تفسير كتاب الله العزيز - ج ٢

هود بن محكم الهوّاري الأوراسي

تفسير كتاب الله العزيز - ج ٢

المؤلف:

هود بن محكم الهوّاري الأوراسي


المحقق: بالحاج بن سعيد الشريفي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار البصائر للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٣

نهر الرحمة ونهر الكوثر ؛ فاغتسلت من الرحمة فغفر لي ما تقدّم من ذنبي وما تأخّر. ثمّ أعطيت الكوثر فسلكته حتّى انفجر بي في الجنّة ، فإذا طيرها كالبخت (١) ، وإذا الرّمّانة من رمّانها كجلد البعير المقتّب. قال : ونظرت إلى جارية فقلت : لمن أنت يا جارية؟ فقالت : لزيد بن حارثة. قال : فبشّرت بها زيدا. قال : ثمّ نظرت إلى النار ، فإذا إنّ عذاب ربّي لشديد ، لا تقوم له الحجارة ولا الحديد. قال : ثمّ إنّي رفعت إلى سدرة المنتهى فغشّاها من أمر الله ما غشّى. ووقع على كلّ ورقة منها ملك ، وأيّدها الله بأيده ، وأوحى لي ما أوحى ، وفرض عليّ في كلّ يوم وليلة خمسين صلاة. فرجعت إلى موسى فقال : ما فرض عليك ربّك؟ فقلت : فرض عليّ في كلّ يوم وليلة خمسين صلاة. قال : ارجع إلى ربّك واسأله التخفيف لأمّتك ، فإنّ أمّتك لا تطيق ذلك ، وإنّي قد بلوت بني إسرائيل وخبرتهم. قال : فرجعت إلى ربّي ، فقلت : أي ربّ حطّ عن أمّتي ، فإنّ أمّتي لا تطيق ذلك. فحطّ عنّي خمسا. فرجعت إلى موسى عليه‌السلام فقال : ما فرض عليك ربّك؟ قال : قلت : حطّ عنّي خمسا. فقال : ارجع إلى ربّك فسله التخفيف ، فإنّ أمّتك لا تطيق ذلك. قال : فرجعت إلى ربّي فحطّ عنّي خمسا. قال : فلم أزل أختلف ما بين ربّي وبين موسى (٢) حتّى قال : يا محمّد ، لا تبديل ، إنّه لا يبدّل القول لديّ ؛ هي خمس صلوات في كلّ يوم وليلة ، كلّ صلاة عشر ، فتلك خمسون صلاة. ومن همّ بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة ، ومن عملها كتبت له عشرا. ومن همّ بسيّئة ولم يعملها لم تكتب عليه ، ومن عملها كتبت عليه سيّئة واحدة. قال : فرجعت إلى موسى فأخبرته ، فقال : ارجع إلى ربّك فسله التخفيف. فقلت : قد راجعته حتّى لقد استحييت (٣).

وذكروا أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : مررت ليلة أسري بي على سرير وعليه ملك قائم بيده

__________________

(١) قيل : لفظ «البخت» من الدخيل في العربيّة ، وقيل : إنّ اللفظ عربيّ ، وهو جمع بختيّة ، وهي الإبل الخراسانيّة الطويلة الأعناق. ولم يورد الجواليقيّ هذه الكلمة في معجمه «المعرّب من الكلام الأعجميّ».

(٢) كذا في سع ورقة ٦ ظ ، وفي ز ، ورقة ١٨٢ ، وفي ق وع : «فلم تزل تلك حالتي فيما بيني وبين ربّي وموسى».

(٣) تعيد المخطوطتان ق وع ، دون د ، ذكر الخبرين الواردين قريبا حول البراق الذي استصعب وحول رجال تقرض شفاههم بمقاريض من نار ، وهما في سع ورقة ٦ ظ ، بعد حديث أبي سعيد الخدريّ هذا الذي انتهى ، لذا لم أر بأسا من حذفهما هنا تلافيا للتكرار.

٤٠١

حربة. فقلت : من هذا يا جبريل؟ فقال : إنّ نبيّا أسري به قبلك فمرّ على هذا وهو قاعد ، فظن أنّه ربّه ، فأهوى له ساجدا ، فأقامه الله منذ يومئذ ليعلم أنّه عبد (١).

قوله تعالى : (لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا) : أي ما أراه الله من الآيات والعبر في طريق بيت المقدس. قال : (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (١) : يعني نفسه ، لا أسمع منه ولا أبصر.

قال الكلبيّ : لمّا أخبر النبيّ عليه‌السلام بذلك المشركين قال المشركون : تحدّثنا أنّك صلّيت الليلة في بيت المقدس ورجعت من ليلتك ، وهو مسيرة شهر للذاهب وشهر للمقبل!.

وقال بعضهم : رويدك يا محمّد ، نسألك عن عيرنا ، هل رأيتها في الطريق؟ قال : نعم. قالوا : أين؟ قال : مررت على عير بني فلان بالروحاء ، وقد أضلّوا ناقة ، وهم في طلبها ، فمررت على رحالهم وليس بها منهم أحد [فوجدت في إناء من آنيتهم ماء فشربته ، فسلوهم إذا رجعوا هل وجدوا الماء في الإناء؟] (٢). قالوا هذه والله آية بيّنة. قال : فمررت على عير بني فلان فنفرت منّي الإبل ساعة كذا وكذا. ووصف جملا منها ؛ قال : كان عليه أجير بني فلان ، عليه جوالق أسود مخطّط ببياض. قالوا : هذه والله آية وقد عرفنا الجوالق. قال : ثمّ مررت على عير بني فلان بالتنعيم. قالوا : فإن كنت صادقا فإنّها تقدم الآن. قال : أجل. قالوا : فأخبرنا بعدّتها وأحمالها ومن فيها. قال : كنت مشغولا عن ذلك. قال : فبينما هو يحدّثهم إذ مثل له عدّتها وأحمالها في الحدور (٣) يقدمها جمل أورق. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : هاهي ذي منحدرة من ثنيّة كذا وكذا مع طلوع الشمس ، يقدمها جمل أورق ، وعدّتها كذا وكذا ، وأحمالها كذا وكذا ، وفيها فلان وفلان وفلان ، وسمّى الرهط الذين فيها بأسمائهم لم يغادر منهم أحدا. فخرج رهط من قريش يسعون قبل الثنية ، فإذا هم بها حين انحدرت من

__________________

(١) لم أجد هذا الحديث فيما بين يديّ من مصادر الحديث والتاريخ والتفسير.

(٢) زيادة من سع ، ورقة ٧ ب.

(٣) قال الجوهريّ في الصحاح ، (حدر) : «الحدور : الهبوط ، وهو المكان تنحدر منه ، والحدور ، بالضم : فعلك».

٤٠٢

الثنيّة يقدمها جمل أورق كما قال. وفيها الرهط الذين سمّى مع طلوع الشمس ؛ فرموه بالسحر ، وقالوا : صدق الوليد بن المغيرة فيما قال : إنّه ساحر.

وجاء أبو بكر فقال : بأبي أنت وأمّي يا رسول الله ، حدّثني ما رأيت عن يمينك حين دخلت بيت المقدس ، وما رأيت عن يسارك. فحدّثه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فصدّقه أبو بكر وقال : أشهد أنّك صادق فيومئذ سمّي الصدّيق ، فقال رسول الله : وأنت الصدّيق يا أبا بكر (١).

قوله : (وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) : أي التوراة (وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ) : أي لمن آمن منهم. (أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً) (٢) : أي ألّا تتّخذوا من دوني شريكا. وقال بعضهم : ربّا.

(ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ) : أي في السفينة ، أي : يا ذرية من حملنا مع نوح ، ولذلك انتصب (٢). وقال بعضهم : (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ) أي : الناس كلّهم ذرّيّة من أنجى الله في تلك السفينة. وذكر لنا أنّه نجّى فيها نوحا وثلاثة بنين له : سام وحام ويافث وامرأته ونساءهم ، فجميعهم ثمانية.

قال : (إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً) (٣) : قال بعضهم : ذكر لنا أنّه كان إذا استجدّ ثوبا حمد الله. والعامّة على أنّ الشكور المؤمن ، وهو حقيقة التفسير.

قوله : (وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ) : قال الحسن : يقول : أعلمناهم. كقوله : (وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ) [الحجر : ٦٦] أي : أعلمناه. ذكروا أنّ مجاهدا قال :

__________________

(١) من حديث الحسن عن مسراه صلى‌الله‌عليه‌وسلم حسبما رواه ابن إسحاق. انظر سيرة ابن هشام ، ج ١ ص ٣٩٨.

(٢) انظر بحثا لغويّا قيّما في أصل كلمة «ذرّيّة» ، وهل هي من (ذرأ) ، أو (ذرر) ، أو (ذرو) ، أو (ذرى) فقد تتبّع ابن جنّي في كتابه المحتسب وجوه اشتقاق الكلمة وفصّل القول فيها في ج ١ ص ١٥٦ ـ ١٦٠. أمّا عن وجوه نصبها فالوجه المشهور لدى المفسّرين أنّها منصوبة على النداء في قراءة من قرأ : (لا تتّخذوا) بالتاء. وقد تكون منصوبة على البدل من قوله (وكيلا) ، أو على أنّها مفعول أوّل ل (تتّخذوا) و (وكيلا) المفعول الثاني. وانظر أوجها أخرى من الإعراب في كشّاف الزمخشريّ ، ج ٢ ص ٦٤٨. وفي بيان ابن الأنباريّ ، ج ٢ ص ٨٦.

٤٠٣

(وقضينا) أي : كتبنا. (لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ) : [يعني : لتهلكنّ في الأرض مرّتين] (وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً) (٤) : [يعني لتقهرنّ قهرا شديدا] (١).

(فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما) : أي أولى العقوبتين (بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ) : تفسير مجاهد : إنّهم فارس. (فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ) : فقتلوهم في الديار ، وهدموا بيت المقدس ، وألقوا فيه الجيف والعذرة (وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً) (٥) : أي إنّه كائن. ذكر بعضهم قال : عوقب القوم على علوّهم وفسادهم ، فبعث الله عليهم في الأولى جالوت الجزري (٢) فسبى وقتل وجاسوا خلال الديار كما قال الله. ثمّ رجع القوم على دخن فيهم كثير.

قال : (ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً) (٦) : أي أكثر عددا. قوله : (ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ) ففعل ذلك بهم في زمان داود يوم طالوت.

قال : (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها) : أي فلأنفسكم. (فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ) : أي من العقوبتين (لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ) : وهي تقرأ على وجهين : (ليسوء) مخفّفة ، أي : ليسوء الله وجوهكم ، والوجه الآخر (ليسوّؤوا) مثقّلة ، يعني القوم وجوهكم. (وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ) : يعني بيت المقدس (كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ) : أي كما دخله عدوّهم قبل ذلك.

قال : (وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً) (٧) : أي : وليفسدوا ما غلبوا (٣) عليه فسادا. فبعث

__________________

(١) ما بين المعقوفين زيادة من سع ورقة ٧ ب.

(٢) في المخطوطات الأربع : «الحورى» ، وفي سع ، ورقة ٧ ب ، وفي ز ورقة ١٨٢ جاءت الكلمة هكذا : «الخزري». ولم أر للكلمة وجها صحيحا. ويبدو أنّ الصواب كما أثبتّه : «الجزري» كما جاء في تفسير الطبريّ ، ج ١٥ ص ٢٨ : «الجزري» ، وقال : «كان الذي بعث الله عليهم في المرّة الأولى : جالوت ، وهو من أهل الجزيرة».

(٣) كذا في سع ، ورقة ٧ ب ، وفي ز ورقة ١٨٢ : «ما غلبوا عليه» ، وفي المخطوطات : «ما علوا عليه».

٤٠٤

الله في الآخرة بختنصر البابليّ المجوسيّ فقتل وسبى وخرّب بيت المقدس ، وقذف فيها الجيف والعذرة. ويقال : إنّ فسادهم الثاني قتل يحيى بن زكرياء ، فبعث الله بختنصر عقوبة عليهم بقتلهم يحيى ، فقتل منهم سبعين ألفا.

وذكر بعضهم قال : كان يحيى بن زكرياء في زمان لم يكن للرجل منهم أن يتزوّج امرأة أخيه بعده. فإذا كذب متعمّدا لم يولّ الملك. فمات الملك ، وولي أخوه ، فأراد أن يتزوّج امرأة أخيه [الملك الذي مات] (١). فسألهم فرخّصوا له. وسأل يحيى بن زكرياء فأبى أن يرخّص له. فحقدت عليه امرأة أخيه. وجاءت بابنة أخي الملك الأوّل إليه ، فقال لها : سليني اليوم حكمك. فقالت : حتّى أنطلق إلى أمّي. فلقيت أمّها فقالت : قولي له : إن أردت أن تفي لنا بشيء فأعطني رأس يحيى بن زكرياء ، فقالت : أقول له خيرا من هذا. فقالت هذا خير لك منه (٢). فأتت إليه فسألته. فكره أن يخلفها ولا يولّى الملك. فدفع إليها يحيى بن زكرياء. فلمّا وضعت الشفرة على حلقه قال : [قولي] (٣) بسم الله ، هذا ما بايع عليه يحيى بن زكرياء عيسى بن مريم على أن لا يزني ولا يسرق ولا يلبس إيمانه بسوء. فلمّا أمرّت الشفرة على أوداجه فذبحته ناداها مناد من فوقها فقال : يا ربّة البيت الخاطئة الغاوية. قالت : إنّها كذلك فماذا تريد منها؟ فقال : لتبشر ، فإنّها أوّل من تدخل النار. قال فخسف بابنتها. فجاءوا بالمعاول فجعلوا يحفرون عنها وتدخل في الأرض حتّى ذهبت ولم يقدر عليها.

قوله : (عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ) : قال بعضهم : فعاد الله عليهم بعائدته. قال : (وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا) عليكم بالعقوبة. كان أعلمهم أنّ هذا كلّه كائن.

__________________

(١) زيادة من سع ، ورقة ٧ ب.

(٢) كذا في المخطوطات ، جرى الحوار بين الأمّ وابنتها. أمّا في سع فالحوار كان بين الملك والابنة هكذا : «فأعطني رأس يحيى بن زكرياء فقال : قولي لها : غير هذا خير لك. قال : فأبت وتكره أن يخلفها فلا يول الملك (كذا) ...». وما جاء في المخطوطات أصحّ. وانظر تفاصيل هذا في روايات طويلة في تفسير الطبريّ ، ج ١٥ ص ٢٩ فما بعدها.

(٣) كذا في سع ورقة ٧ ظ ، وفي المخطوطات : د وق وج وع : «وتالله وتالله ، وبالله».

٤٠٥

قوله : (وإن عدتّم عدنا) قال الحسن : إنّ الله عاد عليهم بمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأذلّهم بالجزية. [قال بعضهم : هو ك] (١) ـ قوله : (وإذ تأذّن ربّك) أي : وإذ قال ربّك في تفسير بعضهم. وقال الحسن : أشعر ربّك (لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ) [الأعراف : ١٦٧]. قال بعضهم : إنّهم عادوا فبعث الله عليهم ما شاء من نقمته. ثمّ كان كتب أن يبعث عليهم العرب فهم منهم في عذاب إلى يوم القيامة.

قوله : (وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً) (٨) : أي : سجنا ، أي : يحصرهم فيها (٢).

قوله : (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي) : أي يدعو (لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) : (٣) وقال في المزّمّل [٦] : (وأقوم قيلا) أي : أصوب. (وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً) (٩) : أي الجنّة (وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً) (١٠) : أي موجعا.

قوله : (وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ) : أي : يدعو بالشر على نفسه وعلى ولده وماله كما يدعو بالخير. وقال في آية أخرى : (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ) [يونس : ١١] أي : لأمات الذي يدعو عليه. قال : (وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولاً) (١١) : وقد فسّرناه قبل هذا الموضع (٤). وقال بعضهم : يدعو على ماله فيلعن ماله وولده ، ولو استجاب الله له لأهلكه.

__________________

(١) زيادة لا بد منها لتستقيم العبارة.

(٢) هذا قول نسب إلى ابن عبّاس وقتادة والضحّاك ومجاهد وأبي زيد. وذهب الحسن إلى أنّ قوله (حصيرا) يعني مهادا وفراشا وانتزع بقوله تعالى : (لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ) [الأعراف : ٤١]. ومن معاني الحصير البساط الصغير. وقد رجّح الطبريّ في تفسيره ، ج ١٥ ص ٤٥ ـ ٤٦ هذا التأويل الأخير وقال عنه : «هو وجه حسن وتأويل صحيح».

(٣) قال الفرّاء في المعاني ، ج ٢ ص ١١٧ : «(للّتي هي أقوم) يقول : لشهادة «لا إله إلّا الله». وقال الطبريّ في تفسيره ، ج ١٥ ص ٤٦ : «يقول : للسبيل التي هي أقوم السبل».

(٤) انظر ما سلف في هذا الجزء ، تفسير الآية ١١ من سورة يونس.

٤٠٦

قوله : (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ) : وهي السواد الذي في القمر. ويقال محي من ضوء القمر من مائة جزء تسعة وتسعون جزءا وبقي منها جزء واحد. قال : (وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً) : أي منيرة ، يعني به ضوء النهار. (لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ) : يعني بالنهار. (وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ) : بالليل والنهار. (وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلاً) (١٢) : أي بيّنّاه تبيينا ، وقال الحسن : فصّلنا الليل من النهار وفصّلنا النهار من الليل ، والشمس من القمر والقمر من الشمس.

قوله : (وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ) : قال الحسن : (طائره) : عمله (١).

قوله : (وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً (١٣) اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً) (١٤) : قال بعضهم : سيقرأ يومئذ من لم يكن قارئا في الدنيا.

ذكروا عن أبيّ بن كعب قال : يدعى الخلائق يوم القيامة للحساب ؛ فإذا كان الرجل في الخير رأسا ، يدعو إليه ويأمر به ، ويكثر عليه تبعه ، دعي باسمه واسم أبيه ، فيقوم ، حتّى إذا دنا أخرج له كتاب أبيض بخطّ أبيض في باطنه السيّئات ، وفي ظاهره الحسنات ، فيبدأ بالسيّئات فيقرأها فيشفق ويتغيّر لونه. فإذا بلغ آخر الكتاب وجد فيه : هذه سيّئاتك وقد غفرت لك فيفرح. ثمّ يقلب كتابه فيقرأ حسناته ، فلا يزداد إلّا فرحا. ثمّ إذا بلغ آخر الكتاب وجد فيه : هذه حسناتك وقد ضوعفت لك ، فيبيضّ وجهه ، ويؤتى بتاج فيوضع على رأسه ويكسى حلّتين ، ويحلّ كلّ مفصل منه ويطول ستّين ذراعا ، وهي قامة آدم. ويعطى كتابه بيمينه ، فيقال له : انطلق إلى أصحابك فبشّرهم وأخبرهم أنّ لكلّ إنسان منهم مثل هذا. فإذا أدبر قال : (هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ (١٩) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ) (٢٠) يقول الله : (فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (٢١) فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ (٢٢) قُطُوفُها دانِيَةٌ) (٢٣) [الحاقّة : ١٩ ـ ٢٣] فيقول لأصحابه : هل تعرفونني؟ فيقولون : قد غيّرتك كرامة الله ، من أنت؟ فيقول : أنا فلان بن فلان ، ليبشر كلّ

__________________

(١) هذا هو التأويل الذي ذهب إليه الجمهور من المفسّرين. قال مجاهد في ص ٣٥٩ : «(طائره في عنقه) قال : عمله ، خيره وشرّه». وقال أبو عبيدة في المجاز ، ج ١ ص ٣٧٢ : «(ألزمناه طائره) أي : حظّه».

٤٠٧

رجل منكم بمثل هذا.

وإذا كان في الشرّ رأسا يدعو إليه ، ويأمر به ، ويكثر عليه تبعه ، نودي باسمه واسم أبيه ، فيقدم إلى حسابه فيخرج له كتاب أسود بخطّ أسود ، في باطنه الحسنات وفي ظاهره السيّئات. فيبدأ بالحسنات فيقرأها ، فيفرح ويظنّ أنّه سينجو. فإذا بلغ آخر الكتاب وجد فيه : هذه حسناتك وقد ردّت عليك ، فيسودّ وجهه ويعلوه الحزن ويقنط من الخير. ثمّ يقلب كتابه فيقرأ سيّئاته فلا يزداد إلّا حزنا ، ولا يزداد وجهه إلّا سوادا. فإذا بلغ آخر الكتاب وجد فيه : هذه سيّئاتك وقد ضوعفت لك ، فيعظم للنار حتّى إنّ فخذه لتكون مسيرة ثلاثة أيّام وجلده مقدار أربعين ذراعا ؛ وتزرقّ عيناه ، ويسودّ لونه ، ويكسى سرابيل القطران. ثمّ تخلع كفّه (١) اليسرى فتجعل وراء ظهوره ، ثمّ يعطى كتابه بشماله ويقال له : انطلق إلى أصحابك وخبّرهم أنّ لكلّ إنسان منهم مثل هذا. فينطلق به وهو يقول : (يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ (٢٥) وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ (٢٦) يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ (٢٧) ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ (٢٨) هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ) (٢٩) قال الله تعالى : (ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (٣١) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ) (٣٢) [الحاقّة : ٢٥ ـ ٣٢] فيسلك فيها سبعين ذراعا كما قال الله ؛ يسلك فيها سلكا تدخل من فيه حتّى تخرج من دبره. فينادي أصحابه فيقول : هل تعرفونني؟ فيقولون : لا ندري. ولكن نرى ما بك من الحزن ، فمن أنت؟ فيقول : أنا فلان بن فلان ، ولكلّ إنسان منكم مثل هذا. ثمّ ينصب للناس فتبدو فضائحه حتّى [يعيّر و] (٢) يتمنّى أن لو انطلق به إلى النار استحياء ممّا يبدو منه.

قوله : (كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً) أي : شاهدا.

قوله : (مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها) : أي على نفسه ، (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) : أي : لا يحمل أحد ذنب آخر.

__________________

(١) كذا في بعض المخطوطات : «كفه» ، وهو أصحّ ، وفي بعضها وفي سع ، ورقة ٨ ب : «كتفه».

(٢) زيادة من سع ورقة ٨ ب.

٤٠٨

قوله : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (١٥) : قال الحسن : لا يعذّب قوما بالاستئصال حتّى يحتجّ عليهم بالرسل. كقوله : (وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولاً) [القصص : ٥٩]. وكقوله : (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ) (٢٤) [فاطر : ٢٤] يعني الأمم التي أهلك الله بالعذاب.

قوله : (وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها) : أي أكثرنا جبابرتها. قال الحسن : جبابرة المشركين فاتّبعهم السفلة (فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ) : أي الغضب (فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً) (١٦).

وكان ابن عبّاس يقرأها : (أمّرنا مترفيها) ، مثقّلة ، من قبل الإمارة. كقوله : (وَكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها لِيَمْكُرُوا فِيها) [الأنعام : ١٢٣]. وكان الحسن يقرأها : (آمرنا) ، وهي أيضا من الكثرة. وبعضهم يقرأها : (أمرنا) أي : أمرناهم بالإيمان ففسقوا فيها ، أي : أشركوا ولم يؤمنوا.

قوله : (وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً) (١٧) : وهو كقوله : (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ ، إِلَّا اللهُ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ ...) إلى آخر الآية [إبراهيم : ٩].

قوله : (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ) : [وهو المشرك الذي لا يريد إلّا الدنيا ، لا يؤمن بالآخرة] (١) (عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً) : أي في نقمة الله (مَدْحُوراً) (١٨) : مطرودا مباعدا عن الجنّة في النار.

قوله : (وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها) : أي : عمل لها عملها (وَهُوَ مُؤْمِنٌ) : أي وهو موفّ بالقول والعمل (٢) (فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ) : أي عملهم (مَشْكُوراً

__________________

(١) زيادة من سع ورقة ٨ ب ، ومن ز ، ورقة ١٨٣.

(٢) كذا في المخطوطات الأربع : «وهو موف بالقول والعمل». وهذا تأويل من الشيخ هود الهوّاريّ بدلا ممّا ـ

٤٠٩

(١٩) : أي يثيبهم الله به الجنّة.

قوله : (كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ) : يعني المؤمنين والمشركين في رزق الله في الدنيا. (وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً) (٢٠) : أي مقبوضا (١). وقال بعضهم : ممنوعا. يقول : يستكملون أرزاقهم التي كتب الله لهم.

قوله : (انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ) : أي في الدنيا ، في الرزق والسعة وخوّل بعضهم بعضا ، يعني وملّك بعضهم بعضا. (وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً) (٢١).

قوله : (لا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً) : أي في نقمة الله (مَخْذُولاً) (٢٢) : في عذاب الله. قوله : (وَقَضى رَبُّكَ) (٢) : أي وأمر ربّك (أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) : يقول : وأمر ربّك بالوالدين إحسانا ، أي : برّا. (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍ) : أي إن بلغا عندك الكبر أو أحدهما ، فوليت منهما ما وليا منك في صغرك ، فوجدت منهما ريحا يؤذيك ، فلا تقل لهما أفّ. وقال الحسن : (فلا تقل لّهما أفّ) أي : ولا تؤذهما. قوله : (وَلا تَنْهَرْهُما) : يعني الانتهار. وقال مجاهد : لا تغلظ لهما. قوله : (وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً) (٢٣) : أي قولا ليّنا سهلا.

__________________

ـ جاء في سع ورقة ٨ و : «(وهو مومن) : مخلص بالإيمان». وقد حذف الشيخ هود هنا حديثا لم يصحّ عنده ذكره ابن سلّام هكذا : «خالد عن الحسن قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لا يقبل الله عمل عبد حتّى يرضى قوله». وقد بحثت عن هذا الحديث في عدّة مصادر من الحديث والتفسير فلم أعثر له على أثر. فهل هو ممّا انفرد به تفسير ابن سلّام؟ ...

(١) كذا في المخطوطات الأربع «مقبوضا» ، وفي سع ٨ و : «منقوصا».

(٢) هذه هي القراءة الصحيحة المشهورة : (وقضى ربّك) أي : أمر ربّك كما ذكره أبو عبيدة في المجاز ، ج ١ ص ٣٧٤. ونسبت قراءة إلى أبي بن كعب وابن مسعود بلفظ : (ووصّى ربّك) وهي قراءة بالمعنى. والصحيح ما عليه جمهور القرّاء والمفسّرين. وقد أورد ابن سلّام في كتابه التصاريف ، ص ٣٤٠ ـ ٣٤٣ عشرة أوجه لتفسير (قضى) واستوفى القرطبيّ في تفسيره ، ج ١٠ ص ٢٣٧ معاني لفظ (قضى) موجزا القول في ذلك. وانظر اللسان (قضى).

٤١٠

قوله : (وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ) : أي : لا تمتنع من شيء أحبّاه.

ذكروا أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أوصى بعض أهل بيته فكان فيما أوصاه : أطع والديك وإن أمراك أن تخرج من مالك كلّه فافعل (١).

قوله : (وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً) (٢٤) : هذا إذا كانا مسلمين ، وإذا كانا مشركين فلا يقل : ربّ ارحمهما. هذا الحرف منسوخ نسخه (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى) [التوبة : ١١٣].

ذكروا أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : من أصبح بارّا بوالديه أصبح له بابان مفتوحان إلى الجنّة ، [ومن أمسى مثل ذلك] (٢) ، وإن واحد فواحد ، ومن أصبح عاقّا لوالديه أصبح له بابان مفتوحان إلى النار ، وإن واحد فواحد ، وإن ظلماه وإن ظلماه وإن ظلماه (٣).

ذكروا أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : رضا الربّ مع رضا الوالد ، وسخط الربّ مع سخط الوالد (٤).

ذكروا أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : إنّ فوق كل برّ برّا حتّى إن الرجل يهريق دمه في سبيل الله ، وإنّ فوق كلّ فجور فجورا حتّى إنّ الرجل ليعقّ والديه (٥).

قوله : (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ) : أي من برّ الوالدين (إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً) (٢٥) : الأوّاب التائب الراجع عن ذنبه.

__________________

(١) أخرجه يحيى بن سلّام عن مكحول مرسلا. ولم أجده بهذا اللفظ فيما بين يديّ من كتب الحديث إلّا ضمن حديث روي عن ابن عبّاس بسند ضعيف.

(٢) زيادة من سع ورقة ٨ ظ.

(٣) أخرجه يحيى بن سلّام بسند عن ابن عبّاس في ورقة ٨ ظ ، وأخرجه ابن أبي شيبة والبيهقيّ عن ابن عبّاس مرفوعا كما في الدرّ المنثور ، ج ٤ ص ١٧٤.

(٤) أخرجه يحيى بن سلّام بسند عن يعلى بن عطاء عن أبيه عن عبد الله بن عمرو ، في ورقة ٨ ظ. وأخرجه الترمذيّ في أبواب البرّ والصلة ، باب الفضل في رضا الوالدين عن عبد الله بن عمرو مرفوعا.

(٥) أخرجه يحيى عن الحسن مرسلا ، ولم أجده في مصادر أخرى.

٤١١

قوله : (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) : يعني ما أمر الله به من صلة القرابة. يقال : إن كان لك مال فصله بمالك ، وإن لم يكن لك مال فامش إليه برجلك. قال الحسن : حقّ الرحم ألّا تحرمها ولا تهجرها.

ذكروا أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : إنّ الرّحم معلّقة بالعرش. وليس الواصل بالمكافئ ، ولكن الذي إذا انقطعت رحمه وصلها (١). قوله : (وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ) : وهما صنفان من أهل الزكاة الواجبة. وكانت نزلت قبل أن يسمّى أهل الزكاة. (وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً) (٢٦) : أي لا تنفق في غير حقّ.

ذكر الحسن قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما أنفقتم في سبيل الله فلكم ، وما أنفقتم على أنفسكم فلكم ، وما أنفقتم على عيالكم فلكم ، وما تركتم فللوارث (٢).

ذكروا عن عليّ قال : ما أنفقت على نفسك فلك ، وما أنفقت على عيالك فلك ، وما أنفقت رياء وسمعة فهو للشيطان.

قوله : (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ) : يعني المشركين (٣) ينفقون في معاصي الله ، فهو للشيطان. وما أنفق المؤمن لغير الله لا يقبله الله. وإنّما هو للشيطان. قال : (وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً) (٢٧).

قوله : (وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها) : أي ابتغاء الرزق (فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً) (٢٨).

ذكروا عن الحسن أنّ سائلا قام فقال : يا رسول الله ، لقد بتنا البارحة بغير عشاء ، وما

__________________

(١) انظر ما سلف قريبا في هذا الجزء ، تفسير الآية ٩٠ من سورة النحل.

(٢) أخرجه يحيى بن سلّام عن الحسن مرسلا ، في ورقة ٨ ظ ، ولم أعثر عليه بهذا اللفظ فيما لديّ من المصادر.

(٣) الآية أعمّ من أن تقصر على المشركين ، بل هي عامّة في كلّ المبذّرين في كلّ زمان ومكان. وقد جدّت أنواع من التبذير في زماننا وتسابق الناس في مظاهر الإسراف ، وقلّدوا غيرهم في التباهي والتفاخر في موائد الأفراح مثلا ، وفي الملبس والمشرب ، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله.

٤١٢

أحسبنا الليلة نرجوه. فقال : يرزقنا الله وإيّاك من فضله ، اجلس. فجلس. ثمّ قام آخر فقال مثل ذلك. فردّ عليه رسول الله مثل ذلك. فأتي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأربع أواق من ذهب ، فقال : أين السائلان؟ فقام الرجلان فأعطى كلّ واحد منهما أوقية ، ولم يسأله أحد ، فرجع بأوقيتين ، فجعلهما تحت فراشه. فسهر ليلته بين فراشه ومسجده ، فقالت أمّ المؤمنين : يا رسول الله ما أسهرك؟ أوجع أو أمر نزل؟ فقال : يا عائشة ، أتيت بأربع أواق فأمضيت وقيّتين وبقيت وقيّتان ، فخشيت أن يحدث بي حدث ولم أوجّههما.

قال بعضهم : بلغنا أنّ قوله : (فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً) أن يقول لهم : يرزقنا الله وإيّاك.

ذكر عن عائشة أنّها قالت : لا تقولوا للسائل : بارك الله فيك ، فإنّه قد يسأل البرّ والفاجر ، ولكن قولوا : يرزقنا الله وإيّاك.

وقوله (ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها) يعني : انتظار رزق من ربّك.

ذكر الحسن قال : كان السائل يسأل فيقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : والله ما أصبح في بيوت آل محمّد صاع من طعام ، وهي يومئذ تسعة أبيات. ولم يكن به شكوى ، ولكن والله اعتذار منه عليه‌السلام.

قوله : (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ) : أي لا تدع النفقة في حقّ الله فيكون مثلك مثل الذي غلّت يده إلى عنقه فلا يستطيع أن يبسطها. قال : (وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ) : أي فتنفق في غير حقّ الله (فَتَقْعُدَ مَلُوماً) : في عباد الله لا تستطيع أن توسع الناس (مَحْسُوراً) (٢٩) : أي قد ذهب ما في يديك. يقول : قد حسر (١). وقال بعضهم : يقول : لا تمسكها عن طاعة الله ولا عن حقّه ، ولا تبسطها كلّ البسط أي : لا تنفقها في معصية الله وفيما لا يصلح ، وهو الإسراف. قال : (فتقعد ملوما) في عباد الله (مّحسورا) أي : على ما سلف من أمره وفرط.

__________________

(١) قال أبو عبيدة في المجاز ، ج ١ ص ٣٧٥ : «(ملوما مّحسورا) أي : منضى قد أعيا. يقال : حسرت البعير ، وحسرته بالمسألة ، والبصر أيضا : إذا رجع محسورا».

٤١٣

قوله : (إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) : أي ويقتر. وتقتيره على المؤمن نظر له. (إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً) (٣٠).

قوله : (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ) : يعني الموءودة (خَشْيَةَ إِمْلاقٍ) : أي خشية الفاقة. كان أحدهم يقتل ابنته ، يدفنها وهي حيّة حتّى تموت مخافة الفاقة ، ويغذو كلبه. (نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً) (٣١) : أي ذنبا كبيرا. أي : قتل النفس التي حرّم الله من الكبائر.

قوله : (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلاً) (٣٢) : أي وبئس الطريق.

قوله : (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِ) : أي إلّا بالقود ؛ أن يقتل قتيلا فيقتل بمن قتل. قوله : (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً) : أي : القود ، إلّا أن يعفو الوليّ أو يرضى بالدية إن أعطيها. قوله : (فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ) : أي لا يقتل غير قاتله. (إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً) (٣٣) : أي ينصره السلطان حتّى يقيده منه (١). وقال بعضهم : (إنه كان منصورا) أي : في الآخرة ، يعني الذي يعتدى عليه فقتل ، وليس هو قاتل الأوّل ، أي : ينصر على الذي اعتدى عليه فقتله.

قوله : (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) : والتي هي أحسن أن يوفّر عليه ماله (حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ) (٢) : أي حتّى إذا بلغ أشدّه دفع إليه ماله إن أونس منه رشد (٣). قال بعضهم : لمّا نزلت هذه الآية اشتدّت عليهم فكانوا لا يخالطونهم في المال ولا في المأكل فجهدهم ذلك فنسختها هذه الآية (تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ) [البقرة : ٢٢٠].

__________________

(١) قال الفرّاء في المعاني ، ج ٢ ص ١٢٣ : «وقوله : (إنّه كان منصورا) يقال : إنّ وليّه كان منصورا. ويقال : الهاء للدم ؛ إنّ دم المقتول كان منصورا ، لأنّه ظلم. وقد تكون الهاء للمقتول نفسه ، وتكون للقتل ، لأنّه فعل ، فيجري مجرى الدم ، والله أعلم بصواب ذلك».

(٢) روى عن ابن عبّاس أنّه قال : «الأشدّ ما بين ثماني عشرة إلى ثلاثين».

(٣) جاءت العبارة ناقصة في ق ود ، فأثبتّ التصحيح من ز ، ورقة ١٨٤ ، ومن سع ، ورقة ٩.

٤١٤

قوله : (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ) : يعني ما عاهدتم عليه فيما وافق الحقّ. (إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً) (٣٤) : أي مطلوبا ، يسأل عنه أهله الذين أعطوه.

قوله : (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ) : والقسطاطس العدل بالروميّة (ذلِكَ خَيْرٌ) : أي : إذا وفّيتم الكيل وأقمتم الوزن. (وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) (٣٥) : أي خير ثوابا وخير عاقبة.

قوله : (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) (٣٦) : أي لا تقل : رأيت ولم تر ، أو سمعت ولم تسمع فإنّ الله سائلك عن ذلك كلّه (١).

قال الحسن : لا تقف أخاك المسلم من بعده إذا مرّ بك فتقول : إنّي رأيت هذا فعل كذا وكذا ، ورأيت هذا يفعل كذا وكذا ، وسمعته يقول كذا وكذا لما لم تر ولم تسمع. (كلّ أولئك كان عنه مسئولا) أي : لا تقل : رأيت وسمعت فإنّ الله سائلك عن ذلك كلّه ، أي : يسأل السمع على حدة عمّا سمع ، ويسأل البصر على حدة عمّا رأى ، ويسأل القلب عمّا عزم عليه.

قوله : (وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً) : أي على الأرض. و (في) في هذا الموضع بمعنى على. (مرحا) أي : كما يمشي المشركون ، فتمرح في الأرض ، وهي مثل قوله : (ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ) (٧٥) [غافر : ٧٥]. وكقوله : (وَفَرِحُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا) [الرعد : ٢٦] يعني المشركين الذين لا يقرّون (٢) بالآخرة.

قال : (إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ) : أي بقدميك إذا مشيت (٣). (وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ

__________________

(١) (لا تقف) من قفوت الأثر إذا تتّبعته. قال أبو عبيدة في المجاز ، ج ١ ص ٣٧٩ : «مجازه : ولا تتّبع ما لا تعلمه ولا يعنيك. وذكر أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «نحن بنو النضر بن كنانة لا نقذف أمّنا ولا نقفو آباءنا». وروي في الحديث : «ولا نقتفي من أببنا». وقال ابن قتيبة في غريب القرآن ، ص ٢٥٤ : «(ولا تقف ما ليس لك به علم) أي : لا تتبعه الحدس والظنون ثمّ تقول : رأيت ولم تر ، وسمعت ولم تسمع ، وعلمت ولم تعلم».

(٢) كذا في د وع : «لا يقرّون» ، وفي ق : «لا يقولون» ، وفي سع «لا يفرحون» وهذه الأخيرة أنسب.

(٣) وقال أبو عبيدة في المجاز ، ج ٢ ص ٣٨٠ : «مجازه : لن تقطع الأرض ... وقال آخرون : إنّك لن تنقب ـ

٤١٥

طُولاً (٣٧) كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً) (٣٨) : في قراءة من قرأها بالرفع ، يقول : سيّء ذلك الفعل ، ومن قرأها بالنصب يقول : كل ذلك كان سيّئة توجب عند ربّك مكروها. (ذلِكَ مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً) (٣٩) : أي ملوما في نقمة الله ، مدحورا في عذاب الله. والمدحور المطرود المبعد المقصى عن الجنّة في النار.

قوله : (أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً) : على الاستفهام. أي : لم يفعل ذلك ، لقولهم : إنّ الملائكة بنات الله. (إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً) (٤٠).

قوله : (وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا) : أي : ضربنا في هذا القرآن الأمثال ، فأخبرناهم أنّا أهلكنا القرون الأولى ليذّكّروا فيؤمنوا ، لئلّا ينزل بهم العذاب مثلما نزل بالأمم السالفة قبلهم من عذاب الله. (وَما يَزِيدُهُمْ) : ذلك (إِلَّا نُفُوراً) (٤١) : أي إلّا تركا لأمر الله ، يعني أنّهم كلّما نزل من القرآن شيء كفروا به ونفروا. ذكروا عن الحسن أنّه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : والذي نفسي بيده لتدخلنّ الجنّة إلّا أن تشردوا على الله كما يشرد البعير على أهله ، ثمّ تلا هذه الآية : (وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَما يَزِيدُهُمْ ، إِلَّا نُفُوراً) (١).

قوله : (قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ) : وهي تقرأ على الياء والتاء. فمن قرأها بالياء فهو يقول : إنّه قال للنبيّ : قل لهم : (لو كان معه ، ءالهة) ، ثمّ أقبل على النبيّ فقال : كما يقولون. ومن قرأها بالتاء فهو يقول : إنّه قال للنبيّ : قل لهم : (لو كان معهءالهة) كما تقولون ؛ (إِذاً لَابْتَغَوْا) : يعني الآلهة لو كانت آلهة (إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً) (٤٢) : أي : إذا لطلبوا إليه الوسيلة والقربة. وقال بعضهم : إذا لعرفوا له فضله عليهم ولابتغوا ما يقرّبهم إليه.

__________________

ـ الأرض ، وليس بشيء».

(١) رواه يحيى بن سلّام هكذا : «يحيى عن الحسن بن دينار ، عن الجريري عن يعلى بن عطاء قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ...» ولم أعثر عليه فيما بين يديّ من المصادر.

٤١٦

قوله : (سُبْحانَهُ) : ينزّه نفسه (وَتَعالى) : أي ارتفع (عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً) (٤٣) : أي ارتفاعا عظيما.

(تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ) : أي ومن فيهنّ (وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَ) : أي من المؤمنين ومن يسبّح له من الخلق. (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً) (٤٤).

قال الحسن : إنّ الجبل يسبّح ، فإذا قطع منه شيء لم يسبّح ذلك المقطوع ويسبّح الأصل. وكذلك الشجرة ما قطع منها لم يسبّح وتسبّح (١).

قال : (وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ، إِنَّهُ ، كانَ حَلِيماً غَفُوراً) كقوله : (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ) وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) (٦١) [النحل : ٦١] أي : إذا لحبس عنهم القطر فأهلكهم. قال : (غفورا) لهم ، أي : إن تابوا. وقال بعضهم : (حليما) أي : عن خلقه فلا يعجل كعجلة بعضهم على بعض ، غفورا لهم إذا تابوا وراجعوا الحقّ.

قوله : (وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) : أي لا يصدّقون (بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً) (٤٥) : أي جعل الله الكفر الذي كان منهم حجابا لهم حجبهم به عن الإيمان. (وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ) : أي لئلّا يفقهوه (وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً) : وهو مثل قوله : (وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً) [الجاثية : ٢٣] وكلّ هذا إنّما فعله الله بهم لفعلهم الكفر الذي كان منهم (٢).

__________________

(١) كذا في ع وق ، وفي د : «يسبّح الأصل». وما أثبتّه هو الصواب. وانظر في معاني الفرّاء ، ج ٢ ص ١٢٤ ـ ١٢٥ بيانا لغويا شافيا في تذكير قوله تعالى : (يسبّح) أو تأنيثه ، وروى الفرّاء في آخر كلامه قولا لسعيد بن جبير قال : «كلّ تسبيح في القرآن فهو صلاة ، وكلّ سلطان حجّة ، هذا لقوله : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ)».

(٢) هذه الجملة الأخيرة من كلام الشيخ هود الهوّاريّ ، موجودة في المخطوطات الأربع دون سع.

٤١٧

قال بعضهم : (حجابا مّستورا) وهو أكنّة على قلوبهم بأن لا يفقهوه. أي : إنّما جعل الله الكفر حجابا على أهله لا يفقهون معه الحقّ ولا يقبلونه لتديّنهم بالكفر وتعلّقهم به (١).

قوله : (وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ) : أي إذا قلت : لا إله إلّا الله (وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً) (٤٦) : أي أعرضوا. وقال بعضهم : إنّ المسلمين لمّا قالوا لا إله إلّا الله أنكر ذلك المشركون وكبرت عليهم ، وضاق بها إبليس وجنوده. وهو كقوله : (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ) (٥) [سورة ص : ٥]. قوله : (وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً) أي : أعرضوا عنه ونفرت منه قلوبهم ، وما برحت أبدانهم من أماكنها ، وإنّما نفروا بقلوبهم بالإعراض والتكذيب.

قوله : (نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوى) : أي يتناجون في أمر النبيّ عليه‌السلام. (إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ) : أي المشركون (إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً) (٤٧).

قال بعضهم : بلغنا أنّ أبا سفيان بن حرب وأبا جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة في رهط من قريش قاموا من المسجد إلى دار في أهل الصفا فيها نبيّ الله يصلّي ، فاستمعوا. فلمّا فرغ نبيّ الله من صلاته قال أبو سفيان لعتبة : يا أبا الوليد ، أناشدك الله هل تعرف شيئا ممّا يقول؟ فقال عتبة : اللهمّ أعرف بعضا وأنكر بعضا. فقال أبو جهل : وأنت يا أبا سفيان؟ قال أبو سفيان : اللهمّ نعم. فقال أبو سفيان لأبي جهل : يا أبا الحكم هل تعرف شيئا ممّا يقول؟ قال أبو جهل : لا والذي جعلها بنيّة ، يعني الكعبة ، ما أعرف ممّا يقول قليلا ولا كثيرا ، وإن يتبعون إلّا رجلا مسحورا ، يعني المؤمنين اتّبعوا رجلا مسحورا. وقال بعضهم : [نجواهم أن زعموا أنّه] (٢) مجنون وأنّه ساحر ، وقالوا : أساطير الأوّلين.

__________________

(١) وهذه الجملة أيضا من قوله : «إنّما جعل الله الكفر ...» وهي تأكيد للمعنى الأوّل ، من زيادات الشيخ هود انفردت بها المخطوطات الأربع.

(٢) زيادة من سع لتستقيم العبارة.

٤١٨

قال الله : (انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ) : أي الأشباه (١) (فَضَلُّوا) : بقولهم ذلك (فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً) (٤٨) : قال مجاهد : مخرجا [ممّا قالوا] يعني الوليد بن المغيرة وأصحابه. وقال في قوله : (إذ يستمعون إليك) : [هو مثل] (٢) قول الوليد بن المغيرة ومن معه في دار الندوة (٣).

(وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً) : أي ترابا (٤) في تفسير مجاهد. (أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً) (٤٩) : على الاستفهام ، أي : لا نبعث. وهو كقوله : (وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ) (٧٨) [سورة يس : ٧٨]. كان أبيّ بن خلف أتى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعظم نخر ففتّه ، ثمّ قال : يا محمّد ، أيحيي الله هذا؟ قال الله (قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ) [يس : ٧٩].

قوله : (قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً) (٥٠) : لمّا قالوا : (أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً) قال الحسن : فقال الله : (قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً). (أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ) : أي الموت ، أي : إذا لأماتكم ثمّ يبعثكم يوم القيامة (فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا) : أي : خلقا جديدا (قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) قل الذي فطركم ، أوّل مرّة (فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ) : أي فسيحرّكون إليك رؤوسهم تكذيبا واستهزاء. قال : (وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ) : يعنون البعث (قُلِ) : يا محمّد (عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً) (٥١) : وعسى من الله واجبة ؛ وكلّ ما هو آت قريب.

__________________

(١) هذه الكلمة لم ترد في سع ولا في ز ، ووردت في المخطوطات الأربع ، وهي ليست من زيادات الشيخ هود ، فهل معنى ذلك أن أصول المخطوطات الأربع لم تنقل من نفس المخطوطة التي بين أيدينا الآن من تفسير ابن سلّام؟.

(٢) زيادة من تفسير مجاهد ، ص ٣٩٦ ـ ٣٦٣.

(٣) إشارة إلى معنى قوله تعالى في سورة الأنفال : ٣٠ : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ) وقد أيّد الطبريّ تأويل مجاهد هذا فقال في تفسيره ، ج ١٠ ص ٩٥ : «وعني فيما ذكر بالنجوى الذين تشاوروا في أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في دار الندوة).

(٤) جاء في معاني القرآن للفرّاء ، ج ٢ ص ١٢٥ : «الرّفات : التراب لا واحد له ، بمنزلة الدّقاق والحطام».

٤١٩

قال : (يَوْمَ يَدْعُوكُمْ) : أي من قبوركم ؛ ينادي صاحب الصّور أن ينفخ فيه. (فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ) : أي بمعرفته في تفسير الحسن. وقال بعضهم : بطاعته ومعرفته. والاستجابة خروجهم من قبورهم إلى الداعي صاحب الصور إلى بيت المقدس. قال : (وَتَظُنُّونَ) : أي في الآخرة (إِنْ لَبِثْتُمْ) : أي في الدنيا (إِلَّا قَلِيلاً) (٥٢) : وهو مثل قوله : (قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) [المؤمنون : ١١٣] ، أي : تصاغرت الدنيا عندهم ، ومثل قوله : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ) أي : المشركون (ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ) قال الله : (كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ) (٥٥) أي : يصدّون عن الهدى ، وقال : (وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ) [الروم : ٥٥ ـ ٥٦] ، وهي مقدّمة ؛ يقول : وقال الذين أوتوا العلم في كتاب الله والإيمان : لقد لبثتم إلى يوم البعث. وقال في الآية الأولى : (إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً) [المؤمنون : ١١٤] أي : إنّ الذي كانوا فيه من الدنيا قليل في الآخرة لأنّها لا تنقضي ، فعلموا هنالك ، أي : في الآخرة ، أنّه كذلك. وقال بعضهم : وذلك ممّا تحاقرت الدنيا في أنفسهم لما عاينوا يوم القيامة.

قوله : (وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) : أي يأمروهم بما أمرهم الله به وينهوهم عمّا نهاهم الله عنه. (إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ) : أي يفسد بينهم. (إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً) (٥٣) : أي بيّن العداوة. قوله : (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ) : أي بأعمالكم ، يعني المشركين (إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ) : أي يتوب عليكم فيمنّ عليكم بالإيمان (أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ) : أي بإقامتكم على الشرك (وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً) (٥٤) : أي حفيظا لأعمالهم حتّى تجازيهم بها.

قوله : (وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ) : قال الحسن : كلّم بعضهم ، واتّخذ بعضهم خليلا ، وأعطى بعضهم إحياء الموتى. (وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً) (٥٥) : وهو اسم الكتاب الذي أعطاه الله. قال بعضهم : بلغنا أنّ الزبور دعاء علّمه الله داود ، وهو تحميد وتمجيد لله ، وليس فيه حلال ولا حرام ولا فرائض ولا حدود.

٤٢٠