موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٦

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي

موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٦

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: أضواء الحوزة ـ لبنان
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٤١

فتقدّم عبد الله فقاتل قتالا شديدا حتّى برز إليه هانئ بن ثبيت الحضرمي فاختلفا بضربتين! وضربه هانئ الحضرمي فقتله رحمة الله عليه.

وتقدّم بعده جعفر بن علي رحمه‌الله فصمد إليه هانئ الحضرمي فقتله رحمة الله عليه.

وقام بعدهما عثمان بن عليّ رضى الله عنه ، فتعمّده خوليّ بن يزيد الأصبحي بسهم فصرعه ، فاشتدّ إليه رجل من بني دارم فاحتزّ رأسه رضوان الله عليه.

واشتدّ العطش بالحسين عليه‌السلام فركب على المسنّاة المنتهية إلى الفرات وبين يديه أخوه العباس ، فنادى الرجل الدارمي فيمن معه من خيل ابن سعد قال لهم : ويلكم حولوا بينه وبين الفرات ولا تمكّنوه من الماء! ثمّ رمى الحسين عليه‌السلام بسهم فأثبته في حنكه ، فانتزع الحسين عليه‌السلام السهم وبسط يده تحت حنكه فامتلأت راحتاه بالدم فرمى به وقال : اللهمّ إنّي أشكو إليك ما يفعل بابن بنت نبيّك! وأحاط القوم بالعباس فاقتطعوه عن أخيه الحسين عليه‌السلام ، فرجع الحسين إلى مكانه.

وجعل العباس يقاتلهم وحده ، حتّى أثخن بالجراح فلم يستطع حراكا ، وبرز إليه حكيم بن الطفيل السنبسي وزيد بن ورقاء الحنفي التميمي فاشتركا في قتله رضوان الله عليه (١).

مقتل الطفل الرضيع :

وجلس الحسين عليه‌السلام أمام الفسطاط ، فأتي بابنه عبد الله بن الحسين وهو طفل فأجلسه في حجره ، فهو في حجره إذ رماه أحد بني أسد بسهم فذبحه ، فتلقّى الحسين عليه‌السلام دمه ، فلمّا ملأكفّه صبّه في الأرض ثمّ قال : ربّ إن تكن

__________________

(١) الإرشاد ٢ : ١٠٩ ـ ١١٠.

١٨١

حبست عنّا النصر من السماء فاجعل ذلك لما هو خير ، وانتقم لنا من هؤلاء الظالمين! ثمّ حمله حتّى وضعه مع قتلى أهل بيته (١).

مقتل بني جعفر وبني عقيل وبني الحسن عليه‌السلام :

ثمّ اعتورهم الناس من كلّ جانب ، فحمل عبد الله بن قطبة النبهاني الطائي على عون بن عبد الله بن جعفر ، فقتله (٢) رحمة الله عليه وحمل عامر بن نهشل التيمي على محمّد بن عبد الله بن جعفر فقتله (٣) رحمة الله عليه.

وشدّ عثمان بن خالد بن اسير الجهني وبشر بن حوط القائضي الهمداني على عبد الرحمن بن عقيل بن أبي طالب فقتلاه واشتركا في سلبه. ورمى عبد الله بن عزرة الخثعمي : جعفر بن عقيل فقتله رحمة الله عليه. ثمّ إن عمرو بن صبيح الصدّائي رمى عبد الله بن مسلم بن عقيل بسهم على جبهته ثمّ بسهم آخر ففلق قلبه فقتله. وقتل لقيط بن ياسر الجهني : محمّد بن أبي سعيد بن عقيل (٤) رحمة الله عليه.

ورمى عبد الله بن عقبة الغنوي : أبا بكر بن الحسن بن عليّ بسهم فقتله رحمة الله عليه (٥).

__________________

(١) الإرشاد ٢ : ١٠٨ ، وتاريخ الطبري ٥ : ٤٤٨ عن أبي مخنف ، وعن عقبة بن بشير الأسدي عن الباقر عليه‌السلام. وأمّ الطفل الرباب بنت امرئ القيس الكلبي ٥ : ٤٦٨.

(٢) تاريخ الطبري ٥ : ٤٦٩ قال : وامّه جمانة ابنة المسيّب بن نجبة الفزاري. وقال أبو الفرج : امّه زينب بنت عليّ عليه‌السلام.

(٣) تاريخ الطبري ٥ : ٤٦٩ قال : وامّه الخوصاء بنت خصفة بن ثقيف التيمي بن بكر بن وائل.

(٤) تاريخ الطبري ٥ : ٤٤٧ و ٤٦٩.

(٥) تاريخ الطبري ٥ : ٤٤٨ عن عقبة بن بشير عن الباقر عليه‌السلام ، وفي مقاتل الطالبيين : ٥٧ كذلك.

١٨٢

مقتل الحسين عليه‌السلام :

لمّا بقي الحسين عليه‌السلام في ثلاثة رهط أو أربعة ، دعا بسراويل يمانية محقّقة يلمع فيها البصر ، فنكثه وفرزه لكي لا يسلب منه بعد قتله (١) ثمّ أقبل على القوم يدفعهم عن نفسه والثلاثة الباقون من أهله يحمونه حتّى قتل اولئك الثلاثة (٢).

وبقي الإمام عليه‌السلام وحده ، وقد أثخن بالجراح في رأسه وبدنه ، فجعل يضاربهم بسيفه وهم يتفرّقون عنه يمينا وشمالا (٣).

وأتاه مالك بن النسير البدّي الكندي فضربه بسيفه على رأسه ، فقطع البرنس الذي عليه وأصاب رأسه فأدماه وامتلأ البرنس ، دما ، فقال له الإمام عليه‌السلام : لا أكلت بها ولا شربت وحشرك الله مع الظالمين! ثمّ ألقى ذلك البرنس ودعا بقلنسوة فلبسها واعتمّ عليها (٤) بالخزّ الأسود ، وعليه قميص أو جبة من خزّ ، وكان مخضوبا بالوسمة. وهو يقاتل قتال الفارس الشجاع : يتقي الرّمية ويفترص العورة ويشدّ على الخيل (٥).

وأقبل شمر بن ذي الجوشن الضبابي الكلابي في نحو عشرة من رجّالة أهل الكوفة إلى خيمة الإمام التي فيها عياله وثقله حتّى حالوا بينها وبين الحسين عليه‌السلام ، فناداهم : ويلكم! إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون يوم المعاد ، فكونوا في أمر دنياكم أحرارا ذوي أحساب! امنعوا رحلي وأهلي من طغامكم وجهّالكم!

__________________

(١) تاريخ الطبري ٥ : ٤٥١ عن أبي مخنف ، والإرشاد ٢ : ١١١.

(٢) ولعلّهم المذكورون آنفا.

(٣) الإرشاد ٢ : ١١١.

(٤) تاريخ الطبري ٥ : ٤٤٨ عن أبي مخنف ، والإرشاد ٢ : ١١٠.

(٥) تاريخ الطبري ٥ : ٤٥٢ عن أبي مخنف.

١٨٣

فقال ابن ذي الجوشن : ذلك لك يابن فاطمة! وتوجّه بالرجّالة نحوه ، وأخذ الحسين عليه‌السلام يشدّ عليهم فينكشفون عنه (١).

وروى أبو مخنف عن عبد الله بن عمّار البارقي الهمداني قال : شدّت الرجّالة عليه عن يمينه وشماله ، فحمل على من عن يمينه حتّى ذعروا وعلى من عن شماله حتّى ذعروا ، فو الله ما رأيت مكسورا قطّ ـ وقد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه ـ أربط جأشا ولا أمضى جنانا ولا أجرأ مقدما منه! والله ما رأيت مثله قبله ولا بعده! إن كانت الرجّالة لتنكشف من عن يمينه وشماله انكشاف المعزى إذا شدّ فيها الذئب!

ودنا منه عمر بن سعد فخرجت إليه اخت الحسين زينب ابنة فاطمة فنادته ـ وكانت تعرفه منذ كانت في الكوفة ـ قالت : يا عمر بن سعد! أيقتل أبو عبد الله وأنت تنظر إليه! فصرف بوجهه عنها وهو يبكي (٢) فانصرف إلى فسطاطه!

هذا وهو عليه‌السلام يشدّ على الخيل ويناديهم : أعلى قتلي تحاثّون؟! أما والله لا تقتلون بعدي عبدا من عباد الله أسخط عليكم لقتله منّي! وايم الله إنّي لأرجو أن يكرمني الله بهوانكم ثمّ ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون! أما والله لو قد قتلتموني لقد ألقى الله بأسكم بينكم وسفك دماءكم ، ثمّ لا يرضى لكم حتّى يضاعف لكم العذاب الأليم (٣).

ثمّ إنّ شمر بن ذي الجوشن الضّبابي الكلابي أقبل في الرجّالة نحو الحسين عليه‌السلام وفيهم سنان بن أنس النخعي الهمداني ، وخوليّ بن يزيد الأصبحي

__________________

(١) تاريخ الطبري ٥ : ٤٥٠ عن أبي مخنف ، وخلا منه الإرشاد!

(٢) تاريخ الطبري ٥ : ٤٥١ عن أبي مخنف عن البارقي ، وفي الإرشاد ٢ : ١١١ عن حميد بن مسلم الأزدي. فليس هذا بعد مقتله عليه‌السلام.

(٣) تاريخ الطبري ٥ : ٤٥٢ عن أبي مخنف ، وخلا منه الإرشاد!

١٨٤

الكندي ، وصالح بن وهب اليزني ، والقشعم بن عمرو الجعفي الهمداني ، وعبد الرحمان الجعفي الهمداني. فجعل شمر بن ذي الجوشن يحرّضهم حتّى أحاطوا بالحسين عليه‌السلام إحاطة (١)!

فخرج إليهم عبد الله بن الحسن بن عليّ عليهما‌السلام وهو غلام لم يراهق بعد ، خرج من بين النساء يشتدّ إلى عمّه الحسين عليه‌السلام ولحقته عمّته زينب ابنة عليّ عليهما‌السلام لتحبسه ، ورآهما الحسين عليه‌السلام فناداها : احبسيه يا اختي ، فأرادت ذلك فقال : والله لا افارق عمّي وأبى وامتنع امتناعا شديدا ، واشتدّ حتّى وقف إلى جانب عمّه الحسين عليه‌السلام وأهوى بحر بن كعب التميمي إلى الحسين عليه‌السلام بالسيف ، فصاح به الغلام : ويلك يابن الخبيثة! أتقتل عمّي! واتّقى ضربة سيفه بيده ، وأهوى بحر بسيفه فأصاب يد الغلام فأطنّها إلى الجلدة فإذا يده معلّقة! ونادى الغلام : يا امّتاه! فضمّه عمّه الحسين عليه‌السلام إلى صدره وقال له : يابن أخي : اصبر على ما نزل بك واحتسب في ذلك الخير ، فإنّ الله يلحقك بآبائك الصالحين : رسول الله وعليّ بن أبي طالب وحمزة وجعفر والحسن بن عليّ صلّى الله عليهم أجمعين! ثمّ رفع الحسين عليه‌السلام يده وقال : اللهمّ أمسك عنهم قطر السماء ، وامنعهم بركات الأرض! اللهمّ فإن متّعتهم إلى حين ففرّقهم تفريقا واجعلهم طرائق قددا ؛ ولا ترض عنهم الولاة أبدا! فإنّهم دعونا لينصرونا فعدوا علينا فقتلونا (٢).

ولقد مكث طويلا من النهار ولو شاء الناس أن يقتلوه لفعلوا ، ولكنّهم كان يتّقي بعضهم ببعض ، ويحبّ هؤلاء أن يكفيهم أولئك! ومكث طويلا من النهار كلما انتهى إليه من الناس رجل انصرف عنه وكره أن يتولّى قتله وعظيم إثمه عليه!

__________________

(١) تاريخ الطبري ٥ : ٤٥٠ عن أبي مخنف.

(٢) تاريخ الطبري ٥ : ٤٥٠ ـ ٤٥١ عن أبي مخنف ، والإرشاد ٢ : ١١٠.

١٨٥

فنادى فيهم شمر : ويحكم! ماذا تنظرون بالرجل؟! ثكلتكم امّهاتكم! اقتلوه! فحملوا عليه من كلّ جانب : فضربه زرعة بن شريك التميمي ضربة على كتفه اليسرى ، وضربه اخرى على عاتقه ، فأخذ ينوء ويكبوا على وجهه ، وحمل عليه سنان بن أنس النخعي الهمداني وكانت به لوثة عقل فطعنه بالرمح فوقع ، ثمّ نزل إليه فذبحه واحتزّ رأسه ، ودفعه إلى خوليّ بن يزيد الأصبحي الهمداني (١) وقال له : احمله إلى الأمير عمر بن سعد (٢).

سلب الإمام والقتيل والأسير بعده :

ودنا من الحسين عليه‌السلام رجل من بني نهشل من تميم فأخذ سيف الحسين وأخذ قيس بن الأشعث الكندي قطيفته (٣) وسلب إسحاق بن حيوة الحضرمي قميصه وأخذ بحر بن كعب التميمي سراويله (٤) وتركه مجرّدا (٥).

وأخذ الناس يتنادون : قتل الحسين! قتل الحسين! وكان سويد بن عمرو من أصحاب الإمام عليه‌السلام قد نصره حتّى أثخن بالجراح ووقع مثخنا بالجراح بين القتلى من أصحابه ، فلما قتل الحسين عليه‌السلام وجد في نفسه إفاقة وسمع الناس يقولون : قتل الحسين! قتل الحسين! وكان معه سكّين فقام وأخذ يقاتلهم

__________________

(١) تاريخ الطبري ٥ : ٤٥٣ عن أبي مخنف ، وفي الإرشاد ٢ : ١١٢ نسب الذبح إلى شمر الكلابي ، ومنه الشهرة.

(٢) الإرشاد ٢ : ١١٢.

(٣) تاريخ الطبري ٥ : ٤٥٣ عن أبي مخنف.

(٤) تاريخ الطبري ٥ : ٤٥٣ عن أبي مخنف ، والإرشاد ٢ : ١١٢.

(٥) تاريخ الطبري ٥ : ٤٥١ ، واكتفى المفيد بذكر سلبه سراويله ولم يصرّح بتجريده عليه‌السلام.

١٨٦

حتّى تعاون عليه زيد بن رقاد الجنبي وعروة بن بطّار التغلبي فقتلاه (١) رحمة الله عليه ، فكان آخر قتيل من أنصار الإمام عليه‌السلام.

والمرقّع بن ثمامة الأسدي جثا على ركبتيه ونثر نبله وأخذ يرميهم ، فجاءه نفر من قومه بني أسد وقالوا له : اخرج إلينا فأنت آمن! فخرج إليهم ، فأخذوه إلى ابن سعد (٢).

وكان ابن سعد آنذاك قد انصرف إلى فسطاطه ، وكانت في سنان بن أنس لوثة عقل فقال له بعض الناس : إنك قتلت الحسين بن علي بن فاطمة ابنة رسول الله! قتلت أعظم العرب خطرا جاء إلى هؤلاء يريد أن يزيلهم عن ملكهم! فأت أمراءك فاطلب منهم ثوابك ، ولو أعطوك في قتل الحسين بيوت أموالهم كان قليلا! فأقبل على فرسه إلى فسطاط ابن سعد حتّى وقف عليه ورفع صوته يقول :

أوقر ركابي فضّة وذهبا

أنا قتلت الملك المحجّبا

قتلت خير الناس امّا وأبا

وخيرهم إذ ينسبون نسبا

وسمعه ابن سعد فقال لمن حوله : أدخلوه عليّ فلمّا أدخلوه خذفه بقضيبه ثمّ قال له : يا مجنون! أشهد أنّك لمجنون ما صححت قط! أتتكلّم بهذا الكلام! أما والله لو سمعك ابن زياد لضرب عنقك (٣)!

نهب خيام الإمام عليه‌السلام :

كان رجل الميدان في كلّ ذلك شمر الضبابي الكلابي ، وكان سنان النخعي الهمداني من أصحابه ، فلمّا فرغ من قتل الإمام عليه‌السلام وأرسل برأسه إلى أميره

__________________

(١) تاريخ الطبري ٥ : ٤٥٣ عن أبي مخنف.

(٢) تاريخ الطبري ٥ : ٤٥٤ عن أبي مخنف ، ولعلّه قبل قتل الإمام عليه‌السلام.

(٣) تاريخ الطبري ٥ : ٤٥٤ عن أبي مخنف.

١٨٧

ابن سعد في فسطاطه مع خوليّ الأصبحي الهمداني من أصحابه ، حمل في رجّالة معه على ثقل الحسين فانتهوا إلى عليّ بن الحسين الأصغر وهو مريض منبسط على فراش له ، فقال له بعض الرجّالة معه : ألا نقتل هذا؟!

وكان معهم حميد بن مسلم الأزدي فقال : سبحان الله! إنّما هذا صبيّ! أنقتل الصبيان (١)! فاستصغر فلم يقتل ، واستصغر معه ابنا عمّه الحسن : الحسن المثنّى ابن الحسن وأخوه عمر بن الحسن فلم يقتلا وتركا (٢).

ومال الناس على نساء الحسين عليه‌السلام وثقله ومتاعه والحلل والإبل ، فانتهبوها (٣).

قال حميد بن مسلم الأزدي : فو الله لقد كنت أرى المرأة من نسائه وبناته وأهله تنازع على ثوبها عن ظهرها حتّى تغلب عليه فيذهب به منها (٤)!

وكان عقبة بن سمعان مولى الحسين عليه‌السلام قد اختفى في الخيم فاخذ إلى عمر بن سعد فقال له : ما أنت؟ فقال : أنا عبد مملوك ، فخلّى سبيله (٥) وجاء إلى خيام الإمام عليه‌السلام وكان بعض النساء يعرفنه من الكوفة فصحن في وجهه وسألنه ليسترجع من عسكره ما اخذ منهنّ ليتستّرن به!

قال حميد بن مسلم الأزدي : فنادى ابن سعد : ألا لا يدخل أحد منكم بيوت هؤلاء النسوة! ومن أخذ من متاعهم شيئا فليردّه عليهم! فما ردّ أحد شيئا!

__________________

(١) تاريخ الطبري ٥ : ٤٥٣ عن أبي مخنف ، والإرشاد ٢ : ١١٣.

(٢) تاريخ الطبري ٥ : ٤٦٨ و ٤٦٩ عن أبي مخنف. ويأتي عن ابن الوردي : أنّه ترك لمرضه لا لصغره! وفي الطبقات برقم ٢٩٢ : أنّهم استضعفوا.

(٣) تاريخ الطبري ٥ : ٤٥٣ عن أبي مخنف ، والإرشاد ٢ : ١١٢.

(٤) الإرشاد ٢ : ١١٢ ، وفي الطبري ٥ : ٤٥٣. وانظر تذكرة السبط ٢ : ١٧١ وبهامشه مصادر أخرى. ومرّ أن حرق الخيام إنما كان قبل الإمام عليه‌السلام.

(٥) تاريخ الطبري ٥ : ٤٥٤ عن أبي مخنف ، وفيه : فلم ينج منهم أحد غيره! يعني من أصحابه وأنصاره.

١٨٨

وقال : ولا تعرّضوا لهذا الغلام المريض! أو : ألا لا يعرضنّ لهذا الغلام المريض أحد! ثمّ قال لجماعة ممّن كانوا معه : احفظوهم لئلّا يخرج منهم أحد! ولا تسيئنّ إليهم ؛ ثمّ عاد إلى مضاربه وفسطاطه (١).

وطء الخيل جسد الإمام عليه‌السلام :

مرّ الخبر عن ابن زياد أنّه كتب إلى ابن سعد : «فإن قتل الحسين فأوطئ الخيل صدره وظهره! فإنّه عاقّ شاقّ قاطع ظلوم! وليس دهري في هذا أن يضرّ بعد الموت شيئا! ولكن عليّ قول لو قد قتلته فعلت به هذا» (٢).

ولذا نادى ابن سعد في أصحابه : من ينتدب للحسين ويوطئه فرسه!

فانتدب عشرة ، منهم إسحاق بن حيوة ، وأحبش بن مرثد الحضرميّان ، فداسوا الحسين عليه‌السلام بخيولهم حتّى رضّوا ظهره وصدره (٣)!

__________________

(١) الإرشاد ٢ : ١١٣ ، ونحوه في الطبري ٥ : ٤٥٤ عن أبي مخنف ، عن حميد بن مسلم الأزدي. وليس فيهما ولا في أيّ مصدر معتبر آخر سوى اللهوف عن ابن الاعثم ٥ : ١٢٠ خبر حرق خيام الإمام ، اللهمّ إلّا ما سبق من شمر قبل مقتل الإمام عليه‌السلام.

(٢) تاريخ الطبري ٥ : ٤١٥ عن أبي مخنف.

(٣) تاريخ الطبري ٥ : ٤٥٤ ـ ٤٥٥ عن أبي مخنف ، وقال : فبلغني أنّ أحبش كان بعد ذلك في قتال فأتاه سهم غرب (لا يعرف راميه) ففلق قلبه فمات ، وبرص إسحاق بن حيوة الحضرمي. وفي الإرشاد ٢ : ١١٣ : أخنس ، وبدون الذيل. وفي مناقب آل أبي طالب ٤ : ٧٣ : عن الخزاعي : وجد على ظهر الحسين يوم الطف أثر فسألوا زين العابدين عنه فقال : هذا مما كان ينقل الجراب على ظهره إلى منازل الأرامل واليتامى والمساكين. وفي : ١٢٠ : عن الباقر عليه‌السلام : وجد به ثلاثمئة وعشرون طعنة برمح أو ضربة بسيف أو رمية بسهم. وعن الصادق عليه‌السلام : ثلاث وثلاثين طعنة ، وأربع وثلاثين ضربة.

١٨٩

وحيث بعث سنان بن أنس النخعي الهمداني مع خوليّ بن يزيد الأصبحي الهمداني برأس الإمام عليه‌السلام إلى ابن سعد ، سرّحه ابن سعد من يومه ذلك إلى ابن زياد وسرّح معه حميد بن زياد الأزدي (١) وقال : سرّحني لأبشر أهله بعافيته وبفتح الله عليه (٢)!

حمل الرؤوس وعيال الإمام إلى الكوفة :

وأقام ابن سعد يومه ذلك والغد (٣) إلى زوال الشمس (٤) حتّى صلّى على من قتل من أصحابه ودفنوهم. وقطفت رؤوس الباقين من أصحاب الحسين وأهل بيته فكانت اثنين وسبعين رأسا (٥).

وتقاسمت القبائل الرؤوس وفقا لمن برز منهم وقاتل وقتل ، وكانت هوازن

__________________

(١) تاريخ الطبري ٥ : ٤٥٥ عن أبي مخنف وقال : فأقبل خوليّ إلى دار القصر فوجد بابه مغلقا ، فعاد إلى منزله. وكانت امرأته النوّار ابنة مالك الحضرمي قالت : فقلت له : ما عندك؟ فقال : جئتك بغنى الدهر! هذا رأس الحسين! ووضعه تحت اجّانة في الدار. فقلت : ويلك جاء الناس بالذهب والفضة وجئت برأس ابن بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟! لا والله لا يجمع رأسي ورأسك بيت أبدا! وخرجت إلى الدار فو الله ما زلت أنظر إلى نور يسطع مثل العمود من السماء إلى الأجانة! ورأيت طيرا بيضا ترفرف حولها! وفي الإرشاد أصل الخبر بدون الذيل ٢ : ١١٣.

(٢) تاريخ الطبري ٥ : ٤٥٦ ، وفي الإرشاد ٢ : ١١٣ : كونه مع خولي الأصبحي فقط.

(٣) تاريخ الطبري ٥ : ٤٥٥ عن الكلبي أو أبي مخنف.

(٤) الإرشاد ٢ : ١١٤.

(٥) تاريخ الطبري ٥ : ٤٥٦ عن أبي مخنف ، وفي الإرشاد ٢ : ١١٣ : وأمر بالرؤوس ... فنظّفت! تصحيفا.

١٩٠

مع شمر بن ذي الجوشن الضبابي الكلابي وكان لهم عشرون رأسا ، وكان لبني تميم سبعة عشر رأسا ، وكان لكندة ثلاثة عشر رأسا وصاحبهم قيس بن الأشعث الكندي ، وكان لمذحج سبعة رؤوس ، وكان لبني أسد ستة رؤوس ، وكان لسائر الجيش سبعة رؤوس (١).

ثمّ أمر حميد بن بكير الأحمري أن يؤذن الناس بالرحيل إلى الكوفة.

وأمر بحمل عليّ بن الحسين مريضا ، وحمل معه بنات الحسين وأخواته ومن بقي من الصبيان (٢)!

فروى أبو مخنف عن قرّة بن قيس التميمي : أنّ زينب ابنة فاطمة مرّوا بها على أخيها الحسين وهو صريع ، قال : لا أنساها وهي تقول : يا محمّداه! يا محمّداه! صلّى عليك ملائكة السماء ، هذا حسين بالعراء مرمّل بالدماء! مقطّع الأعضاء! يا محمّداه! وبناتك سبايا! وذرّيتك مقتّلة تسفى عليها الصّبا! قال قرّة : فأبكت والله كلّ عدوّ وصديق! وصحن النسوة ولطمن وجوههنّ (٣)!

دفن الأجساد الطاهرة :

وبعدها خرج أهل الغاضرية من بني أسد فدفنوا الحسين وأصحابه ، بعد ما قفلوا بيوم (٤) دفنوا الحسين عليه‌السلام حيث قبره الآن ، ودفنوا ابنه عليّ بن الحسين ...

__________________

(١) تاريخ الطبري ٥ : ٤٦٧ ـ ٤٦٨ عن أبي مخنف ، وقال : فذلك سبعون رأسا! مسامحة وتقريبا.

(٢) تاريخ الطبري ٥ : ٤٥٥ عن أبي مخنف ، وفي الإرشاد ٢ : ١١٤ : تعيين مرض الإمام السجّاد وأنّه قد أشفى على الموت!

(٣) تاريخ الطبري ٥ : ٤٥٥ ـ ٤٥٦ عن أبي مخنف ، وخلا منه الإرشاد!

(٤) تاريخ الطبري ٥ : ٤٥٥ عن أبي مخنف ، والإرشاد ٢ : ١١٤.

١٩١

عند رجليه ، وحفروا للشهداء من أهل بيته ، وأصحابه الذين صرعوا معه ، حوله ممّا يلي رجلي الحسين عليه‌السلام وجمعوهم فدفنوهم معا جميعا إلّا العباس بن عليّ عليهما‌السلام فإنّهم دفنوه في موضعه الذي قتل فيه على طريق الغاضرية حيث قبره الآن (١) وبنو هاشم : إخوة الحسين وبنو أخيه وبنو عمّيه جعفر وعقيل ، كلّهم مدفونون فيما يلي رجلي الحسين عليه‌السلام في مشهده ، حفرت لهم حفيرة ثمّ ألقوا فيها جميعا وسوّي عليهم التراب ـ إلّا العباس بن عليّ رضوان الله عليه فإنّه دفن في موضع قتله على المسنّاة في طريق الغاضرية ، وقبره ظاهر ـ وليس لقبور إخوته وأهله أثر وإنّما يزورهم الزائر فيومي بالسلام إلى الأرض التي نحو رجلي الحسين عليه‌السلام ، ويقال : إنّ عليّ بن الحسين أقربهم إليه (٢).

رأس الإمام عند ابن زياد :

مرّ الخبر عن حمل خوليّ الأصبحي الهمداني رأس الإمام عليه‌السلام بعد مقتله يوم عاشوراء إلى الكوفة ، فوصلها ليلا فبات في أهله. فلمّا أصبح غدا بالرأس إلى ابن زياد وكان معه حميد بن مسلم الأزدي (٣).

فروى أبو مخنف الأزدي عن حميد بن مسلم الأزدي قال : سرّحني ابن سعد إلى أهله لأبشّرهم بعافيته وبفتح الله عليه! فأعلمتهم (وبتّ ليلتي) ثمّ أقبلت إلى القصر فوجدت وفد (الرؤوس) قد قدموا عليه فأدخلهم ، وأذن للناس ، فدخلت فيمن دخل ، فإذا رأس الحسين عليه‌السلام موضوع بين يديه (قدم به خوليّ).

__________________

(١) الإرشاد ٢ : ١١٤ ، وليس في الطبري.

(٢) الإرشاد ٢ : ١٢٦.

(٣) تاريخ الطبري ٥ : ٤٥٥ عن أبي مخنف.

١٩٢

وكان عنده زيد بن أرقم (الأنصاري) وإذا بابن زياد ينكت بقضيبه بين ثنيّتي الحسين عليه‌السلام ولا ينجم عن نكته بقضيبه! فقال له ابن الأرقم : اعل بهذا القضيب عن هاتين الثنيتين! فو الذي لا إله غيره لقد رأيت شفتي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على هاتين الشفتين يقبّلهما! ثمّ انفضخ الشيخ يبكي.

فقال له ابن زياد : أبكى الله عينيك! فو الله لو لا أنّك شيخ قد خرفت وذهب عقلك لضربت عنقك!

فنهض زيد بن أرقم وخرج وهو يقول : ملّك عبد عبدا فاتّخذهم تلدا! أنتم يا معشر العرب العبيد بعد اليوم! قتلتم ابن فاطمة وأمّرتم ابن مرجانة! فهو يقتل خياركم ويستعبد شراركم! فرضيتم بالذّل! فبعدا لمن رضي بالذل (١)!

والتفت إلى ابن زياد وقال له : يابن زياد : لأحدثنّك بحديث أغلظ عليك من هذا! رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد أقعد حسنا على فخذه اليمنى وحسينا على فخذه اليسرى ، ثمّ وضع يده على يا فوخيهما ثمّ قال : «اللهمّ إنّي أستودعك إيّاهما وصالح المؤمنين»! فكيف كانت وديعة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عندك يابن زياد (٢)!

وكان عنده قيس بن عبّاد البكري من التابعين فسأله ابن زياد : ما تقول فيّ وفي الحسين؟!

__________________

(١) تاريخ الطبري ٥ : ٤٥٦ عن أبي مخنف ، عن حميد الأزدي قال : سمعت الناس يقولون ذلك عن ابن أرقم ، وفي الإرشاد ٢ : ١١٤ بدون الذيل!

(٢) الردّ على المتعصّب العنيد لابن الجوزي : ٥٤ عن ابن أبي الدنيا وعن ابن الجوزي سبطه في تذكرته ٢ : ١٨٤ وبهامشه مصادر اخرى. وانظر أمالي الطوسي : ٢٥٢ المجلس ٩ ، الحديث ٤٠ و ٤١.

١٩٣

فأجابه : يأتي يوم القيامة جدّه وأبوه وأمّه فيشفعون فيه ، ويأتي جدّك وأبوك وأمّك فيشفعون فيك! فغضب ابن زياد وأقامه من المجلس (١).

السبايا في مجلس ابن زياد :

ثمّ أدخلوا عيال الحسين عليه‌السلام ، أخواته ونساءه وصبيانه على ابن زياد ، وكانت زينب ابنة فاطمة تنكّرت بأن لبست أرذل ثيابها ، وكان لها معها إماء حففن بها حولها فدخلت وجلست بينهنّ وهنّ قمن حولها ، ورآها كذلك ابن زياد فقال : من هذه الجالسة؟ فلم تكلّمه ولا إماؤها حتّى قال ذلك ثلاثا ، فقال بعض إمائها : هذه زينب بنت فاطمة!

فقال لها ابن زياد : الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم! وأكذب احدوثتكم!

فأجابته : الحمد لله الذي أكرمنا بمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وطهّرنا تطهيرا (٢) ، لا كما تقول أنت! إنّما يفتضح الفاسق! ويكذّب الفاجر!

فسألها : فكيف رأيت صنع الله بأهل بيتك؟!

فأجابته : كتب عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم (٣) وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاجّون إليه وتخاصمون عنده (٤)!

فغضب ابن زياد واستشاط غضبا وقال لها : قد أشفى الله نفسي من طاغيتك والعصاة المردة من أهل بيتك!

__________________

(١) تذكرة الخواص ٢ : ١٨٦ بتحقيق تقي زاده ، نقله السبط عن الشعبي.

(٢) إشارة إلى الآية ٣٣ من الأحزاب.

(٣) اقتباس من الآية ١٥٤ من آل عمران.

(٤) وليس في المصادر الأولى المعتبرة : ما رأيت إلّا جميلا ، ولا : فانظر لمن الفلج يومئذ ثكلتك امّك يابن مرجانة!

١٩٤

فبكت ، ثمّ قالت : لعمري لقد قتلت كهلي! وأبرت أهلي! وقطعت فرعي (أولادي) واجتثثت أصلي! فإن يشفك هذا فقد اشتفيت!

فقال ابن زياد : هذه سجّاعة (١)! ولعمري قد كان أبوها شاعرا سجّاعا!

فأجابته : ما للمرأة والسجاعة! إنّ لي عن السجاعة لشغلا ، ولكنّي نفثى بما أقول.

ثمّ نظر ابن زياد إلى عليّ بن الحسين فقال له : ما اسمك؟ قال : أنا عليّ بن الحسين!

فقال : أو لم يقتل الله! عليّ بن الحسين! فسكت. فقال : ما لك لا تتكلّم؟! قال : قد كان لي أخ يقال له أيضا : عليّ ، فقتله الناس (٢)! قال : إنّ الله قتله! فسكت الإمام السجاد عليه‌السلام ، فقال له : ما لك لا تتكلّم؟! فتلا عليه آيتين من القرآن : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها)(٣) ، (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ)(٤).

فقال له ابن زياد : أنت والله منهم (٥)! وبك جرأة لردّ جوابي! وفيك بقيّة للردّ عليّ (٦)! ثمّ التفت إلى المرّي بن معاذ الأحمري من جلاوزته وقال له : ويحك اقتله! فتعلّقت به عمّته زينب وقالت له :

__________________

(١) هذا في الإرشاد ٢ : ١١٦ ، وفي الطبري ٥ : ٤٥٧ : شجاعة! وهي لا تناسب ذيل الخبر : كان أبوها شاعرا سجّاعا!

(٢) تاريخ الطبري ٥ : ٤٥٧ عن أبي مخنف. وروى في ذيل المذيل : ٦٣٠ : عنه عليه‌السلام قال : قلت : كان لي أخ أكبر منّي.

(٣) الزمر : ٤٢ واكتفى بذكرها الإرشاد.

(٤) آل عمران : ١٤٥ ، وليست في الإرشاد.

(٥) الطبري ٥ : ٤٥٨.

(٦) الإرشاد ٢ : ١١٦.

١٩٥

يابن زياد! حسبك منّا! أما رويت من دمائنا! وهل أبقيت منّا أحدا! واعتنقته وقالت لابن زياد : أسألك بالله ـ إن كنت مؤمنا ـ إن قتلته لمّا قتلتني معه!

وناداه عليّ بن الحسين عليه‌السلام : إن كانت بينك وبينهنّ قرابة (من قريش) فابعث معهن رجلا تقيّا يصحبهنّ بصحبة الإسلام!

فنظر إليهما ثمّ قال : عجبا للرحم! والله لودّت لو أني قتلته أنّي قتلتها معه! دعوا الغلام (١)! فإنّي أراه لما به (٢).

ثمّ أمر ابن زياد أن ينصب رأس الحسين عليه‌السلام على رمح ويدار به في الكوفة (٣)! في سككها كلّها وقبائلها.

فروى عن زيد بن أرقم قال : مرّ به عليّ وهو على رمح وأنا في غرفة (فوقانية) فلمّا حاذاني سمعته يقرأ : (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً)(٤) فقفّ شعري والله وناديته : رأسك والله ـ يابن رسول الله ـ أعجب وأعجب (٥)!

موقف ابن عفيف :

وأمر ابن زياد فنادوا : الصلاة جامعة! فاجتمع الناس في المسجد الأعظم ، فخرج ابن زياد وصعد المنبر وقال :

__________________

(١) تاريخ الطبري ٥ : ٤٥٧ عن أبي مخنف.

(٢) الإرشاد ٢ : ١١٦ ـ ١١٧ أي مريضا مرض الموت.

(٣) تاريخ الطبري ٥ : ٤٥٩ عن أبي مخنف.

(٤) الكهف : ٩.

(٥) الإرشاد ٢ : ١١٧ ، وليس في الطبري.

١٩٦

الحمد لله الذي أظهر الحقّ وأهله ونصر أمير المؤمنين يزيد بن معاوية وحزبه ، وقتل الكذّاب ابن الكذّاب : الحسين بن عليّ و «شيعته»!

وكان عبد الله بن عفيف الأزدي الغامدي من «شيعة علي كرّم الله وجهه» (١) وكان أعمى لا يكاد يفارق المسجد الأعظم يصلّي فيه إلى الليل ، فلمّا سمع هذه المقالة من ابن زياد وثب إليه وناداه : إنّ الكذّاب ابن الكذّاب أنت وأبوك والذي ولّاك وأبوه يابن مرجانة! أتقتلون أبناء النبيين وتتكلّمون بكلام الصدّيقين!

فنادى ابن زياد بجلاوزته : عليّ به! فوثبوا عليه حتّى أخذوه ، فنادى بشعار الأزد : يا مبرور! فوثب إليه فتية منهم فانتزعوه من أيدي الجلاوزة وذهبوا به إلى أهله. فأرسل إليه ابن زياد من أتاه به (ليلا) فقتله وأمر بصلبه في السبخة! فصلب هناك رحمه‌الله (٢).

الرؤوس بين يدي يزيد :

لم يمنع ابن زياد وثبة ابن عفيف الأزدي عليه من أن يدعو أبا بردة بن عوف وطارق بن أبي ظبيان الأزديّين ليكونوا مع زحر بن قيس الجعفي الكندي ، ليسرّحهم برأس الإمام عليه‌السلام ورؤوس أصحابه إلى يزيد بن معاوية (٣).

فروى السبط عن الزهري قال : لما جاءت الرؤوس كان يزيد في منظره على جبل جيرون بدمشق فأنشد :

__________________

(١) كانت عينه اليسرى ذهبت يوم الجمل مع عليّ عليه‌السلام ومعه في صفّين ذهبت عينه الأخرى ، الطبري ٥ : ٤٥٨.

(٢) تاريخ الطبري ٥ : ٤٥٨ ـ ٤٥٩ عن أبي مخنف الأزدي ، وفي الإرشاد ٢ : ١١٧ بلا تفصيل.

(٣) تاريخ الطبري ٥ : ٤٥٩ عن أبي مخنف ، والإرشاد ٢ : ١١٨.

١٩٧

لمّا بدت تلك الحمول وأشرقت

تلك الشموس على ربى جيرون

نعق الغراب فقلت : نح أو لا تنح

فلقد قضيت من النبيّ ديوني (١)

فروى الكلبي عن الغاز بن ربيعة الحميري الجرشيّ أنّه كان عند يزيد بدمشق إذ دخل عليه زحر بن قيس الجعفي الكندي ، فقال له يزيد : ويلك ما وراءك؟ وما عندك؟ فقال له : أبشر يا أمير المؤمنين! بفتح الله ونصره! ورد علينا الحسين بن عليّ في ثمانية عشر من أهل بيته وستين من «شيعته» فسرنا إليهم فسألناهم أن يستسلموا وينزلوا على حكم الأمير عبيد الله بن زياد ، أو القتال! فاختاروا القتال على الاستسلام! فعدونا عليهم مع شروق الشمس فأحطنا بهم من كلّ ناحية ، حتّى إذا أخذت السيوف مأخذها من هام القوم حتّى أتينا على آخرهم ، فهاتيك أجسادهم مجرّدة! وثيابهم مرمّلة! وخدودهم معفّرة! تصهرهم الشمس ، وتسفى عليهم الريح ، زوّارهم العقبان والرّخم بقيّ سبسب (٢).

ووضع الرأس بين يدي يزيد في طست فجعل ينكت على ثناياه بقضيبه! وتمثّل بقول عبد الله بن الزّبعري :

ليت أشياخي ببدر ، شهدوا

جزع الخزرج من وقع الأسل

قد قتلنا القرم من أشياخهم

وعدلناه ببدر فاعتدل (٣)!

وقال سبط ابن الجوزي : والمشهور عن يزيد في جميع الروايات : أنّه لمّا احضر الرأس بين يديه كان قد جمع جمعا من أهل الشام ، وجعل ينكته بالخيزرانة

__________________

(١) تذكرة الخواص ٢ : ١٩٦ بتحقيق تقي زاده.

(٢) تاريخ الطبري ٥ : ٤٦٠ عن الكلبي ، والقيّ : القفر ، والسبسب : القاحلة الجرداء ، وفي الإرشاد ٢ : ١١٩.

(٣) مقاتل الطالبيين : ٨٠.

١٩٨

ويقرأ الأبيات ... حتّى جاء في «كتاب الوجهين والروايتين» للقاضي أبي يعلى عن أحمد بن حنبل أنّه قال : إن صحّ ذلك عن يزيد فقد فسق! وقال مجاهد : فقد نافق. وقال الشعبي : وزاد فيها يزيد قال :

لعبت هاشم بالملك فلا

خبر جاء ولا وحي نزل

لست من خندف إن لم أنتقم

من بني أحمد ما كان فعل (١)

ولمّا وضعت رؤوس أهل بيت الحسين وأصحابه بين يدي يزيد تمثل بقول المرّي :

يفلّقن هاما من رجال أعزّة

علينا وهم كانوا أعقّ وأظلما!

وكان يحيى بن الحكم أخو مروان حاضرا فقال :

لهام بجنب الطفّ ، أدنى قرابة

من ابن زياد العبد ذي الحسب الوغل

سميّة أمسى نسلها عدد الحصى

وبنت رسول الله ليس لها نسل!

فضرب يزيد في صدر يحيى وقال له : اسكت (٢).

ثمّ أذن للناس فدخلوا والرأس بين يديه ، وبيده قضيب ينكت به في ثغره!

وكان ممّن دخل عليه الصحابيّ أبو برزة الأسلمي الأنصاري من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلمّا رأى يزيد يفعل ذلك أنكره وقال : أتنكت بقضيبك في ثغر الحسين! أما لقد أخذ قضيبك من ثغره مأخذا لربّما رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يرشفه! أما إنّك يا يزيد (كذا بدون لقب) تجيء يوم القيامة وشفيعك ابن زياد! ويجيء هذا يوم القيامة وشفيعه محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله! ثمّ قام فولّى.

__________________

(١) تذكرة الخواص ٢ : ١٩٥ ـ ١٩٦ بتحقيق تقي زاده. وخندف اسم إحدى جدّاته.

(٢) تاريخ الطبري ٥ : ٤٦٠ ـ ٤٦١ عن أبي مخنف ، والإرشاد ٢ : ١١٩ ـ ١٢٠.

١٩٩

وسمعت دور الحديث هند بنت عبد الله بن عامر بن كريز زوجة يزيد ، فتقنّعت بثوبها وخرجت فقالت :

يا أمير المؤمنين! أرأس الحسين بن فاطمة بنت رسول الله!

قال : نعم! فأعولي عليه وحدّي على ابن بنت رسول الله! وصريخة قريش! عجّل عليه ابن زياد فقتله (١).

أم سلمة ونعي الحسين عليه‌السلام :

روى اليعقوبي عن ام سلمة زوج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنّه كان قد دفع إليها قارورة فيها تربة وقال لها : إنّ جبرئيل أعلمني أنّ أمّتي تقتل الحسين! وأعطاني هذه التربة. وقال النبيّ لي : إذا صارت دما عبيطا فاعلمي أنّ الحسين قد قتل! فلمّا (خرج الحسين عليه‌السلام إلى العراق) جعلت تنظر إلى القارورة في كلّ (يوم) فلمّا رأتها قد صارت دما صاحت وا حسيناه! وا ابن رسول الله (٢)!

فروي عن سلمى بنت أبي رافع القبطي قالت : ارتفعت واعية من حجرة امّ سلمة ، فكنت أوّل من أتاها ورأيت بين يديها قارورة تفور دما فقلت لها : يا امّ المؤمنين ما دهاك؟! قالت : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في المنام والتراب على رأسه! فقلت له : ما لك؟ فقال : وثب الناس على ابني فقتلوه ، وقد شهدته الساعة قتيلا! فاقشعرّ جلدي! فوثبت إلى هذه القارورة التي دفعها رسول الله إليّ وفيها رمل من الطفّ وقال لي : إذا تحوّل هذا دما عبيطا فعند ذلك يقتل الحسين. فوجدتها تفور دما (٣)!

__________________

(١) كان ذلك قبل وصول السبايا إلى الشام.

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٢٤٥ ـ ٢٤٦.

(٣) بحار الأنوار ٤٥ : ٢٣٢ عن بعض كتب المناقب؟!

٢٠٠