تفسير البيان الصافي لكلام الله الوافي - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمد حسن القبيسي العاملي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة البلاغ
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٦٠

١

٢

يؤتي الحكمة. لمن يشأ

بسم الله الرحمن الرحيم. والحمد لله رب العالمين. وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطاهرين المعصومين. وعلى أصحابه الغر الميامين.

وبعد. الحمد لله الذي قد منّ علي بالحياة. وعرفني معناها. وذوقني لذتها وأراني نعمة الحياة الأبدية التي لأجلها خلقت. وللعمل لها أمرت. وعنها سأسئل. وأراني نعمة الحياة الوقتية. التي منها أتزود لدار النعيم وبها سأزكو وارتفع من مصاف البهائم والحيوانات الى مراتب القديسين والملائكة المقربين. وما يزيد على ذلك رفعة وسموا.

والحمد لله الذي عرفني أصناف مخلوقاته. فأبصرت الشريف السامي المرتفع منها الذي يتصاعد في معارج الكمال الانساني. نحو المنازل العظمى. والسعادة القصوى. والشرف الروحي الذي لا يساويه ولا يدانيه شيء. مهما ارتفع وعلا.

وأبصرت الرذيل الهابط المنخفض منها. المتقهقر نحو الديدان والحشرات. يزاحمها في شهواتها ونزواتها. ولا يرى ولا يعي في كل هذه الحياة. لذة ولا غاية سوى اشباع هذه الغرائز والشهوات المنخفضة المنحطة. وحيث الرياسة التي هي راس كل خطيئة

وأصبحت بعون الله وتوفيقه أنظر الى هذا الصنف المنحط والى

٣

أهله الهزيل في تهافتهم على توافه هذه الحياة. كما ينظر الحكيم الكبير. الى عبث الاطفال وأفعالهم التافهة ، وأقول متعجبا. ما بال هذا الصنف من الناس يرتكسون في الحمأة الوبيئة. ولا يسمعون النداء العلوي من الجليل الأعلى. نداء خالق البشر الى هذا البشر. وهو يدعوهم ليعليهم ويرفعهم. ويزكيهم ويبارك عليهم. وهم عنه معرضون كأنهم لا يعقلون. وان اعبدوني اهدكم الصراط المستقيم.

وأصبحت بعون الله عزوجل وتوفيقه انظر الى غاية هذا الكون الفسيح ، والى غاية الوجود الانساني. وأقيس عليه تصورات الجاهلية التي يعيش فيها أكثر هذا البشر في شرق الارض وغربها وشمالها وجنوبها. في القرن العشرين.

ثم أتساءل كيف تعيش هذه البشرية في المستنقع الآسن. وفي الدرك الهابط. وفي الظلام البهيم. وعندها ذلك المرتع الزكي. والمرتقى العالي الرفيع. والنور الوهاج الذي يشع ويضيء ، ويتدفق ويفور. من ينابيع الاسلام وقرآنه المجيد وشريعته الغراء ، التي قوامها العدل والاحسان والعلم والاخلاق ، والكرامة والفضيلة ، والسمو والارتفاع ، وهي بين أيدي هؤلاء الغارقين في غفلتهم. ويمكنهم الاستضاءة بنوره بدون أدنى مانع أو رادع.

وأصبحت بعون الله وتوفيقه أحس بالتناسق الجميل بين حركة الانسان كما يريدها خالق الانسان ومبدعه. وحركة هذا الكون البديع ، في تركيبه وتنظيمه ، واتقانه واحكامه ، وحينئذ أرفع رأسي الى هذه القبة الزرقا. ، ولساني ينطق قائلا :

سبحان (الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها) ... (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ) سورة الرعد

٤

ثم أدير بصري الى ما حولي وتحتي فينطلق لساني قائلا :

(رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ) ٣ س آية ١٩١

ثم أقول ممجدا :

(سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ) سورة الزخرف آية ١٣

ثم أنظر فأرى التخبط الذي تعانيه البشرية في هذا العصر المشؤوم ، عصر الظلام لا النور. عصر الجاهلية الجهلاء قرن العشرين. عصر الفوضة والفساد ، عصر التهتك والضلال.

وأتعجب من انحراف هذا البشر عن السنن الكونية. والتصادم الحاصل بين التعاليم الفاسدة الشريرة. التي تملي على هذه البشرية ، وبين فطرتها السليمة ، التي فطرها الله تعالى عليها.

وأقول في نفسي : أي شيطان لئيم وغاو أثيم. هذا الذي ينقل خطاها الى هذا التسافل السحيق. والانحدار العميق. والعذاب المؤجج في دركات الجحيم. وعندها أقول :

(يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ. أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ) سورة ياسين آية ٢٨

وأصبحت ـ بعناية الله وتوفيقه ـ أرى الوجود أكبر بكثير من ظاهره الصغير المشهود. أراه أكبر في حقيقته. وأكبر في تعدد جوانبه. فيتجلى لي ـ بدون شك ولا ارتياب انه عالم الغيب والشهادة. لا عالم الشهادة وحده. وانه الدنيا والآخرة. لا هذه الدنيا وحدها.

وان النشأة الانسانية ممتدة في شعاب هذا المدى المتطاول. وليس الموت نهاية المطاف. وانما هو رحلة في الطريق. وما يناله الانسان في

٥

هذه الدنيا ـ من بلاء أو هناء ـ ليس هو نصيبه كله. وانما هو قسط ضئيل من ذلك النصيب الموفور المدخر له بعد الموت. حيث يوافي الحساب والجزاء والموت الذي لا يفوته ، ولا يمكنه الفرار منه. وينتهي كل ما يتكالب عليه الناس الى الزوال. وفي آخر المطاف يكون الافتراق. أما المدح والثناء. أو التبرئة والحساب. أما النعيم الخالد أو العذاب الدائم. اما الجنة أو النار. اما صحبة الابرار. أو صحبة الاشرار.

(فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ) ولا هم منها مخرجون. (كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ) ـ الشديد سورة النساء آية ٥٥.

فلا ظلم هناك ولا جور. ولا بخس ولا ضياع حقوق. حاكم عادل وكتاب أحصى كل شيء.

(هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ. إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) سورة الجاثية آية ٢٩

(فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ. وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) سورة الزلزلة.

وأصبحت بعون الله وتوفيقه. أرى أن الانسان اكرم على خالقه اكثر بكثير من كل تقدير عرفته البشرية المنحطة. بما ينحصر في جسمه وشهواته. وما في هذه الحياة الوقتية.

انه كريم وعظيم. قد اعتنى به خالقه اعتناء لا يدرك. قد نفخ فيه من روحه. وأسجد له ملائكته. وجعله خليفة في أرضه. وخلق له كل ما في الوجود وجعلها طوعا لارادته. وأباحها له. وأمره باداء شكره. وألزمه بطاعته كل ذلك لسعادته. وليصبح طاهرا نقيا. كاملا شريفا. صالحا للخلود في جنته برفقة أوليائه وأنبيائه.

(وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ.

٦

فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ) سورة الحجر آية ٢٧

فان هو شكر وأطاع زاده من فضله ورفعه من مصاف الحيوانات الى أعلى الجنان.

(لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ. وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ). سورة ١٤ آية ٧

لقد أصبحت والحمد لله. على علم ويقين انه لا مكان ولا مجال في هذا الوجود للصدفة والفلتة ـ كما يدعيه الجاهلون ـ ولا سبيل الى للشك والظنون. بل هو اليقين القاطع. ان كل شيء موجود بتنسيق وتدبير. وحكمة وعلم. بنظام وتقدير من لدن حكيم خبير :

(إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ. وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ). سورة القمر آية ٥٠

(وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) سورة الفرقان آية ٢ س

والحكيم العادل لا يلزم عباده بفعل شيء الا لحكمة ومصلحة وجدت في ذلك الشيء دعت المولى الحكيم الخبير. رأفة منه لعباده أن يلزمهم بفعله لينالوا تلك المصلحة والمنفعة. وكذلك من جهة اخرى. فلا ينهى عباده عن فعل شيء. الا لمفسدة وضرر وجد فيه. فنهاهم عنه وشدد عليهم بالعقاب على فعله لئلا يقعوا في ضرره وفساده. وقد تدعو الحكمة لخفاء تلك المصلحة والمفسدة عن عباده اتماما للحجة واذعانا لارادته وطاعته. أو لعجز ذاتي عن ادراك ذلك. وليس كل ما يدركه العليم الخبير يدركه الجاهل البسيط.

(فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً). سورة ٣٤ آية ١٩

(وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ. وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ. وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) سورة البقرة آية ٢١٦

٧

فالاسباب التي تعارف عليها الناس قد تتبعها آثارها. وقد لا تتبعها. والمقدمات التي يراها الناس حتمية قد تعقبها نتائجها وقد لا تعقبها. لانه ليست الاسباب والمقدمات هي التي تنشىء الآثار والنتائج. وانما هي الارادة الالهية. هي وحدها تقدر ما تريد.

(وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) سورة التكوير

والمؤمن الحقيقي يأخذ بالاسباب لانه مأمور بالاخذ بها. والله هو الذي يقدر آثارها ، ونتائجها ، والاطمئنان الى رحمة الله تعالى وعدله وحكمته وعلمه. هو وحده الملاذ الامين والمنجاة من الهواجس والوساوس. ولذا حذر الله تعالى عباده من خلاف ذلك. فقال عزوجل :

(الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ ، وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً. وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) سورة البقرة آية ٢٦٨

ولهذا نرى المؤمن بالله عن معرفة صحيحة. وعقيدة كاملة هادىء النفس مطمئن السريرة ، قرير الضمير ، يرى أن يد الله في كل حادثة. وفي كل حركة وسكون ولذا يقول (بحول الله وقوته أقوم وأقعد) بمعنى انه لو لا معونة الله لما استطاع من قيام أو قعود ويرى نفسه في كنف الله ورعايته وحراسته وكفالته. فلا يدنو اليه خوف من حاجة الى مخلوق ولا يخشى من مخلوق. مازال محرزا لرضا الخالق العظيم وهذا هو الايمان الصحيح وسواه هباء وقشور. لا يسمن ولا يغني من جوع والى الله ترجع الامور وهو الذي يجيب المضطر اذا دعاه. ويلبي عبده اذا ناجاه وهو أقرب اليه من حبل الوريد.

(أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ. وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللهِ. قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ). سورة النمل آية ٦٤

(وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) سورة الانعام آية ١٨

٨

(وَاللهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ. وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) س ١٢ آية ٢١ (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ. وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) س ٨ آية ٢٤

(وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) س ٦٥ آية ٣

(أَلَيْسَ اللهُ بِكافٍ عَبْدَهُ. وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ). س ٣٩ آية ٣٥

(إِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ. وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) سورة الانعام آيه ١٧

فالمؤمن الحقيقي هو الذي يرى الوجود ليس متروكا لقوانين آلية صماء عمياء .. بل يعلم يقينا ان هناك ارادة حكيمة مدبرة دائمة وراء السنن والاسباب. وهي المشيئة الالهية المطلقة.

قال تعالى :

(وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ. ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) س ٢٨ آية ٦٨

فيد الله هي التي تعمل وتقدر بطريقتها الخاصة. وانه ليس للعبد أن يستعجل ولا يجوز له أن يقترح على مولاه شيئا ، خصوصا اذا كان يعلم أن مولاه يستحيل أن يحرمه ما فيه نفعه ، ومصلحته ، وخصوصا اذا كان العبد يشعر بجهله ونقصه. وانه قد يطلب شيئا فيه هلاكه ودماره. وما عليه الا التسليم والاذعان لارادة مولاه والرضا بقضائه له.

فالمنهج الالهي يعمل في كل شيء وفي كل زمان ومكان. وفي كل مرحلة من مراحل النشأة الانسانية ، وفي كل حالة من حالات النفس البشرية الواحدة.

فالانسان هو هذا الكائن بعينه وبفطرته وميوله واستعداده. يأخذ المنهج الالهي بيده ليرتفع به الى أقصى درجات الكمال الانساني.

٩

ويتصاعد بمقدار جده واجتهاده. وهو الذي يقوده في طريق الكمال الى مصاف الملائكة المقربين. والى ما يزيد ويعلو.

ومن ثم فان المنهج الالهي موضوع للمدى الطويل ـ الذي يعلمه خالقه العظيم لا غير ـ ومن هنا لا يكون الانسان المؤمن بربه ونظامه العدل المبين ، متعسفا ، ولا يكون عجولا ، في تحقيق غاياته. ويعلم يقينا أن المدى أمامه ممتد فسيح. لا يحده عمر فرد ، ولا تستحدثه رغبة مخلوق فان. فلا يخشى أن يعجله الموت أو تفوته الفرصة. عن تحقيق غايته البعيدة. كما يقع فيه أصحاب المبادىء الارضية. والانظمة المنحطة. والمذاهب المزيفة. الذين يتعسفون الامر كله في جيل واحد. ويتخبطون في خطيهم السريع. لانهم لا يصيرون على الخطى المتزنة. المقدرة من لدن خالق الانسان ومكون الاكوان. ومقدر الاشياء .. بمقاديرها. ولا يسلك المؤمن في الطريق العسوف التي يسلكها هؤلاء المنصرفون عن خالقهم العظيم. النابذون لمنهاجه القويم. ومن فعلهم الفاسد تقوم المجازر. وتسيل الدماء وتهتك الاعراض. وتتحطم القيم الانسانية ، وتضطرب الامور ويهلك الحرث والنسل وفي النهاية يحطمون أنفسهم. وتتحطم مبادئهم ومذاهبهم المصطنعة تحت مطارق التعسف والطغيان.

أما المؤمن الصحيح ، فانه يسير هينا لينا مع الفطرة النقية. فيدفعها من هنا ، ويردعها من هناك ، ويقوّمها حين تميل. ولكنه لا يكسرها ، ولا يحطمها ، بل يصير معها صير العارف البصير. الواثق بالعناية الالهية ، والغاية المرسومة ، من لدن حكيم خبير. ويعلم يقينا انه لا يكون الا ما اراده الخالق القهار. فلا يتعسف ولا يقلق ولا يحاول قطف الثمرة قبل أوانها. ويعلم حق العلم ان حكمة الله البالغة ، ومنهاجه العادل. هو الاصيل في بناء هذا الوجود. وهو

١٠

الذي يصير اموره وفق حكمته وتدبيره. وليس هناك فلتة عابرة ، ولا صدفة غير مقصودة ، بل أن الله سبحانه هو الحق. ومن وجوده تعالى يستمد كل موجود وجوده. ولذا قال عزوجل :

(ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ. وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْباطِلُ. وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) س ٢٢ آية ٦٢

وقد خلق الله تعالى هذا الكون بالحق. فلا لبس فيه. ولذا قال تعالى :

(ما خَلَقَ اللهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ. يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ. إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما خَلَقَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ) س ١٠ آية ٦

ويرى المؤمن بالله تعالى. ان الحق هو قوام هذا الوجود. فاذا حاد عنه وقع في الفساد. وهلك الوجود باسره. ولذا قال تعالى :

(وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ) س ٢٣ آية ٧١

ومن ثم فلا بد للحق أن يظهر. ولا بد للباطل ان يزهق. ولذا قال تعالى :

(بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ) س ٢١ آية ١٨

والرجوع الى الله تعالى والى نظامه العادل المستقيم. رجوع الى الحق. ونبذ للباطل. ونيل للسعادة. ونبذ للشقاء من أصله وجذوره.

ان العود لنظام الخالق الحكيم العليم القدير. عودة بالحياة كلها الى منبعها الاصيل. ان منهج الله تعالى قد رسمه للبشرية كافة وهو المتكفل لتحقيق السعادة لها مدى الحياة. فالراحة والهناء والامن والامان في تحكيم هذا النظام وحده. والتحاكم اليه دون سواه. في

١١

جميع شؤون الحياة. والميل والانحراف عنه الى سواه. هو الفساد والضلال والدمار والخراب. للارض ومن عليها. والشقاء والارتكاس في الحمأة لكل من انحرف عن الحق والعدل. وهو رجوع الى الجاهلية التي كانت تعبد الأوثان. وتسير وفق الأهواء والشهوات :

(فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ. وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ. إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) س ٢٨ آية ٥٠

ان التمسك بنظام الله ومنهاجه والتحاكم اليه. ليس نافلة مستحبة ولا تطوعا وموضوع تخيير. انما هو الايمان بالله او الكفر به. فلا ايمان عند من نبذ قانون الله وعدل عن نظامه. الى نظام المخلوق الناقص المحدود. قال تعالى :

(ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ. إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئاً. وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ. وَاللهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ. هذا بَصائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) س ٥ آية ٢٤

(وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) س ٥ آية ٢٤

فالأمر جدي وحتمي انه أمر بالعقيدة من أساسها. ثم هو أمر دائر بين سعادة هذه البشرية أو شقائها.

ان البشرية من صنع الله تعالى ، فلا يمكن اهتدائها لما يصلحها ويسعدها الا من قبل خالقها وصانعها الذي هو أدرى بعللها وأمراضها. وبالدواء النافع لها.

وقد أنزل لها نظاما وقانونا من عنده

(لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ)

فيه مفاتيح كل مغلق وشفاء من كل داء. وهدى من كل ضلال.

ولذا قال عزوجل :

١٢

(إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ. وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً) س ١٧ آية ٩

(وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) س ١٧ آية ٨١

ولكن هذه البشرية المريضة أبت أن تطلب الدواء من صانعه. ولا أن تذهب بالمريض الى طبيبه الخاص. وأبت أن تستدعي لاصلاح هذا الجهاز مهندس مصنعه. الذي صنعه وانشأه. هذا الجهاز الانساني العجيب. الغالي عند خالقه. والكريم على موجده. الذي لا يعلم مساربه ومداخله ومخارجه الا الذي أبدعه وأنشأه. قال عزوجل :

(أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) سورة الملك آية ١٤

مع أن هذه البشرية الأبية كل الاباء بالرجوع في اصلاح هذا الانسان الى خالقه. تراها هي في الوقت الحاضر ترجع في اصلاح جميع أجهزتها ـ اذا تعطلت ـ الى نفس المصنع الذي منه خرجت.

ولها صنع وركب. لعلمها بأنه أعرف المخلوقات في اصلاحها ومعرفة دائها ودوائها. ولكن لا تطبق هذه القاعدة العقلائية على نفس الانسان فترده الى الى مصنعه ومركبه. ومخترعه. الذي قد أوجده في أحسن تقويم. وصوره فأحسن تصويره.

ولقد كانت تنحية المسلمين عن قانون الاسلام حدثا هائلا في تاريخ البشرية. ونكبة قاصمة في حياتها. نكبة لم تعرف لها البشرية نظيرا في كل ما ألمّ بها من نكبات ومصائب غير محدودة.

ان هناك عصابة من المضللين الخداعين. أعداء البشرية والانسانية تضع لها المنهج الالهي في كفة وما لفقه المخلوق الناقص المحدود في عالم المادة في كفة اخرى.

١٣

ثم تقول لها : اختاري لنفسك : اما المنهج الالهي في الحياة والتخلي عن كل ما ابدعته يد الانسان في العالم المادي. واما الاخذ بثمار المعرفة وجهود الانسان ، والتخلي عن منهج الله ونبذه والابتعاد عنه نهائيا. وهذا خداع لئيم خبيث ، فوضع المسألة ليست هكذا أبدا.

بل ان المنهج الالهي ليس عدوا لما يبدعه الانسان ويجهد في الوصول الى تناجه من مصالح ومنافع وخيرات وثمرات ، مما خلقه له ربه وخالقه في هذه الحياة. غاية الامر ان المنهج الالهي يريد من البشرية أن تنهج بما اوصلها اليه خالقها من الخيرات الى ما ينفعها وان تنفقه في مصالحها وما يوصلها الى الخير والسعادة ، والى الطهارة والنزاهة ، والكمال والفضيلة التي هي الغاية ، كي يصبح الانسان كما أراده خالقه أهلا لأن يكون خليفة في أرضه ووارثا لجنته. أليس خالق الانسان هو الذي أوجد في هذا الانسان الطاقات المكنونة فيه وسخر له ما في هذه القوانين الكونية ويهيء له ما يعينه على تحقيقه ، ونسق بين تكوينه وتكوين هذا الكون ليملكه بالجد والعمل والابداع.

ألم يعلم هذا الانسان ـ المخدوع بالاضاليل والاباطيل ـ انه لو توجه لانتاج هذه الموجودات الكونية من الطرق التي رسمها له خالقه ومولاه ، يكون نفس اتناجه عبادة روحية لخالقه ، ويصبح لديه انكشافات نورانية لا توجد ولا تحصل له الا اذا سار على النهج المخطط الالهي والنظام الرباني ، ودخل لأخذ الاشياء ـ التي أوجدها خالقه له ـ من الباب الذي عينه له وأمره بسلوكه والدخول منه لا غير ، كما قال تعالى :

(وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ) سورة الانعام آية ١٣٥

١٤

وحينئذ يكون الابداع الذي أبدعه الانسان ، روحيا وماديا معا ، ويكون وسيلة من وسائل الشكر لهذا الخالق العظيم والمنعم الكريم ، الذي من عليه بالوجود والجوارح ، وكلما في هذا الكون ، ويكون تحركه وتقلبه وفق ما يرضي مولاه وخالقه عليه.

وحينئذ يتضح لديه بدون شك ولا أدنى ارتياب أن اولئك الذين يضعون له المنهج الالهي في كفة ، وما يبدعه الانسان في الحياة من الخيرات في كفة أخرى ، هم من الخداعين المسيئين له ، وحينئذ يتضح له العدو من الصديق ، والمصلح من المخرب.

ان الايمان باله تعالى والاستقامة على طاعته وعبادته. واقرار نظامه وشريعته هي انفاذ لسنن الله تعالى التي اثارها بالحس منظورة ، ان شريعة الله للناس هي طرف من قانونه الكلي في الكون. فانفاذ هذه الشريعة لا بد أن يكون له أثر ايجابي ، وان الانسان هو قوة من قوى الوجود ، وهي اثار مرتبطة بنسبة الله الشاملة لهذا الوجود حين تتجمع وتتناسق. بينما هي تضطرب اثارها وتفسد الحياة معها وتنتشر الشقوة والتعاسة بين البشر وتعم الكون بأجمعه ، حين تنصرف عن الله عزوجل ، وتنبذ شريعته ، ولا يقر لها قرار ولا يتبدل هذا الفساد حتى يتغير سير الانسان في عقيدته ومبدأه. ويرجع الى عقيدة الخالق العظيم ، وينبذ كل علاقة له بالقوانين الارضية وأهلها الا من كان متصلا بالله تعالى وتابع لامره وارادته كعلاقتنا بأولياء الله ، الناشئة من أمره تعالى. قال تعالى :

(ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ. وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) سورة ٣١ آية ٣١

(ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) س ١٣ آية ١١

١٥

(إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) سورة ١٣ اية ١١

(فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ. إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ. وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ). التكوير

(إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى) س ٧٩ اية ٢١

(دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) س ١٠ اية ١٠

وأنا عبدك يا رب المستغني بك عمن سواك. ولا أطلب منك الا رضاك.

محمد حسن القبيسي

١٦

البيان الصافي لكلام الله الوافي

بسم الله الرّحمن الرّحيم

نحمدك يا من تجلى لعباده في كتابه ، وأراهم عظمته في بليغ خطابه ، ودلهم على ذاته بذاته ، وتنزه عن مجانسة مخلوقاته.

الهي كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر اليك. عميت عين لا تراك عليها دليلا ، وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبك نصيبا.

أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك ، حتى يكون هو المظهر لك ، متى غبت حتى تحتاج الى دليل يدل عليك ، أم متى بعدت حتى تكون الاثار هي التي توصل اليك.

أنت الذي أشرقت الانوار في قلوب أحبائك حتى عرفوك ووحدوك. وأنت الذي أزلت الاغيار عن قلوب عبادك حتى لم يحبوا سواك ، ولم يلجؤوا الى غيرك.

أنت المؤنس لهم حين أوحشتهم العوالم ، وأنت الذي هديتهم حتى استبانت لهم المعالم. ماذا وجد من فقدك ، وماذا فقد من وجدك. لقد خاب من رضي دونك بدلا ، ولقد خاب من ابتغى عنك متحولا. كيف يرجى سواك وأنت ما قطعت الاحسان ، وكيف يطلب من غيرك ، وأنت ما بدلت عادة الامتنان.

أنت البادي بالاحسان قبل توجه العابدين ، وانت الجواد بالعطاء قبل طلب الطالبين.

١٧

الهي كيف أخيب وأنت أملي ، أم كيف أهان وعليك متكلي ، كيف تخفى وأنت الظاهر ، أم كيف تغيب وانت الرقيب الحاضر.

من دعاء الحسين (ع) في يوم عرفة :

الهي كفى بي فخرا أن تكون لي ربا. وكفى لي عزا أن أكون لك عبدا.

أنت كما أحب. فوفقنى لما تحب. من مناجاة الامام علي (ع).

شذرات

عن أبي عبد الله الصادق (ع) قال قال رسول الله (ص) وآله : القرآن هدى من الضلالة ، وتبيان من العمى. واستقالة من العثرة ، ونور من الظلمة ، وضياء من الاحداث ، وعصمة من الهلكة ، ورشد من الغواية ، وبيان من الفتن ، وبلاغ من الدنيا الى الآخرة ، وفيه كمال دينكم ، وما عدل أحد عن القرآن الا الى النار.

عن أبي جعفر (ع) قال : نزل القرآن على أربعة أرباع ، ربع فينا أهل البيت (ع) ، وربع في عدونا ، وربع في السنن والامثال ، وربع في الفرائص والاحكام.

عن مسعدة بن صدقة قال سألت أبا عبد الله (ع) عن الناسخ والمنسوخ ، والمحكم والمتشابه. فقال (ع) : (الناسخ الثابت المعمول به. والمنسوخ ما قد كان يعمل به ثم جاء ما نسخه. والمتشابه ما اشتبه على جاهله) (والمحكم الذي يفهمه أكثر الناس وهو الحجة الاولى).

عن الشيخ الصدوق رئيس المحدثين طاب ثراه قال : اعتقادنا أن القرآن الذي أنزله الله على محمد (ص) وآله ، هو ما بين الدفتين وما هو في أيدي الناس ليس بأكثر من ذلك ولا أقل. وكل من نسب الى الطائفة الشيعية الجعفرية انها تقول خلاف ذلك ، فهو مفتري كذاب.

وقد ورد عن النبي (ص) وآله انه قال : اني مخلف فيكم الثقلين

١٨

ما أن تمسكتم بهما لن تضلوا ، كتاب الله ، وعثرتي أهل بيتي ، وانهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض.

وهذا يدل على أن القرآن موجود بكامله في كل عصر. لانه لا يجوز أن يأمر بالتمسك بما لا يقدر على التمسك به. كما أن أهل البيت (ع) لا يخلو منهم زمان حتى تقوم الساعة.

عن أبي عبد الله (ع) قال : ان الله تعالى أنزل القرآن فيه تبيان كل شيء حتى والله ما ترك الله شيئا يحتاج اليه العباد ، حتى لا يستطيع عبد أن يقول لو كان هذا في القرآن.

عن رسول الله (ص) وآله قال : ان على كل حق حقيقة ، وعلى كل صواب نورا. فما وافق كتاب الله خذوا به. وما خالف كتاب الله فدعوه.

وقال الكاظم (ع) اذا جاءك الحديثان المختلفان فاعرضهما على كتاب الله وعلى احاديثنا فما وافقهما فهو الحق ، وما خالفهما فهو الباطل.

أعوذ بالله السميع العليم. من الشيطان الرجيم

تفسير الاستعاذة عن أمير المؤمنين (ع) قال : أعوذ امتنع بالله السميع لمقال الاخيار والاشرار ، ولكل المسموعات من الاعلان والاسرار.

العليم : بأفعال الابرار والفجار وبكل شيء مما كان وما يكون وما لا يكون.

من الشيطان : البعيد من كل خير (الرجيم) المرجوم باللعن المطرود عن بقاع الخير. لا يذكره مؤمن الا لعنه.

والاستعاذة هي ما أمر الله بها عباده عند قراءتهم للقرآن فقال عزوجل :

١٩

(فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ. فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ. إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ) سورة النحل آية ١٠٠

ـ ١ ـ سورة الفاتحة. وهي سبع آيات وهي مدنية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) : البيان عن أمير المؤمنين (ع):

(بِسْمِ اللهِ) أي استعين على أموري كلها بالله الذي لا تحق العبادة الا له. المغيث لمن الستغاثه ، المجيب لمن دعاه.

(رَبِّ الْعالَمِينَ) عن أمير المؤمنين (ع) : يعني مالك الجماعات من كل مخلوق وخالقهم وسايق أرزاقهم اليهم من حيث يعلمون. ومن حيث لا يعلمون ، يقلب الحيوانات في قدرته ، ويغذوها من رأفته ، ويحوطها بكنفه ، ويدبر كلا منها بمصلحته ، ويمسك الجمادات بقدرته والسماء ان تقع على الارض الا باذنه.

(الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) قيل لعل تكريرهما للتنبيه على استحقاقه للحمد والشكر على نعمه.

(مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) في تفسير الامام (ع) : يعني القادر على اقامته ، والقاضي فيه بالحق ، الدين الحساب ، وقرأ ملك يوم الدين.

عن النبي (ص وآله) قال : الكيس من حاسب نفسه وعمل لما بعد الموت. والاحمق من اتبع نفسه هواه وتمنى على الله تعالى الاماني. حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا.

(إِيَّاكَ نَعْبُدُ) عن الامام (ع) : قولوا يا أيها الخالق المنعم عليهم : اياك نعبد ايها المنعم علينا نطيعك مخلصين موحدين مع التذلل والخضوع ، بلا رياء ولا سمعة.

(وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) على طاعتك وعبادتك وعلى دفع شرور اعداءك ورد مكائدهم والمقام على ما أمرت كذا) عن الامام (ع).

(اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) عن الصادق (ع) : يعني أرشدنا للزوم

٢٠