروج المعهود.

الخامسة : الخنثى المشكل‌ إذا اعتاد المخرجين نقضا ، وإلاّ فالناقض المعتاد ، ولا يشترط مع الاعتياد الخروج منهما بل يكفي أحدهما.

السادسة : لا تنقض السنة ـ وهي : ابتداء النعاس ـ لعدم التسمية ، ولعدم ذهاب العقل.

ولا فرق بين حالات النائم ، للعموم ، ولحسن عبد الحميد عن الصادق عليه‌السلام : « من نام وهو راكع أو ساجد أو ماش ، على أي الحالات ، فعليه الوضوء » (٥).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٦ ح ٤ ، التهذيب ١ : ١٢ ح ٢٢.

(٢) التهذيب ١ : ١١ ح ١٩ ، الاستبصار ١ : ٨٢ ح ٢٥٧.

(٣) المعتبر ١ : ١٠٨ ، نهاية الإحكام : ١ : ٧١ ، تذكرة الفقهاء ١ : ١١.

(٤) حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة : ١٨.

(٥) التهذيب ١ : ٦ ح ٣ ، الاستبصار ١ : ٧٩ ح ٢٤٧.

٢١١

والصدوق أورد خبر سماعة في الرجل يخفق رأسه وهو في الصلاة قائما أو راكعا : « لا وضوء عليه » (١) وقول الكاظم عليه‌السلام : « لا وضوء عليه ما دام قاعدا لم ينفرج » (٢).

وأبوه لم يذكر النوم في النواقض.

والخبران محمولان على السنة ، مع قطع الأول ، وعدم العلم بصحة سند الثاني.

السابعة : لا ينقض المذي مطلقا ، لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ليس بشي‌ء » (٣) ولخبر عمر بن حنظلة عن الصادق عليه‌السلام : « ما هو إلاّ كالنّخامة » (٤).

وابن الجنيد : ينقض عقيب الشهوة (٥) ، لصحيح محمّد بن إسماعيل عن الرضا عليه‌السلام ، وأسنده عليه‌السلام أيضا الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٦) ، وحملت على الندب (٧).

وكذا الودي والقهقهة.

وحجة ابن الجنيد بخبر سماعة المقطوع (٨) يحمل على الندب.

ولا دم من السبيل يشك في خلوّه من الحدث ، لخبر أبي بصير عن الصادق‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٣٨ ح ١٤٣.

(٢) الفقيه ١ : ٣٨ ح ١٤٤.

(٣) التهذيب ١ : ١٧ ح ٣٩ ، الاستبصار ١ : ٩١ ح ٢٩٢.

(٤) الكافي ٣ : ٣٩ ح ٢ ، علل الشرائع : ٢٩٦ ، التهذيب ١ : ١٧ ح ٣٨ ، الاستبصار ١ : ٩١ ح ٢٩١.

(٥) مختلف الشيعة : ١٨.

(٦) التهذيب ١ : ١٨ ح ٤٢ ، الاستبصار ١ : ٩٢ ح ٢٩٥.

(٧) حملها الشيخ في التهذيب ١ : ١٨ ، والاستبصار ١ : ٩٢.

(٨) مختلف الشيعة : ١٨.

وخبر سماعة في التهذيب ١ : ١٢ ح ٢٣ ، الاستبصار ١ : ٨٣ ح ٢٦٢ ، ٨٦ ح ٢٧٣.

٢١٢

عليه‌السلام في كل دم سائل : « ليس فيه وضوء » (١).

وابن الجنيد أوجبه ، ووافق مع علم خلوّه في عدم الوضوء (٢).

وخبر أبي عبيدة عن الصادق عليه‌السلام : ينقض الوضوء مع استكراهه الدم السائل (٣) حمل على التقيّة أو الندب (٤) وكذا خبر عبيد بن زرارة عنه عليه‌السلام (٥).

ولا مسّ قبل ودبر ـ باطنا وظاهرا ، محرّما أو محللا ـ ولا قبلة ، لما مر.

وصحيح ابن أبي عمير المرسل عن الصادق عليه‌السلام : « ليس في المذي من الشهوة ، ولا من الإنعاظ ، ولا من القبلة ، ولا من مسح الفرج ، ولا من المضاجعة ، وضوء » (٦).

وصحيح زرارة عن الباقر عليه‌السلام : « ليس في القبلة والمباشرة ، ولا مس الفرج ، وضوء » (٧).

وحجة ابن الجنيد (٨) بخبر أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام : « إذا قبّل الرجل المرأة من شهوة ، أو مس فرجها ، أعاد الوضوء » (٩) وحجّة الصدوق (١٠) لخبر عمّار عنه عليه‌السلام : « من مس باطن دبره وإحليله أعاد الوضوء » (١١) محمولان‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٧ ح ١٣ ، التهذيب ١ : ١٥ ح ٣٣ ، الاستبصار ١ : ٨٤ ح ٢٦٤.

(٢) مختلف الشيعة : ١٨.

(٣) التهذيب ١ : ١٣ ح ٢٦ ، الاستبصار ١ : ٨٣ ح ٢٦٣ ، باختصار في الألفاظ.

(٤) التهذيب ١ : ١٣ ، والاستبصار ١ : ٨٣.

(٥) التهذيب ١ : ٣٥٠ ح ١٠٣٢ ، الاستبصار ١ : ٨٤ ح ٢٦٧.

(٦) التهذيب ١ : ١٩ ح ٤٧ و ٢٥٣ ح ٧٣٤ ، الاستبصار ١ : ٩٣ ح ٢٠٠ و ١٧٤ ح ٦٠٥.

(٧) الكافي ٣ : ٣٧٥ ح ١٢ ، الفقيه ١ : ٣٨ ح ١٤٥ ، التهذيب ١ : ٢١ ح ٥٤ ، الاستبصار ١ : ٨٧ ح ٢٧٧.

(٨) مختلف الشيعة : ١٧ ، المعتبر ١ : ١١٣.

(٩) التهذيب ١ : ٢٢ ح ٥٦ ، الاستبصار ١ : ٨٨ ح ٢٨٠.

(١٠) الفقيه ١ : ٣٩.

(١١) التهذيب ١ : ٤٥ ح ١٢٧ ، ٣٤٨ ح ١٠٢٣ ، الاستبصار ١ : ٨٨ ح ٢٨٤.

٢١٣

على الندب مع صحة السند.

ولا قي‌ء وان ملأ الفم.

ولا إنشاد شعر كذب وان زاد على أربعة أبيات.

وحمل الشيخ رواية سماعة (١) به على الندب (٢) ، مع أنّها مقطوعة معارضة برواية معاوية بن ميسرة عن الصادق عليه‌السلام (٣).

ولا بمس النساء مطلقا. والآية (٤) يراد بها الجماع ، قضاء للعرف.

ولقول الباقر عليه‌السلام في خبر أبي مريم في لمس المرأة : « لا والله ، ما بذا بأس » ، وفسّر الملامسة بالمواقعة (٥).

ولا أكل ما مسته النار.

وما روي من قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « توضئوا مما مسّته النار » (٦) منسوخ بخبر جابر : كان آخر الأمرين من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ترك الوضوء مما مسّته النار (٧).

ولا دم حجامة ، لخبر أنس : انّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : احتجم وصلّى ولم يتوضأ ، ولم يزد على غسل محاجمه (٨).

ولا أكل لحم جزور.

ولم يثبت قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « توضئوا من لحوم الإبل » (٩).

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٦ ح ٣٥ ، الاستبصار ١ : ٨٧ ح ٢٧٦.

(٢) التهذيب ١ : ١٦ ، الاستبصار ١ : ٨٧.

(٣) التهذيب ١ : ١٦ ح ٣٧ ، الاستبصار ١ : ٨٦ ح ٢٧٥.

(٤) سورة المائدة : ٦.

(٥) التهذيب ١ : ٢٢ ح ٥٥ ، الاستبصار ١ : ٨٧ ح ٢٧٨.

(٦) صحيح مسلم ١ : ٢٧٢ ح ٣٥١ ، سنن أبي داود ١ : ٥٠ ح ١٩٥ ، الجامع الصحيح ١ : ١١٤ ح ٧٩ ، سنن النسائي ١ : ١٠٥.

(٧) سنن أبي داود ١ : ٤٩ ح ١٩٢ ، سنن النسائي ١ : ١٠٨ ، السنن الكبرى ١ : ١٥٦.

(٨) سنن الدار قطني ١ : ١٥٧ ، السنن الكبرى ١ : ١٤١.

(٩) مسند أحمد ٤ : ٢٨٨ ، سنن ابن ماجة ١ : ٦٦ ح ٤٩٤ ، سنن أبي داود ١ : ٤٧ ح ١٨٤ ، الجامع الصحيح ١ : ١٢٣ ح ٨١.

٢١٤

فهو منسوخ بخبر جابر (١) ، أو يحمل على غسل اليد.

ولا قصّ شارب ، وتقليم ظفر ، ونتف إبط ، لخبر زرارة عن الباقر عليه‌السلام : في القلم والجزّ ، والأخذ من اللّحية والرأس ، انه يزيده تطهيرا (٢) (٣).

ونقل الخلاف في الثلاثة عن مجاهد والحكم وحماد من العامة بغير حجة (٤).

ورواية الحلبي عن الصادق عليه‌السلام في القلم وأخذ الشعر بعد الوضوء انه يمسحهما بالماء (٥) للندب.

ولا فتح الإحليل ، خلافا للصدوق (٦).

ولا ارتداد و ( لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ) (٧) مقيّد بموته عليه.

والخبر عن الصادق عليه‌السلام بالوضوء من مصافحة المجوسي ومس الكلب (٨) محمول على التنظيف.

القسم الثاني : موجب الغسل وحدّه.

وهو الجنابة باتّفاقنا ، لقوله تعالى ( فَاطَّهَّرُوا ) (٩).

__________________

(١) راجع الهامش ٧ المتقدّم.

(٢) الفقيه ١ : ٣٨ ح ١٤٠ ، التهذيب ١ : ٣٤٦ ح ١٠١٣ ، الاستبصار ١ : ٩٥ ح ٣٠٨.

(٣) في الحجرية والخطيتين « م ، س » زيادة لفظها : « وفي التهذيب : يستحب ، لخبر أبي بكر الحضرمي عن الباقر عليه‌السلام ، وفي خبر أخر : أنّه بدعة » وهي في غير محلها ومحلها في البحث الثالث من غسل الجنابة.

(٤) المغني ١ : ٢٢٩ ، الشرح الكبير ١ : ٢٢٨.

(٥) الكافي ٣ : ٣٧ ح ١١ ، التهذيب ١ : ٣٤٥ ح ١٠١٠ ، الاستبصار ١ : ٩٥ ح ٣٠٧.

(٦) الفقيه ١ : ٣٩.

(٧) سورة الزمر : ٦٥.

(٨) التهذيب ١ : ٢٣ ح ٦٠ ، ٣٤٧ ح ١٠٢٠ ، الاستبصار ١ : ٨٩ ح ٢٨٥ ح ٢٨٦.

(٩) سورة المائدة : ٦.

٢١٥

وقوله تعالى ( حَتَّى تَغْتَسِلُوا ) (١) غيّا المنع به فلا يتوقّف على غيره.

وللخبر عن زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يتوضّأ بعد الغسل من الجنابة (٢).

وقيل للباقر عليه‌السلام : كان علي يأمر بالوضوء قبل غسل الجنابة ، فقال : « كذبوا على علي عليه‌السلام » (٣).

ولقول الكاظم عليه‌السلام : « لا وضوء عليه » (٤).

ومن ثم يجزئ عن غيره ، والأقرب العكس أيضا وخصوصا مع الوضوء ، لأنّ خصوصية السبب ملغاة ، والمعتبر هو القدر المشترك ، ولما مر.

ولرواية زرارة عن الباقر عليه‌السلام : « إذا حاضت المرأة وهي جنب أجزأها غسل واحد » (٥).

وعن أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام في الحائض بعد الجنابة : « تجعله غسلا واحدا » (٦) ومثله عن حجاج الخشاب عن الصادق عليه‌السلام (٧).

وربما احتج مانع العكس بخبر سماعة عن الصادق والكاظم عليهما‌السلام في الحائض بعد الجماع : « غسل الجنابة عليها واجب » (٨).

وهو من مفهوم اللقب وليس بحجة ، وجاز ذكره ليعلم بقاء حدث الجنابة ، فيكون الغسل بعد الحيض رافعا لهما.

__________________

(١) سورة النساء : ٤٣.

(٢) سنن ابن ماجة ١ : ١٩١ ح ٥٧٩.

(٣) التهذيب ١ : ١٤٢ ح ٤٠٠ ، الاستبصار ١ : ١٢٥ ، ٤٢٦.

(٤) التهذيب ١ : ١٤٢ ح ٤٠٢.

(٥) التهذيب ١ : ٣٩٥ ح ١٢٢٥ ، الاستبصار ١ : ١٤٦ ح ٥٠٢ ، السرائر : ٤٨٥.

(٦) التهذيب ١ : ٣٩٥ ح ١٢٢٦ ، الاستبصار ١ : ١٤٧ ح ٥٠٣.

(٧) التهذيب ١ : ٣٩٥ ح ١٢٢٧ ، الاستبصار ١ : ١٤٧ ح ٥٠٤.

(٨) التهذيب ١ : ٣٩٥ ح ١٢٢٨ ، الاستبصار ١ : ١٤٧ ح ٥٠٥.

٢١٦

وهذه الأخبار تدلّ على إجزاء الواحد ، وهو شامل للنية المطلقة ـ في الرفع أو الاستباحة ـ وللنية المخصصة. ومع الإطلاق ، أو تخصيص الجنابة لا وضوء قطعا. ومع تخصيص غيره ، الأقرب : وجوبه ، للعموم.

وقوّى في المعتبر عدم الوضوء ، لأنّه جنب (١) ولظاهر الأخبار.

أما غسل المستحاضة إذا جامع هذه ، فان كانت منقطعة ، وقلنا بوجوبه ، تداخل وان كان الدم مستمرا. اما مع التخير أو التيقن ، فالأحوط : التعدّد ، لبقاء الحدث.

وعلى الاكتفاء بالقربة ، لا بحث في التداخل في غير الاستحاضة.

القسم الثالث : الدماء الثلاثة ، ومسّ ميت الآدمي النجس ، ويجامعها الوضوء عند الأكثر ، لعموم قوله تعالى ( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا ) (٢).

ولصحيح ابن أبي عمير المرسل عن الصادق عليه‌السلام : « كلّ غسل قبله وضوء ، إلاّ غسل الجنابة » (٣).

ولخبر حماد عنه عليه‌السلام : « في كلّ غسل وضوء ، إلاّ الجنابة » (٤).

وحكم بتقديم الوضوء : المفيد (٥) والصدوقان (٦) وأبو الصلاح (٧) والشيخ ـ في الجمل (٨) ـ للخبر (٩).

__________________

(١) المعتبر ١ : ٣٦١.

(٢) سورة المائدة : ٦.

(٣) الكافي ٣ : ٤٥ ح ١٣ ، التهذيب ١ : ١٣٩ ح ٣٩١ ، الاستبصار ١ : ١٢٦ ح ٤٢٨.

(٤) التهذيب ١ : ١٤٣ ح ٤٠٣ ، ٣٠٣ ح ٨٨١ ، الاستبصار ١ : ٢٠٩ ح ٧٣٣.

(٥) المقنعة : ٧.

(٦) الفقيه ١ : ٤٦ ، الهداية : ٢٠ ، مختلف الشيعة : ٣٤.

(٧) الكافي في الفقه : ١٣٤ ، ١٣٥.

(٨) الجمل والعقود : ١٦٣.

(٩) راجع الهامش ٣.

٢١٧

وفي المبسوط : يجوز التأخير ، والتقديم أفضل (١) للأصل ، ولخبر حمّاد.

والأول أشهر.

وقد روى عبد الله بن سليمان عن الصادق عليه‌السلام ، وسليمان بن خالد عن الباقر : « الوضوء بعد الغسل بدعة » (٢).

ومن موجبات الغسل : الموت ، وإن لم يسمّ حدثا ، وهو كاف عن جميع الأغسال ، لسقوط التكليف.

وفي الجنابة روايتان : أشهرهما سقوط غسلها ، وهي عن الباقر (٣) والصادق (٤) والكاظم (٥) والأخرى سبقت (٦).

__________________

(١) المبسوط ١ : ٣٠.

(٢) الكافي ٣ : ٤٥ ح ١٢ ، التهذيب ١ : ١٤٠ ح ٣٩٥ ، ٣٩٦.

(٣) الكافي ٣ : ١٥٤ ح ١ ، التهذيب ١ : ٤٣٢ ح ١٣٨٤ ، الاستبصار ١ : ١٩٤ ، ح ٦٨٠.

(٤) الكافي ٣ : ١٥٤ ح ٢ ، التهذيب ١ : ٤٣٢ ح ١٣٨٢.

(٥) التهذيب ١ : ٤٣٢ ح ١٣٨٣ ، الاستبصار ١ : ١٩٤ ح ٦٧٩.

(٦) سبقت في ص ٢٠٠ الهامش ٥.

٢١٨

فهنا مقامات ستة :

المقام الأول : للجنابة سببان : الإنزال مع علم كون الخارج منيّا ، نوما كان أو يقظة ، بشهوة أو غيرها ، بإجماع المسلمين ، ولقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « الماء من الماء » (١).

وله خواص أربع : خروجه بدفق دفعات غالبا.

قال الله عزّ وجلّ ( مِنْ ماءٍ دافِقٍ ) (٢).

ومقارنة الشهوة له ، وفتور الجسد والشهوة بعده ، وقرب رائحته من رائحة الطلع والعجين ما دام رطبا ، ومن بياض البيض جافّا. ولمنيّ الرجل الثخانة والبياض ، ويشاركه فيهما الوذي ، ولمني المرأة الصفرة والرقة ، ويشاركه فيهما المذي ، كلّ ذلك حال اعتدال الطبع.

والتقاء الختانين ، لقول علي عليه‌السلام : « إذا التقى الختانان وجب الغسل » (٣).

وقول الرضا عليه‌السلام مثله (٤).

وقول أحدهما عليهما‌السلام : « إذا أدخله فقد وجب الغسل ، والمهر ، والرجم » (٥).

وقد يعبر عنه بالشعب ، فعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إذا جلس بين شعبها الأربع فقد وجب الغسل » (٦) ، وهي : رجلاها وفرجاها.

__________________

(١) تقدم في ص ١٩٤ الهامش ٥.

(٢) سورة الطارق : ٦.

(٣) التهذيب ١ : ١١٩ ح ٣١٤.

(٤) الكافي ٣ : ٤٨ ح ٢ ، التهذيب ١ : ١١٨ ح ٣١١ ، الاستبصار ١ : ١٠٨ ح ٣٥٩.

(٥) الكافي ٣ : ٤٦ ح ١ ، التهذيب ١ : ١١٨ ح ٣١٠ ، الاستبصار ١ : ١٠٨ ح ٣٥٨.

(٦) المصنف لعبد الرزاق ١ : ٢٤٦ ح ٩٤٠ ، مسند أحمد ٢ : ٢٣٤ ، صحيح مسلم ١ : ٢٧١ ، ٣٤٨ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٠٠ ح ٦١٠ ، سنن النسائي ١ : ١١١ ، سنن الدار قطني ١ : ١١٣.

٢١٩

وهو مرويّ عن عائشة : فعلته أنا ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاغتسلنا (١).

وحدّه غيبوبة الحشفة ، كما رواه زرارة عن الباقر عليه‌السلام (٢).

ومعنى الالتقاء : تحاذيهما ، لا انضمامهما ، لعدم إمكانه ، فإنّ مدخل الذكر أسفل الفرج وهو مخرج الولد والحيض ، وموضع الختان أعلاه ، وبينهما ثقبة البول والأسكتان (٣) ، تحيطان بهما جميعا لا يصل إليه شي‌ء من الحشفة. لكن لو كان عند إحاطة الشفرين بأول الحشفة ، لاقى بعض الحشفة ذلك الموضع ، كان التضامّ ممكنا ، ويمكن ان يراد بالخبر ذلك.

ثم لا يعتبر موضع الختان بعينه فيهما. أمّا في الرجل ، ففي المقطوع إذا غيّب بقدر الحشفة. وأمّا في المرأة ، فلوجوب الغسل بالإيلاج في الدّبر ـ على الأصح ـ لنقل المرتضى الإجماع (٤).

ولقول الصادق عليه‌السلام : « هو أحد المأتيّين فيه الغسل » (٥).

ولفحوى إنكار علي عليه‌السلام على الأنصار (٦).

وصحيح الحلبي عن الصادق عليه‌السلام في تعليق الغسل على الإنزال فيما دون الفرج (٧) ورواية ابن بزيع عن الرضا عليه‌السلام في إتيانها في الدبر :

__________________

(١) سنن ابن ماجة ١ : ١٩٩ ح ٦٠٨ ، الجامع الصحيح ١ : ١٨٠ ح ١٠٨ ، سنن الدار قطني ١ : ١١١.

(٢) الكافي ٣ : ٤٦ ح ٢ ، التهذيب ١ : ١١٨ ح ٣١١ ، الاستبصار ١ : ١٠٨ ح ٣٥٩ ، عن محمد بن إسماعيل عن الرضا عليه‌السلام.

(٣) الأسكتان ـ بكسر الهمزة ـ : جانبا الفرج ، وهما قذّتاه. الصحاح ـ مادة اسك.

(٤) مختلف الشيعة : ٣١.

(٥) التهذيب ٧ : ٤١٤ ح ١٦٥٨ ، الاستبصار ٣ : ٢٤٣ ح ٨٦٨.

(٦) التهذيب ١ : ١١٩ ح ٣١٤.

(٧) الفقيه ١ : ٤٧ ح ١٨٥ ، التهذيب ١ : ١٢٤ ح ٣٣٥ ، الاستبصار ١ : ١١١ ح ٣٧٠.

٢٢٠