أجود الشروح في شرح معالم الدين في الأصول

الشيخ محسن الدوزدوزاني التبريزي

أجود الشروح في شرح معالم الدين في الأصول

المؤلف:

الشيخ محسن الدوزدوزاني التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة انتشارات دار العلم
المطبعة: مطبعة القدس
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٠٤

كانت متعددة صورة إلّا انه في حكم القضية الواحدة قد حكم فيها بوجوب اكرام كل فرد من الطوائف الثلاث الا الفساق منهم اما القسم الثاني اعني به ما تعددت فيه القضية بتعدد موضوعاتها مع تكرر عقد الحمل وهو الحكم كما اذا قيل اكرم العلماء والاشراف واكرم الشيوخ الا الفساق منهم فالظاهر فيه رجوع الاستثناء الى خصوص الجملة المتكرر فيها عقد الحمل وما بعدها لو كانت وهو في المثال عبارة عن اكرم الشيوخ لان تكرار عقد الحمل في الكلام قرينة على قطع الكلام عما قبله واما القسم الثالث والرابع اعني بهما ما تعددت فيه القضية بخصوص تعدد محمولاتها مع تكرر عقد الوضع في احدهما وعدم تكرره في الآخر مثال الاول كما اذا قيل اكرم العلماء واضف العلماء واطعم العلماء الا فسّاقهم والثاني كاكرم العلماء واضفهم واطعمهم الا فسّاقهم فلا بدّ من الالتزام برجوعه الى الجميع لان المفروض ان عقد الوضع فيهما لم يذكر الا في صدر الكلام ومن المعلوم انه لا بد من رجوع الاستثناء الى عقد الوضع فلا بد من رجوعه الى الجميع واما كون العطف في قوة التكرار فهو وان كان صحيحا إلّا انه لا يوجب وجود عقد وضع آخر في الكلام ليكون صالحا لرجوع الاستثناء اليه واما القسم الخامس اعني به ما تعددت القضية فيه بكل من الموضوع والمحمول كما اذ قيل اكرم العلماء وجالس الاشراف الا الفسّاق منهم فالظاهر فيه رجوع الاستثناء الى خصوص الأخيرة وبما ذكرناه يمكن الجمع بين كلمات الاصحاب فمن ذهب الى رجوعه الى الجملة الأخيرة فقد نظر الى مثل قوله تعالى «(وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ

٣٨١

يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ إِلَّا الَّذِينَ تابُوا) ـ الى آخر الآية» التي كرر فيها عقد الوضع في الجملة الأخيرة وهو قوله اولئك ومن ذهب الى رجوعه الى الجميع فقد نظر الى الجمل التي لم يذكر عقد الوضع فيها الا في صدر الكلام كما مثلناه فيكون النزاع في الحقيقة لفظيا.

٣٨٢

(اصل) اذا كان في الكلام عام يكون موضوعا لحكم وتعقّبه ضمير يرجع اليه وكان محكوما بحكم آخر وعلم من الخارج اختصاص الحكم الثاني ببعض افراد العام فهل يخصص العام بذلك او لا فيه كلام بين الاعلام (ذهب جمع من الناس الى ان العام اذ تعقّبه ضمير يرجع الى بعض ما يتناوله) اي يشمله العام بأن يكون بعض مصاديقه (كان ذلك) اي ذلك الضمير(تخصيصا) اي مخصصا(له) اي للعام (اختاره العلامة في النهاية وحكى المحقق «ره» عن الشيخ انكار ذلك) اي قال الشيخ «ره» انه لا يخصصه (وهو) اي عدم كونه مخصصا(قول جماعة من العامة) ومنهم الحاجبي (واختار هو) اي المحقق «ره» (التوقف) هذا هو القول الثالث في المسألة(ووافقه) اي وافق المحقق (العلامة في التهذيب وهو مذهب المرتضى «ره» ايضا) يعني ان التوقف مذهب المحقق والعلامة والمرتضى قدس الله اسرارهم (وله امثلة منها قوله تعالى (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ)) القرء بالفتح والضم الطهر والحيض فالأول يجمع على قروء وأقرؤ كفلس وافلس وفلوس والثاني على اقراء كقفل واقفال كقوله عليه‌السلام لفاطمة بنت عميس «دعي الصلاة ايام اقرائك» (ثم قال «(وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَ)» والضمير في بردّهن) وكذا في بعولتهن (للرجعيات) قطعا بدليل من الخارج الرجعية هي المرأة التي يجوز

٣٨٣

لزوجها الرجوع لها في العدة خلافا للبائنات فليس فيها الرجوع (فعلى الاول) اي على القول بالتخصيص (يختص الحكم بالتربص) في قوله تعالى : (الْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ) (بهن) يعني يختص وجوب العدة في صورة الطلاق بالرجعيات من جهة اختصاص الرد واقتضاء التخصيص واما وجوب التربص في البائنات التي غير اليائسات والصغيرات ومن لم يدخل بهن فمن دليل خارج لا من هذه الآية على هذا القول (وعلى الثاني) اي على القول بعدم التخصص (لا يختص) الحكم الاول وهو التربص للرجعيات كما في الصورة الاولى (بل يبقى على عمومه للرجعيات والبائنات) اللائي غير اليائسات والصغيرات ومن لم يدخل بهنّ ولكن يختص الرجوع والرد في العدة الى الرجعيات وهذا هو المراد بالاستخدام في المقام وان لم ينحصر فى ذلك وهكذا(وعلى الثالث) اي على القول الثالث (يتوقف) في تخصيص المطلقات بالرجعيات وفي تعميمها لها وللبائنات (وهذا هو الاقرب) اي التوقف والدليل (لنا انّ في كل من احتمالي التخصيص وعدمه ارتكابا للمجاز اما الاول) اي التخصيص (فلأن اللفظ العام) كالمطلقات في المثال (حقيقة في العموم) كما مر في صيغ العموم (فاستعماله) اي اللفظ العام (في الخصوص) اي في بعض افراده كالرجعيات في المثال (مجاز كما عرفت وهو ظاهر واما الثاني) اي عدم التخصيص للعام وبقاء العام على عمومه ولكن يراد من الضمير العائد اليه بعض افراد العام (فلأن تخصيص الضمير) لبعض افراد العام (مع بقاء المرجع) وهو المطلقات في الآية(على عمومه يجعله) اي يجعل الضمير(مجازا اذ وضعه) اي

٣٨٤

وضع الضمير(على المطابقة للمرجع) يعني ان الضمير وضع للاشارة لما يراد من المرجع (فاذا خالفه) بان لم يكن مطابقا له (لم يكن) الضمير(جاريا على مقتضى الوضع) ويكون مجازا لعدم جريه على حقيقة وضعه (وكان مسلوكا به) اي بالضمير(سبيل الاستخدام) يعني يعامل معه معاملة الاستخدام (فان من انواعه) يعني له اقسام متعددة ومن اقسامه (ان يراد بلفظه) اي بالمرجع وهو المطلقات في الآية(معناه الحقيقي وبضميره معناه المجازي وما نحن فيه) وهو الآية في المثال (منه) اي من الاستخدام (اذ قد فرض ارادة العموم من المطلقات وهو معنى الحقيقي له) الرجعيات والبائنات (واريد من ضميره المعنى المجازي اعني الرجعيات واذا ظهر هذا) اي لزوم المجازية في كلتا الصورتين (فلا بد في الحكم بترجيح احد المجازين على الآخر من مرجح والظاهر انتفائه) اي انتفاء المرجح (فيجب الوقف فان قلت) ترجيحا للقول الثاني (تخصيص العام اعني المظهر) اي المطلقات في المثال وارادة الرجعيات منه فقط(وصيرورته) اي صيرورة العام (مجازا يستلزم تخصيص المضمر) اي الضمير الذي يعود اليه (وصيرورته) اي المضمر(مثلا) للعام في كونه مجازا لانه وضع للمطابقة لما كان المرجع ظاهرا فيه (ولا كذلك العكس) وهو الاكتفاء في التخصيص بالمضمر والقول بالاستخدام (فان تخصيص المضمر) مع بقاء العام وهو المطلقات في العموم وارادة خصوص الرجعيات من الضمير العائد اليه (لا يتعدى الى العام ولا يقتضي مجازيته) اي مجازية العام (فبان) اي ظهر(ان المجاز اللازم من عدم التخصيص ارجح مما يستلزمه

٣٨٥

التخصيص لكون الاول) اي عدم التخصيص والقول بالاستخدام مجازا(واحدا والثاني) اي تخصيص العام مجازا(متعددا قلت هذا) اي كون تخصيص العام مستلزما لتخصيص الضمير وتجوّزه (مبني) على القول الآخر في وضع الضمير فان فيه قولين احدهما ان المضمر وضع لما كان المرجع ظاهرا فيه والقول الآخر انه وضع لأن يطابق لما يراد بالمرجع لا ما هو ظاهر فيه وهذا الاشكال صحيح بناء(على) القول الاول وهو (ان وضع المضمر لما كان المرجع ظاهرا فيه وحقيقة له لا) على القول الثاني وهو انه وضع لان يطابق (لما يراد بالمرجع وان كان) ما يراد من المرجع (معنى مجازيا له) اي للمرجع ولكن الضمير يستعمل فيما وضع له كما هو المختار(فانّه حينئذ) اي حين كون الضمير موضوعا لان يطابق لما كان المرجع ظاهرا فيه (يتحقق المجاز في المضمر ايضا على تقدير تخصيص العام لكونه) اي ما يراد بالمرجع (مرادا به) اي بالمضمر(بخلاف) اي دون (ظاهر المرجع وحقيقة) اي حقيقة المرجع فان حقيقة المرجع هو العموم وهو ليس بمراد(وذلك) اي كون المضمر موضوعا لظاهر المرجع (خلاف التحقيق والأظهر ان وضعه) اي وضع الضمير(لما يراد بالمرجع فاذا اريد بالعام) وهو المطلّقات في المثال (الخصوص) اي الرجعيات (لم يكن الضمير عاما ليلزم تخصيصه) اي تخصيص عموم الضمير(وصيرورته) اي الضمير(فليس هناك إلّا مجاز واحد على التقديرين) اي على التخصيص وعدمه (وما قيل) القائل هو العلامة «ره» في النهاية ترجيحا للقول الاول (من ان اللازم لعدم التخصيص) للعام (هو الاضمار) لانّا لو

٣٨٦

حملنا الظاهر في المطلّقات على عمومه للرجعيات والبائنات وجب اضمار لفظ البعض من جهة اختصاص الحكم بالرد والرجوع للرجعيات لدليل خارج (لان التقدير في الآية ح بعولة بعضهنّ وكذا في نظائرها) كما لو كان لزيد عبيد بعضهم اعراب وبعضهم أتراك فقال لعمرو بعتك عبيد هذا فعلّمهم لسان العربي (واما مع التخصيص) للعام فلا يلزم الاضمار بل (فهو) اي التخصيص (اللازم) فقط واذا دار الامر بين التخصيص للعام من دون اضمار وعدم التخصيص فيلزم الاضمار فلا بد من الرجوع الى ما هو المقرر(وقد تقرّر) في الاصول (ان التخصيص خير من الاضمار) فالمتعيّن هو القول الاول وهو التخصيص وعدم القول بالاستخدام (فضعفه ظاهر بعد ما قرّرناه) في الاحتجاج للتوقف (اذ لا حاجة) على القول بالاستخدام (الى اضمار البعض بل يتجوّز) ويرتكب بالمجاز(بالضمير عنه) اي عن البعض على سبيل الاستخدام ووجه المجازية في الضمير على مختاره لعدم كونه مطابقا لما يراد من المرجع لان المراد منه هو العموم ومن الضمير هو الخصوص على سبيل الاستخدام (فالتعارض انما هو بين التخصيص) في العام (والمجاز) في الضمير لا بين التخصيص والاضمار(والظاهر تساويهما) اي التخصيص الذي هو من المجاز ايضا والمجاز في الضمير ولا ترجيح بينهما(وان ذهب بعضهم الى رجحان التخصيص) ولكن لا وجه له وعليه فالمختار هو التوقف لتعارض المجازين ولا ترجيح ويمكن القول بعدم التعارض وتقديم الاستخدام على التخصيص لان الشك في احد التّصرفين اذا كان مسبّبا عن الآخر وكان علاج ذلك

٣٨٧

الشك باعمال اصل من الاصول فالعرف والاعتبار حاكمان بالتصرف في غير مورد العلاج فالشك في استخدام الضمير مسبّب عن الشك في عموم العام اذ لو فرض فيه التخصيص علم بعدم الاستخدام او العموم علم بوجوده وبعد جريان اصالة العموم وعلاج الشك في العموم به تعيّن التصرف في الضمير بالاستخدام (احتجّ الاولون) اي القائلون بالتخصيص (بانّ تخصيص الضمير) وارادة الرجعيات منه في المثال (مع بقاء عموم ما هو له) في المطلقات في الآية(يقتضي مخالفة الضمير للمرجوع اليه وانّه) اي مخالفة الضمير للمرجع (باطل وجوابه) اي جواب هذا الاحتجاج (منع بطلان المخالفة مطلقا) ولو بنحو المجاز والاستخدام فان مخالفة الضمير للمرجع بان يراد من المرجع شىء ومن الضمير شىء آخر بنحو المجاز والاستخدام لا اشكال فيه (كيف وباب المجاز واسع وحكم الاستخدام شايع حجة الشيخ ومتابعيه) القائلون بعدم التخصيص في العام وبالاستخدام في الضمير(ان اللفظ) اي المطلّقات في المثال (عام فيجب اجرائه على عمومه ما لم يدل على تخصيصه دليل) وغاية ما في الباب اختصاص الضمير ببعض مصاديق العام (ومجرد اختصاص الضمير العائد في الظاهر اليه) اي الى العام (لا يصلح لذلك) اي لكونه دليلا على التخصيص (لانّ كلا منهما) اي من لفظ العام والضمير(لفظ مستقل برأسه فلا يلزم من خروج احدهما عن ظاهره) وهو الضمير من جهة عدم مطابقته للمرجع (وصيرورته) اي صيرورة احدهما(مجازا وخروج الآخر) اي العام عن ظاهره (وصيرورته كذلك) اي مجازا(والجواب) عن الشيخ «ره» وتابعيه (

٣٨٨

المنع من عدم الصلاحية) للتخصيص وكيف يمكن منع صلاحيته للتخصيص (فان اجراء الضمير على حقيقته التي هي الاصل) والقاعدة(اعني المطابقة للمرجع يستلزم تخصيص المرجع) ان قلت انه على القول بالاستخدام يلزم المجازية فى الضمير فوجب التخلص عنه بتخصيص العام قلت (لكن لما كان ذلك) اي تخصيص المرجع (مقتضيا للتجوز في لفظ العام) ومحذورا آخر(فلا يجدي الفرار من مجازية الضمير) الكائنة هذه المجازية(بتقدير) اي على فرض (اختصاص التخصيص به) اي بالضمير(وبقاء المرجع على حاله في العموم) يعني ان التخلص من مجازية الضمير الناشئة من الاستخدام بتخصيص العام لا يجدي لانه مستلزم لمحذور آخر وهو المجازية في العام وهنا مجازان (ولما لم يكن ثمة وجه ترجيح لاحد المجازين على الآخر لا جرم وجب التوقف) والتحقيق ما اشرنا اليه في تضاعيف كلماتنا بانه لا تعارض بينهما لانّهما من قبيل السّبب والمسبّب وانه اذا جرى الاصل في السّبب فلا يصل النوبة الى المسبّب وهنا لما جرى اصالة العموم في ناحية العام لم يجر اصالة عدم الاستخدام ويتعين الاستخدام وهو من محسّنات البديع وان كان مجازا.

٣٨٩

(اصل) اذا تعارض العموم والمفهوم ففي تقديم المفهوم عليه وعدمه خلاف وقبل الخوض في المسألة لا بد من مقدمة وهي ان المفهوم ينقسم الى المفهوم الموافق والمفهوم المخالف والمراد بالاول هو ما توافق المفهوم والمنطوق في الايجاب والسلب وهو تارة يكون بالاولويّة واخرى بالمساواة ويعبّر عنه تارة بلحن الخطاب ايضا. كما ان المراد بالثاني هو ما تخالف المفهوم والمنطوق في ذلك وسيجىء امثلته ، اذا عرفت ذلك فاعلم انه (لا ريب في جواز تخصيص العام بمفهوم الموافقة) مثل اضرب القوم ولا تقل لأبيك اف وكان الأب من جملة القوم وهذا هو المفهوم الموافق بالأولوية واما المفهوم بالمساواة فهو يتحقق غالبا فيما اذا كانت علّة الحكم منصوصة وكان الحكم دائرا مدار العلة كما في قضية لا تشرب الخمر فانه مسكر فانها ظاهرة في ان موضوع الحرمة فيها هو المسكر وحرمة الخمر انّما هي من جهة انطباق العنوان عليه فيجري الحكم حينئذ الى كل مسكر ثم ان وجه تقدم المفهوم على العام سواء كان النسبة بين العام والمفهوم عموما من وجه كما في قولك لا تكرم الفسّاق واكرم خدام العلماء المتعارضين في العالم الفاسق او كان المفهوم اخص كما اذا قيل اكرم خدّام العالم الفاسق واضح اما الاول فلانّ المفهوم هنا قضية لبيّة لا يمكن التصرف فيها بنفسها بالتخصيص بل يتبع المنطوق فلا بد اما

٣٩٠

من تخصيص العام بغير العلماء واما من التصرف في المنطوق بأن يقال ان اكرم خدّام العلماء لا يراد منه وجوب اكرام الخدّام باخراجه عن الظاهر بالمرّة اذ على تقديره لا معنى للمنع من ثبوت الحكم للمفهوم لاستقلال العقل بثبوت الحكم على وجه الاولوية نظير استقلال العقل بوجوب المقدمة بعد وجوب ذيها ولا يعقل القول ببقاء الدليل على الوجوب مع المنع عن وجوب المقدمة لرجوع ذلك الى منع الملازمة بين الوجوبين والمفروض ثبوتها فتعيّن التخصيص وهذا هو الوجه في اطباقهم على التخصيص هنا دون المفهوم المخالف لانه وان شاركه فيما ذكر من عدم تعقل التصرف في المفهوم إلّا ان منع ظهور اللفظ في العلة المنحصرة ليس بتلك المثابة من البعد وقد ظهر مما ذكرنا وجه الثاني ايضا فتدبر.

والحاصل ان تقديم المفهوم الموافق على العام بوجهين ، اولهما دوران الامر بين التصرف في العام او في المنطوق والاول اولى ، والثاني ان اللفظ فيه مسوق لبيانه فظهوره في المفهوم اقوى من ظهور العام في العموم وبهذا الاخير يمتاز عن المفهوم المخالف بالوفاق والخلاف. ثم لا يخفى ان دعوى عدم الريب كما عن المصنف قدس‌سره والاتفاق كما عن صاحب الكفاية «ره» لا وجه له فان هذه المسألة ايضا خلافية كما هو المستفاد من عبارة العضدي ثم ان الاتفاق في امثال هذه المسائل لا يستكشف منه قول المعصوم عليه‌السلام فلا حجية فيه.(وفي جوازه) اي التخصيص بالعام (بما) اي بالمفهوم الذي (هو حجة) كمفهوم الشرط ومفهوم الغاية مثلا ، مثل اكرم القوم واكرمهم

٣٩١

ان كانوا عالمين (من مفهوم المخالفة خلاف والاكثرون على جوازه) اي جواز التخصيص (وهو الاقوى لنا انه) اي المفهوم المخالف (دليل شرعي عارض مثله) يعني ان المنطوق والمفهوم دليلان تعارضا ولا بد من العمل بهما(وفي العمل به) اي بالتخصيص (جمع بين الدليلين فيجب) اي العمل ويتعيّن لكونه اولى من الطرح وفيه ان الجمع كما يمكن بالغاء العموم كذلك يمكن بالغاء المفهوم فيحتاج ترجيح الاول الى المرجّح فدعوى انه طريق جمع لا يعيّنه لان الثاني ايضا طريق جمع (احتج المخالف) اي القائل بعدم التخصيص (بان الخاص انما يقدّم على العام) والمراد من التقدم حمل العام عليه (لكون دلالته) اي دلالة الخاص (على ما تحته اقوى من دلالة العام على خصوص ذلك الخاص) اذ العام يحتمل عدم تناوله وشموله لذلك الخاص لإمكان تخصيصه بغيره بخلاف الخاص فانه لا احتمال فيه (وارجحيّته الاقوى ظاهرة) وواضحة(و) لكن من الأسف (ليس الأمر هاهنا) اي فما نحن فيه (كذلك) اي ليس الخاص هنا اقوى حتى يقدم بل الامر بالعكس (فان المنطوق) اي العام (اقوى دلالة من المفهوم وان كان المفهوم خاصا فلا يصلح) اي المفهوم (لمعارضته) اي لمعارضة العام (وح) اي حين اذ لم يكن الخاص اقوى (فلا يجب حمله) اى حمل العام (عليه) اي على الخاص (والجواب منع كون دلالة العام بالنسبة الى خصوصية الخاص اقوى من دلالة مفهوم المخالفة مطلقا) اي في جميع صور المفهوم لان المفهوم وان كان بمقتضى طبعه اضعف من المنطوق على المشهور خلافا لوالدي قدس‌سره حيث لم يفرّق بين

٣٩٢

المنطوق والمفهوم بناء على حجيته في الدلالة إلّا انه ما لم يعرضه جهة تجعله اقوى دلالة واشد ظهورا وهي اخصية المدلول واضيقيته بالنسبة الى مدلول العام وإلّا فهو ادل واظهر(بل التحقيق ان اغلب صور المفهوم التي هي حجة) كمفهوم الشرط والغاية(او كلها) اي كل صور المفهوم (لا يقصر في القوة من دلالة العام على خصوصيات الافراد سيما بعد شيوع تخصيص العموميات) هذا لا يناسب بما اختاره من التخصيص لان غاية ما حققه دعوى المساواة ولا ترجيح ومقتضاه التوقف لا التخصيص فتدبر جيدا فالحق ما ذكرناه في وجه التخصيص والتحقيق ان المسألة من باب تعارض المطلق والمقيد وحكمه حمل المطلق على المقيد بعد احراز وحدة الحكم والعجب من صاحب الكفاية «ره» حيث فصل بين كون ما له المفهوم متصلا بالكلام او كالمتصل وبين غيره ولكنه جعل حكم الشقين واحدا وعلى هذا فيكون تفصيله وتشقيقه لغوا اذ التفصيل انما يحسن فيما اذا اختلف الشقان بحسب الحكم فراجع.

٣٩٣

(اصل لا خلاف فى جواز تخصيص الكتاب) بالكتاب و (بالخبر المتواتر) كالعكس (ووجهه ظاهر ايضا) من دون ريب وخلاف (واما تخصيصه) اي تخصيص الكتاب (بالخبر الواحد على تقدير) الحجية(والعمل به) اي بالخبر ففيه اقوال : الجواز مطلقا ، وعدمه كذلك ، والتفصيل بين ما خص اولا الجواز والعدم في صورة العدم (فالأقرب) هو الاول اعني (جوازه) اي جواز التخصيص بالخبر الواحد(مطلقا) اي سواء خصّ من قبل بدليل قطعي ام لا(وبه قال العلامة وجمع من العامّة وحكى المحقق «ره» عن الشيخ وجماعة منهم) اي من العامة(انكاره مطلقا وهو) اي الانكار على الاطلاق (مذهب السيّد «ره») وهذا هو القول الثاني الذي ذكرناه وهذا مبني على القول والتسليم بحجية الخبر الواحد وإلّا فهو «ره» منكر لاصل الحجية ويستفاد ذلك من كلامه (فانه قال في اثناء كلامه على انّا لو سلمنا ان العمل) بخبر الواحد(قد ورد الشرع به) يعني لو جاز العمل بالخبر الواحد(لم يكن فى ذلك دلالة على جواز التخصيص به) اي بالخبر الواحد وبذلك يظهر فساد ما في تقريرات الشيخ الانصاري قدس‌سره حيث قال ولعل منع السيد «ره» مبني على أصله من انكار حجيّة الخبر فراجع.(ومن الناس من فصل فاجازه ان كان العام قد خصّ من قبل بدليل قطعي) فيوجب ذلك وهن العام (متصلا كان) المخصص (او منفصلا) وهنا

٣٩٤

قول رابع وتفصيل آخر(و) هو انه (قيل ان كان العام قد خص بدليل منفصل سواء كان قطعيا ام ظنيا) وسيجىء الاستدلال بذينك التفصيلين (وتوقف بعض) وهذا قول خامس في المسألة(واليه) اي الى التوقف (يميل المحقق لكنه) اي المحقق (بناه) اي بنى التوقف (على منع كون الخبر الواحد دليلا على الاطلاق) اي ليس الخبر الواحد حجة ودليلا مطلقا حتى فيما اذا يعارض بما هو اقوى كالعام القرآني وذلك (لان الدلالة) والدليل (على العمل به) اي بالخبر الواحد(الاجماع على استعماله) وحجيته (فيما لا يوجد عليه دلالة فاذا وجدت الدلالة القرآنية) على شىء(سقط وجوب العمل به) اي بالخبر الواحد وفيه ان المستفاد من بناء المحقق «ره» نفي التخصيص لا التوقف فافهم والمختار جواز التخصيص في الخبر الواحد والدليل (لنا انهما) اي العام والخاص (دليلان تعارضا فإعمالهما ولو من وجه) من الوجوه (اولى) من طرحهما او من طرح احدهما(ولا ريب ان ذلك) اي الاعمال (لا يحصل إلّا مع العمل بالخاص) فقط على نحو الحقيقة فيه وارتكاب المجاز فى العام بارادة بعض افراده وهذا وجه آخر في الجمع بين الدليلين بارتكاب المجاز في الخاص بارادة غير ما هو ظاهر فيه مع بقاء العام في عمومه وحقيقته وعلى هذا لا يصح قوله ان ذلك لا يحصل إلّا الخ (اذ لو عمل بالعام) من دون تخصيصه بالخبر الواحد(لبطل الخاص ولغي بالمرة) والعمدة الاستدلال عليه باستقرار سيرة الاصحاب من زمن النبي (ص) الى زماننا هذا على العمل بالخبر الواحد مع انك لا تجد خبرا الا ويوجد على خلافه عام كتابي ولم يرد عن صاحب الشرع ولا عن اهل البيت

٣٩٥

عليهم‌السلام ردع عن هذه السيرة(احتجّوا للمنع) اي لمنع تخصيص الكتاب بالخبر الواحد(بوجهين احدهما ان الكتاب قطعي) صدورا(وخبر الواحد ظنّي) سندا(والظن لا يعارض القطع لعدم مقاومته) اي الظنّ (له) اي للقطع (فيلغى) اي الظن والخبر الواحد(والثاني) من الوجهين (انه لو جاز التخصيص به) اي بالخبر الواحد(لجاز النسخ) بالخبر الواحد(ايضا والتالي) اي النسخ بالخبر الواحد(باطل اتفاقا فالمقدم) اي التخصيص بالخبر الواحد(مثله) اي مثل النسخ (بيان الملازمة ان النسخ نوع من التخصيص) فان التخصيص على قسمين فيكون تارة تخصيصا في الازمان فقط واخرى تخصيصا مطلقا اعم من الازمان والافراد والنسخ يختص بالاول (فانه تخصيص في الازمان) فقط(و) هذا بخلاف الثاني لان (التخصيص المطلق اعم منه) اي من الاول كما ذكرناه وعلى هذا(فلو جاز التخصيص بخبر الواحد لكانت العلة) في التخصيص (اولوية تخصيص العام على الغاء الخاص وهو) اي العلة المذكورة وتذكير الضمير باعتبار الخبر(قائم في النسخ) وليس فليس (والجواب عن) الوجه (الاول) للمنع بعد النقض بجواز تخصيص الخبر المتواتر بخبر الواحد مع ان المتواتر قطعي كالكتاب وخبر الواحد ظني لا قطعي (ان التخصيص وقع في الدلالة) اي في دلالة الكتاب لا في صدروه لان صدوره قطعي (لانه) اي التخصيص (دفع للدلالة في بعض الموارد) اي في بعض افراد العام (وهي) اي الدلالة(ظنية وان كان المتن) والصدور(قطعيا فلم يلزم ترك القطعي بالظني) كما ادعاه الخصم حتى لا يجوز(بل هو) اي

٣٩٦

التخصيص (ترك الظني) اي الدلالة الظنية(بالظني وبتقرير آخر وهو ان عام الكتاب وان كان قطعي النقل) والصدور(لكنه ظني الدلالة) غالبا كما مر منّا مرارا(وخاص الخبر) اي الخبر الخاص (وان كان ظنّي النقل) غالبا(لكنه قطعي الدلالة) غالبا(فصار لكل قوة من وجه) وضعف من وجه (فتساويا فتعارضا فوجب الجمع بينهما) بتخصيص الكتاب بالخبر الواحد والتحقيق ان يقال ان الامر يدور بين اصالة العموم في الكتاب وبين دليل سند الخبر والخبر بدلالته وسنده صالح للقرينة والتصرف في اصالة العموم في الكتاب اما بدلالته فلأنه اظهر واقوى اذ المفروض انه خاص وذاك عام واما بسنده فلأنه حجّة معتبرة بلا كلام اذ المفروض ثبوت اعتباره بدليل خاص قطعي بخلاف اصالة العموم في الكتاب فانها غير صالحة لرفع اليد عن دليل اعتباره (و) الجواب (عن) الوجه (الثاني ان الاجماع) والاتفاق (الذي ادعيتموه) في النسخ (هو الفارق بين) عدم جواز(النسخ) بالخبر الواحد(و) جواز(التخصيص) بالخبر الواحد اولا وبأن التخصيص اغلب وأشيع وارجح من النسخ لكمال وضوح ندرته وغلبة التخصيص ثانيا(على ان التخصيص اهون) واسهل (من النسخ) ثالثا لانه دفع لبعض المدلول قبل العمل به والسنخ رفع للمدلول المعمول عليه (فلا يلزم من تأثير الشىء) اي الخبر الواحد(في الضعيف) اي في الرفع كما في التخصيص (تأثيره) اي الخبر الواحد(في القوى) اي في الدفع كما في النسخ (فليتأمل حجّة المفصلين ان الخاص ظنّي) الصدور(والعام قطعي) الصدور(فلا تعارض إلّا ان يضعف العام وذلك) التضعيف (

٣٩٧

عند الفرقة الاولى) يكون هكذا (بأن يدل دليل قطعي على تخصيصه) بأن يخصص اولا بالدليل القطعي (فيصير) العام (مجازا) في الباقي (و) التضعيف (عند الفرقة الثانية) يكون بهذا النحو (بان يختص بمنفصل لأن التخصيص بالمنفصل مجاز عندها) اي عند الفرقة الثانية والدلالة المجازية اضعف من الدلالة الحقيقة كما يأتي في باب التراجيح (دون المتصل والقطعي يترك بالظنّي اذا ضعف بالتجوز اذ لا يبقى) العام (قطعيا) في الدلالة(لأن نسبته) اي نسبة العام (الى جميع مراتب التّجوز بالجواز سواء وان كان) العام (ظاهرا في الباقي) بعد التخصيص ومع ذلك مراتب المجاز مختلفة وكل منها محتمل المراد(فارتفع مانع القطع) من جهة التخصيص فلا مانع من التخصيص ثانيا بالخبر الواحد(والجواب) اولا ان بين صدر الاستدلال وذيله تهافت فان صدره يعطي ان نظر المستدل من القطعية والظنية الى الصدور لا بالدلالة وآخره يعطى الى الدلالة حيث قال فيصير مجازا وثانيا(بمثل ما تقدم فان التخصيص يقع في الدلالة وهي ظنية فلا تنافيه) اي بالتخصيص (قطعية المتن) والصدور(واحتج المتوقف بانّ كلا منهما) اي من العام والخاص (قطعي من وجه) والعام قطعي من جهة الصدور والخاص من جهة الدلالة(وظني من آخر) والعام من جهة الدلالة والخاص من جهة الصدور(كما ذكرناه فوقع التعارض) ولا ترجيح بينهما(فوجب التوقف والجواب) بمنع المرجّح وقد(يرجّح الخبر) والوجه في ذلك (بان في اعتباره) اي في اعتبار الخبر(جمعا بين الدليلين واعتبار الكتاب) دون الخبر(ابطال

٣٩٨

للخبر بالكليّة والجمع) باعمال الخبر الواحد(اولى من الابطال) بوسيلة اعمال الكتاب (هذا) اي خذ ذا(ودفع ما قاله المحقق هنا يعلم مما نذكره في محله إن شاء الله تعالى خاتمة في بناء العام على الخاص اذا ورد عام وخاص متنافيا الظاهر) اي في الحكم بأن يشتمل احدهما على حكم ايجابي والآخر على سلبي مثل اكرم العلماء ولا تكرم فسّاقهم واما المتوافقان في الحكم كقولك اكرم العلماء ، اكرم العلماء النحويين فيجب العمل بهما إلّا ان حكم البعض وقع مرتين اما لكثرة الاهتمام به او لغرض آخر ولا خلاف في ذلك وعليه فالاقسام اربعة(فاما ان يعلم تاريخهما او لا والاول اما مقترنان) في زمان الورود كما اذا وردا من معصومين في زمان واحد(اولا والثاني) اي عدم المقارنة مع معلومية التاريخ (اما ان يتقدم العام او الخاص فهذه اقسام اربعة) ثلاثة منها المعلوم التاريخ وواحدة مجهولة(الاول ان يعلم الاقتران) العام والخاص زمانا كما ذكرنا(ويجب ح بناء العام على الخاص) والقول بان المراد من العام غير الفسّاق في المثال المذكور(بلا خلاف يعبأ به) اي يعتمد عليه الا عن بعض الحنفية(الثاني ان يتقدم العام) وهو على قسمين وقد يكون بعد حضور وقت العمل بالعام وقد يكون قبله (فان كان ورود الخاص بعد حضور وقت العمل بالعام كان) الخاص (نسخا له) اي للعام لأن التخصيص انما هو دفع الحكم في بعض الافراد وبيان لعدم ثبوته وارادته حين الخطاب بالعام وورد الخاص بعد حضور وقت العمل يقتضي ثبوت العمل في جميع افراده وكونه مرادا بتمامه والخاص يرفعه وهذا معنى النسخ (

٣٩٩

وان كان ورود الخاص قبله) اى قبل حضور وقت العمل (بنى على جواز تأخير بيان العام) من زمان خطاب العام (فمن جوّزه) اي تأخيره بيان العام (جعله) اي جعل الخاص (تخصيصا وبيانا له) اي للعام (كالاول) اي كما في صورة الاقتران (وهو) اي جواز التأخير وكونه مخصصا(الحق وغير المجوز) بتأخير البيان على قولين (بين قائل بانّه) اي الخاص (يكون ناسخا وهو من لا يشترط في جواز النسخ حضور وقت العمل) يعني انه يقول ان النسخ يجوز مطلقا(وبين رادّ له) اي للنسخ لانتفاء شرط التخصيص والنسخ عندهم اعني المقارنة ووقوع الخاص بعد حضور وقت العمل بالعام ومرجع هذا الى رد الخاص بالكلية(وهم المانعون من النسخ قبل حضور وقت العمل وسيأتي تحقيق ذلك. الثالث) من الصور الاربعة(ان يتقدم الخاص والاقوى ان العام يبنى عليه) اي على الخاص يعني ان الخاص يكون مخصصا له (وفاقا للمحقق والعلامة واكثر الجمهور) من العامة(وقال قوم انه) اى العام المتأخر(يكون ناسخا للخاص ح) اي حين تقدم الخاص (وعزاه) اي نسب هذا القول (المحقق الى الشيخ «ره» وهو الظاهر من كلام علم الهدى «ره» وصريح ابي المكارم بن زهرة لنا انهما) اي الخاص المتقدم والعام المتأخر(دليلان تعارضا والعمل بالعام يقتضي الغاء الخاص اذا كان وروده) اي العام (قبل حضور وقت العمل به) اي بالخاص (و) يقتضي (نسخه) اي نسخ الخاص (ان كان) ورود العام (بعده) اي بعد حضور وقت العمل (ولا كذلك العمل بالخاص) اي ليس العمل بالخاص مثل العمل بالعام (فانه) اي العمل بالخاص (يقتضي دفع

٤٠٠