أجود الشروح في شرح معالم الدين في الأصول

الشيخ محسن الدوزدوزاني التبريزي

أجود الشروح في شرح معالم الدين في الأصول

المؤلف:

الشيخ محسن الدوزدوزاني التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة انتشارات دار العلم
المطبعة: مطبعة القدس
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٠٤

يعلم ابراهيم الخ (بالمنع من تكليف ابراهيم بالذبح الذي هو فري) وقطع (الاوداج) وهو جمع الودج بمعنى العرق في الحلقوم (بل كلف بمقدماته كالاضجاع) يقال ضجع الرجل اي وضع جنبه بالارض فيكون معنى الاضجاع بالفارسية «پهلو خوابانيدن» (وتناول المدية وما يجري مجرى ذلك) من جعله الى القبلة ونحو ذلك (والدليل على هذا) اي الدليل على انه مكلف بالمقدمات (قوله تعالى (وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا)) اي امتثلت به يعني ان هذه الآية الشريفة تدل على كون ابراهيم مكلفا بالمقدمات لا نفس الذبح لان تصديق الرؤيا عبارة عن ايجاد ما رآه في المنام في الخارج مع انه لم يوجد في الخارج إلّا فعل المقدمات فيكون هو المكلف به لا غير ان قلت ان المطلوب اذا كان هو المقدمات فلا معنى لجزع ابراهيم عليه‌السلام حينئذ قلت (واما جزعه فلإشفاقه من ان يؤمر) اي فلخوفه لان الاشفاق اذا استعمل مع من يكون بمعنى الخوف واما اذا استعمل مع على فيكون بمعنى العطوفة نحو اشفقت على الصغير اي عطفت عليه (بعد مقدمات الذبح به نفسه) اي بالذبح نفسه (لجريان العادة بذلك) اي بالامر على الفعل بعد الامر على المقدمات ان قلت اذا كان المأمور به هو المقدمات وبعد الاتيان بها لا معنى لاتيان الفداء قلت : (واما الفداء فيجوز ان يكون عما ظن) ابراهيم عليه‌السلام (انه سيؤمر من الذبح) هذا بيان لما يؤمر(او عن مقدمات الذبح) وهذا عطف على قوله عما ظن (زيادة على ما فعله ولم يكن قد امر بها) ان قلت ان الفداء لا يجوز بدلا عن بعض المقدمات الغير المأمور به لعدم كونها من جنس واحد بخلاف كونه فداء عن ذبح

٢٠١

الولد لاتحادهما في الجنس قلت فلا نسلم ذلك (اذ لا يجب في الفدية ان يكون من جنس المفدي) هذا ولا يخفى أنّ ما ذكره يخالف لظاهر قوله تعالى (إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى) فان الظاهر منه كون المأمور به هو نفس الذبح وحمله على ارادة المقدمات مجاز وجعل قوله تعالى (قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا) قرينة عليه حسب ما ادعاه ليس باولى من العكس لكن يمكن ان يقال ان دوران الامر بين الوجهين كاف في رفع الاستدلال نظرا الى قيام الاحتمال (وعن الرابع انه لو سلم) ان المصلحة تنشأ تارة من نفس الامر كما تنشأ اخرى عن المأمور به (لم يكن الطلب هناك للفعل) المأمور به (لما قد علم) الامر(من امتناعه بل) الامر هناك (للعزم على الفعل والانقياد اليه) الى الفعل المأمور به (والامتثال) للفعل المأمور به (و) الحال انه (ليس النزاع فيه بل في نفس الفعل) وفيه نظر اما اولا فلأنّ قوله لو سلم يغاير ما عليه عامة الناس بامكانه وجوازه وثانيا فلأنّ جعل النزاع فيما اذا كان المطلوب نفس الفعل يغاير لعنوان المسألة ويخالف لما هو محل النزاع بين القوم فان محل النزاع انما هو في مجرد تعلق الامر بما علم انتفاء شرطه فافهم جيدا(واما ذكر فيه من المثال) اعني قوله ان السيد قد يستصلح الخ والانسان قد يقول لغيره وكّلتك الخ (فانما يحسن) ويصح (لمكان التوصل الى تحصيل العلم) للأمر(بحال العبد والوكيل وذلك) اي تحصيل العلم (ممتنع في حقه تعالى) فيه نظر لانه وان لم يعقل التوصل بذلك الى تحصيل العلم بالنسبة الى الله تعالى إلّا انه يمكن ان يكون ذلك لمصالح أخر كاظهار حالة على غيره أو ايصال النفع اليه بالعزم على الطاعة وكيف كان لو كان

٢٠٢

المراد الامر الصوري مع العلم بانتفاء الشرط ولو كان هذا الأمر لا بداعي البعث الحقيقي الممتنع مع العلم بعدم الشرط بل بدواع أخر فلا اشكال في الجواز ولو كان المراد البعث الحقيقي بداعي الانبعاث نحو الفعل مع العلم بانتفاء شرط الفعل فلا اشكال في الامتناع لرجوع القول بالجواز حينئذ الى وجود المشروط مع عدم وجود شرطه وهو مما لا يصدر عن عاقل فضلا عن عالم ولذلك ربما يقال يكون النزاع بين القوم لفظيا فالقائل بالجواز مراده جواز الامر الصوري بدواع أخر لا بداعي البعث الحقيقي المستلزم للعقوبة على المخالفة ثبوتا ومراد القائل بالامتناع هو البعث الحقيقي نحو الفعل بداعي انبعاث العبد حقيقة اليه وعلى هذا يرتفع النزاع من البين من غير ثمرة له ويصير النزاع لفظيا كما لا يخفى.

٢٠٣

(اصل) اختلفوا في انه اذا نسخ الوجوب المدلول عليه بالأمر فهل تبقى الدلالة معه على الجواز أو لا تبقى معه الدلالة بل يرجع الى الحكم الذي كان قبل الامر او يرجع الى الاصل المحكم في المسألة كما عليه بعض المحققين أقوال والمراد بنسخ الوجوب على ما هو ظاهر العنوانات والمصرح به في بعض العبارات هو الواقع بلفظ نسخت الوجوب ونحوه فلو صرح بنسخ مجموع مدلول الامر او حرم الشيء الواجب سابقا فلا اشكال في عدم بقاء الجواز ولا نزاع فيه هذا(والاقرب عندي ان نسخ مدلول الامر وهو الوجوب لا يبقى معه) اي مع النسخ (الدلالة) اي دلالة صيغة الامر(على الجواز بل يرجع الى الحكم الذي كان قبل الامر) من البراءة او الاباحة او التحريم بالنظر الى الموارد مثل ان يكون من العبادات فيحرم لكونها تشريعا بدون الاذن او العادات والتلذذات مثل النوم والحركة والجلوس والاكل والشرب فيكون مباحا او المعاملات فيختلف بالنسبة الى الاقوال فيها(وبه) اي بالرجوع الى الحكم السابق (قال العلامة «ره» في النهاية وبعض المحققين من العامة وقال اكثرهم) اي اكثر العامة(بالبقاء) على الجواز(وهو مختاره) اي مختار العلامة(في التهذيب) والدليل (لنا ان الامر انما يدل على الجواز بالمعنى الاعم اعني الاذن في الفعل فقط وهو قدر مشترك بين الوجوب والندب والاباحة والكراهة فلا تتقوم) اي الاذن في

٢٠٤

الفعل الذي هو الجنس للاحكام (إلّا بما فيها) اي في الاحكام الاربعة(من القيود ولا يدخل) اي الاذن في الفعل (بدون ضم شيء منها) اي من القيود والفصول اليه (في الوجود) يعني لا يتحقق في الخارج الا بهما وتحقيقه ان الجنس لا يتقوم ولا يتحصل إلّا بأحد فصوله اي لا يوجد له وجود خارجي من حيث هو هو بدون اعتبار احد الفصول بل وجوده وقوامه فى ضمنها كالحيوان مثلا فانه جنس وله فصول كالناطق والناهق والصاهل وليس له وجود في الخارج الا في ضمن احدها ومن هذا القبيل مدلول الامر اي الاذن في الفعل اذ هو جنس وفصله المنع من الترك في الوجوب وعدم المنع من الترك اي الاذن في الترك في الندب والاباحة والكراهة وحيث رفع النسخ هذا الفعل اي المنع من الترك اعني الوجوب بقي الاذن في الفعل بدون الفصل وهو بدونه ليس بموجود(فادعاء بقائه) اي الاذن في الفعل (بنفسه بعد نسخ الوجوب غير معقول والقول بانضمام) الفصل الآخر(اعني الاذن في الترك اليه) أي الى الجنس (باعتبار لزومه) أي الاذن في الترك (لرفع المنع من الترك) ولانه لولاه للزم ارتفاع النقيضين فافهم (الذي اقتضاه) اي اقتضى رفع المنع من الترك (النسخ) فاعل لقوله اقتضى (موقوف) خبر لقوله والقول بانضمام الخ (على كون النسخ متعلقا بالمنع من الترك) فقط(الذي هو جزء مفهوم الوجوب دون المجموع) اي الاذن في الفعل مع المنع من الترك (وذلك) اي كون النسخ متعلقا بالجزء الاخير الذي هو المنع من الترك (غير معلوم اذ النزاع في النسخ الواقع بلفظ نسخت الوجوب ونحوه) اي رفعت الوجوب ونحو ذلك (وهو) اي نسخت

٢٠٥

وامثاله (كما يحتمل) تارة(التعلق بالجزء الذي هو المنع من الترك) وبعبارة اخرى كما يحتمل ان يكون النسخ راجعا الى الجزء الاخير اعني المنع من الترك فقط(لكون رفعه) اي رفع الجزء الاخير(كافيا في رفع مفهوم الكل) ويقوم مقامه نقيضه اعني الاذن في الترك حتى حصل من الارتفاع وقيام النقيض مقامه بقاء الجواز(كذلك يحتمل التعلق) اي تعلق النسخ (بالمجموع) اي بمجموع الجنس والفصل اي الاذن فى الفعل مع المنع من الترك تارة(و) اخرى (بالجزء الآخر الذي هو رفع الحرج) والكلفة(عن الفعل) وهو الجنس فقط اعني الاذن في الفعل (كما ذكره) اي التعلق بالجزء الاول (البعض وان كان) تعلقه بالجزء الذي هو الجنس (قليل الجدوى لكونه) اي التعلق بالاول (راجعا في الحقيقة الى التعلق بالمجموع) لان من ارتفاعه يلزم ارتفاع الجميع وحاصله ان هنا احتمالات ثلاث التعلق بالجزء الاخير فقط والتعلق بالمجموع والتعلق بالجزء الاول اعني الجنس فقط وما يفيد للخصم هو الاول ومع وجود الاحتمالين الاخيرين لا مجال للاستدلال وينهدم به (احتجوا) اي القائلون ببقاء الجواز(بان المقتضي للجواز) اعني الامر كما هو المصرح به في بعض الكلمات (موجود والمانع منه) اي من الجواز(مفقود فوجب القول بتحققه) اي بتحقق الجواز(اما الاول) اي وجود المقتضي للجواز(فلان الجواز) اي الاذن في الفعل (جزء من) ماهية(الوجوب) لان ماهية الوجوب هي الاذن في الفعل مع المنع من الترك وعلى هذا(والمقتضي للمركب) اي المقتضي للاذن في الفعل مع المنع من الترك اعني الامر كما مر(مقتض لاجزائه) اي اجزاء

٢٠٦

المركب (واما الثاني) اي فقدان المانع من الجواز(فلان الموانع كلها منتفية بحكم الاصل) اي اذا شك في المانع فالاصل عدمه (و) كما هو (الفرض) وعلى اي حال ليس المانع بالاصل والفرض (سوى نسخ الوجوب) يعني قول القائل نسخت الوجوب ونحوه (وهو) اي نسخ الوجوب (لا يصلح للمانعية) عن الجواز(لان الوجوب ماهية مركبة) من الجزءين (والمركب يكفي في رفعه رفع احد اجزائه) اي احد اجزاء المركب وحينئذ(فيكفي في رفع الوجوب) في المقام (رفع المنع من الترك الذي هو جزئه وحينئذ) اي حين الاكتفاء برفع المركب برفع احد الاجزاء(فلا يدل نسخه) اي نسخ الوجوب على ارتفاع الجواز اي الجنس ثم اورد القائل بالجواز لنفسه اشكالا بقوله (فان قيل لا نسلم عدم مانعية نسخ الوجوب لثبوت الجواز) بل نسخ الوجوب مانع عن بقاء الجواز(لان الفصل) اي المنع من الترك (علة لوجود الحصة التي معه) اي مع الفصل (من الجنس) بيان للحصة(كما نص عليه) اي على كون الفصل علة للجنس (جمع من المحققين) وعلى هذا(فالجواز الذي هو جنس للواجب وغيره) اي الندب والاباحة والكراهة(لا بد لوجوده) اي لوجود الجواز(في الواجب من علة وهي الفصل له) اي للجواز(وذلك) اي العلة التي هي الفصل له (هو المنع من الترك فزواله مقتض لزوال الجواز لان المعلول) وهو في المقام عبارة عن الاذن في الفعل (يزول بزوال علته فثبت مانعية النسخ لبقاء الجواز) فاجاب عن الاشكال بقوله (قلنا هذا) اي كون الفصل علة للجنس (مردود من وجهين احدهما ان الخلاف واقع في كون الفصل علة للجنس فقد انكره) اي كون الفصل علة

٢٠٧

(بعضهم وقال) هذا البعض (انهما) اي الجنس والفصل كليهما(معلولان لعلة واحدة) وهي هنا الامر(وتحقيق ذلك) اي كون الفصل علة ام لا(يطلب من مواضعه وثانيهما انا وان سلمنا كونه علة له) اي كون الفصل علة للجنس ومعنى علّية الفصل للجنس كون وجود الجنس مستندا الى وجود الفصل بأن يكون المتأصل في الخارج هو الفصل ويكون الجنس موجودا بوجود الفصل تبعا له لاتحاده به فهناك وجود واحد ينسب الى الفصل اصالة والى الجنس تبعا وهما متحدان بحسب الوجود(فلا نسلم ان ارتفاعه) اي ارتفاع الفصل (مطلقا) سواء يقوم مقامه فصل آخر او لا(يقتضي ارتفاع الجنس بل انما يرتفع) الجنس (بارتفاعه) اي بارتفاع الفصل (اذا لم يخلفه فصل آخر) اي اذا لم ينب مقام الفصل الاول فصل آخر(وذلك لان الجنس انما يفتقر الى فصل ما) من الفصول (ومن البين ان ارتفاع المنع من الترك) الذي هو الفصل للوجوب (مقتض لثبوت الاذن فيه) بمقتضى ما تقدم منا من امتناع ارتفاع النقيضين وهو فصل آخر للجنس الذي هو الجواز والحاصل ان للجواز قيدين احدهما المنع من الترك والآخر الاذن فيه اي في الترك لكن هو مع القيد الاول اعنى المنع من الترك عبارة عن الوجوب وقسيم لاخوانه ومع القيد الآخر جنس للندب والكراهة والاباحة بالمعنى الاخص (فاذا زال الاول) اي فصل الوجوب (خلفه الثاني) اي الاذن في الترك لان الثاني نقيض الاول ورفع احد النقيضين يستلزم ثبوت الآخر لان زيدا الموجود اذا لم يثبت له عدم الضرب فقد ثبت له الضرب فافهم (ومن هنا يظهر انه ليس المدعى ثبوت الجواز بمجرد الامر

٢٠٨

بل به) اي بالامر وبالناسخ فجنسه اي جنس الجواز(بالاول) اي بالامر(وفصله بالثاني) اي بالنسخ وحاصله ان الامر اقتضى الجزءين احدهما الجنس والآخر الفصل وبعد نسخ الوجوب زال الجزء الآخر وبقي الاول واقتضى القول النسخ وجوب فصل آخر له وهو الاذن في الترك فتركب الجواز من الجنس والفصل حينئذ وهذا معنى قوله فجنسه بالاول وفصله بالثاني ان قلت : القول بانه اذا نسخ الوجوب بقي الجواز مطلق وظاهره استقلال الامر به اي بالجواز قلت (ولا ينافي هذا) اي القول بان الجنس بالامر والفصل بالنسخ (اطلاق القول بانه) متعلق للاطلاق (اذا نسخ الوجوب بقي الجواز) ووجه التنافي (حيث ان ظاهره) اي ظاهر هذه العبارة(استقلال الامر به) اي بالجواز والحال انه ليس كذلك واما وجه عدم التنافي (فان ذلك) اي هذا القول بانه اذا نسخ الوجوب الخ (توسع في العبارة واكثرهم مصرحون بما قلنا) اي بعدم التنافي ثم اورد ايضا على نفسه بقوله (فان قيل لما كان رفع المركب يحصل تارة برفع جميع اجزائه) اي بالجنس والفصل في المقام (واخرى برفع بعضها) اي بالفصل وحده (لم يعلم بقاء الجواز بعد رفع الوجوب لتساوي احتمال رفع البعض) اي الفصل وحده (الذي يتحقق معه) اي مع رفع البعض (البقاء ورفع الجميع) اي الجنس والفصل (الذي معه) اي مع رفع الجميع (يزول) ثم اجاب بقوله (قلنا) هذا صحيح ولكن (الظاهر يقتضي البقاء) اي بقاء الجواز(لتحقق مقتضيه) اي مقتضى الجواز

٢٠٩

اعني الامر كما مر(اولا) فاذا شك في البقاء(فالاصل استمراره) اي استمرار الجواز(فلا يدفع بالاحتمال) اي باحتمال تعلق النسخ بالجميع (وتوضيح ذلك ان النسخ انما توجه الى الوجوب) قطعا(والمقتضى للجواز هو الامر فيستصحب الى ان يثبت ما ينافيه وحيث ان رفع الوجوب يتحقق برفع احد جزئيه لم يبق لنا سبيل الى القطع بثبوت المنافي فيستمر الجواز ظاهرا وهذا) اي عدم القطع بالمنافي والحكم باستمرار الجواز(معنى ظهور بقائه) في قولنا الظاهر يقتضي البقاء ويرد عليه ان مرادكم من وجود المقتضي هل وجوده بعد ورود النسخ ايضا كما هو كان موجودا قبل ورود النسخ ففيه ان الوجوب بناء على كونه الطلب الاكيد كما هو الحق امر واحد بسيط وقد ارتفع بالنسخ فأين المقتضي وكذا بناء على القول بكونه مركبا من الجواز والمنع من الترك لان دلالة الامر حينئذ على الجواز الموجود في ضمن الوجوب بالتضمن ولا يتصور بقائه مع ارتفاع الدلالة المطابقية فيحتاج الى اثبات دلالة الامر بالدلالة المطابقية بعد النسخ على الجواز القائم بفعل آخر ومن المعلوم ان هذه الدلالة غير الدلالة السابقة فلا بد من اثباتها هذا كله على تقدير ارادة بقاء المقتضي بعد النسخ ولعله الظاهر من اول استدلاله وان كان مراده وجود المقتضي سابقا وتمسك في بقاء الجواز بالاستصحاب كما يستفاد من ذيل استدلاله ففيه ما سيأتي من عدم حجية هذا الاستصحاب هذا وقد اجاب المصنف قدس‌سره ايضا عن الاحتجاج المذكور بقوله (والجواب المنع من وجود المقتضي فان الجواز الذي هو جزء من ماهية الوجوب) كما مر مرارا(وقدر مشترك

٢١٠

بينها) اي بين ماهية الوجوب (وبين الاحكام الثلاثة الأخر) اعني الندب والاباحة والكراهة(لا تحقق له) اي للجواز(بدون انضمام احد قيودها) أي قيود الأحكام (اليه) أي الى الجواز(قطعا وان لم يثبت عليه الفصل للجنس) ان قلت اذا لم يكن القيد علة للجنس يمكن ان يتحقق الجواز اعني الاذن في الفعل بدون انضمام احد القيود اليه فعلى هذا يكون الاحكام ستة احدها الجواز اي الاذن في الفعل فقط والباقي الخمسة المعروفة قلت لا(لان انحصار الاحكام في الخمسة) اعني الوجوب والحرمة والندب والاباحة والكراهة(يعد في الضروريات حينئذ) اي حين العلم بعدم تحقق الجواز الا بالفصل لا اشكال قبل ورود النسخ لوجود المنع من الترك الذي هو القيد في الوجوب ولكن انضمام قيد آخر بعد النسخ مشكوك فيه (فالشك في وجود القيد) بعد النسخ (يوجب الشك في وجوب المقتضي) اي في كون الامر مقتضيا للجواز لأنّ كونه مقتضيا للجواز موقوف على القيد وهو بعد النسخ مشكوك فيه فيكون الامر مقتضيا ايضا مشكوك فيه ان قلت من اين يعلم وجود القيد في الجواز المشكوك فيه قلت (وقد علمت) في دليل ما اخترناه (ان نسخ الوجوب) في قول القائل نسخت الوجوب (كما يحتمل التعلق بالقيد فقط اعني المنع من الترك فيقتضي ثبوت نقيضه) كما هو مدعى الخصم (الذي هو قيد آخر) للجواز وهو الاذن في الترك (كذلك يحتمل التعلق) اي تعلق النسخ (بالمجموع) اي بمجموع الجنس مع الفصل (فلا يبقى قيد) اعني المنع من الترك (ولا مقيد) اي الاذن في الفعل حتى ينضم اليه

٢١١

الاذن في الترك ويلزم من تركبهما بقاء الجواز وعلى اي حال (فانضمام القيد) اي الاذن في الترك (مشكوك فيه) لأجل ما ذكرنا من الاحتمالين (و) حينئذ(لا يتحقق معه) اي مع هذا الشك (وجود المقتضي) ان قلت اصالة عدم تعلق النسخ بالجميع تثبت قول الخصم اعني تعلق النسخ بالقيد فقط وحينئذ فيقوم مقامه قيد آخر فيبقى الجواز قلت (ولو تشبث الخصم في ترجيح الاحتمال الاول) اي في تعلق النسخ بالجزء الاخير فقط(باصالة عدم تعلق النسخ بالجميع لكان) الترجيح بهذا الاصل (معارضا باصالة عدم وجود القيد) اي الاذن في الترك وحاصله ان اصالة عدم تعلق النسخ بالجميع تقتضي بقاء الجواز واصالة عدم وجود القيد تقتضي عدم البقاء وحينئذ يتعارض الاصلان (فيتساقطان وبهذا) الجواب (ظهر فساد قولهم) اي قول المثبتين (في آخر الحجة ان الظاهر يقتضي البقاء لتحقق مقتضيه والاصل) في مورد الشك (استمراره) اي استمرار الجواز واما وجه الضعف والفساد(فان انضمام القيد) اي الاذن في الترك (مما يتوقف عليه وجود المقتضي و) الحال انه (لم يثبت) انضمامه فلم يثبت وجود المقتضي (اذا تقرر) وتبين لك (ذلك) الجواب (فاعلم) ان القائلين ببقاء الجواز اختلفوا على اقوال اربعة احدها الجواز بمعنى الاباحة فقط والثاني الاعم منه ومن الاستحباب وثالثها الاعم من الاباحة والاستحباب والكراهة ورابعها بقاء الجواز بمعنى الاستحباب فقط وهو قول نادر اذا عرفت ذلك فتبين لك (ان دليل الخصم لو تم لكان دالا على بقاء الاستحباب) فقط(لا) على (بقاء الجواز فقط كما هو المشهور على السنتهم) أي السنة المجوزين (يريدون به) اي بالجواز

٢١٢

(الاباحة و) ايضا(لا) يدل دليل الخصم على بقاء(الاعم منه) اي من الاباحة(والاستحباب كما يوجد في كلام جماعة ولا) يدل ايضا على بقاء(الاعم منه) اي من الاباحة والاستحباب (ومن المكروه كما ذهب اليه بعض العامة حتى انهم) اي المثبتين للجواز(لم ينقلوا القول ببقاء الاستحباب بخصوصه الا عن شاذ) من العامة(بل ربما رد ذلك) اي بقاء الاستحباب بخصوصه (بعضهم) اي بعض العامة(نافيا للقائل به) اي ببقاء الاستحباب بخصوصه يعني قالوا انه لم يقل به احد(مع أنّ دليلهم على البقاء) اي بقاء الجواز(كما رأيت ينادي بأن الباقي) بعد النسخ (هو الاستحباب وتوضيحه ان الوجوب لما كان مركبا من الاذن في الفعل وكونه راجحا ممنوعا من تركه وكان) ايضا(رفع المنع من الترك كافيا في رفع حقيقة الوجوب) كما مر مرارا(لا جرم كان الباقي من مفهومه) اي من مفهوم الوجوب (هو الاذن في الفعل مع رجحانه فاذا انضم اليه) اي الى الاذن في الفعل مع رجحانه (الاذن في الترك على ما اقتضاه النسخ لكملت قيود الندب) والاستحباب (وكان هو الباقي) بعد النسخ لا الجواز بالمعنى الاخص اعني الاباحة كما هو مدعائهم والتحقيق انه بعد تسليم امكان بقاء الجواز والرجحان عقلا لا دلالة لدليل الناسخ على ثبوت الجواز ولا على كون الرفع برفع الجزء الاخير اي المنع من الترك وقد عرفت سابقا عدم دلالة المنسوخ ايضا وكيف كان لا دلالة لدليل الناسخ والمنسوخ على بقاء الجواز مطلقا بواحد من الدلالات ولا على غيره من الأحكام وايضا لا مجال لاستصحاب الجواز كما اشرنا اليه آنفا لانه من القسم الثالث من اقسام استصحاب الكلي وهو ما اذا

٢١٣

شك في حدوث فرد لكلي مقارنا لارتفاع فرده الآخر ما لم يكن الحادث من مراتبه بحيث عدّ في العرف انه باق لا انه حادث ومن الواضحات ان كل واحد من الاحكام بالنسبة الى الآخر من المتباينات عرفا وهو المتبع في باب الاستصحاب وان ادعى بعض المحققين اتحاد الاستحباب مع الوجوب عقلا وعلى أي حال لا مجال للاستصحاب الا على القول بجريان الاستصحاب في القسم الثالث وهو خلاف التحقيق كما قرر في محله.

فتدبر والله الهادي

٢١٤

المبحث الثاني في النواهي

٢١٥
٢١٦

المبحث الثاني في النواهي

(اصل اختلف الناس في مدلول صيغة النهي) مثل لا تفعل لا في مادته مثل نهيتك (حقيقة) اي في مدلول الحقيقي (على نحو اختلافهم في الامر) ومن البعض انها حقيقة في خصوص التحريم كما عن الشيخ والمحقق والعلامة في التهذيب والمبادي والعميد والبهائي بل وعن الاكثر او خصوص الكراهة كما حكى عن البعض او فيهما لفظا كما عن ظاهر السيدين المرتضى وابن زهرة في الذريعة والغنية او معنى كما عن النهاية ان من جعل الامر للقدر المشترك بين الوجوب والندب جعل النهي مشتركا بين التحريم والكراهة اذ ظاهره ارادة القدر المشترك بقرينة المقابلة(والحق) هو الاول وبعبارة اخرى (انها حقيقة في التحريم مجاز في غيره) من الكراهة وغيره (لانها) اي الحرمة المفهومة من التحريم (المتبادر منها) اي من صيغة النهي (في العرف العام عند الاطلاق) اي عند اطلاق الصيغة والتبادر علامة الحقيقة(ولهذا) اي ولأجل هذا التبادر العرفى (يذم العبد على فعل ما نهاه) اي نهى العبد(المولى عنه) اي عن هذا الفعل (بقوله لا تفعله) ان قلت ان ما ذكرتم

٢١٧

انما يثبت انها حقيقة في التحريم عرفا والمدعي افادتها التحريم لغة ايضا وحينئذ يبقى حال اللغة مشكوكا قلنا (والاصل) حينئذ(عدم النقل) اي عدم نقل معناه العرفي عن معناه اللغوي وكونه في العرف بمعنى التحريم دليل على كونه في اللغة بهذا المعنى ايضا واحتج «ره» على المدعى ايضا بقوله (ولقوله تعالى (وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)) اي اجتنبوا ووجه الاستدلال حيث (اوجب سبحانه الانتهاء عما نهى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) ان قلت من اين يعلم الوجوب قلت (لما ثبت) في باب الاوامر من (ان الامر حقيقة في الوجوب) وهو فيما نحن فيه عبارة عن قوله تعالى انتهوا(وما وجب الانتهاء عنه فقد حرم فعله) فمناهي الرسول حرم فعلها(وما يقال من ان) المدعى اعم والدليل اخص لأن (هذا) الدليل (مختص بمناهي الرسول و) الحال ان موضع النزاع هو الأعم من مناهي الله تعالى ومناهي الرسول (فيمكن الجواب عنه) اولا(بأن تحريم ما نهى عنه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدل بالفحوى) اي بالاولوية(على تحريم ما نهى الله عنه) يعني اذا كانت مناهي الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم محرمة تكون مناهي الله محرمة أيضا بطريق اولى هذا وثانيا(مع ما في احتمال الفصل) والفرق بين مناهي الله ومناهي الرسول (من البعد) لان مناهي الرسول هي مناهي الله بلا تفاوت لانه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى (هذا) فائدة يستفاد من تتبع الاحاديث ان (استعمال النهي في الكراهة) مجازا(شائع في اخبارنا المروية عن الائمة عليهم‌السلام على نحو ما قلناه في الامر) فراجع فتبصر هذا وقد مر في

٢١٨

بحث الاوامر ما ينفع المقام وقد اورد عليه بوجوده من الاشكال اما اولا فان اقصى ما تفيده الآية حمل نواهيه على التحريم ولا يفيد وضع النهي لذلك واما ثانيا فلان ما احتج به «قدس‌سره» ظاهر في عدم وضع الصيغة للتحريم اذ لو كانت موضوعة له لما احتاج الى بيانه تعالى اذ ليس من شأنه تعالى بيان الاوضاع اللفظية للرجوع فيها الى اهل اللسان فالظاهر من بيانه ذلك عدم دلالة الصيغة عليه واما ثالثا فلأن الآية انما تفيد كون لفظ النهي مفيدا للتحريم دون الصيغة واما رابعا فللمنع من استعمال قوله فانتهوا في الوجوب وان كانت صيغة الامر للوجوب وذلك لان جملة من مناهي الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يراد بها الكراهة قطعا فان اريد الوجوب من الامر المذكور لزم التخصيص في قوله تعالى (وَما نَهاكُمْ عَنْهُ) الخ اذ لا يتصور وجوب الانتهاء من المكروه فلا بد اذا من حمله على الاعم من الوجوب والاستحباب فلا يفيد المدعى واما خامسا فلان المراد بالانتهاء قبول النهي والتدين به والاخذ بمقتضاه ان تحريما فتحريم وان كراهة فكراهة هذا ولا يخلو جلّها او كلّها عن نظر والتحقيق ان المتبادر من صيغة النهي هو الزجر عن الماهية او وجودها كما ان المتبادر من صيغة الامر هو البعث اليها وطلبها إلّا ان لهذه الصيغة اي صيغة النهي ظهورا عند العرف والعقلاء في الحرمة ما لم تقم قرينة على الكراهة لما مر من الوجهين في استفادة الوجوب من صيغة الامر فراجع ومما ذكرنا من تبادر الزجر عن الفعل من صيغة النهي وعدم كون مفاد لا تشرب الخمر مثلا اطلب منك عدم شرب الخمر يسقط النزاع في كون المراد من النهي طلب الكف عن

٢١٩

الفعل او نفس ان لا تفعل لما عرفت من عدم استفادة الطلب من النهي ليبحث عن متعلق الطلب وانه هو الكف او غيره فلا تغفل والله الهادي.

٢٢٠