ذكرى الشيعة في أحكام الشّريعة - ج ١

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]

ذكرى الشيعة في أحكام الشّريعة - ج ١

المؤلف:

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-103-6
الصفحات: ٤٧١

المقام الثالث : في الاستحاضة.

ودمها غالبا أصفر بارد ، لقول الصادق عليه‌السلام في حسن حفص : « ودم الاستحاضة أصفر بارد » (١).

وزاد الشيخان الرقة (٢) كما زادا الغلظ في الحيض (٣).

وفي خبر سعيد بن يسار عن الصادق عليه‌السلام. في المرأة تحيض ثم تطهر ، وربما رأت بعده الدم الرقيق (٤).

وفي خبر علي بن يقطين عن أبي الحسن عليه‌السلام : « تدع الصلاة ما دامت ترى الدم العبيط ، فإذا رقّ وكانت صفرة اغتسلت » (٥). والعبيط يشعر بالغلظ ، والرقّة تنبيه عليه.

وكلّ ما تراه الصبية ، أو اليائسة ، أو دون الثلاثة ، أو غير متوالية ، أو أزيد من العادة ويتجاوز العشرة ، أو بعد أكثر النفاس ، أو بعد التمييز أو قبله إذا كان الدم التالي أقوى وليس بينهما عشرة ، أو بعد ردّها إلى عادة النساء أو الأقران ، أو إحدى الروايات الآتية ، ويستمرّ ، فهو استحاضة ما لم تعلم أنّه لعذرة أو قرح وشبهه ، وقد مرّ وسيجي‌ء تقريره.

ويجب اعتبار الدم. فإن لطخ باطن الكرسف ولم يثقبه ، ولا ظهر عليه ، فعليها إبدالها أو غسلها ـ لوجوب إزالة النجاسة ـ والوضوء لكلّ صلاة. وإن ثقبه ولم يسل ، فعليها مع ذلك تغيير الخرقة أو غسلها ، وغسل للصبح. وإن سال ، فمع ذلك غسلان للظهرين والعشاءين ، مع الجمع بينهما بتأخير الأولى حتى يدخل‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٩١ ح ١ ، التهذيب ١ : ١٥١ ح ٤٢٩.

(٢) المقنعة : ٧ ، التبيان ٢ : ٢٢٠.

(٣) المقنعة : ٦ ، التبيان ٢ : ٢٢٠.

(٤) التهذيب ١ : ١٧٢ ح ٤٩٠ ، الاستبصار ١ : ١٤٩ ح ٥١٣.

(٥) التهذيب ١ : ١٧٤ ح ٤٩٧.

٢٤١

وقت الثانية.

وابن أبي عقيل جعل القسم الأول غير ناقض للطهارة ، وسوّى بين القسمين الآخرين في وجوب الغسل ثلاثا ، ولم يذكر الوضوء (١). فالإجماع حاصل في الثلاثة على القسم الأخير.

وفي المعتبر : الذي ظهر لي أنّه إن ظهر على الكرسف وجب ثلاثة أغسال ، وإن لم يظهر فالوضوءات ، وهو ظاهر صاحب الفاخر (٢).

والمرتضى على أصله في أن لا وضوء مع الغسل (٣).

وابن الجنيد : إن ثقب الكرسف فالأغسال الثلاثة ، وإلاّ فغسل في اليوم والليلة (٤).

وأمّا الأخبار :

فروى الصحّاف عن الصادق عليه‌السلام : « فلتغتسل وتصلّي الظهرين ، ثم لتنظر : فإن كان الدم لا يسيل فيما بينها وبين المغرب ، فلتتوضّأ لكل صلاة ما لم تطرح الكرسف ، فإن طرحته وسال وجب عليها الغسل ، وإن طرحته ولم يسل فلتتوضّأ ولا غسل عليها. وإن كان إذا أمسكت الكرسف يسيل من خلفه صبيبا ، فعليها الغسل ثلاثا ».

وقال الصادق عليه‌السلام : « فإذا فعلت ذلك أذهب الله الدم عنها » (٥).

وفي خبر ابن سنان عنه عليه‌السلام : « لم تفعله امرأة قط احتسابا ، إلاّ عوفيت من ذلك » (٦).

__________________

(١) المعتبر ١ : ٢٤٤ ، مختلف الشيعة : ٤٠.

(٢) المعتبر ١ : ٢٤٥.

(٣) المعتبر ١ : ٢٤٧ ، مختلف الشيعة : ٤٠.

(٤) المعتبر ١ : ٢٤٤ ، مختلف الشيعة : ٤٠.

(٥) الكافي ٣ : ٩٥ ح ١ ، التهذيب ١ : ١٦٨ ح ٤٨٢ ، الاستبصار ١ : ١٤٠ ح ٤٨٢.

(٦) الكافي ٣ : ٩٠ ح ٥ ، التهذيب ١ : ١٧١ ح ٤٧٨ وص ٤٠١ ح ١٢٥٤.

٢٤٢

فرع :

هذا مشعر بأنّ الاعتبار بوقت الصلاة ، فلا أثر لما قبله. ويظهر منه أنّ السيل ينبغي أن يكون واقعا ، فلو كان مقدّر الوقوع فلا أثر له ، لقوله : « ما لم تطرح الكرسف » الى آخره.

وروى زرارة عن الباقر عليه‌السلام : « فلتغتسل ، وتستوثق من نفسها ، وتصلّي كلّ صلاة بوضوء ما لم ينفذ الدم ، فإذا نفذ اغتسلت وصلّت » (١).

وروى معاوية بن عمّار عن الصادق عليه‌السلام : « إذا ثقب الكرسف اغتسلت للظهرين ، تؤخّر هذه وتعجّل هذه ، وللعشاءين تؤخّر هذه وتعجّل هذه ، وتغتسل للصبح ، وتحتشي وتستثفر وتضمّ فخذيها في المسجد ، ولا يأتيها بعلها أيّام قرئها. وإن لم يثقب توضأت لكلّ صلاة ودخلت المسجد » (٢).

وهذه حجة المعتبر ، وفيها تصريح بجواز دخول المستحاضة المسجد ، وتلويح بأنّ التلويث مانع من الدخول.

وفي صحيح ابن سنان عن الصادق عليه‌السلام : « المستحاضة تغتسل ثلاثا » (٣) ، ولم يذكر الوضوء ولا التفصيل. وهذا حجة ابن أبي عقيل.

قلنا : المطلق يحمل على المقيّد.

وروى سماعة : « المستحاضة إذا ثقب الكرسف اغتسلت الثلاثة ، وإن لم يجز الدم الكرسف فالغسل لكلّ يوم مرة ، والوضوء لكلّ صلاة » (٤). وهذا لابن الجنيد ، وحمل على النفوذ وعدم السيل.

وفي الخبر المشهور في سنن الحيض الثلاث : « انّ رسول الله ( صلّى الله عليه‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٦٩ ح ٤٨٣.

(٢) الكافي ٣ : ٨٨ ح ٢ ، التهذيب ١ : ١٠٦ ح ٢٧٧ وص ١٧٠ ح ٤٨٤ ، باختصار في ألفاظ الحديث.

(٣) الكافي ٣ : ٩٠ ح ٥ ، التهذيب ١ : ١٧١ ح ٤٨٧ وص ٤٠١ ح ١٢٥٤.

(٤) الكافي ٣ : ٨٩ ح ٤ ، التهذيب ١ : ١٧٠ ح ٤٨٥.

٢٤٣

وآله ) أمر فاطمة بنت أبي حبيش أن تدع الصلاة قدر أقرائها ، ثم تغتسل » (١).

وفي كلام الباقر عليه‌السلام : « تغتسل وتتوضّأ لكلّ صلاة » (٢).

وأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الناسية وقتها وعددها بترك الصلاة عند إقبال الحيض ، وبالاغتسال عند إدباره ، وفسّر الصادق عليه‌السلام الإقبال والإدبار : بتغيّر اللون من السواد الى غيره ، لأن دم الحيض اسود يعرف (٣).

وأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حمنة بنت جحش ـ وكانت مبتدأة ـ بالتلجّم والتحيّض في كلّ شهر في علم الله ستة أيّام أو سبعة ، ثم الغسل للفجر ، ثم للظهرين ، ثم للعشاءين ، تؤخّر الاولى وتعجّل الثانية (٤).

والجمع بين هذه بالقول المشهور.

وعلم منها أنّها لا تجمع بين صلاتين بوضوء وإن كان الدم كثيرا.

وظاهر المفيد في ذات الأغسال الاكتفاء بوضوء واحد لصلاتي الجمع (٥) ، وقطع به ابن طاوس والمحقّق بظاهر الخبر (٦).

وإنّما وجب الوضوء الواحد بما تقدّم : من احتياج ما عدا غسل الجنابة إلى الوضوء.

والخبر عن النبي عليه‌السلام : « أنّ المستحاضة تتوضّأ لكلّ صلاة » (٧) محمول على عدم نفوذ الدم.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٨٣ ح ١ ، التهذيب ١ : ٣٨١ ح ١١٨٣.

(٢) الكافي ٣ : ٨٣ ح ١ ، التهذيب ١ : ٣٨١ ح ١١٨٣.

(٣) الكافي ٣ : ٨٣ ح ١ ، التهذيب ١ : ٣٨ ح ١١٨٣.

(٤) سنن ابن ماجة ١ : ٢٠٥ ح ٦٢٧ ، الجامع الصحيح ١ : ٢٢١ ح ١٢٨ ، سنن الدار قطني ١ : ٢١٤.

وراجع : الكافي ٣ : ٨٣ ح ١ ، التهذيب ١ : ٣٨١ ح ١١٨٣.

(٥) المقنعة : ٢٧.

(٦) المعتبر ١ : ٢٤٧.

(٧) سنن ابن ماجة ١ : ٢٠٤ ح ٦٢٥ ، السنن الكبرى ١ : ٣٤٤ وما بعدها.

٢٤٤

وقطع في المختلف بوجوب الوضوءين ، لعموم الآية السالم عن [ معارضة ] كون الغسل رافعا للحدث (١).

فائدة :

معنى قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « في علم الله » اختصاص علمه بالله ، إذ لا حيض لها معلوم عندها ، أو : فيما علّمك الله من عادات النساء ، فإنّه القدر الغالب عليهن ، ويكون كخبر محمّد بن مسلم عن الباقر عليه‌السلام في المستحاضة : « تنظر بعض نسائها فتقتدي بأقرائها » (٢).

وعن سماعة أنّه سأله عن المبتدأة ، فقال : « أقراؤها مثل أقراء نسائها ، فإن اختلفن فأكثر جلوسها عشرة أيام ، وأقلّه ثلاثة » (٣).

واستدلّ الشيخ على صحة الرواية بالإجماع (٤).

وعن عبد الله بن بكير عن الصادق عليه‌السلام في الجارية المستحاضة : « تأخذ عشرة من الشهر الأول ، وثلاثة من الثاني وما بعده » (٥).

وهذا حكم المبتدأة إذا فقدت التمييز ، أمّا المضطربة فتشاركها في التمييز ، ثم لا ترجع إلى النساء ، لأنّه قد سبق لها عادة ، بل تشاركها في الجلوس الشرعي.

وخيّر في المبسوط بين الثلاثة والعشرة في الشهرين وبين السبعة فيهما (٦).

وفي موضع آخر : عشرة طهر وعشرة حيض ، لأنّه دم يمكن أن يكون حيضا (٧).

__________________

(١) مختلف الشيعة : ٤١ ، ومنه ما أثبتناه بين المعقوفين.

(٢) التهذيب ١ : ٤٠١ ح ١٢٥٢ ، الإستبصار ١ : ١٣٨.

(٣) الكافي ٣ : ٧٩ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٣٨٠ ح ١١٨١ ، الاستبصار ١ : ١٣٨ ح ٤٧١.

(٤) الخلاف ١ : ٢٣٤ المسألة : ٢٠٠.

(٥) التهذيب ١ : ٤٠٠ ح ١٢٥١ وص ٣٨١ ح ١١٨٢ ، الاستبصار ١ : ١٣٧ ح ٤٦٩ و ٤٧٠.

(٦) المبسوط ١ : ٤٧.

(٧) المبسوط ١ : ٥١ ، ٥٥.

٢٤٥

وفي الخلاف : ستة أو سبعة (١).

وفي النهاية : روى عشرة ثم ثلاثة (٢).

والصدوق : أكثر جلوسها عشرة لكل شهر (٣) ، وهو ظاهر المرتضى حيث قال : ثلاثة إلى عشرة (٤). والكلّ متقارب.

فروع :

الأول : ظاهر الخبر التخيير بين الستة والسبعة ، ولا محذور في التخيير بين فعل الواجب وتركه ، لوجود مثله في الصلاة في الأماكن الأربعة ، والتسبيح بدل الحمد في الأقرب.

ويمكن عودها إلى ما يغلّب على ظنها ، لقوة طرف الظن ، ووجوب العمل بالراجح.

وعلى التفسير الثاني لـ « علم الله » المؤيّد بالخبر : تجتهد في النساء ، وتأخذ عادة الأقرب إليها من جهة الأبوين ، ولا اختصاص للعصبة هنا ، لأنّ المعتبر الطبيعة وهي جاذبة من الطرفين. فإن تعذّر فأقرانها ، قاله في المبسوط (٥) ، وتبعه جماعة من الأصحاب (٦).

فحينئذ إن كان عادة الأقرب ستة فهي المأخوذة ، وإن كانت عادتهن سبعة فهي المأخوذة ، فيكون قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ستة أو سبعة » للتنويع ، أي : إن كنّ يحضن ستة فتحيّضي ستة ، وإن كنّ يحضن سبعة فتحيّضي سبعة.

فإن زدن عن السبع أو نقصن عن الست ، فالمعتبر عادتهن ، لأن الأمر بالستة أو السبعة بناء على الغالب.

__________________

(١) الخلاف ١ : ٢٣٠ المسألة : ١٩٧.

(٢) النهاية : ٢٥.

(٣) الفقيه ١ : ٥١.

(٤) مختلف الشيعة : ٣٨.

(٥) المبسوط ١ : ٤٦.

(٦) راجع : المهذب ١ : ٣٧ ، الوسيلة ٥٩ ، نهاية الإحكام ١ : ١٣٧. ٥٩.

٢٤٦

ويمكن أخذ الستة إن نقصن ، والسبعة إن زدن ، عملا بالأقرب إلى عادتهن في الموضعين.

وظاهر كلام الأصحاب (١) أنّ عادة النساء والأقران مقدّمة على هذين العددين ، وأنّها لا ترجع إليهما إلاّ عند عدم النساء والأقران ، أو اختلاف عادتهن من غير أن يكون فيهنّ أغلب ، إذ لو كان الأغلب عليهن عددا تحيّضت به.

الثاني : خبر محمد بن مسلم‌ يدل على التمسّك ولو بواحدة ، قضية للبعض ، وهو خلاف الفتوى (٢).

ويمكن حملها على غير المتمكنة من معرفة عادات جميع نسائها ، فتكتفي بالبعض الممكن ، ولأنّ تتبّع جميع نسائها فيه عسر غالبا.

الثالث : أنكر في المعتبر العود إلى الأقران‌ مطالبا بالدليل ، وفارقا بالمشاكلة في الطباع والجنسية في نسائها دون الأقران (٣).

ولك أن تقول : لفظ « نسائها » دالّ عليه ، فان الإضافة تصدق بأدنى ملابسة ، ولما لابسنها في السن والبلد صدق عليهن النساء. واما المشاكلة فمع السن واتحاد البلد تحصل غالبا. وحينئذ ليس في كلام الأصحاب منع منه ، وان لم يكن فيه تصريح به.

نعم ، الظاهر اعتبار اتحاد البلد في الجميع ، لأنّ للبلدان أثرا ظاهرا في تخالف الأمزجة.

وعلى ما فسّرنا به « علم الله » يقوى ذلك ، وقرينته « ستة أو سبعة » فإن هذه الأغلبية لا تختصّ بنسائها دون غيرهن.

الرابع : حكم أبو الصلاح برجوع المضطربة الى النساء ، ثم التمييز ، ثم السبعة (٤). وهو مخالف للمشهور رواية وفتوى.

__________________

(١) راجع : المبسوط ١ : ٤٦ ، نهاية الإحكام ١ : ١٣٧ ، المهذب ١ : ٣٧.

(٢) راجع : المبسوط ١ : ٤٦ ، المهذب ١ : ٣٧ ، الوسيلة : ٥٠ ، نهاية الإحكام ١ : ١٣٧.

(٣) المعتبر ١ : ٢٠٨ وص ٢٠٩.

(٤) الكافي في الفقه : ١٢٨.

٢٤٧

وحكم ابن الجنيد في المبتدأة والمضطربة بعشرة أولا ، ثم ثلاثة فيما بعد ، وبقضاء عشرة من شهر رمضان ، للاحتياط (١).

الخامس : لا تصح طهارتها قبل الوقت ، لعدم الحاجة إليه ، وللخبر أنّها « تتوضّأ لكلّ صلاة » (٢).

وحكم الشيخ ـ في المبسوط والخلاف ـ وابن إدريس بتوقّف صحة الصلاة على معاقبة الطهارة ، فلو لم تتشاغل بها ثم صلّت لم تصح ، لأنّ فرضها الوضوء عند الصلاة ، وهي تقتضي التعقيب (٣). وليس في أكثر الأخبار « عند ».

نعم هو في خبر عبد الله بن سنان عن الصادق عليه‌السلام في الغسل ثلاثا (٤) ، وفي خبر الصحّاف : « فلتتوضّأ ، ولتصلّ عند وقت كل صلاة » (٥).

والأصل الصحة ـ كما قوّاه الفاضلان (٦) ـ إلاّ أن يقال : الصلاة بالحدث مخالف للأصل ، فيجب تقليله ما أمكن ، وهو قريب.

نعم ، لا يضرّ اشتغالها بمقدّمات الصلاة : كالستر ، والاجتهاد في القبلة ، وانتظار الجماعة ، قاله الفاضل (٧).

وظاهر الخلاف المنع في ذلك (٨).

أما الأذان والإقامة ، فلا يقدحان قطعا ، نظرا إلى فعلهما على الوجه الأكمل.

__________________

(١) مختلف الشيعة : ٣٨.

(٢) الكافي ٣ : ٨٣ ح ١ ، التهذيب ١ : ٣٨١ ح ١١٨٣.

(٣) المبسوط ١ : ٦٨ ، الخلاف ١ : ٢٥١ المسألة : ٢٢٤ ، السرائر : ٢٩.

(٤) الكافي ٣ : ٩٠ ح ٥ ، التهذيب ١ : ١٧١ ح ٤٨٧ وص ٤٠١ ح ١٢٥٤.

(٥) الكافي ٣ : ٩٥ ح ١ ، التهذيب ١ : ١٦٨ ح ٤٨٢ وص ٣٨٨ ح ١١٩٧ ، الاستبصار ١ : ٤٠ ح ٤٨٢.

(٦) المعتبر ١ : ١١٣ ، مختلف الشيعة : ٤١.

(٧) نهاية الإحكام ١ : ١٢٧.

(٨) الخلاف ١ : ٢٥١ المسألة : ٢٢٤.

٢٤٨

السادس : الأجود تجديد الوضوء لصلاة النافلة ، لما قلناه من الحدث ، ولظاهر الخبر (١).

وجوّز الشيخ صلاة ما شاءت من النافلة بوضوء الفريضة (٢) ، فكأنّه يحمل الصلاة المأمور بالوضوء لها على المعهودة ، وهي اليومية أو الفريضة.

ولو جوزنا لها فعل القضاء انسحب الخلاف.

نعم ، يجوز لها الجمع بين الفرائض والنوافل بغسل واحد لوقته. وكذا تجمع بين صلاتي الليل والصبح بغسل ، فتؤخّر صلاة الليل وتقدّم صلاة الفجر لأول وقتها ، لأنّ الغسل لا يتعدّد إلاّ بحسب الوقت المخصوص. ولو لم تتنفّل ليلا اغتسلت بعد الفجر ، ولو كانت صائمة قدّمته على الفجر كغسل منقطعة الحيض.

تنبيه :

قال في المعتبر : تصير طاهرا بالأفعال إجماعا (٣) ، وصحة الصلاة موقوفة على جميعها.

أما الصوم ، فيكفي فيه الغسل ، ولو أخلّت به قضت لا غير ، للخبر.

وكلام المبسوط يشعر بتوقفه في القضاء ، حيث أسنده إلى رواية الأصحاب (٤).

نعم ، لا يشترط في صحة صوم يوم غسل الليلة المستقبلة قطعا ، لسبق تمامه.

وهل يشترط فيه غسل ليلته؟ فيه كلام يأتي ان شاء الله.

واستثنى ابن حمزة مما يحل للمستحاضة دخول الكعبة (٥) ، حراسة عن مظنة‌

__________________

(١) راجع الهامش : ٢ صحيفة ٢٤٨.

(٢) المبسوط ١ : ٦٨.

(٣) المعتبر ١ : ٢٤٨.

(٤) المبسوط ١ : ٦٨.

(٥) الوسيلة : ٦١.

٢٤٩

التلويث.

السابع : ظاهر الأصحاب توقّف حلّ الوطء‌ على ما توقّف عليه الصلاة والصوم ، من الوضوء والغسل ، لقولهم : يجوز وطؤها إذا فعلت ما تفعله المستحاضة ، قاله : المفيد (١) وابن الجنيد (٢) والمرتضى (٣) والشيخ (٤) لوجود الأذى فيه كالحيض.

ولخبر عبد الملك بن أعين عن الصادق عليه‌السلام : « ولا يغشاها ، حتى يأمرها فتغتسل » (٥).

وجعله المحقق في المعتبر مكروها مغلظا قبل الإفعال ، لأنّه دم مرض وأذى ، فالامتناع فيه أولى وليس بمحرم ، لعموم ( فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ ) ، و ( نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ ) ، و ( إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ ).

ولما روي : أن حمنة بنت جحش كان زوجها يجامعها مستحاضة ، وكذا أم حبيبة.

وعن عبد الله بن سنان عن الصادق عليه‌السلام : « المستحاضة لا بأس أن يأتيها بعلها متى شاء إلاّ أيام أقرائها » ومثله في خبر معاوية بن عمار عن الصادق عليه‌السلام.

وهذه الأخبار مطلقة ، فاشتراط الأفعال خلاف الأصل.

ولأنّ الوطء لا يشترط فيه الخلو من الحدث كالحائض المنقطعة الدم.

ولأصالة الحل السالم عن المعارض الشرعي (٦).

__________________

(١) المقنعة : ٧.

(٢) المعتبر ١ : ٢٤٨.

(٣) المعتبر ١ : ٢٤٨.

(٤) المبسوط ١ : ١٦٧.

(٥) التهذيب ١ : ٤٠٢ ح ١٢٥٧ ، عن أبي جعفر عليه‌السلام.

(٦) المعتبر ١ : ٢٤٨.

٢٥٠

وأجيب عن الأول : بأنّه قياس ، وعن الخبر : إمكان إرادة غسل الحيض.

وما أقرب الخلاف هنا من الخلاف في وطء الحائض قبل الغسل. ولما علق المفيد حل الوطء على الأفعال ، أتبعه : بأنه لا يجوز إلاّ بعد نزع الخرق وغسل الفرج بالماء (١).

الثامن : حكم الشيخ بأنّ انقطاع دمها بعد الوضوء يوجب الوضوء (٢) ، ولم يذكر البرء.

وقيّده بعض الأصحاب بالبرء (٣).

والأصل فيه : ان انقطاع الدم يظهر معه حكم الحدث ، أو ان الصلاة أبيحت مع الدم للضرورة وقد زالت.

ويمكن أن يقال : انّ دم الاستحاضة في نفسه حدث يوجب الوضوء وحده تارة ، والغسل أخرى.

فإذا امتثلت ، فإن كان حال الطهارة منقطعا واستمرّ الانقطاع ، فلا وضوء ولا غسل ، لأنّها فعلت موجبه. وان خرج بعدهما أو في أثنائهما دم ، ثم انقطع إما في الأثناء أو بعده ، فان كان انقطاع فترة فلا أثر له ، لأنّه بعوده كالموجود دائما. وان كان انقطاع برء ، فالأجود وجوب ما كان يوجبه الدم ، لأن الشارع علّق على دم الاستحاضة الوضوء والغسل وهذا دم استحاضة ، والطهارة الأولى كانت لما سلف قبلها من الدم ، ولا يلزم من صحة الصلاة مع الدم عدم تأثيره في الحدث.

__________________

والآيات على التوالي في : سورة البقرة : ٢٢٢ ، ٢٢٣ ، سورة المؤمنون : ٦.

وقضية حمنة وأم حبيبة في : السنن الكبرى ١ : ٣٢٩.

وخبر ابن سنان في : الكافي ٣ : ٩٠ ح ٥ ، التهذيب ١ : ١٧١ ح ٤٨٧.

وخبر معاوية بن عمار في : الكافي ٣ : ٨٨ ح ٢ ، التهذيب ١ : ١٧٠ ح ٤٨٤.

(١) المقنعة : ٧.

(٢) المبسوط ١ : ٨٦.

(٣) راجع : نهاية الإحكام : ١ : ١٢٨ ، تحرير الأحكام ١ : ١٦.

٢٥١

وهذه المسألة لم نظفر فيها بنص من قبل أهل البيت عليهم‌السلام ، ولكن ما أفتى به الشيخ هو قول العامة (١) بناء منهم على أنّ حدث الاستحاضة يوجب الوضوء لا غير ، فإذا انقطع بقي على ما كان عليه ، ولما كان الأصحاب يوجبون به الغسل فليكن مستمرا.

وعلى هذا ، لو لم تغتسل مع الكثرة للصبح مثلا ثم دخل وقت الظهر ، فان كان باقيا أجزأها غسل الظهرين ، لأنّه يرفع ما مضى من الحدث. وان كان منقطعا ، فالأجود وجوب الغسل ، وكذا لو أهملت غسلي النهار ودخل الليل.

ولو أهملت غسل الليل ، واغتسلت للصبح وصامت ، أجزأ ، لأنّه يأتي على ما سلف.

وان كان الدم قد انقطع قبله ، وجب فعله على ما قلناه ، فلو أخلّت به بطل الصوم والصلاة.

وفي نهاية الفاضل قرّب وجوب الغسل لو انقطع الدم قبل فعله ، إمّا بجنوبها أو لإخلالها (٢).

التاسع : لو انقطع الدم في أثناء الصلاة ، حكم في المبسوط والخلاف بإتمامها (٣) ، لأنّها دخلت دخولا مشروعا فلا تبطل عملها للنهي عنه.

ولحظ ابن إدريس والمحقق المنافاة ، لأن الحدث كما يمنع من الدخول في الصلاة يمنع من الاستمرار فيها (٤).

قال في المعتبر : لو قيل : خروج دمها بعد الطهارة معفو عنه ، فلم يكن مؤثرا في نفس الطهارة ، والانقطاع ليس بحدث ، أمكن ، لكن يلزم التسوية في جواز الصلاة بين انقطاعه قبل الشروع في الصلاة ، وانقطاعه في أثنائها (٥).

__________________

(١) المجموع ٢ : ٥٣٨ ، المغني ١ : ٣٩٠.

(٢) نهاية الإحكام ١ : ٢٧.

(٣) المبسوط ١ : ١٦٨ ، الخلاف ١ : ٢٥٠ المسألة : ٢٢٢.

(٤) السرائر : ٣٠ ، المعتبر ١ : ١١٢.

(٥) المعتبر ١ : ١١٢.

٢٥٢

قلت : لا أظن أحدا قال بالعفو عن هذا الدم الخارج بعد الطهارة مع تعقّب الانقطاع ، انما العفو عنه مع قيد الاستمرار ، فلا يتم الاعتراض.

العاشر : قيل : الاعتبار في الكثرة والقلة بأوقات الصلوات ، فلو سبقت القلة وطرأت الكثرة انتقل الحكم ، فلو كانت الكثرة بعد الصبح اغتسلت للظهرين.

وهل يتوقّف عليه صحة الصوم؟ نظر ، من سبق انعقاده ، ومن الحكم على المستحاضة بوجوب الأغسال وجعلها شرطا في صحة الصوم ، وهو أقرب.

ولا فرق في الصوم بين كثرته قبل فعل الظهرين ، أو بعد فعلهما.

اما بالنسبة إلى الظهرين فلا يجب ان كثر بعدهما غسل لهما ، بل إن استمر الى العشاءين اغتسلت لهما قطعا. وكذا ان انقطع مظنونا عوده أو مشكوكا فيه ، لأصالة البقاء ، وان شفيت منه بني على ما مر.

ولو سبقت الكثرة في الصبح اغتسلت له ، فلو قلّ عند الظهر توضّأت.

ولو جوّزت عود الكثرة ، فالأجود الغسل ، لأنه كالحاصل ، وان علمت الشفاء كفاها الوضوء ، والطريق الى علم الشفاء إما اعتياده أو إخبار العارف ، ويكفي غلبة الظن.

الحادي عشر : الأجود انه إذا انقطع الدم بعد الطهارة إعادتها‌ وان لم تعلم الشفاء ، لأنّه يمكنها ان تصلي بطهارة رافعة للحدث ، سواء ظنّت عدم الشفاء أو شكّت فيه. ولو ظنّت قصور الزمان عن الطهارة والصلاة ، فلا اعادة ولو صحب الانقطاع الصلاة ، للامتثال. ويحتمل في الأول ذلك أيضا.

وجزم في الخلاف بوجوب اعادة الوضوء إذا انقطع الدم قبل دخولها في الصلاة ، وببطلان الصلاة لو لم تفعل (١) ، ولم يفصّل.

ثم المستحاضة : إمّا ذات عادة مستقيمة معلومة ، أو مبتدأة ، وقد ذكرتا.

وإمّا مضطربة ذات تمييز ، فتعمل عليه.

__________________

(١) الخلاف ١ : ٢٥١ المسألة : ٢٢٣.

٢٥٣

وإمّا فاقدته ، وهي ثلاث :

الأولى : ذكرت العدد ونسيت الوقت ، فتخصص بالاجتهاد أيامها ولا اعتراض للزوج ، ومع عدم الامارة تتخيّر ، وأول الشهر أولى ، لإمكان الحيض فيه مع سبقه ،

ولقول الصادق عليه‌السلام : « تترك الصلاة عشرة أيام ثم تصلّي عشرين يوما » (١). واختاره في التذكرة (٢).

ووجه التخصيص : انّها لا تقصر عن ناسيتهما ، وهو منصوص ابن الجنيد والفاضل رحمهما الله (٣). والقول بالاحتياط عسر منفي بالآية (٤) والخبر (٥).

ولو جلست العدد ، ثم ذكرت وقت العادة وتبيّن الخطأ ، استدركت.

ولا فرق بين أن يكون الوقت المنسي فيه ينقص نصفه عن العدد أو لا ، إلاّ في تيقّن الحيض في الزائد على النصف ومثله ، وتتخير في الباقي من العدد فتضعه قبل المتيقن أو بعده أو تفرّقه.

فلو قالت : حيضي عشرة والثاني عشر حيض بيقين ، فالمضلة تسعة عشر يوما ، وهي ما عدا الأولين والتسعة الأخيرة ، فنصفها زائدة عنه العشرة بنصف يوم فيوم كامل حيض وهو الثاني عشر ، فقد تطابقت القاعدة وعلمها.

ولو قالت : لي في كل شهر حيضتان كل واحدة ثمانية ، فلا بدّ بينهما من الطهر ، فالمضلة ما عدا ستة أيام من الثالث عشر إلى الثامن عشر ، لأنّه لا يمكن تأخير الحيض الأول عن أول الخامس ، ولا تأخير مبدأ الحيض الثاني عن الثالث والعشرين ، والمتيقن في الحيضة الاولى من أول الخامس الى آخر الثامن ، وفي الثانية‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٨١ ح ١١٨٢ ، الاستبصار ١ : ١٣٧ ح ٤٦٩.

(٢) تذكرة الفقهاء ١ : ٣٣.

(٣) مختلف الشيعة : ٣٩.

(٤) سورة البقرة : ٢٢٢.

(٥) راجع الهامش ١.

٢٥٤

من الثالث والعشرين الى السادس والعشرين ، والضال ثمانية تضعها حيث شاءت مما لا يدخل في الطهر المتيقن ، وهو : من الأول إلى آخر الرابع ، ومن التاسع الى آخر الثاني عشر ، ومن التاسع عشر الى آخر الثاني والعشرين.

ومن هذا يعلم مسائل الامتزاج ، المشهورة عند العامة بمسائل الخلط ، وبه سماها الشيخ رحمه‌الله (١) كأن تقول : حيضي عشرة ، وكنت أمزج شهرا بشهر ـ أي : كنت آخر الشهر وأول ما بعده حائضا ـ فالمتيقن من الحيض لحظة من آخر كل شهر ولحظة من أوله ، والمتيقن من الطهر من اللحظة الأخيرة من اليوم العاشر إلى أول لحظة من اليوم الحادي والعشرين ، فتضل العشرة في عشرين يوما بنقص لحظتين ، وهي ما بين اللحظة من أول الشهر واللحظة من آخر العاشر ، وما بين اللحظة من أول ليلة الحادي والعشرين واللحظة من آخر الشهر ، فتزيد عن نصفها بلحظة فلحظتان متيقنتان ، وتضم إليها الباقي كيف شاءت.

ولو لم تعلم عدد حيضها في هذه الصورة ، فلحظتا الحيض بحالهما ، والطهر المتيقن بحاله. واما المشتبه ، ففي العشر الأول الناقص لحظة يحتمل : الحيض والطهر والانقطاع ، وفي العشر الأخير يحتمل : الحيض والطهر لا غير ، ويسمى : المزج المطلق ، وهو من باب القسم الآتي.

الثانية : ذكرت الوقت ونسيت العدد ، فان ذكرت أوّله أكملته ثلاثة لتيقنها.

واحتمل في الباقي ان يجعل طهرا بيقين ، بناء على ان تلك الثلاثة هي وظيفة الشهر. واحتمل ان تكون على التخيير بين الروايات السابقة ، فلها جعله عشرة أو سبعة أو ستة ، لصدق (٢) الاختلاط ، وعدم علم العادة.

وان ذكرت آخره ، جعلته نهاية الثلاثة ، أو تلك الأعداد.

وان ذكرت أنه أثناء حيض ، فهو ويوم قبله ويوم بعده حيض بيقين.

__________________

(١) المبسوط ١ : ٥٩.

(٢) في م : لصدق.

٢٥٥

واحتمل مراعاة تلك الأعداد. وكذا لو علمت انه وسط ، غير انها لا تأخذ عددا زوجا ، بل تأخذ إمّا السبعة أو الثلاثة.

وان ذكرته خاصة ولم تعلم حاله ، فهو حيض بيقين ، وتضم اليه إمّا تمام الثلاثة أو غيرها من أعداد الروايات.

وأمّا الاحتياط ، فمشهور في جميع هذه المواضع ، وهي الجمع بين تكليف الحائض والمستحاضة ، والغسل للحيض في أوقات إمكان الانقطاع.

الثالثة : نسيتهما جميعا ، فظاهر الأصحاب العمل بالروايات في هذه ، وادّعى عليه في الخلاف إجماعهم (١) ، إلاّ أنّه في المبسوط حكم بمقتضى الاحتياط المذكور (٢).

ويدفعه : ما رواه هو والكليني وغيره من خبر السنن الثلاث المتقدم عن الصادق عليه‌السلام ، وقال فيه : « ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سنّ في الحيض ثلاث سنن ، بيّن (٣) فيها كل مشكل لمن سمعها وفهمها ، حتى لم يدع لأحد مقالا فيه بالرأي » (٤).

وضعّف الخبر في المعتبر بأنّه من مرويات محمد بن عيسى عن يونس ـ وقد سبق استثناء الصدوق له (٥) ـ وبإرساله (٦).

والشهرة في النقل ، والإفتاء بمضمونه حتى عدّ إجماعا ، يدفعهما.

ويؤيده أنّ حكمة الباري أجلّ من أن يدع أمرا مبهما ، تعمّ به البلوى في كل زمان ومكان ، ولم يبيّنه على لسان صاحب الشرع ، مع لزوم العسر والحرج فيما قالوه ، وهما منفيان بالآي والأخبار ، وغير مناسبين للشريعة السمحة السهلة.

__________________

(١) الخلاف ١ : ٢٤٢ المسألة : ٢١١.

(٢) المبسوط ١ : ٥٩.

(٣) في م ، س ، ط : « سنّ ».

(٤) الكافي ٣ : ٨٣ ح ١ ، التهذيب ١ : ٣٨١ ح ١١٨٣.

(٥) تقدم في ص ٧٢ الهامش ١.

(٦) المعتبر ١ : ٢١٠.

٢٥٦

تتمة :

يجب على المستحاضة منع الدم بحسب المكنة ، لما مرّ من الأمر بالتلجّم والاستثفار (١) ـ بالتاء المثناة فوق ، والثاء المثلثة ـ فتغسل الفرج قبل الوضوء ، وتحشوه بقطنة أو خرقة ، فان احتبس وإلاّ تلجمت ، بأن تشدّ على وسطها خرقة كالتكة ، وتأخذ خرقة أخرى مشقوقة الرأسين تجعل أحدهما قدّامها والأخرى خلفها ، وتشدهما بالتكة. ويجب ذلك ، إلاّ مع الضرر باحتباس الدم وشبهه ، للحرج.

والاستثفار : هو التلجّم ، من ثغر الدابة ، يقال : استثفر الرجل بثوبه ، إذا ردّ طرفه بين رجليه الى حجزته. وتسمى خرقة الاستثفار للمرأة حيضة ـ بكسر الحاء.

وكذلك السلس والمبطون يستظهر ، فيتخذ السلس كيسا ، ويجعل فيه قطنا ويدخل الذكر فيه ، وكذا لو كان يقطر منه دم ، لنص الصادق عليه‌السلام على ذلك في البول والدم (٢). وان أمكن حشو الإحليل بقطن فعل.

والأحوط : وجوب تغيير ذلك عند كلّ صلاة ـ كالمستحاضة ـ إذا أمكن ، لوجوب تقليل النجاسة عند تعذّر إزالتها.

وأنكر وجوبه في المعتبر ، قصرا على موضع النص في المستحاضة (٣).

أمّا الجرح الذي لا يرقأ دمه ، فلا يجب شدّه بل يصلّى وان كان سائلا ، ونقل الشيخ فيه إجماعنا ، وأورد خبر محمد بن مسلم عن أحدهما ، وخبر ليث المرادي عن الصادق عليه‌السلام (٤).

__________________

(١) تقدم في ٢٥٢ الهامش ٢.

(٢) الفقيه ١ : ٣٨ ح ١٤٦ ، التهذيب ١ : ٣٤٨ ح ١٠٢١.

(٣) المعتبر ١ : ٢٥١.

(٤) الخلاف ١ : ٢٥٢ المسألة : ٢٢٥.

والخبر الأول في التهذيب ١ : ٢٥٨ ح ٧٤٩ ، والاستبصار ١ : ١٧٧ ح ٦١٥ ، والخبر الثاني في

٢٥٧

ولو خرج دم المستحاضة بعد الطهارة ، أعيدت بعد الغسل والاستظهار ان كان لتقصير فيه ، وان كان لغلبة الدم فلا ، للحرج. وهذا الاستظهار يمتدّ الى فراغ الصلاة ، ولو كانت صائمة فالظاهر وجوبه جميع النهار ، لأنّ توقّف الصوم على الغسل يشعر بتأثره بالدم ، وبه قطع الفاضل ـ رحمه‌الله ـ (١).

__________________

التهذيب ١ : ٢٥٨ ح ٧٥٠ ، ٣٤٩ ، ح ١٠٢٩.

(١) نهاية الإحكام ١ : ١٢٦.

٢٥٨

المقام الرابع : في النفاس.

وهو : دم الولادة معها أو بعدها ، يقال : نفست المرأة بفتح النون وضمها ، وفي الحيض تستعمل بفتح النون لا غير ، ومنه قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأم سلمة رضي الله عنها : « أنفست » (١).

وهو مأخوذ من النفس التي هي الولد ، لخروجه عقيبه ، أو من النفس التي هي الدم ، لتنفّس الرحم بالدم.

والولد منفوس ، والمرأة نفساء ، والجمع نفاس بكسر النون ، مثل عشراء وعشار ولا ثالث لهما. ويجمع أيضا على نفساوات.

وما تراه في الطلق ليس بنفاس ، لخبر عمار عن الصادق عليه‌السلام فيه : « تصلي ما لم تلد » (٢).

وتكفي المضغة مع اليقين ، لصدق الولادة. أما العلقة فلا ، لعدم اليقين ـ ولو فرض العلم بأنه مبدأ نشوء إنسان بقول أربع من القوابل كان نفاسا ـ والنطفة أبعد.

والإجماع على ان المتعقب نفاس. ولم يذكر المرتضى وأبو الصلاح المصاحب. وذكره الشيخان (٣) ، لحصول المعنى المشتق منه ، ولخروجه بسبب الولادة. ولو لم تر دما فلا نفاس ، بل ولا حدث.

ولا حدّ لأقلّه باتفاقنا ، لجواز عدمه ، كالمرأة التي ولدت في عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسمّيت الجفوف (٤).

وقال سلاّر : أقله انقطاع الدم (٥).

__________________

(١) صحيح البخاري ١ : ٨٢ ، صحيح مسلم ١ : ٢٤٣ ح ٢٩٦ ، السنن الكبرى ١ : ٣١١.

(٢) الكافي ٣ : ١٠٠ ح ٣ ، الفقيه ١ : ٥٦ ح ٢١١ ، التهذيب ١ : ٤٠٣ ح ١٢٦١.

(٣) المقنعة : ٧ ، المبسوط ١ : ٦٨ ، الخلاف ١ : ٢٤٦ المسألة : ٢١٧.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ٥٢ ، المغني ١ : ٣٩٣.

(٥) المراسم : ٤٤.

٢٥٩

وأكثره عشرة في المشهور. وللمفيد قول بثمانية عشر (١) وهو قول الصدوق (٢) وابن الجنيد (٣) والمرتضى (٤) وسلار (٥). وجعله ابن أبي عقيل أحدا وعشرين يوما (٦). وفي المختلف : ذات العادة عادتها ، والمبتدأة ثمانية عشر يوما (٧).

والأخبار منها : صحيح زرارة عن أحدهما عليهما‌السلام : « النفساء تكفّ عن الصلاة أيام أقرائها التي كانت تمكث فيها » (٨).

وصحيح يونس بن يعقوب عن الصادق عليه‌السلام : « النفساء تجلس أيام حيضها التي كانت تحيض » (٩).

وفي خبر زرارة عن أحدهما عليهما‌السلام مثله (١٠) ، وخبر مالك بن أعين عن الباقر عليه‌السلام نحوه (١١).

وعن زرارة عن الصادق عليه‌السلام مثله : « وتستظهر بيوم أو يومين » (١٢).

وصحيح محمد بن مسلم عن الصادق عليه‌السلام في قعود النفساء : « ثمان عشرة وسبع عشرة » (١٣).

__________________

(١) المقنعة : ٧.

(٢) الفقيه ١ : ٥٥ ، الهداية : ٢٢.

(٣) مختلف الشيعة : ٤١.

(٤) الانتصار : ٣٥.

(٥) المراسم : ٤٤.

(٦) المعتبر ١ : ٢٥٣.

(٧) مختلف الشيعة : ٤١.

(٨) الكافي ٣ : ٩٧ ح ١ ، التهذيب ١ : ١٧٣ ح ٤٩٥ ، ١٧٥ ح ٤٩٩ ، الاستبصار ١ : ١٥ ح ٥١٩.

(٩) الكافي ٣ : ٩٩ ح ٥ ، التهذيب ١ : ١٧٥ ح ٥٠٠ ، الاستبصار ١ : ١٥٠ ح ٥٢٠.

(١٠) التهذيب ١ : ١٧٦ ح ٥٠٤ ، ولا حظ الهامش ٩.

(١١) التهذيب ١ : ١٧٦ ح ٥٠٥ ، الاستبصار ١ : ١٥٢ ح ٥٢٥.

(١٢) الكافي ٣ : ٩٩ ح ٦ ، التهذيب ١ : ١٧٥ ح ٥٠١ ، الاستبصار ١ : ١٥١ ح ٥٢١ ، وفي الجميع : « تستظهر بيومين ».

(١٣) التهذيب ١ : ١٧٧ ح ٥٠٨ ، الاستبصار ١ : ١٥٢ ح ٥٢٨.

٢٦٠