أجود الشروح في شرح معالم الدين في الأصول

الشيخ محسن الدوزدوزاني التبريزي

أجود الشروح في شرح معالم الدين في الأصول

المؤلف:

الشيخ محسن الدوزدوزاني التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة انتشارات دار العلم
المطبعة: مطبعة القدس
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٠٤

كما في المشترك (ولعل المانع في الموضعين) اي في استعمال المشترك في مفهوميه وفي استعمال اللفظ في المعنى الحقيقي والمجازي (بنائه على الاعتبار الآخر) وهو اعتبار المعنى والمفهوم مع قيد الوحدة(وكلامه حينئذ) أي حين اعتبار المعنى مع الوحدة(متجه لكن قد عرفت) سابقا في المسألة الماضية(ان النزاع يعود معه) اي مع بناء المانع على قيد الوحدة(لفظيا) كما قال والجواب انه مناقشة لفظية(ومن هنا) اي من شرط الجواز الغاء قيد الوحدة والّا لكان منافيا ومعاندا(يظهر ضعف القول بكونه) أي الاستعمال (حقيقة ومجازا فان المعنى الحقيقي لم يرد بكماله) لان كماله حيث كان قيد الوحدة مرادا ايضا بل المراد الآن هو نفس المدلولين معا بالغاء قيد الوحدة واليه اشار(وانما اريد منه) أي من المعنى الحقيقي (البعض فيكون اللفظ فيه) أي في هذا البعض (مجازا أيضا) هذا والتحقيق عدم المنع عقلا من استعمال اللفظ الواحد في معنيين أو اكثر سواء كان كل منهما موضوعا له اللفظ كما في المشترك او واحد منهما دون الآخر كما في المقام لكون اللفظ وسيلة لافهام معناه ولا يمتنع عقلا كونه وسيلة لشيئين نعم ارادة المعنيين بعيدة من مساق المحاورات فيحتاج الحمل عليها الى قرينة تدل عليه ثم ان تخيل عدم جواز الاستعمال في معنيين لوقوع الوضع في حال وحدة المعنى ولزوم الترخيص من الواضع للاستعمال في غير حال الوحدة مرفوع بعد عدم كون الوحدة قيدا للوضع ولا للموضوع له واضعف منه توهم جواز الاستعمال مجازا للاخلال بقيد الوحدة المأخوذة في الموضوع له لما يتراءى في مقام وضع الالفاظ بين العرف والعقلاء خلاف هذه الدعوى فان الواضع لزيد مثلا بازاء الذات لا يأخذ

٦١

الوحدة في معنى اللفظ بان يقول وضعت لفظ زيد بازاء الذات مع الوحدة بل يضع اللفظ بازاء نفس الذات وكذا في جميع الالفاظ وهو اوضح من ان يخفى ثم ان هذا الاستعمال حقيقة في استعمال اللفظ المشترك لوضع اللفظ لكل منهما وحقيقة ومجاز بالاعتبارين في المقام ثم انه يمكن دعوى عدم استعمال اللفظ في غير ما وضع له اصلا بل الواقع في الخارج هو الاستعمال في المعنى الحقيقي دائما الّا انّ انطباق المعنى الحقيقي حقيقي تارة وادعائي اخرى ففي قولنا رأيت اسدا يرمي قد استعمل الاسد في المعنى الحقيقي وهو الحيوان المفترس بادعاء ان الرجل الشجاع هو أيضا حيوان مفترس وبه يحصل المبالغة ولو كان الاستعمال في الرجل الشجاع لم يحصل المبالغة كما ترى في قولنا رأيت رجلا شجاعا الفرق الواضح بينه وبين قولنا رأيت اسدا يرمي والحاصل أنّ الارادة الجدية للمستعمل فيه غير الارادة الاستعمالية فقوله رأيت اسدا بيان لتعلق الرؤية بالحيوان المفترس الّا انه يقع الارادة الجدية على طبق الارادة الاستعمالية تارة وتارة يكون المراد الاستعمالي قنطرة الى المراد الجدي وبيان كون الرجل الشجاع ايضا فردا من الاسد كقول القائل زيد ابني مع عدم كونه ابنا له والمراد تنزيله بمنزلة الابن وادعاء كونه ابنا له ، ثم انه لا يخفى ان الادعاء كما قد يكون في المصداق كما عرفت وقد يكون الاستعمال في المعنى الحقيقي لكن مع ادعاء العينية كما في قولنا رأيت حاتما مع فرض ادعاء عينية شخص الجواد على الحاتم ثم لا يتوهم رجوع ما ذكرنا الى مذهب السكاكي لانّ الادعاء على ما ذكرنا وقع بعد استعمال اللفظ في معناه الحقيقي بخلاف ما ذكره فان الادعاء على مبناه وقع قبل الاستعمال فلا

٦٢

يرد على ما ذكرنا ما اورد القوم عليه فتأمل جيدا وتظهر ثمرة المسألة في باب الاقارير والوصايا والوقوف والنذر ونحوها.

٦٣
٦٤

المطلب الثاني في الاوامر والنواهي

الأوامر والنواهي جمع الامر والنهي على غير القياس اذ لا يجمع وزن فعل على فواعل وفي القاموس الامر بمعنى ضد النهي جمعه على امور والاوامر جمع الآمرة إلّا انه اشتهر عند الفقهاء والاصوليين الى ان بلغ حد الحقيقة فيكون من المقولات العرفية(وفيه بحثان البحث الاول في الاوامر) انما قدم الامر على النهي لتقدم متعلقه على متعلق النهي لان متعلق الأمر امر وجودي ومتعلق النهي امر عدمي ولا ريب ان الوجودي اشرف من العدمي والتقدم باعتبار اشرفيته (اصل صيغة افعل وما في معناها) والمراد منه جميع صيغ الامر الحاضر نحو تفعل وتفاعل وصيغ الامر الغائب نحو ليفعل وليفاعل واسماء الافعال التي هي بمعنى الامر كصه ونزال وكذا ساير الاوامر الصادرة بغير العربية من اللغات والتعبير بهذه العبارة دون الامر حقيقة في الوجوب اشارة الى ان فيه نزاعا آخر قد عنونوا في الكتب المفصلة ثم انها تستعمل في معان متعددة منها الوجوب مثل اقيموا الصلاة ومنها الندب نحو فكاتبوهم ومنها التهديد نحو اعملوا ما شئتم

٦٥

ومنها غير ذلك إلّا انها (حقيقة في الوجوب فقط بحسب اللغة على الاقوى) وقد يورد عليه أن الحقيقة هي الكلمة المستعملة في تمام ما وضعت له وليس الوجوب الا بعض مفاد صيغة الامر لدلالتها على الوجوب مثلا والحدث الذي يتصف بذلك الوجوب فكيف يقال بكونها حقيقة في الوجوب الذي هو جزء معناها والجواب ان قولنا اضرب مثلا بناء على استفادة الوجوب منه يستفاد منه البعث الالزامي نحو الضرب ولكن الحدث يستفاد من المادة والبعث الالزامي من الهيئة والكلام في المقام انما هو في مفاد الهيئة والوجوب الذي هو عبارة عن البعث الالزامي هو تمام مفاد الهيئة لا جزئه فافهم (وفاقا لجمهور الاصوليين وقال قوم انّها حقيقة في الندب) والاستحباب (فقط) بحسب اللغة(وقيل) حقيقة(في) معنى جامع وهو (الطلب وهو) الذي يعبر عنه بالقدر المشترك لاشتراكه (بين الوجوب والندب) ومحصله هو القول بالاشتراك المعنوي بوضع الصيغة على الطلب الشامل للوجوب والندب والفرق بين الاشتراك اللفظي والمعنوي واضح لتعدد الوضع في الاول كما في لفظ عين بالنسبة الى الذهب والفضة ووحدة الوضع في الثاني مع كون الموضوع له قدرا جامعا بين الافراد كالحيوان بالنسبة الى مفهومه الكلي الشامل لافراد كثيرة(وقال) السيد(المرتضى علم الهدى رضى الله تعالى عنه انها) اي صيغة افعل (مشتركة بين الوجوب والندب) لكن لا بالاشتراك المعنوي بل (اشتراكا لفظيا في اللغة) وقد عرفت ان المشترك اللفظي هو اللفظ الموضوع بازاء معان متعددة باوضاع متعددة مثل لفظ العين بالنسبة الى معانيها(واما في العرف الشرعي فهي) اي الصيغة(حقيقة في الوجوب فقط وتوقف في ذلك قوم فلم

٦٦

يدروا) أي لم يفهموا(أللوجوب هي ام للندب وقيل هي مشتركة) لفظا(بين ثلاثة اشياء الوجود والندب والاباحة وقيل للقدر المشترك بين هذه الثلاثة وهو الاذن) يعني انها حقيقة في الاذن وهذه الثلاثة افراده وانما عبّر من الجامع هنا بالاذن دون الطلب لعدم الطلب في الاباحة التي هي من أفراد الاذن (وزعم قوم انها) اي الصيغة(مشتركة لفظا بين اربعة امور وهي الثلاثة السابقة) اعني الوجوب والندب والاباحة(والتهديد وقيل فيها) اي في صيغة افعل (اشياء أخر) منها القول بانها للاباحة خاصة ومنها القول بالاشتراك اللفظي بين الاحكام الخمسة ومنها القول بالاشتراك اللفظي بين الوجوب والندب والاباحة والتهديد والتعجيز والتكوين ومنها غير ذلك (لكنها شديدة الشذوذ بيّنة الوهن فلا جدوى) اي لا منفعة(للتعرض لنقلها) والدليل (لنا) على كون الصيغة حقيقة للوجوب (وجوه الاول انا نقطع بان السيد) والمولى (اذا قال لعبده افعل كذا فلم يفعل عدّ) اي العبد في العرف (عاصيا وذمّه العقلاء معللين) حال من العقلاء(حسن ذمه بمجرد ترك الامتثال) يعني انه اذا سئل عن العقلاء لم تذمونه قيل في الجواب انه لما امتثل ولما اطاع (وهو) اي ذم العقلاء معنى (الوجوب) اي لازم للوجوب وإلّا فهو ليس معنى للوجوب (لا يقال القرائن على ارادة الوجوب في مثله) أي مثل صيغة الامر الصادر عن المولى (موجودة غالبا فلعله) اي الوجوب (انما يفهم منها) أي من القرينة(لا من مجرد الامر) والحال ان النزاع في مجرد الامر والصيغة(لانّا نقول) في الجواب (المفروض فيما ذكرناه) من الدليل على المدعى (انتفاء القرائن فليقدر) فليفرض (كذلك) اي مجردا عن القرينة(ولو كانت) القرينة(في الواقع موجودة) واذا عرفت ان

٦٧

الكشف عن الارادة الحتمية بحسب التباني فالظهور يسند الى البعث بما هو بعث وتحريك من غير فرق بين أن يقع البعث بالقول أو الاشارة أو البعث التكويني الخارجي باخذ يد العبد وتحريكه نحو العمل فتحصل ان صيغة الامر لها ظهور فعلي في الكشف عن الارادة الالزامية عند العقلاء بحسب التباني عندهم لان القول ايضا فعل من افعال الشخص وتمام الملاك هو البعث الصادر من المتكلم بما هو فعل من الافعال سواء وقع هذا البعث بالقول أو الاشارة او البعث التكويني الخارج (الثاني قوله تعالى مخاطبا لابليس (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ)) ولا يخفى ان المنع في الآية اما بمعنى الحمل او اللاء زائدة في لا تسجد ان قلت ان الآية خارجة عن مورد النزاع لان النزاع ليس في لفظ ـ أ ـ م ـ ر ـ بل في صيغة افعل قلنا(والمراد بالامر (اسْجُدُوا) في قوله تعالى (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ)) لعنه الله يعنى ان صيغة اسجدوا في هذه الآية للوجوب والدليل عليه قوله تعالى ذما لابليس (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ) الخ ان قلت انه لا توبيخ ولا ذم في الآية الشريفة اذ ليس ما ذكر إلّا استفهاما من علة الترك وهو يصح مع كون الامر المتروك واجبا او مندوبا قلت (فان هذا الاستفهام ليس على حقيقة لعلمه سبحانه بالمانع) وهو التكبر مع ان حقيقته في شأن الجاهل تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا بل (وانّما هو في معرض الانكار و) في مقام (الاعتراض ولو لا ان صيغة اسجدوا) في الآية(للوجوب لما كان) الاعتراض (متوجها) وكان له أن يقول ما أوجبته عليّ فلذا تركته وفيه نظر لانه لا يتعين الامر حينئذ في كون الاستفهام انكاريا لاحتمال ان يكون للتقرير والمقصود اظهار الشيطان

٦٨

الفرض هي صورة التجرد عن القرينة(فالوجدان يشهد ببقاء الذم حينئذ) أي حين التجرد(عرفا وبضميمة اصالة عدم النقل) اي اصالة عدم نقل صيغة الأمر من معناه اللغوي اعني الوجوب (الى ذلك) أي الى الدليل السابق (يتم المطلوب) وهو كون صيغة الامر للوجوب وتوضيح ذلك ان العرف واللغة بينهما تطابق غالبا بمعنى ان اللفظ الواحد اذا كان في العرف بمعنى يكون ايضا بهذا المعنى لغة مثل الضرب والقتل والنصر ففيما نحن فيه كون صيغة الامر للوجوب عرفا مسلّم ويحكم بكونها للوجوب أيضا لغة عملا بقاعدة التطابق وفي صورة الشك في انه منقول عن معناه اللغوي يتمسك باصالة عدم النقل والى ما ذكرنا اشار بقوله وبضميمة الخ وقد اجيب عن هذا الدليل بوجوه اما اولا فلأنّ الوجوب من قوله اذا قال السيد لعبده افعل كذا يستفاد من سيادة الامر وعبودية المأمور لا من الصيغة بنفسها لانّها اذا صدرت من مجهول الحال لا يفهم الوجوب ولا يذم التارك المأمور مع أن الكلام في مطلق صيغة افعل لا خصوص الصادر عن العالي واما ثانيا فلان قوله لا يقال غير وارد بعد قوله معللين حسن ذمّه بمجرد ترك الامتثال اذ بعد تعليلهم بمجرد ترك الامتثال لا يفرق بين قيام القرائن على ارادة الوجوب وعدمه وغاية ما يلزم هو كون القرائن مؤكدة للوجوب لا مفيدة للوجوب وإلّا لم يحسن التعليل واما ثالثا فلانّ فرض الانتفاء لا يستلزم وقوع الانتفاء فربما يحكم النفس ببقاء الذم بسبب وجود القرائن في الواقع ولو فرض انتفائها نعم لو انتفت في الواقع وحكم ببقاء الذم ينفع في المقصود والتحقيق ان يقال ان صيغة الامر وضعت للبعث إلّا أن البعث بما هو فعل من الافعال وتحريك اعتباري نحو العمل لهما ظهور فعلي في

٦٩

العلة التي بعثته على ترك السجود واقراره بها حتى يتم الحجة عليه فلا دلالة في الاستفهام على ذمه وما قاله صاحب القوانين من ان الاستكبار من ابليس لم يكن على الله تعالى ليكون محرما بل على آدم عليه‌السلام مدفوع بان الترك الصادر من ابليس قد كان على جهة الانكار وكان استكباره على آدم باعثا على انكاره رجحان السجود ولا شك اذن في تحريمه بل بعثه على الكفر فهناك امور ثلاثة إباء للسجود واستكبار على آدم وانكار رجحان السجود المأمور به من الله تعالى بل دعوى قبحه لاشتمال السجود في اعتقاده الفاسد على تفضيل المفضول ولا ريب انه موجب للكفر وكان في قوله تعالى (أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) اشارة الى الامور الثلاثة فليس عصيانه المفروض مجرد ترك الواجب بل معصية باعثة على الكفر ومع الغض عن تعيين ذلك فيكفى فى رد الاستدلال احتمال ما ذكرناه فافهم الدليل (الثالث قوله تعالى (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ)) والمراد من الفتنة العذاب الدنيوي وبالعذاب الأليم العذاب الاخروي وبيان كون ذلك دليلا على الوجوب انه (حيث هدد سبحانه مخالف الأمر والتهديد دليل الوجوب فان قيل الآية انما دلت على ان مخالف الامر مأمور بالحذر) يعني ان الذي يخالف للامر له أن يحذر(ولا دلالة في ذلك) اي في كون المخالف للامر مامور بالحذر(على وجوبه) اي على وجوب الحذر(إلّا بتقدير كون) صيغة(الأمر للوجوب وهو) اى القول بان الامر للوجوب (عين المتنازع فيه) بل يكون دورا وبيان الدور هو ان يقال ان كون ليحذر في الآية للوجوب موقوف على تقدير كون مطلق الأمر للوجوب لانه فرد من افراده وتقدير مطلق الامر للوجوب موقوف على كون ليحذر في الآية

٧٠

للوجوب لانه من جملة الادلة وليس هذا إلّا توقف الشيء على نفسه وما هذا الّا معنى الدور فافهم (قلنا هذا الأمر) أي قوله ليحذر(للايجاب والالزام قطعا اذ لا معنى لندب الحذر) عن العذاب حينئذ اي عند المخالفة(واباحته ومع التنزل) والتسليم بان الامر هنا ليس للايجاب (فلا اقل من دلالته على حسن الحذر ولا ريب انه انما يحسن عند قيام المقتضي للعذاب اذ لو لم يوجد المقتضي) للعذاب (كان الحذر) اي التحذير(عنه) اي عن العذاب (سفها وعبثا وذلك) اي السفه والعبث (محال على الله سبحانه واذا ثبت وجود المقتضي) للعذاب (ثبت ان الامر) أي مطلق الاوامر(للوجوب لان المقتضي للعذاب هو مخالفة الواجب لا المندوب) وفيه ان هذه الآية خارجة عن مورد البحث وانما البحث في صيغة افعل لا في ـ أ ـ م ـ ر ـ فان فيه بحثا آخر ومن المعلوم أن الآية تشتمل على ـ أ ـ م ـ ر ـ دون صيغة افعل وما في معناها(فان قيل هذا الاستدلال) أي القول بان التحذير والتهديد دليل للوجوب (مبني على ان المراد بمخالفة الامر) في الآية هو (ترك المأمور به) يعني ان هذا الاستدلال انما يستقيم اذا كان تقدير الآية فليحذر الذين يتركون المأمور به (و) الحال انه (ليس كذلك بل المراد بها) اي بالمخالفة(حمله) على حمل الامر(على ما يخالفه بان يكون) امر الله (للوجوب او الندب فيحمل على غيره) يعني ان التهديد في الآية لمن غير امره اي حمل امره الوجوبي على الندب والندبي على الوجوب وحينئذ يكون تقدير الآية فليحذر الذين يغيرون ويحملون معناه الى غير المراد وعلى هذا لا يفرق بين كون الامر للوجوب او الندب في ترتب التهديد والتحذير عليه (قلنا المتبادر الى الفهم) اي الى الذهن (من المخالفة) في

٧١

الآية (هو ترك الامتثال و) ترك (الاتيان بالمأمور به واما المعنى الذي ذكرتموه) أي حمله على ما يخالفه (فبعيد عن الفهم غير متبادر عند اطلاق اللفظ) أي عند اطلاق المخالفة(فلا يصار) أي لا يذهب (اليه) اي الى المعنى المذكور(إلّا بدليل) وقرينة على المعنى المذكور وليست موجودة ان قلت اذا كان المراد من المخالفة هو ترك الامتثال فهي بهذا المعنى لا يتعدى بعن يعني انه لم ير تعديتها بهذا المعنى مع عن قلت (وكأنها) أي المخالفة(في الآية اعتبرت متضمنة معنى الاعراض فعديت بعن) والمراد من التضمين هو اشراب لفظ معنى لفظ آخر فيجعل احدهما اصلا والآخر حالا ويكون معنى الآية حينئذ فليحذر الذين يخالفون معرضين اي حال كونهم معرضين أو يعرضون مخالفين أي حال كونهم مخالفين عن امره (فان قيل قوله في الآية عن امره مطلق) وليس بعام وحينئذ(فلا يعم) الآية جميع الاوامر وكون بعض اوامره تعالى للوجوب مما لا ينكر(و) الحال ان (المدعي افادته) اي قوله تعالى (الوجوب في جميع الاوامر) وفي جميع الموارد(بطريق العموم قلنا) اولا(اضافة المصدر) اعني قوله تعالى أمره في الآية(عند عدم العهد للعموم) اي يفيد العموم (مثل ضرب زيد واكل عمرو) فانهما يفيدان العموم حيث لا عهد اي لا يراد من الضرب والأكل في المثالين الضرب الخاص والأكل الخاصّ (وآية ذلك) اي علامة العموم (جواز الاستثناء منه) اي من المصدر المضاف (فانه يصح) من باب الفرض (ان يقال في الآية فليحذر الذين يخالفون عن امره الا الامر الفلاني) أي الأمر الذى وقع في يوم الجمعة مثلا وثانيا يقال في الجواب (على أن الاطلاق كاف في المطلوب) أي في كون جميع الاوامر للعموم (اذ لو كان الامر حقيقة

٧٢

في غير الوجوب) يعني في الندب مثلا(ايضا) كما في الوجوب على سبيل الاشتراك اللفظي (لم يحسن الذم) في قوله تعالى (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ) الخ (والوعيد والتهديد) في قوله تعالى (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ) الخ (على مخالفة مطلق الأمر) من دون تقييده بقيد الوجوب وهذا يدل على ان مطلق الأمر للوجوب الدليل (الرابع قوله تعالى (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ)) والمراد من الركوع الصلاة مجازا بعلاقة الجزء والكل أي اذا قيل لهم صلوا لا يصلون اذ لا وجه للامر بالركوع فقط فافهم وبيان الاستدلال (فانه سبحانه ذمهم) اي قوم الكفار(على مخالفتهم الامر ولو لا انه) أي الامر(للوجوب لم يتوجه الذم) الى قوم الكفار وفيه ان غاية ما يستفاد من الآية كون امر اركعوا للوجوب ولا يستفاد منه دلالة كل امر للوجوب ويؤيده معلومية وجوب الصلاة من الخارج بالضرورة فالذم على مثل هذا الأمر المستفاد منه الوجوب بالقرينة الخارجية لا يستلزم وقوع الذم على مخالفة مطلق الأمر المجرد عن قرينة الوجوب اللهم الّا أن يدّعي بظهور الآية الشريفة في ترتب الذم على مجرد المخالفة وترك المأمور به فلو لا دلالة الامر على الوجوب لم يصح ذمهم على مجرد المخالفة للصيغة المطلقة فتأمل (وقد اعترض) على الاستدلال بالآية(او لا بمنع كون الذم في الآية على ترك مأمور به) حتى فيد كون الأمر للوجوب (بل على تكذيب الرسل في التبليغ) وانهم تركوا الركوع تكذيبا للرسل وعداوة لهم وهذا الذي قلنا(بدليل قوله تعالى) في الآية الاخرى في مقام الذم على القوم الكفار لاجل تكذيبهم الرسل (ويل يومئذ للمكذبين و) اعترض (ثانيا بأنّ الصيغة) اي صيغة افعل (تفيد الوجوب عند انضمام القرينة) اليها اي الى الصيغة(اجماعا فلعل الامر بالركوع في الآية كان مقترنا بما) اي بقرينة التي هي

٧٣

(تقتضي كونه) اي الامر بالركوع (للوجوب) وحينئذ تخرج الآية عن محل النزاع فان النزاع فيما كانت الصيغة مجردة عن القرائن لا فيما تكون مع القرائن (واجيب عن) الاعتراض (الاول بانّ المكذبين) لا يخلو عن شقين فانهم اما مأمورون بالركوع اولا واليه اشار بقوله (اما ان يكونوا هم الذين لم يركعوا عقيب امرهم به) أي بالركوع (او) المكذبين (غيرهم) أي غير المأمورين بالركوع بل انهم هم المكذبون فقط والذين تركوا الركوع غير المكذبين (فان كان) المكذبون (الاول) اي المأمورين بالركوع (جاز ان يستحقوا الذم) بآية ويل يومئذ الخ (بترك الركوع) أي بسبب ترك الركوع (و) ان يستحقوا(الويل بواسطة التكذيب) ان قلت ان المكذبين هم الكافرون المعاقبون بكفرهم لا بتركهم امر الركوع فانهم بترك هذا الأمر ليسوا معاقبين قلت : (فان الكفار عندنا) اي عند الامامية(معاقبون على الفروع) أي على فروع الكفار عندنا) اي عند الامامية(متعاقبون على الفروع) أي على فروع الدين (كعقابهم على الاصول) اي على اصول الدين يكن اثبات الويل لقوم بسبب تكذبيهم منافيا لذم قوم بتركهم ما امروا به) حاصله انه لا معنى لذم التاركين للركوع الا من جهة الترك ولا يذمون هؤلاء لاجل تكذيب غيرهم اذ لا تزر وازرة وزر اخرى ومع هذا الجواب يثبت المدعى وهو كون الذم في الآية دليلا للوجوب (واجيب عن الثاني بانه تعالى رتب الذم) في الآية بقوله اركعوا لا يركعون (على مجرد مخالفة الامر فدل) ترتب الذم على مجرده (على أن الاعتبار) والنظر(به) أي بمجرد الأمر(لا بالقرينة) واما احتمال وجود القرينة كما استدل المعترض فهو منفي بالاصل يعني انه اذا شك فالاصل عدمه

٧٤

(احتج القائلون بانّه) اي صيغة الامر(للندب بوجهين احدهما قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اذا امرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وجه الدلالة انه رد الاتيان بالمأمور به الى مشيتنا) والى ارادتنا(وهو) اي الرد الى المشية(معنى الندب) حيث ان المعنى فاتوا منه ما شئتم وفيه اولا ان الرجوع الى المشية لو سلم يثبت الاباحة او الاعم من الاباحة والندب فلا يثبت كونه بمعنى الندب كما لا يخفى وثانيا ان غايته اثبات ارادة الندب دون الوضع بل ظاهره الوضع لغير الندب اذ لو كان الامر للندب لكان ذلك كافيا للحمل عليه فالنص على ذلك يعطي عدم دلالته عليه بل على الخلاف وثالثا انه خارج عن محل البحث فان البحث في صيغة افعل لا في ا ـ م ـ ر فافهم (و) مع ذلك (اجيب بالمنع من رده الى مشيتنا وانما رده الى استطاعتنا وهو معنى الوجوب) وفيه نظر لان الرد الى الاستطاعة لا دلالة له على كون الامر للوجوب بل هو اعم منه ضرورة عدم استحباب الاتيان بغير المقدور إلّا ان يقال انه من لوازمه وروادفه يعني انه من لوازم الوجوب وروادفه المساوية وحينئذ وان يرتفع اشكال كونه عين الوجوب مع ما يتراءى من العبارة إلّا ان كونه من اللوازم المساوية للوجوب ممنوع لما عرفت من اعتبار القدرة والاستطاعة في المندوبات أيضا نعم يصح الجواب عن اصل الاستدلال بمنع ارادة الرد الى المشية كما هو مبنى الاستدلال بل معناه اعتبار القدرة في التكاليف الواجبة والمندوبة وهو اجنبي عن بيان ارادة الندب من الاوامر كما لا يخفى (ثانيهما) أي ثاني الوجهين (ان أهل اللغة قالوا لا فرق بين السؤال) أي بين سؤال السائل (والامر) اي امر الآمر(الا بالرتبة فان رتبة الآمر اعلى من رتبة السائل والسؤال انما يدلّ على الندب

٧٥

فكذلك الامر) ، يعني انه يدل ايضا على الندب (اذ لو دل الأمر على الايجاب لكان بينهما) أي بين الامر والسؤال (فرق آخر وهو) أي الفرق الآخر(خلاف ما نقلوه عن اهل اللغة وانما المنقول عنهم) من الفرق (ليس إلّا التفاوت الرتبي) ولا يخفى انه لم يقم دليل على حجية قول اللغوي ما لم يحصل العلم منه وما ادعى من الدليل على حجية قوله قد ضعف في محله مع ان الكلام في الصيغة دون المادة(و) مع ذلك قد(اجيب) ايضا(بان القائل بكون الامر للايجاب يقول أن السؤال يدل عليه ايضا لان صيغة افعل عنده) اي عند القائل (موضوعة لطلب الفعل مع المنع من الترك) وهو معنى الوجوب لغة(وقد استعملها السائل فيه) اي في الطلب مع المنع (لكنه لا يلزم منه) اي من السائل (الوجوب) اي الوجوب الاصطلاحي الشرعي ليستحق تاركه العذاب والذم (اذ الوجوب انما يثبت بالشرع فلذلك) أي فلأجل عدم لزوم الوجوب (لا يلزم المسئول القبول) اي قبول السؤال (وفيه نظر) حكى عن ابن المصنف نقلا عن والده في وجه النظر امران احدهما ان المدعى ثبوت الوجوب لغة فقول المجيب ان الوجوب انما يثبت بالشرع لا وجه له وثانيهما ان الظاهر من كلامه الفرق بين الايجاب والوجوب والحال انه لا فرق بينهما إلّا بالاعتبار يعني انه اذا نسب الى الأمر باعتبار صدوره منه يسمى ايجابا واذا نسب الى الفعل باعتبار القيام به يكون وجوبا فهو في نفسه امر واحد بسيط فافهم (والتحقيق) في رده (ان النقل المذكور) وهو انه لا فرق بينهما الا في الرتبة(غير ثابت بل صرح بعضهم) اي بعض من أهل اللغة مع تسليم ثبوته (بعدم صحته حجة القائلين بانه) اي الأمر(للقدر المشترك ان الصيغة استعملت تارة في الوجوب كقوله اقيموا الصلاة واخرى في الندب

٧٦

كقوله تعالى (فَكاتِبُوهُمْ) يعني ان تداينتم فكاتبوهم ان علمتم فيهم خيرا وعلى هذا(فان كانت) اي الصيغة (موضوعة) بوضع على حدة (لكل منهما) اي الوجوب والندب (لزم الاشتراك) اللفظي (او لاحدهما فقط لزم المجاز) في الآخر(فيكون حقيقة في القدر المشترك بينهما) اي بين الوجوب والندب (وهو طلب الفعل) وانما قلنا انه موضوع لطلب الفعل (دفعا للاشتراك) اللفظي (والمجاز والجواب) عن هذا الاحتجاج (ان المجاز وان كان مخالفا للاصل) كما قلتم وان الاصل الحقيقة(لكن يجب المصير اليه) اي الى المجاز(اذا دل الدليل عليه) أي على المجاز(و) الدليل عليه انّا(قد بينا بالادلة) الاربعة(السابقة انه حقيقة في الوجوب بخصوصه) وحينئذ(فلا بد من كونه مجازا فيما عداه) أي فيما عدا الوجوب حتى في الندب مثلا(وإلّا) اي وان لم يكن مجازا فيما عدا الوجوب (لزم الاشتراك) اللفظي (المخالف للاصل) لان الاشتراك اللفظي هو ان يكون الوضع فيه متعددا والاصل عدم تعدد الوضع (المرجوح بالنسبة الى المجاز اذا تعارضا) اي المجاز والاشتراك اللفظي يعني انه اذا دار الامر بين المشترك اللفظي والمجاز فالمجاز هو المقدم لان المجاز اكثر أفرادا من المشترك ولا وسعيته وكثرته في طرق الافادة لانه يصح ان يطلق لفظ ويراد منه المعاني بلحاظ العلائق المعهودة المعلومة بخلاف المشترك اللفظي ولكونه افيد لانه لا توقف فيه اذ مع القرينة يحمل على المجاز وبدونها على الحقيقة فلا تعطيل للّفظ ابدا بخلاف المشترك فانه بدون القرينة لا يحمل على شيء من المعنيين على التحقيق فافهم.

(والتحقيق على ان المجاز لازم بتقدير وضعه) أي وضع الامر(للقدر

٧٧

المشترك أيضا لان استعماله) اي استعمال الامر(في كل واحد من المعنيين) أي الوجوب والندب بناء على انه موضوع للقدر المشترك (بخصوصه) أي بخصوص استعمال الامر في الوجوب والندب ومن دون اطلاق اللفظ وارادة الطبيعة وانطباقها على الافراد(مجاز حيث لم يوضع له) اي لكل واحد من المعنيين (اللفظ بقيد الخصوصية) عند ذلك القائل بل موضوع عنده للطلب المطلق وهو طلب الفعل (فيكون) حينئذ(استعماله) أي استعمال الامر(فيه) أي في كل واحد(معها) اي مع الخصوصية(استعمالا في غير ما وضع له) وعلى اى حال (فالمجاز لازم في غير صورة الاشتراك) اللفظي لان كلا من المعنيين فيه هو ما وضع له فيكون حقيقة في كلاهما(سواء جعل) الغير(حقيقة ومجازا) كما هو الحق (أو للقدر المشترك) اي طلب المشترك كما هو مذهب القائل (ومع ذلك) اي مع لزوم المجازية على التقديرين (فالتجوز اللازم بتقدير الحقيقة والمجاز اقل منه) اي من المجاز اللازم (بتقدير القدر المشترك لانه) أي المجازية(في الاول) أي في الحقيقة والمجاز(مختص باحد المعنيين) اي بالندب فقط(وفي الثاني) اي بتقدير القدر المشترك المجازية(حاصل فيهما) اي في الوجوب والندب (وربما توهم تساويهما) أي تساوي الحقيقة والمجاز والقدر المشترك في المجازية(باعتبار ان استعماله في القدر المشترك) اي في طلب الفعل (على الاول) اي على القول بالحقيقة والمجاز(مجاز) كما انه مجاز في الندب ايضا على الاول (فيكون) أي القول الاول حينئذ (مقابلا لاستعماله) اي استعمال صيغة افعل (في المعنى الآخر) اي في الوجوب

٧٨

والندب (على الثاني) أي على القول بالاشتراك (فيتساويان) في لزوم المجازين على كلا القولين يعنى ان المجازية اللازمة على أول القولين اثنتان إحداهما في الندب وثانيتهما في طلب الفعل الذي هو الموضوع له لصيغة افعل عند الخصم وكذا المجازية عند الخصم ايضا لكنه احد المجازين عنده في الندب والآخر في الوجوب الذي هو الموضوع له للصيغة عند قول الاول (وجوابه) انه (ليس كما توهم لان الاستعمال في القدر المشترك) اي في طلب الفعل من غير قيد الخصوصية لم يقع (وان وقع فعلى غاية الندرة والشذوذ) لان الطالب ما لم يغفل اما يريد المنع او عدمه فلا يكون طلبه الا الوجوب او الندب لا القدر المشترك وفيه ان الحصر ممنوع كما لا يخفى على المتأمل (فاين هو) اي الاستعمال في القدر المشترك (من اشتهار الاستعمال في كل المعنيين وانتشاره) يعني ان الاشتهار ثابت في المعنيين دون طلب الفعل (واذا ثبت ان التجوز اللازم على التقدير الاول) اي على الحقيقة والمجاز(اقل كان) اي التقدير الاول (بالترجيح لو لم يقم عليه) اي على التقدير الاول (الدليل احق) فكيف اذا قام عليه الدليل كما ذكرنا هذا وقد تنبه المصنف قدس‌سره في الحاشية وقال في وجه المجازية ان هذا الحكم اعني كون استعمال اللفظ الموضوع للمعنى الكلي في خصوص الجزئي مجازا واضح عند من لا يقول بان الكلي الطبيعي موجود بعين وجود افراده ضرورة كون استعماله في الفرد حينئذ استعمالا في غير ما وضع له من غير فرق فيه بين القول بوجوده في ضمن الفرد او بعدم وجوده رأسا لاستعماله على الاول في مجموع ما وضع له وغيره وعلى

٧٩

الثاني يستعمل فيما يغاير الحقيقة الكلية واما على هذا القول الذي هو الاظهر في النظر وهو القول بوجود الطبيعي بعين وجود افراده بمعنى اتحادهما في الخارج ، وكون الفرد الخارجي عين الطبيعة المطلقة فربما يشكل الامر في بادي الرأي لكون الفرد المراد حينئذ عين الطبيعة الموضوع لها ومعه لا يسوغ دعوى المجازية لكنه مدفوع بان ارادة الخصوصية تتضمن نفي صلاحية اللفظ في ذلك الاستعمال للدلالة على غير فرد المخصوص من افراد الماهية والظاهر ان هذا النفي معنى زائد على ما وضع له اللفظ اريد منه فيصير مجازا انتهى ويرد عليه اولا ان الزام القائل بالوضع للجامع ولطلب الفعل بمجازية الاستعمال في خصوص كل من المعنيين انما يصح لو اعترف بارادة الخصوصية من اللفظ وللخصم ان يمنع ذلك نظرا الى ان الثابت هو اطلاق الصيغة على الوجوب والندب وهو اعم من المجازية لاحتمال الاستعمال في نفس طبيعة الطلب وارادة خصوصية الوجوب او الندب من القرائن الخارجية على سبيل تعدد الدال والمدلول وهو حقيقة قطعا وتوضيحه ان قول القائل رأيت الرجل تارة يريد منه الرجل العالم مثلا ويستعمل اللفظ في الرجل مع خصوصية العالمية فلا اشكال حينئذ في استعمال الرجل في غير ما وضع له لعدم أخذ خصوصية العالمية في الموضوع له والفرض اخذه في المستعمل فيه اللفظ فيكون مجازا وتارة يريد القائل من كلمة الرجل ذات المعنى ونفس طبيعة المرء في قبال طبيعة المرأة وتقييد هذه الطبيعة بدال آخر كالعالم في قوله رأيت الرجل العالم ولا اشكال في عدم المجازية حينئذ

٨٠