تفسير البيان الصافي لكلام الله الوافي - ج ٤

الشيخ محمد حسن القبيسي العاملي

تفسير البيان الصافي لكلام الله الوافي - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمد حسن القبيسي العاملي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة البلاغ
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٦٠

سيكونون بعد حين غابرين. يتأمل الآتون بعدهم آثارهم ويتذاكرون اخبارهم. كما هم يتأملون اثار من كانوا قبلهم ويتذاكرون اخبارهم. وجدير بان يوقظ الغافلون الى اليد التي تدير الاعمار وتقلب الصولجان. وتديل الدول. وتورث الملك ـ من واحد الى اخر ـ وتجعل من الجيل خليفة لجيل اخر. وكل شيء يمضي وينتهي ويزول والله الباقي الحي القيوم الذي لا يزول.

(هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ) هذا المشهد المؤثر. يذكرهم بفردية التبعة. فلا يحمل أحد عن أحد شيئا. ولا يدفع احد عن احد شيئا. ويشير الى ما هم فيه من أعراض وكفر وضلال.

(فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ) المقت أشدّ انواع البغض. ومن يمقته ربه كأنما هوى من السماء الى الارض.

(قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) الحجة واضحة والدليل ظاهر لمن يريد الحق. فهذه الارض بكل ما فيها ومن فيها .. دلائل على عظمة خالقها العظيم. ولا يمكن ان يدعي مدع أن أحدا ـ غير الله تعالى ـ له دخل في خلقها وتدبيرها. فليصرخ وليقول. وكل شيء يهتف بان الذي أبدعه هو الله القدير العظيم.

(أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ) وهذه من باب الاولى فما يجرؤ أحد على أن يزعم أنه له دخل بذلك. (أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْهُ) والظالمون يعد بعضهم بعضا ان طريقتهم هي المثلى وانهم هم المنتصرون في النهاية. وان هم الا مخدوعون مغرورون. وغدا سيكفر بعضهم ببعض ويلعن بعضهم بعضا. والامر كله لله. والعاقبة للمتقين في سعادة الدنيا والاخرة.

١٤١

(إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً (٤١) وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ ما زادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً (٤٢) اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً (٤٣) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَما كانَ اللهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ عَلِيماً قَدِيراً (٤٤) وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصِيراً (٤٥))

البيان : ان الله تعالى يلفت نظر المخلوقات الى هذه الايات الباهرات. المنتشرة في الفضاء الذي لا تعلم له حدود. وكلها قائمة في مواضعها. تدور في أفلاكها محافظة على مداراتها.

(وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ ...) لقد كانت العرب يرون اليهود اهل كتاب يجاورونهم في الجزيرة. وكانوا يرون من أمر انحرافهم وسوء سلوكهم ما يرون. وكانوا يسمعون من تاريخهم وقتلهم رسلهم. واعراضهم عن الحق الذي جاؤوهم به. وكانوا اذ ذاك ينحون على اليهود. (لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ).

(فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً). وانه لقبيح بمن كانوا يقسمون هذه الايمان ان يكون هذا مسلكهم استكبارا في الارض ومكر السيء (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ).

وما يصيب مكرهم السيء أحدا الا أنفسهم. (فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلاً. وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً) والقرآن يقرر هذه الحقيقة ويعلمها للناس كي لا ينظروا الاحداث فرادى.

١٤٢

(أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) والسير في الارض بعين مفتوحة. وقلب يقظ. والوقوف على مصارع الغابرين. وتأمل ما كانوا فيه وصاروا اليه. يستنتج أهل العقول منها منافع هائلة.

وأمام هذه الوقفة التي يقفهم اياها على مصارع الغابرين قبلهم. فلم تعصمهم قوتهم من المصير المحتوم. امام هذه الوقفة. ويحذرهم قوة الله الكبرى.

(وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ).

ان ما يرتكبه الناس من كفر لنعمة الله. ومن شر في الارض وفساد. ومن ظلم في الارض وطغيان. ان هذا كله لفظيع شنيع. ولو يؤاخذ الله الناس به. لتجاوزهم الى كل حي على ظهر هذه الارض. لفسدت الارض. ولأصبحت الارض كلها غير صالحة للحياة اطلاقا. لا لحياة البشر فحسب. ولكن لكل حياة اخرى. والتعبير على هذا النحو يبرز شناعة ما يكسب الناس وبشاعته وأثره المفسد المدمر للحياة كلها لو آخذهم الله به مؤاخذة سريعة :

(وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) يؤخرهم افرادا الى أجلهم الفردي حتى تنقضي أعمارهم في الدنيا. ويؤخرهم جماعات الى أجلهم في الخلافة المقدرة لهم حتى يسلموها الى جيل اخر. ويؤخرهم جنسا الى أجلهم المحدد لعمر هذا العالم. ومجيء الساعة الكبرى. ويفسح لهم في الفرصة لعلهم يحسنون صنعا.

(فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ) وانتهى وقت العمل والكسب. وحان وقت الحساب والجزاء فان الله لن يظلمهم شيئا.

١٤٣

(فَإِنَّ اللهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصِيراً) وبصره بعباده كفيل بتوفيتهم حسابهم وفق عملهم وكسبهم لا تفوت منهم ولا عليهم كبيرة ولا صغيرة.

وهذا هو الايقاع الاخير في السورة التي بدأت بحمد الله .. وما فيها من تبشير وانذار فاما الى جنة واما الى نار. والله تعالى الموفق للصواب والحمد لله رب العالمين.

* * *

ـ ٣٦ ـ سورة يس وآياتها (٨٣) ثلاث وثمانون آية ـ

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. يس (١) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (٢) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (٣) عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤) تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (٥) لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فَهُمْ غافِلُونَ (٦) لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٧) إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (٨) وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (٩) وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (١٠))

البيان : (يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ) يقسم الخالق العظيم بهذين الحرفين (ياسين) كما يقسم بالقرآن وهذا الجمع بين الاحرف المقطعة والقرآن يرجح الوجه الذي اخترناه في تفسير هذه الاحرف في أوائل السور. والعلاقة بين ذكرها وذكر القرآن. وان آية كونه من عند الله ، الاية التى لا يتدبرونها فيردهم القرآن اليها. انه مصوغ من جنس هذه الاحرف اليسيرة لهم. ولكن نسقه التفكيري والتعبيري فوق ما يملكون صياغته من هذه الحروف.

ويصف القرآن ـ وهو يقسم به ـ بانه (الْقُرْآنِ الْحَكِيمِ) والحكمة صفة العاقل الكامل والتعبير على هذا النحو يخلع على القرآن

١٤٤

صفة الحياة والقصد والارادة. وهي من مقتضيات أن يكون حكيما. ومع أن هذا مجاز الا انه يصور حقيقة ويقربها.

فان لهذا القرآن لروحا. وان له لصفات الحي الذي يعاطفك وتعاطفه حين تصفّي له قلبك. وتصفّي له روحك. وانك لتطلع منه على دخائل وأسرار كلما فتحت له قلبك وأخلصت له بروحك. وانك لتشتاق منه الى ملامح وسمات. كما تشتاق الى ملامح الصديق وسماته. وحين تصاحب القرآن المجيد فترة وتأنس به وتستروح أهدافه العليا. تتفتّح له بصيرتك ومسامع قلبك. ولقد كان رسول الله ص وآله. يحب أن يسمع تلاوة القرآن من غيره. ويقف على الابواب ينصت اذا سمع من داخلها من يرتل هذا القرآن المجيد. كما يقف الحبيب وينصت لسيرة الحبيب.

والقرآن حكيم. يخاطب كل واحد بما يدخل في طوقه. ويضرب على الوتر الحساس في قلبه. ويخاطبه بقدر. ويخاطبه بالحكمة التي تصلحه وتوجهه.

والقرآن حكيم. يربي كل مخلوق بحكمة. وفق منهج عقلي ونفسي مستقيم. منهج يطلق طاقات البشر كلها مع توجهها الوجه الصالح القويم. ويقرر للحياة نظاما يسمح بكل نشاط بشري. في حدود ذلك المنهج الحكيم.

يقسم الخالق العظيم الحليم الحكيم. (بياء. وسين) والقرآن الحكيم على حقيقة الوحي والرسالة الى رسوله محمد ص وآله (إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ).

وما به من حاجة الى القسم. ولكن هذا القسم منه سبحانه بالقرآن وحروفه يخلع على القسم به عظمة وجلالا فلا يقسم به الخالق العظيم الا بأمر عظيم ولأمر عظيم.

١٤٥

(إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) والتعبير على هذا القسم يوحي بان ارسال الرسل أمر مقرر له في سوابق مقرراته. فليس هو الذي يراد اثباته انما المراد أن يثبت هو ان محمدا ص وآله من هؤلاء المرسلين. ويخاطبه هو بهذا القسم ـ ولا يوجهه الى المنكرين المكذبين ـ ترفعا بالقسم وبالرسول وبالرسالة. عن أن تكون موضع جدل او مناقشة. انما هو الاخبار المباشر من الله العظيم لرسوله الكريم.

(إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) وهذا بيان لطيف لطبيعة الرسالة. بعد بيان حقيقة الرسول. وطبيعة هذه الرسالة الاستقامة ـ في السير والدوام ـ فهي مستقيمة لا اعوجاج فيها ولا انحراف. ولا ميل فيها ولا التواء. ولا غموض فيها ولا التباس بل هي الحق المبين. ولا تميل ـ الرسالة ولا يميل الرسول ـ مع هوى ولا ينحرف مع مصلحة. بل يجده من يطلبه في يسر وفي دقة وفي خلوص.

وهي مستقيمة ثابتة. لا تزول ولا تنقطع ولا تنسخ ولا تبدل ولا يأتي بعد رسالة سماوية ابدا. الى أن يفنى الزمان. وهي مستقيمة سهلة لا تعقيد فيها ولا ابهام. وانما تصدع بالحق في أبسط صورة. يمكن ان يعيش بها ومعها البادي الساذج البسيط. والحاضر المتسامي في الفهم والذكاء والعلم والمعرفة. وساكن الكوخ وساكن ناطحات السحاب ويجد كل فيها حاجته. ويدرك ما يستقيم به حياته ونظامه وروابطه في يسر ولين.

ورسالة الاسلام مستقيمة مع فطرة الكون وناموس الوجود. وطبيعة الاشياء. والاحياء حول الانسان. فلا تصدم طبائع الاشياء. ولا تكلف الانسان الا باقل طاقته. وهي مستقيمة على طريق الحق الى الله ـ الذي هو مصدر الحق. لا يخشى تابعها ان يضل عن خالقه ـ

١٤٦

ما زال متمسكا بها. ولا يلتوي عن الطريق اليه. فهو يسلك طريقا مستقيما ينتهي به الى شاطىء الامن والامان. والجنة والرضوان في مقعد صدق عند مليك عظيم عادل.

والقرآن هو دليل هذا الصراط المستقيم. وحيثما سار الانسان معه وجد هذه الاستقامة في تصوره للحق. وفي التوجيه اليه. وفي احكامه الفاصلة في القيم. ووضع كل قيمة في موضعها (تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ) يعرف الخالق العظيم. عباده بنفسه في مثل هذه المواضع ليدركوا حقيقة ما نزل اليهم ـ فهو العزيز ـ الذي يعز كل من لجأ اليه وقوى يحرس كل من تمسك به. وهو الرحيم بعباده الذي لا يغلق بابه امام المحتاجين اليه. ويقبل التوبة من العاصين مهما كانت خطاياهم معه. فهو يقبل التوبة ويعفو عن السيئات ويحب التوابين المنيبين (لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فَهُمْ غافِلُونَ) والغفلة اشدّ ما يفسد القلوب. فالقلب الغافل قلب معطّل عن وظيفته. معطل عن التأثر والاستجابة. تمرّ به دلائل الهدى أو يمرّ بها دون ان يحسّ بها أو يدركها. ومن ثم كان الانذار هو اليق شيء بالغفلة التي كان فيها القوم. الذين مضت من الاجيال ـ وقد جعلهم الله تعالى عبر للمعتبرين ـ فالانذار قد يوقظ الغافلين. المستغرقين في الغفلة. الذين لم يأتهم رسول ولم يأت اباءهم نذير.

ثم يكشف عن مصير هؤلاء الغافلين. وعما نزل بهم من قدر الله وفق ما علم الله من قلوبهم ومن امرهم. ما كان وما سيكون (لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ). لقد قضى في امرهم وحق قدره على اكثرهم. بما علمه من حقيقتهم. وطبيعة مشاعرهم فهم لا يؤمنون. وهذا المصير الاخير للاكثرين. فان نفوسهم محجوبة عن الهدى مشدودة عن رؤية دلائله او استشعارها (إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً) أن أيديهم

١٤٧

مشدودة بالاغلال الى اعناقهم. موضوعة تحت اذقانهم. ومن ثم فان رؤوسهم مرفوعة قسرا. لا يملكون ان ينظروا بها الى الامام. ومن ثم لا يملكون حرية النظر. ومن عنف هذا المشهد الحسي وشدته. فأن الانسان ليلتقي باناس من هذا النوع (وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) فقد قضى الله فيهم امره بما علمه من عنادهم اتباع أهوائهم. واغلاق قلوبهم التي لا ينفذ اليها الايمان. ولا ينفع معها الانذار. فان قلوبهم غير مهيأة للايمان والتغير عما هم عليه. فالأنذار لا ينفع مع اغلاق القلوب.

(إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (١١) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ (١٢) وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (١٣) إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (١٤) قالُوا ما أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ (١٥) قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (١٦) وَما عَلَيْنا إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (١٧) قالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ (١٨) قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (١٩) وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (٢٠) اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ (٢١))

البيان : (إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ) المراد من الذكر هنا هو القرآن. والذي أتبع القرآن. وخشى الرحمان دون ان يراه. هو الذي ينتفع بالأنذار وكأنما الرسول ص وآله قد خصّه به. وان كان قد عمّم الّا أن أولئك حيل بينهم وبين تلقيه الهوى فانحصر في من اتبع الذكر وخشي الرحمان بالغيب. وهذا يستحق التبشير. بعد انتفاعه بالأنذار (فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ) وهنا يؤكد وقوع البعث.

(نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ) (أحياء الموتى هو احرى القضايا التي استغرقت جدلا طويلا. وسيرد منه في هذه

١٤٨

السورة أمثلة منوعة. وهو ينذرهم ان كل ما قدمت ايديهم من عمل. وكل ما خلقته اعمالهم من آثار كلها تكتب وتحصى. فلا يفلت منها شيء ولا ينسى. والله سبحانه هو الذي يحي الموتى. وهو الذي يكتب ما قدموا وآثارهم. وهو الذي يحصي كل شيء ويثبته. فلا بد اذن من وقوع هذا كله على الوجه الذي تتولاه يد الله تعالى.

(وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ) القمي عن الامام الباقر (ع) :

انه سئل عن هذه الآية. فقال (ع) : (بعث الله رجلين الى اهل انطاكية. قيل أرسلهما عيسى (ع) فلما قربا الى المدينة رأيا شيخا يرعى غنما له وهو حبيب صاحب (يس) فسلما عليه فقال الشيخ لهما من أنتما قالا رسولا عيسى ندعوكم من عبادة الاوثان الى عبادة الرحمن.

فقال أمعكما آية قالا نعم. نحن نشفي المريض ونبرى الاكمه والأبرص بأذن الله تعالى. فقال الشيخ ان لي ابنا مريضا صاحب فراش منذ سنين. قالا : فانطلق بنا الى منزلك. نتطلع حاله فذهب بهما فمسحا على ابنه فقام في الوقت بأذن الله صحيحا. ففشا الخبر في المدينة وشفى الله على أيديهما كثيرا من المرضى وكان ملك لهم يعبد الاصنام فوصل الخبر اليه. فدعاهما فقال لهما : من انتما قالا رسولا عيسى. جئنا ندعوك من عبادة ما لا يسمع ولا يبصر. الى عبادة الخالق العظيم

فقال الملك أولنا آله سوى آلهتنا. فقالا نعم من أوجدك وآلهتك فغضب الملك وحبسهما فبعث عيسى (ع) شمعون الصفا ـ وصيّة ـ لينصرهما فدخل شمعون البلد متنكرا فجعل يعاشر حاشية الملك حتى انسوا به فرفعوا خبره الى الملك فدعاه ورضى عشرته واكرمه.

ثم قال ذات يوم أيها الملك بلغني انك حبست رجلين في السجن حين دعوك الى غير دينك فهل سمعت قولهما قال الملك حال الغضب بيني

١٤٩

وبين ذلك. قال فأن رأى الملك دعاهما حتى نتطلع ما عندهما. فقال لهما شمعون : من أرسلكما الى هاهنا. قالا : الله الذي خلق كل شيء لا شريك له. قال وما آيتكما. قالا ما تتمناه. فأمر الملك حتى جاؤا بأعمى لم يبصر شيئا فقال لهما دعوا آلهكما يرد بصر هذا فقاما وصليا ركعتين فاذا عيناه مفتوحتان وهو ينظر بهما فقال الملك علي بأعمى آخر فأتى به قال فسجدا ثم رفع رأسيهما فاذا الأعمى يبصر سالما. فقال شمعون ايها الملك علي بمقعد فاتي به فصليا ودعوا الله فاذا المقعد قد قام صحيحا وقام يمشي. فقال ايها الملك. قد آتيا بحجتين. ولكن بقى شيء واحد فان كان فعلاه دخلت معهما في دينهما ثم قال للملك ايها الملك بلغني انه كان للملك أبن واحد فان أحياهما آلهما دخلت معهما في دينهما فقال له الملك وانا ايضا معك. ثم قال شمعون قد بقيت هذه الخصلة الواحدة قد مات ابن الملك فادعوا الهكما ان يحييه قال فخرا ساجرين لله عزوجل. واطالا السجود ثم رفعا رأسيهما وقالا للملك ابعث الى قبر ابنك تجده قد قام من قبره ان شاء الله. فخرج الناس ينظرون. فوجدوه قد خرج من قبره ينفض راسه من التراب قال فأتي به الى الملك فعرفه انه ابنه. فقال له ما حالك. يا بني. قال كنت ميتا فرأيت رجلين بين يدي ربي الساعة ساجدين يسئلانه ان يحييني فأحياني. قال تعرفهما اذا رأيتهما قال نعم. قال فأخرج الناس الى الصحراء فكان يمر عليه رجل رجل حتى مروا عليه بعد جمع كثير. فقال هذا أحدهما. واشار بيده اليه. ثم مروا بقوم كثير حتى رأى صاحبه الآخر فقال وهذا الاخر. فقال النبي صاحب الرجلين اما أنا فقد آمنت بآلهكما وعلمت ان ما جئتما به هو الحق فقال الملك وأنا ايضا آمنت بآلهكما وآمن أهل مملكته كلهم.

فقال ابن الملك. اني قدمت منذ سبعة ايام وادخلت في سبعة أودية من النار وانا احذركم ما أنتم فيه وجاء حبيب الراعي يسعى من

١٥٠

اقصى المدينة يذكرهم ويدعوهم الى اتباع الرسل الحديث : (جاء من اقصى المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين ..)

انها استجابة الفطرة السليمة لدعوة الحق المستقيمة فيها الصدق والبساطة والحرارة واستقامة الادراك. وتلبية الايقاع القوي للحق المبين.

فهذا الرجل سمع الدعوة فاستجاب لها بعد ما رأى فيها من دلائل الحق والمنطق ما يتحدث عنه في مقالته لقومه. وحينما استشعر قلبه حقيقة الايمان تحركت هذه الحقيقة في ضميره فلم يطق عليها سكوتا. ولم يقبع في داره. وهو يرى الضلال من حوله. والفجور والجحود ولكنه سعى بالحق الذي استقر في قلبه وتحرك في ضميره. سعى الى قومه وهم يكذبون رسل الله (قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ) وهداهم واضح في طبيعة دعوتهم. فهم يدعون الى آله واحد ويدعون الى نهج واضح ويدعون الى عقيدة لا خرافة فيها ولا غموض. فهم مهتدون الى نهج سليم. ثم عاد يتحدث اليهم عن نفسه هو وعن اسباب ايمانه ويناشد فيهم الفطرة السليمة.

(وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٢) أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ (٢٣) إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٤) إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (٢٥) قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (٢٦) بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (٢٧) وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ (٢٨) إِنْ كانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ خامِدُونَ (٢٩) يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٣٠))

البيان : (وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي ..) انه تساؤل الفطرة الشاعرة بخالقها المشدودة الى مصدر وجوده الوحيد. وما الذي يحيد بي عن هذا المنهج الطبيعي الذي يخطر على النفس أول ما يخطر. أن

١٥١

الفطرة مجذوبة الى الذي فطرها بطبيعتها ولا تنصرف عن ذلك الا بصارف طارىء ولا تنحرف عنه الا بدافع خارج عن فطرتها. ولا تلتوي الا بمؤثر خارج عن طبيعتها.

والتوجه الى الخالق من المخلوق هو الأولى وهو الاول. وهو المتجه الذي لا يحتاج الى عنصر خارج عن طبيعة النفس وانجذابها الفطري. والانسان المؤمن يحسّ هذا في قرارة نفسه. (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) ويتساءل لم لا اعبد الذي فطرني والذي اليه ارجع فيكرمني اذا انا أطعته كرامة لا مثيل لها في هذه الحياة ابدا. ويعاقبني اذا أنا عصيته عقوبة لا مثيل لها في هذه الحياة ابدا (إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) ان أنا اخترت العصيان على الطاعة. والعقوبة على الكرامة. وهذا هو لسان الفطرة الصادقة الصحيحة السالمة. هكذا قراره الأخير في وجه قومه المكذبين المنحرفين بفطرتهم واختيارهم واتباع اهوائهم (إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ) ..

وهكذا القي بكلمة الأيمان الواثقة المطمئنة. واشهدهم عليها. وهو يوحي اليهم ليقولوها كما قالها. أو يتركهم وما اختاروه لأنفسهم من الهلاك والدمار. والتسافل والخذلان.

(قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ ..) وهنا تتصل الحياة الدنيا بالحياة الآخرة. والسعادة بالسعادة. ويتجلى الموت لأهل التقوى والصلاح انه نقلة. من عالم الفناء الى عالم الخلود والبقاء. وما هي الا خطوة يخطوها الى الله تعالى. من ضيق هذه الارض ومتاعبها الى سعة الجنة وراحتها الخالدة.

ونرى المؤمن. وقد اطلع على ما آتاه خالقه الكريم. في الجنة والمغفرة يذكر قومه ويتمنى لو يرى قومه ما آتاه ربه من النعيم والكرامة لعلهم يتبعوه فيسعدوا كما سعد هو بكرامة الله.

١٥٢

(وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ) ولا يطيل هنا في وصف مصرع القوم. تهوينا لشأنهم. فما كانت الا صيحة واحدة اخمدت أنفاسهم. ويسدل الستار على مشهدهم البائس المهيل. (يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ..) الحسرة انفعال نفسي على حال مؤسفة لا يملك الانسان شيئا حيالها. سوى أن يتحسر وتتألم نفسه. والله سبحانه ـ لا يتحسر على العباد ولكنه يقرر ان حالة هؤلاء العباد مما يستحق حسرة المتحسرين. فهي حال بائسة مؤسفة تنتهي بأصحابها الى شر وخيم. وبلاء عظيم.

يا حسرة على العباد تتاح لهم الفرص للنجاة من بلاء الدنيا وجحيم الآخرة. ويفتح لهم باب السعادة والرحمة. ولكنهم يتجافون ويسيئون الادب والاختيار (وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ).

(أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ (٣١) وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ (٣٢) وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (٣٣) وَجَعَلْنا فِيها جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ وَفَجَّرْنا فِيها مِنَ الْعُيُونِ (٣٤) لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ (٣٥))

(سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ (٣٦) سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ (٣٦) وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ (٣٧) وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٣٨) وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (٣٩) لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (٤٠))

البيان : ولقد كان في هلاك الاولين الذاهبين. على مدار السنين وتطاول القرون. لقد كان في هذا عظة لمن يتدبّر. ولكن العباد البائسين لا يتدبرون. وهم صائرون الى ذات المصير. فأية حالة تدعو الى الحسرة لهذا الحال الأسيف.

أن الحيوان ليرجف حين يرى مصرع أخيه امامه. ويحاول ان يتوقاه قدر ما يستطيع فما بال الانسان يرى المصارع تلو المصارع. ثم

١٥٣

يسير مندفعا في ذات الطريق. والغرور يملي له ويخدعه عن رؤية المصير المطروق. وهذا الخط الطويل من مصارع القرون معروض على الانظار

واذا كان الهالكون الذاهبون الى خلفائهم المتأخرين. فانهم ليسوا بمتروكين. ولا مفلتين من حساب الله بعد حين. (وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ). (وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ. وَجَعَلْنا فِيها جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ. وَفَجَّرْنا فِيها مِنَ الْعُيُونِ لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ).

انهم يكذبون الرسل. ولا يتدبرون مصارع المكذبين. ولا يدركون دلالة كونهم يذهبون. ولا يرجعون. والرسل انما يدعونهم الى الله وكل ما في الوجود حولهم يحدثهم عن الله. ويدل عليه ويشهد بوجوده وهذه هي الارض القريبة منهم. يرونها ميتة لا حياة فيها. ثم يرونها حية تنبت الحب. وتزدان بالجنات من نخيل واعناب. وتنفجر فيها العيون فتجري بالحياة.

والحياة معجزة لا تملك يد البشر ان تجريها. انما هي يد الله التي تجري المعجزات. وتبث روح الحياة في الموات. وان رؤية الروع النامي والثمر اليانع لتفتح العين والقلب على يد الله المبدعة. وهي تشق التربة عن النبتة وتزين الغصن بالورق والثمار (لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ)

(سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ).

وهذه التسبيحة تنطلق في اوانها وفي موضعها وترسم معها حقيقة ضخمة من حقائق هذا الوجود. حقيقة وحدة الخالق. وحدة القاعدة والتكوين. فقد خلق الله الاحياء. ازواجا النبات فيها كالانسان. ومثل ذلك غيرها (وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ) وان هذه الوحدة لتشي بوحدة اليد المبدعة

١٥٤

التي توجد قاعدة التكوين مع اختلاف الاشكال والاحجام والانواع والاجناس. والخصائص والسمات. في هذه الاحياء. التي لا يعلم تركيبها الا الله تعالى الذي خلقها وركبها. وكلها مؤلفة من زوجين مختلشين من الاشعاع الكهربائي. سالب وموجب يتزاوجان ويتحدان ـ بالنسبة لغير الاحياء ـ كذلك شوهدت من الثنائيات النجمة مرتبطين يشد بعضهما بعضا. ويدوران في مدار واحد.

(وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ) ومشهد قدوم الليل والنور يختفي مشهد مكرور يراه الناس في كل بقعة في خلال اربع وعشرين ساعة. وهو مع تكراره يدعو الى التفكير والتعبير القرآني عن هذه الظاهرة تعبير فريد فهو يصور النهار متلبسا بالليل ثم ينزع الله النهار من الليل فاذا هم مظلمون. ولعلنا ندرك شيئا من سر هذا التعبير الفريد حين نتصور الامر على حقيقته. فالأرض الكروية في دورتها حول نفسها في مواجهة الشمس تمر كل نقطة منها بالشمس. فاذا هذه النقطة نهار. حتى اذا دارت الارض وانزوت تلك النقطة عن الشمس. انسلخ منها النهار ولفها الظلام. وكأنما نور النهار ينزع او يسلخ فيحل محله الظلام. فهو تعبير بديع. (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها) الشمس تدور حول نفسها. وكان المظنون انها ثابتة في موضعها الذي تدور فيه حول نفسها. ولكن عرف أخيرا انها ليست مستقرة في مكانها. انما هي تجري. وتجري فعلا. تجري في اتجاه واحد في الفضاء الكوني الهائل بسرعة حسبها الفلكيون باثني عشر ميلا في الثانية. والله ـ خالقها الخبير بها وبجريانها وبمصيرها ـ يقول انها تجري لمستقر لها ـ هذا المستقر الذي ستنتهي اليه لا يعلمه الا الله الخالق الخبير. ولا يعلم موعده سواه.

١٥٥

وحين نتصور ان حجم هذه الشمس يبلغ نحو مليون ضعف حجم أرضنا هذه. وان هذه الكتلة الهائلة تتحرك وتجري في الفضاء. لا يسندها شيء. ندرك طرفا من صفة القدرة التي تصرف. هذا الوجود عن قوة وعن علم (ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ).

(وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) والعباد يرون القمر في منازله تلك يولد هلالا. ثم ينمو ليلة بعد ليلة حتى يستدير بدرا. ثم يأخذ في التناقض حتى يعود هلالا مقوسا كالعرجون القديم والعرجون هو العذق الذي يكون فيه البلح من النخلة. والذي يلاحظ القمر ليلة بعد ليلة يدرك ظل التعبير القرآني العجيب (حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) وبخاصة ابداع اللفظ (القديم) فالقمر في لياليه الاولى هلال. وفي لياليه الاخيرة هلال. ولكنه في الاولى يبدو وكأنه فيه نضارة المولود. وفي الاخير يطلع وكأنما يغشاه الشيب والهرم. ويكسوه شحوب وذبول العرجون القديم. فليست مصادفة ان يعبر القرآن المجيد هذا التعبير.

والحياة مع القمر ليلة بعد ليلة تثير في الحسّ مشاعر. وخواطر ندية عميقة. والقلب البشري الذي يعيش مع القمر دورة كاملة. لا ينجو من تأثرات ومن سبحات مع اليد المبدعة للجمال واخيرا يقرر دقة النظام الكوني الذي يحكم هذه الاجرام الهائلة بأدق نظام وترتيب.

(لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ. وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) ولكل نجم أو كوكب فلك او مدار. لا يتجاوزه في جريانه ودورانه.

(وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) وحركة هذه الاجرام في الفضاء الهائل أشبه بحركة السفن في الخضم الفسيح. فهي مع ضخامتها لا تزيد على

١٥٦

أن تكون نقطا سابحة في ذلك الفضاء المرهوب. وان الانسان ليتضاءل وهو ينظر الى هذه الملايين التي لا تحصى من النجوم الدوارة. والكواكب السيارة. متناثرة في ذلك الفضاء الفسيح. فسبحان من صنع ودبر ونظم وأحكم.

(وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (٤١) وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ (٤٢) وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ (٤٣) إِلاَّ رَحْمَةً مِنَّا وَمَتاعاً إِلى حِينٍ (٤٤) وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَما خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٤٥) وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (٤٦) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٤٧) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٨) ما يَنْظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (٤٩) فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (٥٠))

البيان : (وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) قد يكون المراد من الفلك المشحون هي الارض التي يعيش عليها الانسان وهي تدور في هذا الكون. وقد يكون المراد من الفلك المشحون (سفينة نوح (ع) التي لم يبق في الكون من الاحياء الا من كان فيها وقيل انهم ذرية نوح فقط ولذا يقال عن نبي الله نوح (ع) انه آدم الثاني وابو البشر بعد أدم (ع) لانحصار النسل البشري بمن بقي من ذريته وتكاثر هذا العالم منهم دون سواهم. أو لأنقراض ذرية غير ابناء نوح بعد الطوفان ولانحصار التولد الباقي في ذريته وعلى كل احتمال فلا منافات في البيان

(وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ) والسفينة في الخضم كالريشة في مهب الريح. لو لا عناية الخالق العظيم لها لما استقرت على وجه الماء ونجا اصحابها في سلامة وامان.

(وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَما خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) ان تلك الآيات بذاتها لتبعث في القلب التطلع والتدبر والحساسية والتقوى

١٥٧

وهي بذاتها كافية ان تثير في القلب المفتوح هزة عنيفة. ورعشة وانتفاضة وان تخلط بهذا الوجود هذا الكتاب المفتوح الذي تشير كل صفحة من صفحاته الى عظمة الخالق ولطيف تدبيره وتقديره.

ولكن هؤلاء المطموسين لا يرونها. واذا رأوها لا يتدبرونها. والله ـ لعظيم رحمته ـ لا يتركهم مع هذا بلا رسول ينذرهم ويوجههم ويدعوهم الى رب هذا الكون وبارىء هذا الوجود ويثير في قلوبهم الحساسية والخوف والتقوى. ويحذرهم موجبات الغضب والعذاب.

وهي محيطة بهم من كل جهاتهم فلا ينتبهون لها لئلا يقعوا فيها في كل خطوة. من خطواتهم وتتوالى عليهم الآيات القرآنية مضافة الى الآيات الكونية. التي تحيط بهم ولكنهم عنها معرضون وتطاولوا على من يدعونهم الى البر والتقوى والانفاق مما رزقهم الله قائلين :

(إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) وتصورهم للامر على هذا النحو يكشف عدم ادراكهم لسنن الله في حياة العباد. وان الله تعالى هو مطعم الجميع. وكل ما في الارض من ارزاق ينالها العباد هي من كرم الله تعالى وجوده. ولذا يذكرهم الله في بعض آياته بذلك فيقول :

(أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ. أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ. لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ حُطاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ) س ٥٦ ي ٦٩ فقولة اولئك المحجوبين عن ادراك حكمة الله في الحياة (أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ أَطْعَمَهُ). ان هو الا الضلال المبين. الحقيقي عن ادراك طبيعة سنن الله تعالى. وادراك حركة الحياة. والاسلام يضع النظام الذي يضمن الفرص العادلة لكل فرد. ثم يدع النشاط الانساني المتنوع اللازم لخلافة الارض يجري مجراه النظيف. ثم يعالج الآثار السيئة بوسائله الحكيمة. (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) ووعد الله لا يستقدم لاستعجال البشر

١٥٨

ولا يستأخر لرجائهم انما تقع الامور في مواعيدها. وتجري وفق حكمة الخالق المتعال. (ما يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ) فهي تأخذهم بغتة وهم في جدالهم وخصامهم في معترك الحياة الفانية. وهم عن الآخرة والحياة الخالدة غافلون ساهون.

(وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (٥١) قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (٥٢) إِنْ كانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ (٥٣) فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلا تُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٥٤) إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ (٥٥) هُمْ وَأَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ (٥٦) لَهُمْ فِيها فاكِهَةٌ وَلَهُمْ ما يَدَّعُونَ (٥٧) سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (٥٨) وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (٥٩) أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٦٠))

البيان : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ) يسأل المكذبون (مَتى هذَا الْوَعْدُ) فيكون الجواب مشهدا خاطفا سريعا. صيحة تصعق كل حي. وتنتهي بها الحياة والاحياء. فهي تأخذهم بغتة. ثم ينفخ في الصور فاذا هم ينتفضون من القبور. ويمضون سراعا. وهم في دهش وذعر يتساءلون (مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا) ثم تزول عنهم الدهشة قليلا فيدركون (هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ). ثم اذا الصيحة الاخيرة. صيحة واحدة. فاذا هذا الشتيت الحائر المذهول يثوب.

(فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ) وتنتظم الصفوف ويتهيأ الاستعراض في مثل لمح البصر واذا القرار العلوي في طبيعة الموقف. يعلن على الجميع (فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً). وفي هذه السرعة الخاطفة التي تتم بها تلك المشاهد الثلاثة. تناسق في الرد على اولئك

(إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ) انهم مشغولون بما هم فيه من النعيم. ملتذون. وعلى الارائك متكئون. في راحة ونعيم هم وأزواجهم لهم فيها ما يشتهون.

١٥٩

(وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ) انهم يتلقون التحقير (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ ...) فلم تحذروا عدوكم الذي أضل منكم أجيالا كثيرة. (أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ).

(وَأَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٦١) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (٦٢) هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (٦٣) اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٦٤) الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٦٥) وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (٦٦) وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ عَلى مَكانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ (٦٧) وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ (٦٨) وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (٦٩) لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ (٧٠))

البيان : (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ ..) هكذا يخذل بعضهم بعضا وتشهد عليهم جوارحهم وتعود كل جارحة الى ربها مفردة وتنطق بالشهادة بما استعملها صاحبها فيه. وهنا تأتى الدهشة الغير مترقبة. انه مشهد رهيب تذهل من تصوره القلوب.

(وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ) وهما مشهدان فيهما من البلاء قدر ما فيهما من السخرية والاستهزاء. للذين قالوا (مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ).

فهم فى المشهد الثاني قد جمدوا فجأة في مكانهم. واستحالوا تماثيل. بعد أن كانوا عميانا.(وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ) فهذه العاقبة التى تنتظر المكذبين اما الشيخوخة التي ترجعهم الى الطفولة والسخرية. واما الموت فالمصير الى النار وبئس القرار.

(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ (٧١) وَذَلَّلْناها لَهُمْ فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَمِنْها يَأْكُلُونَ (٧٢) وَلَهُمْ فِيها مَنافِعُ وَمَشارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ (٧٣) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (٧٤) لا

١٦٠