موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٧

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي

موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٧

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: أضواء الحوزة ـ لبنان
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٢٠

وأنشأ مجاهراً :

طاب يومي ولذّ شرب السلافة

إذ أتانا نعي من بالرصافة

وأتانا البريد ينعى هشاماً

وأتانا بخاتم للخلافة

فاصطحبنا من خمر عانة صرفاً

ولهونا بقينة عزّافة (١)

مصير يحيى في ولاية الوليد :

إنّ نصر بن سيار الليثي لما أخذ يحيى بن زيد كتب بخبره إلى هشام بن عبد الملك ، فاتفق وصول الرسول هلاك هشام وتولّى الوليد بن يزيد بن عبد الملك ، فكتب هذا إليه أن خلّ سبيله (٢).

فانطلق يحيى بمن معه إلى بيهق من أرض أبرشهر ، فاجتمع إليه قوم من «الشيعة» نحو مئة وعشرين رجلاً ، فرجع معهم إلى نيشابور.

وكان عامل نيشابور عمرو بن زرارة القَسْري ، فخرج إليه وقاتله ، فهزمه يحيى وأصحابه وأخذوا أسلحتهم ، ثمّ اتبعوهم حتّى لحقوا عمرو بن زرارة فقتلوه.

وسار يحيى إلى بادغيس ثمّ إلى مرو الرود ، وبلغ ذلك نصر الليثي فسار إليه في جموعه فلقيه بالجوزجان فحاربه محاربة شديدة ، وأصابت يحيى نشّابة فجرحته وصرعته وبادروا إليه فاحتزّوا رأسه. وقاتل بعده أصحابه حتّى قُتلوا عن آخرهم (٣).

__________________

(١) الأغاني ٦ : ٩٩

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٣٣١ وفي مقاتل الطالبين : ١٠٥ : لمااطلق يحيى بن زيد وفك حديده ، صار جماعة من مياسفر «الشيعة» الى الحداد الذي فك قيده من رجله فسألوه اياه فقال لهم إياه ، فقال لهم اجمعوا ثمنه بينكم ، وتزايدوا حتى بلغ عشرين ألف درهم ورضوا بذلك! وأعطوه المال ، فقطعه لهم قطعة قطعة وقسمها بينم ، فاتخذوا منها فصوصاً للخواتيم يتبركون بها

(٣) تاريخ اليعقوبى ٢ : ٣٣٢.

١٤١

وفصّل الأموي الزيدي فقال : أقبل يحيى بسبعين رجلاً من بيهق إلى أبرشهر وعليها عمرو بن زرارة ، فكتب عمرو بذلك إلى نصر بن سيار ، فكتب نصر إلى عامليه على طوس وسرخس : أن يمضيا إلى عامله على أبرشهر : عمرو بن زرارة وهو أمير عليهم فيقاتلوا يحيى بن زيد ، فاجتمعوا إلى عمرو في أبرشهر فصار في زهاء عشرة آلاف! وما مع يحيى بن زيد إلّاسبعين فارساً ، ومع ذلك هزمهم واستباح عسكرهم وغنم دوابّهم.

ثمّ مرّ على هراة حتّى نزل بأرض الجوزجان ، فسرّح نصر بن سيار إليه سلم بن أحوز في ثمانية آلاف فارس من أهل الشام وغيرهم ، فالتقوا في قرية يقال لها : ارغون فاقتتلوا ثلاثة أيام ولياليها أشدّ قتال حتّى قتل أصحاب يحيى كلهم ، ثمّ رماه عيسى مولى بني عنزة بنشّابة فأصاب جبهة يحيى كأبيه زيد ، فوقع صريعاً فنزل إليه سوره بن محمد فاحتزّ رأسه وسلبه العنزي.

وحملوه إلى الجوزجان فصلبوه على باب المدينة. وأرسل نصر بن سيار برأسه إلى الوليد بن يزيد (١) وكتب الوليد إلى يوسف الثقفي في الكوفة : أما بعد ، فإذا أتاك كتابي هذا فانظر عجل أهل العراق (زيد) فأحرقه وانسفه في اليمّ نسفاً ؛ والسلام.

فعند ذلك أمر يوسف الثقفي فراش بن حوشب فأنزله من جذعه فأحرقه بالنار ، ثمّ جعله في قواصر وحملها في سفينة فذرّاها في الفرات (٢) عام (١٢٥ ه‍)

__________________

(١) مقاتل الطالبيين : ١٠٧ ، ١٠٨ وتمامه : ولم يزل يحيى مصلوباً حتّى قام أبو مسلم الخراساني فأنزله وغسّله وكفّنه وحنّطه ودفنه ، ثمّ تتبّع قتلته من الديوان فلم يدع أحداً ممن شهد قتله. وفي مروج الذهب ٣ : ٢١٢ : وقبره مشهور مزور إلى اليوم : (٣٣٣ ه‍).

(٢) مقاتل الطالبيين : ٩٨.

١٤٢

فلما بلغ ذلك الصادق عليه‌السلام قال : إنّ الله أذن في هلاك بني أُمية بعد إحراقهم زيداً بسبعة أعوام (١).

وكان الوليد قد عزل عمّال هشام سوى يوسف الثقفي لأنّ أُمّه بنت محمد بن يوسف أخ الحجاج بن يوسف الثقفي! ولأ نّه وجد في ديوان هشام كتباً من عمّاله يؤيّدونه على خلع الوليد من ولاية عهده سوى يوسف فإنه أشار عليه بعكس ذلك! فأقرّه على عمله (٢).

الخراساني في خراسان :

وتتبّع يوسف الثقفي عمّال خالد القَسري في خراسان فحبسهم ، ومنهم عيسى بن معقل العجلي ، وكان يخدمه أبو مسلم إبراهيم بن عثمان فكان يتردّد إليه في السجن ، وكان عيسى العجلي قد بلغته دعوة بني العباس ومال إليها. وكذا سليمان بن كثير ومالك بن الهيثم وقحطبة بن شبيب الطائي ، وترافق هؤلاء للحجّ ، وفي منصرفهم في أوائل سنة (١٢٥ ه‍) مرّوا على محمد بن علي بن عبد الله بن العباس في الحُميمة ، فلما تكلم مع أبي مسلم غيّر اسمه إلى عبد الرحمن ، وقال لمن معه : إنّي لأحسب هذا الغلام صاحبنا! فاقبلوا قوله وانتهوا إلى أمره! بل هو هو صاحب الأمر لا شك فيه (٣)! ولن تلقوني بعد وقتي هذا فأنا ميت في سنتي هذه. وسيُقتل ابني إبراهيم فإذا قضى فصاحبكم (ابني) عبد الله فإنه القائم بهذا الأمر

__________________

(١) روضة الكافي : ١٤٢ ، الحديث ١٦٥ ولفظه : أيام ، وأثبتنا الصحيح أي من عام (١٢٥ ه‍) إلى (١٣٢ ه‍) هلاك بني أُمية.

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٣٣١.

(٣) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٣٢٧.

١٤٣

وصاحب هذه الدعوة الذي يؤتيه الله الملك ويكون على يده هلاك بني أُمية. وصاحبكم هذا عبد الرحمن (أبو مسلم) فاسمعوا له وأطيعوا فإنه القائم بهذه الدولة.

وفي آخر هذه السنة (١٢٥ ه‍) توفّى محمد بن علي العباسي ، فعاد أبو مسلم ومعه قحطبة بن شبيب إلى إبراهيم بن محمد بن علي العباسي في الحُميمة ، فجدّد تأمير أبي مسلم عليهم ، وقال لقحطبة : وأنت والله الذي ستلقى عامر بن ضبارة المُري ونباتة بن حنظلة الكلابي ـ من عمّال بني أُمية ـ فتقاتل عساكرهما فتهزمهما ويفتح الله لك حتى تصير إلى الفرات (في العراق) لا تُردّ لك راية! فعادوا إلى خراسان في أوائل سنة (١٢٦ ه‍).

وكان نصر بن سيّار الليثي قد قدّم المضرية على ربيعة واليمن والأزد ورئيسهم يومئذ جديع بن علي الأزدي الكرماني ، فوثب هذا بهم على نصر بن سيّار وقال له : لا ندعك وفعلك. فأخذه نصر فحبسه ، فأتت ربيعة والأزد حتّى أخرجوه من مجرى كنيف! واجتمعوا عليه على نصر فحاربه بهم وانتصر عليه فمال إليه أبو مسلم وجعل يمايل أصحابه ويدعوهم إلى «آل محمد» ويقول لجُديع : ادع إلى «آل محمد» ولم يزل بهم حتّى أظهروا دعوة «بني هاشم / بني العباس» بخراسان (١).

ثمّ خرج أبو مسلم في جماعة أصحابه إلى قرية ارعونه (كذا) من أرض الجوزجان ، ويحيى بن زيد لا يزال مصلوباً بها ، فأنزل جثّته فصلّى عليها في جماعة أصحابه ودفنه هناك ، وقبره مشهور مزور. وأظهر أهل خراسان النياحة عليه سبعة أيام! ثمّ لم يولد في تلك السنة بخراسان مولود إلّاوسمّي بزيد أو يحيى ، لما داخل أهل خراسان من الحزن والجزع عليه (٢) فسوادهم لهما من يومئذ (٣).

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٣٣٢ ، ٣٣٣.

(٢) مروج الذهب ٣ : ٢١٣.

(٣) المحبّر لابن حبيب : ٤٨٤ ، ط. الهند.

١٤٤

الوليد بن يزيد :

عزل الوليد عمّال هشام وعذّبهم أنواع العذاب ، خلا يوسف بن عمر الثقفي في العراق ، وسلّم إليه خالد بن عبد الله القَسري فلم يزل يوسف يعذّبه حتّى قتله.

وعقد لابنه الحكم بولاية العهد بعهده وولّاه دمشق ، وعقد من بعده لعثمان ابنه الآخر وولّاه على حمص ، وضمّ إليه الفقيه ربيعة بن عبد الرحمن وجعله قائماً بأمره.

وعزل عن المدينة ومكة والطائف خال هشام : إبراهيم بن هشام بن إسماعيل المخزومي ، وولّى بمكانه خاله يوسف بن محمد الثقفي (١) ابن أخ الحجاج. وعذّب إبراهيم ومحمد ابني هشام حتّى ماتا (٢).

وقد كان الوليد حين ولّى كتب إلى الناس شِعراً :

ضمنت لكم إن لم تعقني منيتي

بأنّ سماء الضرّ عنكم ستَقلع (٣)

وزاد عشرة في عطاء الناس ، وعشرة أُخرى لأهل الشام خاصّة (٤) وأخرج لعيالات الناس الطيب والكسوة وكسى الزمنى والعميان وأجرى عليهم الأرزاق (٥). فلمّا عمّ استهتاره وظلمه وجوره هجاه حمزة بن بيض بقوله :

وصلت سماء الضُّر بالضرّ بعد ما

زعمت سماء الضرّ عنّا ستَقلع

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٣٣١.

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٣٣٣.

(٣) البدء والتاريخ ٣ : ٥١.

(٤) تاريخ ابن الوردي ١ : ١٧٦.

(٥) مختصر تاريخ الدول : ١١٧.

١٤٥

فليت هشاماً كان حياً يسومنا

وكنّا كما كنّا نرجّي ونطمع

يا وليد الخنا تركت الطريق

واضحاً ، وارتكبت فجّاً عميقاً

وتماديت واعتديت واسرفس

ت وأغويت وانبعثت فسوقاً

أنت سكران ما تُفيق فما تَر

تِق فتقاً وقد فتقت الفتوقا (١)

مصير الوليد بن يزيد :

قال اليعقوبي : كان الوليد مُهملاً لأمره قليل العناية بأطرافه ، وكان صاحب ملاه وقيان واظهار للقتل والجور ، وتشاغل عن أُمور الناس ، وشرب ومجون.

وبلغ من مجونه أنّه وجّه «مُهندساً» ليبني له بيتاً على البيت الحرام بمكة ليجلس فيه للهوه!

فلما ظهر كل هذا منه ، مع قتله لخالد القَسري اليمني ، وتعذيبه إبراهيم ومحمد ابني هشام المخزومي حتّى ماتا ، واستذمامه إلى الناس وحتّى في أهل بيته ، تصدّى له ابن عمّه يزيد بن الوليد بن عبد الملك فاستمال معه جماعة من أهل بيته فمايلوه على خلع الوليد ، وشايعه على ذلك بنو خالد القسري وجماعة من اليمانية واجتمع إليه جماعة وبايعوه لذلك.

وكان الوليد بن يزيد قد نزل قصراً بقرية تعرف بالبَخراء ، فزحف إليه يزيد بن الوليد رويداً رويداً ، بعساكره يتلو بعضها بعضاً ، وقاتلوه فقاتلهم (٢) على أميال من تدمر ، وذلك يوم الخميس لليلتين بقيتا من جُمادى الآخرة سنة (١٢٦ ه‍) وهو ابن خمس وثلاثين سنة.

أقبل يزيد بن الوليد ليلاً في أربعين رجلاً حتّى دخلوا دمشق وكسروا باب المقصورة ودخلوا على واليها فأوثقوه ، واستعجلوا في حمل الأموال ، ونادى

__________________

(١) الكامل في التاريخ ٥ : ١٣٣.

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٣٣٤.

١٤٦

مناديه : من ينتدب لحرب الوليد فله ألفان! فانتدب إليه ألفان. وصبّحوا بخيلهم الوليد بقصر البخراء في البرية على أميال من تدمر. وكان أخو يزيد : العباس بن الوليد بقرب حِمص فكتب إليه الوليد بن يزيد يستنصره فخرج إليه ، فحبسه عسكر يزيد بن الوليد ونادى مناديهم : من أتى العباس بن الوليد فهو آمن فتفرق جند الوليد بن يزيد. فلما أحاطوا بالوليد أخذ المصحف وقال : اقتل كما قتل ابن عمي عثمان! ونادى مناديهم : اقتلوا اللوطي قِتلة قوم لوط! فقُتل وأتوا برأسه إلى ابن عمه يزيد بن الوليد فقال : انصبوه للناس ، فقيل له : لا تفعل ، إنما يَنصب رأس الخارجي! فحلف لينصبنّه ، فوضع على رمح ونصب على درج مسجد دمشق ، ثمّ أمر فطيف به في دمشق.

وكانت الجمعة فصلّى بهم يزيد بن الوليد وخطب فقال : أيها الناس ، إني والله ما خرجت أشراً ولا بطراً ، ولا حرصاً على الدنيا ، ولا رغبة في الملك ، وما بي إطراء نفسي ولا تزكية عملي .. ولكنّي خرجت غضباً لله ودينه وداعياً إلى كتابه وسنة نبيّه ، حين درست معالم الهدى وطفئ نور أهل التقوى ، وظهر الجبار العنيد المستحل للحرمة والراكب البدعة والمغيّر السنة.

ثمّ دعاهم إلى بيعته فبايعوه لأول رجب (١٢٦ ه‍) وامّه ام ولد اسمها شاه آفريد بنت فيروز بن يزدجرد بن شهريار بن كسرى (١).

وقد ألحد ورمى المصحف :

نقل المسعودي عن المبرّد النحوي : أن الوليد بن يزيد قال شعراً ولعلّه سكراً :

__________________

(١) تاريخ خليفة : ٢٣٦ ـ ٢٤٠.

١٤٧

تلعّب بالخلافة هاشمي

بلا وحي أتاه ولا كتاب

فقل لله : يمنعني طعامي

وقل لله : يمنعني شرابي!

فلم يُمهل بعد قوله هذا إلّاأياماً حتّى قُتل!

وقبله : قرأ ذات يوم قوله سبحانه : (وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ* مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ) فنصب المصحف غرضاً لنشّابه وأقبل يرميه وهو يقول :

أتوعد كل جبّار عنيد!

فها أنا ذاك جبّار عنيد!

إذا ما جئت ربّك يوم حشر

فقل : يا ربّ مزّقني الوليد

ودخل عليه بعض حجّابه فقال له : يا أمير المؤمنين! إنّ بالباب جمعاً من وفود العرب ومن قريش! والخلافة تُجلّ عن هذه المنزلة وتُبعد عن هذه الحال! فقال لهم : اسقوه! فأبى ، فأمر بقمع (محقان) فجعلوه في فيه وسقوه حتّى أسكروه (١)!

وهو أول من حَمل المغنّين من البلدان إليه : ابن سُريج ، وابن عائشة مولى قريش ، وابن محرز ، ودحمان ، وطويس ، والفريض ، ومعبد ، فغلبت شهوة الغناء عليه وعلى خاصته والعامة ، واتّخذ القيان لذلك ، فكان صاحب سماع للغناء واللهو والطرب والشرب ، وكان ماجناً خليعاً (٢)! آيساً من رحمة ربّه يقول :

اسقني ـ يا يزيد ـ بالقر قارة

قد طربنا وحنّت الزُمّارة

اسقني إسقني فإنّ ذنوبي

قد أحاطت ، فما لها كفّارة!

__________________

(١) مروج الذهب ٣ : ٢١٦ و ٢١٧.

(٢) مروج الذهب ٣ : ٢١٣.

١٤٨

واشتدّ طربه لغناء ابن عائشة فجرّده وقام إليه يقبّله عضواً عضواً حتّى أهوى إلى ذكره يقبّله فجعل ابن عائشة يضمّه بين فخذيه ويقول الوليد له : والله لا زلت حتّى اقبّله! فلم يزل حتّى قبّل رأس ذكره وصاح : وا طرباه! وا طرباه! ثمّ نزع ثيابه فألقاها على ابن عائشة ودفع إليه ألف دينار وحمله على بغلته (١).

فلما حاصروه في قصره قال لهم : ألم أرفع المؤون عنكم؟! ألم اعط فقراءكم؟! ألم أزد في اعطياتكم؟! فقالوا : إنّا ما ننقم عليك في أنفسنا إنما ننقم عليك في انتهاك ما حرّم الله من شرب الخمر ونكاح امهات أولاد أبيك (٢)!

وروى السيوطي قال : نظر أخوه سليمان بن يزيد إلى رأسه وقال : بُعداً له ، أشهد أنّه كان شروباً للخمر ماجناً فاسقاً ، ولقد راودني على نفسي! وعن الذهبي : اشتهر بالخمر والتلوّط (٣).

أيام يزيد بن الوليد :

بعد قتل يزيد بن الوليد لابن عمّه الوليد بن يزيد بخمسة أيام تملّك في مستهل رجب سنة (١٢٦ ه‍) ، وبايع لأخيه إبراهيم بن الوليد بولاية عهده ووجّهه إلى الأُردن ، لكنهم كانوا قد أمّروا عليهم عمّ يزيد : محمد بن عبد الملك ، فواقفوه للقتال ، ولكن إبراهيم أرسل إليهم عبد الرحمن بن مُصاد يقول لهم : علامَ تقتلون أنفسكم؟ أقبلوا إلينا نجمع لكم الدنيا والآخرة! وأنا أضمن لكل رجل منكم ألف دينار! فتفرقوا عن محمد بن عبد الملك إلى ابن أخيه إبراهيم بن الوليد. ثمّ خرج بالأُردن على يزيد : أخوه عمر بن الوليد ، وفي قنّسرين أخوه الآخر

__________________

(١) مروج الذهب ٣ : ٢١٥.

(٢) مختصر تاريخ الدول : ١١٨ وتاريخ الخلفاء للسيوطي : ٣٠٠.

(٣) تاريخ الخلفاء للسيوطي : ٣٠٠ ، ٣٠١.

١٤٩

بشر بن الوليد ؛ وفي حمص أخوه الآخر العباس بن الوليد وساعده سليمان بن هشام ، وأبو محمد بن عبد الله بن يزيد بن معاوية وشايعهم أهل حمص ، وقتلوا عاملهم عبد الله بن شجرة الكندي ، وقتل أهل مصر أميرهم حفص بن الوليد الحضرمي ، وأخرج أهل المدينة عاملهم عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز! فاضطربت البلدان وعمّتها الفتن. وكان في بيت المال يوم ولي أربعون ألف ألف (مليون) دينار ففرقها كلّها يزيد (١).

وفي شعبان سنة (١٢٦ ه‍) خرج سعيد بن بهدل النمري بالجزيرة في العراق ، ولأول شهر رمضان نزل بعض كور الموصل ، وكان قد خرج أبو كرب الحميري وتسمّى أمير المؤمنين في جمع كثير ، ولكنّه لما تبيّن له أن سعيداً كان قد خرج قبله سلّم أمره إليه فاجتمع إليه خمسمئة رجل ، فسار سعيد إلى شهرزور والتقى فيها بشيبان اليشكري الهمداني وكان قد خرج بجمع وتسمّى أمير المؤمنين ، ولكنّه لما تبيّن له أنّ سعيداً خرج قبله سلّم له وسار معه.

وكان مروان بن محمد بن مروان بن الحكم والياً على أرمينية ، فلما علم بقتل يزيد للوليد لم يبايع له وقبل بيعة من معه لنفسه فبايعوه (٢) فكان هذا أول أمره.

وعلى رأس ستة أشهر من حكم يزيد بن الوليد أي في العشرين من ذي الحجة عام (١٢٦ ه‍) قيل إنّ إبراهيم بن الوليد سمّ أخاه يزيد (٣) وكان الفقيه لدى يزيد أبو العلاء برد بن سنان ، وكان قد نهاه أن يدخل في الخلافة ، وكان حاضراً عند احتضار يزيد ، إذ دخل عليه مولاه قَطَن وقال له : أنا رسول من وراء بابك

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٣٣٥ و ٣٣٦.

(٢) تاريخ خليفة : ٢٤٢ ، ٢٤٣.

(٣) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٣٣٦.

١٥٠

يسألونك بحق الله لما ولّيت أمرهم أخاك إبراهيم! فقال يزيد : يا أبا العلاء ، إلى من ترى أن أعهد؟! فقال أبو العلاء : أمر نهيتك عن الدخول في أوله فلا اشير عليك في آخره! وغُشى على يزيد فقعد قطَن وافتعل على لسانه عهداً لأخيه إبراهيم ، ودعا أُناساً فأشهدهم عليه (١) فكأنه لم يعهد إليه قبل هذا!

ومات يزيد بن الوليد فصلّى عليه أخوه إبراهيم ، ودفن بدمشق بين باب الجابية وباب الصغير. وكان أحول يذهب إلى أقوال المعتزلة في الأُصول الخمسة : التوحيد والعدل ، والوعيد والمنزلة بين المنزلتين ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (٢).

أيام مروان بن محمد :

مرّ الخبر عن خروج مصعب بن الزبير من البصرة سنة (٧٢ ه‍) لحرب عبد الملك بن مروان إلى مسكن على شاطئ دجلة ، فقال المسعودي : كان على مقدمة عبد الملك الحجاج بن يوسف ، ثمّ قال : وقيل : بل كان على ساقته .. وعلى مقدمته أخوه محمد بن مروان فنازل إبراهيم بن الأشتر (٣) وقال : كان لمصعب جارية تُدعى ريّاً أو طرونة فصارت بعد مقتله لمحمد بن مروان فأولدها مروان بن محمد (٤) وعاد فقال : كان محمد بن مروان على مقدمة أخيه عبد الملك وإبراهيم النخعي على مقدمة مصعب ، وكان لإبراهيم أُمّ ولد تدعى زيادة فصارت إلى محمد بن مروان. ثمّ قال : وقيل : بل كانت حاملة من إبراهيم فجاءت بمروان على

__________________

(١) تاريخ خليفة : ٢٤١.

(٢) مروج الذهب ٣ : ٢٢٠ و ٢٢١.

(٣) مروج الذهب ٣ : ١٠٥ و ١٠٦.

(٤) مروج الذهب ٣ : ٢٣٢.

١٥١

فراش محمد بن مروان (١) ونقل السيوطي عن ابن عساكر أن الوليد بن عبد الملك تزوّجها بعد عمّه محمد فولدت له إبراهيم فهو أخو مروان بن محمد لأُمّه (٢) ومع ذلك لم يسلّم له مروان كما لم يسلّم لأخيه يزيد بن الوليد قبله ، مستنداً إلى ولاية عهد الوليد بن يزيد لابنه الحكَم بن الوليد ثمّ عثمان بن الوليد فالخلافة لهما ولا يصح ليزيد بن الوليد ثمّ لإبراهيم بن الوليد حبسهما.

وكان مع مروان بن محمد بالجزيرة ستة وعشرون ألفاً من قيس وسبعة آلاف من ربيعة! فلما أتاه وفاة يزيد بن الوليد وتولّى أخيه إبراهيم بن الوليد دعا قيساً وربيعة فأعطاهم عطيّاتهم ، وولّى على قيس إسحاق بن مسلم العقيلي وعلى ربيعة المساور بن عقبة ، واستخلف على الجزيرة أخاه عبد العزيز بن محمد بن مروان وخرج منها إلى الشام ، ولقيه في طريقه خمسة آلاف آخرون من قيس مع وجوههم ، فساروا معه إلى حلب ، وبلغ ذلك إلى إبراهيم بن الوليد فأرسل أخويه بشراً ومسروراً ابني الوليد بن عبد الملك لمواجهة مروان بن محمد ، وتواجه القوم فحمل عليهم مروان بمن معه فانهزم بشر ومسرور بغير قتال فأسرهما وكثيراً من أصحابهما ثمّ أعتقهم.

ثمّ سار مروان إلى حمص فبايعوه وخرج جمع منهم معه إلى عسكر سليمان بن هشام بن عبد الملك فقاتله حتّى حوى عسكره. وبلغ ذلك إلى إبراهيم بن الوليد فخرج من دمشق بجمعه ومعه الأموال حتّى نزل باب الجابية وتهيّأ للقتال ، ودخل بعضهم إلى السجن بدمشق فقتلوا الحكم وعثمان ابني الوليد وليَّي العهد المخلوعين ليقطعوا حجة مروان بن محمد.

__________________

(١) التنبيه والإشراف : ٢٨١.

(٢) تاريخ الخلفاء : ٣٠٦.

١٥٢

وكان معهما في السجن أبو محمد بن عبد الله بن يزيد بن معاوية ، فثار أهل دمشق وأخرجوا هذا من السجن فوضعوه على المنبر فخطبهم وبايعهم لمروان ؛ وبلغ ذلك إلى إبراهيم بن الوليد فهرب ، فجاء مروان إلى دمشق ونبش قبر يزيد بن الوليد فصلبه لقتله الوليد بن يزيد ، وعاد مروان إلى الجزيرة فظهر له إبراهيم وخلع نفسه وبايعه فأمّنه ، وعاد فسكن الرّقة على شاطئ الفرات.

وأرسل مروان بن محمد : زامل بن عمرو فأخذ خالداً والوليد ابني يزيد بن الوليد فقتلهما (١) قصاصاً بإزاء الحكم وعثمان ابني يزيد بن الوليد! لأوائل سنة (١٢٧ ه‍).

ثورة «الشيعة» والزيدية بالكوفة! :

في أيام يزيد بن الوليد سنة (١٢٦ ه‍) عزل يوسف بن عمر عن الكوفة وولّاها عبد الله بن عمر بن عبد العزيز (٢) وفي ولايته على الكوفة قدمها عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر الطيّار ومعه أخواه الحسن ويزيد. فلما مات يزيد وسلّم إبراهيم لمروان بن محمد قام هلال بن الورد العجلي مولاهم ومعه ناس من «الشيعة» فدعوا إلى بيعة عبد الله بن معاوية الجعفري ، فبايعوه ، وأتوا به وأدخلوه القصر ، وبايعه أهل الكوفة ومن فيهم من أهل الشام بالكوفة ، وأقام أياماً يبايعه الناس ، وأتته بيعة المدائن ومن كل وجه من العراق. فقاتله عبد الله بن عمر فقُتل ناس كثير من أهل اليمن مع عبد الله بن معاوية الجعفري حتّى انهزم ودخل القصر ، وقاتل الزيدية في الكوفة عنه قتالاً شديداً حتى أخذوا لهم

__________________

(١) تاريخ خليفة : ٢٤٣ ، ٢٤٤.

(٢) تاريخ خليفة : ٢٤٩.

١٥٣

الأمان ليأخذوا حيث شاؤوا من البلاد ولا يتبعوا فأعطوهم ذلك ، فرحّلوهم ومن معهم من «شيعته» ومن تبعه من أهل الكوفة والسواد والمدائن (١)! فخرجوا إلى اصطخر فارس (٢).

أخبار خوارج العراق وولاية ابن هبيرة :

مرّ الخبر عن خروج سعيد بن بهدل النمري في شمال العراق وأ نّه التحق به سائر الخوارج فاجتمع إليه نحو خمسمئة رجل سار بهم إلى شهرزور ، وفي سنة (١٢٧ ه‍) حضرته الوفاة في شهرزور فقال لهم : اختاروا منكم عشرة للقيادة ، فاختاروا أربعة منهم وقال لهم : اختاروا ، فاختاروا اثنين منهم ، فقال لهما اختارا فاختارا شيبان الضحاك بن قيس المحلمي فبايعوه.

وأقبل الضحاك يريد الكوفة وقد اجتمع إليه ثلاثة أو أربعة آلاف حتّى نزل دير الثعالب. ثمّ أقبل حتى نزل بشاطئ الفرات وعبر بجمعه ، فوجد عامل الكوفة عبد الله بن عمر بن عبد العزيز ومن معه من أهل الشام والكوفة قد خندقوا ، وذلك في يوم الأربعاء لليال خلون من شعبان سنة (١٢٧ ه‍) ، فأنزل من كل كردوس معه عصابة نشطوا للقتال ، فلم يلبث أهل الشام أن انهزموا وعبروا الخنادق إلى الكوفة ، ثمّ رجعوا يوم الخميس إلى مواقفهم ، فحملوا عليهم فانهزم أهل الشام أيضاً وقتل منهم أخو عبد الله : عاصم بن عمر بن عبد العزيز. ونادى منادي الضحاك الخارجي : يا أهل الشام ، قد أجّلناكم ثلاثاً ، فمن دخل فيما دخلنا فيه فله مالنا ، ومن أحبّ أن يتوجه حيث شاء من الأرض فليتوجّه آمناً. فمن أتاهم

__________________

(١) تاريخ خليفة : ٢٤٤ ، ٢٤٥.

(٢) تاريخ خليفة : ٢٥٢.

١٥٤

ألحقوه بهم ومن شخص لم يعرضوا له ، وخرجوا متوجّهين في كل وجه حتّى لم يبق بالكوفة أحد منهم. وأصبح عبد الله بن عمر فخرج متوجهاً إلى الواسط.

فبعث الضحاك حسناء الشيباني إلى دار الامارة فأصاب خزائن كثيرة سلاحاً وأموالاً.

فلما كان أول يوم من شهر رمضان استخلف الضحاك على الكوفة رجلاً يدعي ملحان وسار هو بجمعه حتّى نزل بواسط على عبد الله بن عمر ، فقاتله ستة أشهر أو سنة حتّى أرسل ابن عمر إليه فصالحه على أن يعطيه ما يُرضيه ويقرّه على عمله ، وأتى ابن عمر إلى الضحاك حتّى صلّى خلفه (١).

محمّد بن عبد الله الحسني :

يظهر من خبر الأموي الزيدي : أنّ عبد الله المحض ابن الحسن المثنّى ابن الحسن المجتبى عليه‌السلام كان لا يخلو من دعوى المهدوية ، بأن قال : دعتني عمّتي فاطمة بنت علي عليه‌السلام فقالت لي : يا بُني إنّ أبي عليّ بن أبي طالب كان يذكر أنّ أصغر ولده يدرك المهدي! وأنا أصغر ولده! وقد كان يصف علامات فيه ولست أراها في أحد غيرك! فإن كنت أنت ذاك فاشفني من بني أُمية (٢)!

هذا ما نسب على لسان عبد الله المحض إلى عمّة أبيه الحسن المثنّى : فاطمة بنت علي عليه‌السلام ، اللهمّ إلّاأن يكون في الخبر سقط أو حذف.

وأما ابنه محمّد فامّه هند بنت أبي عُبيدة بن عبد الله بن زمعة من سادات قريش وأجوادها (٣) ولذا زوّجها عبد الملك بن مروان لابنه عبد الله ،

__________________

(١) تاريخ خليفة : ٢٤٥ ، ٢٤٦.

(٢) مقاتل الطالبيين : ١٦٣.

(٣) مقاتل الطالبيين : ١٩٨.

١٥٥

فمات عنها (١) فرجعت هند بميراثها منه. فقال عبد الله بن الحسن لأُمه فاطمة بنت الحسين : اخطبي لي هنداً. فقالت له : أتطمع في هند وقد ورثت من عبد الله بن عبد الملك ما ورثته ، وأنت تَرِب لا مال لك؟! إذن تردّك! فتركها ، وخطبها هو من أبيها فتزوّجها وأقام عندها سبعاً ثم غدا على امّه فاطمة في غير ثيابه الأُولى! فقالت له : يا بُنيّ من أين لك هذا؟ قال : من عند التي زعمتِ أنها تردّني (٢)!

وكأنّها كانت تدّعي عليه الحمل منه ولا تلد إلى أربع سنين! وكأنه أراد أن يتزوّج عليها فاتّهمها أنها تدّعي عليه الحمل منه خوفاً من أن يتزوج عليها ، فشكاها بذلك إلى أبيها! فجاءها أبوها أبو عبيدة وقال لها : أنت متحابلة (تدّعين الحبل) على عبد الله بن الحسن فرقاً أن يتزوّج عليك؟! فسدّت بوجهه باب بيتها وقالت له : يا أبه أنا لا أكذب عليه فوربّ الكعبة البيت الحرام إني لحامل! ثمّ ولدت ابنها على رأس أربع سنين (٣)! فسمّاه محمّداً ، وكان ذلك في سنة مئة للهجرة ، على عهد عمر بن عبد العزيز ، ففرض له شرف العطاء.

وكانت فاطمة بنت الحسين عليه‌السلام أُم عبد الله هي التي تقبّل نساء بنيها وأهل بيتها حتّى قال لها بنوها : نخشى أن نُسمّى بني القابلة! فقالت لهم : إنَّ لي طلبة لو ظفرت بها لتركت ما ترون! فلمّا كانت الليلة التي ولد فيها محمّد بن عبد الله قالت لهم : يا بَنيّ إني كنت أطلب أمراً وظفرت به! فلست بعائدة بعد اليوم إن شاء الله تعالى!

وذلك أنّه ولد محمّد وبين كتفيه خال أسود عظيم كهيئة البيضة (٤) كخاتم النبوة!

__________________

(١) مقاتل الطالبيين : ١٩٩.

(٢) مقاتل الطالبيين : ١٦٠.

(٣) مقاتل الطالبيين : ١٥٩.

(٤) مقاتل الطالبيين : ١٦٠ ـ ١٦١.

١٥٦

وجاءت فاطمة بنت علي عليه‌السلام فنظرت إليه وأدخلت إصبعها في فيه فإذا عقدة في لسانه! فكان الولد يكون عندها أكثر مما يكون عند أُمه ، حتّى تخرّج من الكتّاب.

فعملت طعاماً وأرسلت إلى نفر من أهل بيتها فتغدّوا عندها ثمّ أخرجت سفطاً مختوماً وقالت لهم :

إنّ أخي الحسين عليه‌السلام كان قد دفع إليّ هذا السفط بخاتمه ولا أدري ما فيه ولكني إذا وُلد الغلام أرى أن أدفعه إليه ، ثمّ دفعت السفط إليه بمحضر القوم ، فقال الناس فيه كأنه المهدي!

ثمّ أخذه أبوه وأخاه إبراهيم إلى عبد الله بن طاووس بن كيسان اليماني وقال له : حدّثهما لعلّ الله أن ينفعهما! ولقى محمّد نافعاً ابن عمر! وسمع منه وكذا أبا الزياد ، وحدّث عنهما وعن غيرهما قليلاً (١).

وكان يروى أنّه يملك رجل اسمه اسم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، واسم أُمّه على ثلاث أحرف أولها هاء وآخرها دال! فيطبّقون ذلك على محمّد بن عبد الله بن الحسن وأُمّه هند! فيسمى بالمهدي! وهو يتوارى ويراسل الناس بالدعوة إلى نفسه (٢).

ثمّ رووا عن أبي هريرة قوله : إنّ المهدي اسمه محمّد بن عبد الله : وزادوا : وفي لسانه رتّة! ذلك أنّه كان يتلجلج الكلام في صدره فيضرب بيده عليه ليستخرج منه الكلام (٣)!

__________________

(١) مقاتل الطالبيين : ١٦٣.

(٢) مقاتل الطالبيين : ١٦٢.

(٣) مقاتل الطالبيين : ١٦٤ ، فهذا أول ما زيد في الحديث النبوي : واسم أبيه اسم أبي! ليصدق عليه!

١٥٧

وشاع ذلك حتّى لهج العوام يسمونه المهدي منذ أن كان غلاماً ، فكان يستخفي ويتغيّب ، وأمّلوه ورجوه وسُرّوا به وأحبّوه وجعلوا يتذاكرونه في مجالسهم وتباشرت «الشيعة» به (١).

واعتزل في البصرة أبو حذيفة واصل بن عطاء البصري عن شيخه أبي الحسن البصري في القول بالمنزلة بين المنزلتين الإيمان والكفر ، وفي آراء وأقوال اخر ، ثمّ أرسل رسلاً إلى الناس داعين إلى مقالته ، وقدم منهم أبو أيوب بن الأدبر البصري رسولاً إلى المدينة داعياً إلى مقالته ، ودعا إليه محمّد بن عبد الله بن الحسن في جمع من آل أبي طالب فاستجابوا له (٢). وكانوا ينبزون المعتزلة بالقدرية ، فكانوا يقولون في محمّد إنّه قدري ، وذكر ذلك لأخيه موسى بن عبد الله فقال : لا ، وإنّما كان يشتمل الناس (٣) أي يستميلهم إليه ، وإلّا فلم يكن معتزلياً ولا قدرياً واقعاً.

دعوى محمّد بن عبد الله المهدوية :

بدأت دعوة من دعا إلى محمّد بن عبد الله من أبيه عبد الله وهو ومن دعا إليه من أهله ، عقيب قتل الوليد بن يزيد الأحول الناقص والفتن بعده (٤) فعند مقتل الوليد بن يزيد واختلاف كلمة بني مروان خرج دعاة بني هاشم إلى النواحي ، وكان أوّل ما يظهرونه فضل عليّ بن أبي طالب وولده وما لحقهم من القتل والخوف والتشريد (٥).

__________________

(١) مقاتل الطالبيين : ١٦٥.

(٢) مقاتل الطالبيين : ١٦١.

(٣) مقاتل الطالبيين : ١٦٩.

(٤) مقاتل الطالبيين : ١٧٤.

(٥) مقاتل الطالبيين : ١٥٨.

١٥٨

فروى الأموي الزيدي عن المدائني بسنده قال : إنّ نفراً من بني هاشم منهم عبد الله بن الحسن وابناه محمّد وإبراهيم ، ومحمّد بن عبد الله بن عمر بن عثمان ، وإبراهيم الإمام والسفّاح والمنصور وصالح بن علي ، اجتمعوا بالأبواء في طريق مكّة.

فقال لهم صالح بن علي : إنكم القوم الذين إليهم تمتد أعين الناس ، وقد جمعكم الله في هذا الموضع ، فاجتمعوا على بيعة أحدكم ثمّ تفرقوا في الآفاق وادعوا الناس ، لعلّ الله أن ينصركم ويفتح عليكم.

وقال أبو جعفر المنصور : لمَ تخدعون أنفسكم ، والله لقد علمتم أنّ الناس ليسوا أسرع إجابة ولا أميل أعناقاً إلى أحد منهم إلى هذا الفتى وأشار إلى محمّد بن عبد الله! فصدَّقوه وبايعوه ، ثمّ لم يجتمعوا إلى أيام مروان بن محمّد ، ثمّ اجتمعوا يتشاورون فجاء رجل إلى إبراهيم فشاوره بشيء فقام وأشار إلى من معه من العباسيين فقاموا معه.

ثمّ تبيّن أنّ الرجل قد قال لإبراهيم الإمام : لقد اخذت لك البيعة بخراسان ، وجُمّعت لك الجيوش!

فخافه عبد الله بن الحسن وكتب إلى مروان بن محمّد يبرأ إليه من إبراهيم الإمام وما قد يُحدث (١).

وروى الأموي الزيدي عن النميري البصري بثلاثة طرق قال : لمّا اجتمع بنو هاشم قام فيهم عبد الله بن الحسن فخطبهم فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال لهم : إنكم «أهل البيت» قد فضّلكم الله بالرسالة واختاركم لها ، وأكثركم بركة ـ يا ذرية محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ بنو عمه وعترته فأنتم أولى الناس بالفزع في أمر الله ... وأنتم ترون كتاب الله معطّلاً ، وسنة نبيّه متروكة ، والباطل حياً والحق ميتاً! فقاتلوا لله في

__________________

(١) مقاتل الطالبيين : ١٧٣ ـ ١٧٤.

١٥٩

الطلب برضاه بما هو أهله قبل أن ينزع منكم اسمكم وتهونوا عليه كما هانت عليه بنو إسرائيل وقد كانوا أحبّ خلقه إليه! وقد علمتم أنّا لم نزل نسمع أنّ هؤلاء القوم إذا قتل بعضهم بعضاً خرج الأمر من أيديهم! وقد قتلوا صاحبهم (الوليد بن يزيد) فهلمّوا نبايع محمّداً فقد علمتم أنّه «المهدي».

فقالوا : لم يجتمع أصحابنا بعد ، ولسنا نرى أبا عبد الله جعفر بن محمّد!

فقال لهم عبد الله بن الحسن : لا ترسلوا إلى جعفر! فإنّه يفسد عليكم! فأبوا عليه ذلك ، فأرسل إليه فأبى أن يأتي! فقام وقال : أنا آت به الساعة! ولم يذكر الخبر موضع اجتماعهم إلّاأ نّه قال : فخرج بنفسه إلى خباء الفضل بن عبد الرحمن بن العباس بن ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب ، وكان أبو عبد الله جعفر عنده فقام له وصدّره لأنّه أسنّ منه! ثمّ خرج به إلى جمعهم وأوسع له عبد الله إلى جانبه ثمّ قال له : قد علمت ما صنع بنا بنو أُميّة ، وقد رأينا أن نبايع لهذا الفتى!

فقال عليه‌السلام : لا تفعلوا فإنّ الأمر لم يأت بعد!

فغضب عبد الله وقال : لقد علمتَ خلاف ما نقول ، ولكنّه يحملك الحسد لابني على خلاف ذلك!

فروى عن المدائني بسنده قال : إنّ جعفراً عليه‌السلام قال لعبد الله : والله إنّ هذا الأمر ليس إليك ولا إلى ابنيك. وكان السفّاح والمنصور أمامه فأشار إلى السفّاح وقال : وإنّما هو لهذا ثمّ لهذا ثمّ لولده من بعده ، لا يزال فيهم حتّى يؤمّروا الصبيان ويشاوروا النساء!

فقال عبد الله : يا جعفر! والله ما أطلعك الله على غيبه! وما قلت هذا إلّا حسداً لابني!

فقال : لا والله ما حسدت ابنك ، وإنّ هذا ـ وأشار إلى المنصور ـ يقتله على أحجار الزيت ، ثمّ يقتل أخاه بعده بالطفوف وقوائم فرسه في الماء! ثمّ قام مغضباً يجرّ رداءه. وتفرّق الناس ولم يجتمعوا.

١٦٠