تفسير البيان الصافي لكلام الله الوافي - ج ٤

الشيخ محمد حسن القبيسي العاملي

تفسير البيان الصافي لكلام الله الوافي - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمد حسن القبيسي العاملي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة البلاغ
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٦٠

نبني اجسامنا والمواد التي نأكلها والتي ننتفع بها في حياتنا ـ والاقوات أوسع مما يؤكل في البطون ـ كلها مركبات من العناصر الاصلية التي تحتويها الارض في جوفها وجوها. فهذا كله يشير الى شيء من البركة وتقدير الاقوات في اربعة ايام فقد نما في مراحل زمنية متطاولة (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ ..) والاستواء هنا القصد. والقصد من جانب الخالق العظيم. هو توجه الارادة (ثم) قد لا تكون للترتيب الزمني ولكن للارتقاء المعنوي والسماء في الحسّ ارفع وارقى (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ). ان هناك اعتقادا انه قبل خلق النجوم كان هناك ما يسمى السديم. وهذا السديم غاز .. دخان (والسدم ـ من نيرة ومعتمة ـ ليس الذي بها من غاز ولا غبار الا ما تبقى من خلق النجوم. ان نظرية الخلق تقول : ان المجرة كانت من غاز وغبار. ومن هذين تكونت بالتكثف النجوم وبقيت لها بقية. ومن هذه البقية كانت السدم ..) (١)

(فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا : أَتَيْنا طائِعِينَ) انها ايماءة عجيبة الى انقياد هذا الكون للناموس والى اتصال حقيقة هذا الكون بخالقه اتصال الطاعة والاستسلام لكلمته ومشيئته. فليس اذن هناك الا هذا الانسان الذي يخضع كرها لناموس الخالق العظيم. وهو ترس صغير جدا في عجلة الكون الهائلة. وكثيرا ما يحاول هذا الانسان الصغير. أن يتفلت وينحرف عن المجرى الآلهي اللين. فيصطدم بالنواميس التي لا بد ان تغلبه ـ وقد تحطمه وتسحقه ـ فيستسلم خاضعا مرغما غير طائع.

الا عباد الله الذين تفتحت قلوبهم لذكر الله. فقذف فيها النور

__________________

(١) كتاب مع الله في السماء.

٢٤١

واليقين حتى استنارت واطمأنت وسعدت في اولاها واخراها في النعيم الخالد. فهي تسير هينة لينة مع عجلة الكون الهائلة. متجهة الى ربها مع الموكب متصلة بكل ما فيه من قوى. وحينئذ تصنع الاعاجيب. وتأتي بالخوارق لانها مصطلحة مع الناموس مستمدة من قوته الهائلة. وهي منه وهو مشتمل عليها في الطريق الى الله تعالى (طائعين) فيا للرضى. ويا للسعادة. ويا للراحة. ويا للطمأنينة التي تغمر قلوبنا يومئذ حين ننسق بين خطانا وخطوات القدر. ونتحرك في اللحظة المناسبة. بالسرعة المناسبة في المدى المناسب. نتحرك بقوة الوجود كله. المستمدة من خالق الوجود. ونصنع اعمالا عظيمة فعلا دون ان يدركنا الغرور. لاننا نعرف مصدر القوة التي صنعنا بها هذه الاعمال العظيمة. ونوقن انها ليست قوتنا الذاتية. انما هي كانت هكذا لانها متصلة بالقوة العظمى مدة رحلتنا القصيرة على هذا الكوكب الطائع الملبي. السائر معنا في رحلته الكبرى الى ربه في نهاية المطاف.

فيا للسلام الذي يفيض في ارواحنا ونحن نعيش في كون صديق لنا. كله مستسلم لربه ونحن معه مستسلمون. لا تشذ خطانا عن خطاه. ولا يعادينا ولا نعاديه. لأننا منه. ولأننا معه في الاتجاه (قالَتا : أَتَيْنا طائِعِينَ) فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ) واوحى بالامر في كل سماء يشير الى اطلاق النواميس العاملة فيها. على هدى من الله تعالى وتوجيه (وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَحِفْظاً).

السماء الدنيا هي كذلك ليس لها مدلول واحد محدد. فقد تكون هي اقرب المجرات الينا وهي المعروفة بسكة التبان. والتي تبلغ قطرها مئة الف مليون سنة صوئية (وحفظا) من الشياطين كما يدل على هذا ما ورد في المواضع الاخرى من القرآن ولا نملك من معرفة الملائكة والشياطين الا بالمقدار الذي بينه خالقهم العظيم (ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ

٢٤٢

الْعَلِيمِ) وهل يقدر هذا كله. ويمسك الوجود كله. ويدبر الوجود كله الا العزيز الحكيم. القوي القادر العليم الخبير. بكل ما خلق وصنع.

(فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ (١٣) إِذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللهَ قالُوا لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (١٤)

فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (١٥) فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ (١٦)

وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٧) وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (١٨))

البيان : (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ) با لهو من انذار مرهوب مخيف. يناسب شناعة الجرم وقبح الذنب. وتبجح المشركين. الذين حكى في مطلع السورة عنهم وشذوذ كفار البشر من موكب الوجود الكبير المذعن المطيع لخالقه العظيم.

قصة عتبة بن ربيعة مع رسول الله ص وآله :

عن محمد بن كعب القرظي قال : حدث ابن عتبة بن ربيعة ـ وكان سيدا ـ قال يوما وهو جالس في نادي قريش. ورسول الله ص وآله جالس في المسجد وحده ـ : يا معشر قريش الا اقوم الى محمد فأكلمه واعرض عليه امورا لعله ان يقبل بعضها فنعطيه ايهما شاء ويكفّ عنا وذلك حين اسلم حمزة رضوان الله عليه ـ ورأوا ان اصحاب رسول الله ص وآله يزيدون. ويكثرون. فقالوا : بلى يا ابا الوليد فقم اليه فكلمه. فقام اليه عتبة حتى جلس الى رسول الله ص وآله. فقال له : يا ابن اخي انك منا حيث علمت من البسطة في العشيرة والمكان في النسب. وانك قد اتيت قومك بأمر عظيم. فرقت

٢٤٣

به جماعنهم وسفهت احلامهم وعبت الهتهم ودينهم. وكفرت به من مضى من آبائهم. فاسمع مني أعرض عليك امورا. تنظر فيها لعلك تقبل منها بعضا. فقال له رسول الله ص وآله قل حتى اسمع يا أبا الوليد :

قال يا ابن اخي ان كنت تريد به شرفا سودناك علينا حتى لا نقطع امرا دونك. وأن كنت تريد به ملكا ملكناك علينا. وان كان هذا الذي يأتيك رأيا تراه لا تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الاطباء. وبذلنا فيها اموالنا حتى نبرئك منه. فانه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه. حتى اذا فرغ عتبة ورسول الله ص وآله يستمع اليه. فقال له : أفرغت يا ابا الوليد. قال نعم فاستمع مني قال افعل.

فبدأ رسول الله ص وآله يقرأ سورة فصلت فقال : بسم الله الرحمن الرحيم. حم. تنزيل من الرحمن الرحيم. كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعقلون. بشيرا ونذيرا. فاعرض اكثرهم فهم لا يسمعون حتى وصل الى قوله (فان اعرضوا فقل انذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود. فأمسك عتبة على فم رسول الله وناشده الرحم ان يكف في تتميم قراءته. ورجع الى القوم. فقال بعضهم لبعض : نحلف بالله لقد جاءكم ابو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به. فلما جلس اليهم قالوا ما وراءك يا ابا الوليد.

قال : ورائي اني سمعت قولا والله ما سمعت مثله قط. والله ما هو بالسحر ولا بالشعر. ولا بالكهانة. يا معشر قريش اطيعوني واجعلوها لي. خلوا بين الرجل وبين ما هو فيه. فاعتزلوه. فو الله ليكونن لقوله الذي سمعت نبأ عظيم. فان تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم. وان يظهر على العرب فملكه ملككم. وعزه عزكم. وكنتم

٢٤٤

اسعد الناس به قالوا سحرك والله يا ابا الوليد بلسانه قال هذا رأيي فاصنعوا ما بدا لكم ورجع الى أهله).

وروى انهم سألوه ـ وقد رأوه قد امسك على فم رسول الله ص وآله ـ فقال : (فأمسكت بفيه وناشدته الرحم ان يكف. وقد علمتم ان محمدا صادق لا يكذب. اذا قال شيئا تنفذ. فخشيت ان ينزل بكم العذاب كما نزل بعاد وثمود لما خالفوا نبيهم) انتهى.

انها صورة تلقى في القلب المهابة. والثقة والمودة. والاطمئنان ومن ثم كان يملك قلوب سامعيه. الذين قد يقصدون اليه اول الامر ساخرين فيرجعون وجلين خائفين.

(فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ) انها جولة في مصارع الغابرين. بعد تلك الجولة في ملكوت السموات والارض. جولة تهز القلوب المستكبرة برؤية مصارع المستكبرين (إِذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ) الكلمة الواحدة التي اول ما تنطق بها رسل الله. في دعوتهم لقومهم الى الله وانذارهم من عذابه وسخطه وبطشه اذا هم استكبروا وعاندوا واتبعوا اهوائهم بغير علم ولا هدى. فاما عاد فاستكبروا في الارض بغير الحق) ان الحق يخضع لعبادة الله ويستسلم له ويزيد عبدة الشيطان عتوا ونفورا. فكل استكبار في الارض فهو بغير الحق.

(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً) انها بديهية اولية. ان الذي خلقهم من العدم ثم تعهدهم بالعناية الفائقة ونقلهم في مراحلهم العديدة من جنين الى رضيع الى طفل الى صبي الى شاب حتى أكملهم خالقهم وأعطاهم القوة والحواس كيف لا يكون أشد منهم قوة. والجميع عاجزون عن خلق بعوضة وذبابة ولو أجمعوا متعاونين

٢٤٥

لان الذي خلقهم هو الذي وهبهم هذه القوة التي يفتخرون بها عليه. فيا لها من وقاحة وسفالة. وكفران نعمة. وانكار معروف لا يقدر بمقدار.

(فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ) انها العاصفة الهوجاء المجتاحة الباردة في ايام نحس عليهم وانه الخزي في الحياة الدنيا. وهو الخزي اللائق بالمستكبرين عن طاعة خالقهم العظيم. ذلك في الدنيا. ولهم في الآخرة عقاب هو اشد واخزى. وهم لا ينصرون.

(وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى) ويظهر ان هذه اشارة الى اهتدائهم بعد ايام الناقة. ثم ردتهم وكفرهم بعد ذلك. وأيثارهم العمى على الهدى (فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ) والهون اشد العقاب فليس هو العذاب فحسب وليس هو الهلاك فحسب ولكنه كذلك الهوان (وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ) هذه هي عاقبة المكذبين الدمار. وعاقبة الذي اتقوى النجاة والفوز والنعيم الخالد.

(وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (١٩) حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٠) وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢١) وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ (٢٢) وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ (٢٣) فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ (٢٤) وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ (٢٥))

البيان : انها المفاجأة الهائلة في الموقف العصيب. وسلطان الله الذي تطيعه جوارحهم وتستجيب. وهم يوسمون بانهم اعداء

٢٤٦

الله. فما مصير أعداء الله ـ الا النار ـ انهم يحشرون. ويجمع أولهم على آخرهم. وآخرهم على أولهم كالقطيع. الى أين. الى النار. حتى اذا كانوا حيالها وقام الحساب. اذا شهود عليهم لم يكونوا لهم في حساب. ان ألسنتهم معقودة لا تنطق غير نطقها الاول تنطق بارادة خالقها لا بارادة صاحبها وهنا المصيبة. التي لا يملك العصاة معها شيئا. وكان صاحبها يستعملها في الكذب والباطل. وان أسماعهم وأبصارهم وجلودهم تخرج عليهم لتلبي أمر خالقها طائعة مذعنة. تروي عن صاحبها بكل ما استعملها به وخالف به ربه. وها هي تفضح ما حسبوه مستورا عليهم وأخفوه عن غيرهم من المخلوقين وما حسبوا أن خالقهم لا تخفى عليه خافية فضلا عن شهود جوارحهم عليهم التي لا كذب لديها بأمر خالقها.

(وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ) وما كان يخطر على بالكم.

(فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ) يا للسخرية .. فالصبر الان صبر على النار. وليس الصبر الذي يعقبه فرج وفوز وسعادة كما لو كان في دار الدنيا. انه الصبر الذي جزاؤه النار.

(وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ) فما عاد ينفع هناك نقاش ولا تحسر ولا عتاب.

(وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ) فهذه هي المهلكة. وهذا هو المنحدر الذي ينتهي دائما بالبوار. واذا هم في قطيع السوء في الامم التي حق عليها وعد الله من قبلهم (إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ).

وكان من تزيين القرناء لهم دفعا الى محاربة هذا القرآن المجيد. حين أحسسوا بما فيه.

٢٤٧

(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ) كلمة كان يوصي بها الكبراء من قريش انفسهم بها الجماهير. وقد عجزوا عن مغالبة الحق المستقيم. لأثره في نفوس الجماهير. فهو كما قال عتبة بن ربيعة يأخذ بالقلوب الحية. فيضيئها. وكان يستخلص القلوب له فكان هو الفرقان.

(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (٢٦) فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٧) ذلِكَ جَزاءُ أَعْداءِ اللهِ النَّارُ لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ جَزاءً بِما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (٢٨) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلاَّنا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ (٢٩) إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (٣٠) نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ (٣١) نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (٣٢) وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٣٣) وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (٣٤) وَما يُلَقَّاها إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (٣٥))

البيان : (فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذاباً شَدِيداً) وسرعان ما نجدهم في النار وسرعان ما تشهد حنق المخدوعين. الذين زين لهم قرناؤهم ما بين أيديهم وما خلفهم وأغروهم بهذه المهلكة التي انتهى اليها مطافهم.(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) انه الحنق والتحرق على الانتقام (نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا) (لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ).

(إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا) الاستقامة على قول (رَبُّنَا اللهُ) بحقها وحقيقتها. استقامة لها شعور في الضمير. وسلوك في الحياة وصبر على التكاليف أمر كبير. ومن ثم يستحق المستقيم عليها عند الله هذا الانعام الكبير. صحبة الملائكة ومعونتهم ـ بل

٢٤٨

وخدمتهم له ـ هذه التي تبدو فيما حكاه الله عنهم. وهم يقولون لهم (أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) ثم يصورون لهم الجنة :

(لَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ) فأي نعيم بعد هذا النعيم له وزن وقيمة.

(وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللهِ) ان النهوض بواجب الدعوة الى الله في مواجهة التواءات النفس البشرية وجهلها له مكانته عند الخالق العظيم.

(وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ) وكيف يمكن استواء الخبيث للطيب والفساد للصلاح.

(ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) هنا يعرف العاقل من الجاهل والشريف من الرذيل.

ولو قوبل السفيه بمثل فعله لأصبح مثله وفرج كربه وأخذته العزة بالاثم غير أن تلك السماحة تحتاج الى قلب كبير وصبر جميل. وعقل رزين وارادة قوية.

وهذه الدرجة درجة دفع السيئة بالحسنة والسماحة التي تستعلى على دفعات الغيظ والغضب. درجة عظيمة لا يلقاها كل انسان فهي في حاجة الى الصبر وحظ موهوب يتفضل به الله العظيم على عبده المخلص المستسلم له.

(وَما يُلَقَّاها إِلَّا .. ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ...) انها درجة فائقة عالية الى حد كبير.

(وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٦) وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (٣٧)

٢٤٩

فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ (٣٨) وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٣٩) إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٤٠) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ (٤١) لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (٤٢))

البيان : ان خالق البشر. الذي يعرف مداخل الانسان ومساربه. ويعرف طاقته واستعداده. ويعرف من اين يدخل الشيطان الرجيم اليه يحوط الداعية الى الله من نزغات الغضب او نزغات الشيطان مما يلقاه في طريقه مما يثير غضب الحليم.

فالغضب قد ينزغ. وقد يلقي في الروع قلة الصبر على الاساءة أو ضيق الصدر عن السماحة. فالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم حينئذ وقاية تدفع محاولاته :

(وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ). هذه الآيات معروضة للانظار يراها العالم والجاهل. ولها في قلب الحي. روعة مباشرة. ولو لم يعلم الانسان شيئا عن حقيقتها العلمية.

لهذا يكتفي القرآن المجيد بتوجيه القلب اليها وايقاظه من غفلته عنها هذه الغفلة التي ترد عليه من طول الالفة تارة. ومن تراكم الخواطر والحواجز والموانع تارة اخرى. فيجلوها القرآن عنه لينتقض جديدا حيا يقظا. وليتعاطف مع هذا الكون الصديق.

(فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ). وأقرب ما يرد على القلب عند ذكر (فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ) الملائكة وأولياء الله المقربين من الانبياء والاوصياء المعصومين والتابعين لهم عن صدق ويقين.

٢٥٠

هؤلاء الذين عند ربك. هم أرفع وأعلى. وهم أتقى وأمثل. فلا يستكبرون كما يستكبر أولئك المنحرفون الضالون في الارض. الذين اتبعوا أهوائهم وأضلهم الشيطان فأعمى أبصارهم.

(وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً ...) فخشوع الارض هنا هو سكونها قبل نزول الماء عليها. وكأنها حين نزول الماء عليها تتحرك لتخرج ما فيها ـ كما تتحرك الحامل لتخرج ما في بطنها ـ وهنا يتبين وجه التناسق في هامدة ـ وخاشعة ـ ان الجو في الاول جو بعث واحياء واخراج. فمما يتسق معه تصوير الارض (بالهامدة) ثم تهتز وتربو وتنبت من كل زوج بهيج. وان الجو في الثاني ، هو عبادة وخشوع وسجود ويتسق معه تصوير الارض (بالخشوع) فاذا نزل عليها الماء اهتزت وربت.

انهما تخيلان حركة للارض بعد خشوعها. وهذه الحركة هي المقصودة هنا. لان كل ما في المشهد يتحرك حركة طاعة وعبادة واذعان لخالقه. فلم يكن من المناسب ان تبقى الارض وحدها خاشعة ساكنة. فوجب أن تهتز للمشاركة قلوب العابدين المتقين. لكي لا يبقى جزء من أجزاء المشهد ساكنا. فكل الاجزاء تتحرك من حوله.

(إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى. إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ويتكرر في القرآن عرض مثل هذا المشهد نموذجا للاحياء في الاخرة. ودليلا على قدرة الخالق العظيم الغير محددة بحدود.

ومشهد أحياء الارض في كل سنة بدون تخلف قريب من كل قلب مفتوح. لانه يلمس القلوب قبل أن يلمس العقول. والحياة المحسوسة توحي بالقدرة المطلقة لخالق الوجود. وهذا ايحاء خفي ينبض في أعماق الشعور. والقرآن يخاطب الفطرة بلغتها واحساسها.

٢٥١

(إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا) يبدأ التهديد ملفوفا لكنه مخيف. (لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا) فهم مكشوفون لعين الله تعالى وعلمه. والاقلام تكتب والمسجلة تسجل كل حركة ولفظة حتى خطرات القلوب وأسرارها. فهم مأخوذون بما يلحدون مهما غالطوا وأخفوا خلاف ما يظهرون. وحسبوا أنهم مفلتون من يد الله وعلمه كما قد يفلتون بالمغالطة من حساب الناس.

ثم يصرح بالتهديد (أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ) وهو تعريض بهم وبما ينتظرهم من عذاب النار. (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ ..) والنص يتحدث عن الذين كفروا بالذكر. لا غير. (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا ..) كأنما يقال أن فعلتهم لا يوجد وصفا ينطبق عليها لشدة بشاعتها.

(وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ ...) وأنى للباطل أن يدخل على هذا الكتاب وهو صادر عن مصدر الحق ـ الحكيم الحميد ـ ويصدع بالحق. ويتصل بالحق الذي تقوم عليه السموات والارض. وهو محفوظ بأمر خالقه العظيم. الذي تكفل بحفظه.

(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) فالمتدبر لهذا القرآن يجد فيه ذلك الحق الذي نزل ليقرأه ويجده في روحه. ويجده في نصه. يجده في بساطة ويسر. حقا مطمئنا فطريا. يخاطب أعماق الفطرة. ويطبعها ويؤثر فيها التأثير العجيب (تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) والحكمة ظاهرة في بنائه. وفي توجيهه. وفي طريقة نزوله. وفي علاجه للقلب البشري من أقصر الطرق. والله الذي نزله خليق بالحمد. وفي القرآن المجيد ما يستجيش القلب لحمده.

(ما يُقالُ لَكَ إِلاَّ ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ (٤٣) وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ

٢٥٢

وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (٤٤)

وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (٤٥))

البيان : وانه وحي واحد. ورسالة واحدة. وعقيدة واحدة. ثم هي بعد ذلك وشيجة واحدة. وشجرة واحدة. وأسرة واحدة. وهدف في نهاية الامر واحد. وطريق وأصل ممدود.

انها حقيقة (ما يُقالُ لَكَ إِلَّا ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ) ولكن أي آثار هائلة عميقة ينشئها استقرار هذه الحقيقة في نفوس المؤمنين. وهذا ما يصنعه هذا القرآن. وهو يقرر مثل هذه الحقيقة الضخمة ويزرعها في القلوب. ومما قيل للرسل قيل لمحمد ص وآله :

(إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ) ذلك كي تستقيم نفس المؤمن وتتوازن. فيطمع في رحمة الله ومغفرته فلا ييأس منها ابدا. ويحذر عقاب الله ويخشاه فلا يغفل عنه ابدا. انه التوازن طابع الاسلام الاصيل. ثم يذكرهم بنعمة الله عليهم. ان هذا القرآن عربيا بلسانهم. كما يشير الى طريقتهم في العنت والالحاد والجدل والتحريف.

(وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا) : فهم لا يصغون اليه عربيا. وهم يخافون منه لانه عربي. يخاطب فطرة الانسان. بلسانهم العربي. فيقولون لا تسمعوا لهذا القرآن.

والحقيقة التي تخلص من وراء هذا الجدل. حول الشكل هي أن هذا الكتاب هدى للمؤمنين وشفاء لهم. فقلوب المؤمنين هي التي تدرك طبيعة هذا القرآن وحقيقته فتهتدي به وتشتفى به. فاما الذين لا يؤمنون. فقلوبهم مطموسة لا تخالطها نورانية هذا الكتاب. كالعين الرمداء التي يؤلمها الضياء. والعين الصحيحة التي تأنس وتنسرّ

٢٥٣

بالضياء لديها. ولذا قال عزوجل (فهو عليهم عمى) فهو وقر في آذانهم وعمى في قلوبهم وهم لا ينتفعون به لانهم يبعدون جدا عن طبيعة هذا الكتاب وهواتفه.

(قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ. وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى).

ويجد الانسان مصداق هذا القول في كل زمان وفي كل بيئة. فهنا اناس يفعل هذا القرآن في نفوسهم فينشئها انشاء. ويحييها احياء. ويصنع بها ومنها العظائم في ذاتها وفيما حولها. وهناك أناس يثقل هذا القرآن على آذانهم وعلى قلوبهم. ولا يزيدهم الا صمما وعمى. ولم يتغير القرآن المجيد. ولكن قلوبهم تغيرت وتبدلت. ولذا يقول الشاعر :

قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد

وينكر الفم طعم الماء من سقم

(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ) وكذلك سبقت كلمة ربك أن يدع الفصل في قضية الرسالة الاخيرة الى ذلك اليوم الموعود. وان يدع الناس يعملون. ثم يجازون على ما يعملون.

و (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها).

(مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها وَما رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (٤٦) إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكائِي قالُوا آذَنَّاكَ ما مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ (٤٧) وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ وَظَنُّوا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (٤٨) لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ (٤٩) وَلَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذا لِي وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِما عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ (٥٠))

البيان : (إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ) الساعة غيب غائر في ضمير

٢٥٤

المجهول. والثمرات في اكمام سر غير منظور. والحمل في الارحام كذلك من مختصات الخالق العظيم. وعلم الله تعالى ليس له حدود. ويتصور القطيع من البشر ان الامر بمقدار ما يراه ويحيط به علمه وخبرته والواقع يسخر من هذا التصور التافه. (وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكائِي).

يأتي النداء من العزيز الجبار لمن كان يستند على سواه هكذا ويأتي الجواب من اولئك :

(قالُوا آذَنَّاكَ ما مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ) ان ليس منا اليوم من يشهد ان لك شريك.

(وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ) فما عادوا يعرفون شيئا عن دعواهم السابقة وقد أذهلهم الهول مما رأوا من الكرب والبلاء. الذي ينسى الانسان كل شيء من قريب وبعيد.

(لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ). انه رسم دقيق صادق للنفس البشرية التي لا تهتدي بهدي الله. ولا تستقر على طريق. رسم يصور تقلبها وضعفها. وحبها للدنيا وجهلها لما هو أثمن وأغلى. وجحودها لنعم خالقها التي لا تحصى. وجزعها من ضراء هذه الحياة وتعرضها لضراء دار البقاء الذي لا يطاق وليس له انتهاء ولا نفاد ولا تخفيف.

هذا الانسان الذي اذا أذاقه الله منه سعة في دنياه بعد ضيق نسي شكر الذي أنعم عليه واستعان بما أعطاه على عصيانه. انها لوقاحة هائلة واجرام عظيم.

(وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً) انتفخ وحسب أن هذا لرفعة مقامه عند خالقه. وهو ينكر الاخرة ومع هذا يظن انه لو رجع الى ربه كانت له وجاهة فائقة فيقول :

٢٥٥

(وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى) وهذا منتهى الغرور والجهل ألا يعلم المخدوع ان ما نال من دنياه مع عصيانه لخالقه ومولاه انما هو املاء واستدراج ليزداد طغيانا واثما. ولهذا يجيء التهديد لهذا المغرور الاثيم.

(فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِما عَمِلُوا. وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ).

هذا هو الانسان الجاهل المغرور المستكبر على خالقه ومنعمه. استعظم وطغى وتقوى بنعم خالقه على عصيانه. فالويل له اذا وقف بين يديه وشاهد ما يجازيه.

(وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ (٥١) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (٥٢) سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٥٣) أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ (٥٤))

البيان : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ) انه احتمال يستحق الاحتياط الهائل فماذا أخذوا لانفسهم من وسائل الاحتياط. وماذا أدوا شكر ما انعم به عليهم خالقهم :

(سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ) انه الايقاع الاخير. وانه لا يقاع كبير. انه وعد غير مكذوب لانه من خلاق عظيم. فقد وعدهم ان يطلعهم على شيء من خفايا هذا الكون. ومن خفايا أنفسهم التي هي أقرب اليهم من كل شيء. وعدهم ان يريهم آياته. حتى يتبين لهم انه الحق. هذا الدين وهذا الكتاب وهذا الرسول ص وآله.

ولقد صدقهم خالقهم العظيم. فكشف لهم عن آياته في الافاق في خلال قرون الاربعة عشر التي تلت نزول هذا الكتاب وصدور هذا الوعد الصادق غير مكذوب.

٢٥٦

وكشف لهم عن آياته في أنفسهم. ولم يزل يكشف لهم في كل يوم عن جديد. وما يزداد هذا الانسان المتجبر الا اعراضا وادبارا. والا تنمردا وطغيانا أفلا يرجعون أفلا يعقلون. أفلا يتوبون قبل أن يأتيهم عذاب أليم لا يطاق ولا يفنى.

(أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (فأين يذهبون عن لقاء من هو بهم محيط).

* * *

ـ ٤٢ ـ سورة الشورى آياتها (٥٣) ثلاث وخمسون آية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. حم (١) عسق (٢) كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٣) لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (٤) تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلا إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٥))

البيان : سبق الحديث عن الاحرف المقطعة في أوائل السور بما فيه الكفاية. وهي تذكر هنا في مطلع السورة ويليها قوله تعالى : (كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللهُ ..) أي مثل ذلك. وعلى هذا النسق. وبهذه الطريقة يكون الوحي اليك والى الذين من قبلك. فهو كلمات وألفاظ وعبارات مصوغة من الاحرف التي يعرفها جميع الناس ويفهمونها. ويدركون معانيها. ولكنهم لا يملكون ان يصوغوا مثلها مما بين أيديهم من أحرف يعرفونها حق المعرفة. وهم أربابها والمتفاخرون في لغتها على غيرهم.

ومن جهة أخرى تقرر وحدة الوحي. ووحدة مصدره. وهو الله العزيز الحكيم. والموحى اليهم هم الرسل على مدار الزمان. والوحي

٢٥٧

واحد في جوهره على اختلاف الرسل واختلاف زمانهم ومراتبهم (إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ).

انها قصة بعيدة البداية. ضاربة في أطوار الزمان وسلسلة كثيرة الحلقات متشابكة الحلقات. ومنهج ثابت الاصول على تعدد الفروع).

وهذه الحقيقة ـ على هذا النحو ـ حين تستقر في ضمائر المؤمنين تشعرهم باصالة ما هم عليه وثباته. ووحدة مصدره وطريقه. وتشدهم الى مصدر هذا الوحي.

(اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) كما تشعر بالقرابة بينهم وبين المؤمنين اتباع الوحي في كل زمان ومكان. فهذه اسرتهم تضرب في بطون التاريخ وتمتد جذورها في شعاب الزمن. وتتصل كلها بخالقها العظيم في النهاية. فيلتقون فيه جميعا. وهو (الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) القوي القادر. والذي يوحي لمن يشاء وفق حكمة بالغة. وتدبير فائق. فانهم ينصرفون عن هذا المنهج الالهي الواحد الثابت الى السبل المتفرقة التي لا تؤدي الا الى الدمار والشقاء. ولا يعرف لها مصدر ولا تستقيم على اتجاه.

(لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) كثيرا ما يخدع البشر فيحسبون انهم يملكون شيئا لمجرد انهم يجدون أشياء في أيديهم قد وصلوا اليها وقد سخرها خالقها لهم لينتفعوا بها ويستخدمونها فيما يشاؤون. ولكن هذا ليس ملكا حقيقيا. انما المالك الحقيقي لها هو خالقها وخالقهم هو الذي قد سخرها لهم ليؤدوا شكر خالقهم على ذلك. فالمالك الحقيقي يوجد ويعدم ويحيي ويميت. والذي يملك ويحكم طبائع الاشياء. ويصرّفها وفق الناموس المختار. وكل ما في السموات وما في الارض تحت قبضته ولا يتحرك الا بارادته. ذلك هو الله العزيز الجبار. الذي لا يشاركه في ملكه وتصرفه سواه (الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ).

٢٥٨

ومن استقرت هذه الحقيقة في نفسه وقلبه استقرارا ثابتا في الضمائر ذاك هو المخلوق الذي قد عرف خالقه فالتزم بطاعته دون سواه. فكفاه وشفاه وحماه. من كل ما يخافه ويخشاه. ذلك هو السعيد في الدنيا والاخرة وذلك هو الفوز العظيم ذلك هو الشيخ القبيسي (تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ ..)

السموات هي هذه الخلائق الضخمة الهائلة التي تراها تعلو بني آدم وسواهم. حيثما كانوا على ظهر هذه الارض. والتي لا نعلم الا أشياء قليلة عن جانب منها صغير. وقد عرفنا حتى اليوم أن بعض ما في السموات نحو من مئة ألف مليون مجموعة من الشموس في كل منها نحو مئة ألف مليون شمس كشمسنا هذه التي مبلغ حجمها أكثر من مليون ضعف من حجم أرضنا الصغيرة. متأثرة في فضاء السماء وبينها مسافات شاسعة تحسب بمئات الالوف والملايين من السموات الضوئية أي المحسوبة بسرعة الضوء التي تبلغ (١٦٨٠٠٠) ميل في الثانية.

هذه هي السموات التي عرفنا منها هذا الجانب الصغير المحدود التي يشير اليها بقوله عزوجل (تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَ) من خشية خالقها العظيم وجلاله) وهذا المخلوق الصغير من البشر لم يزل يستكبر وينحرف عن طاعة هذا الخالق العظيم.

ونسيانهم لهذه العظمة التي يحسّها ضمير الكون فيرتعش وينتفض ويكاد ينشق من أعلى مكان فيه من خشية خالقه العظيم سوى هذا الانسان الصغير الجاهل.

(وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ)

سبحانك أيها الخالق العظيم ما أرأفك وأرحمك وأحلمك على عبادك الجاهلين لقدرتك وعظمتك وعلو شأنك فينحرفون عن طاعتك

٢٥٩

التي فيها سعادتهم وصلاحهم فالسموات ومن فيها من الملائكة يسبحون خالقهم ويقدسونه. وهذا البشر الصغير منحرف وتائه في عناده. ومع هذا فقد سخر هذا الخالق ملائكته يستغفرون لمن في الارض من هذا البشر الصغير. (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا).

وفي هذه الحالة يبدو : كم تشفق الملائكة من أصغر معصية تقع في الارض حتى من الذين آمنوا. وكم يرتاعون لها. فيستغفرون ربهم (أَلا إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ).

(وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ اللهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (٦) وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (٧) وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (٨) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ فَاللهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٩) وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ ذلِكُمُ اللهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (١٠))

البيان : وتبدو للضمير صورة هؤلاء التعساء للتأكيد. وهم يتخذون من دونه أولياء وأيديهم مما أمسكت خاوية. وليس هنالك الا الهباء. وتبدو للضمير صورتهم ـ في ضآلتهم وضآلة أوليائهم من دون الله. والله حفيظ عليهم. وهم في قبضته صغار ضعاف. وأولياؤهم مبرأون منهم لعصيانهم لخالقهم.

ومن ثم فان المؤمنين يسيرون في طريقهم. مطمئنين الى أنه الطريق الموصل الى احراز رضا الله والجنة لانهم صائرون على المخطط الالهي. وشريعة رسولهم محمد ص وآله لا يحيدون ولا ينحرفون عنها قيد شعرة. ولذا يقول عند الموت للملائكة : (هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ) .. يعني كنت على يقين قاطع اني سائر على طريق الجنة

٢٦٠