موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٦

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي

موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٦

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: أضواء الحوزة ـ لبنان
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٤١

بشر بن سوط القابضي الهمداني وعثمان بن خالد بن اسير الدهماني الجهني ، بعث المختار عليهما عبد الله بن كامل الشاكري الهمداني فأحاط بقوّاته بعد العصر بمسجد بني دهمان وطلب منهم تسليم عثمان بن خالد ، فاستمهلوه وخرجوا مع الخيل في طلبه فوجدوه مع بشر في الجبّانة فاتي بهما إلى ابن كامل فخرج بهما إلى موضع بئر الجعد فضرب أعناقهما ، وعاد إلى المختار فأخبره بخبرهما فأمر بإحراق أجسادهما بالنار فاحرقا ثمّ دفنا (١).

وحامل رأس الحسين عليه‌السلام :

وحمل رأس الحسين عليه‌السلام من كربلاء إلى الكوفة : خوليّ بن يزيد الأصبحي الكندي ، وكانت امرأته من الحضرميّين يقال لها : العيّوف بنت مالك ، وحين جاءها برأس الحسين عليه‌السلام ناصبت العداء لزوجها ، وعاداه من قومه ابن أخي حجر بن عدي الكندي : معاذ بن هاني بن عدي ، فبعث المختار معه مولاه أبا عمرة كيسان صاحب حرسه ، فساروا حتّى أحاطوا بدار خوليّ ، فلمّا علم بهم خوليّ تستّر على رأسه بقوصرّة للتمر واختبأ في الخلاء في داره! فأمر معاذ الكندي أبا عمرة أن يطلبه في الدار ، فخرجت إليهم امرأة خولي فسألوها عنه فقالت بلفظها : لا أدري ، وأشارت بيدها إلى الخلاء في الدار ، فوجدوه فيه متستّرا بالقوصرّة على رأسه فأخرجوه ، وكان المختار يسير في الكوفة فأرسل أبو عمرة إليه رسولا استقبل المختار عند دار بلال فأخبره الخبر ، فأقبل نحوهم وردّهم حتّى قتله إلى جانب أهله ، ثمّ دعا بنار فأحرقه حتّى صار رمادا ثمّ انصرف (٢).

__________________

(١) تاريخ الطبري ٦ : ٥٩ عن أبي مخنف.

(٢) تاريخ الطبري ٦ : ٥٩ ـ ٦٠ عن أبي مخنف ، وعن المدائني في أمالي الطوسي : ٢٤٤ ، الحديث ١٦ ، المجلس ٩.

٤٠١

عمر بن سعد الزهري والأمان! :

حدث أبو مخنف عن أبي الأشعر موسى بن عامر قال : كان المختار أوّل ما ظهر أحسن شيء سيرة وتألّفا للناس ، وكان من أكرم خلق الله على المختار عبد الله بن جعدة بن هبيرة المخزومي لقرابته من عليّ عليه‌السلام (كان حفيد امّ هاني) فلجأ إليه عمر بن سعد الزهري وقال له : إنّي لا آمن هذا الرجل على نفسي ، فخذ لي أمانا منه. فأخذ له ذلك وفيه : بسم الله الرحمنِ الرحيم ، هذا أمان من المختار بن أبي عبيد لعمر بن سعد بن أبي وقّاص ، إنّك آمن بأمان الله على نفسك ومالك وأهلك وأهل بيتك وولدك ، لا تؤاخذ بحدث كان منك قديما ، ما سمعت وأطعت ولزمت رحلك وأهلك ومصرك.

فمن لقي عمر بن سعد من شرطة الله و «شيعة آل محمد» ومن غيرهم من الناس فلا يعرض له إلّا بخير. وجعل المختار على نفسه عهد الله وميثاقه ليفينّ لعمر بن سعد بما أعطاه من الأمان ، إلّا أن يحدث حدثا! وأشهد الله على نفسه وكفى بالله شهيدا ، وشهد أحمر بن شميط الهمداني ، والسائب بن مالك الأشعري ، وعبد الله بن شداد الجشمي وعبد الله بن كامل الشاكري الهمداني.

ثمّ روى أبو الأشعر موسى بن عامر عن الإمام الباقر عليه‌السلام : أنّ المختار في أمانه لعمر بن سعد لمّا قال : إلّا أن يحدث حدثا ، فإنّه كان يريد به : إذا دخل الخلاء فأحدث حدثا (١).

والموسم الحجّ في سنة ستّة وستّين حيث حجّ جمع من أهل الكوفة إلى مكّة والمدينة وعادوا ، وكان منهم يزيد بن شراحيل الأنصاري الكوفي وقد زار ابن الحنفية بمكّة وتذاكروا المختار وخروجه وما يدعو إليه من الطلب بدماء

__________________

(١) تاريخ الطبري ٦ : ٦٠ ـ ٦١ عن أبي مخنف.

٤٠٢

«أهل البيت» فقال محمّد بن الحنفيّة : يزعم أنّه «شيعة» لنا وجلساؤه قتلة الحسين عليه‌السلام على الكراسي يحدّثونه!

فلمّا قدم الكوفة أتى المختار فسأله : هل لقيت «المهديّ» قال : نعم ، ونقل له قوله (١).

وكان من جلساء المختار الهيثم بن الأسود النخعي الهمداني فسمعه يقول : لأقتلن غدا رجلا غائر العينين مشرف الحاجبين عظيم القدمين ، يسرّ مقتله المؤمنين والملائكة المقرّبين! ففهم الهيثم أنّ المختار يريد عمر بن سعد ، فلمّا عاد إلى منزله دعا ابنه العريان وقال له : اذهب ليلا (سرّا) إلى عمر بن سعد فأخبره بكذا. فلمّا كان الليل ذهب العريان واستخلى بابن سعد وأخبره الخبر فجزّاه ابن سعد خيرا وقال : كيف يريد بي هذا بعد الذي أعطاني من العهود والمواثيق! ومع ذلك خرج تلك الليلة إلى حمّام له خارج البلد وعليه مولى له ، وأخبره بأمانه وما اريد به. فقال له المولى : وأيّ حدث أعظم ممّا صنعت! إنّك تركت رحلك وأهلك وأقبلت إلى هاهنا! ارجع إلى رحلك ولا تجعل للرجل عليك سبيلا! فعاد إلى البلاد ، وكأنه أرسل ابنه حفصا إلى المختار ليستوثق له.

فعرف المختار أخباره ، وأسرّ إلى أبي عمرة بأمره فيه ، فذهب إليه وقال له : أجب الأمير ، فقام عمر في جبّته فعثر بها ، فضربه أبو عمرة بسيفه فقتله واحتزّ رأسه وستره بأسفل قبائه حتّى وضعه بين يدي المختار وعنده حفص بن عمر بن سعد ، فقال المختار له : أتعرف هذا؟ فاسترجع وقال : نعم ، ولا خير في العيش بعده! فقال المختار : صدقت فإنّك لا تعيش بعده ، وأمر به فقتل وجعل رأسه

__________________

(١) تاريخ الطبري ٦ : ٦٢ عن أبي مخنف.

٤٠٣

إلى رأس أبيه ، فلمّا رآهما المختار قال : هذا بحسين وهذا بعليّ بن الحسين ، ثمّ قال : ولا سواء (١)! والله لو قتلت به ثلاثة أرباع قريش ما وفوا أنملة من أنامله!

ثمّ كتب بذلك كتابا إلى محمّد بن الحنفيّة ودعا ظبيان بن عمارة التميمي ومسافر بن سعيد الناعطي الهمداني وأرسلهما برأسيهما والكتاب إلى ابن الحنفيّة وفيه :

بسم الله الرحمنِ الرحيم إلى «المهدي» محمّد بن عليّ ، من المختار بن أبي عبيد. سلام عليك أيها «المهدي» فإنّي أحمد إليك الله الذي لا إله إلّا هو ، أمّا بعد ، فإنّ الله بعثني نقمة على أعدائكم ، فهم بين قتيل وأسير ، و «طريد وشريد» فالحمد لله الذي قتل قاتليكم ونصر مؤازريكم. وقد بعثت إليك برأس عمر بن سعد وابنه ، وقد قتلنا من شرك في دم الحسين وأهل بيته «رحمة الله عليهم» كلّ من قدرنا عليه ، ولن يعجز الله من بقي ، ولست بمنجم عنهم حتّى لا يبلغني أن على أديم الأرض منهم أحدا. فاكتب إليّ أيّها «المهدي» برأيك أتّبعه وأكون عليه ، والسلام عليك أيّها «المهدي» ورحمة الله وبركاته (٢).

ونأسف لعدم ذكر الخبر جواب ابن الحنفيّة لنعرف موقفه من ذلك ولا سيّما عنوان «المهدي».

وحرملة بن كاهل الأسدي :

كان من حجّاج الكوفة لموسم الحجّ في آخر سنة ستّ وستّين للهجرة : المنهال بن عمرو الأسدي التابعي ، فنقل الإربليّ عن «كتاب دلائل رسول الله»

__________________

(١) تاريخ الطبري ٦ : ٦٠ ـ ٦١ عن أبي مخنف ، وعن المدائني في أمالي الطوسي : ٢٤٣ ، الحديث ١٦ ، المجلس ٩ ، وفيه : أنّ أبا عمرة كان قصيرا مدجّجا بالحديد ومعه رجلان.

(٢) تاريخ الطبري ٦ : ٦١ ـ ٦٢ عن أبي مخنف.

٤٠٤

تأليف أبي العباس عبد الله بن جعفر الحميري عن المنهال الأسدي قال : حججت فدخلت على عليّ بن الحسين عليه‌السلام فقال لي : يا منهال ، ما فعل حرملة بن كاهل الأسدي؟ ـ ولأنه أسديّ سأله عن هذا الأسدي ـ قال : قلت : تركته بالكوفة حيّا. قال : فرفع يديه ثمّ قال : اللهمّ أذقه حرّ الحديد (مرّتين) ، اللهمّ أذقه حرّ النار!

قال : فانصرفت إلى الكوفة ... فركبت لأسلم على المختار بن أبي عبيد الثقفي ، فركب وركبت معه حتّى أتى الكناسة ، وكان قد وجّه في طلب حرملة بن كاهل ، فوقف في الكناسة وقوف منتظر لشيء ، فاحضر إليه فقال له : الحمد لله الذي مكّنني منك! ثمّ دعا بالجزّار فقال له : اقطع يديه فقطعهما ، فقال له : اقطع رجليه فقطعهما ، ثمّ قال : النار النار ، فاتي بطنّ من قصب فجعل حرملة بينها ثمّ الهب فيها النار حتّى احترق!

فقلت : سبحان الله! سبحان الله! فالتفت إليّ المختار وقال : ممّ سبّحت؟

فقلت له : دخلت على عليّ بن الحسين عليه‌السلام فسألني عن حرملة فأخبرته أني تركته حيّا ، فرفع يديه وقال : اللهمّ أذقه حرّ الحديد (مرّتين) ، اللهمّ أذقه حرّ النار! فقال المختار : الله الله أسمعت عليّ بن الحسين يقول هذا؟ قلت : الله الله لقد سمعته يقول هذا! فنزل وصلّى ركعتين وأطال وسجد وأطال ثمّ رفع رأسه وذهب ومضيت معه حتّى انتهى إلى باب داري (في بني أسد) فقلت له : إن رأيت أن تكرمني بأن تنزل وتتغدّى عندي؟ فقال لي : يا منهال ، تخبرني أن عليّ بن الحسين دعا الله بثلاث دعوات فأجابه الله فيها على يدي ثمّ تسألني الأكل عندك! هذا يوم صوم شكرا لله على ما وفّقني له (١).

__________________

(١) كشف الغمة ٣ : ٦٦ و ٧٢ و ٧٣ ، وفي أمالي الطوسي : ٢٣٨ ـ ٢٣٩ ، الحديث ١٥ ، المجلس ٩ بسنده عن المفيد وليس في أماليه عن (دلائل) الحميري أيضا بسند متّصل إلى المنهال. وفي المناقب ٤ : ١٤٥.

٤٠٥

والطائي قاتل العباس :

كان عديّ بن حاتم الطائي حيّا بالكوفة ، لم يقم مع المختار ولا عليه ، وخرج نفر من قومه على المختار يوم جبّانة السّبيع فاسروا فشفع فيهم عديّ إلى المختار فشفّعه وأطلقهم لم يكونوا شركوا في دم الحسين عليه‌السلام ولا أهل بيته. ورفع للمختار : أنّ حكيم بن الطفيل الطائي كان أصاب صلب العباس بن عليّ ، فبعث المختار إليه عبد الله بن كامل الشاكري الهمداني فأخذه مكتوفا وأقبل به ، فذهب أهله إلى عديّ بن حاتم فاستغاثوا به فلحقهم في طريقهم وشفع فيه إلى ابن كامل فقال : إنّما ذلك إلى المختار. فمضى عدي إلى المختار. فقال من مع الشاكري من «الشيعة» : إنّا نخاف أن يشفّع الأمير عديّ بن حاتم في هذا الخبيث وله من الذنب ما قد علمت ، فدعنا نقتله! قال : شأنكم به!

فلمّا انتهوا به إلى دار العنزيين ، نصبوه مكتوفا وقالوا له : سلبت ابن عليّ ثيابه! والله لنسلبنّ ثيابك وأنت حيّ ترى! فنزعوه ثيابه! ثمّ قالوا له : رميت حسينا واتّخذته غرضا لنبلك وقلت : إنّه لم يضرّه وإنّما تعلّق بسرباله! فايم الله لنرمينّك كما رميته بنبال ، يجزيك ما يتعلق بك منها. فرموه رشقا واحدا ، فأصبح كالقنفذ من كثرة النبال فخرّ ميتا (١).

وقاتل عليّ بن الحسين عليه‌السلام :

وكان قاتل عليّ بن الحسين الأكبر عليه‌السلام : مرّة بن منقذ بن النعمان العبدي من عبد القيس ، فبعث المختار إليه عبد الله بن كامل الشاكري الهمداني فأتاه

__________________

(١) تاريخ الطبري ٦ : ٦٢ ـ ٦٣.

٤٠٦

حتّى أحاط بداره مع أنصاره ومنهم عبيد الله بن ناجية الشّبامي ، فخرج مرّة إليهم راكبا جواده وبيده رمحه وطعن بها الشبّامي فضربه ابن كامل بسيفه على يده اليسرى فجرح ولكنّه أفلت ولحق بمصعب بالبصرة وشلّت يده (١).

وقاتل عبد الله بن مسلم :

وكان زيد بن رقاد الجنبي رمى عبد الله بن مسلم بن عقيل بسهم فأثبت كفّه على جبهته ، فنادى اللهمّ إنّهم استقلّونا واستذلّونا! اللهمّ فاقتلهم كما قتلونا! وأذلّهم كما استذلّونا! فرماه زيد بسهم آخر فقتله ، فكان يقول : جئته ميّتا فلم أزل أنضنض سهمي من جبهته حتّى نزعته منها وبقي نصله فيها ما قدرت على نزعه! فبعث المختار إليه عبد الله الشاكري ، فلمّا أتاه ابن كامل داره أحاط بها برجاله واقتحموا عليه فخرج عليهم بسيفه فقال ابن كامل : بالنبال والحجارة ، فرموه بها ، فسقط ، فقال ابن كامل : فإن كان حيّا فأحرقوه ، وكان حيّا فأحرقوه حيّا (٢).

صدمات الصدّائي والمختار :

وكان عمرو بن صبيح الصدّائي يقر أنّه طعن فيهم وجرح دون أن يقتل أحدا منهم ، وكان ينام الليل على سطح داره ويضع سيفه تحت رأسه ، وبعد ما هدأت العيون صعد إليه عيون المختار فأخذوه وسيفه وجاءوا به إلى المختار فحبسه ، فلمّا أصبح قال : ليدخل من شاء أن يدخل ، فدخل الناس ، فأمر به فجيء به مقيّدا وأوقف إلى جنب ابن كامل الشاكري ، وكأنّه أطلقت يده فرفع يده ولطم

__________________

(١ و ٢) تاريخ الطبري ٦ : ٦٤ عن أبي مخنف.

٤٠٧

ابن كامل فأخذ ابن كامل بيده وأمسكها وقال للمختار : إنّه يزعم أنّه قد جرح في «آل محمّد» وطعن فمرنا بأمرك فيه. فقال : اطعنوه بالرماح حتّى الموت ، ففعلوا به ذلك حتّى مات (١).

فرّوا فهدمت دورهم :

وكان سنان بن أنس النخعي الهمداني يدّعي قتل الحسين عليه‌السلام فطلبه المختار فوجده قد هرب إلى مصعب بالبصرة ، فهدم المختار داره. وكان عبد الله بن عقبة الغنوي قد قتل غلاما منهم ، فطلبه المختار فوجد قد هرب إلى الجزيرة (الموصل) ليلتحق بابن زياد ، فهدم داره. وكان عبد الله بن عروة الخثعمي يقول : رميت فيهم باثني عشر سهما ولكنّه كان يدّعي أنّها كانت ضيعة فاتت ولم تصبهم! فطلبه المختار فلحق بمصعب بالبصرة ، فهدم داره (٢).

ومحمّد بن الأشعث وشبث :

كان زياد بن سميّة لمّا قتل حجر بن عدي الكندي هدم داره ، وكان للأشعث الكندي قرية (يزن آباد) (٣) إلى جنب القادسيّة وله بها قصر ، فلمّا هزم محمّد بن الأشعث يوم جبّانة السّبيع خرج من الكوفة إلى قصر أبيه في القرية. وكان من أنصار المختار رجل يدعى حوشب البرسمي (٤) فدعاه المختار وجعل له من أنصاره مئة رجل وقال له : انطلق إلى ابن الأشعث فستجده إمّا لاهيا متصيّدا أو قائما متلبّدا! أو خائفا متلدّدا! أو كامنا متغمّدا ، فإن قدرت عليه فأتني برأسه!

__________________

(١ و ٢) تاريخ الطبري ٦ : ٦٥ عن أبي مخنف.

(٣) تاريخ الطبري ٦ : ٩٤ عن أبي مخنف.

(٤) وفي ٦ : ٩٤ : عبد الله بن قراد الخثعمي.

٤٠٨

فخرج حوشب بالمئة معه إلى قصر الأشعث فأحاطوا به وهم يرون أنّه فيه ، وهو قد خرج منه إلى مصعب بالبصرة ، فلمّا دخلوا القصر علموا أنّه قد فاتهم ، فانصرفوا إلى المختار ، فبعث من هدم الدار وحمل أنقاضها فبنى بها دار حجر بن عديّ الكندي (١).

فلمّا قدم على مصعب أكرمه وأدناه لشرفه ، فأخذ يستحثّه على الخروج على المختار.

ولحق به شبث بن ربعي اليربوعي التميمي وقد شقّ قباءه وقطع طرف أذن بغلته وذيلها حتّى وقف على باب مصعب وهو ينادي : يا غوثاه يا غوثاه!

فدخل بوّاب مصعب عليه وقال له : إنّ بالباب رجلا مشقوق القباء من صفته كذا وكذا وينادي : يا غوثاه يا غوثاه! فقال مصعب : لم يكن ليفعل هذا غير شبث بن ربعي فأدخلوه.

ثمّ اجتمع أشراف الكوفة فجاءوه حتّى دخلوا عليه فأخبروه بما اجتمعوا له وشكوا إليه ما أصيبوا به من وثوب عبيدهم ومواليهم عليهم مع المختار وسألوه المسير معهم إلى المختار والنصر لهم (٢).

وعبيد الله بن علي عليه‌السلام :

كان مسعود بن عمرو من بني نهشل من دارم من تميم ، وقد تزوّج عليّ عليه‌السلام ابنته ليلى ، فكان له منها عبيد الله (٣) فروى الراوندي عن الباقر عليه‌السلام اعتراضا له على وصيّة أبيه بطاعة الحسن عليه‌السلام (٤) ثمّ كان من المتخلّفين عن أخيه الحسين عليه‌السلام.

__________________

(١) تاريخ الطبري ٦ : ٦٦.

(٢) تاريخ الطبري ٦ : ٩٤ عن أبي مخنف.

(٣) تاريخ أهل البيت : ٩٥.

(٤) الخرائج والجرائح ١ : ١٨٣.

٤٠٩

وكأنّه بعد أن أبعد ابن الزبير ابن الحنفيّة إلى جبل رضوى ، قدم على المختار ليختاره بمكان ابن الحنفيّة صاحبا لأمره! فحكى الزبير بن بكّار : أنّ المختار قال له : إنّ صاحب أمرنا منكم ولكنّه رجل لا يعمل فيه السلاح! فإن شئت نجرّب فيك السلاح فإن لم يضرّك فأنت صاحبنا ونبايعك! فأبى وخرج من عنده إلى البصرة وعليها مصعب.

وجمع عبيد الله حوله جمعا ليخرج بهم عليه! فأرسل عليه مصعب من يفرّق جمعه ويعرض عليه الأمان ، فقبل الأمان وذهب إليه فلم يزل عنده (١).

بداية أمر مصعب مع المختار :

كان المهلّب بن أبي صفرة الأزدي البصري منذ عام (٤٢ ه‍) من قوّاد جند البصرة في غزو كور سجستان إلى سفوح جبال كابل وسمرقند عام (٥٦ ه‍) (٢) وكان عامل ابن الزبير على فارس. فلّما أكثر الناس على مصعب بالمسير إلى الكوفة كتب مصعب إليه : إنا نريد المسير إلى الكوفة فأقبل إلينا لتشهد أمرنا. وكره المهلّب ذلك فاعتلّ بأمر الخراج وأبطأ عليه.

واستحثّ ابن الأشعث مصعبا فأعلمه أنّه لا يشخص دون أن يأتيه المهلّب وأمره أن يذهب بكتابه إليه فيقبل به. فذهب محمّد بن الأشعث بكتاب مصعب إلى المهلّب. فقال له المهلّب : أما وجد مصعب بريدا غيرك؟! ومثلك يا محمّد يأتي بريدا! فقال محمّد : والله ما أنا ببريد أحد! غير أنّ عبداننا وموالينا غلبونا على أبنائنا وحرمنا ونسائنا!

__________________

(١) نسب قريش : ٤٣ ـ ٤٤ ، وانظر قاموس الرجال ٧ : ٨١ ـ ٨٢.

(٢) تاريخ خليفة : ١٢٥ و ١٢٦ و ١٣٨.

٤١٠

فحمل المهلّب أموالا عظيمة وجموعا كثيرا وهيئة لم يكن بها أحد من أهل البصرة قبله ، وأقبل حتّى دخل البصرة وأتى باب مصعب ليدخل عليه ، ولم يعرفه حاجبه فحجبه فضربه المهلّب فكسر أنفه! فدخل إلى مصعب يشكوا إليه المهلّب ودخل المهلّب خلفه ، فقال مصعب لحاجبه : عد إلى عملك!

ثمّ أمر مصعب الناس أن يعسكروا عند الجسر الأكبر ثمّ جعل مالك بن مسمع على خمس بكر بن وائل ، ومالك بن المنذر على خمس عبد القيس ، والأحنف بن قيس التميمي على خمس تميم ، وزياد بن عمرو الأزدي على خمس الأزد ، وقيس بن الهيثم على خمس أهل العالية. وجعل المهلّب بن أبي صفرة على ميسرته ، وعمر بن عبيد الله على ميمنته ، وقدّم أمامه عباد بن الحصين التميمي على مقّدمته (١).

واستخلف على البصرة عبيد الله بن معمر وخرج منها (٢).

عبيد الله بن الحرّ الجعفي :

روى المدائني قال : لمّا قتل عثمان وهاج الهياج بين عليّ عليه‌السلام ومعاوية قال عبيد الله بن الحرّ : إنّي احبّ عثمان ولأنصرنّه ميّتا! فخرج إلى الشام فأقام عند معاوية وكان معه في صفّين ، ثمّ لم يزل معه حتّى قتل عليّ عليه‌السلام ، فلمّا قتل قدم الكوفة على إخوانه.

فلمّا مات معاوية وهاج الهياج على (يزيد اعتزل) فلمّا مات يزيد بن معاوية وهرب عبيد الله بن زياد وهاجت فتنة ابن الزبير قال : ما أرى قريشا

__________________

(١) تاريخ الطبري ٦ : ٩٤ ـ ٩٥.

(٢) تاريخ الطبري ٦ : ١١٧.

٤١١

تنصف. ثمّ جمع إليه كلّ خليع من كلّ قبيلة فكانوا معه سبعمئة فارس! فخرج بهم إلى المدائن على درب الأموال من الجبال (إيران) إلى سلطان العراق ، فلم يترك مالا إلّا يأخذه فيأخذ منه عطاءه وأعطية أصحابه ، ويكتب لصاحب المال براءة بما قبض من المال! ثمّ جعل يتقصّى الكور والقرى على مثل ذلك.

فلم يزل على ذلك حتّى ظهر المختار وبلغه ما يصنع بالسواد ، وكان قد ترك امرأته امّ سلمة الجعفيّة بالكوفة! فأمر المختار بارتهانها رهينة فحبسها. فلمّا بلغ ذلك إلى عبيد الله أقبل في فتيانه حتّى دخل الكوفة ليلا فكسر باب السجن وأخرج امرأته وسائرهم! وبعث المختار عليه من يقاتله فقاتلهم حتّى خرج من الكوفة. فأحرق المختار داره ، وكانت له ضيعتان بالبداة والجبّة فانتهبها الهمدانيون ، وكان لعبد الرحمان بن سعيد الهمداني ضياع في ماه فأنهبها وما لهمدان ، ولم يترك مالا لهمداني إلّا أخذه! ويأتي المدائن فيمر بعمّال جوخى فيأخذ أموالهم ويعود إلى جبال إيران ، ولم يزل على ذلك حتّى (١) خرج مصعب لقتال المختار فالتحق به فيمن لحق به من مخالفي المختار ، وتقبّله مصعب ضمنهم ، ويبدو أنّه كان معه السبعمئة من جنوده.

واستعدّ المختار وخطب :

بلغ ذلك المختار فقام في أصحابه فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال : يا أهل الكوفة ، يا أهل الدين وأعوان الحق وأنصار الضعيف و «شيعة» الرسول وآل الرسول! إنّ الذين بغوا عليكم منكم ثمّ فرّوا ذهبوا إلى أشباههم من الفاسقين

__________________

(١) تاريخ الطبري ٦ : ١٢٨ ـ ١٣٠ عن المدائني ، وفيه حتّى قتل المختار ، خطأ ، وسيأتي أنّه كان مع مصعب في حرب المختار.

٤١٢

فاستغووهم عليكم ، ليذهب الحّق وينتعش الباطل ويقتل أولياء الله ، والله لو تهلكون ما يعبد الله في الأرض إلّا بالافتراء على الله و «اللعن لأهل بيت نبيّه» انتدبوا مع أحمر بن شميط ، وإنّكم لو تلقوهم تقتلوهم إن شاء الله.

وكان بعض رؤساء الأرباع بالكوفة ممن كان مع ابن الأشتر رأوه كأنّه متهاون بأمر المختار ففارقوه وانصرفوا عنه إلى الكوفة ، فاليوم دعاهم المختار وبعثهم مع أحمر بن شميط ، وخرج الأحمر فعسكر في حمّام أعين ، وبعث المختار معه جيشا كثيفا. وبعث الأحمر على مقدّمته عبد الله بن كامل الشاكري الهمداني إلى المذار بأرض البصرة ، وخرج هو خلفه (١).

أنصار المختار بالمذار :

بلغ ابن كامل الشاكري الهمداني المذار ، وورد خلفه ابن شميط ، وجاء عسكر مصعب حتّى عسكروا قريبا منهم. فجعل الأحمر الشاكري على ميمنته ، وعلى الرجّالة كثير بن إسماعيل الكندي ، وعلى الخيل رزين عبد بني سلول ، وكيسان مولى عرينة على الموالي وكان كثير منهم على الخيول ، وجعل على ميسرته عبد الله بن وهب الجشمي. وكان قد لقي بعض أهل الكوفة من الموالي ما يكرهون ، ومنهم هذا الجشمي فأحبّ اليوم إن كانت الدّبرة عليهم أن يكون الموالي رجالا لئلّا ينجو أحد منهم! فجاء إلى الأحمر وقال له : إنّي أخاف إن طورد الموالي ساعة وضوربوا وطوعنوا أن يطيروا على متون خيولهم ويسلموك! فإنّهم أهل خور! وأنت تمشي فمرهم أن ينزلوا معك ، فإنّك إن أرجلتهم لم يجدوا بدّا من الصبر معك! وظن ابن شميط أنّ الجشمي إنّما أراد بذلك نصحه ليصبروا ويقاتلوا. فقال لهم : يا معشر الموالي! انزلوا معي فقاتلوا. فنزلوا يمشون مع رايته.

__________________

(١) تاريخ الطبري ٦ : ٩٥ ـ ٩٦ عن أبي مخنف.

٤١٣

وجاء مصعب وقد جعل على خيله عبّاد بن الحصين ، فجاء عبّاد حتّى دنا من ابن شميط وأصحابه فناداهم : إنّا ندعوكم إلى كتاب الله وسنّة رسوله وبيعة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير. فأجابوه : ونحن ندعوكم إلى كتاب الله وسنّة رسوله وبيعة الأمير المختار وإلى أن نجعل هذا الأمر شورى في «آل رسول الله» فمن زعم أنّه ينبغي له أن يتولّى عليهم جاهدناه! وأمره مصعب أن يحمل عليهم. فحمل عليهم فما زالوا حتّى رجع إلى موضعه. فحمل المهلّب الأزدي في ميسرته على الشاكري في ميمنة المختار فجال أصحاب الشاكري وثبت هو ومن معه حتّى انصرف المهلّب إلى مكانه وتوقّفوا ساعة.

ثمّ قال المهلّب لأصحابه : إنّ القوم بجولتهم قد أطمعوكم فيهم فكرّوا عليهم كرّة صادقة! ثمّ حمل عليهم حملة منكرة صبروا لها ثمّ هزموا.

ثمّ حمل الناس جميعا على ابن شميط البجلي ومعه بجلة وخثعم فتنادوا معه الصبر الصبر! فناداهم المهلّب : بل الفرار الفرار علام تقتلون أنفسكم مع هؤلاء العبيد؟! ومال بخيله على الرجّالة مع ابن شميط فقاتل حتّى قتل ، وافترقت الرجّالة حوله ثمّ انهزمت في الصحراء.

فدعا المصعب بعبّاد بن الحصين على الخيل وقال له : خذهم اسراء فاضرب أعناقهم!

وكان محمّد بن الأشعث على خيل أهل الكوفة ممّن فرّوا من المختار ، فسرّحهم مصعب وقال لهم : دونكم ثأركم! فكانوا أشدّ عليهم من أهل البصرة! لا يدركون منهزما ولا يأخذون أسيرا إلّا قتلوه! فأبيدت تلك الرجّالة ولم ينج منهم إلّا طائفة من أهل الخيل.

وكان معاوية بن قرة قاضي البصرة يقول : إنّ دماءهم كانت أحلّ عندنا من الترك والديلم!

٤١٤

وحيث كان المختار قد وعدهم النصر فلمّا بلغ الموالي العجم مع المختار ما لقي إخوانهم قالوا بالفارسيّة : «اين بار دروغ گفت!» : كذب هذه المرّة (١)!

مصعب إلى الكوفة :

وأقبل مصعب بجيشه حتّى بلغ كسكر ، ثمّ حمل الرجال وأثقالهم وضعفاء الناس في السفن ، في نهر كان يقال له : نهر خورشاد ثمّ نهر قوسان ثمّ إلى الفرات.

وبلغ المختار ذلك فحصّن قصره بحصار له واستعمل على الكوفة عبد الله بن شدّاد البجلي ثمّ سار بأنصاره حتّى نزل بهم في السيلحين حيث مجتمع الأنهار نهر السيلحين ونهر الحيرة ونهر القادسيّة ونهر يوسف فسدّ أفواهها فذهب ماء الفرات في هذه الأنهار فرست سفن البصريين في الطين ، فخرجوا يمشون ، وجاءت خيل منهم فكسروا السدّ الذي عمله المختار. وأقبل المختار حتّى نزل حروراء بينهم وبين الكوفة.

وجعل على ميمنته سليم بن يزيد الكندي ، وعلى ميسرته سعيد بن منقذ الثوري الهمداني ، وعلى الخيل عمر بن عبد الله النهدي ، وعلى الرجال مالك بن عمرو النهدي ، وعلى شرطته عبد الله بن قراد الخثعمي ، ثمّ بعث اثنين منهم إلى خمسين من أخماس البصرة : فبعث الثوري صاحب ميسرته على بكر بن وائل وعليهم مالك بن مسمع البكري ، وبعث الكندي صاحب ميمنته إلى بني تميم وعليهم الأحنف بن قيس! وكان على بيت مال المختار عبد الرحمن بن شريح الشبامي فبعثه إلى عبد قيس البصرة وعليهم مالك بن المنذر العبدي ، وبعث عبد الله ابن جعدة المخزومي إلى أهل عالية البصرة وعليهم قيس بن الهيثم السلمي ، وبعث مسافر بن سعيد الناعطي إلى أزد البصرة وعليهم زياد بن عمرو العتكي.

__________________

(١) تاريخ الطبري ٦ : ٩٦ ـ ٩٨ عن أبي مخنف.

٤١٥

وأبقى مصعب على خيله عبّاد بن الحصين الحبطي ، وجعل على الرجالة مقاتل بن مسمع البكري ، وعكس أمر الميمنة والميسرة فجعل عليها عمر بن عبيد الله التيمي وجعل المهلّب الأزدي على ميمنته ، وأبقى محمّد بن الأشعث على أهل الكوفة وبعثه حتى نزل بينه وبين المختار ميامنا مغرّبا ، فأرسل المختار إليه السائب بن مالك الأشعري ، ووقف هو في بقيّة أصحابه (١).

حرب مصعب والمختار :

وتزاحف الناس ودنا بعضهم من بعض ، وبدأ الثوري في ميسرة المختار على بكر بن وائل البصرة في ميسرتهم ، ومعه الشبامي على عبد قيس البصرة ، فقاتلوهم قتالا شديدا وصبروا لهم ، فإذا تراجع الثوري بجمعه حمل الشبامي وبالعكس وربّما حملا معا. وبعث المختار إلى ابن جعدة المخزومي أن احمل على من بإزائك وهم أهل عالية البصرة ، فحمل عليهم فكشفهم حتّى انتهوا إلى المصعب! وأخذ المصعب يرمي بسهامه ، ثمّ تحاجزوا. وبعث المصعب على المهلّب وهو في خمسين من أخماس البصرة كثيري الفرسان والعدد وهم جامّون لم يحملوا ، فأمرهم المهلّب بالحملة على من يليهم ، فحملوا حملة منكرة حتّى حطّموا أنصار المختار وكشفوهم ، وانقصفوا انقصافة شديدة كأنّهم أجمة شبّ فيها حريق!

وكان مالك بن عمرو النهدي على رجّالة المختار فأخذ ينادي : أين أهل البصائر والصبر! فثاب إليه خمسون منهم عند المساء فكرّبهم على محمّد بن الأشعث وأصحابه فقتلوه وعامّة أصحابه وقتل مالك.

__________________

(١) تاريخ الطبري ٦ : ٩٩ ـ ١٠٠ عن أبي مخنف.

٤١٦

وانكشفت ميسرة المختار مع الثوري وثبت معه سبعون من قومه فقتلوا.

وانكشفت ميمنة المختار مع سليم الكندي وثبت معه تسعون من قومه فقتلوا.

ومرّ المختار بأنصاره على مقتل مالك النهدي وابن الأشعث والكوفيين ثمّ توقف على فم سكّة شبث بن ربعي فنزل ونادى : يا معشر الأنصار كرّوا على الثعالب الرّواغة ، وحمل على من يليه من أهل البصرة فقاتلهم وهو يريد أن لا يبرح وقاتل هزيعا من الليل حتّى انصرفوا عنه ، وقاتل معه تلك الليلة رجال من أهل الحفّاظ من أنصاره حتّى قتلوا.

فلما تفرقوا عن المختار قال له أنصاره : أيّها الأمير! قد ذهب القوم ، فانصرف إلى منزلك بالقصر.

فقال لهم : أما والله ما نزلت وأنا اريد أن أرجع إلى القصر ، فأمّا إذا انصرفوا فاركبوا بنا على اسم الله! فركب وانسحب حتّى دخل دار الإمارة بالكوفة (١).

مصير عبيد الله بن علي عليه‌السلام :

مرّ الخبر : أنّ المختار لمّا سمع بعزم مصعب على الخروج إليه ، بادر بإرسال جمع من أنصاره مع أحمر بن شميط البجلي إلى مذار البصرة ، وأنّ مصعبا لمّا خرج من البصرة إلى المذار في أراضي البصرة قدّم أمامه عبّاد بن الحصين الحبطي التميمي على مقدّمته (٢) ثمّ لمّا كرّ توجّه إلى حروراء الكوفة

__________________

(١) تاريخ الطبري ٦ : ١٠٠ ـ ١٠١.

(٢) تاريخ الطبري ٦ : ٩٥ عن أبي مخنف.

٤١٧

لحرب المختار جعل هذا الحبطي التميمي على الخيل (١) ثمّ لم يذكر الخبر له أيّة مقدّمة لجيشه إلى حروراء الكوفة.

وفي خبر الراوندي عن الباقر عليه‌السلام أنّ عبيد الله بن علي عليه‌السلام لمّا لم يسلّم له المختار زمام اختياره بعد حصار ابن الحنفيّة ونفيه إلى جبال رضوى ، غضب وذهب إلى مصعب بالبصرة (كذا) فلمّا خرج مصعب لقتال أهل الكوفة قال له عبيد الله : ولّني قتال أهل الكوفة! فكان على مقدّمة مصعب لمّا التقوا بحروراء (وليس بالمذار) فلمّا حجز الليل بينهم أصبحوا ووجدوه في فسطاطه مذبوحا لا يدرى من قتله! كما قال له أبوه عليّ عليه‌السلام : كأنّي بك وقد وجدت مذبوحا في خيمة (٢).

وعليه فهو مقتول مجهول قاتله وليس أصحاب المختار! وفي حروراء وليس في المذار. هذا ويظهر أنّه نسب إليه قبر بالمذار قبل عصر الطوسي ، كما حكى ذلك ابن إدريس عن رسالة «المسائل الحائريات» قال لمّا سأله السائل عمّا ذكره المفيد في «الإرشاد» : أنّ عبيد الله قتل مع أخيه الحسين عليه‌السلام؟ فأجاب : بأنّه قتله أصحاب المختار بالمذار! وقبره معروف هناك عند أهل تلك البلاد! وزاد ابن إدريس : أنّ قبره هناك ظاهر والخبر بذلك متواتر! وعلّق المحقّق : أنّ ذلك لا يوجد في «المسائل الحائريات» للطوسي (٣)!

وروى أبو مخنف قال : فلمّا أصبح المصعب أخذ يسير بمن معه نحو سبخة الكوفة فلاقاه المهلّب فقال له : يا له فتحا ما أهنأه لو لم يكن قتل محمّد بن الأشعث! قال : صدقت فرحم الله محمّدا ثمّ قال له : أعلمت أنّ عبيد الله بن علي

__________________

(١) تاريخ الطبري ٦ : ٩٩ عن أبي مخنف.

(٢) الخرائج والجرائح ١ : ١٨٣.

(٣) السرائر الحاوي ١ : ٦٥٦.

٤١٨

ابن أبي طالب قد قتل! أما إنّه كان يحبّ أن يرى هذا الفتح ثمّ لا نجعل أنفسنا أحقّ منه بشيء مما نحن فيه! وكأنّه خاف أن يتّهم بقتله فقال : أتدري من قتله؟ إنّما قتله من يزعم أنّه «شيعة» لأبيه! أمّا إنّهم قد قتلوه وهم يعرفونه (١) فهو له تأكيد على نسبة قتله إلى «الشيعة» وهذه أقدم بادرة بهذا الاتهام ، بحروراء وليس بالمذار.

مصعب وحصار المختار :

كان ممّن خرج على المختار في الكوفة عبد الرحمن بن مخنف الأزدي ففرّ إلى مصعب بالبصرة ، فلمّا عزم مصعب على حرب الكوفة دعا عبد الرحمن وقال له : انسلّ إلى الكوفة فادعهم سرّا إلى بيعتي واستخرج منهم إليّ كلّ من قدرت عليه فادّعى أبو مخنف له أنّه انسلّ إلى الكوفة ولكنّه تستّر ولم يتكلّم بشيء (٢) فلمّا وصل مصعب إلى الكوفة خرج إليه جمع من أهل الكوفة وفيهم عبد الرحمان فقال له : ما صنعت فيما كنت وكّلتك به؟ قال : أصلحك الله وجدت الناس صنفين : أمّا من كان له هوى فيك فقد خرج إليك ، وأما من كان يرى رأي المختار فلم يكن ليدعه ولا ليؤثر عليه أحدا! فلم أبرح بيتي حتّى قدمت. فصدّقه مصعب وبعثه إلى جبّانة السبيع ، وبعث عبد الرحمان بن محمّد بن الأشعث الكندي إلى الكناسة ، وبعث عبّاد بن الحصين الحبطي التميمي إلى جبّانة كندة ، وبعث زحر بن قيس الجعفي إلى جبّانة مراد ، وكان معه عبيد الله بن الحرّ الجعفي فبعثه إلى جبانة الصائديين من همدان ، كلّهم ليقطعوا عن المختار وأصحابه الماء والمادّة!

__________________

(١) تاريخ الطبري ٦ : ١٠٤ عن أبي مخنف.

(٢) تاريخ الطبري ٦ : ٩٥ عن أبي مخنف.

٤١٩

فأصابهم جهد شديد فكانوا يعطون على القربة الدينار والدينارين ، وربّما خرج المختار بجمع من أصحابه فيقاتلون قتالا ضعيفا لا نكاية له ، فكانوا يصبّون عليهم الماء القذر والحجارة من فوق البيوت! وأحيانا كان يخرج بعض نسائهم إليهم وقد التحفت على ماء وطعام وكأنّها تريد المسجد للصلاة أو تأتي أهلها أو تزور ذات قرابة لها فإذا دنت من القصر دخلته لزوجها أو لحميمها بطعام وشراب.

وكان إذا اشتدّ عليهم العطش في قصرهم استقوا من البئر في القصر وأمر بصبّ عسل فيه ليغيّر طعمه فيشربوا منه ، فكان أكثرهم يرتوي منه.

ثمّ أمر مصعب ليقتربوا من القصر ، فنزل عبّاد الحبطي التميمي عند مسجد جهينة حتّى مسجد بني مخزوم فمنع النساء من الوصول إلى القصر. وبعث مصعب زحر بن قيس فنزل عند الحدّادين وباعة الدوّاب! وبعث عبيد الله بن الحر فنزل عند دار بلال ، وبعث حوشب بن يزيد فوقف في فم سكّة من زقاق البصريين ، ونزل المهلّب الأزدي في (چهار سوق ـ مفترق طرق) خنيس ، وجاء عبد الرحمان بن مخنف إلى دار السقاية ، وبادر شباب من الكوفة والبصرة إلى السوق.

ثمّ أقبل هؤلاء الأمراء والرؤوس من كلّ جانب ، فلم يكن لأصحاب المختار طاقة عليهم فدخلوا القصر واشتدّ عليهم الحصار ، فكان المختار يقول لهم : انزلوا بنا فلنقاتل. فلا يقبلون ضعفا وعجزا ، فكان يقول : أمّا أنا فو الله لا أعطي بيدي ولا احكّمهم في نفسي.

وكان عبد الله بن جعدة بن هبيرة المخزومي مع المختار فلمّا رأى ذلك تدلّى بحبل من القصر حتّى اختبأ عند إخوانه.

وكان معه السائب بن مالك الأشعري صهر أبي موسى الأشعري ومعه ابنه محمّد صبيّ أو مراهق ، فلمّا أراد المختار الخروج من القصر للقتال قال له :

٤٢٠