تفسير القاسمي - ج ٧

محمّد جمال الدين القاسمي

تفسير القاسمي - ج ٧

المؤلف:

محمّد جمال الدين القاسمي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٧٥

رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ) (٨٦)

(إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ) أي أوجب عليك تلاوته على الناس ، وتبليغه إليهم ، وصدعهم به (لَرادُّكَ) أي بعد الموت (إِلى مَعادٍ) أي مرجع عظيم. وهو المقام المحمود الذي وعدك أن يبعثك فيه. فتنوينه للتعظيم. ووجهه ـ كما في (العناية) ـ أن المعاد صار كالحقيقة في المحشر. لأنه ابتداء العود إلى الحياة ، ورده إلى ما كان عليه فجعل معاده عظيما لعظمة مقامه فيه.

وقال ابن كثير : المعاد هو يوم القيامة. يسأله عما استرعاه من أعباء النبوّة. كما قال تعالى : (فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ) [الأعراف : ٦] ، وقال تعالى : (يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ما ذا أُجِبْتُمْ) [المائدة : ١٠٩] ، وقال (وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ) [الزمر : ٩٦] وعن ابن عباس روايات : إلى يوم القيامة. إلى الموت. إلى الجنة أخرجت عنه من طرق. كما أسنده ابن كثير.

والذي رواه البخاري والنسائي وابن جرير عن ابن عباس قال : (لرادك) إلى مكة كما أخرجك منها. وعن الضحاك قال : لما خرج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم من مكة فبلغ الجحفة ، اشتاق إلى مكة. فنزلت الآية.

قال ابن كثير : وهذا يقتضي أن هذه الآية مدنية ، وإن كان مجموع السورة مكيّا ، والله أعلم.

ثم قال : ووجه الجمع بين هذه الأقوال ، أن ابن عباس فسر ذلك تارة برجوعه إلى مكة ، وهو الفتح ، الذي هو عند بن عباس أمارة على اقتراب أجل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم. كما فسر ابن عباس سورة (إذا جاء نصر الله والفتح) أنه أجل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم نعي إليه ، وكان ذلك بحضرة عمر ابن الخطاب ووافقه عمر على ذلك ، وقال : لا أعلم منها غير الذي تعلم. ولهذا فسر بن عباس تارة أخرى قوله تعالى : (لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ) بالموت. وتارة بيوم القيامة الذي هو بعد الموت. وتارة بالجنة التي هي جزاؤه على أدائه رسالة الله وإبلاغها إلى الثقلين الجن والإنس. ولأنه أكمل خلق الله على الإطلاق. انتهى. (قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى) يعني نفسه الكريمة. أي بما يستحقه من المثوبة (وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) يعني المشركين. أي بما يستحقونه من العذاب. والجملة تقرير للوعيد السابق (وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ) أي ما كنت تظن ، قبل

٥٤١

إنزال الوحي إليك ، أن الوحي ينزل عليك (إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) أي ولكن لرحمة من ربك ألقي إليك (فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ) أي معينا لهم. ولكن نابذهم وخالفهم. وحكى الكرماني في (الغرائب) أن معناه : فلا تكن بين ظهرانيهم ، وأنه أمر بالهجرة.

القول في تأويل قوله تعالى :

(وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آياتِ اللهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلى رَبِّكَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٨٧) وَلا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (٨٨)

(وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آياتِ اللهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ) أي عن تبليغها بعد إنزالها ، والأمر بالصدع بها لضيق صدرك من مكرهم. فإن الله معك ، ومعل كلمتك ومؤيد دينك. ولذا قال : (وَادْعُ إِلى رَبِّكَ) أي إلى عبادته وحده لا شريك له (وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَلا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ).

قال القاضي : هذا وما قبله للتهييج وقطع أطماع المشركين من مساعدته لهم. أي لأنه لا يتصور منه ذلك حتى ينهى عنه. فكأنه لما نهاه عن مظاهرتهم ومداراتهم ، قال إن ذلك مبغوض لي كالشرك. فلا تكن ممن يفعله. أو المراد نهي أمته ، وإن كان الخطاب له صلى‌الله‌عليه‌وسلم. كذا في (العناية).

(لا إِلهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) أي إياه و (الوجه) يعبر به عن الذات كما قال (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) [الرحمن : ٢٦ ـ ٢٧] ، وفي قوله تعالى : (هالِكٌ) وجوه : حمله على المستقبل ، أو هو عرضة للهلاك والعدم ، أو هالك في حد ذاته ، لأن وجوده ليس ذاتيا بل لاستناده إلى واجب الوجود ، فهو بالقوة وبالذات معدوم حالا. والمراد بالمعدوم ما ليس له وجود ذاتي. لأن وجود غيره كلا وجود. إذ هو في كل آن قابل للعدم. وعن مجاهد والثوريّ (إلا وجهه) أي ما أريد به وجهه. حكاه (١) البخاري في (صحيحه).

قال ابن جرير : ويستشهد من قال ذلك بقول الشاعر :

أستغفر الله ذنبا ، لست محصيه

ربّ العباد ، إليه الوجه والعمل

__________________

(١) أخرجه البخاري في : التفسير ، ٢٨ ـ سورة القصص.

٥٤٢

قال ابن كثير : وهذا القول لا ينافي القول الأول. فإن هذا إخبار عن كل الأعمال ، بأنها باطلة ، إلا ما أريد به وجه الله تعالى من الأعمال الصالحة المطابقة للشريعة. انتهى.

وفيه بعد وتكلف يذهب رونق النظم ، وماء الفصاحة. لا سيما وآي التنزيل يفسر بعضها بعضا. والآية الثانية التي ذكرناها بمعنى هذه. وتلك لا تحتمل ذاك المعنى ، فكذا هذه (لَهُ الْحُكْمُ) أي القضاء النافذ في الخلق (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) أي يوم معادكم فيجزيكم بأعمالكم ، إن خيرا فخير وإن شرّا فشر.

٥٤٣

بسم الله الرّحمن الرّحيم

سورة العنكبوت

سميت بها لاستشمالها على آية (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ) [العنكبوت : ٤١] ، الآية ، المشير إن من اعتمد على قوة الأصنام وحفظها عن العذاب كالعنكبوت ، اعتمدت على قوة بيتها التي لا تحتمل مسّ أدنى الحشرات والرياح ، وحفظها عن الحر والبرد. وهذا أتمّ في الدعوة إلى التوحيد الذي هو أعظم مقاصد القرآن. أفاده المهايمي.

وهي مكيّة. واستثني من أولها إلى قوله تعالى : (وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ) [العنكبوت : ١١] ، وقوله : (وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ) [العنكبوت : ٦٠] ، الآية ويقال إنها آخر ما نزل بمكة. وآيها تسع وستون. قال الداني : متفق عليه.

٥٤٤

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

القول في تأويل قوله تعالى :

(الم (١) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (٢) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ) (٣)

(الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) أي أحسب الذين أجروا كلمة الشهادة على ألسنتهم ، وأظهروا القول بالإيمان ، أنهم يتركون بذلك غير ممتحنين ، بل يمحنهم الله بضروب المحن ، حتى يبلو صبرهم وثبات أقدامهم وصحة عقائدهم. لتمييز المخلص من غير المخلص. كما قال (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً ، وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) [آل عمران : ١٨٦] ، وكقوله : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) [آل عمران : ١٤٢] ، وقوله تعالى : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ ، مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللهِ ، أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ) [البقرة : ٢١٤] ، وكل هذه الآيات وأمثالها مما نزل بمكة في تثبيت قلوب المؤمنين ، وتصبيرهم على ما كان ينالهم. من أذى المشركين (وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي من أتباع الأنبياء عليهم‌السلام ، بضروب من الفتن من أعدائهم ، كما دوّن التاريخ اضطهادهم. أي فصبروا وما وهنوا لما أصابهم حتى علت كلمة الله (فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا) أي في قولهم (آمَنَّا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ) أي فيه : وذلك بالامتحان.

فإن قيل : يتوهم من صيغة الفعل أن علمه حدث ، مع أنه قديم. إذ علمه بالشيء قبل وجوده وبعده ، لا يتغير. يجاب بأن الحادث هو تعلق علمه بالمعلوم بعد حدوثه.

٥٤٥

وقال الناصر : فائدة. ذكر العلم ها هنا ، وإن كان سابقا على وجود المعلوم هو التنبيه بالسبب على المسبب. وهو الجزاء كأنه قال تعالى : (ليعلمنهم فليجازينهم بحسب علمه فيهم).

وقال المهايمي : (فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ) أي يظهر علمه عند خلقه بصدق إيمان (الَّذِينَ صَدَقُوا) فيه ، بدلالة ثباتهم عليه عند المصائب (وَلَيَعْلَمَنَ) أي وليظهر علمه بكذب دعوى (الْكاذِبِينَ) لئلا يشهدوا عنده بإيمان الكاذبين ، فينسب في تعذيبهم إلى الظلم. وليثق المؤمنون بمحبة الصادقين ، ويستظهروا بها ، ويحذروا عن مكر الكاذبين. انتهى.

القول في تأويل قوله تعالى :

(أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا ساءَ ما يَحْكُمُونَ (٤) مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٥) وَمَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ (٦) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ) (٧)

(أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا) أي يفوتونا ، فلا نقدر على مجازاتهم بمساوئ أعمالهم (ساءَ ما يَحْكُمُونَ) أي بئس الذي يحكمونه حكمهم (مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللهِ) أي في الجنة من رؤيته ، والفوز بكرامته (فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ) وهو الموت (لَآتٍ) أي فليبادر ما يصدق رجاءه ويحقق أمله من الثبات والتواصي بالحق والصبر والرغبة فيما عنده تعالى. أو المعنى : من كان يرجو لقاء الله ، من كل من صدق في إيمانه ، وأخلص في يقينه ، فاعلم أن أجل الله لآت. وهو الوقت الذي جعله أجلا وغاية لظهور النصر والفتح وعلوّ الحق وزهوق الباطل. أي فلا يستبطئنّه. فإنه آت بوعد الله الحق وقوله الصدق. ولم أر من ذكره ولعله أنسب بقرينة السياق والسباق. والله أعلم (وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) أي السميع لأقوالهم العليم بضمائرهم وأحوالهم (وَمَنْ جاهَدَ) أي في الصبر على البلاء والثبات على الحق مع ضروب الإيذاء (فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ) أي لأنه يمهد لنفسه ، ما يجني به ثمرة غرسه (إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ) أي أحسن جزاء أعمالهم.

٥٤٦

القول في تأويل قوله تعالى :

(وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٨) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ) (٩)

(وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً) أي أمرناه أمرا مؤكدا بإيلاء والديه فعلا ذا حسن عظيم (وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما) أي في الشرك ، إذا حملاك عليه. ومعنى (ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) أي لا علم لك بإلهيته. قال القاضي : عبر عن نفيها بنفي العلم بها ، للإيذان بأن ما لم يعلم صحته ، لا يجوز اتباعه ، وإن لم يعلم بطلانه. فكيف بما علم بطلانه؟ (إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أي إليّ مرجع من آمن منكم ومن أشرك. فأجازيكم حق جزائكم. فيه التحذير من متابعتهما على الشرك والحث على الثبات والاستقامة في الدين ، بذكر المرجع والوعيد. وقد روي أن سعد بن أبي وقاص الزهري رضي الله عنه حين أسلم ، قالت أمه : يا سعد! بلغني أنك قد صبأت. فو الله! لا يظلني سقف بيت من الضحّ والريح. وإن الطعام والشراب عليّ حرام ، حتى تكفر بمحمد وكان أحب ولدها إليها. فأبى سعد. وبقيت ثلاثة أيام كذلك. فجاء سعد إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وشكا إليه. فنزلت هذه الآية ، والتي في لقمان ، والتي في الأحقاف. فأمره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يداريها ويترضاها بالإحسان. وروى الترمذي عن سعد (١) قال : نزلت فيّ أربع آيات. فذكر قصته وقال : قالت أم سعد : أليس الله قد أمرك بالبر؟ والله لا أطعم طعاما ولا أشرب شرابا حتى أموت ، أو تكفر. فكانوا إذا أرادوا أن يطعموها شجروا فاها. فنزلت هذه الآية.

قال ابن كثير : وهذا الحديث رواه الإمام أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي أيضا.

وقال الترمذي : حسن صحيح (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ) أي في زمرة الراسخين في الصلاح والكمال.

قال الزمخشري : والصلاح من أبلغ صفات المؤمنين ، وهو متمنى أنبياء الله.

__________________

(١) أخرجه الترمذي في : التفسير ، ٢٩ ـ سورة العنكبوت ، حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن المثنى.

٥٤٧

قال الله تعالى حكاية عن سليمان عليه‌السلام (وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ) [النمل : ١٩] ، وقال في إبراهيم عليه‌السلام (وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) أو المعنى : في مدخل الصالحين وهي الجنة. وهذا نحو قوله تعالى : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ) [النساء : ٦٩] ، الآية.

القول في تأويل قوله تعالى :

(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللهِ وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ) (١٠)

(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللهِ) أي جعل ما يصيبه في الصرف عن الإيمان من ضروب الإيذاء ، بسببه ، مثل عذاب الله في الشدة والهول ، فيرتد عن الدين. مع أن مقتضى إيمانه أن يصبر ويتشجع ويتلقى ما يناله في الله بالرضا ، يرى العذاب فيه عذوبة والمحنة منحة. فإن العاقبة للتقوى وسعادة الدارين لأهلها (وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ) أي من التلبيس والإخلاص. وهذه الآية كقوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ ، فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ) [الحج : ٢٢] ، إلى قوله (ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ) [الحج : ١٢] ، وكقوله سبحانه : (الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللهِ قالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ قالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [النساء : ١٤١] ، وقال تعالى : (فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ) [المائدة : ٥٢].

القول في تأويل قوله تعالى :

(وَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ (١١) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (١٢) وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ) (١٣)

(وَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) أي بإخلاصهم (وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ) ثم بين

٥٤٨

تعالى حمل كفار قريش لمن آمن على الكفر بالاستمالة ، بعد بيان حملهم لهم عليهم بالأذية ، بقوله : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ) أي إن كان ذلك خطيئة يؤاخذ عليها بالبعث ، فتبعتها علينا وفي رقابنا.

قال ابن كثير : كما يقول القائل افعل كذا وخطيئتك في رقبتي. قال الله تعالى تكذيبا لهم (وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ) وهي أوزار أنفسهم (وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ) أي وأوزارا أخر مع أوزار أنفسهم. يعني أوزار الإضلال والحمل على الكفر والصدّ عن سبيل الله. كما قال تعالى : (لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ) [النحل : ٢٥] ، وفي الصحيح (١) (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أجورهم شيئا. ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من اتبعه إلى يوم القيامة ، من غير أن ينقص من آثامهم شيئا) (وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ) أي من الأكاذيب والأباطيل. ثم بين تعالى افتتان الأنبياء بأذية أممهم ، إثر بيان افتتان المؤمنين بأذية الكفار ، تأكيدا الإنكار على الذين يحسبون أن يتركوا بمجرد الإيمان بلا ابتلاء ، وحثا لهم على الصبر تأسيا بالأنبياء ، فقال سبحانه :

القول في تأويل قوله تعالى :

(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ وَهُمْ ظالِمُونَ (١٤) فَأَنْجَيْناهُ وَأَصْحابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْناها آيَةً لِلْعالَمِينَ (١٥) وَإِبْراهِيمَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١٦) إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (١٧) وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (١٨) أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) (١٩)

(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ وَهُمْ ظالِمُونَ فَأَنْجَيْناهُ وَأَصْحابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْناها آيَةً) أي هذه الحادثة الهائلة موعظة

__________________

(١) أخرجه مسلم في : العلم ، حديث ١٦. عن أبي هريرة.

٥٤٩

(لِلْعالَمِينَ وَإِبْراهِيمَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً) أي كذبا ، في تسميتها آلهة وشركاء لله ، وشفعاء إليه (إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ، وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) أي التبليغ الذي يزيل كل لبس وما عليه أن يصدقه قومه (أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) إرشاد إلى إثبات المعاد الذي ينكرونه مع وضوح دليله ، وذلك بما يشاهدونه في أنفسهم من خلق الله إياهم بعد أن لم يكونوا شيئا مذكورا ، ثم وجدوا وصاروا أناسا سامعين مبصرين. فالذي بدأ هذا ، قادر على إعادته. فإنه سهل عليه ، يسير لديه. فقوله تعالى : (ثُمَّ يُعِيدُهُ) عطف على (أو لم يروا) لا على (يبدئ) لعدم وقوع الرؤية عليه. فهو إخبار بأنه تعالى يعيد الخلق قياسا على الابتداء. وقد جوز العطف على (يبدئ) بتأويل (الإبداء) بإبداء ما يشاهده ، كالنبات وأوراق الأشجار وغيرهما. والإعادة بإنشائه تعالى كل سنة ، مثل ما أنشأه في السنة السابقة من النبات والثمار وغيرهما. فإن ذلك مما يستدل به على صحة البعث ووقوعه من غير ريب. فيصحّ حينئذ العطف.

قال الشهاب : لكنه غير ملاق لما وقع في غير هذه الآية.

قال : وبهذا التقرير سقط ما قيل : إن أريد بالرؤية العلم فكلاهما معلوم. وإن أريد الإبصار فهما غير مرئيين. مع أنه يجوز أن يجعل ما أخبر به الله تعالى لتحققه ، كأنه مشاهد (إِنَّ ذلِكَ) أي ما ذكره ، وهو الإعادة (عَلَى اللهِ يَسِيرٌ).

القول في تأويل قوله تعالى :

(قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٠) يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ (٢١) وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (٢٢) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ وَلِقائِهِ أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٢٣) فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجاهُ اللهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (٢٤)

٥٥٠

(قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ) أي كيف خلقهم ابتداء على أطوار مختلفة وطبائع متغايرة وأخلاق شتّى. فإن ترتيب النظر على السير في الأرض ، مؤذن يتبع أحوال أصناف الخلق القاطنين في أقطارها (ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ) أي الخلق الآخر (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) أي بعد النشأة الثانية ، وهم المنكرون لها (وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ) وهم المؤمنون بها (وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) أي بالتواري في الأرض ، ولا بالتحصن في السماء التي هي أفسح منها ، لو استطعتم الرقيّ فيها. أو القلاع الذاهبة فيها. فيكون المراد بالسماء ما ارتفع. وقيل : المعنى (ولا من في السماء) فحذف اسم الموصول وهو مبتدأ محذوف الخبر. والتقدير (ولا من في السماء بمعجزه) والجملة معطوفة على جملة (أنتم بمعجزين) وفيه تكلف وضعف صناعي (وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) أي يدافع عنكم ما يراد بكم (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ وَلِقائِهِ أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) ثم أشار تعالى إلى ما أجاب به قوم إبراهيم ، بعد دعوته إياهم وعظاته البالغة ، بقوله (فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجاهُ اللهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ).

القول في تأويل قوله تعالى :

(وَقالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٢٥) فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقالَ إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٦) وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (٢٧) وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ (٢٨) أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا ائْتِنا بِعَذابِ اللهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) (٢٩)

(وَقالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) أي لتتوادّوا بينكم وتتواصلوا ، لاجتماعكم على عبادتها (ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ

٥٥١

وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) أي تتجاحدون ما كان بينكم ، ويلعن الأتباع المتبوعين ، والمتبوعون الأتباع. كما قال تعالى : (كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها) [الأعراف : ٣٨] ، وقال تعالى : (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) [الزخرف : ٦٧] ، (وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ).

تنبيه :

قال السمين : في (ما) من قوله تعالى : (إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ) ثلاثة أوجه :

أحدها ـ أنها موصولة بمعنى (الذي) والعائد محذوف ، وهو المفعول الأول و (أَوْثاناً) مفعول ثان. والخبر (مودة) في قراءة من رفع. والتقدير : إن الذي اتخذتموه أوثانا مودة ، أي ذو مودة ، أو جعل نفس المودة مبالغة. ومحذوف على قراءة من نصب (مودة) أي : الذي اتخذتموه أوثانا لأجل المودة لا ينفعكم ، أو يكون عليكم ، لدلالة قوله : (ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ).

والثاني ـ أن تجعل (ما) كافة ، و (أوثانا) مفعول به. و (الاتخاذ) ها هنا متعد لواحد. أو لاثنين ، والثاني هو (من دون الله) فمن رفع (مودة) كانت خبر مبتدأ مضمر ، أي هي مودة أي ذات مودة. أو جعلت نفس المودة مبالغة. والجملة حينئذ صفة لـ (أوثانا) أو مستأنفة. ومن نصب كان مفعولا له ، أو بإضمار (أعني).

الثالث ـ أن تجعل (ما) مصدرية ، وحينئذ يجوز أن يقدر مضاف من الأول. أي : أن سبب اتخاذكم أوثانا مودة ، فيمن رفع (مودة) ويجوز أن لا يقدر ، بل يجعل نفس الاتخاذ هو المودة مبالغة. ومن القراء من رفع (مودة) غير منونة وجرّ (بينكم) ومنهم من نصب (مودة) منوّنة ونصب (بينكم) ومنهم من نصب (مودة) منونة وجرّ (بينكم). فالرفع تقدم. والنصب تقدم أيضا فيه وجهان. وجوّز ثالث ، وهو أن يجعل مفعولا ثانيا عن المبالغة والإضافة ، للاتساع في الظرف.

ونقل عن عاصم أنه رفع (مودة) غير منونة ونصب (بينكم) وخرجت على إضافة (مودة) للظرف. وإنما بني لإضافته إلى غير متمكن.

وأشار العلامة القاشاني إلى جواز أن يكون قوله تعالى : (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) خبرا لـ (ما) إن كانت اسمية. وهو وجه لم يتعرض له المعربون هنا ، ولا مانع منه. وعبارته :

إنما اتخذتم من دون الله ، شيئا عبدتموه مودودا فيما بينكم (في الحياة الدنيا) أو : إن كل ما اتخذتم من دون الله ، شيئا مودودا فيما بينكم في الحياة الدنيا ، أو : إن كل ما اتخذتم أوثانا مودود في هذه الحياة الدنيا. أو لمودة بينكم في هذه ، على القراءتين.

٥٥٢

ثم قال : والمعنى أن المودة قسمان : مودة دنيوية ، ومودة أخروية. والدنيوية منشؤها النفس ، والأخروية منشؤها الروح. فكل ما يحب ويودّ من دون الله ، لا لله ولا بمحبة الله ، فهو محبوب بالمودة النفسية. وهو هوى زائل ، كلما انقطعت الوصلة البدنية زالت ولم تصل إلى إحدى القيامات ، فإنها نشأت من تركيب البدن واعتدال المزاج. فإذا انحلّ التركيب وانحرف المزاج ، تلاشت وبقي التضادّ والتعاند ، بمقتضى الطبائع ، لقوله تعالى : (ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ) الآية. ولهذا شبهها ببيت العنكبوت في الوهن.

وأما الأخروية فمنشؤها المحبة الإلهية. وتلك المودة هي التي تكون بين الأصفياء والأولياء ، لتناسب الصفات ، وتجانس الذوات ، لا تتصفى غاية الصفاء إلا عند زوال التركيب. فيصير يوم القيامة محبة صرفة الهيئة ، بخلاف تلك. انتهى.

(فَآمَنَ لَهُ) أي صدق إبراهيم فيما دعاه إليه (لُوطٌ وَقالَ إِنِّي مُهاجِرٌ) أي من أرض قومي (إِلى رَبِّي) أي لا إلى غيره بل إلى عبادته وإقامة شعائر دينه والقيام بدعوة الخلق إلى الحق من شرعه وتوحيده (إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وَوَهَبْنا لَهُ) أي لإبراهيم (إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ) أي ولدا ونافلة ، بمباركة الذرية (وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا) أي بإيتاء الولد والذرية الطيبة واستمرار النبوة فيهم وانتماء أهل الملك إليه والثناء إلى آخر الدهر والصلاة عليه (وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ) أي الفعلة المتناهية في القبح (ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ) أي لتحاشي الطباع عنها. ثم فصّلها بعد الإجمال ، لزيادة تنفير النفوس منها (أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ) أي سبيل النسل بإتيان ما ليس بحرث. أو بعمل قطاع الطريق من قتل الأنفس وأخذ الأموال (وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ) أي ما لا يليق من الأقوال والأفعال (فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتِنا بِعَذابِ اللهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) :

القول في تأويل قوله تعالى :

(قالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ (٣٠) وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَها كانُوا ظالِمِينَ (٣١) قالَ إِنَّ فِيها لُوطاً قالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ (٣٢) وَلَمَّا أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقالُوا لا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلاَّ

٥٥٣

امْرَأَتَكَ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ) (٣٣)

(قالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ) أي الذين يفسدون كل برهان عقليّ ونقليّ ، وكل حكمة إلهية (وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى) أي بالبشارة بالولد والنافلة ، وهم الملائكة. بعثوا لنصر لوط وتبشيره بهلاك قومه (قالُوا) أي لإبراهيم عليه‌السلام (إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ) أي قرية سدوم (إِنَّ أَهْلَها كانُوا ظالِمِينَ) أي بتنزيلهم الرجال منزلة النساء ، وقطع السبل ، وفعل المنكر وترك المعروف (قالَ إِنَّ فِيها لُوطاً قالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ) أي الباقين في العذاب أو القرية (وَلَمَّا أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا) أي المذكورون بعد مفارقتهم لإبراهيم عليه‌السلام (لُوطاً سِيءَ بِهِمْ) أي اعترته المساءة بسببهم مخافة أن يقصدوهم (وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً) أي ضاق بشأنهم ذرعه ، أي طاقته (وَقالُوا لا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ) أي ممّا يصيبهم من العذاب (إِلَّا امْرَأَتَكَ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ).

القول في تأويل قوله تعالى :

(إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلى أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (٣٤) وَلَقَدْ تَرَكْنا مِنْها آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٣٥) وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (٣٦) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (٣٧) وَعاداً وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَساكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ) (٣٨)

(إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلى أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ) أي عذابا عظيما من جهتها (بِما كانُوا يَفْسُقُونَ وَلَقَدْ تَرَكْنا مِنْها آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) يعني قصتها العجيبة ، أو آثارها الخربة (وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ) أي توقعوه ، وما سيقع فيه من فنون الأهوال (وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) أي بالبغي على أهلها ، كنقص المكيال والميزان ، وقطع الطريق على الناس ، فإن عاقبة ذلك الدمار (فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ) أي الصيحة التي هي منشأ الزلزلة الشديدة (فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ) أي بلدهم أو منازلهم (جاثِمِينَ) أي هلكى ميتين (وَعاداً وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَساكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ) أي عقلاء متمكنين من النظر والافتكار بواسطة الرسل عليهم‌السلام ،

٥٥٤

فإنهم أوضحوا السبل ، فلم يكن لهم في ذلك عذر ، ولكنهم لم يفعلوا ، عنادا وكبرا.

القول في تأويل قوله تعالى :

(وَقارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهامانَ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَما كانُوا سابِقِينَ (٣٩) فَكُلاًّ أَخَذْنا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا وَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (٤٠)

(وَقارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهامانَ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَما كانُوا سابِقِينَ) أي فائتين الله سبحانه. بل لحقهم عذابه فدمرهم تدميرا. ولذا قال (فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً) أي ريحا عاصفا ، فيها حصاء ، وهم قوم لوط (وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ) كمدين وثمود (وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ) كقارون (وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا) كقوم نوح وفرعون وقومه (وَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) أي يفعل ما يوجب ذلك ، من البغي والفساد.

القول في تأويل قوله تعالى :

(مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٤١) إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٤٢) وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلاَّ الْعالِمُونَ (٤٣) خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ) (٤٤)

(مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً) أي تعتمد على قوته وتظنه محيطا بها ، دافعا عنها الحرّ والبرد (وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ) أي أضعفها (لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ) أي لأنه لا يحتمل مسّ أدنى الحيوانات وأضعف الرياح. ولا يدفع شيئا من الحرّ والبرد. وهذا مثلهم (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) أي شيئا ما. أو إن أولياءهم أو هي من ذلك ثم الغرض من التشبيه هو تقرير وهن دينهم ، وإنه بلغ الغاية فيه ، وهو إما تشبيه مركب من الهيئة المنتزعة ، فمدار قطب التمثيل على أن أولياءهم بمنزلة نسج العنكبوت في ضعف الحال وعدم الصلاحية للاعتماد. وعلى هذا فقوله : (وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ) تذييل يعرّف الغرض من التشبيه. وقوله (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) إيغال في تجهيلهم. لأنهم لا يعلمونه مع وضوحه لدى من له أدنى مسكة. وإما أن يكون من

٥٥٥

تشبيه المفرد ، لأن المقصود بيان حال العابد والمعبود. وفي الآية لطائف بيانية ذكرت في المطولات. وقوله : (إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ) بالياء والتاء في (تدعون) قراءتان. و (ما) إما استفهامية منصوبة ب (يدعون) و (من) الثانية للتبيين. أو نافية و (من) مزيدة. و (شيء) مفعول (تدعون) أو مصدرية بمعنى الدعوة و (شيء) مصدر بمعناه أيضا. أو موصولة مفعول ل (يعلم) ومفعول (يدعون) عائده المحذوف. والكلام على الأولين تجهيل لهم وتوكيد للمثل. وعلى الآخرين وعيد لهم. أفاده القاضي (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وَتِلْكَ الْأَمْثالُ) يعني هذا المثل ونظائره في التنزيل (نَضْرِبُها لِلنَّاسِ) أي ليقرب ما بعد من أفهامهم. فإن الأمثال والتشبيهات طرق تبرز فيها المعاني المحتجبة للأفهام (وَما يَعْقِلُها) أي يدرك حسنها وفوائدها (إِلَّا الْعالِمُونَ) أي الراسخون في العلم الكاملون فيه. وعن عمرو بن مرة قال : ما مررت بآية من كتاب الله لا أعرفها ، إلا أحزنني. لأني سمعت الله تعالى يقول : (وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ) أي محقّا مراعيا للحكم والمصالح ، مقدسا عن أن يقصد به باطلا. فالباء للملابسة ، والجار والمجرور حال. وهذا كقوله تعالى : (وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ) [الدخان : ٣٨] ، (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ).

القول في تأويل قوله تعالى :

(اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ (٤٥) وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (٤٦)

(اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ) أي تقربا إلى الله تعالى بقراءته ، وتحفظا لألفاظه ، واستكثارا لما في تضاعيفه من المعاني. فإن القارئ المتأمل قد ينكشف له بالتكرار ما لم ينكشف له أول ما قرع سمعه. وتذكيرا للناس ، وحملا لهم على العمل بما فيه ، من الأحكام ومحاسن الآداب ومكارم الأخلاق (وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ) أي تكون سببا للانتهاء عن ذلك. ففيه تجوز في الإسناد. فإن قلت : كم من مصلّ يرتكب ولا تنهاه صلاته! قلت : الصلاة التي هي الصلاة عند الله ، المستحق بها الثواب ، أن يدخل فيها مقدما للتوبة النصوح متقيا ، لقوله تعالى : (إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) ويصليها خاشعا بالقلب والجوارح. ثم يحوطها بعد

٥٥٦

أن يصليها ، فلا يحبطها ، فهي الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر. وعن ابن عباس رضي الله عنهما : من لم تأمره صلاته بالمعروف ، وتنهه عن المنكر ، لم يزدد بصلاته من الله إلا بعدا.

عن الحسن رحمه‌الله : من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر ، فليست صلاته بصلاة ، وهي وبال عليه. أفاده الزمخشريّ. وقوله تعالى : (وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ) قال الزمخشري : أي : وللصلاة أكبر من غيرها من الطاعات ، وسماها بذكر الله ، كما قال (فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ) [الجمعة : ٩] ، وإنما قال (ولذكر الله) ليستقل بالتعليل. كأنه قال : وللصلاة أكبر ، لأنها ذكر الله. أو : ولذكر الله عند الفحشاء والمنكر ، وذكر نهيه عنهما ووعيده عليهما ، أكبر. فكان أولى بأن ينهى من اللطف الذي في الصلاة. وعن ابن عباس رضي الله عنهما ، ولذكر الله إياكم برحمته ، أكبر من ذكركم إياه بطاعته. انتهى. ف (ذكر) على الأولين مصدر مضاف للمفعول. وعلى ما بعدهما مضاف للفاعل ، والمفعول محذوف. والمفضل عليه في الأولين غيره من الطاعات. وفي الأخير قوله (من ذكركم).

وقال الرازي : لما ذكر تعالى أمرين ، وهما تلاوة الكتاب وإقامة الصلاة ، بيّن ما يوجب أن يكون الإتيان بهما على أبلغ وجوه التعظيم ، فقال (وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ) وأنتم إذا ذكرتم آباءكم بما فيهم من الصفات الحسنة ، تنبشون لذلك وتذكرونهم بملء أفواهكم وقلوبكم. لكن ذكر الله أكبر ، فينبغي أن يكون على أبلغ وجه التعظيم. وأما الصلاة فكذلك. لأن الله يعلم ما تصنعون. وهذا أحسن صنعكم. فينبغي أن يكون على وجه التعظيم. وفي قوله (وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ) مع حذف بيان ما هو أكبر منه ، لطيفة. وهي أن الله لم يقل : أكبر من ذكر فلان ، لأن ما نسب إلى غيره بالكبر فله إليه نسبة. إذ لا يقال الجبل أكبر من خردلة وإنما يقال : هذا الجبل أكبر من هذا الجبل. فأسقط المنسوب كأنه قال (ولذكر الله له الكبر لا لغيره) وهذا كما يقال في الصلاة (الله أكبر) أي له الكبر لا لغيره. انتهى.

ولما بيّن تعالى طريقة إرشاد المشركين ، ونفع من انتفع ، وحصول اليأس ممن امتنع ، بيّن طريقة إرشاد أهل الكتاب بقوله : (وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) أي بالخصلة التي هي أحسن. وهي اللين والأناة (إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) أي بالاعتداء ، بأن أفحشوا في المقال وأقذعوا في الجدال ، فلا حرج في مقابلتهم بالعنف ، لتنكبهم عن جادة اللطف. وهذا كما قال تعالى (لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ

٥٥٧

بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) [النساء : ١٤٨] ، وهذه الآية أصل في آداب المناظرة والجدل (وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) أي مطيعون له خاصة. وفيه تعريض باتخاذهم أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله.

قال ابن كثير : يعني إذا أخبروا بما لا يعلم صدقه ولا كذبه ، فهذا لا يقدم على تكذيبه ، لأنه قد يكون حقا. ولا على تصديقه ، فلعله أن يكون باطلا. ولكن يؤمن به إيمانا مجملا معلقا على شرط. وهو أن يكون منزلا ، لا مبدلا مؤوّلا. وروى البخاري (١) عن أبي هريرة قال : كان أهل الكتاب يقرءون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم. وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون. وهذا الحديث تفرد به البخاري.

وروى الإمام أحمد (٢) عن أبي نملة الأنصاري مرفوعا : إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم. وقولوا آمنا بالله وكتبه ورسله. فإن كان حقّا لم تكذبوهم ، وإن كان باطلا لم تصدقوهم. ثم ليعلم أن أكثر ما يتحدثون به غالبه كذب وبهتان. لأنه قد دخله تحريف وتبديل وتغيير وتأويل. وما أقل الصدق فيه. ثم ما أقل فائدة كثير منه ، لو كان صحيحا.

روى البخاري (٣) عن ابن عباس قال : كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء ، وكتابكم الذي أنزل إليكم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أحدث. تقرؤونه محضا لم يشب. وقد حدثكم أن أهل الكتاب بدلوا وغيّروا ، وكتبوا بأيديهم الكتاب ، وقالوا : هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا. ألا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم؟ لا ، والله! ما رأينا منهم رجلا يسألكم عن الذي أنزل عليكم.

وقال البخاري (٤) : وقال أبو اليمان : أخبرنا شعيب عن الزهري. أخبرني حميد

__________________

(١) أخرجه البخاري في : الاعتصام ، ٢٥ ـ باب قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء» ، حديث ١٩٦٦.

(٢) أخرجه الإمام أحمد في مسنده ، ٤ / ١٣٦.

(٣) أخرجه في : الشهادات ، ٢٩ ـ باب لا يسأل أهل الشرك عن الشهادة عبرها ، حديث رقم ١٣٠٠.

(٤) أخرجه البخاري في : الاعتصام ، ٢٥ ـ باب قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء» ، حديث ٢٥٩٥.

٥٥٨

ابن عبد الرحمن أنه سمع معاوية يحدث رهطا من قريش بالمدينة. وذكر كعب الأحبار فقال : إن كان من أصدق هؤلاء المحدثين الذين يحدثون عن أهل الكتاب. وإن كنا مع ذلك لنبلو عليه الكذب. معناه أنه يقع منه الكذب من غير قصد. لأنه يحدث عن صحف هو يحسن بها الظن ، وفيها أشياء موضوعة ومكذوبة. لأنهم لم يكن في ملتهم حفاظ متقنون كهذه الأمة العظيمة. ومع ذلك ، وقرب العهد ، وضعت أحاديث كثيرة في هذه الأمة ، لا يعلمها إلا الله عزوجل. ومن منحه الله علما علم بذلك كل بحسبه. ولله الحمد والمنة. انتهى.

القول في تأويل قوله تعالى :

(وَكَذلِكَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ الْكافِرُونَ (٤٧) وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتابَ الْمُبْطِلُونَ) (٤٨)

(وَكَذلِكَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ) أي : مثل ذلك الإنزال ، أنزلنا إليك الكتاب. أي أنزلناه مصدقا لسائر الكتب السماوية (فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هؤُلاءِ) أي العرب (مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الْكافِرُونَ وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ) أي فإن ظهور هذا الكتاب الجامع لما يكفل سعادة الدارين في شرائعه وقضاياه ، على أميّ لم يعرف بالقراءة والتعلم ، خارق للعادة. وذكر اليمين زيادة تصوير للمنفي ، ونفي للتجوز في الإسناد (إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ) أي لو كنت ممن يخط ويقرأ ، لقالوا : لعله تعلمه أو كتبه بيده ، من كتب مأثورة عن الأنبياء.

تنبيه :

قال السيوطي في (الإكليل) : في هذه الآية دليل على أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان أميا لا يقرأ ولا يكتب. وفيها ردّ على من زعم أنه كتب. انتهى.

وقال ابن كثير : وهذه صفته في الكتب المتقدمة. كما قال تعالى : (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ) [الأعراف : ١٥٧] ، الآية. وهكذا كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم دائما لا يحسن الكتابة ولا يخط سطرا ولا حرفا بيده. بل كان له كتّاب يكتبون بين يديه الوحي والرسائل إلى الأقاليم. ومن زعم ، من متأخري الفقهاء ، كالقاضي ابن الوليد الباجي ومن تابعه ، أنه

٥٥٩

عليه‌السلام كتب يوم الحديبية : هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله. فإنما حمله على ذلك رواية (١) في صحيح البخاري (ثم أخذ فكتب) وهذه محمولة على الرواية الأخرى (ثم أمر فكتب) ولهذا اشتد النكير من فقهاء المشرق والمغرب على من قال بقول الباجي ، وتبرأوا منه وأنشدوا في ذلك أقوالا وخطبوا به في محافلهم. وإنما أراد الرجل أعني الباجي فيما يظهر عنه. أنه كتب ذلك على وجه المعجزة. لا أنه كان يحسن الكتابة. وما أورده بعضهم من الحديث ؛ أنه لم يمت صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى تعلم الكتابة ، فضعيف لا أصل له. انتهى.

وقال الشهاب : وممن ذهب إلى أنه كان يحسن الكتابة ، أبو ذرّ الهروي وأبو الفتح النيسابوري وأبو الوليد الباجي من المغاربة. وصنف فيه كتابا ، وسبقه إليه ابن منبه. ولما قال أبو الوليد ذلك ، طعن فيه ورمي بالزندقة وسب على المنابر ، ثم عقد له مجلس فأقام الحجة على مدعاه وكتب به إلى علماء الأطراف. فأجابوا بما يوافقه. وأن معرفة الكتابة بعد أميّته لا تنافي المعجزة. بل هي معجزة أخرى ، لكونها من غير تعليم. ورد الإمام محمد بن مفوز كتاب الباجي لما في الحديث الصحيح (٢)(إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب) وقال : كل ما ورد في الحديث من قوله (كتب) فمعناه أمر بالكتابة. انتهى.

القول في تأويل قوله تعالى :

(بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ الظَّالِمُونَ(٤٩) وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ) (٥٠)

(بَلْ هُوَ) أي القرآن (آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) أي العلماء به وحفاظه. وهما من خصائص القرآن كون آياته بينات الإعجاز ، وكونه محفوظا في الصدور ، يتلوه أكثر الأمة ظاهرا. بخلاف سائر الكتب. فإنها لم تكن معجزات ، وما كانت تقرأ إلا من المصاحف. ومنه ما جاء في صفة هذه الأمة (صدورهم

__________________

(١) أخرجه في : الشروط ، ١٥ ـ باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب ، وكتابة الشروط ، حديث ٨٨١ و ٨٨٢ عن المسوّر بن مخرمة ومروان.

(٢) أخرجه البخاري في : الصوم ، ١٣ ـ باب قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا نكتب ولا نحسب» ، حديث ٩٦٨ ، عن ابن عمر.

٥٦٠