تفسير البيان الصافي لكلام الله الوافي - ج ٤

الشيخ محمد حسن القبيسي العاملي

تفسير البيان الصافي لكلام الله الوافي - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمد حسن القبيسي العاملي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة البلاغ
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٦٠

انما حكم هذا الفيء : انه كله لله ولرسوله ولذي قرباه. والرسول ص وآله هو الذي يتصرف فيه كله في هذه الوجوه. والقربى المذكورة في الايتين هم قرابة رسول الله ص وآله خاصة. لان الصدقة لا تحل لهم. فليس لهم في الزكاة نصيب. وقد جعل الله لهم خمس الغنائم نصيبا. كما جعل لهم من هذا الفيء وأمثاله نصيبا.

وكان أول ظلم لآل بيت محمد ص وآله ـ بعد غصب الخلافة منهم ـ غصب حقهم من الخمس الذي اختصه الله تعالى بهم مقابل ما حرم عليهم من الزكاة. وبعد ذلك فقد غصبوا فاطمة الزهراء (ع) حقها الخاص الذي كان بأمر الله تعالى (وهي فدك) وقد ذكر ذلك في القرآن فقال : (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) وذلك حين سلمت اليهود فدك بدون حرب بعد فتح خيبر. فأمر الله نبيه أن يسلمها لفاطمة خاصة. وبقيت في يدها ثلاث سنين على حياة رسول الله تأكل نتاجها. فلما تولى ابوبكر غصبها اياها ومنعها منها وهو ظلم فاحش. (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ).

(وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) فسلطان التشريع في الاسلام مستمد من هذا التشريع. فقول رسول الله وفعله وتقريره حجة لازمة لحجية القرآن المجيد بدون أدنى قصور أو نقص. فلذا من الخطأ الظاهر أن يفرق بين ما ثبت عن القرآن وما ثبت عن رسول الله ص وآله. بعد ذلك ومثله قوله تعالى : (من أطاع الرسول فقد أطاع الله).

(لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ) وهذه صورة صادقة تبرز فيها أهم الملامح المميزة للمهاجرين) الذين أكرهوا على الخروج من ديارهم وأموالهم بالأذى والاضطهاد من أهل مكة الطغاة.

٤٤١

لا لذنب فعلوه. بل لايمانهم بالله ورسوله ص وآله واتباع الحق عند تحققه.

(وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ) فلم يعرف التاريخ البشري كله حادثا جماعيا. كحادث استقبال الانصار للمهاجرين. بالحب لهم والبذل بكل ما يملكون ومقاسمتهم لاموالهم.

حتى قيل انه لم ينزل مهاجري في دار انصاري الا بالقرعة. لشدة المزاحمة على تلقيهم لان عدد الراغبين في الايواء اكثر من عدد المهاجرين (وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا).

(وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ) والايثار على النفس مع الحاجة قمة عليا. وقد بلغ اليها الانصار بما لم تشهد البشرية له نظيرا.

(وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ ...) وهذه صورة ثالثة نظيفة رضية واعية. وهي تبرز أهم ملامح التابعين. كما تبرز أخص خصائص الامة المسلمة على الاطلاق في جميع الاوطان والازمان.

وتتجلى من وراء تلك النصوص طبيعة هذه الامة المسلمة وصورتها الوضيئة في هذا الوجود انها صورة باهرة تمثل حقيقة قائمة. كما تمثل ارفع وأكرم مثال للبشرية يتصوره قلب عظيم.

(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ) هذه هي قافلة الايمان. وهذا هو دعاء الايمان. وانها لقافلة كريمة. وانه لدعاء كريم ، وانهم لعباد مكرمون لرب كريم.

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (١١) لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (١٢) لَأَنْتُمْ أَشَدُّ

٤٤٢

رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (١٣) لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ (١٤) كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٥))

البيان : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا) انها حكاية قالها المنافقون ليهود بني النضير. في غزوة الاحزاب حتى نكثوا عهدهم مع رسول الله ص وآله. ثم لم يفوا وخذلوهم. حتى أتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب. ولكن في كل جملة قرآنية لفتة تقرر حقيقة. وتمس قلبا. وتبعث انفعالا. واول لفتة هي تقرير القرابة بين المنافقين والكافرين.

(يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ) فأهل الكتاب الكفار. والمنافقون اخوان ولو تغطّوا برداء الاسلام. ثم يقرر حقيقة قائمة في نفوس المنافقين واخوانهم الكفرة الفجرة. (لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللهِ) ولو انهم كانوا يعرفون لما كانت رهبة المخلوق أعظم من رهبة الخالق في قلوبهم.(فالعزة لله جميعا) وكل قوى في الكون خاضعة لأمره (وما من دابة في الارض الا هو آخذ بناصيتها).

(لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ) والقرآن المجيد يقر هذه الحقيقة في قلوب المؤمنين. ليهون فيها من شأن أعدائهم. ويرفع منها هيبة هؤلاء الاعداء ورهبتهم. فهو ايحاء قائم على حقيقة. وتعبئة روحية. ترتكن الى حق ثابت. ومتى أخذ المسلمون قرآنهم مأخذ الجد هان عليهم أمر عدوهم وعدو الله. واتحدت قلوبهم في صف واحد. فلم تقف لها قوة في الحياة.

(كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ) وذلك في وقعة بني قنيقاع كانت بعد غزوة بدر وقبل غزوة أحد. وكان بينهم وبين

٤٤٣

رسول الله عهد فلما انتصر المسلمون في بدر ساءهم ذلك. وصاروا يفكرون في حرب المسلمين لئلا يطمعوا بهم فبلغ ذلك رسول الله ص وآله فحذر نكث العهد فأجابوه بكلام جاف وتهديد. ومن جملة كلامهم (انك لا تحسبنا كقومك الذين غلبتهم ثم أخذوا يتحرشون بالمسلمين. وقد اعتدوا على امرأة مسلمة كانت تبيع اللبن عندهم فكشفوا عن رأسها وضحكوا عليها. فصاحت فوثب رجل مسلم على من كشف رأسها فقتله وشدت اليهود على المسلم فقتلوه. فغضب المسلمون وثاروا لأخذ ثأرهم

وحاصرهم رسول الله ص وآله. حتى نزلوا على حكمه. فرض رسول الله ص وآله في النهاية أن يجلوا عن المدينة وأن يأخذوا معهم أموالهم ومتاعهم الا السلاح ورحلوا الى الشام.

فهذه هي الواقعة التي يشير اليها القرآن الكريم. ويقيس عليها حال بني النضير وحقيقتهم.

(كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ (١٦) فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ (١٧) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٨) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (١٩) لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ (٢٠))

البيان : صور أغواء الشيطان هنا ودوره مع من يستجيب له من بني البشر. تتفقان مع طبيعته ومهنته. فاعجب العجب ان يستمع اليه الانسان بعد ان حذره الله منه كثيرا. فالخالق العظيم يحذر هذا الانسان من عدوه اللدود والشيطان نفسه قد هدد ووعد انه سيكرّس حياته ليوم البعث في غواية هذا الانسان ومع هذا كله فنرى كثيرا من

٤٤٤

ابناء البشر الذين يدعون الفهم والعلم. يعصون خالقهم ويطيعون عدوهم الشيطان فيما يشقيهم.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ) التقوى حاله في القلب منحصرة في من عرف خالقه بصفاته الكمالية. بحيث تحصر جلب كل خير. ودفع كل شر بمعونة الله لا غير فتخلص اليه.

(وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ) وهو تعبير وايحاء أوسع من ألفاظه بكثير. ومجرد خطوره على القلب يفتح أمامه صفحة اعماله بل صفحة حياته. ويمد ببصره في سطورها كلها يتأملها وينظر رصيد حسابه بمفرداته وتفصيلاته. لينظر ماذا قدم لغده. في هذه الصفحة.

وهذا التأمل كفيل بان يوقظه الى مواضع ضعفه. ومواضع نقصه. ومواضع تقصيره. مهما يكون قد أسلف من خير وبذل من جهد. فانه لابد أن يتجدد لديه النشاط الى الازدياد. واما اذا وجد أن سيئاته متغلبة على حسناته. فهنا تلتهب النار في قلبه عند سماعه لهذه الاية الكريمة. ويبادر فورا الى التوبة الى ربه والندم على ما فرط منه. والعزم على عدم العود في عصيان خالقه مهما كلفه الامر. ويؤدي للمخلوقين مالهم عليه من حقوق. ويبدأ بقضاء مافاته من فرائض اوجبها عليه خالقه بدون تقصير. وهذا هو المؤمّن. والموصل للسعادة في الدارين والى ما تقر به العين في الحياتين.

(وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) وهنا تزيد القلوب الحية حساسية ورهبة. ويقظة وتذكيرا وتحذيرا. فالذي ينسى الله يهيم في غياهب الضلال. وتستولى عليه الاهواء والشهوات ويتمكن من غوايته الشيطان فيصبح يرى الحق باطلا. والباطل حقا.

(وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ) وهي حالة عجيبة

٤٤٥

وخسران مبين.

(أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) المنحرفون عن الحق والعدل. المعرضون عن الله وأحكامه.

(لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ) لا يستويان طبيعة وحالا ولا طريقا وسلوكا. ولا وجهة ولا مصيرا فهما على مفرق طريقين ولا يلتقيان ابدا لان طريقيهما متعاكسان بطبيعتهما كالمشرق والمغرب

(أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ) بهذا ينتهي مصيرهم. ويرتفعون الى معالي الكمال. ويفوزون بأعلى الجنان وصحة الاخيار والابرار وذلك هو الفوز العظيم.

(لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (٢١) هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ (٢٢) هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٢٣) هُوَ اللهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٤))

البيان : انها صورة تمثل لنا حقيقة كأنها منظورة. فان لهذا القرآن لثقلا وسلطانا وهيمنة وأثرا يزلزل القلوب الحية. ولا يثبت لها الا المتقون الذين عرفوه فنعموا بمعرفته وأطاعوا الله فسعدوا بطاعته. فكأنهم حملوا ما يعجز عن حمله الجبال الرواسي.

واللحظات التي يكون فيها الكيان الانساني متفتحا لتلقي الحقائق من هذا القرآن المجيد. فانه يهتز ويرتجف ويقع فيه تغيرات وتحولات ما لا يمثله الجبال الشاهقة.

(لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ).

٤٤٦

والذين أحسوا شيئا من مسّ القرآن في كيانهم يتذوقون هذه الحقيقة تذوقا لا يستطيع ان يعبر عنه الا هذا النص القرآني المشعّ بالنور الرباني.

(وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) وهي خليفة بان توقظ القلوب الحية.

(هُوَ اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) انها تسبيحة مديدة بهذه الصفات المجيدة. ذات ثلاث مقاطع.

(هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ) وهو اسم يشع بالقداسة المطلقة. والطهارة المطلقة. والقدرة المطلقة. والغنى المطلق والعناية المطلقة بكل من عرفه وأخلص في طاعته. ومن المستحيل ان يوجد عاقل مختار قد عرف الله ثم لا يخلص في طاعته وقضائه.

(يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) وهو مشهد يتوقعه قلب من عرفه وأخلص في طاعته. فقذف فيه النور والحكمة فأصبح يرى ما لا يرى سواه وذلك الفوز العظيم.

* * *

ـ ٦٠ ـ سورة الممتحنة آياتها (١٣) ثلاث عشرة آية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (١) إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (٢) لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٣) قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ

٤٤٧

حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ إِلاَّ قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (٤) رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنا رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٥))

البيان : تبدأ السورة بذلك النداء الموحى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) نداء من خالق عظيم لعباده المؤمنين. يدعوهم باسم الايمان الذي ينسبهم اليه. يدعوهم لينصرهم الله بحقائق موقفهم. ويحذرهم من حبائل أعدائهم ويذكرهم باسم الايمان بالمهمة الملقاة على عاتقهم.

(لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ) فبذلك اشعار بانهم منه واليه. يعاديهم من يعاديه. فهم رجاله المنتسبون اليه. والذين يحملون اشارته في هذه الارض.

(وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ) فماذا أبقوا بعد هذه الجرائم وقد كفروا بالحق. وأخرجوا الرسول والمؤمنين لا لشيء الا لانهم آمنوا بالله ربهم) انه نداء يهيج القلوب وانها ذكريات مرتبطة بعقيدتهم. وهي التي حاربهم المشركون من أجلها لا غير.

(إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي) فما يجتمع في قلب واحد ان يهاجر في سبيل الله تعالى ثم مودة عدوه وعدوهم. ثم يحذرهم تحذيرا خفيا. مما تكن قلوبهم وما يسرون في أنفسهم من المودة لاعدائه وأعدائهم.

(تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) ثم يهددهم مخفيا لهم. ويثير في قلوبهم قوة الايمان.

(وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ) وهل هناك جريمة وخسران أكثر من الضلال.

٤٤٨

(إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً) فلا تعرض لهم فرصة من المؤمن الا أسرعوا اليها.

(وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ) وهذه عند المؤمن أشد من كل أذى وسوء. فكم من يعيش خلاف ما يموت.

(لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ) ان المؤمن يعمل واعتماده على خالقه في جلب كل محبوب. ودفع كل مكروه. والكافر يعمل واعتماده على عمله لا غير. وقد يخيب الاعتماد وقضاء الله اذا نزل لا يدفعه دافع. لا في الدنيا ولا في الاخرة.

(يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ) لان ارتباط أهل الدنيا منحصر فيها. ثم تنفصل فلا تعود.

(والله بما تعملون خبير) فالله يحاسب على النوايا. وحسب نواياكم ترزقون.

(قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) فالمؤمن الصحيح له نسب عريق متصل بماضيه بأجداده وساداته الابرار فهو يقتدي بهم ويتأسى بأعمالهم. ويسعد كسعادتهم. وهي أسوة ممتدة على آماد الزمان. تبدأ بآل محمد وتنتهي الى ابراهيم الخليل (ع).

لا في عقيدته فحسب. بل في تجاربه التي عاناها اولئك الكرام البررة. فالمؤمن يشعر ان له رصيدا قويا اكبر من رصيده الشخصي. وأكبر من رصيد جيله الذي يعيش فيه.

ان هذه القافلة ـ من الابرار ـ الممتدة في شعاب الزمان. متصلة بحبل الله المتين. الذين يعملون لله. ويرفعون رايته الحقة في كل مكان وزمان. وقد صمدوا امام المحسن والهزاهز.

٤٤٩

ولم ترعبهم الاهوال. ولم تخدعهم الاهواء والمغريات. مهما كثرت.

ثم ان للمؤمن التقي أمة طويلة عريضة يلتقي معها في العقيدة والعمل والتخطيط وهي الشجرة الاولى التي غرسها خليل الرحمن ابراهيم وكان من فروعها سيد الكائنات محمد الحبيب وأهل بيته المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين.

وقد كان بعض المنافقين ينددون باستغفار ابراهيم لأبيه الكافر فأخبر الله تعالى (ما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ).

ومن جمله قوله له : (وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ) وهذا هو التسليم المطلق لأمر الله وقضائه.

(رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا) فلا تسلطهم علينا فيكون في ذلك فتنة لهم اذ يقولون : لو كان الايمان يحمي أهله ما تسلطنا عليهم وقهرناهم. وهي الشبهة التي كثيرا ما ينخدع بها الجهال وتجعل وسيلة لتضليل البسطاء. وخروجهم عن جادة الحق. وحيث يتمكن الباطل من الحق. ويتسلط الطغاة على أهل الايمان ـ لحكمة يعلمها الله ـ في فترة من الفترات. فلا ينبغي لأهل الايمان ان يرتابوا في ايمانهم وتتدحرج عقائدهم. فنحن المسلمين يجب أن نعتقد ـ بدون ادنى ارتياب ـ ان النصر منحصر بارادة الله تعالى سواء أراد لنا الانتصار أو الانكسار. فلا يجوز للمخلوق ان يقترح على خالقه فيما يريد بل يجب التسليم لأمره وارادته. والرضى بحكمه وقضائه سواء كان له أم عليه.

(رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) عزيز لا تضام وقوي لا تقهر ولا تغلب. وحكيم في كل ما تفعل.

(لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ

٤٥٠

وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٦) عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللهُ قَدِيرٌ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٧) لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٨) إِنَّما يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٩))

البيان : فالاسوة في ابراهيم (ع). والذين معه متحققة لمن كان يرجو الله واليوم الاخرة. فهؤلاء هم الذين يدركون قيمة التجربة. التي عاناها هذا الرهط الكريم. ويجدون فيها أسوة. فمن كان يرجو الله واليوم الاخر. فليتخذ منها أسوة حسنة. وهو بحث الحاضرين من المؤمنين.

فأما من يريد أن يتولّى عن هذا المنهج. وينسلخ من هذا النسب العريق. فما لله اليه من حاجة. والقرآن المجيد يؤكد هذا التصور ويكرره ليتصل ركب المؤمنين. فلا يشعر بالغربة والوحشة.

(عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً) ان الاسلام دين سلام وعقيدة حب ونظام حق. يستهدف ان يقيم فيه منهجه على العدل الكامل ، وان يجمع الناس تحت لواء الله تعالى أخوه متعارفين متحابين. ولا يفصل بينهم وبين غيرهم سوى معصية الله ورسوله ص وآله لا غير.

وهنا الرجاء وفتح الباب : الرجاء للمؤمنين ـ اذا كان من يعادونه في الله ـ يعز عليهم وفتح الباب للعاصين ـ ليرجعوا الى الطاعة ـ فيصبحوا من اخوان المؤمنين ومن أعزائهم المخلصين ولقد وقع بعد هذا بوقت قصير. ان فتحت مكة. وأظهرت قريش اسلامها ـ ان طوعا أو كرها ـ واجتمع أهلها بأجمعهم تحت لواء واحد. وأصبحوا أخوة متحابين على الحق والعدل. وتلك هي القاعدة المستمرة مدى

٤٥١

الابد في الاسلام في معاملة غيرهم ممن عاند واستكبر.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا ذلِكُمْ حُكْمُ اللهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١٠) وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (١١))

البيان : وقد ورد في سبب نزول هذه الاحكام انه كان بعد صلح الحديبية الذي جاء فيه (على ألا يأتيك منا أحد وان كان على دينك الا رددته الينا).

فلما كان رسول الله ص وآله والمسلمون معه في أسفل الوادي جاءته نساء مؤمنات يطلبن الهجرة والانضمام الى دار السّلام في المدينة. وجاءت قريش تطلب ردهن تنفيذا للمعاهدة. ويظهر أن النص لم يكن قاطعا وشاملا للرجال والنساء. فنزلت هاتان الايتان تمنعان ردّ المهاجرات المؤمنات الى الكفار. لئلا يفتن في دينهن وهن ضعيفات.

وأول اجراء هو امتحان هؤلاء المهاجرات. فلا يكون تخلصا من أزواجهن. ولا طلبا للمنفعة. فكان رسول الله ص وآله يحلفنهن ان لا يكن خرجن لاسباب غير الايمان بالله والاخلاص له.

(لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) فقد قطع الايمان وشيجة الزوجية النابتة على الكفر. ومع اجراء التفريق اجراء التعويض ـ على مقتضى العدل والمساواة ـ فيرد على الزوج الكافر ما انفقه من المهر على زوجته التي فارقته تعويضا للضرر. كما هو قاعدة بين المؤمنين.

(وآتوهن مما انفقوا ولا جناح عليكم ان تنكحوهن) ثم يربط هذه الاحكام كلها بالضمانة الكبرى في ضمير المؤمن. ضمان الرقابة

٤٥٢

الالهية. وخشية الله تعالى وتقواه.

(ذلِكُمْ حُكْمُ اللهِ) وهي الضمانة الوحيدة. التي يؤمن عليها من النقض والاحتيال. فحكم الله هو الذي ينفذ لله عند الخيانة وعدم الوفاء. فهو الذي يعلم السر وأخفى.

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٢) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ (١٣))

البيان : وهذه الاسس هي المقومات الكبرى للعقيدة. كما أنها مقومات الحياة الاجتماعية. وعموم اللفظ يشمل هذه الحالة وغيرها من كل بهتان مزور يدعى (وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ) وهو يشمل الوعد بطاعة الله ورسوله ص وآله. فاذا بايعن على هذه الاسس الشاملة قبلت بيعتهن. واستغفر لهن الرسول ص وآله. فان الله غفور رحيم يغفر ويرحم ويقبل العثرات.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ) يجيء هذا الهتاف للمؤمنين. وقد وردت روايات بان المقصود بالقوم الذين غضب الله عليهم هم اليهود استنادا الى دمغهم بهذه الصفة. في مواضع كثيرة وردت في القرآن المجيد.

ولكن لا يمنع من تعميم النص ليشمل كل من امتنع ان يعتنق دين الاسلام ويثبت على اسلامه. وكل أعداء الله آيسين من رحمة الله لانهم يعرفون انفسهم انهم على باطل.

(كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ) لاعتقادهم ان أمرهم انتهى. وما عاد لهم من يرجعون اليه وهو هتاف يجمع من كل ايقاعات السورة واتجاهاتها. وهو تذكير للغافلين المنحرفين.

٤٥٣

ـ ٦١ ـ سورة الصف آياتها (١٤) اربع عشر آية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ (٢) كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ (٣) إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ (٤)

وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (٥))

البيان : تجيء هذه التسبيحة من الوجود كله لله العزيز الحكيم في مطلع السورة التي تعلن للمسلمين ان دينهم هو الحلقة الاخيرة في دين الله عزوجل. وانهم أمناء هذا الدين الذي يوحد الله. وينكر على الكافرين وعلى المشركين اشراكهم. والذي يدعوهم للجهاد لنصرته وقد قدر الله ان يظهره على الدين كله ولو كره المشركون.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ) والآية تنكر على من يتظاهر بشيء او يقول ثم يخالف في داخله وفعله خلاف ما اظهر وقال. وهذا عام يشمل كل من اتصف بذلك. (كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ) واي مقت هو اكبر من مقت الله تعالى وهذا غاية التفظيع لأمر المنحرفين عن جادة الحق والعدل. والصدق والوفاء.

(إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ) فليس هو مجرد قتال. ولكنه كالبنيان المرصوص. وكلمة الله هي التعبير عن ارادته. ولم يكن بد من ان يكتب الجهاد على عباده المطيعين لنصرة هذا المنهج وتحقيق كلمة الله في الارض. ولهذا أحب الله سبحانه الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص. والجهاد تكليف فردي وجماعي. وفردي في ضمن جماعة. وهذه الصورة التي يحبها الله للمؤمنين ترسم لهم طبيعة دينهم. وتوضح لهم معالم الطريق. وتكشف لهم عن طبيعة التضامن الوثيق الذي يرسمه التعبير القرآني المبدع.

٤٥٤

(وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ) ايذاء بني اسرائيل لموسى (ع) وهو منقذهم من فرعون وملئه وهو رسولهم الناصح لهم والشفيق بهم. ومع هذا فقد لقي منهم أشد العناد والعصيان.

وما يكاد ينقذهم من ذل فرعون واذاه باسم الله الاحد الذي انقذهم من عبودية فرعون وأغرقه وهم ينظرون (حتى اذا أتوا على قوم يعكفون على اصنام لهم قالوا اجعل لنا الها). وما كاد يذهب لميقات ربه اربعين ليلة حتى عبدوا العجل. وقالوا ارنا الله جهرة. وقالوا له : اذهب انت وربك فقاتلا. وأمثال ذلك مما لا يحصى عدده.

وكانت النهاية انهم زاغوا بعد ما بذلت لهم كل اسباب الاستقامة. فزادهم الله زيغا وأزاغ قلوبهم فلم تعد صالحة للهدى. وضلوا فكتب الله عليهم الضلالة ابدا. ثم جاء عيسى (ع) ابن مريم. جاء يقول : (يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ) ولم يقل لهم اني اله ولا ابن الله ولا انه اقنوم من اقانيم الله (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ).

(وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (٦) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعى إِلَى الْإِسْلامِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٧) يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (٨) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (٩))

البيان : فبشارة المسيح (ع) بالنبي أحمد محمد ص وآله ثابتة بهذا النص. سواء تضمنت الاناجيل والظروف التي احاطت به وهي لا تخفى على من يريد الحقيقة. ولكن من يريد عكس الحقيقة لا يمكن ان يقنعه ما يخالف هواه واغراضه الخاصة.

٤٥٥

وقد قرىء القرآن على اليهود والنصارى في الجزيرة العربية وفيه (النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ) وقد اسلم بعض علمائهم الذين تركوا العناد والتعصّب (كعبد الله بن سلام) بهذه الحقيقة التي كانوا يتواصون بتكتمها.

كما ان اليهود كانوا يسكنون المدينة لاجل انتظار ظهور هذا النبي الامي ص وآله وعلى أية حال فالنص القرآني بذاته هو الفيصل في مثل هذه الاخبار لمن يريد التحقيق.

(فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ) ولقد وقف بنو اسرائيل في وجه الدين الجديد وقفة العداء والكيد والتضليل. وحاربوه بشتى الوسائل والطرق. حربا شعواء لم تضع أوزارها حتى يومنا الحاضر. فقد دأبت الصهيونية العالمية. والصليبية العالمية على الكيد للاسلام. وبقيتا توألبان عليه في غير هوادة ولا هدنة. في كافة الاجيال حاربوه في المشرق وحاربوه في الاندلس في المغرب. وحاربوه في الوسط في دولة الخلافة الاخيرة حربا شعواء.

(يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ) وهذا النص القرآني يعبر عن حقيقة كيدهم له.

(وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) وصدق الله العظيم وعده. فقد حفظ منهجه في خليفته الحقيقي علي بن ابي طالب (ع) وابنائه المعصومين (ع) من بعده حتى يومنا بالمهدي المنتظر الذي سيظهر ويملأ الله به الارض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا.

(هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) وشهادة الله لهذا الدين بانه الهدى ودين الحق) هي شهادة ثابتة وهي كلمة الفصل. ولقد تمت ارادة الله تعالى فظهر هذا

٤٥٦

الدين على الدين كله. وارغم اعداءه ان يتلوه بكرة وعشيا. في اذاعاتهم العامة حتى لم يبق مخلوق الا وقد قامت عليه المحجة الكبرى في بيان الحق.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (١٠) تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١١) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٢) وَأُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (١٣) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللهِ كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ (١٤))

البيان : يبدأ بالنداء باسم الايمان. ثم يسألهم ويشوقهم (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ) فتشرق في قلوبهم عند سماع شطر الجواب. (تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ) ثم يأتي الموضوع الرئيسي الذي تعالجه السورة (وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ) وقد كرر النداء.

فقد علم الله عزوجل ان النفس البشرية في حاجة الى هذا التكرار وهذا التنويع. وهذه الموصيات لتنهض بهذا التكليف الشاق الضروري الذي لا مفر منه لاقامة هذا المنهج وحراسته في خلافة هذا الانسان في هذه الحياة الوقتية. (ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ).

وهنا علم الحقيقة ـ خالق البشر كيف يقود البشر الى الخير الاكيد ففصل هذا الخير (يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) وهذه وحدها تكفي. فمن ذا الذي يضمن الغفران غير الرحيم الرحمان.

(وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) وانها لأربح تجارة ـ قيمة ودواما ـ ان يجاهد المؤمن في حياته القصيرة ـ حتى يبدلها ـ بعوض لا مثيل له تلك جنات تجري من تحتها الانهار.

٤٥٧

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللهِ) الحواريون هم تلامذة المسيح (ع) وهم اثنا عشر فردا.

(فآمنت طائفة وكفرت طائفة) والعبرة المستفادة من هذه الاشارة ومن النداء هي العبرة التي تستنهض همم الاخيار لجني الثمار والجهاد بالنفوس والاموال وبذل الاعمار. وهم الذين يكونون أمناء على منهج الله تعالى وتحكيمه في هذه الحياة والله بصير بالعباد.

* * *

ـ ٦٢ ـ سورة الجمعة آياتها (١١) احدى عشرة آية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (١) هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢) وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٣) ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٤) مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥) قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٦) وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٧))

البيان : هذا المطلع يقرر حقيقة التسبيح المستمرة من كل ما في الوجود لله الواحد القهار. وفيها تعليم عن صلاة الجمعة. وعن وجوب التفرغ للذكر في وقتها. وترك اللهو والتجارة وابتغاء ما عند الله تعالى وهو خير لهم من كل ما يربحون اذا لم يسارعوا لقضاء الصلاة.

(هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ) قيل أن العرب سمو الأميين لانهم كانوا لا يقرؤن ولا يكتبون ـ في الأعم الاغلب ـ وقيل

٤٥٨

انما سمى كل من يقرأ أميا. وقيل لجوارهم للكعبة المشرفة ومكة التي تسمى أم القرى وقد اشتهر ذلك كثيرا.

(ويزكيهم) وانها للتزكية. وانها للتطهير ذلك الذي كان يأخذهم به الرسول ص وآله. (وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) انها ضلالة جاهلية. التي وصفها جعفر الطيار (ع) لملك الحبشة عند ما ارسلت قريش تسترد من هاجر الى الحبش فسأله الملك فقال له جعفر (ع) : (ايها الملك :كنا قوما أهل جاهلية. نعبد الاصنام ونأكل الميتة. ونأتي الفواحش. ونقطع الارحام. ونسيىء الجوار. ويأكل القوي الضعيف. وكنا كذلك حتى بعث الله الينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وامانته وعفافه. فدعانا الى الله لنوحده ولنعبده ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الاحجار والأوثان. وأمرنا بالصدق والأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن الظلم والعدوان. وأكل الحرام. بجميع انواعه. ونهانا عن الفواحش ما ظهر منها وما بطن. وأمرنا أن نعبد الله لا شريك له وامرنا بالصلاة والزكاة والصيام وكل ما هو حسن ونافع. ونهانا عن كل ما هو قبيح ومضر.

فقد ظلمنا قومنا لا تباعه وتصديقه وآذونا فهاجرنا اليك لعلمنا بعدلك فلحقنا هؤلاء يريدون اخذنا وتعذيبنا بدون ان يكون لهم علينا ادنى حق يطالبون به. فلم سمع النجاشي ما قاله جعفر بن ابي طالب شتم عمرو بن العاص ورفقاءه وردهم خائبين وزاد في كرامة جعفر واصحابه ولم يزالوا عنده حتى فتح الله خيبر فرجعوا الى المدينة وقد اسلم النجاشي وسافر الى النبي بعد سفرهم ولكنه أدركه الموت في الطريق ..

(وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ) يعني بقية من بقى لم يهاجر من مكة الى المدينة.

٤٥٩

(ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ) ان اختيار قائد لامة او لجماعة لحمل هذه الأمانة الكبرى لا يكون الا من الله تعالى علام الغيوب وتقلبات الامور. وأهمها الامامة والخلافة بعد رسول الله ص وآله.

(مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ) فبنوا اسرائيل عرفوا التوراة ولكنهم لم يعملوا بموجبها فكأنهم نبذوها لتركهم العمل بها. وهكذا يكون حال كل من عرف احكام الله تعالى ثم ترك العمل بها والسير وفق اوامرها ونواهيها. سواء كان العالم التارك يهوديا. او نصرانيا او مسلما. فالحكم يجري على الكل سواء.

(قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ) وهنا يظهر المحق من المبطل عند الفصل المبين وجريان المباهلة والتحدي فقال لهم رسول الله ص وآله ـ لليهود والنصارى ـ ان كنتم تؤمنون بصحة ما تقولون (بانكم أولياء الله واحباؤه لكم الدار الآخرة خالصة عند الله) (فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) وهذا ربي يخبرني انه ما تمنى احد منكم الموت الا مات في ساعته. فاحجموا عن ذلك ولذا اخبر الله عنهم بقوله :

(وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) وقد فضحهم وظهر كذب دعواهم على رؤوس الاشهاد وكذلك الحال يكون عند كثير من المسلمين. وأولهم اهل السقيقة أهل النفاق.

(قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٨) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٩) فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٠) وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً قُلْ ما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ مِنَ اللهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ وَاللهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (١١))

٤٦٠