أجود الشروح في شرح معالم الدين في الأصول

الشيخ محسن الدوزدوزاني التبريزي

أجود الشروح في شرح معالم الدين في الأصول

المؤلف:

الشيخ محسن الدوزدوزاني التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة انتشارات دار العلم
المطبعة: مطبعة القدس
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٠٤

(اصل) اختلفوا في ان الجمع المنكر هل يفيد العموم او لا فذهب فرقة الى الثاني وفرقة الى الاول وبعبارة اخرى ذهب (اكثر العلماء على ان الجمع المنكر لا يفيد العموم) يعني انه اذا قيل جاءني رجال مثلا فلا يحمل على العموم (بل يحمل على اقل مراتبه) اي على اقل مراتب الجمع وهو اثنان او ثلاثة على ما سيأتي من القولين (وذهب بعضهم على افادته) اي افادة الجمع المنكر(ذلك) اي العموم (وحكاه المحقق عن الشيخ) يعني انه يقول بان الجمع المنكر يفيد العموم لكن (بالنظر الى الحكمة) لا بوضع اللغة(والاصح الاول) اي القول بأنه لا يفيد العموم (لنا القطع بان رجالا مثلا بين الجموع) نحو مساجد ودنانير وغير ذلك (في صلوحه لكل عدد) من مراتب الجمع (بدلا) اي على سبيل البدلية(كرجل بين الآحاد) كمسجد ودينار وغير ذلك (في صلوحه) وصلاحيته (لكل واحد) لكن بدلا(فكما ان رجلا) مع كونه مفردا منكرا(ليس للعموم فيما يتناوله من الآحاد) على سبيل البدل (كذلك) لفظ(رجال) فانه (لا يشمل) جميع ما صدق عليه لفظ رجال وبعبارة اخرى فانه (ليس للعموم فيما يتناوله من مراتب العدد نعم) لما كان (اقل المراتب) اعني الاثنين او الثلاثة على ما يأتي قدرا متيقنا من بين المراتب فلا جرم يكون (واجبة الدخول قطعا فعلم) مما ذكرنا(كونها) اي الاقل من الاثنين او الثلاثة(مرادة) للمولى اذا قال اكرم رجالا(وبقي ما سواها) اي ما سوى اقل المراتب من المراتب الآخر

٢٨١

والضمائر المؤنثة باسرها تعود الى الاقل وتأنيثها لأجل المضاف اليه المؤنث (على حكم الشك) في انه هل اراد المولى المراتب الأخر غير المرتبة الاقل او لا فيحكم حينئذ بحكم الاصل على عدم كونها مرادة هذا والتحقيق في المقام ان يقال ان المادة موضوعة للطبيعة والعلامة او الهيئة موضوعة بوضع حرفي آلي بملاحظة الطبيعة اي مدلول المفرد مقيدة بمصداق من مصاديق ما فوق الاثنين لا على التعيين فتقييده بكل مصداق تقييد ترديدي بمعنى ان كل مصداق على وجه يصلح لتقييده بمصداق آخر على البدلية ولا فرق في ذلك بين المصحح والمكسر إلّا ان دلالة الاول على التقييد المذكور بالعلامة ودلالة الثاني بالهيئة لا بوضع وحداني كما زعمه بعض المحققين.

نعم ما لا مفرد من لفظه كذلك فالجمع والمفرد المنون والمثنى مشتركات في دلالتها على تقييد مادتها بالشخص إلّا ان الشخص في احدها واحد وفي آخر اثنان وفي الجمع اشخاص اذا ظهر لك ذلك فاعلم ان المشهور هو المنصور والدليل عليه وضع الجمع بحكم التبادر لما ذكرناه من الهيئة الملحوظة باعتبار اتحادها مع مصاديق ما فوق الاثنين فيصدق على كل جملة حتى الجميع فاذا دخل عليه تنوين التنكير الدالة على واحد من تلك المصاديق لا على التعيين تردد بين الجميع وما دونه من غير اختصاص بالجميع قال التفتازاني لا نزاع في ان الجمع المنكر صالح للجميع حيث انه احد افراد الموضوع له للقطع بان جميع الرجال رجال على الحقيقة وانما النزاع في كونه ظاهرا على حد ساير الصيغ وقد انقدح مما ذكرنا فساد ما قاله المصنف «قدس‌سره» لان القائل بعموم الجمع المنكر يمكن ان ينزله على احدى المراتب وهي المرتبة العليا المندرج فيها جميع المراتب لا

٢٨٢

على الجماعات التي هي منها كما هو ظاهر الاستدلال فالاولى في الاستدلال ان يقال فكما ان رجلا لا يختص بشيء من آحاده فكذلك رجال فافهم (حجة الشيخ «ره» على) مدعاه اعني دلالة جمع المنكر على العموم (ان هذه اللفظة اذ دلت على القلة والكثرة وصدرت من حكيم فلو اراد) المولى الحكيم (القلة لبيّنها) اي بين القلة لئلا يلزم الاغراء بالجهل (وحيث لا قرينة) على ارادته القلة(وجب حمله) اي حمل جمع المنكر(على الكل) اي على المرتبة العليا نظير ما سبق في مثل أحل الله البيع (وزاد من وافقه) اي وافق الشيخ في هذه المسألة(من العامة) وهو ابو علي الجبائي وقال (انه ثبت اطلاق اللفظ) اي اطلاق لفظ رجال مثلا حقيقة(على كل مرتبة من مراتب الجموع فاذا حملناه) يعني لو حملنا لفظ رجال مثلا(على الجميع) اي على جميع المراتب (فقد حملناه على جميع حقائقه فكان) الحمل على الجميع حينئذ(اولى والجواب عن احتجاج الشيخ) بوجهين (اما اولا فبالمعارضة بأنه) اي الحكيم (لو اراد الكل لبيّنه ايضا) وقد اورد سلطان العلماء «ره» في الحاشية انه يمكن ان يقال من جانب الشيخ ان عدم البيان بيان لارادة الكل انتهى ويمكن الجواب منّا عن قبل المصنف قدس‌سره بان عدم البيان بيان لارادة الاقل لكونه قدرا متيقنا كما سيأتي (واما ثانيا فلانّا لا نسلم عدم القرينة) كما قال وحيث لا قرينة وجب الخ بل القرينة موجودة(اذ يكفي فيها) اي في القرينة(كون اقل المراتب مرادا قطعا) وما سواها مشكوكا هذا(و) لكن (فيه) اي في الجواب الثاني عن الخصم (نظر) ووجهه انه لا يلزم من كونه مرادا قطعا ان لا يراد الزائد ايضا ولما كان هذا الجواب الثاني غير مرضي وكان مخدوشا عنده اراد ان يجيب بما هو الحق عنده وقال (والتحقيق ان

٢٨٣

اللفظ) اعني رجالا مثلا(لما كان موضوعا للجمع) اي لما يصدق عليه الجمع (المشترك بين العموم والخصوص كان عند الاطلاق) اي كان لفظ رجال مثلا عند اطلاقه (محتملا للامرين) العموم والخصوص (كسائر الالفاظ الموضوعة للمعاني المشتركة) اي للقدر الجامع بين المعاني وهو الذي يعبر عنه بالاشتراك المعنوي كلفظ الانسان مثلا فانه موضوع للحيوان الناطق المشترك بين الافراد الكاملة وغير الكاملة وبالجملة وان كان اللفظ عند الاطلاق محتملا للامرين (إلّا ان اقل مراتب الجموع) وهو الاثنان او الثلاثة(باعتبار القطع بارادته) اي بكونه مرادا(يصير متيقنا و) لكن (يبقى ما عداه) اي ما عدى الاقل من ساير المراتب (مشكوكا فيه الى ان يدل دليل) خارجي (على الارادة) اي على ارادة سائر المراتب غير القدر المتيقن (ولا نجد في هذا) اي في اطلاق لفظ رجال مثلا مع عدم قرينة خارجية عن ظاهر سياق الكلام (منافاة للحكمة بوجه) لكون اقل المراتب متيقنا قطعا فيحمل اللفظ عند الاطلاق عليه (وبهذا) اي وبهذا التحقيق (يظهر الجواب عن الكلام الاخير وهو كلام العامة الذي وافق للشيخ ره) وبيان الجواب هو ان يقال (فانا نمنع كون اللفظ حقيقة) اي كونه مشتركا لفظيا(في كل مرتبة وانما هو) اي لفظ رجال مثلا موضوع (للقدر المشترك بينهما) اي بين العموم والخصوص يعني انه وضع لما يصدق عليه الجمع عاما وخاصا وعلى اي حال (فلا دلالة) في لفظ رجال (على خصوص احدهما) اي احد المعنيين من العموم والخصوص (ولئن سلمنا كونه) اي كون لفظ رجال (حقيقة في كل منها) اي من المراتب على سبيل الاشتراك اللفظي (لكان الواجب حينئذ) اي حين كونه مشتركا لفظيا(التوقف) بناء(على ما هو التحقيق من ان المشترك) اللفظي كلفظ العين مثلا التي هي

٢٨٤

مشتركة لفظا بين المعاني المتعددة(لا يحمل على شيء من معانيه إلّا بالقرينة) المعينة لاحد المعاني (و) ايضا قد عرفت فيما سبق (ان استعماله) اي استعمال المشترك (في جميعها) اي في جميع المعاني (لا يكون إلّا مجازا فيحتاج في الحمل) اي في حمل المشترك (عليه) اي على الجميع (الى الدليل) ولا يخفى ان ما اورده عليه من كونه مجازا مبني على مختاره من ان الاستعمال المذكور مجاز في المفرد فان الاشتراك هنا في أداة الجمع وهي من المفردات هذا وفيما ذكره «قدس‌سره» في الجواب عن الخصم نظر ووجهه المنع من كون مراد الخصم هو الاشتراك اللفظي كما فهمه «قدس‌سره» ولذا اجيب عن الخصم بالنقض بالمفرد المنكر فانه حقيقة في كل واحد من الآحاد على البدل ولا يوجب ذلك حمله على الجميع نعم جواب العضدي بانّ الجمع ليس حقيقة في كل مرتبة من المراتب بل في القدر المشترك بينها فلا يكون له دلالة على خصوص شيء منها ربما يساعد بظاهره على فهم الاشتراك اللفظي من الاستدلال ولذا قرره عليه التفتازاني فاعترض عليه بانّ كل مرتبة من المراتب فهي من افراد القدر المشترك فيكون الجمع حقيقة فيها من حيث كونها من افراد الموضوع له ولا حاجة الى الدلالة عليها بخصوصها كما اذا جاءك زيد وقلت جاءني انسان انتهى لكن الانصاف ان كلام المستدل والخصم قابل للاشتراك اللفظي والمعنوي ولكونه من باب ما كان وضعه عاما والموضوع له خاصا كما ان قوله فلو حمل على الجميع فقد حمل على جميع حقائقه قابل لان يحمل على ارادة الحمل على الجميع من جهة انه احد المعاني لا جميع المعاني حتى يلزم استعمال اللفظ في اكثر من معنى او في اكثر من فرد او غير ذلك فالاولى في الجواب عن الخصم المنع من الاولوية

٢٨٥

المذكورة(فائدة) اختلفوا في اقل ما يطلق عليه صيغة الجمع فقيل ثلاثة وقيل اثنان وقيل بغير ذلك والنحاة فرقوا فقالوا اقل جمع الكثرة احد عشر واكثره ما فوق ذلك بالغا ما بلغ واقل جمع القلة ثلاثة واكثره عشرة ومحل الكلام انما هو في مصداق الجمع كلفظ رجال مقابل المفرد والمثنى لا في لفظ الجمع بمعنى الضم كما هو معناه لغة ثم لا يخفى انه لا فرق في ذلك بين المكسر والسالم وضمائرهما اذا عرفت ذلك فاعلم ان الحق هو القول الاول وبعبارة اخرى ان (اقل مراتب صيغة الجمع الثلاثة على الاصح وقيل اقلها) اي اقل مراتب صيغة الجمع (اثنان لنا انه يسبق الى الفهم عند اطلاق هذه الصيغة) اعني رجالا مثلا(بلا قرينة) وبعبارة اخرى ان المتبادر من صيغة الجمع هو (الزائد على الاثنين) يعني الثلاثة وما فوقها بلا تبادر الاثنين (وذلك) اي السبق والتبادر عند الاطلاق (دليل على انه) اي لفظ رجال مثلا(حقيقة في الزائد دونه) اي دون الاثنين وذلك (لما هو معلوم من ان علامة المجاز تبادر غيره) وحاصله انه لو قيل في الدار رجال لكان المتبادر هو الثلاثة فما فوقها لا الاثنان فاذا استعمل في الاثنين يكون مجازا والشاهد على المجازية تبادر غير هذا المعنى اي الثلاثة فما فوقها لانه من الواضحات اذا استعمل لفظ في المعنى وكان المتبادر من اللفظ عند اطلاقه هو غير هذا المستعمل فيه لكان اللفظ في هذا المستعمل فيه مجازا قطعا ويكون ذلك المتبادر معنى حقيقيا له فافهم.

(احتج المخالف) اي من قال بكون اقل الجمع اثنين (بوجوه الاول قوله تعالى (فَإِنْ كانَ لَهُ)) اي للميت ((إِخْوَةٌ)) (فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ) لان الاخوة تحجب الأمّ اي تمنع عن الثلث الى السدس (والمراد به) اي من قوله تعالى اي من الاخوة(ما) اي معنى هو (يتناول الاخوين) وما

٢٨٦

فوقهما(اتفاقا والاصل في الاطلاق) اي في اطلاق الاخوة في الآية على الاخوين هو (الحقيقة) الوجه (الثاني) لهم (قوله تعالى (إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ) خطابا) بضمير الجمع في قوله معكم (لموسى وهارون) عليهما‌السلام (و) بالجملة(اطلق ضمير الجمع المخاطبين على الاثنين) اعني موسى وهارون عليهما‌السلام الوجه (الثالث) لهم (قوله عليه‌السلام الاثنان وما فوقهما جماعة) حيث اطلق الجماعة في قوله عليه‌السلام على الاثنين وما فوقهما(والجواب عن الاول) ان المراد بالاخوة في الآية ثلاثة فما فوقها وحجب الاخوين للام عن الثلث مستفاد من النص او اجماع لا من الآية واليه اشار بقوله (ان الاتفاق واقع على ثبوت الحجب مع الاخوين لا على استفادته) اي ليس استفادة ثبوت الحجب (من الآية) وعلى هذا(فلا دلالة) للآية(فيه) اي في الثبوت سلمنا لكنه مجرد استعمال وهو لا يوجب الحقيقة بل هو اعم منه ومن المجاز لثبوت استعماله فيما فوق الاثنين ايضا والقول بالاشتراك اللفظي خلاف الاصل على ان الاطلاق انما يدل على الحقيقة اذا لم يكن دليل على خلافها وقد اثبتنا قيام الدليل عليه فتدبر(وعن الثاني بالمنع من ارادتهما فقط) وحاصله منع كون الموسى وهارون مرادا فقط من قوله تعالى (إِنَّا مَعَكُمْ) الخ (بل فرعون) ايضا(مراد معهما) اي مع الموسى وهارون (سلمنا) ان المراد هو الموسى وهارون لا غير(لكن) نقول ان (الاستعمال) اي استعمال ضمير الجمع فيهما معا(انما يدل على الحقيقة حيث لا يعارضه) اي لا يعارض هذا الاستعمال (دليل المجاز وقد دللنا) بمعونة التبادر(على كونه) اي كون الجمع (مجازا فيما دون الثلاثة وعن الثالث انه ليس من محل النزاع في شيء اذ الخلاف في صيغة الجموع لا في ـ ج ـ م ـ ع ـ) فانه بمعنى مطلق ضم شيء الى شيء وقد

٢٨٧

اشرنا الى عدم كونه من محل النزاع وايضا يجاب ان ذلك من باب مجاز الحذف فالتقدير صلاة الاثنين فما فوقهما صلاة جماعة او انه من باب التشبيه في الفضيلة وترتب احكام الجماعة او خصوص الاول كما في قوله عليه‌السلام المؤمن وحده جماعة اذا لم يكن من يصلي معه لان شأن الشارع بيان الاحكام دون الموضوعات اللغوية وتظهر ثمرة الاصل والفائدة فيما ورد صيغة الجمع منكرا مع خلوها عن قرينة المراد فتحمل على العموم عند من قال بكونها حقيقة في العموم وتحمل على اقل الجمع عند من لا يقول به وحينئذ فمن يقول بكون اقل الجمع ثلاثة يحمله عليها ومن قال على الاثنين يحمله عليه فتدبر جيدا.

٢٨٨

في خطاب المشافهة

(اصل) اختلفوا في ان الالفاظ التي وضعت للخطاب نحويا ايها الناس ويا ايها الذين آمنوا هل تكون خطابا لغير الموجودين وتعمهم بصيغتها اولا والمنقول منهم في المقام اقوال احدها شمول الخطاب للموجودين والمعدومين حقيقة لغة الثاني شموله حقيقة شرعا الثالث الشمول مجازا الرابع الشمول من دون تصريح بكونه على وجه الحقيقة والمجاز قال الشيخ المحقق المرتضى الانصاري «قدس‌سره» الأظهر عندي القول بامكان الشمول على وجه الحقيقة ان اريد من المجاز المبحوث عنه في المقام المجاز في ادوات الخطاب كما يظهر من جماعة حيث صرّحوا بان الاداة حقيقة في الخطاب الموجود الحاضر واستعماله في غير ذلك مجاز الخامس عدم شموله بصيغة للمعدومين اذا عرفت ذلك فاعلم ان الحق هو القول الاخير وبعبارة اخرى ان الحق هو ان يقال (ان ما وضع) المراد بالوضع هنا الاستعمال وإلّا فلا معنى محصل لقولهم ان ما وضع لخطاب المشافهة يعم من تأخر عن زمن الخطاب ام لا اذ بعد الوضع للمشافهة لا مجال لشمول لفظ يا ايها الناس مثلا لمن تأخر عن زمن الخطاب حقيقة لانه يلزم حينئذ خروجه عن اصل وضعه (لخطاب المشافهة) وهو الخطاب الوارد بصيغة التخاطب مثل افعلوا كذا وكذا واقيموا الصلاة وآتوا الزكاة و (نحو يا ايها الناس) اعبدوا ربكم ونحو (يا ايها الذين آمنوا) وفي التفسير عن ابن عباس ان كل ما نزل من قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) فهو بالمدينة

٢٨٩

وما نزل من قوله تعالى (يا أَيُّهَا النَّاسُ) فهو بمكة(لا يعم بصيغته على من تأخر) عن زمن الخطاب (وانما يثبت حكمه) اي حكم خطاب المشافهة(لهم) اي لمن تأخر عن زمن الخطاب (بدليل آخر) كالضرورة والاجماع القائمين بان المعدومين مشاركون في الحكم مع الموجودين (وهو) اي عدم العموم والشمول (قول اصحابنا واكثر اهل الخلاف) وظاهره يعطي كونه مجمعا عليه بين الامامية ولكن قد عرفت الاقوال في المسألة(وذهب قوم منهم) اي من العامة(الى تناوله) وشموله (بصيغته لمن بعدهم) وقد عرفت تفصيل الاقوال فيه ايضا والدليل (لنا انه لا يقال للمعدومين يا ايها الناس ونحوه) والوجه في ذلك ان الخطاب بالناس يقتضي كون المخاطب انسانا والمعدوم لا يصح ان يتصف بالانسانية وحينئذ فلا يجوز ان يخاطب به فتأمل (وانكاره) اي انكار القول بعدم جواز خطاب المعدومين (مكابرة) وعناد محض (وايضا فان الصبي والمجنون اقرب الى الخطاب من المعدومين لوجودهما) اي لوجود الصبي والمجنون (واتصافهما بالانسانية مع أن خطابهما) اي خطاب الصبي والمجنون (بنحو ذلك) اي بخطاب المشافهة(ممتنع قطعا فالمعدوم) الذى هو مورد البحث (اجدر) واليق (ان يمتنع) ان يكون مخاطبا بالخطاب الشفاهية(احتجوا) اي القائلون بشمول الخطاب للمعدومين ايضا بوجهين (احدهما انه لو لم يكن الرسول مخاطبا لمن بعده) اي لو لم يكن مخاطبا للمعدومين ايضا(لم يكن مرسلا اليه) اي لم يكن الرسول رسولا من الله تعالى بالنسبة الى المعدومين (واللازم) اعني عدم كونه رسولا للمعدومين (منتف) فالملزوم وهو عدم كون الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مخاطبا للمعدومين ايضا منتف فثبت انه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مخاطب لهم

٢٩٠

ايضا (بيان الملازمة) وهي قوله لو لم يكن مخاطبا لم يكن رسولا هو ان يقال (انه لا معنى لا رسالة) ولكونه مرسلا(إلّا ان يقال له بلّغ احكامي و) من البداهة انه (لا تبليغ) من الرسول على المكلفين (الا بهذه العمومات) غالبا(وقد فرض انتفاء عمومها) اي عموم الخطابات الشفاهية(بالنسبة اليه) اي الى من بعده من المعدومين وحينئذ فلا يكون الرسول مرسلا اليه (واما انتفاء اللازم) اي عدم كونه مرسلا للمعدومين (فبالاجماع) القائم على ان الرسول رسول من الله تبارك وتعالى للموجودين والمعدومين كليهما معا(والثاني ان العلماء لم يزالوا يحتجون) بهذه الخطابات الواردة على الحاضرين (على اهل الاعصار ممن) بيان لاهل الاعصار(بعد الصحابة في المسائل الشرعية) الى الآن (بالآيات والاخبار المنقولة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذلك) اي الاحتجاج في المسائل الشرعية بالآيات والاخبار الخ (اجماع منهم) اي من العلماء(على العموم) اي على عموم الخطابات الشفاهية للموجودين والمعدومين (والجواب اما عن الوجه الاول) اي عن اثبات المطلوب بنحو الملازمة(فبالمنع من انه لا تبليغ الا بهذه العمومات التي هي خطاب المشافهة اذ التبليغ) اي تبليغ الاحكام الى المكلفين (لا يتعين فيه) اي في التبليغ (المشافهة بل يكفي حصوله) اي حصول التبليغ (للبعض) اي للموجودين (شفاها وللباقين) اي للمعدومين مثلا(بنصب الدلائل والامارات) كقوله عليه‌السلام شرع محمد (ص) مستمر الى يوم القيامة مثلا(على ان حكمهم) اي حكم المعدومين (حكم الذين شافههم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) يعني حكم الموجودين (واما) الجواب (عن الثاني) اي عن قولهم ان العلماء الخ (فبأنه لا يتعين ان يكون احتجاجهم لتناول الخطاب بصيغته لهم)

٢٩١

وحاصله ان احتجاج العلماء ليس من باب كون الخطاب شاملا للمعدومين (بل يجوز ان يكون ذلك) اي الاحتجاج للمعدومين مثلا(لعلمهم بانّ الحكم ثابت عليهم بدليل آخر) يعني انهم لما رأوا وعلموا ثبوت الحكم للموجودين والمعدومين بالاجماع والضرورة استدلوا بالآيات والاخبار لا ان الآيات والاخبار شاملة للمعدومين كالموجودين (وهذا) اي ثبوت الحكم للمعدومين (لا نزاع فيه اذ كوننا مكلفين بما كلفوا) اي الموجودون (به معلوم بالضرورة من الدين) هذا وذكر للنزاع في الخطابات الشفاهية ثمرتين الاولى حجية ظواهر خطابات الكتاب للمعدومين على فرض عمومها لهم ولا يخفى ان ترتب هذه الثمرة مبني على ما ذهب اليه المحقق القمي «ره» من عدم حجية الظواهر إلّا بالنسبة الى من قصد افهامه ولكن التحقيق ان ظاهر اللفظ حجة بالنسبة الى كل من سمعه سواء قصد افهامه ام لم يقصد ويدل على ذلك سيرة العقلاء فلو امر المولى واحدا من عبيده بشيء وامره بتبليغ هذا الحكم الى ساير العبيد ايضا وكان ساير العبيد يستمعون ذلك الخطاب من المولى ولكن لم يصل اليهم بوسيلة العبد فتركوا ما امر به المولى وعلم بسماعهم لخطابه كان للمولى عقابهم وليس هذا العقاب قبيحا بنظر العقلاء وليس للعبيد ان يعتذروا بعدم كونهم مقصودين بالافهام هذا حال الثمرة الاولى ولا يهمنا التعرض لثانيتهما فراجع.

٢٩٢

الجزء الثّانى

الفصل الثانى في

جملة من مباحث التخصيص

٢٩٣
٢٩٤

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطّاهرين

(الفصل الثانى في جملة من مباحث التخصيص)

اصل :

وقبل الخوض في المطلب لا بد من تمهيد مقدمة وهي ان التخصيص عبارة عن قصر العام على بعض ما يتناوله فيخرج ما اذا لم يكن المقصود عاما بان كان مطلقا قيد ببعض افراده كرقبة مؤمنة او من اسماء العدد نحو له عليّ عشر الا ثلاثة او مركبا ذا اجزاء كقولك اكلت السمكة الا رأسها او كان عاما ولم يقصّر على بعض موارده لاختلاف مورد قصره ومورد عمومه كما في قولك اكرم العلماء الى يوم الجمعة او في يوم الجمعة لان مورد عمومه الافراد وهو غير مقصود ومورد قصره الأزمان والاحوال ومن هذا الباب جميع موارد التخصيص بالغاية بل بالشرط ايضا لان مفادهما ليس من تخصيص العام بل امّا من باب تقييد الحكم كما في الغاية بل وفي الشرط ايضا بناء على ما زعمه بعضهم او من باب تقييد العام كما في الشرط بناء على رجوعه الى تقييد الموضوع كما هو الحق ثم ان التخصيص تارة بالمتصل وهو ما لا يستقلّ بنفسه

٢٩٥

وحصّر في خمسة ، الاستثناء والشرط والصفة والغاية وبدل البعض نحو اكرم العلماء الا زيدا او ان كانوا عدولا او العدول او الى ان يفسقوا او عدولهم واخرى بالمنفصل وهو ما يستقلّ بنفسه عقليّا كان كما في قوله تعالى (اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) فان العقل يحكم بانه تعالى ليس خالقا لأفعال العباد او لفظيّا كقوله (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ) المخصّص لقوله (خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) اذا عرفت ذلك فاعلم ان جواز التخصيص في الجملة ممّا لا ينبغي التأمل فيه وما حكي عن بعض الناس من انكاره شاذّ لا يلتفت اليه بل الاشكال في منتهى التخصيص الجائز فالمحكيّ عن الاكثر اعتبار بقاء جمع يقرب من مدلول العام وفسّر بما فوق النّصف وبما يعدّ عرفا قريبا منه وقيل باعتبار بقاء جمع غير محصور وقيل باعتبار بقاء ثلاثة وقيل باعتبار بقاء اثنين وقيل بجوازه الى الواحد وقيل بالفرق بين الجمع فالثلاثة وبين غيره فيجوز الى الواحد ، هذا وقد افاد قدس‌سره بعض ما ذكرناه بقوله (اختلف القوم في منتهى التخصيص الى كم هو ، فذهب بعضهم الى جوازه) اى جواز التخصيص بالمعنى الذى ذكرنا(حتى يبقى واحد وهو اختيار المرتضى والشيخ وابي المكارم ابن زهرة وقيل) يجوز التخصيص (حتى يبقى ثلاثة وقيل) يجوز حتى يبقى (اثنان ، وذهب الاكثر ومنهم المحقق) صاحب الشرائع «ره» (الى انه لا بد من بقاء جمع) تحت العام (يقرب من مدلول العام) وقد بيّنا المراد منه قبيل هذا فراجع وبالجملة يجوز فيما ذكر لا غير(إلّا ان يستعمل) العام (في حق الواحد على سبيل التعظيم وهو) اى القول الاخير(الاقرب) والدليل (لنا القطع بقبح قول القائل اكلت كل رمّانة في البستان

٢٩٦

و) الحال (فيه) اي في البستان (آلاف) من الرّمان (وقد اكل واحدة او ثلاثة و) ايضا لنا القطع بقبح (قوله اخذت كل ما في الصندوق من الذّهب والفضة وفيه) اى في الصندوق (الف) من الذهب والفضة(وكذا) يقطع بقبح (قوله كل من دخل داري فهو حرّ او كل من جاءك فاكرمه وفسره) في كل من المثالين (بواحد او ثلاثة فقال اردت زيدا او هو مع عمرو وبكر ولا كذلك) اى لا قبح (لو اريد من اللفظ في جميعها) اى في جميع الامثلة المذكورة(كثرة قرينة من مدلوله) اى من مدلول العام بان يراد من قوله اخذت كل ما في الصندوق مع كون ما فيه الفا ستّ مائة مثلا هذا وفيه نظر لانا نسلم القبح في الامثلة المذكورة ضرورة انه لا قبح في المثال الاول اذا كانت الرمانة الواحدة اطيب واعلى بمراتب من الباقين ويكون الباقون عندها في نظر الأكل كالعدم وكذا في المثال الثاني اذا كان قيمة الواحد من الذهب والفضّة معادلا او ازيد من قيمة الباقين اللهم إلّا ان يقال ان ذلك مناقشة في المثال وهي ليست من دأب المحصّلين (احتج مجوّزوه) اى مجوز والتخصيص والقصر(الى الواحد بوجوه الاول ان استعمال العام) اى الفاظ العموم في الاستغراق حقيقة و (في غير الاستغراق يكون بطريق المجاز على ما هو التحقيق) وهو انه لو كان حقيقة فيه ايضا لزم الاشتراك اللفظي المخالف للاصل المرجوح بالنّسبة الى المجاز اذا تعارضا وقد بينا وجه مرجوحيته في باب الأوامر فراجع (وليس بعض الأفراد) من الاثنين او ثلاثة أو ما يقرب الى العام (اولى من البعض فوجب جواز استعماله) اى استعمال صيغ العموم (في جميع الاقسام) مجازا(الى ان ينتهى الى الواحد الثاني انه

٢٩٧

لو امتنع ذلك) اى قصر العام الى الواحد(لكان لتخصيصه) اى لتخصيص العام (واخراج اللفظ عن موضوعه الى غيره) وهذا العطف تفسيرى (وهذا يقتضى امتناع كل تخصيص) والبداهة تنادي بفساده (الثالث قوله تعالى (وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) والمراد) من الحافظين (هو الله تعالى وحده الرابع قوله تعالى (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ)) انّ الناس قد جمعوا لكم (والمراد) من الناس في قوله تعالى (نعيم بن مسعود باتفاق المفسّرين ولم يعدّه اهل اللسان مستهجنا لوجود القرينة) وهي ان الآية نزلت في حق نعيم بن مسعود على ما في بعض التفاسير وعلى هذا(فوجب جواز التخصيص الى الواحد مهما وجدت القرينة وهو) اى جواز التخصيص الى الواحد مع القرينة(المدّعى) لا يقال هذا في صورة القرينة والكلام في المجرد عنها لانا نقول ان الفرض في جواز قصر العام مطلقا ولو مع وجود القرينة(الخامس انه علم بالضرورة من) استعمالات اهل (اللغة) يعنى من قدماء العرب (صحّة قولنا اكلت الخبز وشربت الماء ويراد به) اى من قولهم (اقلّ القليل ممّا يتناوله الماء والخبز) يعنى ان الخبز والماء في المثال يطلقان على ما يصدق عليه الخبز والماء ولو كانا قليلين (والجواب عن الاول) اى عن اول دليل الخصم (المنع من عدم الاولوية) في بعض الأفراد(فان الاكثر اقرب الى الجمع من الأقل) فالاقربية دليل الاولوية(هكذا اجاب العلامة «ره» في النهاية وفيه نظر لان اقربيّة الاكثر الى الجميع) كما قلتم (يقتضى ارجحيّة ارادته) اى ارادة الاكثر(على ارادة الاقل) و (لا) يقتضي (امتناع ارادة الأقل كما هو المدّعى) ولما كان الجواب مخدوشا عنده اجاب بجواب امتن فقال (فالتحقيق

٢٩٨

في الجواب ان يقال لمّا كان مبنى الدليل) يعنى لمّا كان بناء دليل الخصم (على ان استعمال العام في الخصوص مجاز كما هو الحق) وقد عرفت وجهه قبيل هذا(وستسمعه) ايضا(ولا بدّ في جواز مثله) اى في جواز استعمال العام في الخاص (من وجود العلاقة المصحّحة للتجوز) اي المجازيّة (لا جرم كان الحكم) بالتخصيص الى الثلاثة والاثنين والواحد باطلا وتعيّن القول بكون الحكم (مختصّا باستعماله في الاكثر لانتفاء العلاقة) وهي المشابهة(في غيره) اى في غير الاكثر من الامور المذكورة هذا وقد اجاب صاحب الفصول ومولانا ملا صالح «ره» ، بان العلاقة ليست منحصرة بعلاقة المشابهة بل يجوز ان تكون العلاقة هذا اي في استعمال العام في الواحد او الاثنين او الثلاثة مثلا علاقة العموم والخصوص ايضا فانها علاقة براسها ومعتبرة هذا وهو عجيب من هذين الفاضلين لان الذى ثبت من استقراء كلام العرب من جواز استعمال العام في الخاص انما هو الاستعمال في الجمع القريب لمدلول العام لا مطلق الاستعمال بعلاقة العموم والخصوص حتى يتساوى الكل فيه فتدبر فاغتنم (فان قلت) سلّمنا انه ليس بينهما اي بين الاقل وبين العموم علاقة المشابهة لكن هذه علاقة اخرى وهي علاقة الكلية والجزئية نظرا الى ان (كل واحد من الأفراد) اى من افراد العام (بعض مدلول العام فهو) اى كل واحد من الافراد(جزئه) اى جزء العام (وعلاقة الكلّ والجزء حيث يكون استعمال اللفظ الموضوع للكل في الجزء) وبالجملة هذه العلاقة(غير مشترطة بشيء) من اعتبار التّركب الحقيقي بينهما وكون الجزء مما اذا انتفى ، انتفى الكل (كما نصّ عليه

٢٩٩

المحققون وانما) هذا الشرط الذي ذكرنا معتبر(في عكسه اعنى استعمال اللفظ الموضوع للجزء) كالرقبة الموضوعة للجيد المستعملة(في الكل) اعني في الإنسان (على ما مرّ تحقيقه) في بحث استعمال المشترك في معانيه (وحينئذ) اى حين اذ كانت العلاقة المذكورة موجودة فيما نحن فيه (فما وجه تخصيص وجود العلاقة بالاكثر) اى فيما يكون الباقى اقرب من مدلول العام دون الواحد او الاثنين الى غير ذلك والحاصل ان العلاقة فيما نحن فيه ليست منحصرة بعلاقة المشابهة بل العلاقة هي العلاقة الكلية والجزئية ايضا فما العلة في وجه تخصيصه بالاول دون الثانى (قلت لا ريب في ان كل واحد من افراد العام بعض مدلوله) اى بعض مدلول العام (لكنها) اي الأفراد(ليست اجزاء له) اي للعام (كيف) يكون اجزاء للعام (و) الحال انك (قد عرفت) سابقا في مبحث المفرد المحلّى باللام (ان مدلول العام كل فرد لا مجموع الافراد) وعلى هذا لا يتحقق بينهما اى بين العام والاقل علاقة الكلية والجزئية لان الفرد ليس جزء له نعم (وانما يتصور في مدلوله) اى فى مدلول العام (تحقق الجزء والكل لو كان) العام (بالمعنى الثانى) اى كان بمعنى مجموع الافراد يعنى علاقة الكلية والجزئية يتحقق لو كان مدلول العام هو المجموع وحينئذ يكون ما يتوهم كونه افرادا له اجزاء له (وليس كذلك فظهر انه ليس المصحّح للتجوّز) فيما نحن فيه (علاقة الكل والجزء كما توهّم وانما هو) اى المصحّح للتجوز(علاقة المشابهة اعنى الاشتراك في صفة) كالشجاعة المشتركة بين الاسد والرجل (وهي هاهنا) اى فيما نحن فيه اى في استعمال العام في الخاصّ ليست إلّا(الكثرة) وعلى هذا

٣٠٠