ذكرى الشيعة في أحكام الشّريعة - ج ١

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]

ذكرى الشيعة في أحكام الشّريعة - ج ١

المؤلف:

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-103-6
الصفحات: ٤٧١

صاحبه إجماعا. وهل ينوي الصلاة عليه خاصة ، أو على الجملة؟ قضية المذهب الصلاة عليه خاصة إذ لا صلاة على الغائب ، فلو وجد الباقي وجبت الصلاة على ما لم يصلّ عليه.

واحترزنا بالمسلم عن الكافر فلا يصلّى عليه ، لقوله تعالى ( وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً ) (١). ولا فرق بين الأصلي والمرتد ، والذمي والحربي ، للعموم. ولو اشتبه المسلم بالكافر ، فالأقرب : الصلاة على الجميع بنية الصلاة على المسلمين ، لتوقّف الواجب عليه.

وروى حمّاد بن يحيى عن الصادق عليه‌السلام : « أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في يوم بدر أمر بمواراة كميش الذكر ـ أي صغيرة ـ وقال : لا يكون إلاّ في كرام الناس » (٢) وأورده الشيخ في الخلاف والمبسوط عن علي عليه‌السلام (٣).

فحينئذ يمكن العمل به في الصلاة في كلّ مشتبه ، لعدم تعقّل معنى في اختصاص الشهيد.

وفي المبسوط أورد الرواية في اشتباه قتلى المسلمين بالمشركين ، وبنى عليها الصلاة ، ثم قوّى ما قلناه أولا ، واحتاط بان يصلّى على كلّ واحد واحد بشرط إسلامه (٤).

قال في المعتبر : ولو قيل بمواراة الجميع ترجيحا لجانب حرمة المسلم كان صوابا (٥). وهذا فيه طرح للرواية لضعفها ، والصلاة على الجميع حينئذ بطريق الأولى.

ولو وجد ميت لا يعلم إسلامه الحق بالدار ، إلاّ أن يغلب الظن على إسلامه في دار الكفر ، لقوة العلامة ، فيصلّى عليه.

__________________

(١) سورة التوبة : ٨٤.

(٢) التهذيب ٦ : ١٧٢ ح ٣٣٦.

(٣) الخلاف ١ : ٧١٦ المسألة : ٥٢٨ ، المبسوط ١ : ١٨٢.

(٤) المبسوط ١ : ١٨٢.

(٥) المعتبر ١ : ٣١٥.

٤٠١

أمّا القرعة فاستعمالها في هذين ضعيف ، لأنّ محلّها الإشكال في مواضع مخصوصة. ولو أطردت القرعة ، لجنح إليها فيما اختلف فيه من الأحكام ، فيستغني عن الاجتهاد فقهاء الإسلام.

والمراد بالمسلم من أظهر الشهادتين ، ولم يجحد ما علم ثبوته من الدّين ضرورة. فيصلّي على غير الناصب والغالي ، للعموم السالف ، ولخبر طلحة بن زيد ، عن الصادق عليه‌السلام ، عن أبيه : « صلّ على من مات من أهل القبلة ، وحسابه على الله » (١).

وقال ابن الجنيد : يصلّى على سائر أهل القبلة ، ممّن لم يخرج منها بقول وفعل.

وقال أبو الصلاح : لا تجوز الصلاة على المخالف : بجبر ، أو تشبيه ، أو اعتزال ، أو خارجية ، أو إنكار امامة ، إلاّ لتقية. فإن فعل لعنه بعد الرابعة (٢).

وقال المفيد ـ رحمه‌الله ـ : ولا يجوز أن يغسّل مخالفا للحق في الولاء ، ولا يصلّي عليه ، إلاّ أن تدعوه ضرورة الى ذلك من جهة التقيّة ، فيلعنه في صلاته (٣) مع أنّه جوّز الصلاة على المستضعف (٤).

وشرط سلاّر في الغسل اعتقاد الميت للحق (٥) ويلزمه ذلك في الصلاة.

وابن إدريس قال : لا تجب الصلاة إلاّ على المعتقد للحق ، ومن بحكمه كابن ست أو المستضعف ، محتجّا بكفر غير المحق (٦).

والشيخ وابن البراج لم يصرّحا بغير لعنة الناصب (٧) لكن قال في باب الصلاة‌

__________________

(١) أمالي الصدوق : ١٨٠ ، التهذيب ٣ : ٣٢٨ ح ١٢٠٥ ، الاستبصار ١ : ٤٦٨ ح ١٨٠٩.

(٢) الكافي في الفقه : ١٥٧.

(٣) المقنعة : ١٣.

(٤) المقنعة : ٣٨.

(٥) المراسم : ٤٥.

(٦) السرائر : ٨٠.

(٧) المبسوط ١ : ١٨٥ ، المهذب ١ : ١٣١.

٤٠٢

من المبسوط : لا يصلّى على الباغي لكفره (١). وكذا في قتال أهل البغي من المبسوط (٢) وأمّا في هذا الباب من الخلاف فأوجب الصلاة على الباغي ، محتجّا بالعمومات (٣).

ونقل ابن إدريس عن الشيخ إيجاب الصلاة على أهل القبلة (٤).

فرع :

الصلاة على ولد الزنا تابعة لإسلامه ، ومن ثم منعه ابن إدريس بناء على كفره عنده (٥). والشيخ في الخلاف أوجبها عليه ، محتجّا بالإجماع ـ إلاّ من قتادة ـ والعمومات (٦). ويشكل قبل بلوغه إذ لا لحاق له بأحد الأبوين ، ويمكن تبعيّة الإسلام هنا للغة كالتحريم ، ويؤيد الإسلام تبعية الفطرة.

واما النفساء المسلمة فالصلاة عليها بالإجماع ، الا من الحسن البصري (٧).

والمراد بـ ( حكم المسلم ) : الطفل الذي كمل ست سنين في الأشهر. ذكره : الشيخ (٨) وابن البراج (٩) وابن زهرة (١٠) وابن حمزة (١١) وسلار (١٢) والبصروي ،

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٨٢.

(٢) المبسوط ٧ : ٢٧٨.

(٣) الخلاف ٥ : ٣٤٤ المسألة : ١٣.

(٤) السرائر : ٨٠.

(٥) السرائر : ٨١.

(٦) الخلاف ١ : ٧١٤ المسألة : ٥٢٢.

(٧) المغني ٢ : ٢٠٣ ، عمدة القارئ ٨ : ١٣٦.

(٨) النهاية : ١٤٣.

(٩) المهذب ١ : ١٢٨.

(١٠) الغنية : ٥٠٢.

(١١) الوسيلة : ١١٨.

(١٢) المراسم : ٨٠.

٤٠٣

والمتأخرون (١) ونقل المرتضى فيه الإجماع (٢).

والمفيد : حدها بان يعقل الصلاة (٣).

وقال الجعفي لا يصلّى على صبي حتى يعقل.

وأسقطها ابن أبي عقيل ما لم يبلغ (٤).

وأوجبها ابن الجنيد على المستهل (٥).

وقال الصدوق : لا يصلّى عليه حتى يعقل الصلاة ، ذكره في المقنع (٦) وروى الست في الفقيه عن الباقر والصادق عليهما‌السلام (٧).

ولم يتعرّض أبو الصلاح لغير كيفيّة الدعاء في الطفل (٨).

لنا : حسن زرارة عن الصادق عليه‌السلام ، قلت : متى تجب الصلاة عليه؟ قال : « إذا كان ابن ست سنين » (٩) ولأنه ليس من أهل الصلاة لو نقص عن الست ، ولأن الصلاة استغفار للميت وشفاعة له ، ومن لا يخاطب بالصلاة لا يتحقق فيه المعنى ، ونبه عليه رواية علي بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام : « إذا عقل الصلاة صلّ عليه » (١٠).

قال هشام : قلت للصادق عليه‌السلام : قالوا لو توقّفت الصلاة على الصلاة لم يصل على الميت بعد إسلامه بلا فصل. فقال عليه‌السلام : « إنّما يجب‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٣٤٣.

(٢) الانتصار : ٥٩.

(٣) المقنعة : ٣٨.

(٤) مختلف الشيعة : ١١٩.

(٥) مختلف الشيعة : ١١٩.

(٦) المقنع : ٢١.

(٧) الفقيه ١ : ١٠٤ ح ٤٨٦ ، ٤٨٨.

(٨) لاحظ : الكافي في الفقه : ١٥٧.

(٩) الكافي ٣ : ٢٠٦ ح ٢ ، الفقيه ١ : ١٠٤ ح ٤٨٦ ، التهذيب ٣ : ١٩٨ ح ٤٥٦ ، الاستبصار ١ : ٤٧٩ ح ١٨٥٥.

(١٠) قرب الاسناد : ٩٩ ، التهذيب ٣ : ١٩٩ ح ٤٥٨.

٤٠٤

ان يصلّى على من وجبت عليه الصلاة والحدّ ، ولا يصلّى على من لم تجب عليه الصلاة ولا الحدّ » (١). وفيه اشعار بمذهب ابن أبي عقيل ، إلاّ ان يريد بالوجوب هنا ما لا بدّ منه ، فيكون شاملا (٢) لتأكد الاستحباب.

ويشهد له أيضا خبر عمار عن الصادق عليه‌السلام : « إنّما الصلاة على الرجل والمرأة إذا جرى عليهما القلم » (٣). ويمكن ان يراد بجري القلم مطلق الخطاب الشرعي ، والتمرين خطاب شرعي.

وعن زرارة : لما صلّى الباقر عليه‌السلام على ابن ابنه عبد الله وكان فطيما دارجا ، قال : « انه لم يكن يصلّى على الأطفال ، إنّما كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يأمر بهم فيدفنون ، وانما صلّيت عليهم من أجل أهل المدينة كراهية أن يقولوا : لا يصلون على أطفالهم » (٤). وهذا مطلق فيقيّد بما دون الست ، وذكر الصدوق انّ الطفل كان عمره ثلاث سنين (٥).

وحجّة ابن الجنيد بصحيح عبد الله بن سنان عن الصادق عليه‌السلام : « لا يصلّى على المنفوس ، وهو المولود الذي لم يستهلّ ، وإذا استهل فصلّ عليه وورّثه » (٦).

وخبر السكوني عن الصادق عن آبائه عليهم‌السلام : « يورث الصبي ويصلّى عليه إذا سقط من بطن امّه فاستهلّ صارخا ، وإذا لم يستهلّ صارخا لم يورث ولم يصل عليه » (٧).

وفي مرسلة أحمد بن محمد عن أبي الحسن الماضي عليه‌السلام في الصلاة‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٠٩ ح ٨ ، التهذيب ٣ : ٣٣٢ ح ١٠٣٩.

(٢) في س : مثالا.

(٣) التهذيب ٣ : ١٩٩ ح ٤٦٠ ، الاستبصار ١ : ٤٨٠ ح ١٨٥٨.

(٤) الكافي ٣ : ٢٠٦ ح ٣ ، التهذيب ٣ : ١٩٨ ح ٤٥٧ ، الاستبصار ١ : ٤٧٩ ح ١٨٥٦.

(٥) الفقيه ١ : ١٠٥ ح ٤٨٧.

(٦) التهذيب ٣ : ١٩٩ ح ٤٥٩ ، الاستبصار ١ : ٤٨٠ ح ١٨٥٧.

(٧) التهذيب ٣ : ٣٣١ ح ١٠٣٥.

٤٠٥

على الصبي : « يصلى عليه على كل حال ، الا ان يسقط لغير تمام » (١).

وحملها الشيخ على التقية أو الندب ، جمعا بين الأخبار (٢).

وفي النهاية : يصلّى على من نقص عن ست استحبابا وتقية (٣).

فرع :

لقيط دار الإسلام لو مات طفلا ، فبحكم المسلم تغليبا للدار. وكذا لقيط دار الحرب إذا كان فيها مسلم ، تغليبا للإسلام. وكذا المجنون المتولد من مسلم ، أو كان أحد اللقيطين. واما الأخرس ، فاسلامه حقيقي بالإشارة إذا كان يعقل.

واحترزنا بالحاضر عن الغائب ، وهو : من لم يشاهده المصلي حقيقة ولا حكما ، أو من كان بعيدا بما لم تجر العادة به.

أمّا الأول ، فلأنّه لو جاز لصلّي على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الأمصار وعلى من مات بعده من الصحابة ، ولو وقع ذلك لاشتهر ، ولأنّ استقبال القبلة بالميت شرط.

قالوا : صلّى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على النجاشي (٤).

قلنا : قيل ان الأرض. زويت له ، أو محمولة على الدعاء كما يأتي.

وفي الخلاف والمبسوط استدل على المنع بعدم دليل الثبوت ، ولم يذكر خبرا ولا إجماعا (٥).

وأما البعد بما لم تجر العادة به ، فلأنّه كالغائب ، ولان عمل الناس على القرب في جميع الأعصار. وقيل : يستحب أن يتباعد عنها يسيرا.

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٣٣١ ح ١٠٣٦ ، الاستبصار ١ : ٤٨٠ ح ١٨٥٩.

(٢) التهذيب ٣ : ٣٣١ ، الإستبصار ١ : ٤٨٠.

(٣) النهاية : ١٤٣.

(٤) صحيح البخاري ٢ : ١١١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٤٩٠ ح ١٥٣٤ ، سنن أبي داود ٣ : ٢١٢ ح ٣٢٠٤ ، سنن النسائي ٤ : ٧٢.

(٥) الخلاف ١ : ٧٣١ المسألة : ٥٦٣ ، المبسوط ١ : ١٨٥.

٤٠٦

واعتبرنا الحقيقة والحكم ، لتدخل فيه الصلاة على القبر في أشهر الخبرين ، فإنه وان لم يكن مشاهدا حقيقة فهو في حكم المشاهد ، لصحيح هشام بن سالم عن الصادق عليه‌السلام : « لا بأس أن يصلي الرجل على الميت بعد ما يدفن » (١). وعن مالك مولى الجهم عنه عليه‌السلام : « إذا فاتتك الصلاة على الميت حتى يدفن ، فلا بأس بالصلاة عليه وقد دفن » (٢). والخبران يشملان من صلّي عليه ، ومن لم يصل عليه.

وعن عمرو بن جميع عن الصادق عليه‌السلام : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا فاتته الصلاة على الميت صلّى على القبر » (٣). وروي : ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلّى على قبر مسكينة دفنت ليلا (٤). وهذان ظاهران فيمن صلّي عليه.

وبإزاء هذه الأخبار :

خبر يونس بن ظبيان ، عن الصادق عليه‌السلام ، عن أبيه : « ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى أن يصلّى على قبر ، أو يقعد عليه ، أو يبنى عليه » (٥).

وخبر عمار عن الصادق عليه‌السلام في ميت صلّي عليه وهو مقلوب رجلاه الى موضع رأسه ، قال : « يسوّى وتعاد الصلاة ما لم يدفن ، فان دفن فقد مضت الصلاة ، ولا يصلّي عليه وهو مدفون » (٦).

وروى عمار أيضا عنه : « لا يصلى على الميت بعد ما يدفن » (٧).

وروي ذلك عن رجل من أهل الجزيرة عن الرضا عليه‌السلام في الصلاة‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٦٧ ح ١٥٣٠ ، الاستبصار ١ : ٤٨٢ ح ١٨٦٦.

(٢) الفقيه ١ : ١٠٣ ح ٤٧٥ ، التهذيب ٣ : ٢٠١ ح ٤٦٧.

(٣) الفقيه ١ : ١٠٣ ح ٤٧٦ ، التهذيب ١ : ٤٦٧ ح ١٥٣١ ، الاستبصار ١ : ٤٨٢ ح ١٨٦٨.

(٤) السنن الكبرى ٤ : ٤٨.

(٥) المقنع : ٢١ ، التهذيب ١ : ٤٦١ ح ١٥٠٤ ، الاستبصار ١ : ٤٨٢ ح ١٨٦٩.

(٦) الكافي ٣ : ١٧٤ ح ٢ ، التهذيب ٣ : ٢٠١ ، ٤٧٠ ، الاستبصار ١ : ٤٨٢ ح ١٨٧٠.

(٧) الكافي ٣ : ٢١٤ ح ٤ ، التهذيب ٣ : ١٧٩ ح ٤٠٦ ، ٣٢٧ ح ١٠٢٢.

٤٠٧

على المدفون ، قال : « لا ، ولو جاز ذلك لجاز لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » (١). وهو شامل لنفي الصلاة على القبر ، ونفيها على الغائب.

وروى جعفر بن عيسى : ان الصادق عليه‌السلام قال له حين أخبره بموت عبد الله بن أعين بمكة : « انطلق بنا الى قبره حتى نصلي عليه ». فقلت : نعم. فقال : « لا ، ولكن نصلي عليه هاهنا » فرفع يديه يدعو واجتهد في الدعاء وترحم عليه (٢). وهذا يحتمل أن يريد بالصلاة الأولى حقيقتها ، فتكون من قبيل الأخبار الأول ، وان يريد بها الدعاء المجرّد ، ويكون قد اعرض عن الدعاء على القبر الى الدعاء في موضعه ، فيكون محتملا لعدم الصلاة بالمعنى الحقيقي.

وفي مقطوع محمد بن مسلم أو زرارة ، قال : « الصلاة على الميت بعد ما يدفن انما هو الدعاء ». قلت : فالنجاشي ألم يصلّ عليه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ فقال : « لا ، انما دعا له » (٣).

والشيخ جمع بين الأخبار بالحمل على يوم وليلة (٤) ـ كما قاله المفيد رحمه‌الله (٥) ـ لأنه القدر المتفق عليه.

واختاره في المبسوط والنهاية ، حيث قال : ومن فاتته الصلاة على الجنازة ، جاز ان يصلي على القبر يوما وليلة (٦).

وقال في الخلاف : من صلّى على جنازة يكره أن يصلي عليها ثانيا ، ومن فاتته الصلاة جاز ان يصلّي على القبر يوما وليلة ، وقد روي ثلاثة أيام (٧).

ثم قال : قد حددنا الصلاة على القبر يوما وليلة ، وأكثره ثلاثة أيام (٨).

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٠١ ح ٤٧١ ، الاستبصار ١ : ٤٨٣ ح ١٨٧١.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٠٢ ح ٤٧٢ ، الاستبصار ١ : ٤٨٣ ح ١٨٧٢.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٠٢ ح ٤٧٣ ، الاستبصار ١ : ٤٨٣ ح ١٨٧٣.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٠١ ، الإستبصار ١ : ٤٨٣.

(٥) المقنعة : ٣٨.

(٦) المبسوط ١ : ١٨٥ ، النهاية : ١٤٦.

(٧) الخلاف ١ : ٧٢٦ المسألة : ٥٤٨.

(٨) الخلاف ١ : ٧٢٦ المسألة : ٥٤٩.

٤٠٨

وجمع أيضا بين الأخبار بحمل أخبار الصلاة على الدعاء (١) وفي هذا الحمل إنكار للصلاة على المدفون.

وقد جنح إليه في المعتبر حيث قال ـ بعد حكاية المذاهب فيما إذا لم يصل على الميت ـ : الوجه عندي انها لا تجب ، ولا أمنع الجواز ، لأن المدفون خرج بدفنه عن أهل الدنيا فساوى من فني في قبره ، ولأنه لو جازت الصلاة عليه بعد دفنه لصلّي على الأنبياء في قبورهم والصلحاء وان تقادم العهد. ويؤيد ذلك ما رواه عمار ، وتلا بعض الروايات المذكورة (٢).

قال : واما التقدير باليوم والليلة وثلاثة أيام فلم أقف به على مستند ، وما روي من الصلاة على القبر محمول على الجواز أو الدعاء المحض (٣).

وفي المختلف جمع بحمل أخبار الجواز على ميت لم يصل عليه ، وصرف أخبار المنع الى ميت صلّي عليه ، لاعتضاد الأول بالعمومات الدالة على الصلاة على الميت (٤). وظاهر بعد هذا الحمل.

وإنكار الصلاة على المدفون يخالف فتوى الأصحاب : أما الشيخان فقد ذكرا ، واما غيرهما :

فقال ابن الجنيد : من فاتته الصلاة على الميت ، صلّى عليه ما لم يعلم منه تغير صورته (٥). وهذا ظاهر فيمن فاتته الصلاة على الميت.

وقال ابن البراج : وان فاتته الصلاة ، جاز له ان يصلي على القبر يوما وليلة (٦). ومثله الكيدري.

وقال ابن زهرة : ولا يجوز أن يصلّي على الميت بعد أن يمضي عليه يوم‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٠١ ، الاستبصار ١ : ٤٨٣.

(٢) المعتبر ٢ : ٣٥٨.

(٣) المعتبر ٢ : ٣٥٨.

(٤) مختلف الشيعة : ١٢٠.

(٥) مختلف الشيعة : ١٢٠.

(٦) المهذب ١ : ١٣٢.

٤٠٩

وليلة (١).

وقال ابن حمزة : وان فاتته الصلاة ، صلّى على القبر الى انقضاء يوم وليلة (٢).

وقال سلار : يجوز الصلاة على القبر إلى ثلاثة أيام (٣). وكلام الشيخ يشعر بأنّ به رواية (٤).

وقال ابن إدريس : ومن فاتته الصلاة على الجنازة ، جاز أن يصلي على القبر يوما وليلة ، وجعله أظهر من القول بثلاثة أيام (٥).

قلت : وأكثر هذه ظاهرة فيمن صلّي عليه ، وفي الجواز بمعناه الحقيقي لا الدعاء. ويلزم من جوازها فيمن صلّي عليه وجوبها في فاقد الصلاة ، لأن العمومات الدّالة سالمة عن معارض كون الميت غير صالح للصلاة عليه. وقول المحقق : انه يساوي من فني في قبره ، محض الدعوى ، ولأنّه مهما قدّر (٦) الجواز به قدّرنا به الوجوب. ومنع الصلاة على الأنبياء ، لانتفاء ما قدّره به العلماء ، أو لما حكاه الشيخ في الخلاف من استلزامه الفتنة ، لما روي عنه عليه‌السلام : « لا تتخذوا قبري وثنا يعبد ، لعن الله اليهود فإنّهم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (٧) ، أو لما روي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه قال : « أنا أكرم على ربي من أن يتركني في قبري أكثر من ثلاث » (٨).

__________________

(١) الغنية : ٥٠٢.

(٢) الوسيلة : ١٢٠.

(٣) المراسم : ٨٠.

(٤) الخلاف ١ : ٧٢٦ المسألة : ٥٤٨.

(٥) السرائر : ٨١.

(٦) في س : قدّرنا.

(٧) الخلاف ١ : ١٧٠ المسألة ٨٤.

والرواية في مسند أحمد ٢ : ٢٤٦ ، صحيح البخاري ٢ : ١١١ ، سنن النسائي ٤ : ٩٦ ، السنن الكبرى ٤ : ٨٠.

(٨) تلخيص الحبير ٥ : ١٩٨.

٤١٠

تذنيب :

أكثر هؤلاء حكموا بكراهية الصلاة على الجنازة مرتين. وظاهرهم اختصاص الكراهية بمن صلّى على الميت ، لما تلوناه عنهم من جواز صلاة من فاتته على القبر ، أو يريدون بالكراهية قبل الدفن حتى ينتظم الكلام. وابن إدريس قيّد الكراهية بالصلاة جماعة ، لتكرار الصحابة الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فرادى (١).

وقد روى إسحاق بن عمار عن الصادق عليه‌السلام : « ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلى على جنازة ، فلما فرغ جاء قوم فقالوا : فاتتنا الصلاة عليها ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ان الجنازة لا يصلّى عليها مرّتين ، ادعوا له وقولوا خيرا » (٢). ومثله رواية وهب بن وهب ، عن الصادق عليه‌السلام عن أبيه ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣).

وبإزاء هاتين الروايتين روايات ، منها :

رواية عمار عن الصادق عليه‌السلام : « الميت يصلّى عليه ما لم يوار بالتراب وان كان قد صلّي عليه » (٤).

ورواية يونس بن يعقوب عنه عليه‌السلام : « إن أدركتها قبل أن تدفن ، فإن شئت فصلّ عليها » (٥).

ورواية عمرو بن شمر عن جابر عن الباقر عليه‌السلام : « ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خرج على جنازة امرأة من بني النجار فصلّى عليها ، فوجد الحفرة لم‌

__________________

(١) السرائر : ٨١.

(٢) التهذيب ٣ : ٣٢٤ ح ١٠١٠ ، الاستبصار ١ : ٤٨٤ ح ١٨٧٨.

(٣) قرب الاسناد : ٦٣ ، التهذيب ٣ : ٣٣٢ ح ١٠٤٠ ، الاستبصار ١ : ٤٨٥ ح ١٨٧٩.

(٤) التهذيب ٣ : ٣٣٤ ح ١٠٤٥ ، الاستبصار ١ : ٤٨٤ ح ١٨٧٤.

(٥) التهذيب ٣ : ٣٣٤ ح ١٠٤٦ ، الاستبصار ١ : ٤٨٤ ح ١٨٧٥.

٤١١

يمكثوا (١) فوضعوا الجنازة ، فلم يجئ قوم إلاّ قال لهم عليه‌السلام : صلوا عليها » (٢).

وفي الحسن عن الحلبي عن الصادق عليه‌السلام ، قال : « كبّر أمير المؤمنين عليه‌السلام على سهل بن حنيف وكان بدريا خمس تكبيرات ، ثم مشى ساعة ، ثم وضعه وكبّر عليه خمس تكبيرات اخرى ، يصنع ذلك حتى كبّر عليه خمسا وعشرين تكبيرة » (٣).

وفي خبر عقبة : ان الصادق عليه‌السلام قال : « اما بلغكم انّ رجلا صلّى عليه عليّ عليه‌السلام فكبّر عليه خمسا حتى صلّى عليه خمس صلوات. وقال : انه بدري ، عقبي ، أحدي ، من النقباء الاثني عشر ، وله خمس مناقب فصلّى عليه لكل منقبة صلاة » (٤).

وفي خبر أبي بصير عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « كبّر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على حمزة سبعين تكبيرة ، وكبّر علي عليه‌السلام عندكم على سهل بن حنيف خمسا وعشرين تكبيرة ، كلّما أدركه الناس قالوا : يا أمير المؤمنين لم ندرك الصلاة على سهل ، فيضعه ويكبّر حتى انتهى الى قبره ، خمس مرات » (٥).

فتبين رجحان الصلاة بظهور الفتوى ، وكثرة الأخبار.

وقال الفاضل : ان خيف على الميت كره تكرار الصلاة والا فلا ، وظاهره انه إن نافى التعجيل أيضا (٦) كره. وهذا فيه جمع بين الأخبار ، الا انه لا يرد في الصلاة على القبر.

__________________

(١) في م سواد ، وفي المصدرين : « يمكنوا ».

(٢) التهذيب ٣ : ٣٢٥ ح ١٠١٢ ، الاستبصار ١ : ٤٨٤ ح ١٨٧٧.

(٣) الكافي ٣ : ١٨٦ ح ٢.

(٤) التهذيب ٣ : ٣١٨ ح ٩٨٥.

(٥) الكافي ٣ : ١٨٦ ح ٣ ، الفقيه ١ : ١٠١ ح ٤٧٠ ، التهذيب ٣ : ١٩٧ ح ٤٥٥.

(٦) تذكرة الفقهاء ١ : ٥١.

٤١٢

وفي المختلف : المشهور كراهة التكرار (١) وقد علمت الحال فيه.

فرع له ـ رحمه‌الله‌ ـ : لو قلع الميت ، صلى عليه من غير تقدير (٢) لزوال المانع بالظهور. وهو تام مع بقاء شي‌ء منه ، والقلع يدل عليه ، فلو صار رميما ففي الصلاة بعد إذ لا ميت. وهذا فيمن لم يصل عليه ، ولو كان قد صلى عليه ثم ظهر ، ففي استحباب التثنية القولان ، وكذا ينسحب تقديرها أيضا باليوم أو الثلاثة ، ويمكن عدم التقدير لعدم مقتضيه.

تنبيهات‌

الأول : لا فرق في تكرار الصلاة بين الولي وغيره ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلى على المدفون ليلا جماعة ، رواه ابن عباس وقال : وانا فيهم (٣). ولو اختص التكرار بالولي صلّى وحده.

وتوجيه الثلاثة : بأنها أول حدّ الكثرة وآخر حدّ القلّة ، لا وجه له.

والتحديد بالشهر أخذا من صلاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على النجاشي (٤) وبينهما مسيرة شهر ولو لا الوحي لتأخّر علمه به ، ظاهر الضعف ، فإنه صلّى عليه ليوم موته باخبار الله تعالى ، ولا طريق الى علم عدم صلاته لو زاد على شهر. وما نقل من صلاته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على البراء بن معرور بعد شهر (٥) لا ينفي الزيادة عليه.

الثاني : لو قدّرنا بتقدير ابن الجنيد‌ (٦) فالظاهر : انّ البلى غير شرط ، إذ‌

__________________

(١) مختلف الشيعة : ١٢٠.

(٢) تذكرة الفقهاء ١ : ٤٥ ، نهاية الإحكام ٢ : ٢٥٣.

(٣) انظر : صحيح البخاري ٢ : ١١٣ ، صحيح مسلم ٢ : ٦٥٨ ح ٩٥٤ ، سنن النسائي ٤ : ٨٥ ، السنن الكبرى ٤ : ٤٦.

(٤) تقدم في ٤٠٦ الهامش ٤.

(٥) المصنف لابن أبي شيبة ٣ : ٣٦٠ ، السنن الكبرى ٤ : ٤٩.

(٦) راجع قوله في ص ٤٠٩ الهامش ٥.

٤١٣

الصورة الإنسانية تتغيّر بدونه ، ولو شككنا في تغيّر الصورة ، فالأصل : العدم ، وعليه نبّه بقوله : ما لم يعلم تغيّر صورته ، ويمكن أن يراد بتغير الصورة انمحاق الاجزاء ، لأن المعتبر اسم البدن ، وهو حاصل قبل الانمحاق.

الثالث : لا فرق في هذه الصلاة بين الموجود عند موته وغيره ، ولا بين المكلف وغيره.

ويمكن الفرق ، لأن غير الموجود لم يكن متوجّها اليه الخطاب. وعلى هذا يشترط ان يكون مكلّفا حتى يكون من أهل فرض الصلاة. ويمكن الاجتزاء بكونه مميّزا ، اعتبارا بكونه من أهل الصلاة.

وتظهر الفائدة في المميّز عند موته ، فعلى الأول لا يصلّي ، وعلى الثاني يصلّي.

ويمكن أن يقال : ان كان الميت لم يصل عليه اشترط الأول ، وان كان ممن فاتته الصلاة كفى اعتبار الثاني. وهذا الشرط انما يظهر على مذهب ابن الجنيد ، أو على القول بعدم التقدير.

الرابع : يعتبر هنا مشاهدة القبر أو في حكمه ، وإلاّ لكان صلاة على الغائب. ووقوفه مستقبلا ، جاعلا لما يلي الرأس عن يمينه ، كالميت الظاهر.

الخامس : لا يتقدّر التباعد عن الجنازة بثلاثمائة ذراع‌ (١) لأنه بعد مفرط لم يعتد مثله. وحمله على الجماعة اليومية (٢) غلط في غلط.

السادس : إذا كان الميت لم يصلّ عليه ، فايقاعها بنيّة الفرض. ولو كان قد صلّي عليه ، فالظاهر : أنها بنيّة النفل ، لجواز تركها لا الى بدل والنية تابعة للوجه. ولا منافاة بين فرضيّتها في حقّ الأولين دون الآخرين ، لاختلافهما في المقتضى ، وهو كونه ميتا لم يصلّ عليه أولا بخلاف من صلّي عليه.

السابع : يصلّى على المرجوم ، للعموم ، ولصلاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١) المجموع ٥ : ٢٥٣ ، فتح العزيز ٥ : ١٩١.

(٢) المجموع ٥ : ٢٥٣ ، فتح العزيز ٥ : ١٩١.

٤١٤

على الغامدية (١) وأمر علي عليه‌السلام بالصلاة على سراحة الهمدانية (٢) وهما مرجومتان. وكذا يصلّي الامام عليه ، لما قلناه.

وكذا يصلى على الغالّ ، وهو : كاتم الغنيمة ليخص بها. وقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الجهنيّ الغال : « صلّوا على صاحبكم » (٣) للمبالغة في المنع من الغلول ، كما امتنع من الصلاة على المديون (٤) مع أنّ الصلاة عليه مشروعة بالإجماع.

وكذا يصلّى على قاتل نفسه. وامتناع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الصلاة على قاتل نفسه بمشاقص (٥) كالأول.

وكذا يصلّى على تارك الصلاة ـ وان قتل لتركها ـ وقاطع الطريق.

الثامن : لا صلاة على السقط‌ إذا لم يستهل وان ولجته الروح ، أو مضى عليه : الأربعة أشهر التي ورد في الخبر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « انه ينفخ فيه الروح بعدها » (٦) لعدم تناول العموم له. واولى إذا لم ينفخ الروح فيه وان ظهر التخطط أو اختلج.

وما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : « السقط يصلى عليه » (٧) مطلق ، فيحمل على المقيد بالاستهلال ، مع ان راويه المغيرة بن شعبة وهو مشهور بالانحراف عن علي عليه‌السلام ، ولما ولاّه عمر الكوفة قال له : أنت القويّ‌

__________________

(١) سنن أبي داود ٤ : ١٥٢ ح ٤٤٤٢ ، سنن النسائي ٤ : ٦٣.

(٢) الفقيه ٤ : ١٦ ح ٢٨ ، التهذيب ١٠ : ٤٧ ح ١٧٤.

(٣) الجامع الصحيح ٣ : ٣٨٢ ١٠٧٠ ، سنن النسائي ٤ : ٦٤ ، سنن الدار قطني ٣ : ٧٨ ، السنن الكبرى ٩ : ١٠١.

(٤) تقدم في ص ٣٠٢ الهامش ٣.

(٥) سنن أبي داود ٣ : ٢٠٦ ح ٣١٨٥ ، الجامع الصحيح ٣ : ٣٨٠ ح ١٠٦٨ ، سنن النسائي ٤ : ٦٦ ، السنن الكبرى ٤ : ١٩.

(٦) مسند أحمد ١ : ٣٨٢ ، صحيح البخاري ٤ : ١٣٥ ، سنن أبي داود ٤ : ٢٢٨ ح ٤٧٠٨.

(٧) مسند أحمد ٤ : ٢٤٩ سنن أبي داود ٣ : ٢٠٥ ح ٣١٨٠ ، السنن الكبرى ٤ : ٢٥.

٤١٥

الفاجر (١) فلا تنهض روايته حجّة.

ولو استهل بعد خروج بعضه ، ثم مات قبل تمام خروجه ، صلّي عليه ندبا وان خرج أقلّه ، لدخوله تحت ما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه قال : « إذا استهلّ السقط صلي عليه » (٢) ولما مر.

التاسع : يصلّى على من غسّله الكافر ، أو غسّل بالصب ، أو يمّم. ولو لم يحصل أحد هذه ـ إما لتعذّرها كمن مات في بئر أو معدن انهدما عليه وتعذّر إخراجه ، واما لعدم وجود فاعلها ـ ودفن ، فالظاهر : وجوب الصلاة : وانها غير مشروطة بتقدّم الغسل أو بدله ، للعموم ، وعدم ثبوت التلازم بين الغسل والصلاة.

وروى العلاء بن سيابة عن الصادق عليه‌السلام في بئر مخرج مات فيه رجل ولم يمكن إخراجه : « انها تجعل قبرا » (٣) ولم يذكر الصلاة عليه ، والظّاهر انه معلوم من عموم الصلاة بعد الدفن ، قال : « وان أمكن إخراجه أخرج وغسّل وكفّن » (٤).

وفي المعتبر : ان تعذر الا بالتمثيل به لم يجز ، لقول النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ في هذه الرواية ـ : « حرمة المسلم ميتا كحرمته وهو حي » ، فإن اضطر أهل البئر بان خافوا التلف ، جاز إخراجه ولو تقطع إذا لم يمكن بدونه (٥).

__________________

(١) انظر مختصر تاريخ دمشق ٥ : ١٦٩.

(٢) سنن ابن ماجة ١ : ٤٨٣ ح ١٥٠٨ ، السنن الكبرى ٤ : ٨.

(٣) المقنع : ١١ ، التهذيب ١ : ٤١٩ ح ١٣٢٤ ، ٤٦٥ ح ١٥٢٢.

(٤) المقنع : ١١ ، التهذيب ١ : ٤١٩ ح ١٣٢٤ ، ٤٦٥ ح ١٥٢٢.

والمخرج : مكان خروج الفضلات ، أي الكنيف. مجمع البحرين ـ مادة خرج.

وفي الموضعين من التهذيب : محرج : اي ضيق. لاحظ الصحاح ـ مادة حرج.

(٥) المعتبر ١ : ٣٣٧.

٤١٦

النظر الثالث : في المصلّي ، وفيه مسائل.

الأولى : الأولى بالإرث أولى بالصلاة ، لآية اولي الأرحام (١) ومرسل ابن أبي عمير عن الصادق عليه‌السلام : « يصلي على الجنازة أولى الناس بها ، أو يأمر من يحب » (٢).

وامام الأصل أولى منه عند حضوره ، لقيامه مقام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي هو أولى بالمؤمنين ، ولخبر طلحة بن زيد عن الصادق عليه‌السلام : « إذا حضر الإمام الجنازة ، فهو أحق الناس بالصلاة عليها » (٣).

ويظهر منهما عدم احتياجه إلى اذن ، قال أبو الصلاح : الإمام أولى ، فإن تعذر حضوره واذنه فولي الميت (٤).

وفي المبسوط : يحتاج (٥) لخبر السكوني عن الصادق عليه‌السلام : « قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : إذا حضر سلطان من سلطان الله جنازة ، فهو أحق بالصلاة عليها ان قدّمه وليّ الميت ، وإلاّ فهو غاصب » (٦). ويحمل على غير إمام الأصل ، لأن تنكيره مشعر بالكثرة ، وفيه اشعار باستحباب تقديم الولي إياه ، وكذا قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا يؤمّ الرجل في سلطانه » (٧) ان حملناه على العموم في السلطان والامامات.

وتقديم الحسين عليه‌السلام سعيد بن العاص في الصلاة على الحسن‌

__________________

(١) سورة الأنفال : ٧٥.

(٢) الكافي ٣ : ١٧٧ ح ١ ، التهذيب ٣ : ٢٠٤ ح ٤٨٣.

(٣) الكافي ٣ : ١٧٧ ح ٤ ، التهذيب ٣ : ٢٠٦ ح ٤٨٩.

(٤) الكافي في الفقه : ١٥٦.

(٥) المبسوط ١ : ١٨٣.

(٦) التهذيب ٣ : ٢٠٦ ح ٤٩٠.

(٧) مسند أحمد ٤ : ١١٨ صحيح مسلم ١ : ٤٦٥ ح ٦٧٣ ، سنن أبي داود ١ : ١٥٩ ح ٥٨٢ ، الجامع الصحيح ١ : ٤٥٩ ح ٢٣٥ ، سنن النسائي ٢ : ٧٦ ، السنن الكبرى ٣ : ١٢٥.

٤١٧

عليه‌السلام وقوله : « لو لا السنّة لما قدمتك » (١) لإطفاء الفتنة ، فإنه من السنّة إطفاؤها ، لأن السلطان عندنا الحسين عليه‌السلام.

وقال ابن الجنيد : الأولى الإمام ، ثم خلفاؤه ، ثم إمام القبيلة كباقي الصلوات (٢).

ونقل الفاضل : انّ الولي أولى من الوالي عند علمائنا (٣) فإن أراد توقّفه على تقديمه وان كان تقديمه مستحبا فحسن ، وان أراد نفي استحباب تقديمه فظاهر الخبر يدفعه.

ولو قلنا باحتياج الإمام إلى إذن ، وجب على الولي تحصيلا للغرض ، فان امتنع سقط اعتبار إذنه ، لزوال حقه بامتناعه.

الثانية : لو كان الأقرب امرأة فهي أولى ، لخبر زرارة عن الباقر عليه‌السلام ، قلت له : المرأة تؤمّ النساء؟ قال : « لا ، الا على الميت إذا لم يكن أحد أولى منها ، تقوم وسطهن » (٤).

وروى يزيد بن خليفة عن الصادق عليه‌السلام : « ان فاطمة خرجت في نسائها فصلّت على أختها » (٥) يعني زينب عليهما‌السلام.

وهذا محمول على خروجها بهن في سترة عن الرجال ، لكراهة خروج الشواب لصلاة الجنازة ، لخبر أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام : « ليس ينبغي للشابة ، الا ان تكون مسنّة » (٦) ، ولعلّه لخوف الفتنة ، ولو أمن فلا بأس ، لخبر السكوني عن الصادق عليه‌السلام ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « خير‌

__________________

(١) السنن الكبرى ٤ : ٢٨.

(٢) مختلف الشيعة : ١٢٠.

(٣) تذكرة الفقهاء ١ : ٤٧.

(٤) الفقيه ١ : ٢٥٩ ح ١١٧٧ ، التهذيب ٣ : ٢٠٦ ح ٤٨٨ ، الاستبصار ١ : ٤٢٧ ح ١٦٤٨.

(٥) التهذيب ٣ : ٣٣٣ ح ١٠٤٣ ، الاستبصار ١ : ٤٨٥ ح ١٨٨٠.

(٦) التهذيب ٣ : ٣٣٣ ح ١٠٤٤ ، الاستبصار ١ : ٤٨٦ ح ١٨٨١.

٤١٨

الصفوف في الجنازة المؤخّر لستره النساء » (١) وخبر الحسن الصيقل عن الصادق عليه‌السلام في صلاة النساء بلا رجال : « لا تتقدمهن امرأة » (٢).

وفي انفراد الحائض هنا نظر ، من خبر محمد بن مسلم عن الصادق عليه‌السلام : « لا تقف معهم ، تقف منفردة » (٣) فإن الضمير يدل على الرجال ، وإطلاق الانفراد يشمل النساء ، وبه قطع في المبسوط (٤) وتبعه ابن إدريس (٥) والمحقق (٦).

الثالثة : لو تعدد الوارث فالزوج أولى ، لخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام : الزوج أحقّ من الأب والولد والأخ (٧).

وفي خبرين عنه عليه‌السلام معتبري الاسناد : الأخ أحقّ من الزوج (٨).

وحملا على التقية ، وضعّفهما في المعتبر بابان بن عثمان في أحدهما ، وبحفص بن البختري في الأخر (٩).

قلت : قد نقل الكشي الإجماع على تصحيح ما يصحّ عن أبان (١٠) ووثّق النجاشي حفصا (١١).

وقال في المعتبر : أن سند الأولى سالم (١٢) مع ان فيه علي بن أبي حمزة رأس‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٧٦ ح ٣ ، علل الشرائع : ٣٠٦ ، التهذيب ٣ : ٣١٩ ح ٩٩١.

(٢) الفقيه ١ : ١٠٣ ح ٤٧٩.

(٣) الكافي ٣ : ١٧٩ ح ٤ ، الفقيه ١ : ١٠٧ ح ٤٩٦ ، التهذيب ٣ : ٢٠٤ ح ٤٧٩.

(٤) المبسوط ١ : ١٨٤.

(٥) السرائر : ٨١.

(٦) المعتبر ٢ : ٣٥٤.

(٧) الكافي ٣ : ١٧٧ ح ٢.

(٨) التهذيب ٣ : ٢٠٥ ح ٤٨٥ ، ٤٨٦ ، الاستبصار ١ : ٤٨٦ ح ١٨٨٤ ، ١٨٨٥.

(٩) المعتبر ٢ : ٣٤٦.

(١٠) رجال الكشي : ٣٧٥ رقم ٧٠٥.

(١١) رجال النجاشي : ١٣٤ رقم ٣٤٤.

(١٢) المعتبر ٢ : ٣٤٦.

٤١٩

الواقفة ـ ولعنه ابن الغضائري (١) ـ والقاسم بن محمد ـ والظاهر انه الجوهري ـ وقد قال الشيخ : كان واقفيا (٢). نعم ، مضمون الأولى أشهر في العمل ، لا اعلم فيها مخالفا من الأصحاب.

ولأن ميراث الزوج أكثر مع الأبوين والاخوة (٣).

وقول عمر لأهل امرأته : أنتم أحق بها (٤) لا حجّة فيه ، وجاز ان يكون إيثارا لهم.

ولو فقد الزوج ، قال الشيخ : الأب أولى ، ثم الولد ، ثم ولد الولد ، ثم الجد للأب (٥) ، ثم الأخ للأبوين ، ثم الأخ للأب ، ثم الأخ للأمّ ، ثم العم ، ثم الخال ، ثم ابن العم ، ثم ابن الخال (٦).

قال : وبالجملة من كان أولى بالإرث فهو أولى بالصلاة ، للآية (٧).

ولا يمكن تعليل هذا بأولويّة الإرث ، لعدم اطّرادها في الأب ، فإنّه أقلّ إرثا مع الولد ، ولهذا عدوّه في باب الغرقى أضعف ، والجد مساو للأخ في الإرث.

نعم ، في الأب مزيد اختصاص بالحنوّ والشفقة ، وفي الجدّ بالتولّد ، ولكنه خروج عن الإرث.

وقال ابن الجنيد : الجد ثم الأب ثم الولد (٨) وكأنّه يراعي الشرف.

الرابعة : لو لم يكن الا المولى أو قرابته ، فهو أولى لإرثه. واما الموصى إليه بالصلاة ، فابن الجنيد قدّمه ، وفاء بعهد الميت (٩) ولاشتهار‌

__________________

(١) حكاه عنه ابن داود في رجاله : ٢٥٩.

(٢) رجال الطوسي : ٣٥٨.

(٣) هذا الدليل الثاني للمسألة الثالثة.

(٤) المصنف لابن أبي شيبة ٣ : ٢٥٠.

(٥) في المصدر زيادة : والام.

(٦) المبسوط ١ : ١٨٣.

(٧) المبسوط ١ : ١٨٣.

(٨) مختلف الشيعة : ١٢٠.

(٩) مختلف الشيعة : ١٢٠.

٤٢٠