موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٦

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي

موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٦

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: أضواء الحوزة ـ لبنان
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٤١

الناس ذلك قالوا : هذا ابن رسول الله بايعه على ما يريد فبايعوه على ما أراد (١)!

بينما جاء في المسعودي : كان عليّ بن الحسين السجاد عليه‌السلام قد لاذ بقبر (رسول الله) وهو يدعو ، فاتي به إلى المسرف وهو مغتاظ عليه يبرأ منه ومن آبائه! ولكنّه لمّا أشرف عليه ورآه ارتعد وقام له وأقعده إلى جانبه وقال له : سلني حوائجك ، فلم يسأله في أحد ممّن قدّم إلّا شفّعه فيه ، ثمّ انصرف عنه!

فقيل لمسلم : رأيناك تسبّ هذا الغلام وسلفه فلمّا اتي به إليك رفعت منزلته؟!

فقال : ما كان ذلك لرأي منّي! لقد ملئ قلبي رعبا منه!

وقيل لعليّ عليه‌السلام : رأيناك تحرك شفتيك فما الذي قلت؟ قال : قلت : «اللهمّ ربّ السماوات السبع وما أظللن ، والأرضين السبع وما أقللن ، وربّ العرش العظيم ، ربّ محمّد وآله الطاهرين ، أعوذ بك من شرّه وأدرأبك في نحره ، وأسألك أن تؤتيني خيره وتكفيني شرّه» (٢).

هذا ما ذكره أوّلا ، ثمّ قال ثانيا : وبايع من بقي على أنّهم قنّ ليزيد ... غير عليّ بن الحسين بن عليّ عليهم‌السلام لأنّه لم يدخل فيما دخل فيه أهل المدينة. وعليّ بن عبد الله بن العباس فإنّ أخواله من كندة في جيش مسلم منعوه (٣) وقد مرّ عن الطبري عن الكلبي عن الأزدي عن حبيب بن كرّة الراوي الأموي : أنّ يزيد استوصى المرّي به خيرا وقال له : فإنّه لم يدخل في شيء ممّا دخلوا فيه. وقد كان عليّ بن الحسين لا يعلم بشيء ممّا أوصى به يزيد (٤) فلا ينافي ما رواه المسعودي من دعائه وإجابته عليه‌السلام.

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٢٥١.

(٢) مروج الذهب ٣ : ٧٠ ـ ٧١.

(٣) التنبيه والإشراف : ٢٦٤.

(٤) تاريخ الطبري ٥ : ٤٨٥ ، وانظر التعليق السابق عليه.

٢٦١

وأفاد المفيد : أنّه عليه‌السلام بلغه توجّه مسرف بن عقبة إلى المدينة فحفظوا عنه دعاء في ذلك وذكره أكثر ممّا مرّ ثمّ قال : فقدم مسرف بن عقبة المدينة وقيل : لا يريد غير عليّ بن الحسين عليه‌السلام فسلم منه وأكرمه وحباه ووصله (١).

وعبّر عن الخبر الحلبي بقوله : انهي إليه عليه‌السلام أن مسرفا استعمل على المدينة وأنّه يتوعّده! فجعل يكثر من الدعاء لما اتّصل به عن المسرف. ثمّ ذكر الدعاء ثمّ قال : فلمّا قدم المسرف المدينة (كذا) اعتنقه وقبّل رأسه وجعل يسأل عن حاله وحال أهله وعن حوائجه ، وأمر أن تقدّم له دابّته وعزم عليه أن يركبها فركب وانصرف إلى أهله (٢).

وأفاد المفيد أيضا بأن : جاء الحديث من غير وجه : أنّ مسرف بن عقبة لمّا قدم المدينة (كذا) أرسل إلى عليّ بن الحسين عليهما‌السلام فأتاه! فلمّا صار إليه قرّبه وأكرمه وقال له : وصّاني أمير المؤمنين! ببرّك وتمييزك من غيرك! فجزّاه خيرا! ثمّ قال : أسرجوا له بغلتي ، وقال له : انصرف إلى أهلك فإنّي أرى أن قد أفزعناهم! وأتعبناك بمشيك إلينا ، ولو كان بأيدينا ما نقوى به على صلتك بقدر حقّك لوصلناك! فقال له عليّ بن الحسين عليهما‌السلام : ما أعذرني للأمير (أي ما أقبلني لقبول عذره) ثمّ ركب.

فقال المرّي لجلسائه : هذا الخير لا شرّ فيه! مع موضعه من رسول الله ومكانه منه (٣). وروى الطبري عن الكلبي عن عوانة قال : لما اتي بعليّ بن الحسين عليه‌السلام إلى مسلم قال : من هذا؟! قالوا : هذا عليّ بن الحسين. فقال : أهلا

__________________

(١) الإرشاد ٢ : ١٥١ ـ ١٥٢.

(٢) مناقب آل أبي طالب ٤ : ١٧٨ وصحّف بالمشرف!

(٣) الإرشاد ٢ : ١٥٢.

٢٦٢

ومرحبا ، ثمّ أجلسه على طنفسته على السرير ثمّ قال : إنّ أمير المؤمنين! أوصاني قبلا بك وهو يقول لك : إنّ هؤلاء الخبثاء شغلوني عنك وعن صلتك! ثمّ قال له : لعلّ أهلك فزعوا؟! قال : إي والله! فأمر بدابّته فاسرجت فردّه عليها (١).

ولعلّه مختصر الخبر السابق فيه عن الكلبي عن أبي مخنف ، وهو الوحيد المتضمّن لذكر من أتى به عليه‌السلام ، وفيه : أنّ مروان ومعه ابنه عبد الملك أراد أن يشكر له عليه‌السلام إيواءه أهلهم ، فجاء بعليّ بن الحسين يمشي بينه وبين ابنه عبد الملك حتّى جلسوا عنده كذلك ، ثمّ دعا مروان بماء ليشربوا منه فيتحرّموا به منه فاتي به له فشرب منه يسيرا ثمّ ناوله عليّا عليه‌السلام ولكنّه لمّا أمسك بالقدح ليشرب منه قال له مسلم : لا تشرب من شرابنا! فأمسك لا يشربه ولا يضعه ، فقال له : إنّك إنّما جئت (كذا) تمشي بين هؤلاء لتأمن عندي! وو الله لو كان هذا الأمر إليهما لقتلتك! ولكنّ أمير المؤمنين أوصاني بك ... فذلك نافعك عندي! ثمّ قال له : فإن شئت فاشرب شرابك وإن شئت دعونا لك بغيره. فشربها ، ثمّ قال له : إليّ هاهنا. فأجلسه معه (٢) وهو كما ترى أجمع الأخبار.

وهنا ـ قال المقرّم ـ يسأل عن قعود السجّاد عليه‌السلام عن المشاركة مع الثائرين الناقمين على يزيد ، ويجيب عنه (٣) وأكثر منه تحليلا وتفصيلا السيد الحسينيّ الجلالي (٤).

__________________

(١) تاريخ الطبري ٥ : ٤٩٤.

(٢) تاريخ الطبري ٥ : ٤٩٣ عن الكلبي ، عن عوانة ، عن أبي مخنف ، وفيه : وأخبرني (يزيد) أنّك كاتبته! وأراها زيادة من عوانة الأموي النزعة ، منفردا به وبلا إجابة.

(٣) حياة الإمام زين العابدين : ٣٦٧ ـ ٣٦٩.

(٤) في جهاد الإمام السجاد : ٦٧ ـ ٧٢.

٢٦٣

ولما فرغ مسلم المرّي من أمر المدينة خلّف عليها روح بن زنباغ الجذامي ، ثمّ شخص بمن معه من جنده إلى مكّة (١).

خوارج البصرة :

مع تمرّد ابن الزبير بمكّة وابن الغسيل بالمدينة ، تمرّد مرداس بن اديّة من البصرة فخرج على ولاية ابن زياد بها في أربعين رجلا. فبعث إليهم ابن زياد جيشا عليهم عبد الله بن حصن الثعلبي ، فقتله الخوارج في أصحابه وهزموهم ، فبعث إليهم جيشا آخر عليهم عبّاد بن أخضر فقاتلهم على شاطئ ميسان فقتلهم أجمعين.

فخرج بعده نافع بن الأزرق في نحو من خمسمئة سموا الأزارقة ، فخرج إليهم ابن عبيس في ألفين ، والتقوهم في موضع يدعى دستواء ، فتقاتلوا ، فقتل الأميران من العسكرين وأمسوا فأمسكوا ، ووصلهم من اليمامة أمداد ورأّس الخوارج الزبير بن ماحوز ، فهزموا أهل البصرة وساروا إلى المدائن ، ثمّ غلبوا على الأهواز وفارس ، وجبوا الأموال (٢).

__________________

(١) تاريخ الطبري ٥ : ٤٩٦ عن أبي مخنف.

(٢) تاريخ ابن الخياط البصري : ١٥٩ ـ ١٦٠.

٢٦٤

حوادث

السنة الرابعة والستّين

٢٦٥
٢٦٦

مسير ابن النمير إلى ابن الزبير :

انتهى مسلم المرّي من أمر المدينة مع آخر ذي الحجّة من آخر السنة الثالثة والستين ، إلى أواسط شهر المحرم من أوّل السنة الرابعة والستّين ، ثمّ خرج منها بجنده إلى مكّة متفرّغا لأمر ابن الزبير.

قال خليفة : سار بالناس نحو مكّة ، حتّى إذا خرج من الأبواء ثقل بالأوباء والأدواء ، ولمّا عرف أنّ الموت نازل به دعا الحصين بن نمير الكندي السّكوني فقال له : قد دعوتك وما أدري اقدّمك فأضرب عنقك أو أستخلفك على الجيش! قال : أصلحك الله ، سهمك فارم بي حيث شئت!

قال : إنّك أعرابي جلف جاف ، وإنّ هذا الحيّ من قريش لم يمكّنهم أحد من اذنيه إلّا غلبوه على رأيه! فسر بهذا الجيش ، فإذا لقيت القوم فإيّاك أن تمكّنهم من اذنيك ، لا يكوننّ إلّا الوقاف ثمّ الثقاف ثمّ الانصراف (١).

__________________

(١) تاريخ خليفة : ١٥٨ ، وقال فيه : لعنه الله ولا رحمه! هذا وهو معدود في الصحابة!

٢٦٧

وقال اليعقوبي : لمّا صار في ثنيّة المشلّل احتضر فأحضر الحصين بن نمير وقال له :

يا برذعة الحمار! لو لا (وصيّة) حبيش بن دلجة القيني لما ولّيتك! فإذا قدمت مكّة فلا يكونّن عملك إلّا الوقاف ثمّ الثقاف ثمّ الانصراف! ثمّ قال : اللهمّ إن عذّبتني بعد طاعتي لخليفتك يزيد بن معاوية وقتل أهل الحرّة! فإنّي إذن لشقيّ؟ ثمّ خرجت نفسه ، فدفن هناك. وتقدّم الحصين بهم إلى مكّة.

وجاءت امّ ولد ليزيد بن عبد الله بن زمعة فنبشت قبره وأخرجته وصلبته ، وجاءه ناس فرجموه! وبلغ الخبر الحصين بن نمير فرجع ودفنه ، ودفن معه جماعة من أهل ذلك الموضع ، وقيل : لم يدع أحدا منهم (١)! فأثبت جدارته! وكان ذلك في منتصف شهر محرم لسنة (٦٤ ه‍).

حصار الحصين على مكّة :

وسمع ابن الزبير بإقبال ابن نمير إليه ، فأحكم مراصد مكّة وجعل عليها المقاتلين. ونزل ابن نمير على مكّة فأرسل خيلا إلى أسفلها ، ونصب عليها العرّادات والمجانيق ، وفرض على أصحابه أن يرموا مكّة كلّ يوم بعشرة آلاف صخرة! وبدأ الحصار للعشرين من المحرّم ، فحاصروهم بقيّة المحرم وصفر وشهري الربيع يغدون للقتال ويروحون (٢).

وتغلّب الحصين على مكّة تدريجا حتّى نصب مجانيقه على جبل قعيقعان وعلى جبل أبي قبيس ، فأشكل على الطائفين ، وكان طول الكعبة في السماء ثمانية عشر ذراعا ، فأسند ابن الزبير ألواحا من الساج إلى البيت وألقى عليها فرشا

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٢٥١.

(٢) الإمامة والسياسة ٢ : ١٢.

٢٦٨

وقطائف فكانوا يطوفون تحت تلك الألواح ، فكان إذا وقع عليها الحجر نباعن البيت ، وكان الطائفون إذا سمعوا صوت الحجر على الفرش والقطائف يكبّرون. وكان ابن الزبير قد ضرب فسطاطا في ناحية المسجد فكلّما جرح أحدهم حمل إلى ذلك الفسطاط.

وكان مع ابن الزبير من وجوه قريش : أخوه المنذر بن الزبير وأخوان آخران ، ومصعب بن عبد الرحمان بن عوف ، والمسور بن مخرمة بن نوفل ، وعبد الله بن المطيع العدوي ، والمختار بن أبي عبيد الثقفي في آخرين منهم (١) وكان ابن نمير قد غلب على مكّة إلّا المسجد ، وهبّت رياح ، فقال المختار : والله إنّي لأجد النصر في هذه الريح فاحملوا عليهم ، فحملوا عليهم وقتل المختار رجلا وقتل ابن المطيع آخر حتّى أخرجوهم من مكّة.

وفي الثالث من ربيع الأول وقعت النيران على الكعبة فاحترقت الفرش والقطائف والخشب وأستار الكعبة وتساقطت إلى الأرض وانصدع الحجر الأسود فالتحمت الحرب مرّة ثانية عند باب بني شيبة فقتل المنذر بن الزبير واثنان من إخوته ، ومصعب بن عبد الرحمان بن عوف والمسور بن مخرمة (٢).

وفي اليعقوبي : وأراد ابن الزبير أن يغضب المسلمون للكعبة لذلك لمّا قال له أصحابه : نطفئ النار؟ منعهم! وكان ابن الزبير قد نصب عبد الله بن عمير الليثي للقضاء بمكّة ، فكان إذا تواقف الفريقان قام على الكعبة ونادى بأعلى صوته : يا أهل الشام! هذا حرم الله الذي كان مأمنا في الجاهلية يأمن فيه الطير والصيد ،

__________________

(١) الإمامة والسياسة ٢ : ١٣ ـ ١٤ ، وفي المسعودي : كان المختار بن أبي عبيد الثقافي داخلا في جملة ابن الزبير منضافا إلى بيعته على شرائط شرطها عليه : أن لا يخالف له رأيا ولا يعصي له أمرا ، كما في مروج الذهب ٣ : ٧١.

(٢) الإمامة والسياسة ٢ : ١٤.

٢٦٩

فاتّقوا الله ، فيجيبه الشاميون : الطاعة الطاعة! الكرّة الكرّة! ولمّا أحرقوا الكعبة قالوا : اجتمعت الحرمة والطاعة فغلبت الطاعة الحرمة (١)!

وقال المسعودي : تواردت أحجار المجانيق والعرّادات على البيت ملفوفة بخرق الكتان مغمّسة بالنفط مشعلة بالنار ، فاحترقت البنية وانهدمت الكعبة وذلك يوم السبت لثلاث خلون من شهر ربيع الأوّل من السنة المذكورة ، ووقعت صاعقة فأحرقت من أصحاب المجانيق أحد عشر رجلا ، وقيل أكثر من ذلك (٢).

وحاول الواقدي أن ينسب الحريق إلى إيقاد النار من قبل الزبيريين أنفسهم (٣).

هلاك يزيد وتبدّد الجنود :

كان ابن الزبير قبل حريق البيت العتيق يجلس بأصحابه في فسطاطه ، واحترق فسطاط بلاطه مع احتراق المطاف ، فأخذوا يجلسون في ناحية حجر إسماعيل يحتمون بالبيت أو بما بقي منه ، وكان الشاميّون لا يتركون أن يرموهم بالنبال ، ووقعت نبلة بين يدي الزبير فأخذوها ووجدوها مكتوبة كذا : مات يزيد بن معاوية يوم الخميس لأربع عشرة ليلة خلت من ربيع الأوّل.

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٢٥١ ـ ٢٥٢.

(٢) مروج الذهب ٣ : ٧١ ، ٧٢ وقال وليزيد مثالب كثيرة : من شرب الخمر والفسق والفجور وسفك الدماء ، وهدم البيت وإحراقه ، ولعن الوصي ، وقتل ابن بنت الرسول ، وغير ذلك ممّا قد ورد فيه الوعيد باليأس من غفرانه ، كوروده فيمن جحد توحيده وخالف رسله. والنفط كما سيأتي إنما هو من الحجاج نقلا من البصرة وليس من الحصين نقلا من الشام أو المدينة.

(٣) انظر خبره في الطبري ٥ : ٤٩٨ وقارن بما قبله من خبر الكلبي عن عوّانة. وانظر نحو ذلك في الإمامة والسياسة ٢ : ١٤.

٢٧٠

فلما قرأها ابن الزبير قام يناديهم : يا أهل الشام! يا مستحلّي حرم الله! يا محرقي بيت الله! علامّ تقاتلون وقد مات طاغيتكم يزيد بن معاوية (١)؟!

ووافق هذا الخبر سائر الأخبار في سبق خبر موت يزيد إلى ابن الزبير دون ابن النمير بلا ذكر كيفية وصوله إليه. وإنّما جاء في خبر عوانة : أنّه أخذ يناديهم :

علام تقاتلون وقد هلك طاغيتكم؟! وهم لا يصدّقونه. وكان لابن النمير مصاهرة مع ثابت بن قيس النخعي الهمداني الكوفي ، وكان يلتقي به عند معاوية ، فقدم هذا من الكوفة إلى مكّة فأخبره بهلاك يزيد ، فصدّقه.

ثمّ بعث ابن النمير إلى ابن الزبير قال له : موعد ما بيننا وبينك الليلة الأبطح. فالتقيا ، فقال له الحصين : إن يك هذا الرجل قد هلك فأنت أحقّ الناس بهذا الأمر! فهلمّ فلنبايعك ثمّ اخرج معي إلى الشام ، فإنّ هذا الجند الذين معي هم وجوه أهل الشام وفرسانهم ، فو الله لا يختلف عليك اثنان ، وتؤمن الناس ، وتهدر هذه الدماء التي كانت بيننا وبينك والتي كانت بيننا وبين أهل الحرّة.

فقال ابن الزبير : أنا اهدر تلك الدماء! أما والله لا أرضى أن أقتل بكلّ رجل منهم عشرة! وأخذ الحصين يكلّمه سرّا وهو يجهر جهرا : لا والله لا أفعل! فقال له الحصين : قبّح الله من يعدّك بعد هذه داهيا أو أديبا ، قد كنت أظنّ أنّ لك رأيا ، ألا أراني اكلّمك سرّا وتكلّمني جهرا وأدعوك إلى الخلافة وتعدني القتل والهلكة!

ثمّ قام وانصرف إلى جمعه ... وأقبل بهم نحو المدينة وهو يقول : من أين نجد هنا علفا لدوابّنا؟! فاستقبله عليّ بن الحسين عليه‌السلام ومعه شعير وعلف رطب ، فسلّم على الحصين وقال له : هذا علف عندنا فاعلف منه دابّتك! ثمّ أمر له بما كان من علف معه وعنده!

__________________

(١) الإمامة والسياسة ٢ : ١٤ ـ ١٥.

٢٧١

واجترأ أهل المدينة والحجاز على جند الشام وهم ذلّوا حتّى كان لا ينفرد رجل منهم إلّا أخذوا بلجام دابته ونكسوه عنها! فكانوا يجتمعون ولا يفترقون خوفا. وخاف بنو اميّة فقالوا لهم : لا تبرحوا حتّى تحملونا معكم إلى الشام ، ففعلوا ، ومضوا حتّى بلغوا الشام ، وقد أوصى يزيد بالبيعة لابنه معاوية (١).

وفي اليعقوبي : توفي يزيد بموضع يقال له حوّارين (من بلاد حمص) وحمل إلى دمشق وصلّى عليه ابنه معاوية بن يزيد (وله عشرون سنة) وله ثلاثة إخوة : خالد وأبو سفيان وعبد الله. وبلغ الخبر إلى مكّة وذاع في العسكر فانكسرت شوكتهم ، وأرسل الحصين بن نمير إلى ابن الزبير أن نلتقي الليلة على الأمان. فالتقيا. فقال له الحصين : إنّ يزيد قد مات وابنه صبيّ ، فهل لك أن أحملك إلى الشام فليس به أحد! فابايع لك فليس يختلف عليك اثنان؟!

فرفع ابن الزبير صوته : لا والذي لا إله إلّا هو ، أو نقتل بقتلى الحرّة أمثالهم من أهل الشام! فقال له الحصين : من زعم أنّك داهية فهو أحمق! أقول لك ما هو لك سرّا ؛ وتقول لي ما هو عليك علانية! ثمّ انصرف (٢) بجنوده نحو المدينة ثمّ الشام.

__________________

(١) تاريخ الطبري ٥ : ٥٠٢ ـ ٥٠٣ عن الكلبي عن عوانة. وجاء في الإمامة والسياسة : حتّى إذا كان بعسفان تفرّقوا .. وانصرف الجيش إلى الشام مفلولا ، وأصاب منهم أهل المدينة حين مرّوا بهم ناسا كثيرا فحبسوهم بالمدينة حتّى قدم عليهم مصعب بن الزبير فأخرجهم إلى الحرّة فضرب أعناقهم وهم أربعمئة وأكثر! الإمامة والسياسة ٢ : ١٢ منفردا به.

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٢٥٢ ـ ٢٥٣ وقال : كان سعيد بن المسيّب يسمّي سنيّ يزيد بن معاوية بالشؤم : ففي السنة الأولى قتل الحسين بن علي وأهل بيت رسول الله! وفي الثانية : استبيح حرم رسول الله وانتهكت حرمة المدينة! وفي الثالثة : سفكت الدماء في حرم الله وحرّقت الكعبة. هذا ، وقد لفّق الواقدي على أبي جعفر الباقر عليه‌السلام أنّه قال : أوّل من كسى الكعبة الديباج يزيد بن معاوية! كما في تاريخ الخلفاء للسيوطي : ٢٥٠ ، وانظر عن ابن عساكر قبله عجبا.

٢٧٢

موت يزيد واستخلاف معاوية وموته :

قال خليفة : في ليلة البدر من شهر ربيع الأول من سنة (٦٤) مات يزيد بن معاوية بحوّارين من بلاد حمص ، وهو ابن ثمان وثلاثين سنة ، وصلّى عليه واستخلفه ابنه معاوية بن يزيد مريضا وهو ابن عشرين سنة ، إلى أربعين يوما أو شهرا ونصفا (١) إلى آخر شهر ربيع الآخر. وروى البلاذري : أنّه خرج يتصيّد بحوّارين وهو سكران ، وحمل قرده على أتان وركب يطاردها فسقط فاندقت عنقه فمات (٢).

وقال المسعودي : هلك يزيد بحوارين من أرض دمشق مما يلي قارا والقطيفة في طريق حمص .. وكان أدم شديد الأدمة عظيم الهامة ، بوجهه أثر جدريّ بيّن ، يبادر بلذّته ويجاهر بمعصيته ؛ ويستحسن خطأه ، ويهوّن الأمور على نفسه في دينه إذا صحّت له دنياه. وكتب له كاتب أبيه سرجون بن منصور الرومي وآخرون ... وبويع لابنه معاوية بن يزيد لأربعين يوما. وكان رجلا ربعة نحيفا به صفار ، وكتب له كاتب أبيه سرجون الرومي (٣).

وكأنّ ابن زياد لم يرض بمعاوية بن يزيد فلم يدع إليه ، وكان بالبصرة فخطب الناس ونعى إليهم يزيد وقال : اختاروا لأنفسكم. فبادر الأحنف بن قيس التميمي وقال له : نحن بك راضون حتّى يجتمع الناس! وشكرهم ابن زياد فقال : اغدو على اعطياتكم. فوضع ديوان العطاء وأعطى (٤).

__________________

(١) تاريخ خليفة : ١٥٨.

(٢) قاموس الرجال ١١ : ١١٤.

(٣) التنبيه والإشراف : ٢٦٤ ـ ٢٦٥. وعدّ ابن قتيبة ليزيد اثني عشر بنين وأربع بنات. المعارف : ٣٥١ وذكرهم الطبري عن الكلبي ٥ : ٥٠٠.

(٤) تاريخ ابن الخياط البصري : ١٦٠.

٢٧٣

ثمّ أرسل رسولا إلى الكوفة يدعوهم إلى مثل ما فعل أهل البصرة فحصبوه وأبوا عليه ، فلما بلغ ذلك أهل البصرة خالفوه كذلك فهاجت بها فتنة على ابن زياد (١).

وإلى ما بعد (٤٥) يوما من هلاك يزيد أي في آخر شهر ربيع الآخر تأخّر لحوق ابنه معاوية بأبيه.

قال المسعودي : ولمّا حضرته الوفاة اجتمعت إليه بنو اميّة فقالوا له : اعهد إلى من ترى من أهل بيتك! فقال : لا والله ما ذقت حلاوة خلافتكم فكيف أتقلّد وزرها وتتعجّلون أنتم حلاوتها وأتعجل مرارتها؟! اللهمّ إني بريء منها ومتخلّ عنها ، اللهمّ إنّي لا أجد نفرا كأهل الشورى فأجعلها إليهم ، ينصبون لها من يرونه أهلا لها.

وكانت امّه ابنة خال أبيه : امّ هاشم بنت أبي هاشم بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس واقفة تسمعه فقالت له : ليت أنّي خرقة حيضة ولم أسمع منك هذا الكلام!

فقال لها : يا امّاه! وليتني كنت خرقة حيض ولم أتقلّد هذا الأمر ، أتفوز بنو أميّة بحلاوتها وأبوء أنا بوزرها ومنعها عن أهلها؟! كلّا إنّي لبريء منها (٢)!

إلّا أنّ ابن قتيبة قال : جمع الناس فخرج إليهم ، فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال لهم : أيّها الناس ، إنّي نظرت لكم فيما صار إليّ من أمركم وتقلّدته من ولايتكم ، فوجدت فيما بيني وبين ربّي أنّه لا يسعني أن أتقدّم على قوم فيهم من هو خير منّي وأحقهم بذلك وأقوى على ما تقلّدته. فاختاروا منّي إحدى خصلتين :

__________________

(١) تاريخ الطبري ٥ : ٥٠٣.

(٢) مروج الذهب ٣ : ٧٣.

٢٧٤

إمّا أن أخرج منها واستخلف عليكم من أراه رضا لكم ومقنعا ، ولكم عليّ الله أن لا آلوكم نصحا في الدين والدنيا.

وإمّا أن تختاروا لأنفسكم وتخرجوني منها.

قال : فخافت بنو أميّة أن تزول الخلافة منهم فقالوا له : ننظر في ذلك يا أمير المؤمنين ونستخير الله ، فأمهلنا. فقال لهم : لكم ذلك وعجّلوا عليّ.

فلم يلبثوا بعدها إلّا أيّاما حتّى طعن ، فدخلوا عليه فقالوا : استخلف على الناس من تراه لهم رضا. فقال لهم : عند الموت تريدون ذلك؟! لا والله لا أتزوّدها ، ما سعدت بحلاوتها فكيف أشقى بمرارتها؟! فهلك ولم يستخلف أحدا (١).

هذا ، وانفرد اليعقوبي بخطبة اخرى تختلف كلّ الاختلاف عمّا سلف ، قال : خطب فقال :

أمّا بعد حمد الله والثناء عليه ، أيّها الناس ، فإنّا قد بلينا بكم وبليتم بنا ، فما نجهل كراهتكم لنا وطعنكم علينا! ألا وإنّ جدّي معاوية بن أبي سفيان نازع الأمر من كان أولى به منه في القرابة برسول الله وأحقّ في الإسلام ، سابق المسلمين وأوّل المؤمنين وابن عمّ رسول ربّ العالمين وأبا بقيّة خاتم المرسلين! ركب منكم ما تعلمون وركبتم ما لا تنكرون ، حتّى أتته منيّته وصار رهنا بعمله.

ثمّ قلّد أبي ، وكان غير خليق للخير! فركب هواه! واستحسن خطاه ، وعظم رجاؤه ، فأخلفه الأمل وقصر عنه الأجل ، فقلّت منعته وانقطعت مدّته ، وصار في حفرته رهنا بذنبه وأسيرا بجرمه! وإن أعظم الأمور علينا علمنا بسوء مصرعه وقبح منقلبه ، وقد قتل عترة الرسول ، وأباح الحرمة ، وحرّق الكعبة!

__________________

(١) الإمامة والسياسة ٢ : ١٣.

٢٧٥

فما أنا المتقلّد أموركم ولا المتحمّل تبعاتكم! فشأنكم أمركم! فو الله لئن كانت الدنيا مغنما لقد نلنا منها حظّا ، وإن تكن شرّا فحسب آل أبي سفيان ما أصابوا منها!

وكان مروان حاضرا فناداه : سنّها فينا عمريّة!

فقال : ما كنت أتقلّدكم حيّا وميّتا ، ومتى صار يزيد بن معاوية مثل عمر؟! ومن لي برجال مثل رجال عمر (١)؟! أجل ، هذا ما قاله اليعقوبي.

وقريب منه بل أقرب إلى التصديق ما رواه الورّام بن أبي فرّاس المالكي الحلّي (٦٠٥ ه‍) في مجموعته : أنّه لمّا نزع معاوية بن يزيد نفسه من الخلافة قام خطيبا فقال :

أيّها الناس ما أنا الراغب في التأمّر عليكم ، ولا بالآمن من كرهتكم ، بل بلينا بكم وبليتم بنا ، ألا إنّ جدّي معاوية نازع الأمر من كان أولى بالأمر منه في قدمه وسابقته : عليّ بن أبي طالب فركب جدّي منه ما تعلمون ، وركبتم معه ما لا تجهلون ، حتّى صار رهين عمله وضجيع حفرته (تجاوز الله عنه).

ثمّ صار الأمر إلى أبي ، ولقد كان خليقا أن لا يركب سننه ، إذ كان غير خليق بالخلافة ، فركب ردعه واستحسن خطأه ، فقلّت مدّته وانقطعت آثاره وخمدت ناره! ولقد أنسانا الحزن به الحزن عليه! فإنّا لله وإنّا إليه راجعون! ثمّ أخفت يترحّم على أبيه! ثمّ قال :

وصرت أنا الثالث من القوم ، الزاهد في ما لديّ أكثر من الراغب ، وما كنت لأتحمّل اثامكم ، شأنكم وأمركم فخذوه ، ومن شئتم ولايته فولّوه!

فقام إليه مروان بن الحكم وقال له : يا أبا ليلى! أفسنّة عمر سيّئة؟!

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٢٥٤.

٢٧٦

فقال له : يا مروان! أتخدعني عن ديني! ائتني برجال كرجال عمر أجعلها شورى.

ثمّ قال : والله إن كانت الخلافة مغنما لقد أصبنا منها حظّا ، ولئن كانت شرّا فحسب آل أبي سفيان ما أصابوا منها. ثمّ نزل ، فلما دخل ...

قالت له امّه : ليتك كنت حيضة! فقال : وأنا وددت ذلك ولم أعلم أن لله نارا يعذّب بها من عصاه وأخذ غير حقّه (١)!

وهذا كما ترى أنسب به وأقرب إلى تصديق صدوره من مثله في تلك البيئة والجوّ والمحيط.

قال المسعودي : ثمّ قبض وهو ابن اثنتين وعشرين سنة ، وتقدّم للصلاة عليه الوليد بن عتبة بن أبي سفيان على أمل أن يكون له الأمر بعده ، ولكنّه لمّا كبّر الثانية طعن أيضا فسقط قتيلا!

وتقدّم أخوه عثمان بن عتبة بن أبي سفيان فصلّى عليه فقالوا له : نبايعك؟! قال : على أن لا اباشر قتالا ولا احارب! فأبوا عليه ، فلحق بابن الزبير (٢).

وقال ابن قتيبة : فلما دفن معاوية بن يزيد وسوّي عليه التراب : وبنو اميّة حول قبره ، قال مروان : أما والله يا بني اميّة إنّه لأبو ليلى ، والملك بعد أبي ليلى لمن غلبا (٣) وإنّما كنّاه بأبي ليلى ؛ لأنّ العرب كانت تكنّي به المستضعف ، قال الشاعر :

إنّي أرى فتنة هاجت مراجلها

والملك بعد أبي ليلى لمن غلبا (٤)

__________________

(١) تنبيه الخواطر : ٢٩٩ ـ ٣٠٠.

(٢) مروج الذهب ٣ : ٧٣.

(٣) الإمامة والسياسة ٢ : ١٣.

(٤) مروج الذهب ٢ : ٧٢.

٢٧٧

أحوال البلاد بعد يزيد :

وما دعا إليه مروان من الشورى هو ما كان يدعو إليه ابن الزبير حتّى بعد موت يزيد إلى ثلاثة أشهر (١) ومال إليه من دمشق الضحّاك بن قيس الفهري ومعه القيسيّون فاستخلفه ابن الزبير على الشام (٢) وكان النعمان بن بشير الأنصاري في حمص ومال إليه ، وبقنّسرين والعواصم زفر بن الحارث الكلابي ، وبفلسطين ناتل بن قيس الجذامي ، وبمصر عبد الرحمان بن جحدم الفهري. وبقي بالأردن حسّان بن بجدل الكلبي (٣) وفيّا لمصاهرته لمعاوية والأمويين.

وفي البصرة وإن كان الأحنف التميمي تمّ على الرضا بابن زياد حتّى يروا اجتماع الناس ، لكنّ بني الرياح بناحية المربد من بني تميم البصرة وعليهم سلمة بن ذؤيب الرياحي ارتاح للدعوة إلى ابن الزبير في شهر جمادى الآخرة ، فتنحّى ابن زياد من دار الإمارة إلى دار مسعود بن عمرو الأزدي وأقام عنده أربعين يوما أو شهرين أو ثلاثة أشهر ، وقام الأحنف التميمي ببني تميم فحمى دار ابن زياد ، وبعث إلى بيت المال والديوان والسجن فحصّنها واجتمع أهل البصرة ليؤمّروا عليهم أميرا ، فاجتمعوا على عبد الله بن الحارث بن نوفل بن عبد المطلب ، وامّه بنت أبي سفيان بن حرب ... فأقرّه ابن الزبير أربعين يوما ، ثمّ كتب إلى أنس بن مالك الأنصاري أن يكون لهم إمام الصلاة ، لشهر رمضان سنة (٦٤ ه‍) ولحق ابن زياد بالشام (٤).

__________________

(١) تاريخ خليفة : ١٦٠.

(٢) الإمامة والسياسة ٢ : ١٥.

(٣) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٢٥٥.

(٤) تاريخ خليفة البصري : ١٦٠ ـ ١٦١.

٢٧٨

إعلان البيعة لابن الزبير ، ولمروان :

مرّ الخبر أنّ ابن الزبير كان يدعو إلى أن يعود الأمر شورى بين الأمة ، حتّى بعد موت يزيد إلى أكثر من ثلاثة أشهر ، بل إلى سبع أو تسع خلون من رجب حيث بويع له بالخلافة (١) وكان واليه على الشام بدمشق الضحّاك بن قيس في ستّين ألفا (٢) من القيسية.

وقام روح بن زنباغ الجذامي في رؤوس قريش واميّة وأشرافهم يقول لهم : كان الملك فينا أهل الشام ، أفينتقل ذلك إلى الحجاز؟ لا نرضى بذلك! فتوافقوا على ثاني أبناء يزيد وهو خالد وهو حدث السن ، فجاءوا إليه وقالوا له أن ينتصب للأمر ، فتردّد وقال : سأنظر في ذلك!

فتوافقوا ثانية على عمرو بن سعيد الأشدق وجاءوا إليه وقالوا له : يا أبا اميّة انتصب للأمر! فوعدهم القبول ، ولكنّهم انصرفوا فأعرضوا عنه!

فلمّا أصبح واجتمع الناس خرج إليهم عبد العزيز بن مروان وقام فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال : ما أحد أولى بهذا الأمر من مروان بن الحكم ؛ إنّه لكبير قريش وشيخها! وأفرطها عقلا وكمالا! ودينا وفضلا! والذي نفسي بيده لقد شاب شعر ذراعيه من الكبر! فصدّقه الجذاميون ، وكان خالد بن يزيد حاضرا فقال : أمر قضي بليل (٣)!

وعقّب اليعقوبي عقوبة ابن الزبير لمروان وبني اميّة بإخراجهم ثانية من المدينة إلى ما بعد عودة جنود ابن نمير ، قال : إنّ ابن الزبير أخذ مروان بالخروج من المدينة ، وكان ابنه عبد الملك مصابا بالجدري ، فقال له مروان : كيف اخرجك

__________________

(١) تاريخ خليفة : ١٦٠.

(٢) تاريخ خليفة : ١٦١.

(٣) الإمامة والسياسة ٢ : ١٥ ـ ١٦.

٢٧٩

وأنت على هذا الحال؟ فقال له : لفّني في القطن! فخرجوا ، ثمّ علم ابن الزبير بالخطأ فوجّه يردّهم ففاتوه إلى دمشق وقد مات معاوية.

واجتمع الناس بالجابية بجانب دمشق يتناظرون في الأمر ... وكان روح بن زنباغ الجذامي يميل إلى مروان ، فقام خطيبا فقال : يا أهل الشام ؛ هذا مروان بن الحكم شيخ قريش والطالب بدم عثمان! والمقاتل لعليّ بن أبي طالب يوم الجمل ويوم صفّين! فبايعوا الكبير واستنيبوا للصغير ، ثمّ لعمرو بن سعيد! فتبايعوا كذلك.

وإنّما اجتمعوا في الجابية (بين دمشق وطبرية) لأن الضحّاك بن قيس كان قد تغلّب على دمشق ومعه أهلها وجماعتهم (١).

وقال خليفة : كان أهل الشام قد بايعوا ابن الزبير ما خلا أهل الجابية ومن كان من بني امية ومواليهم ومنهم ابن زياد ، فهؤلاء بايعوا بالجابية مروان ابن الحكم ومن بعده لخالد بن يزيد ، وذلك للنصف من ذي القعدة (٢).

وقال اليعقوبي : فلمّا عقدوا البيعة جمعوا من كان في ناحيتهم وتناظروا أي بلد يقصدون ، واتّفقوا أن يقصدوا دمشق. واستمدّ الضحّاك الفهري بدمشق فأمدّه النعمان بن بشير الأنصاري من حمص بشرحبيل بن ذي الكلاع في جند حمص ، وأمدّه زفر بن الحارث الكلابي من قنّسرين والعواصم بقيس بن طريف الهلالي في جند العواصم ، وتلاقوا في مرج راهط (٣).

ثمّ أتوا إلى مروان بن الحكم فأستأذنوا عليه ودخلوا إليه وقالوا له : يا أبا عبد الملك انتصب للملك! فأبدى القبول ، فقال له روح بن زنباغ : إنّ معي أربعمئة

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٢٥٥ ـ ٢٥٦. وانظر التنبيه والإشراف : ٢٦٦ و ٢٦٧.

(٢) تاريخ خليفة : ١٦١.

(٣) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٢٥٦ ، ومرج راهط : موضع من غوطة دمشق في شرقيّها بعد مرج عذراء مقتل ومدفن حجر بن عدي الكندي وأصحابه الشهداء ، كما في المعجم.

٢٨٠