أجود الشروح في شرح معالم الدين في الأصول

الشيخ محسن الدوزدوزاني التبريزي

أجود الشروح في شرح معالم الدين في الأصول

المؤلف:

الشيخ محسن الدوزدوزاني التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة انتشارات دار العلم
المطبعة: مطبعة القدس
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٠٤

بعد التخصيص (لا يضرّنا) لان الكلام بعد التخصيص (واحتجّ الذّاهب الى انّه حجة في اقل الجمع) في الاثنين او الثلاثة(بان اقل الجمع هو المتحقّق) والمتيقن من بين المجازات لانه امّا مراد او داخل للمراد(والباقي مشكوك فيه فلا يصار اليه والجواب لا نسلّم ان الباقي مشكوك فيه لما ذكرناه من الدّليل على وجوب الحمل على ما بقى) بعد التخصيص ولا حاجة الى اعادة الدّليل فراجع والتحقيق ان التخصيص لا يوجب المجازية حتى تعدّد المجازات ويقال بالاجمال تارة او لا اجمال وان اقل الجمع من بين المجازات هو المتيقّن وتوضيح ذلك حيث يتوقف على اثبات ان التقيد ايضا لا يستلزم تجوّزا في المطلق مطلقا سواء كان المقيد متصلا او منفصلا فلا محيص عن تقديم الثانية فنقول ان تقييد مثل لفظ الرقبة بمؤمنة سواء كانت المؤمنة متصلة بها كما اذا قال اعتق رقبة مؤمنة او منفصلة كما اذا قال اعتق رقبة ثم قال اعتق رقبة مؤمنة لا يستلزم تجوّزا في لفظ الرقبة ابدا وذلك لان التجوّز يتوقّف على احد امرين الاول ان يكون الارسال والاطلاق داخلين في معنى المطلق كي ينافيهما التقييد لما سيأتي من وضع اسامي الأجناس للطّبيعة بما هي هي مبهمة مهملة لا بما هي مرسلة سارية في جميع الافراد حتى ينافي التقييد الثاني ان يكون لفظ الرقبة مستعملة في خصوص الرقبة المؤمنة على ان يكون الخصوصية داخلة في ما استعمل فيه اللفظ ويكون لفظ المؤمنة قرينة عليه وهذا خلاف الظاهر فان الظاهر ان الرقبة مستعملة فيما هو معناها الحقيقي وهو الطبيعة بما هي هي وان الخصوصية من لفظ المؤمنة من باب تعدد الدّال والمدلول غايته انّهما ان كانا متصلين فتمام المراد قد ادّاه المتكلم بكلام واحد وان كانا منفصلين فبكلامين وعليه فلا ، فلا تجوّز في التقييد اصلا اذا عرفت ذلك تعلم ان التخصيص

٣٢١

لا يستلزم المجازية في العام سواء كان المخصص متصلا بان قال اكرم كل عالم عادل او منفصلا بان قال أكرم كل عالم ثم قال لا تكرم العالم الفاسق والمقصود من عدم التجوّز في العام انه لا تجوّز لا في أداة العموم ولا في مدخولها وامّا عدم التجوّز في المدخول وهو لفظ العالم في المثال لما عرفت من ان التقييد لا يستلزم التجوّز في المطلق بل من باب تعدد الدّال واما عدم التجوّز في الأداة فلأن المخصّص اذا كان متصلا بالعام فالأداة مستعملة في معناها الحقيقي وهو استغراق تمام افراد المدخول غايته ان دائرة المدخول مضيقة من جهة التقييد وان عموم لفظ كل مثلا انّما هو بحسب ما يراد من مدخوله سعة وضيقا وعلى ايّ حال هو مستوعب لتمام افراد المدخول واما اذا كان منفصلا كالمثال المذكور فامرها دائر بين ان تكون مستعملة في العموم حقيقة ويكون الخاص المنفصل قرينة على ارادة الخصوص لبّا وواقعا وما لنا عن حجّية الظهور تحكيما للنّص او الاظهر على الظاهر لا من اصل الظهور وبعبارة اخرى ان لا يكون الارادة الجدية مطابقة مع الإرادة الاستعمالية وبين ان تكون مستعملة في الخصوص مجازا وهو استغراق بعض افراد المدخول ويكون الخاصّ المنفصل قرينة على استعمالها فيه ولكن الظاهر ان ظهورها في العموم يكون دليلا على استعمالها على النّحو الاول اي في العموم حقيقة ليكون قاعدة يعمل بها عند الشك في التخصيص وعلى هذا لا يلزم المجازية في الارادة ايضا فعلم ان التخصيص لا يوجب المجازية اصلا سواء كان المخصص متصلا او منفصلا لا في الاداة ولا في المدخول كي تعدّد المجازات فيلزم الاجمال او القول بان الاقل هو المتقين فلا اجمال وان العام حجّة فيه فقط نعم فرق بين المتصل والمنفصل بعدم انعقاد الظهور في الاول الا

٣٢٢

في الخصوص وفي الثاني الّا في العموم الّا انه لا وجه للمجازية وعليه فاللازم الالتزام بحجّية الظهور في الخصوص في الاول وحجّية الظهور فيه وفي الافراد المشكوكة في الثاني ، فتامّل واغتنم والله الهادى.

٣٢٣

(اصل) هل يجوز الاستدلال والعمل بالعام قبل الفحص عن المخصّص او لا فيه خلاف (ذهب العلّامة في التهذيب الى جواز الاستدلال بالعام قبل استقصاء) الذي هو (البحث في طلب التخصيص واستقرب في النهاية عدم الجواز) حيث قال الاقرب انه لا يجوز الاستدلال بالعام (ما لم يستقص) ولم يبحث (في طلب التخصيص وحكى) العلامة(فيها) اي في النهاية(كلّا من القولين) اي الجواز وعدم الجواز(عن بعض من العامة واختلف كلامهم) اي كلام العلماء(في بيان موضع النزاع فقال بعضهم انّ النّزاع في جواز التمسك بالعام قبل البحث عن المخصّص) يعنى انه هل يجوز العمل بالعام قبل ان يتفحّص ويبحث عن المخصّص ففيه خلاف (وهو) اي هذا النّزاع (يلوح) اي يظهر(من كلام العلامة في التهذيب وصرّح به) يعني ان هذا النّزاع به (في النّهاية وانكر ذلك) اي كون هذا محلّ النّزاع (جمع من المحقّقين) ومنهم الغزالى والآمدى وابن الحاجب (قائلين بان العمل بالعموم) والاستدلال به (قبل البحث عن المخصّص ممتنع اجماعا) يعنى ان جمعا من المحقّقين ادّعى الاجماع على بطلان التمسك بالعام قبل البحث (وانّما الخلاف) والنّزاع (في مبلغ) وفي مقدار البحث يعنى ان البحث والفحص عن المخصّص واجب بلا خلاف وانّما اللازم البحث في مقدار البحث والفحص (فقال الأكثر

٣٢٤

يكفى) في الفحص (بحيث يغلب معه) اي مع هذا الفحص (الظّن بعدم المخصّص) وسيجيء منّا التحقيق بان المراد من الظن الظّن النّوعى لا الظّن الشّخصى الذي توهّمه المحقّق الانصاري قدس‌سره في التقريرات (وقال بعض لا يكفى ذلك) الظّن (بل لا بدّ من القطع بانتفاء المخصّص) يعنى انه لا بد قبل العلم بالعام من البحث والفحص عن المخصص حتى يقطع ويجزم بعدم المخصّص حتى يجوز العمل (والظّاهر) من كلماتهم (انّ الخلاف موجود في المقامين) احدهما في جواز التمسك بالعام قبل البحث والفحص والأخر في مبلغ البحث (لنقل جماعة القول بجواز التمسك بالعام قبل البحث عن المخصّص عن بعض المتقدّمين وتصريح آخرين باختياره) اي باختيار الجواز و (لكنّه) اي القول بالجواز(ضعيف) ومع ذلك قد قيل بجوازه ولكنه خلاف الاجماع المدّعى (وربّما قيل) في وجه توجيه هذا القول حتى لا يكون مخالفا للاجماع (انّه قبل وقت العمل وقبل ظهور المخصّص يجب اعتقاد عمومه) اي عموم هذا العام (جزما) لا انّه واجب العمل بل الواجب مجرّد الاعتقاد بالعموم لعدم وجود المخصّص في الظّاهر(ثمّ ان لم يتبيّن) ولم يظهر ان المراد هو (الخصوص فذاك) الذي اعتقد به هو الصّواب (والّا) اي وان ظهر وتبيّن الخصوص من الخارج (تغيّر الاعتقاد) اي اعتقاد العموم ويعمل بالخصوص (وينقل عن بعض العلماء انه قال بعد ذكره لهذا الكلام) اي جواز العمل بالعام قبل البحث عن المخصّص (وهذا غير معدود عندنا من مباحث العقلاء) يعنى انه ليس في عداد مباحث العقلاء(ومضطرب العلماء) ومطارحهم (وانّما

٣٢٥

هو قول صدر عن غباوة) قائله الغبىّ من كان بطيء الفهم (واستمرار في عناد) يعنى انه كان غبيّا ومستمرّا في عدم قبول الحق ورفع اليد عن الباطل (واذا عرفت هذا) اي ما ذكرنا من الخلاف في المقامين لكن احدهما في غاية الضّعف (فالاقوى عندي) دعويان احدهما(انّه لا يجوز المبادرة الى الحكم بالعموم) والعمل به (قبل البحث عن المخصّص بل يجب التّفحّص عنه) اي عن المخصّص وثانيهما وجوب الفحص بمقدار(حتى يحصل الظّن الغالب بانتفائه) اي بانتفاء المخصص ولا يجب القطع بانتفائه (كما يجب ذلك) اي الفحص (في كلّ دليل يحتمل ان يكون له معارض) يعنى ان الذي ينبغى ان يكون محلّ الكلام هو مطلق العمل بظواهر الكتاب والسّنة بل مطلق الأدلّة الاجتهادية كخبر الثّقة ونحوه (فانّه) اي ما نحن فيه اعنى التمسك بالعام قبل البحث (جزئى) اي فرد(من جزئياته) اي من افراد كل دليل الّا انّهم تداولوا افراده بالبحث نظرا الى ان احتمال المعارض فيه اقوى والّا فهو ايضا فرد من افراده والدليل (لنا) على الدعوى الاولى (انّ المجتهد يجب عليه البحث عن) نفس (الادلّة وكيفيّة دلالتها والتّخصيص) الذي هو مورد البحث (كيفيّة في الدّلالة) فلا بدّ من البحث والفحص عنه (وقد شاع ايضا حتى قيل ما من عام الّا وقد خصّ فصار احتمال بثبوته) اي ثبوت الخاصّ (مساويا لاحتمال عدمه) اي عدم الخاص وترجيح جانب الخاص من جهة الشياع معارض باصالة الحقيقة وعدم المخصّص فلذا حكم قدس‌سره بان الاحتمالين متساويان (و) اذا كان الامر كذلك (توقّف ترجيح احد الأمرين) اعنى وجود المخصّص وعدمه

٣٢٦

(على البحث والتّفتيش) حتى يتعين احدهما(وانّما اكتفينا بحصول الظّن) في مقام البحث هذا هو الدّعوى الثانية(ولم نشترط القطع) في مقام الفحص (لانّه ممّا لا سبيل اليه) اي الى القطع بعدم المخصص (غالبا اذ) لو تفحص فحصا كثيرا و (غاية الامر عدم الوجدان) وعدم الوصول الى المخصّص (وهو) اي عدم الوجدان (لا يدل على عدم الوجود) اي وجود المخصّص لانه يمكن ان يكون المخصّص في الواقع موجودا ولكن لا يصل المكلّف بعد البحث والفحص عليه ولذا اكتفينا بالظّن (فلو اشترط) القطع بالعدم في مقام البحث عن المخصّص (لادّى) هذا الاشتراط(الى ابطال العمل باكثر العمومات) والتّالى باطل والمقدم مثله لان العلماء كثيرا يستدلون بالعمومات في موارد كثيرة مع انّه لا قطع لهم بعدم المخصّص (احتج مجوز التمسك به) اي بالعام (قبل البحث) والفحص عن المخصّص بالمقايسة على المجاز(بانّه لو وجب طلب المخصّص في التمسّك بالعام لوجب طلب المجاز في التمسّك بالحقيقة) ومن المعلوم ان العلماء يتمسّكون باصالة الحقيقة في العمل بظواهر الألفاظ من دون البحث والفحص عن المجاز فلا بدّ ان يكون ما نحن فيه ايضا كذلك (بيان الملازمة) بين طلب المخصّص وطلب المجاز(انّ ايجاب طلب المخصّص انّما هو للتحرّز) والاجتناب (عن الخطاء وهذا المعنى) والمناط(بعينه موجود في المجاز لكنّ اللّازم اعني طلب المجاز منتف فانه) اي طلب المجاز(ليس بواجب اتفاقا) والملزوم اعنى طلب المخصّص مثله فلا يجب الطلب فيه ايضا هذا اولا(و) ثانيا انّ (العرف قاض ايضا بحمل الالفاظ على ظواهرها من غير بحث عن وجودها) اي

٣٢٧

قرينة (يصرف اللّفظ عن) ظواهرها وعن (حقيقته وبهذا) اي بمقايسة طلب التخصيص بطلب المجاز(احتجّ العلامة ـ ره ـ على مختار التهذيب وهو كالصّريح في موافقة هذا القائل فتامّل فالجواب الفرق بين العام) والخاص (والحقيقة) والمجاز(فانّ العمومات اكثرها مخصوصة) يعنى ان العمومات غالبا مخصّصة بالتخصيص (كما عرفت) حتى قيل ما من عام الّا وقد خصّ (فصار حمل اللّفظ على العموم مرجوحا في) النّظر و (الظّنّ قبل البحث عن المخصّص) وهذا لا ينافي بدعوى المساواة بين احتمال ثبوت الخاص وعدمه لان المراد من المرجوحيّة هنا المرجوحيّة من حيث هي هي يعنى انّ الحمل مع تساوى الاحتمالين مرجوح (ولا كذلك الحقيقة) والمجاز لعدم مساواة احتمال الحقيقة مع احتمال المجاز ولو كان الاستعمال المجازى اكثر لانه بالقرينة وعند التجرد عنها فالاصل الحقيقة(فانّ اكثر الألفاظ محمول) عند التّجرد عن القرينة(على الحقائق) فعلم ان مقايسة العام بالحقيقة والمجاز باطلة(واحتجّ مشترط القطع) وهو القاضي ابن البراج حيث يقول لا يجوز التمسّك بالعام حتى يقطع بعدمه تارة بلا بحث وفحص واخرى مع البحث وامّا ما يمكن الاستدلال به عليه فهو ان العمل بالظّن مشروط بعدم امكان تحصيل اليقين وهو ممكن وتوضيحه (بانّه ان كانت المسألة) اي العام الذي هو مورد البحث (ممّا كثر فيه الخلاف والبحث) يعنى انه كان ممّا يبتلى به عموما ومع ذلك كثر الخلاف والبحث (ولم يطّلع) المجتهد(على تخصيص فالعادة قاضية بالقطع) اي بقطع المجتهد(بانتقائه) اي بانتفاء المخصّص (اذ لو كان)

٣٢٨

المخصّص موجودا واقعا(لوجد مع كثرة البحث) عن المخصّص (قطعا وان لم تكن) المسألة(ممّا كثر فيه البحث) بل العام ممّا ابتلى به المجتهد المتأخر(فبحث المجتهد فيها) اي في هذه المسألة(يوجب القطع بانتفائه) اي بانتفاء المخصّص (ايضا لانّه لو اريد بالعام) الذي ابتلى به المجتهد(الخاصّ لنصب لذلك) الخاص المراد(دليل) وقرينة لان استعمال العام في الخاص مجاز وهو ملزوم قرينة معاندة لارادة الحقيقة(يطّلع عليه) اي على هذا الدليل والقرينة(فاذا بحث المجتهد) عن الدليل والمخصّص والقرينة(ولم يعثر) ولم يطلع (بدليل التخصيص قطع بعدمه) اي بعدم التخصيص والمخصّص (واجيب) عن هذا الاستدلال (بمنع المقدّمتين اعنى) من المقدّمة الاولى (العلم) بالمخصّص (عادة عند كثرة البحث و) من المقدمة الثانية(العلم بالدّليل) والمخصّص والقرينة(عند بحث المجتهد) عن المخصّص وامّا الجواب عن هاتين المقدّمتين (فانّه كثيرا ما يكون المسألة ممّا تكرر فيه البحث) وهو راجع الى المقدمة الاولى (او يبحث فيه المجتهد) وهو راجع الى المقدمة الثانية(فيحكم) قطعا بان المراد هو العام (ثم يجد ما يرجع به عن حكمه وهو ظاهر) لا ريب فيه وملخّص الجواب انّ اشتراط القطع بعدم المخصّص لا فائدة له لان عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود فانه كثيرا ما يبحث عنه ويحكم ثم يجد ويطلع على المخصّص ويحكم بخلاف ما حكم به اولا ثم ان تحقيق المسألة يحتاج الى بيان امور الاول انّ النّزاع في المسألة كما في الكفاية انّما هو بعد الفراغ من كون اصالة العموم حجّة من باب الظّن النوعى لا الشخصى الذي قال به

٣٢٩

الشيخ الانصاري قدس‌سره الثاني انها معتبرة من باب الظّن الخاص وهو بناء العقلاء لا من باب الظّن المطلق ووجه الاعتبار واضح الثالث انّها فيما اذا لم يكن علم تفصيلى او اجمالى بالتخصيص ووجه هذا الأمر هو ان اصالة العموم او عدم التخصيص حجّة ما لم يعلم تفصيلا بانه مخصص والّا سقط العام مثلا عن الحجّية وكان المخصّص هو المتّبع وما لم يكن من اطراف ما علم تخصيصه اجمالا والّا وجب الفحص عن المخصّص قبل العمل به قطعا كما اذا علم اجمالا بتخصيص جملة من العمومات وكان هذا العام من اطراف المعلوم بالاجمال فان اصالة العموم لا تجرى قبل الفحص عن المخصّص وقال صاحب الكفاية قدس‌سره انه اذا كان العام في معرض التخصيص كما هو الحال في الكتاب والسنة فلا يجوز التمسّك بالعام قبل الفحص من جهة سيرة العقلاء على ذلك وامّا اذا لم يكن في معرضه كما هو الحال في العمومات الواقعة في السنة اهل المحاورات فلا شبهة في ان السّيرة استقرّت على العمل بلا فحص ففيه انه كلام مجمل فان كان المراد بالمعرضية وجود العلم الاجمالى بورود التخصيص فهو خارج عن محل النّزاع كما اعترف به هو قدس‌سره وان كان المراد بالمعرضية كون المولى ممّن جرت عادته على ذكر المخصّصات منفصلة غالبا ففيه ان هذا المولى الكذائى اذا امر عبده بامر متعلق بالعام فلا يجوز للعبد ترك العمل به معتذرا باحتمال طرّ والتخصيص ولا يقبل اعتذاره عند العقلاء اصلا اذا عرفت هذا فالتحقيق ان يقال ان التكاليف الصّادرة عن المولى على قسمين الاول ما كان صادرا من المولى في مورد خاصّ نحو العبد بعمل

٣٣٠

مخصوص ففي هذه الصورة يجب على العبد القيام بما يقتضيه ظاهر الخطاب ، والدليل على ذلك عدم قبول العقلاء اعتذار العبد لو ترك العموم مثلا بكونه بصدد الفحص عن المخصص او سائر القرائن ، الثاني ما كان صادرا على نحو جعل القوانين الكليّة لجميع الناس او لجميع من في سلطة المولى وهو ايضا على قسمين الاول ما كان الغرض من الجعل العمل على فرض حصول العلم والاطلاع عليه ففي هذا القسم لا يجب الفحص الثاني ما كان الغرض من الجعل تفحّص العبيد وبحثهم عنه ثم العمل بحيث لم يكن التكليف مقصودا ومنحصرا على من يحصل العلم به اتفاقا ولاجل ذلك حثّ المولى على التّفقّه والنّفر لتحصيل العلم به فمثل هذه القوانين يحكم العقل بوجوب تعلمها والبحث عن حدودها وتقيداتها وتخصيصاتها ومن هذا القبيل القوانين الشرعيّة الاسلامية فان الله تبارك وتعالى انزل الكتاب الى رسوله وأمر بتبيين الاحكام الكلّية وامر بنصب الخلفاء والأئمة عليهم‌السلام ثم اوجب على جميع الناس تعلّم الاحكام والنّفر لتحصيلها فقال تبارك وتعالى «(فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ) الخ» وايضا وقد ورد في الحديث بقوله للعبد يوم القيمة هلّا عملت فان قال لم اعلم يقال له هلّا تعلّمت فعلى هذا يجب على العبيد الفحص عن جميع الاحكام بخصوصيّاتها وحدودها فليعلم ان محلّ النّزاع في هذا الباب ليس مختصا بالعام كما يستفاد من بعض العبائر بل يجري في العمل بكل دليل لفظي قبل الفحص عمّا يزاحمه ويعارضه فلذا عمّمنا البحث في مطاوي كلماتنا هذا كلّه بالنسبة الى اصل البحث وامّا مقدار البحث فالواجب هو الفحص

٣٣١

بمقدار اليأس والاطمينان بانه لو كان المزاحم موجودا لظفر به والزائد عن هذا ليس معتبرا فتدبّر جيّدا فائدة لا فرق بين الفحص فيما نحن فيه وبين الاصول العملية فانّهما من واد واحد فما في الكفاية من الفرق ففيه ما لا يخفى.

٣٣٢

الفصل الثالث فيما يتعلّق بالمخصّص

٣٣٣

(الفصل الثالث فيما يتعلّق بالمخصّص)

(اصل اذا تعقب المخصص متعدّدا سواء كان) المتعدّد(جملا) مثل اكرم العلماء واحسن الى الفقراء الّا الفسّاق (او غيرها) مثل اكرم العلماء الشرفاء الّا زيدا او كان ملفّقا من الجمل وغيرها كما هو ظاهر اطلاقهم كما ان اطلاقهم يشمل صورة المتعاطف وغيره كما عن الرّازي في المحصول ويشعر بذلك كلام الشيخ «ره» ايضا الّا ان العضدي خصّ العنوان بالمتعاطف ويشير الى ذلك ايضا بعض ادلة القائلين بالعود الى الجميع حيث استدلوا بذلك بان العطف يصيّر المتعدّد بمنزلة المفرد اللهم الّا ان يقال ان عنوان المسألة بذلك لانه الشائع لا ان له دخلا في المسألة والاستدلال ايضا من ذلك القبيل فافهم وعن الآمدي اعتبار التعاطف بالواو وتبعه فيه غير واحد وان التعاطف بالفاء او ثم دال على الاختصاص بالأخيرة(وصحّ عوده الى كل واحد) احتراز عمّا لا يصحّ فانّه مختص بالاخيرة مثل اكرم العلماء واحسن الى الضّعفاء الّا الجهال فانه لا يصح عوده الى العلماء لان العالم لا يكون جاهلا(كان الأخير) اي الجملة الاخيرة مثلا(مخصوصا قطعا) وليعلم ان الظاهر بل المصرّح به اختصاص النّزاع بالمخصّص المتّصل وامّا المنفصل فهو خارج عن

٣٣٤

حريم النزاع لاستقلاله بالإفادة وتخصيص العام به انّما هو لقاعدة بناء العام على الخاص عند تعارض العام والخاص المطلقين (وهل يخصّ معه) اي مع الاخير(الباقي) اي باقي الجمل غير الأخيرة(او يختصّ هو) اي المخصّص (به) اي بالأخير(اقوال ، وقد جرت عادتهم بفرض الخلاف والاحتجاج في تعقب الاستثناء) للجمل المتعدّدة(ثم يشيرون في باقي انواع المخصّصات) من الحال وظرف الزمان وظرف المكان والشرط وغير ذلك (الى ان الحال فيها) اي في البواقي (كما في الاستثناء) يعنى ان ما حكمنا به في الاستثناء فهو جار في غيره ايضا طابق النعل بالنعل نظرا الى اتحاد المناط وان كان هذا لا يخلو عن نظر لتصريح البعض بالفرق كما يأتي إن شاء الله (ونحن نجرى) اي نمشى (على منهجهم) اي على طريقتهم (حذرا من فوات بعض الخصوصيّات بالخروج عنه) اي عن منهجهم (لاحتياجه) اي لاحتياج الخروج عن المنهج (الى تغيير اوضاع الاحتجاجات) اذا عرفت ذلك (فنقول ذهب قوم) وهم الشافعيّة(الى ان الاستثناء المتعقب للجمل المتعاطفة ظاهر في رجوعه الى الجميع) ظاهر هذا يعطى ان الكلام في ظهور الاطلاق وان كان موضوعا للاعم بل ظاهر من ارجعه الى الاخيرة ايضا كذلك لتعبيره بمثل ذلك واستدلاله بها لا يأباه بل يساعده كما ان صريح غيرهما يعطى ان الكلام في الوضع وظاهر المقابلة ايضا يوجب حمل كلام الاولين على غير الوضع (وفسّره بعضهم) اي فسّر البعض وهو العضدي قول من قال بان الاستثناء ظاهر في الجميع (بكل واحدة) لان رجوع الاستثناء الى الجميع على وجهين احدهما ان يرجع الى المجموع بان يقسط المستثنى على مجموع المذكورات اي يراد من قوله لزيد عليّ مائة ولعمرو خمسون ولبكر اربعون الّا تسعة عشر تقسيط المستثنى على

٣٣٥

مجموع مائة وتسعين فيخرج من كل عشرة واحد فيكون المخرج تسعة عشر الثاني ان يخرج المستثنى من كل واحد فيكون المخرج في هذا المثال سبعة وخمسين فالقائل برجوعه الى الجميع اراد الوجه الثاني عند العضدي حيث فسّره به وبما ذكرنا فظهر الفرق بينهما وامّا ما قاله حديقة الروضة في حاشية القوانين من ان الفرق يظهر في قولك اعط زيدا درهما ودرهمين الّا درهما فيصح هذا الاستثناء في صورة رجوعه الى الجميع لا الى كل واحد حتى يلزم استثناء الشيء عن نفسه فهو خارج عن حريم النزاع لان النزاع فيما صحّ عوده الى كل واحد وفي هذا المثال لا يصح اللهم إلّا ان يكون مجرد مثال مع قطع النظر عمّا عنونه اولا(ويحكى هذا القول) اي القول بالرجوع الى الجميع (عن الشيخ «ره» وقال آخرون) وهم ابو حنيفة واتباعه (انّه ظاهر في العود الى الأخيرة وقيل) القائل الغزالى والقاضى واتباعهما(بالوقف بمعنى لا ندرى انه) اي الاستثناء(حقيقة في اي الامرين) من الجميع والاخيرة(وقال السيد المرتضى «ره» انّه) اي الاستثناء(مشترك) لفظى (بينهما) اي بين الجميع والاخيرة(فيتوقف) في تعيين المراد منه بخصوصه (الى ظهور القرينة) المعيّنة للمراد وهذا لا ينافي بان تكون الاخيرة مخصوصا قطعا لانه من باب انه المتقين لا انه مراد بخصوصه (وهذان القولان) اي القول بالوقف والاشتراك (موافقان للقول الثاني) اي لقول ابي حنيفة(في الحكم) اي في تعليق الاستثناء على الأخير(لان الأخيرة مخصوصة على كل حال نعم) خالفاه في المأخذ ... حيث أن القائل بالاخيرة يقول به لظهور عدم التناول وهما يقولان به لعدم ظهور التناول و (يظهر ثمرة الخلاف في استعمال الاستثناء في الاخراج من الجميع فانه) اي الاخراج من الجميع (مجاز

٣٣٦

على ذلك القول) اي على قول ابي حنيفة لانه قائل بأنه حقيقة في الاخيرة فقط(محتمل) لان يكون الاخراج من الجميع حقيقة وان يكون مجازا(عند اوّل هذين) القولين وهو قول الغزالي والقاضي واتباعه (وحقيقة عند ثانيهما) وهو قول السيّد «ره» لاشتراكه لفظا بينهما(وفصّل بعضهم) وهو ابو الحسين البصري (تفصيلا طويلا) لا داعي الى ذكره (يرجع حاصله الى اعتماد القرينة) اي الى الاعتماد بالقرينة(على الامرين) اي على الجميع او الأخير(واختاره العلّامة «ره» في التهذيب وليس) ما ذكره البعض (بجيّد لان فرض وجود القرينة) فيما نحن فيه (يخرج عن محلّ النزاع اذ هو) اي محل النزاع (فيما عرى عنها) اي في القرينة(والّذي يقوى في نفسي ان اللفظ) اي اللفظ الذي يدل على الاستثناء(محتمل لكل من الامرين) من العود الى الاخيرة والرجوع الى الجميع (لا يتعين لاحدهما) اي لاحد الأمرين المذكورين (الّا بالقرينة) لاحدهما(وليس ذلك) اي عدم التعيين (لعدم العلم بما هو حقيقة فيه) بل العلم حاصل بان اللفظ اي ادوات الاستثناء كلّها موضوعة بالوضع العام المتصور فيه مطلق الاخراج تارة لخصوصيات الاخراج وهو اكثرها فيكون الوضع عاما والموضوع له خاصا كما سنبيّنه إن شاء الله تعالى واخرى للمعنى العام الذي تصوره اولا وهو مطلق الاخراج وهو فيما اذا كانت ادوات الاستثناء اسما فيكون الوضع عاما ، والموضوع له عاما ايضا وعلى هذا فيكون الاخراج بالادوات مطلقا سواء كان في الاخيرة فقط او في الجميع حقيقة اما لانه الموضوع له كما على الاول واما انه في مصاديقه كما على الثاني سواء كان المستثنى منه متعددا كما هو مفروض الكلام او كان واحدا خلافا لصاحب القوانين «ره» حيث فرق بين الواحد والمتعدد إلّا أن ينزل المتعدد منزلة الواحد كهذه الافعال او الجماعات فتدبر

٣٣٧

جيدا ، والحاصل ان قولنا(ليس) كمذهب الوقف الذي لو يعلم ما هو المعنى الحقيقي (ولا لكونه) اي الاستثناء(مشتركا بينهما) اي بين الاخيرة والجميع (مطلقا) سواء كان المستثنى من المشتقات او المبهمات او الالفاظ المشتركة او غير ذلك ، (كما يقول المرتضى وان كنّا في المعنى موافقين له) اي للسيد المرتضى «ره» لأنا نقول بان اللفظ حقيقة في كل واحد منهما وهو «ره» يقول بذلك ايضا ولكن الوجه مختلف والوجه عندي التقصير في ادوات الاستثناء والقول بان الافراد والخصوصيات هو الموضوع له لكن بالوضع العام والموضوع له الخاص كما في اكثرها وأما انها من مصاديقه وافراده كما في البعض الآخر ولكن لم تستعمل أداة الاخراج فيها بقيد الخصوصية حتى يكون الاستعمال مجازيا بل بلحاظ مطلق الاخراج كما ذكرنا ، واما الوجه عنده «ره» فهو انه «ره» قائل بالاشتراك اللفظي ، وانها حقيقة في كلّ منها بالنصوص بنحو تعدد الوضع كما هو طريقته في امثال المقام ايضا فتدبر جيدا واغتنم وبالتامل يظهر فساد ما قالوه في بيان مختار المصنف «ره» ومنهم جدّي «ره» في حاشيته على المعالم (ولو لا تصريحه) اي تصريح السيد(بلفظ الاشتراك في اثناء الاحتجاج) اي في وسط الاستدلال على مذهبه (لم يأب) اي لم يمنع (كلامه الحمل على ما اخترناه) يعني ان التصريح بلفظ الاشتراك ، مانع في حمل كلامه على مختارنا وإلّا فانه «ره» قد عبّر بعبارة ليست مانعة من الحمل حيث (قال والذي اذهب اليه ان الاستثناء اذا تعقب جملا وصح رجوعه) اي رجوع الاستثناء(الى كل واحد منها) اي من الجمل (لو انفردت) اي الجملة بان يفرض الجملة واحدة وحينئذ(فالواجب تجويز رجوعه) اي الاستثناء(الى جميع الجمل كما قال الشّافعي وتجويز

٣٣٨

رجوعه الى ما يليه) اي الى الاخيرة فقط(على ما قال ابو حنيفة ولا نقطع على ذلك) اي بالرجوع على الجميع او الأخيرة(الّا بدليل منفصل) اي بدليل خارجى (او عادة او امارة) تدل عليه (وفي الجملة لا يجوز القطع على ذلك) اي بالعود على الجميع او الأخيرة فقط(بشيء يرجع) اي يكون مرتبطا(الى اللفظ) اي الى الأداة يعنى انه لا دلالة في الأداة بتعيين احدهما انتهى كلامه قدس‌سره (هذا) اي خذ ذا(والحال فيما صرنا اليه) من المختار(نظير ما عرفت في مذهب الوقف والاشتراك من الموافقة) هذا بيان لقوله ما عرفت يعنى ان المختار ايضا موافق لمذهب القائلين بالوقف والاشتراك (بحسب الحكم للقول بتخصيص الأخيرة لكونها متيقّنة التخصيص على كل تقدير) يعنى ان الأخيرة عند الكل مخصصة حتى عند المصنّف «ره» وقد ناقش مولانا ملّا صالح «ره» في حاشية المعالم بانّه صحيح عند القائلين بالوقف والاشتراك وامّا على مذهب المصنّف «ره» فلا وعلّله «ره» بان اللفظ ح دائر بين الإخراج من كل واحد منهما وبين الإخراج من واحدة منهما ولا يتعيّن ان يكون ذلك الواحد هو الأخير فتخصيصه غير متيقن وفيه نظر لان الامر ليس دائرا بينهما بل الامر دائر بين الإخراج من الجميع وبين الإخراج من الأخيرة فقط وح يكون الأخيرة متيقّنة على كل حال ويمكن ان يكون فليتامّل في قوله «ره» اشارة على ذلك فتدبّر جيّدا(غاية ما هناك انه لا يعلم كونها مرادة بخصوصها او في الجملة الجميع وهذا) اي عدم العلم بكون الأخيرة مرادة بخصوصها او في جملة الجميع (لا اثر له) اي لا يضرّه (في الحكم المطلوب كما هو ظاهر فالمحتاج الى القرينة في الحقيقة انما هو تخصيص ما سواها) اي في

٣٣٩

كون الاخيرة متيقّنة التخصيص لانّها مسلّمة على كل حال (ولنقدّم على توجيه المختار) الذي ذكرنا من كونه من باب الوضع العام سواء كان الموضوع له عاما او خاصا(مقدّمة يسهل بتدبرها) اي المقدمة(كشف الحجاب عن وجه المرام) اي المختار(وتزداد بتذكّرها) اي المقدّمة(بصيرة في تحقيق المقام وهي) عبارة عن اقسام الوضع وكيفيّتها واجمالها ان الوضع لا يخلو عن اقسام ثلاثة : ـ احدها ـ الوضع الخاصّ والموضوع له الخاص ـ ثانيها ـ الوضع العام والموضوع له العام ـ وثالثها ـ الوضع العام والموضوع له الخاص وسيجيء توضيحا بالامثلة إن شاء الله تعالى وامّا الوضع الخاص والموضوع له العام فقد اصرّ صاحب البدائع فيها على ثبوته ويظهر من صاحب الفصول «ره» وجود القائل به بان يشاهد الواضع حيوانا خاصّا فيوضع اللفظ بازاء نوعه ولكنّه مدفوع بما ذكره المحقق الخراساني «ره» في الكفاية فراجع واغتنم وتفصيله (انّ الواضع لا بدّ له من تصور المعنى) اي المعنى الذي قصد ان يضع اللفظ بازائه (في الوضع) اي في مقام الوضع وفي حال الوضع (فان تصور) الواضع (معنى جزئيا) بالخصوص من غير ملاحظة مفهوم كلي يندرج هو تحته (وعيّن بازائه) اي في مقابل المعنى المتصور(لفظا مخصوصا) اي لفظا معيّنا كلفظ زيد لولد عمرو (او الفاظا مخصوصة متصورة تفصيلا) كلفظ زيد وضياء الدين وابي الفضل له (او اجمالا) كوضع ما اشتق من الحمد له مثل محمد واحمد وحامد ومحمود(كان الوضع خاصا لخصوص التصور المعتبر فيه) اي في الوضع واطلاق الخاص على الوضع مع انّه

٣٤٠