تفسير البيان الصافي لكلام الله الوافي - ج ٤

الشيخ محمد حسن القبيسي العاملي

تفسير البيان الصافي لكلام الله الوافي - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمد حسن القبيسي العاملي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة البلاغ
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٦٠

جاءه ملك الموت وقبض روحه وهو متكىء على عصاه. وكان قد أمر ان لا أحد يصعد اليه حتى ينزل هو بنفسه. وبقي على تلك الحالة مدة من الزمن والعمال تعمل بجد وحذر خوفا من عقابه حتى كمل المسجد فأرسل الله تعالى دودة (تسمى دابة الارض ـ فلما أكلت الدودة العصا وقع سليمان وظهر لهم انه كان من زمان طويل وهو ميت. فلذا أخبر الله عن ذلك بقوله :

(فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ).

فهؤلاء الجن الذين يعبدهم بعض من دون الله. هؤلاء هم قد سخرهم خالقهم لخدمة عبد من عبيده. وهؤلاء هم محجوب عنهم الغيب الذي يرونه بأعينهم. وبعض الناس يطلب منهم اسرار الغيب البعيد.

(لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (١٥) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (١٦) ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلاَّ الْكَفُورَ (١٧) وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ (١٨) فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (١٩))

البيان : سبأ اسم لقوم كانوا يسكنون جنوبي اليمن. وكانوا في أرض مخصبة. ما تزال منها بقية الى اليوم. وقد ارتقوا في الحضارة حتى تحكموا في مياه الامطار الغريزة. التي تأتيهم من البحر في الجنوب والشرق. فأقاموا خزانا طبيعيا يتألف جانباه من جبلين. وجعلوا على فم الوادي بينهما سدا به عيون تفتح وتغلق. وخزنوا الماء بكميات عظيمة وراء السد. وتحكموا فيها وفق حاجتهم. فكان

١٠١

لهم من هذا مورد مائي عظيم. وقد عرف باسم (سد مأرب).

وهذه الجنان عن اليمين والشمال. ومن ذلك الخصب والوفرة. والرخاء. والمتاع الجميل.

(كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ) وذكروا بالنعمة. وفوقها نعمة الغفران على القصور.

(بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ) سماحة في الارض بالنعمة والرخاء. وسماحة في السماء بالعفو فما يقعدهم عن اداء الحمد والشكر. ولكنهم لم يشكروا ولم يذكروا.

(فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ. وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ..) أعرضوا عن شكر الله تعالى وعن العمل الصالح. والتصرف الحميد فيما أنعم الله عليهم. فسلبهم سبب هذا الرخاء الجميل. الذي يعيشون فيه. وأرسل السبيل الجارف الذي حطم السد وأغرق الماء ما تحته من الزروع والنفوس. وتبدلت تلك الجنان الفسيحة الى صحراء جرداء. تتناثر فيها بعض الاشجار.

(ذواتي أكل. وخمط. واثل ..) والخمط شجر الأراك بل كل شجر ذي شوك. والاثل شجر يشبه شجر الطرفاء. والسدر. النبق. وهو اجودها ما بقي لهم (ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا).

(وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ) وكانوا الى هذا الوقت ما يزالون في قراهم وبيوتهم ضيق الله تعالى عليهم الرزق وبدلهم من الرفاهية والنعماء. الى خشونة وشدة. ولكنه لم يمزقهم كل تفريق. وكان العمران ما يزال متصلا بينهم وبين القرى المباركة (مكة في الجزيرة) وبيت المقدس في الشام).

فلما كانت اليمن ما تزال عامرة في شمال بلاد سبأ ومتصلة بالقرى

١٠٢

المباركة. والطريق بينهما عامر مطروق ومسلوك مأمون. (وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً).

وقيل كان المسافر يخرج من قرية فيدخل الاخرى قبل دخول الظلام. والسفر مأمون ولما غلبت الشقوة على سبأ فلم ينفعهم النذير الاول. ولم يدعوهم ذلك الى التضرع الى الله.

(فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا) وكان هذا من بطر قلوبهم وظلم نفوسهم (وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ). واستجيبت دعوتهم ولكن كما ينبغي أن تستجاب دعوة البطر (فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ وَمَزَّقْناهُمْ ...) شردوا ومزقوا وتفرقوا في أنحاء الجزيرة مبددي الشمل. وعادوا احاديث يرويها الرواة.

(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) يذكر الصبر الى جوار الشكر. الصبر في البأساء والشكر في النعماء. وفي قصة سبأ آيات لهؤلاء. ولهؤلاء.

(وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢٠) وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (٢١) قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ وَما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (٢٢) وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ما ذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٢٣) قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٤) قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٢٥))

البيان : (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ. فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ).

لقد سلك القوم هذا المسلك. الذي انتهى الى تلك النهاية. لان ابليس صدق عليهم ظنه. في قدرته على غوايتهم. (فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً

١٠٣

مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) كما يقع عادة في الجماعات فلا يخلو من قلة مؤمنة. تستعصي على غواية الشيطان. وتثبت أن هنالك حقا ثابتا يعرفه من يطلبه. ويمكن لكل من أراده أن يجده. وأن يستمسك به. حتى في أحلك الظروف. وما كان لابليس عليه من سبيل الا من طريق الاغراء والغواية وتزيين المعصية له. فالذي يوقن بان العصيان لخالقه هبوط ودمار وشقاء كيف يمكن لابليس غوايته. وهو على يقين من معرفة السعادة من الشقاء.

(قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ) ادعوهم فليأتوا وليظهروا ، وليقولوا. أو انتم قولوا ماذا يملكون هل لهم شرك في السموات أو في الارض. (وَما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ).

ويظهر ان الاية هنا تشير الى نوع خاص من الشركاء المزعومين. وهم الملائكة الذين كانت بعض القبائل تدعى لهم الالوهية والتدبير. ولعلهم ممن قالوا عنهم (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى).

(ولا تنفع شفاعتهم عنده الا لمن اذن له) فالشفاعة مرهونة باذن الله. في الشفاعة.

(حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا) انه مشهد في اليوم العصيب. وينتظر الشفعاء والمشفوع فيهم ان يأذن ذو الجلال في عليائه بالشفاعة لمن ينالون هذا المقام ويطول الانتظار ويطول التوقع. وتعنو الوجوه. وتسكن الاصوات. وتخشع القلوب في انتظار الاذن من ذي الجلال والاكرام.

(حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ) وكشف الفزع الذي أصابهم. وأفاقوا من الروعة التي غمرتهم فأذهلتهم (قالُوا : ما ذا قالَ رَبُّكُمْ) قال ربكم الحق. الحق الكلي. الحق الازلي. الحق اللدني. فكل قوله الحق

١٠٤

(وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) وهذه الاجابة المجملة تشي الروعة التي لا ينطق فيها الا بالكلمة الواحدة. فهذا هو موقف الشفاعة المرهوب.

(قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللهُ) الرزق مسألة واقعة في حياتهم رزق السماء من مطر وحرارة وضوء ونور. ذلك فيما كان يعرفه المخاطبون. ووراءه كثير من الاصناف آنا بعد آن. ورزق الارض من نبات وحيوان. وعيون ماء وزيوت ومعادن وكنوز وبلور؟؟؟.

(قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا. وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ) فلكل عمله. ولكل تبعته. ولكل جزاؤه. وعلى كل ان يتدبر موقفه. ويرى ان كان يقوده الى الفرح او الى البوار.

(قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ (٢٦) قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكاءَ كَلاَّ بَلْ هُوَ اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٧) وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٢٨) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٩) قُلْ لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ (٣٠))

ـ البيان : ففي أول الامر يجمع الله بين أهل الحق وأهل الباطل. ليلتقي الحق والباطل وجها لوجه. وليدعوا اهل الحق الى حقهم. ويعالج الدعاة دعوتهم. وفي أول الأمر تختلط الامور وتتشابك ويصطرع الحق والباطل. وقد تقوم الشبهات امام البراهين. وقد يغشى الباطل على الحق. ولكن ذلك كله الى حين. ثم يفصل الله بين الفريقين بالحق. ويحكم بينهم حكمه الفاصل.

(قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكاءَ) وفي السؤال استنكار واستخفاف اروني اياهم من هم. وما قيمتهم وما صفتهم (بَلْ هُوَ اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) ومن هذه صفاته لا يكون هؤلاء شركاء له.

١٠٥

(وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ).

يجيء هذا البيان بعد الجولة الماضية. وما فيها من تقرير. وانه ليس بين أصحاب الحق وأصحاب الباطل الا دعوة البيان. وأمرهم بعد ذلك الى الله. (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)

فما محمد الا رسول محدد الوظيفة. والله هو صاحب الامر (قُلْ لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ ...) وكل ميعاد يجيء في أجله الذي قدره الله له. لا يقبل التأخير ولا التقديم. وليس شيء من هذا عبثا ولا مصادفة والمواعيد الآجال وفق حكمته المستورة التي لا يدركها المخلوقون والاستعجال بالوعد والوعيد دليل على عدم ادراك هذه الحقيقة الكلية (وأكثر الناس لا يعلمون).

(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْ لا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (٣١) قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ (٣٢) وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٣٣) وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (٣٤) وَقالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالاً وَأَوْلاداً وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (٣٥))

ـ البيان : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا ..) فهو العناد والاصرار ابتداء على رفض الهدى في كل مصادره لا القرآن. ولا الكتب التي سبقته. والتي تدل على صدقه. فلا هذا ولا ذاك هم مستعدون للايمان به. لا اليوم ولا الغد. ومعنى هذا انهم يصرون على الكفر ويجزمون عن قصد بأنهم لن ينظروا في دلائل الهدى. كائنة ما كانت فهو العمد اذن وسبق اصرار. وعندئذ جاءهم التهديد :

١٠٦

(وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ ..) ذلك كان قولهم في الدنيا : (لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) وهذا قولهم بين الحساب والنقاش. انما هم موقوفون للعرض والحساب. (ويؤنب بعضهم بعضا) (يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا ...) فيلقون على الذين استكبروا تبعة الوقفة المرهوبة. والخطر المحدق بهم. ولم يكونوا في الدنيا بقادرين على هذه المواجهة ، كان يمنعهم الذل والطمع. وبيع الحرية التي وهبها الله لهم بيسير من حطام الدنيا وزينتها. اما اليوم وقد سقطت القيم الزائفة وواجهوا العذاب الاليم. فهم يجرأون على القول : (قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا : أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى ... بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ) فهو التخلي المحتوم عن التبعة عند الشدة. والاقرار بالهدى. وقد كانوا في الدنيا منكرين له.

(وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا ... إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللهِ ..)

ثم يدرك هؤلاء وهؤلاء ، ان هذا الحوار اليائس لا ينفعهما معا. فكل وجريمته واثمه. وتبعته. والمستضعفون عليهم وزرهم فهم مسؤولون عن اتباعهم للطغاة. لقد كرمهم الله بالادراك والحرية. فعطلوا الادراك وباعوا الحرية ورضوا لانفسهم ان يكونوا ذيولا للظالمين (وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ ...) وهي حالة الكمد التي تدفن الكلمات في الصدور. فلا فوت وأصابهم الكمد والحسرة وهم يرون العذاب.

(وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا) (هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ).

(وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ

١٠٧

كافِرُونَ) فهي قصة مكرورة. على مدى الدهور. وهو الترف يغلظ القلوب ويفقدها الحساسية ويفسد فطرتها ويعمي بصيرتها.

والمترفون تخدعهم القيم الزائفة والنعيم الزائل (وَقالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالاً وَأَوْلاداً) والقرآن يضع لهم ميزان القيم كما هي عند الله تعالى ويبين لهم أن يبسط الرزق وقبضه بيد الله لا غير.

(قُلْ : إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) وهذه المسألة يحيك منها شيء في صدور كثيرة. فيحسب بعض الناس ان الله ما كان ليغدق على أحد الا وهو عنده ذو مقام. ومن هنا جاء الخطأ.

(قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٣٦) وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ (٣٧) وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ (٣٨) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (٣٩) وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ (٤٠))

البيان : (وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى. إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ...) (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً) فهؤلاء هم الملائكة الذين كانوا يعبدونهم من دون الله. أو يتخذونهم عند الله شفعاء. هؤلاء هم يواجهون بهم. فيسبحون الله تنزيها له من هذا الادعاء. ويتبرأون من عبادة القوم لهم. فكأنما هذه العبادة كانت باطلا أصلا. وكأنما لم تقع ولم تكن لها حقيقة. وانما هم يتولون الشيطان.

(فاليوم لا يملك بعضكم لبعض شيئا). (وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ ..)

١٠٨

(قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (٤١) فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعاً وَلا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (٤٢) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلاَّ رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ وَقالُوا ما هذا إِلاَّ إِفْكٌ مُفْتَرىً وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (٤٣) وَما آتَيْناهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها وَما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ (٤٤) وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (٤٥))

البيان : (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالُوا :) لقد قابلوا الحق الواضح البين الذي يتلوه عليهم رسول الله ص وآله برواسب غامضة من آثار الماضي. وتقاليد لا تقوم على أساس واضح وليس لها قوام متماسك. ولقد أحسوا خطورة ما يواجههم به القرآن المجيد. من الحق البسيط أحسوا خطورته على ذلك الخليط المشوش من العقائد والتقاليد التي وجدوا عليها آبائهم.

(ما هذا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ) ولكن هذا وحده لا يكفي. فان مجرد انه يخالف ما كان عليه الاباء. ليس مقنعا للعقول والنفوس. ومن ثم اتبعوا الادعاء الاول بادعاء آخر يمس أمانة المبلغ. ويرد قوله : (وَقالُوا ما هذا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرىً) الافك هو الكذب والافتراء. ولكنهم يزيدونه توكيدا. ليشككوا في قيمته ابتداء متى أوقعوا الشك في مصدره الالهي.

(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) فهو كلام مؤثر يزلزل القلوب. فلا يكفي ان يقولوا انه مفتري. فحاولوا سبب وقعه في القلوب بانه سحر مبين.

وقد كشف القرآن المجيد أمرهم وهو يقرر انهم أميون لم يؤتوا من قبل كتابا يقيسون به الكتب ويعرفون به الوحي فهم يدعون ما ليس يعلمون (وَما آتَيْناهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها ...)

١٠٩

ويلمس قلوبهم بتذكيرهم بمصارع الذين كذبوا من قبل. وهم لم يؤتوا معشار ما أوتي اولئك الغابرون. من علم ومن مال ومن قوة ومن تعمير. ولما كذبوا الرسل اخذهم النكير.

(وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ. وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ ..) ولقد كان النكير عليهم مدمرا مهلكا وكانت قريش تعرف مصارع بعضهم في الجزيرة. فهذا التذكير يكفي لالقاء الحجة عليهم لو كانوا يعقلون (فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) سؤال موح يلمس قلوب المخاطبين. وهم يعرفون كيف كان ذلك النكير.

(قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ (٤٦) قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللهِ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٤٧) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (٤٨) قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ (٤٩) قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ (٥٠))

البيان : انها دعوة حق لا تقبل التشكيك لو لا التعصب والعناد. لو كانت بعيدة عن الاهواء والدوافع التي تشتجر القلب. فتبعده عن خالقه العظيم. انما دعوة الى التعامل مع الواقع البسيط. لا مع الدعاوي الرائجة. ولا مع العبارات المطاطة. التي تبعد القلب والعقل من مواجهة الحقيقة في بساطتها. وهي في الوقت ذاته منهج في البحث عن الحقيقة. منهج بسيط يعتمد على التجرد من الرواسب والمؤثرات. وعلى مراقبة الخالق العظيم وتقواه لا غير.

وهي (واحدة) ان تحققت صح المنهج واستقام الطريق. القيام لله. لا لغرض ولا لهوى ولا لمصلحة. التجرد الخلوص. ثم التفكر والتدبر بلا مؤثر خارج عن الواقع الذي يواجهه المتجردون.

١١٠

(أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى) ليراجع احدهما الاخر. ويأخذ معه ويعطي. من غير تأثر بعقلية الجماهير والرعاع. (ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ) فما عرفتم عنه الا العقل والتدبر والرزانة : ان هو الا القول المحكم القوي المبين. (ان هو الا نذير لكم بين يديه عذاب شديد).

انها لمسة تصور العذاب الشديد وشيكا. وقد سبقه النذير بخطوة. لينفذ من يستمع كالهاتف. المحذر من حريق في دار يوشك أن يلتهم من لا يفر من الحريق. وهو تصوير فوق انه صادق مثير فهو خطير.

(قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ) خذوا انتم الذي طلبته منكم وهو اسلوب فيه تهكم وفيه توجيه. وفيه تنبيه. (إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ) هو الذي كلفني وله أعمل ومنه الثواب والجزاء فكل ما عندكم تافه هزيل زهيد لا يستحق التفكير (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ).

وهذا الذي جئتكم به هو الحق. الحق القوي الذي لا يغلبه غالب. فمن ذا الذي يقف للحق ولا يدمره. انه السلاح الذي يقذف به الخالق العظيم القوي القدير (اذا قال للشيء كن فيكون).

انه تعبير مصور مجسم متحرك. وكأنما الحق قذيفة (ذرية) تصدع وتحرق وتدمر كل ما تصيبه. يقذف بها خالق الوجود (علام الغيوب) فهو يقذف بها عن علم وتحكيم لا يخيب ولا يخفى عليه هدف ولا يقف للحق الذي يقذف به معترض ولا سدود ولا متاريس. فالطريق امامه مكشوف تماما.

١١١

(قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ) جاء الحق في صوره في شريعته السمحة وفي قرآنه المجيد وفي منهجه المستقيم. وفي نظامه العادل. جاء الحق بقوته الدافعة واعجازه الخارق (وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ) فقد انتهى أمره. وما عادة له حياة وصورة محسوسة. انه الايقاع المزلزل للباطل والضلال.

(قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي. وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي) فلا عليكم ضلالي ان ضللت. وان كنت مهتديا وهو الحق ذلك. فان الله تعالى هو الذي هداني. وانا تحت مشيئته.

(وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ (٥١) وَقالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (٥٢) وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (٥٣) وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ (٥٤))

البيان : (وَلَوْ تَرى ..) فالمشهد معروض للانظار. (إِذْ فَزِعُوا) من الهول الذي فوجئوا به وكأنما أرادوا الافلات ولا افلات.(وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ) (وَقالُوا آمَنَّا) الان حيث لا ينفع نفسا ايمانها عند الموت (وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ) فانتهى الامر. (وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ) حين أنكروا هذا اليوم. واليوم يحاولون تناول الايمان به.(وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ) فقد جاء امر الله (إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ) فها هو ذا اليقين الذي لا يقبل التشكيك. ولم يعد ممر أو مفر.(كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ) الذين أخذهم الله أخذ عزيز ذي انتقام والعاقبة للمتقين.

١١٢

ـ ٣٥ ـ سورة فاطر آياتها (٤٦) ست واربعون آية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١) ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢) يا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٣) وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٤) يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ (٥))

البيان : تبدأ السورة بتقديم الحمد لله. فهي سورة قوامها توجيه القلب الى الله. وايقاظه لمراقبته. واستشعار رحمته وفضله. وتملي بدائع صنعه في خلقه. والحمد والابتهال اليه. (فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فهو منشىء هذه الخلائق الهائلة التي نرى بعضها الضئيل. الصغير. التي أقربها الينا أصغرها حجما وهي أمنا الارض. التي ينتظمها ناموس واحد يحفظها في تناسق وتوافق. على ما بينها من ابعاد وأفلاكها ومداراتها تحتوي على أسرار لا يعلمها الا خالقها.

(جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ) لأول مرة ـ فيما مرّ بنا من القرآن المجيد. نجد وصفا للملائكة يختص بهيئتهم. وقد ورد وصفهم من قبل من ناحية طبيعتهم ووظيفتهم. اما هنا فنجد شيئا يختص بتكوينهم الخلقي (أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) وهو وصف لا يمثلهم للتصور لاننا لا نعرف كيف هم ولا كيف أجنحتهم هذه. ولا نملك الا الوقوف عند هذا الوصف دون تصور معين لهم.

(يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ) يقرر هنا طلاقة المشيئة. وعدم تقيدها بشكل خاص.

(ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها. وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ).

١١٣

في هذه الآية صورة من صور قدرة الله تعالى. وحين تستقر هذه الصورة في قلب انسان يتم فيه تحول جذري كامل في تصوراته واتجاهاته وموازينه وتنقطع لديه جميع الحسد والهلع. انها تقطعه عن شبهة كل قوة في السموات والارض. وتصله بقوة خالقها مباشرة ، وتشرق في قلبه أنوار الايمان وانقطاع الى خالقه لا غير. وتيئسه من مظنة كل رحمة من قبل المخلوقات كافة. وتصله برحمة سيده ومولاه الذي أوجده ورباه وأفاض عليه ما لا يحصى من كرمه ونعماه. وتفتح أمامه باب الخالق العظيم مسبب الاسباب فقط وتغلق في وجهه كل طريق في السموات والارض. وتشير له الى طريقه الى الله عزوجل لا غير.

ورحمة الله تعالى تتمثل في مظاهرة لا يحصيها العد. ويعجز الانسان عن تصورها فضلا عن احصائها. وتسجيلها في ذات نفسه وتكوينه وتكريمه بما كرمه. وفيما سخر له من حوله ومن فوقه وتحته. وفيما أنعم به عليه مما يعلمه ومما لا يعلمه وهو كثير الذي لا يحصى.

وما من نعمة ـ يمسك الله تعالى معها رحمته ـ حتى تنقلب هي بذاتها نقمة. وما من محنة ـ تحفها رحمة الله ـ حتى تكون هي بذاتها رحمة ونعمة. فاذا نام الانسان على الشوك ـ مع رحمة الله ـ فاذا هو مهاد. وينام على الحرير ـ وقد أمسكت عنه ـ فاذا هو شوك القتاد. ويعالج أعسر الامور ـ فاذا هي هوادة ويسر. ويعالج أيسر الامور ـ وقد تخلت عنه رحمة الله ـ فاذا هي مشقة وعسر. ويخوض بها المخاوف والاخطار فاذا هي أمن وسلام ويعبر بدونها المناهج والمسالك فاذا هي مهلكة وبوار.

١١٤

اذن فلا ضيق مع رحمة الله تعالى. انما الضيق في امساكها دون سواه. فلا ضيق مع رحمة الله ولو كان صاحبها في غياهب السجون. أو في جحيم العذاب. أو في شعاب الهلاك. ولا وسعة مع امساكها. ولو تقلب الانسان في أعطاف النعيم. وفي مراتع الرخاء. فمن داخله في نفسه رحمة الله تنفجر بها ينابيع السعادة ـ بمعناها العام ـ والرضى والطمأنينة. ومن داخل نفسه مع امساكها تدب بها القلق والتعب والنصب والنكد والمعاناة بمعناها العام.

هذا الباب وحده يفتح أمام من عرف الله فأطاعه وأحرز رضاه. وتغلق لديه جميع الابواب. وتوصد لديه جميع النوافذ. وتسدّ جميع المسالك. فلا عليك. فهو الفرج والفسحة واليسر والرخاء. وهذا الباب وحده اذ يغلق ويفتح جميع الابواب. فهو الضيق والكرب والشدة ...

فالمال والولد والصحة والقوة والجاه والسلطان تصبح مصادر قلق وتعب ونكد وجهد اذا امسكت عنك رحمة الله تعالى واذا فتح الله ابواب رحمته كان لك فيها السكن والراحة والسعادة والاطمئنان. يبسط الله الرزق ـ مع رحمته ـ فاذا هو متاع طيب ورخاء واذا هو رغد في الدنيا. وزاد في الاخرة. ويمسك رحمته. فاذا هو مثار قلق وخوف واذا هو مثار حسد وبغض وقد يكون معه الحرمان ببخل أو مرض. وفي الاخرة عذاب النار.

ويمنح الله تعالى الذرية ـ مع رحمته ورضاه ـ فاذا هي زينة في الحياة ومصدر فرح واستمتاع. ومضاعفة للاجر في الاخرة. بالخلف الصالح. الذي يذكر الله. ويمسك رحمته فاذا الذرية بلاء ونكد وعنت وشقاء وسهر بالليل وتعب بالنهار وفي الاخرة زيادة خطايا وآثام.

١١٥

ويهب الله الصحة والقوة ـ مع رضاه ورحمته ـ فاذا هي نعمة وحياة طيبة والتذاذ بالحياة. ويمسك نعمته فاذا الصحة والقوة بلاء يسلطه الله على الصحيح القوي فينفق الصحة والقوة فيما يحطم الجسم ويفسد الروح. ويذخر السوء ليوم الحساب.

ويعطي الله تعالى السلطان والجاه ـ مع رحمته ورضاه ـ فاذا هي نعمة واداة اصلاح ومصدر آمن له وللعباد. ووسيلة لادخار الطيب الصالح من العمل والاثر بعد الموت.

ويمسك الله رحمته فاذا الجاه والسلطان مصدر قلق على فوتهما ومصدر طغيان وبغي بهما. ومثار حقد وموجدة على صاحبهما وفي الاخرة الخزي والعذاب بقدرهما ولا يتمتع في حياته بجاه ولا سلطان. ويدخر بهما للاخرة رصيدا ضخما من العذاب بالنار. والعلم الغزير والعمر الطويل والمقام الطيب. كلها تتغير وتتبدل من حال الى حال .. مع الامساك ومع الارسال. وقليل من المعرفة ـ مع رضا الله تعالى ـ يثمر وينفع. وقليل من العمر يبارك الله تعالى فيه. وزهيد من المتاع يجعل الله فيه السعادة في الدنيا والاخرة. والجماعات كالاحاد. والامم كالافراد. في كل أمر وفي كل موضع. وفي كل حال مرتبط برضا الله.

ومن رحمة الله ان تحس برحمة الله تعالى. فرحمة الله تضمك وتغمرك وتفيض عليك في كل نفس وحركة وسكون وقيام وقعود ونومة ويقظة. ولكن شعورك بوجودها هو الرحمة. ورجاؤك فيها وتطلعك اليها هو الرحمة. وثقتك بها وتوقعها في كل أمر هو رحمة. والعذاب هو العذاب في احتجابك عنها أو يأسك منها أو شكك فيها. وهو عذاب لا يصبه الله تعالى على من رضي عليه ابدا. (إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ).

١١٦

ورحمة الله لا تعز على كل من طلبها بصدق واخلاص. في أي زمان أو مكان ويجدها كل من يئس من سواها. وانقطع الى مرسلها وقصد بابه وحده دون سواه.

ثم انه متى فتح الله ابواب رحمته على من رضي عنه فلا ممسك لها. ومتى أمسكها فلا مرسل لها. ومن ثم فلا مخافة من أحد. ولا رجاء في أحد. ولا مخافة من شيء ولا رجاء في شيء. ولا خوف من فوت وسيلة. ولا رجاء مع وسيلة.

انما هي مشيئة الله العزيز الجبار. القوي القهار (ما يفتح الله فلا ممسك. وما يمسك الله فلا مرسل) والامر كله مباشرة الى الله.(وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) يقدر بلا معقب على الارسال والامساك. ويرسل ويمسك وفق حكمة تكمن وراء الارسال والامساك وهو الكبير المتعال.

(ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها) وما بين الناس ورحمة الله الا أن يطلبوها بصدق واخلاص مباشرة منه. بلا وساطة وبلا وسيلة الا التوجه اليه في طاعته وفي رجائه وفي ثقة واستسلام.(وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ).

فلا رجاء في أحد من خلقه. ولا خوف لأحد من خلقه. فما أحد بمرسل من رحمة الله ما أمسكه الله. فيالها من طمأنينة. ويالها من استقرار. وأي وضوح في التصورات والمشاعر قيما لهذه الحياة الثابتة. وموازين لا تهتز ولا تتأرجح ولا تتأثر بالمؤثرات كلها. ذهبت أم جاءت. كبرت أم صغرت. جلّت أم هانت. كان مصدرها الناس أو الاحداث ..

صورة واحدة لو استقرت في قلب انسان. بل آية واحدة. لصمد كالطود للاحداث. والاشياء والاشخاص. والقوي والقيم

١١٧

والاعتبارات. ولو تظافر عليها الانس والجن. فكلهم لو كانوا متماسكين متعاونين. لا يقدرون ولا يفتحون رحمة الله حين يمسكها. ولا يمسكونها حين يفتحها. (هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

وهكذا أنشأ القرآن المجيد. بمثل هذه الاية. وهذه الصورة. تلك الفئة العجيبة من البشر في صدر الاسلام. الفئة التي صنعت على عين الله بقرآنه هذا لتكون أداة من أدوات القدوة.

عين الله بقرآنه هذا لتكون أداة من أدوات القدرة. تنشىء في الارض ما شاء الله ان ينشىء من عقيدة وتصور. وقيم وموازين. ونظم وأوضاع.

وما يزال هذا القرآن بين أيدي الناس قادرا على أن ينشىء بآياته تلك أفرادا وفئات تمحو وتثبت في الارض ـ باذن الله ـ ما شاء الله ... ذلك حين تستقر هذه الصورة في القلوب فتأخذ جدا وتتمثل حقا. حقا تحسّه كأنها تلمسه بالايدي وتراه بالابصار.

ويبقى أن أتوجه أنا بالحمد لله على رحمة منه خاصّة عرفنيها منه في هذه الاية. لقد واجهتني هذه الاية في هذه اللحظة وانا في عسر وجهد وضيق ومشقة وخوفي من خالقي فشرحت صدري وانعشت قلبي. وفتحت علي ابواب الفيض الالهي الذي ينزل بغير حساب من غير حساب. ويسر الله لي أن اطلع منها على حقيقتها. وان تسكب حقيقتها في روحي. كأنما هي رحيق أرشفه وأحس سريانه ودبيبه في كياني. حقيقة أذوقها لا معنى ادركه. فكانت رحمة بذاتها. تقدم نفسها لي تفسيرا واقعيا لحقيقة الاية التي تفتحت لي تفتحها هذا. وقد قرأتها من قبل كثيرا. ولكنها اللحظة التي سكب رحيقها وتحقق معناها في قلبي وفمي.

١١٨

وقد عشقتها وتذوقتها وعرفتها. وتم هذا كله في أشد لحظات الضيق والجفاف التي مرت في حياتي وها أنذا أجد الفرج والفرح والري والاسترواح والانطلاق من كل قيد ومن كل كرب ومن كل ضيق. وأنا في مكاني. انها رحمة الله التي يفتح الله بابها. ويسكب فيضها في آية من آياته.

آية من القرآن المجيد. تفتح كوة من النور. وتفجر ينبوعا من الرحمة. وتشقّ طريقا ممهدا الى المحبة والثقة والطمأنينة والراحة. في ومضة عين. وفي نبضة قلب. وفي خفقة جنان. اللهم حمدا لك اللهم منزل هذا القرآن الذي كله حياة روحية وهدى ورحمة للمؤمنين.

(يا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ) نعمة الله على الناس لا تتطلب الا مجرد الذكر. فاذا هي واضحة بينة. يرونها ويحسونها ويلمسونها. ولكنهم ينسون فلا يذكرون. وحولهم السماء والارض تفيضان عليهم بالنعم. وتفيضان عليهم بالرزق وفي كل خطوة. وفي كل لحظة فيض ينسكب من خيرات الله ونعمه من السماء والارض. يفيضها الخالق على خلقه. فهل من خالق غيره يرزقهم بما في أيديهم من هذا الفيض العميم. انهم لا يملكون ان يقولوا هذا وما كانوا يدعون وهم في أغلظ شركهم وضلالهم. فأنى يؤفكون وانى يصرفون.

(وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ) تلك هي الحقائق الكبرى واضحة بارزة. فان يكذبوك فلا عليك من التكذيب. فلست بدعا من الرسل. والامر كله لله والعواقب متروكة اليه.

(يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا ..) ان

١١٩

وعد الله حق انه آت لا ريب فيه. انه واقع لا يتخلف. انه حق والحق لابد أن يقع. والحق لا يضيع ولا يبطل ولا يتبدد. ولا يحيد. ولكن الحياة الدنيا تغرّ وتخدع (فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) والشيطان قد أعلن عداءه لهذا الانسان القوي المحصن اذا أطاع الله تعالى. والضعف الواهن اذا تركه وعصاه.

(إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ (٦) الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (٧) أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ (٨) وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها كَذلِكَ النُّشُورُ (٩) مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ (١٠))

البيان : (إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا. إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ) انها لمسة وجدانية صادقة فحين يستحضر الانسان صورة المعركة الخالدة بينه وبين عدوه الشيطان. فانه يتحفزّ بكل قوة وبكل يقظة لدفع الغواية والاغراء لهذا الانسان. والقرآن يدعو الانسان ان يتحفّز لكل بادرة من عدوه وكل حركة خفية. حالة التعبئة ضد الشر ودواعيه. وضد هواتفه المستسمرة للنفس. وأسبابه الظاهرة للعيان. حالة الاستعداد الدائم للمعركة التي لا تهدأ لحظة. ولا تضع أوزارها في هذه الارض ابدا.

(أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً. فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ).

هذا هو مفتاح الشر كله. ان يزين الشيطان للانسان سوء عمله. فيراه حسنا. أن يعجب بنفسه وبكل ما يصدر عنها. ألا يفتش في

١٢٠