موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٧

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي

موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٧

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: أضواء الحوزة ـ لبنان
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٢٠

وكأنّ الرشيد كان قد نذر الحج أو العمرة شكراً لظفره بوليد التغلبي الخارجي فاعتمر الرشيد لشهر رمضان وانصرف منها وقدم المدينة (١) فاستقبله الأشراف وفيهم الإمام الكاظم عليه‌السلام وانصرفوا من استقباله. وليلاً مضى الرشيد إلى المسجد وصار إلى قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) وكأنّه اصطحب معه الإمام الكاظم عليه‌السلام ومعه عيسى بن جعفر وجعفر بن يحيى العباسيان ، جاؤوا معه إلى قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

فقال هارون للكاظم عليه‌السلام : تقدّم ، فأبى ، فتقدّم هارون فسلّم ثمّ قام فتنحّى ناحية ، فقال عيسى العباسي للكاظم عليه‌السلام : تقدّم ، فأبى ، فتقدم عيسى فسلّم ثمّ وقف مع هارون. فقال جعفر العباسي للكاظم عليه‌السلام : تقدّم ، فأبى ، فتقدّم جعفر فسلّم ثمّ وقف مع هارون.

ثمّ تقدّم الكاظم عليه‌السلام فقال : السلام عليك يا أبه! أسأل الله الذي اصطفاك واجتباك ، وهداك وهدى بك ، أن يصلّي عليك.

فالتفت هارون لعيسى العباسي وقال له : سمعت ما قال؟! قال : نعم! قال هارون : فأشهد أنّه أبوه حقاً (٣)!

وروى الكليني الخبر قال : تقدّم هارون إلى قبر النبيّ وقال : السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك يابن العمّ! مفتخراً بذلك. فتقدّم الكاظم عليه‌السلام إلى القبر فقال : السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك يا أبة! فتغيّر وجه الرشيد وتبيّن الغيظ فيه (٤).

__________________

(١) انظر تارو الطقي ٧ : ٢٦١ ، واليعقوض ٢ : ٤٣ ، وأُصول الكاص ١ : ٤٧٦

(٢) الإرشاد ٢ : ٢٣٩ ، قال : ويقال ....

(٣) كامل الزيارات : ١٨ ، الباب ٣ ، وعنه ص تمهيد ار الأنوار ٤٨ : ١٣٦

(٤) الارشاد ٢ : ٢٣٤ ، الكاص ٤ : ٥٥٣ ، وكامل الزيارات : ٥٦.

٥٠١

وكان مع الرشيد وزيره يحيى بن خالد البرمكي فسمعه عند قبر رسول الله يقول كالمخاطب له : بأبي أنت وأُمي يا رسول الله ، إنّي أعتذر إليك من أمر قد عزمت عليه ، إنّي أُريد أن آخذ موسى بن جعفر فأحبسه ، لأنّي خشيت أن يُلقى بين أُمتك حرباً تسفك فيها دماؤهم!

فلمّا عاد البرمكي إلى محلّه زاره يعقوب بن داود فحدّثه الوزير بهذا الخبر وقال له : فأنا أحسب أن الرشيد يأخذ موسى بن جعفر غداً.

فلمّا كان الغد أرسل الرشيد إلى الفضل بن الربيع الحاجب أن يقبض على الكاظم عليه‌السلام ويحبسه. فوجده في المسجد قائماً يصلّي في مقام رسول الله ، فأمر بالقبض عليه ، وحبْسه (١).

فقبض عليه وهو عند رأس النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قائماً يصلّي فقُطعت صلاته عليه ، فاخذ وهو يقول لرسول الله : يا رسول الله إليك أشكو ما ألقى! وبكي ، فبكى الناس لبكائه وضجّوا! حتى اوقف بين يدي الرشيد فحطاه وشتمه (٢)!

إلى سجن البصرة :

ثمّ أمر الرشيد أن تهيّأ له قبّتان ، فهُيّئ له قبّتان ، فأمر حسّان السَروي أن إذا جنّ عليه الليل يصير به في قبة إلى البصرة فيسلّمه إلى عيسى بن جعفر العباسي أميرها. ثمّ لما صار النهار وجّه مع القبة الأُخرى بجماعة علانية إلى الكوفة ليعمّي على الناس أمْره.

وهنا أسند الصدوق إلى عبد الله بن مرحوم قال : خرجت من البصرة إلى

__________________

(١) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٢٠٨ ، الحديث ٨٥.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٢٢٩ ، الحديث ٩٢.

٥٠٢

المدينة ، وفي الطريق لقيت أبا إبراهيم (الكاظم عليه‌السلام) يُذهب به إلى البصرة ، وأرسل عليَّ فدخلت إليه ، فدفع إليّ كتباً أُوصلها إلى ابنه علي بالمدينة وقال لي : فإنّه وصيي وخير بنيّ والقائم بأمري (١).

وعن كتاب الأوراق لأبي بكر الصُولي قال : إنّ هارون قرّر للكاظم عليه‌السلام أيام حبسه كل سنة ثلاثمئة ألف درهم ، ولنُزله (ضيوفه) عشرين ألفاً (٢).

(كان ذلك في أوائل عشر ليال بقين من شوال سنة (١٧٩ ه‍)) (٣) فقدم حسّان البصرة في (٧ ذي الحجة) بيوم قبل يوم التروية نهاراً جهاراً ، ودفعه إلى عيسى بن جعفر العباسي ، فعُرف ذلك وشاع خبره. وحبسه عيسى في بيت من بيوت المجلس الذي كان يجلس فيه ، وأقفل عليه ، فكان لا يفتح عليه الباب إلّا للطعام أو للطهور.

والكاظم عليه‌السلام في أيامه هذه في هذه الدار التي كان هو في إحدى بيوتها كان يسمع من ضروب الفواحش والمناكير ما لم يكن يخطر بباله! كما يذكر الراوي (٤).

وأقام الرشيد بالمدينة إلى وقت الحج فحجّ بالناس ، ومشى من مكة إلى عرفات ماشياً ، ثمّ عاد إلى المشاعر ثمّ منى ثمّ مكة ماشياً! ثمّ انصرف على طريق البصرة (٥). وكان يحيى بن خالد البرمكي احتفر نهراً بالبصرة سمّاها سَيحان ،

__________________

(١) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ج ١ ، الباب ١١ ، الحديث ٢٥.

(٢) كما في تذكرة الخواص ٢ : ٤٨٠.

(٣) في أُصول الكافي ١ : ٤٧٦ : حمله من المدينة لعشر ليال بقين من شوال ، ويؤيده ما أسنده الصدوق قال : اخذ أبو الحسن الكاظم قبل يوم النفر بخمسين يوماً.

(٤) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٢٣٠ ، الحديث ٩٢.

(٥) تاريخ الطبري ٧ : ٢٦١.

٥٠٣

فحمل الرشيدَ منصرفه من مكة إلى البصرة لينظر إلى نهره سيحان ويفتتحه ، فقدمها في (أوائل) المحرم سنة (١٨٠ ه‍) ونزل قصر عيسى العباسي بالخُريبة ، ثمّ ركب إلى الأنهار وأمر بسدّ أفواه نهرَي معقل والابُلّة ليجري الماء إلى سَيحان ويستحكم أمرُه ونظر إليه.

وفي اليوم الثاني والعشرين من المحرم شخص عن البصرة فقدم بغداد.

ثمّ بدا له أن يعود بالعاصمة إلى عاصمتهم الأُولى الحيرة فشخص إليها ، وأقطع لمن معه قِطعاً منها ، وسكنها وأخذوا يبنون بها المنازل حتّى أربعين يوماً ، إذ بدا له سوء مجاورة أهل الكوفة له! فعاد إلى بغداد (١).

وفي بعض أيامه بالحيرة خرج إلى جهة النجف يتصيّد فرأى ضِباءً فأرسل عليها الصقور والكلاب ، فجاولتها ساعة ثمّ لجأت الظباء إلى أكَمة ، فتراجعت عنها الكلاب والصقور ، فلما هبطت الظباء من الأكمة عادت عليها الكلاب والصقور فعادت الظباء إلى الأكمة ، فتراجعت عنها الكلاب والصقور ، وتكرر ذلك مرة أُخرى! فأمر الرشيد أن يُحضروا له من الكوفة من يكون له علم بالأكَمة ، فأتوه بشيخ كبير من بني أسد فقال : كان آبائي يقولون هذه الأكمة قبر علي بن أبي طالب عليه‌السلام فنزل هارون وتوضأ وصلّى عند الأكمة ، ثمّ أمر أن يُبنى عليها بناء مربع في كل جهة باب (٢).

__________________

(١) تاريخ الطبري ٧ : ٢٦٦ ـ ٢٦٧.

(٢) إرشاد القلوب ٢ : ٤٣٥ ، ٤٣٦ وفيه : أنّ هذا البناء من أوائل عام (١٨٠ ه‍) بقي إلى أيام السلطان عضد الدولة البويهي حيث أزالها وعمّر بمكانها عمارة جليلة بأموال كثيرة وبمدة تقرب من سنة! أقام بعساكره بذلك الطرف حتى أُقيم بناؤه ، ثمّ عاد إلى بغداد. وأظن قوياً أن الرشيد هو الذي أقام بناء على قبر جدّه العباس وبقربه قبر فاطمة بنت أسد وقبور أبنائها أئمة البقيع. ولعلّه لذا بقي قبره معروفاً بقبّته بطوس خراسان.

٥٠٤

وكان عيسى العباسي قد جعل عيوناً على الكاظم عليه‌السلام يرفعون عنه إليه ، فرفع بعضُهم إليه : أنّه يسمعه يقول في دعائه كثيراً : اللهمّ إنك تعلم أني كنت أسألك أن تفرّغني لعبادتك ، وقد فعلت ، اللهمّ فلك الحمد (١) فباشر عيسى العباسي ذلك بنفسه يتسمّع إليه في دعواته لعلّه يدعو على الرشيد أو على عيسى ، فما يسمع منه إلّا أنّه يدعو لنفسه بالرحمة والمغفرة.

فكتب عيسى إلى الرشيد : «إنّي قد اجتهدت أن آخذ عليه حجة فما أقدر على ذلك ، حتّى إني لأتسمّع عليه إذا دعا لعلّه يدعو عليَّ أو عليك ، فما أسمعه يدعو إلّالنفسه يسأل الله الرحمة والمغفرة ، فخذه منّي وسلّمه إلى من شئت ، وإلّا خلّيت سبيله!». فوجّه الرشيد إلى البصرة من تسلّمه منه إلى بغداد ، وأمر حاجبه الفضل بن الربيع بحبسه عنده فحبسه عنده.

وبعد مدّة طويلة أمره الرشيد بشيء في شأن الكاظم عليه‌السلام فأبى الفضل ذلك! فأمره أن يسلّمه إلى الفضل بن يحيى (البرمكي) وأمر البرمكي أن يتسلّمه منه فيحبسه عنده ، فتسلّمه منه وحبسه عنده (٢).

الكاظم عليه‌السلام في سجون بغداد :

حدثت بين أهالي دمشق عصبية وهاجت وتفاقم أمرها واغتنمها لصوصهم ، وبلغ ذلك إلى الرشيد فاغتمّ بذلك وقال لجعفر البرمكي : إمّا أن أخرج أنا أو تخرج أنت؟ قال جعفر : بل أقيك بنفسي! ثمّ شخص في جلّة القوّاد والسلاح

__________________

(١) الإرشاد ٢ : ٢٤٠.

(٢) مقاتل الطالبيين : ٣٣٥ ، وعنه المفيد في الإرشاد ٢ : ٢٤٠ وزاد : وجعله في حجرة من داره وعليه رصد ، فكان عليه‌السلام في أكثر أيامه صائماً ويحيي الليل كلّه اجتهاداً بالصلاة والدعاء وقراءة القرآن ، ولا يصرف وجهه عن القبلة ، فأكرمه الفضل بن يحيى ووسّع عليه.

٥٠٥

حتّى قتل اللصوص ولم يدع بها فرساً ولا رمحاً إلّاصادره ، فعادوا إلى الأمن ، واستخلف على الشام عيسى بن العكّي ، وولّى على البلقاء وما يليها صالح بن سليمان العباسي ، وعاد إلى الرشيد ببغداد فقبّل يديه ورجليه (١) وولّاه الرشيد على خراسان وسجستان.

ثمّ استخلف الرشيد ببغداد ابنه الأمين وولّاه العراقين ، وشخص منها إلى الرَّقة بالشام على طريق الموصل ، فلمّا نزل البَردان عزل عيسى العباسي عن البصرة وولّاه على خراسان ، وعزل عنها جعفر البرمكي بعد عشرين ليلة من توليته عليها! ولمّا وصل إلى الموصل وكان قد غضب عليها لكثرة الخوارج منها فأمر بهدم سورها! ثمّ مضى إلى الرّقة فنزلها واتّخذها وطناً! وكان الفضل بن يحيى البرمكي على طبرستان والرويان والري فعزله عنها وولّاها عبدَ الله بن خازم السُّلمي (٢).

ولم يكن الفضل البرمكي بتلك الأماكن وإنّما كان ولّاها رجالاً عنه ، وهو مقيم ببغداد ، وغضب عليه الرشيد لأنّه أراده على شيء في أمر الكاظم عليه‌السلام فلم يفعله ، بل بلغه عنه أنّه عنده في رفاهية وسعة ودعة (٣)!

هذا ما أسنده الإصفهاني الاموي ، وعنه المفيد وزاد : اتصل خبر توسعة الفضل البرمكي بالرشيد وهو بالرّقة (على شرق الفرات بالشام) فكتب إليه يُنكر عليه توسعته على موسى ، بل يأمره بقتله! فتوقّف عن ذلك ولم يقدم عليه! فاغتاظ الرشيد منه (٤).

__________________

(١) تاريخ الطبري ٧ : ٢٦٢ ـ ٢٦٣.

(٢) تاريخ الطبري ٧ : ٢٦٦ ـ ٢٦٧.

(٣) مقاتل الطالبيين : ٣٣٥.

(٤) الإرشاد ٢ : ٢٤١.

٥٠٦

وكان كاتب رسائله إسماعيل بن صُبيح الحرّاني (١) فدعاه وأمره أن يكتب كتاباً إلى العباس بن محمّد العباسي ببغداد يأمره فيه بأمره في الفضل بن يحيى ، وكتاباً إلى السندي بن شاهَك (٢) يأمره بطاعة العباس بن محمّد العباسي ، ودعا مولاه مسروراً وسلّم إليه الكتابين وأمره أن ينفذ بهما على البريد (٣) إلى بغداد فيدخل من فوره إلى دار الفضل بن يحيى البرمكي على الكاظم (عليه‌السلام) فيعرف خبره ، فإن كان الأمر على ما بلغه من توسعة الفضل على الكاظم (عليه‌السلام) أوصل إلى العباس بن محمّد العباسي كتابه ، وإلى السندي بن شاهَك كتابه.

فقدم مسرور إلى دار الفضل بن يحيى لا يدري أحد ما يريد ، فنزل ودخل على موسى بن جعفر عليه‌السلام فوجده على ما بلغ الرشيد ، فمضى من فوره إلى السندي بن شاهَك فأوصل إليه كتابه ، ثمّ إلى العباس بن محمّد العباسي وأوصل إليه كتابه ، ثمّ لم يلبث شيئاً دون أن خرج يركض ركضاً إلى الفضل بن يحيى البرمكي فأركبه معه وخرج به مشدوهاً حتّى دخل به على العباس. وتوجّه السندي إلى دار العباس ومعه العُقابان (٤) والسياط ، وأمر العباس بن محمّد العباسي بتجريد ثياب الفضل البرمكي ثمّ ضربه مئة سوط! فضرب

__________________

(١) تاريخ خليفة : ٣٠٨.

(٢) اسمه إسماعيل ، كما في اختيار معرفة الرجال : ٥٩٨ ، الحديث ١١١٩ ، وهو مدير شرطة الرشيد.

(٣) كانوا يرتّبون في كلّ مرحلة اصطبلاً وخيلاً وسائساً ، فإذا وصل حامل البريد نزل عن فرسه المُعيَّى وركب الفرس المستريح وهكذا في كل المَراحل حتّى يصل ، فهو معنى قولهم : خرج على البريد أو حُمل فلان على البريد.

(٤) هما خشبتان لضبط الرِجل للجَلد ، كما في لسان العرب.

٥٠٧

حتّى تغيّر لونه وذهبت نخوته. وكتب مسرور بالخبر إلى الرشيد ، فكتب بتسليم موسى عليه‌السلام إلى السندي بن شاهَك (١).

فجعل السنديّ الإمام في دار جوف دور حُرمه. وكان للسندي مولى كان من أشدّ الناس بغضاً لآل أبي طالب فدعاه وقال له : يا بشّار ، إنّي أُريد أن ائتمنك على ما ائتمنني عليه هارون! هذا موسى بن جعفر قد دفعه إليّ وقد وكّلتك بحفظه!

قال بشّار : فأقفلت عليه أقفالاً ، وكنت إذا خرجت لحاجة أجلست امرأتي بالباب فلا تفارقه حتّى أرجع! ثمّ حوّل الله ما كان في قلبي من البغض حبّاً! فكان يبعثه الإمام لقضاء بعض حوائجه أحياناً (٢).

بل كان السنديّ قد استخدم موسى بن إبراهيم المروزي لتعليم أولاده ، فتولّى الإمام عليه‌السلام وتطرّق إليه وسمع منه وروى عنه كتاباً (٣) وتسبّب في ولاية أبناء السندي (٤)!

ولعلّ بعض هؤلاء قالوا للإمام وهو محبوس : لو كتبت إلى فلان يكلّم فيك الرشيد؟ فحدّثهم عن أبيه عن آبائه : أنّ الله أوحى إلى داود : يا داود! إنّه ما اعتصم عبد من عبادي بأحد من خلقي دوني وعرفت ذلك منه ؛ إلّاقطعت عنه أسباب السماء وأسخت الأرض من تحته (٥).

__________________

(١) مقاتل الطالبيين : ٣٣٥ ، وعنه في الإرشاد ٢ : ٢٤١.

(٢) اختيار معرفة الرجال : ٤٣٩ ، الحديث ٨٢٧.

(٣) رجال النجاشي : ٤٠٧ برقم ١٠٨٢.

(٤) منهم علي بن إسماعيل السندي كما في اختيار معرفة الرجال : ٥٩٨ ، الحديث ١١١٩.

(٥) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٤١٤.

٥٠٨

شفاعة البرمكي ، وقتل الإمام عليه‌السلام :

كل ذلك ويحيى بن خالد البرمكي أبو الفضل وزير للرشيد ، وبلغه خبر ابنه الفضل فركب إلى الرشيد بالرَّقة ودخل عليه وقال له : إنّ الفضل حدَث وأنا أكفيك ما تريد (من قتل الكاظم عليه‌السلام) وقد غضضتَ من الفضل بلعنك إيّاه! فشرّفه بإزالة ذلك. فقبل منه ذلك.

ثمّ أقبل على من حضر وقال لهم : إنّ الفضل بن يحيى كان قد عصاني في شيء (قتل الكاظم عليه‌السلام) فلعنته ، وقد تاب وأناب فتولّوه. فقالوا : نحن أولياء من واليت وأعداء من عاديت.

ثمّ خرج يحيى البرمكي بنفسه على البريد إلى بغداد ودعا بالسندي بن شاهَك وأمره بأمره (١).

وهنا قطع المفيد ما نقله من هذا الخبر عن «مقاتل الطالبيين» إلى ما أسنده الصدوق عن أحمد بن عبيد الله بن عمّار الثقفي البغدادي (٢) عن النوفلي عن أبيه قال : ثمّ بعث الرشيد بسمّ في رطب إلى السنديّ وأمره أن يقدّمه إليه ويحتمّ عليه تناوله منه ، ففعل فمات صلوات الله عليه (٣) وفي ثان قال : سلّمه إلى السنديّ فقتله بالسمّ (٤) وفي ثالث : أنّه قد سمّ في سبع أو تسع تمرات (٥) وفي رابع : سمّه السنديّ

__________________

(١) مقاتل الطالبيغ : ٣٣٥.

(٢) توص ص (٣١٩ ه‍) وله كتب م رضي الله عنهم ا : كتاب ا كل عام وانتم بخير بيضّة ص أخبار آل أض طالب ، كأ ص هديّة العارفغ للبغدادي.

(٣) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٢٣٢ ، الحديث ٩٢.

(٤) المصدر ١ : ٢٤٣ الحديث ٩٥

(٥) المصدر ١ : ٢٤٧ الحديث ٩٧.

٥٠٩

بأمر الرشيد (١) وفي خامس : أنّ السمّ اجتمع في بطن راحته فاخضّر لونه (٢).

ولذا قال المفيد : والذي تولّى به السنديّ قتل الإمام عليه‌السلام كان سمّاً جعله في رطب أو طعام ، أكل منه فأحسّ بالسمّ ، ولبث موعوكاً ثلاثاً. ولمّا حضرته الوفاة سأله السندي أن يأذن له أن يكفّنه فأبى وقال : إنّا أهل بيت مهور نسائنا وحجّ صرورتنا وأكفان موتانا ، من طاهر أموالنا (٣) وعندي كفني ، وأُريد أن يتولى غسلي وجهازي مولاي (فلان المدني) وسأل السنديّ أن يحضره من مشرعة القصب عند دار العباس بن محمّد العباسي ليتولّى غسله وتكفينه بكفنه الذي عنده (٤).

وإنّما قدّم المفيد السمّ بالرطب على الطعام لأنّ أربعة من تلك الأخبار الخمسة في الرطب ، وإنّما الخامس منها ما أسنده الصدوق عن عبد الله القروي قال : قدّم الفضل بن يحيى (!) إليه مائدة ، فرفع الإمام عليه‌السلام يده وقال : اللهمّ إنّك تعلم أنّي لو أكلت قبل اليوم كنت قد أعنت على نفسي! فأكل فمرض ، فلمّا كان الغد جاءه (البرمكي؟!) بالطبيب ، وكان السمّ قد اجتمع في بطن راحة يده فعرضها عليه ، فانصرف الطبيب إليهم وقال : والله لهو أعلم منكم بما فعلتم به (٥).

وكأنّ الخبر من غير خبير بأنّ الإمام عليه‌السلام كان قد تسلّمه السنديّ من البرمكي! وأيضاً ينافي ما سيأتي خبره عن الرضا عليه‌السلام بأنّ أباه الكاظم عليه‌السلام لم يعلم بالسمّ تفصيلاً وإنّما إجمالاً ، فلا عبرة بالخبر.

__________________

(١) المصدر ١ : ٢٥٠ ، الحديث ١٠٠.

(٢) المصدر ١ : ٢٦١ ، الحديث ١٠٥.

(٣) ولا يخفى ما فيه من التعريض بهم بأنّ أموالهم غير طاهرة.

(٤) الإرشاد ٢ : ٢٤٢ ـ ٢٤٣.

(٥) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٢٦١.

٥١٠

آخر رسالة للكاظم عليه‌السلام :

أسند الكليني بطرق ثلاث إلى علي بن سويد السائي المدني قال : كان أبو الحسن موسى عليه‌السلام في الحبس وأنا كتبت إليه كتاباً أسأله عن حاله وعن مسائل كثيرة ، فتأخّر عليَّ الجواب أشهراً ، ثمّ أجابني بجواب هذه نسخته :

بسم الله الرحمنِ الرحيم، الحمد لله العلي العظيم ، الذي بعظمته ونوره أبصرَتْه قلوب المؤمنين ، وبعظمته ونوره عاداه الجاهلون ، وبعظمته ونوره ابتغى من في السماوات ومن في الأرض إليه الوسيلة ، بالأعمال المختلفة والأديان المتضادة ، فمصيب ومخطئ ، وضال ومهتدي ، وسميع وأصم ، وبصير وأعمى ، فالحمد لله الذي عرّف وصف دينه بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله.

أمّا بعد ، فإنّك امرؤ أنزلك الله من (آل محمّد) بمنزلة خاصة ، وحفظ ما استرعاك من دينه ، وما أُلهمك من رشدك ، وبصّرك من أمر دينك ، بتفضيلك إيّاهم ، وبردّك الأُمور إليهم. كتبت تسألني عن أُمور كنتُ منها في تقية ومن كتمانها في سعة ؛ فلمّا انقضى سلطان الجبابرة ، وجاء سلطان ذي السلطان العظيم بفراق الدنيا المذمومة إلى أهلها العُتاة على خالقهم (بقتلى) رأيت أن افسّر لك ما سألتني عنه ، مخافة أن تدخل الحيرة على ضعفاء «شيعتنا» مِن قِبل جهالتهم. فاتّقِ الله «عزّ ذكره» وخُصّ بهذا الأمر أهله ، واحذر أن تكون سبب بلية على الأوصياء أو حادث عليهم ، بإفشاء ما استودعتك وإظهار ما استكتمتك ، ولن تفعل إن شاء الله.

إنّ أوّل ما انهي إليك أنّي أنعى إليك نفسي في لياليّ هذه! غير جازع ولا نادم! ولا شاكّ في ما هو كائن ، ممّا قد قضى الله «عزوجل» وحتّم ... (١).

__________________

(١) روضة الكافي : ١٠٧ ، وفي اختيار معرفة الرجال صدره في : ٣ ، الحديث ٤ ، وذيله في : ٤٥٥ ، الحديث ٨٥٩. وصدره أيضاً في قرب الاسناد : ٢٦٠.

٥١١

ونقل الكشي صدر هذا الخبر وذيله ، وبعده أورد ذيل ما نقل عن كتاب ابن بندار القمي عن عبد الله بن طاووس أنّه سأل الرضا عن أبيه الكاظم عليهما‌السلام فقال : سمّه (يحيى البرمكي) بالرّطب. قال : فقلت له : أفما كان يعلم أنّها مسمومة؟ قال : غاب عنه المحدّث. قلت : ومَن المحدّث؟ قال : ملَك أعظم من جبرئيل وميكائيل كان مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو مع الأئمة صلوات الله عليهم. ثمّ قال : وليس كل ما طُلب وُجد (١).

ووجه الجمع بين الخبر السابق وهذا اللاحق هو قوله في السابق : «في لياليّ هذه» بالإجمال. وفي اللاحق ينفي علمه بالسمّ بالتفصيل بعلّة غيبة محدّثه فإنّه قد يُطلب فيوجد وقد يُطلب فلا يوجد ، وذلك قولهم عليهم‌السلام : «إذا شاؤوا علموا» (٢).

هل اطلق الإمام ثمّ حُبس؟ :

مرّ خبر أبي الفرج (٣) الذي اعتمده المفيد (٤) والطوسي (٥) وليس فيه سوى نقل الإمام عليه‌السلام من البصرة إلى بغداد إلى حبس الفضل بن الربيع ثمّ الفضل بن يحيى البرمكي ثمّ السندي بن شاهَك ، بلا إطلاق.

إلّاأنّ الصدوق نقل عن القمّيين قالوا : خاف موسى عليه‌السلام من ناحية هارون أن يقتله! فلمّا جنّه ليله صلّى أربع ركعات ودعا فقال : «يا مخلّص الشجر من بين

__________________

(١) اختيار معرفة الرجال : ٦٠٤ ، الحديث ١١٢٣.

(٢) أُصول الكافي ١ : ٢٥٧ ، الحديث ٤ و ٢٥٨ ، الحديث ١ و ٢ و ٣.

(٣) مقاتل الطالبيين : ٣٣٣ ـ ٣٣٦.

(٤) الإرشاد ٢ : ٢٣٧ ـ ٢٤٣.

(٥) الغيبة : ٢٦ ـ ٣١.

٥١٢

رمل وطين ، يا مخلّص اللبن من بين فرث ودم ، يا مخلّص الولد من المشيمة والرحم ، يا مخلّص النار من بين الحديد والحجر ، يا مخلّص الروح من بين الأمعاء والأحشاء! يا سيدي نجّني من حبس هارون ونجّني من يده!

وكان هارون نائماً فرأى في منامه أنّ رجلاً أسود أتاه وبيده سيفه حتّى وقف على رأسه وقال له : يا هارون! أطلق موسى بن جعفر وإلّا ضربت علاوتك بهذا السيف! فقام هارون خائفاً ودعا حاجبه وقال له : اذهب إلى السجن فأَطلق موسى بن جعفر! فخرج الحاجب إلى صاحب السجن وقال له : إنّ الخليفة يدعو موسى بن جعفر فأطلق عنه. فصاح السجّان : يا موسى! إنّ الخليفة يدعوك! فقام موسى عليه‌السلام فزعاً مذعوراً آيساً من حياته حزيناً مغموماً باكياً! وهو يقول : لا يدعوني في جوف هذا الليل إلّالشرّ يريده بي! وجاء إلى هارون ترتعد فرائصه حتّى سلّم عليه ، فردّ الرشيد عليه‌السلام وقال له : ناشدتك بالله! هل دعوت في جوف هذه الليلة بدعوات؟ قال : نعم. قال : ما هنّ؟ فذكر له دعاءه فقال هارون : قد استجاب الله دعوتك ، ثمّ خلع عليه وسلّمه إلى حاجبه ليكون معه في الدار!

فكان يدخل على هارون في كل خميس ... إلى أن حبسه الثانية» (١).

ولعلّ المراد بالدار دار حاجبه الفضل بن الربيع بجوار دار الرشيد ، فكان فيه ما رواه الصدوق بعده : أنّ الإمام عليه‌السلام كان كلّ يوم بعد ابيضاض الشمس يسجد (في صحن الدار) سجدة إلى وقت الزوال! وكان هارون يصعد سطح داره فيشرف عليه فيتراءى له ثوب مطروح في ذلك الموضع من صحن الدار! فسأل الفضل بن الربيع يوماً : يابن الربيع ؛ ما ذلك الثوب الذي أراه كلّ يوم في ذلك الموضع؟! قال :

يا أمير المؤمنين! إنّما هو موسى بن جعفر له كل يوم بعد طلوع الشمس سجدة إلى

__________________

(١) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٢٤٠ ـ ٢٤٢ ، الحديث ٩٥.

٥١٣

وقت الزوال! فقال هارون : أما إنّ هذا من رُهبان بني هاشم! فقال ابن الربيع : فما لك قد ضيّقت عليه بالحبس؟! قال : هيهات! لابدّ من ذلك (١) ثمّ حبسه الثانية ، فلم يطلقه حتّى سلّمه (الثالثة) إلى السندي فقتله بالسم (٢).

وعليه فلو كان له إطلاق فإنّما من السجن إلى دار الحاجب الفضل فقط ، فلم يمرّ بدار بشر الحافي في بغداد (٣).

واستشهدوا ، لتبرئتهم من جرمهم :

شاعت فيما بين الناس مزاعم على السنديّ بن شاهَك بأ نّه يُكثر من فعل المكروه بالإمام عليه‌السلام حتّى بلغت مسامع السنديّ ، فحاول إبطالها :

فروى الحميري والكليني عن رجل قال : جمعنا السندي ثمانين رجلاً من الوجوه المنسوبين إلى الخير ، فأدخلنا على موسى بن جعفر (عليه‌السلام) وقال لنا : يا هؤلاء! إنّ الناس يزعمون أنّه قد فُعل مكروه بموسى بن جعفر! ويكثرون في ذلك! فانظروا إلى هذا الرجل هل حدث به حدث؟ وهذا منزله وفراشه ، موسّع عليه! وهذا هو صحيح موسّع عليه في جميع أُموره! وإنّما يُنتظر به أن يقدم أمير المؤمنين! (من الرَّقة) فيناظره!

فبدأ موسى بن جعفر (عليه‌السلام) فقال لنا : أما ما ذكر من التوسعة وما أشبهها فهو على ما ذكر! غير أنّي أُخبركم ـ أيها النفر ـ أنّي قد سُقيت السمّ في سبع تمرات! وأنا سأخضّر غداً ، وأموت بعد غد!

__________________

(١) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٢٤٣ ، الحديث ٩٦.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٢٤٣ ، ذيل الحديث ٩٥.

(٣) كما في مفتاح الكرامة : ١٩. وانظر قاموس الرجال ٢ : ٣٢٦ ، برقم ١١١٠.

٥١٤

قال الراوي : فنظرنا إلى السنديّ فرأيناه يرتعد مثل السعفة (١) كان هذا بعد السمّ وقبل الوفاة. وكرر ذلك بعد وفاته :

فقد أسند الصدوق عن عمر بن واقد البغدادي (٢) : أنّ السنديّ كان يعرفه بمعرفة الكاظم عليه‌السلام ، فأرسل عليه ليلاً وسأله : أتعرف موسى بن جعفر؟ قال : كانت بيني وبينه صداقة منذ دَهر ، فسأله عن من يعرفه ببغداد ممّن يُقبل قوله ، قال : فسميت له أقواماً ، فبعث عليهم وجاء بهم ، ثمّ سألهم عَن مَن يعرفون ممن يعرف موسى بن جعفر ، فسمّوا له أقواماً ، فبعث عليهم وجاء بهم حتّى أصبحنا نيفاً وخمسين رجلاً ، وصلّينا.

وخرج كاتب السنديّ بطومار فكتب أسماءنا وأوصافنا وأعمالنا ومنازلنا ، ثمّ خرج السنديّ وأقامنا وأدخلنا معه على موسى بن جعفر عليه‌السلام ميتاً مغطّىً فقال لي : يا أبا حفص! اكشف الثوب عن وجهه ، فكشفته ، فرأيته ميتاً فاسترجعت ، فقال السنديّ للقوم : أكلّكم يشهد أنّ هذا موسى بن جعفر؟ فدنوا ونظروا إليه وقالوا : نعم نشهد أنّه موسى بن جعفر. فقال لغلامه : اطرح على عورته منديلاً واكشف سائر بدنه ، ففعل ذلك ، فقال لنا : أترون به أثراً تنكرونه؟ قلنا : لا نراه إلّا ميتاً ولا نرى به شيئاً. فقال : فلا تبرحوا حتّى تغسّلوه وتكفّنوه وتدفنوه (٣) ولا منافاة بين الخبرين السابق وهذا.

__________________

(١) قرب الأسناد : ٢٦ ، الحديث ١٢٥٥ ، وأُصول الكافي ٢ : ٣٥٨ ـ ٣٥٩ ، الحديث ٢ ، وعيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٢٤٦ ، الحديث ٩٨.

(٢) فهل هو والد محمّد بن عمر الواقدي صاحب المغازي؟ من المحتمل.

(٣) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٢٤٧ ـ ٢٤٩ ، الحديث ٩٩ ، وفي كمال الدين ١ : ٣٨ : واكفْنه وادفنه.

٥١٥

واختصر الخبر أبو الفرج فقال : فلمّا مات الكاظم أدخل السنديّ عليه الفقهاء وفيهم الهيثم بن عدي ووجوه أهل بغداد لينظروا إليه لا أثر به ويشهدوا له بذلك (١).

هذا ، ولم يتبصّر العنبري البصري بغيبة الرشيد برقّة الشام فرووا عنه قال : لمّا توفي الكاظم عليه‌السلام جمع الرشيد الحكّام وبني العباس وشيوخ الطالبيين وسائر أهل المملكة؟! سبعون رجلاً من (شيعته؟!) وقال لهم : قد مات موسى بن جعفر حتف أنفه ، وما كان بيني وبينه ما أستغفر الله منه في أمره فانظروا إليه. فدخلوا عليه ونظروا إليه وليس به أثر خنق ولا جراحة (٢).

الإمام لا يغسله إلّاإمام؟ :

أسند الكليني والصدوق والطوسي عن الصادق : أنّ علياً غسّل فاطمة عليهما‌السلام وعلّل ذلك قال : فإنّها صدّيقة فلم يكن يغسّلها إلّاصدّيق (٣).

وروي عن الرضا عليه‌السلام : أنّ الله مكّن علي بن الحسين عليهما‌السلام أن يأتي كربلاء فيلي أمر أبيه (٤).

وروى الحلبي عن الكاظم : أنّ الصادق عليهما‌السلام أوصاه أن يغسّله ولا يغسّله أحد غيره قال : فإنّ الإمام لا يغسّله إلّا الإمام (٥).

__________________

(١) مقاتل الطالبيين : ٣٣٦ ، وعنه في الإرشاد ٢ : ٢٤٢.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٢٥٧ ، الحديث ١٠٤ ، وقبله في كمال الدين ١ : ٣٩.

(٣) راجع موسوعة التاريخ الإسلامي ٤ : ١٥٣.

(٤) اختيار معرفة الرجال : ٤٦٤ ، الحديث ٨٨٣.

(٥) بحار الأنوار ٤٧ : ١٢٧ عن مناقب آل أبي طالب.

٥١٦

وروي عن أحمد بن عمر الخلّال قال للرضا عليه‌السلام : إنّ الواقفة يحاجّونا بأنّ الإمام لا يغسله إلّاإمام ، فما أقول لهم؟ قال : قل لهم : إنّي غسّلته (١).

واحتجّ به المأمون على هرثمة بن حبيب ، فقال هرثمة : إنّ الإمام لا يجوز أن يغسله إلّاإمام مثله ، فإن تعدّى متعدّ وغسَّل الإمام لم تبطل إمامة الإمام لتعدّي غاسله ، ولا تبطل إمامة الذي بعده لأنّه غُلب على غسل أبيه. ولو ترك الرضا عليه‌السلام بالمدينة لغسَّله ابنه محمّد ظاهراً ، والآن لا يغسّله إلّاهو من حيث يخفى (٢).

رواه الصدوق وقبله قال : إنّ الصادق عليه‌السلام إنّما نهى أن يغسّل الإمام إلّامَن يكون إماماً ، ولم يقل : إنّ الإمام لا يكون إلّاالذي يغسّل مَن قبله من الأئمة ، فإن دخل من يغسّل الإمام في نهيه فغسّله لم تبطل بذلك إمامة الإمام بعده. على أنّا قد روينا أنّ الرضا قد غسّل أباه موسى عليهما‌السلام من حيث خفى على الحاضرين تغسيله إلّا من اطّلع عليه (٣).

وما أشار إلى روايته هو ما أسنده إلى عمر بن واقد قال : كان المسيّب بن زهير (؟) موكّلاً بالكاظم عليه‌السلام يخدمه ، فقبل وفاته بثلاثة أيام دعاه وقال له : إنّي في هذه الليلة ظاعن إلى مدينة جدّي لأعهد إلى ابني علي وأجعله وصيّي وخليفتي وآمره بأمري! قال : فقلت له : يا مولاي! تأمرني أن أفتح لك أقفال الأبواب والحرس معي على الأبواب؟! قال : إنّي أدعو الله عزوجل باسمه العظيم الذي دعا به آصف (وصي سليمان) حين جاء بسرير بلقيس إلى سليمان قبل أن يرتدّ

__________________

(١) الإمام زين العابدين عليه‌السلام للمقرم : ٤٠٣.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٢٤٤ ، الباب ٦٣ ، ط. قم.

(٣) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٢٥٨ ذيل الحديث ١٠٤.

٥١٧

إليه طرفه ، حتّى يجمع الله بيني وبين ابني علي! ثمّ دعا ، ثمّ فقدته عن مصلّاه ، ثمّ رأيته عاد وأعاد الحديد على رجليه.

ثمّ قال لي : يا مسيّب ، إنّي راحل إلى ربي في ثالث هذا اليوم ، وإنّ ابني علياً هو إمامك ومولاك بعدي ، فاستمسك بولايته ، فإنّك لن تظلّ ما لزمته ، قال : فقلت : الحمد لله.

وفي ليلة اليوم الثالث دعاني فقال لي : إنّي على ما عرّفتك من رحيلي إلى الله عزوجل ، فإذا دعوت بشربة ماء فشربتها أتلون ألواناً أصفر وأحمر وأخضر ، ويرتفع بطني وانتفخ ، فلا تُظهر ذلك لأحد إلّابعد وفاتي.

فلمّا دعا بالشربة وشربها دعاني وقال لي : يا مسيّب ، إنّ هذا الرجس السندي سيزعم أنّه يتولّى غسلي ودفني ، وهيهات هيهات أن يكون ذلك أبداً.

ثمّ أنهيت الخبر إلى الرشيد (برقّة الشام؟!) فوافى السنديّ ؛ فوالله لقد رأيتهم يغسّلونه وأيديهم لا تصل إليه! ويحنّطونه ويكفّنونه ولا يصنعون به شيئاً! وكان عهدي بسيّدي الرضا عليه‌السلام وهو غلام (متى وأين؟!) فرأيته وهو أشبه الأشخاص بالكاظم عليه‌السلام يتولّى غسله وتحنيطه وتكفينه وهم لا يعرفونه إلّاأنه يُظهر المعاونة لهم!

ثمّ قال لي : يا مسيّب! مثلي مثل يوسف ومثلهم مثل إخوته إذ «دخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون» (١).

ولا كلام في إمكانه ، وإنما في وقوعه ، ولم يعتمده الصدوق بل حمل أخبار «لا يلي ..» على النهي التشريعي لا النفي التكويني الوقويع ، وكذا لم يعتمده المفيد بل روى قوله عليه‌السلام : «أُريد أن يتولى غُسلي وجهازي مولاي (فلان)

__________________

(١) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٢٥٤ ـ ٢٥٦ ذيل الحديث ١٠٢.

٥١٨

المدني الذي ينزل في مشرعة القصب» ففعل ذلك (١). وكذا لم يعتمده الطوسي تبعاً لشيخه المفيد.

بل أسند عن أُمّ ولد محرّرة للحسين بن علي بن يقطين مولى الأسديين والعباسيين : أنّ الكاظم عليه‌السلام كان له موسى يُسمى سعيد كان يخدمه في حبسه ويختلف إليه في حوائجه.

وحضره حين وفاته (فهو المولى المدني الموصى به لتجهيزه) فروت عنه أنّه عليه‌السلام مات كما يموت الناس صار من قوة إلى ضعف إلى أن قضى نحبه عليه‌السلام (٢) فهل أبصر المسيّب الرضا عليه‌السلام وما رأى هذا؟!

تاريخ الوفاة :

أسند الصدوق عن غياث بن أُسيد عن شيوخ من أهل المدينة : أنّ موسى عليه‌السلام حُبس بدار المسيّب التي فيها السدرة بباب الكوفة من بغداد. ومضى عليه‌السلام يوم الجمعة لخمس خلون من رجب سنة (١٨٣ ه‍) وعمره (٥٥) سنة (٣).

ويبدو أنّه هو مستند الكليني لما أرسله في كتابه (٤) إلّاأنّ الصدوق بعد هذا لم يلبث كثيراً حتّى أسند عن سليمان بن حفص المروزي قال : توفي في حبس الرشيد ببغداد لخمس ليال بقين من رجب (٥).

__________________

(١) الارشاد ٢ : ٢٤٣ عن مقاتل الطالبيين : ٣٣٦.

(٢) كتاب الغيبة للطوسي : ٢٤ الحديث ٣.

(٣) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٢٥٦ ، الحديث ١٠٠.

(٤) أُصول الكافي ٢ : ٤٧٦.

(٥) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٢٥٦ ، الحديث ١٠٣. وقبله مثله في فرق الشيعة : ٨٥ ، وعنه في المقالات والفرق : ٩٣.

٥١٩

والمفيد في «الإرشاد» قال بالأول (١) ، ثمّ أعرض عنه وقال بالثاني في «مسارّ الشيعة» (٢) وتبعه الطبرسي (٣) والحلبي (٤) فشاع هذا وعليه العمل اليوم.

أخبار التشييع والدفن :

في آخر خبر أبي الفرج : واخرج فوضع على الجسر ببغداد ، فنودي عليه : هذا موسى بن جعفر قد مات فانظروا إليه! فاجتمع الناس يتفرّسون في وجهه. وقال بعض الطالبيين : نودي عليه : هذا موسى بن جعفر الذي تزعم «الرافضة» أنّه لا يموت ؛ فانظروا إليه (٥)!

وزاد المفيد : أنّ يحيى البرمكي أمر بهذا النداء وذلك أنّ قوماً زعموا أنّ موسى عليه‌السلام هو القائم المنتظر وجعلوا حبسه هو الغيبة المذكورة للقائم! ولذا أمر يحيى بهذا النداء (٦)! وبهذا أفاد المفيد أوّلاً : أنّ دعوة الواقفة بدأت وامتدّت مع امتداد توقيف الكاظم قبل وفاته عليه‌السلام. وثانياً : كأ نّهم هم السبب في مدّ ذلك النداء المُشين ، لا عدوان الظالمين إلّاخوفاً من دعوة المهدوية!

لكن هذا لولا ما أسنده الصدوق عن عبد الله الصيرفي قال : حُمل موسى عليه‌السلام على نعش إلى مجلس الشرطة ، فأقام السندي عليه أربعة نفر (من الشرطة لابسي

__________________

(١) الإرشاد ٢ : ٢١٥.

(٢) مسارّ الشيعة : ٧٢ من المجموعة.

(٣) إعلام الورى ٢ : ٧.

(٤) مناقب آل أبي طالب ٤ : ٣٤٨.

(٥) مقاتل الطالبيين : ٣٣٦.

(٦) الإرشاد ٢ : ٢٤٣.

٥٢٠