تفسير البيان الصافي لكلام الله الوافي - ج ٤

الشيخ محمد حسن القبيسي العاملي

تفسير البيان الصافي لكلام الله الوافي - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمد حسن القبيسي العاملي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة البلاغ
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٦٠

و (كَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا ..) يعطف هذا الطرف من حقيقة الوحي على ذاك الطرف الذي بدأ به السورة. والمناسبة هنا بين تلك الاحرف المقطعة. وعربية القرآن غايتها التحدي والتعجيز لهم عن الاتيان بمثله لانه كلام الخالق العظيم يستحيل للمخلوقين ان يأتوا بمثله.

(لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى) وأم القرى هي (مكة المكرمة). وقد نزل القرآن بلغة أهلها لانهم أفصح العرب وأشرفهم نسبا وأعلاهم مقاما. (الله اعلم حيث يجعل رسالته).

وقد كانت اليهودية والنصرانية قد تغيرت عن حقيقة واقعها وأصبحت اسطورة خيالية. فقد وقعت اليهودية فريسة الاضطهاد الروماني تارة. والاضطهاد الفارسي تارة اخرى.

وأما المسيحية فقد ولدت في ظل الدولة الرومانية. التي تسيطر على فلسطين وسورية ومصر وبقية المناطق التي انتشرت فيها المسيحية كما نظمها لهم ملك الرومان. وفق أغراضه وأهدافه.

وفي هذا الوقت قد انمحت فيه الحقائق الالهية وتلاعبت فيه الاهواء والاغراض جاء الاسلام لينقذ البشرية كلها مما انتهت اليه من انحلال وفساد واضطهاد وجاهلية عمياء في مكان. فجاء الاسلام ليقود البشرية الى خالقها العظيم على هدى ونور. ولم يكن هنالك بدّ من أن يسيطر الاسلام لتحقيق هذه النقلة الضخمة في حياة البشر.

ولم يكن هنالك بد من أن يبدأ رحلته من أرض حرة لا سلطان فيها لأمبراطورية من تلك الامبراطورية القائمة. وان ينشأ قبل ذلك نشأة حرة لا تسيطر عليها قوة خارجة على طبيعته. وأم القرى ومن حولها بالذات هي أصلح مكان على وجه على الارض لنشأة الاسلام يومئذ. وأصلح نقطة يبدأ منها رحلته العالمية. التي جاء من أجلها منذ اللحظة الاولى.

٢٦١

وهكذا جاء القرآن عربيا لينذر أم القرى ومن حولها. فلما خرجت الجزيرة من الجاهلية الى الاسلام. وخصلت بكاملها للاسلام حملت الراية وشرقت بها وغربت. وقدمت الرسالة الجديدة والنظام الانساني. الذي قام على أساسها. للبشرية جميعها ـ كما هي طبيعة هذه الرسالة ـ وكان الذين حملوها هم أصلح من وجد بعدهم لحملها ونقلها.

(وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً) فلو شاء الله لخلق البشر خلقة أخرى لم توجد فيهم شهوات واهواء. تدعوهم الى الانحراف عن خط الله وشريعته التي شرعها وخططها لهم ابدا كالملائكة. فتوحد مصيرهم الى ما خلقهم لأجله. ولكنه سبحانه أرادت مشيئته ان يخلق هذا الانسان بطبائع وغرائز وشهوات ليتقو بها على تكامل ذاته ونيل المكان الرفيع عند خالقه اذا هو حكّم عقله وسار برشاده فحينئذ يمكنه أن يرتفع ويعتلي حتى يتجاوز مرتبة الملائكة المقربين بل قد تصبح الملائكة من خدامه وأعوانه. وكان نهاية امره الخلود في النعيم والسعادة.

وان هو نبذ عقله واتبع هواه حينئذ ينتكس في سيره نحو الشهوات والحيوانات وتستغويه الابالسة والشياطين حتى يصبح أسفل وأخزى من الحيوانات وينتهي الى نار الجحيم.

(فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ). وهكذا (يدخل من يشاء في رحمته والظالمين ما لهم من ولي ولا نصير) وفق ما يعلمه الله من حال هذا الفريق وذاك. واستحقاقه الرحمة بالهداية. أو استحقاقه للعذاب بالضلال الذي هو اختاره لنفسه في حياته الدنيا.

(أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ) وهنا يقرر عزوجل بعد هذا الاستنكار ان الله وحده هو الولي. وانه هو القادر. فقدرته تتجلى في احياء الموتى (فَاللهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتى).

٢٦٢

(وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ) طريقة أرادها الله تعالى. لهذه الحقائق وتسلسلها وتجمعها في هذه الفقرة طريقة عجيبة. تستحق التدبر. فالترابط الخفي والظاهر بين أجزائها ترابط لطيف.

انه يرد كل اختلاف يقع بين الناس الى الله عزوجل. والله أنزل حكمه القاطع في هذا القرآن. وقال وقوله الفصل في أمر الدنيا والاخرة وأقام للناس المنهج الذي اختاره لهم في حياتهم الفردية والجماعية. وفي نظام حياتهم ومعاشهم وحكمهم وسياستهم واخلاقهم وسلوكهم. وبين لهم هذا كله. بيانا شافيا. وجعل هذا القرآن دستورا شاملا لحياة البشر. أوسع من دساتير الحكم الشامل.

فاذا اختلفوا في أمر أو اتجاه فحكم الله فيه حاضر في هذا الوحي الذي أوحاه الى رسوله ص وآله.

(ذلِكُمُ اللهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) فتجيء هذه الانابة. وذاك التوكل. وذلك الاقرار بلسان رسول الله ص وآله يشهد ان الله هو ربه وانه يتوكل عليه وحده. وانه اليه ينيب لا غير فكيف يتحاكم الناس اذن الى غيره عند اختلافهم في شيء من الامر. واستقرار هذه الحقيقة في ضمير المؤمنين ينير له الطريق. ويحدد معالمه. فلا يتلفت الى هنا وهناك تبعا لعقيدته.

(فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١١) لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٢) شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (١٣) وَما تَفَرَّقُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى

٢٦٣

لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (١٤) فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ اللهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (١٥))

البيان : الله منزل هذا القرآن ليكون حكمه الفصل فيما يختلفون فيه. وهو مدبر السموات والارض. والناموس الذي يحكم السماء والارض هو حكمه الفصل في كل ما يختص بها من أمر وشؤون الحياة والعباد ان هي الا طرف من أمر السموات والارض فحكمه فيها هو الحكم. والله الذي يجب أن يرجعوا الى حكمه فيما يختلفون فيه (جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً) فهنالك وحدة في التكوين تشهد بوحدانية الاسلوب والمشيئة وتقديرها المقصود. انه هو الذي جعلكم ـ أنتم والانعام ـ تتكاثرون وفق هذا المنهج وهذا الاسلوب. ثم تفرد هو دون خلقه جميعا. فليس هنالك من شيء يماثله (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) والفطرة تؤمن بهذا بداهة. فخالق الاشياء لا تماثله هذه الاشياء التي هي من خلقه. ومن ثم ترجع كلها الى حكمه عند ما تختلف فيما بينها على أمر. ولا ترجع معه الى احد غيره. لانه ليس هناك أحد مثله.

ثم انه هو الذي يتولى أمر رزقهم قبضا وبسطا. وهو رازقهم وكافلهم ومطعمهم وساقيهم فلمن غيره يجوز التوجه ليحكم بينهم فيما فيه يختلفون. انما يختص التوجه الى الرازق الكافل المتصرف في الارزاق. (إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) فهو الذي يحكم وحكمه العدل وقوله الصدق.

(شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً. وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) لقد جاء في مطلع السورة (وكذلك يوحي اليك ..) فكانت هذه اشارة

٢٦٤

اجمالية الى وحدة المصدر. ووحدة المنهج ووحدة الاتجاه. فالان يفصل هذه الاشارة. ويقرر أن ما شرعه الله للمسلمين هو ـ في عمومه ـ ما وصىّ به نوحا وابراهيم وموسى وعيسى (ع) وهو أن يقيموا دين الله الواحد. ولا يتفرقوا فيه. ويرتب عليها نتائجها من وجوب الثبات على المنهج الالهي القديم دون التفات الى أهواء المختلفين. ويبدو من التماسك والتناسق في هذه الفقرة كالذي بدا في سابقتها بشكل ملحوظ

وبذلك يقرر الحقيقة التي فصلناها في مطلع السورة. حقيقة الاصل الواحد.

(كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ) نعم كبر عليهم أن ينزل الوحي على محمد ص وآله من بينهم وكانوا يريدون أن ينزل (عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) أي صاحب سلطان من كبرائهم. ولم تكن صفات محمد الذاتية وهو باقرارهم (الصادق الامين) ولا كان نسبه وهو من أشراف قريش ما كان هذا كله يعدل في نظرهم أن يكون سيد قبيلة ذا سلطان

وكبر عليهم أن يقال أن آباءهم هم الذين ماتوا على الشرك ماتوا على ضلالة. وعلى جاهلية. فتشبثوا بالحماقة. وأخذتهم العزة بالاثم. واختاروا الجحيم على النعيم.

(اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ) وقد اجتنبى محمد ص وآله لرسالته. وهو يفتح الطريق لمن ينيب اليه (وَما تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ)

فهم لم يتفرقوا عن جهل. ولم يتفرقوا لانهم لا يعرفون الحق. انما تفرقوا بعد المعرفة تفرقوا بغيا وحسدا وظلما للحق وأهله. ولانفسهم سواء. تفرقوا تحت تأثر الاهواء الجائرة.

(إِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ) فالعقيدة هي الصخرة الصلبة التي يقف عليها المؤمن. فتميد الارض من حوله

٢٦٥

وهو ثابت راسخ القدمين فوق الصخرة الصلبة التي لا تحركها العواصف مهما كان شكلها.

والعقيدة هي النجم الهادي المضيء على الافق وما حواه. الذي يتجه اليه المؤمن وسط الانواء والزوابع. فلا يضل ولا يحيد. فاما حين تصبح العقيدة ذاتها موضع شك ومثار ريبة. فلا ثبات في نفس صاحبها. ولا قرار له على وجهة خاصة.

ولقد جاءت العقيدة لتعرف أصحابها طريقهم ووجهتهم الى الله. ويقودوا من ورائهم البشر الى السعادة والنجاة من التردي والضلال. وكذلك كان حال اتباع الرسول ص وآله.

(فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ. وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ) انها القيادة الجديدة للبشرية جمعاء. القيادة الحازمة الحاسمة المستقيمة. على نهج واضح ويقين ثابت. تدعو الى الله على بصيرة. وتستقيم على أمر الله دون انحراف. وتنأى عن الاهواء المضطربة من هنا وهناك.

القيادة التي تعلن وحدة الرسالة. ووحدة الكتاب. ووحدة النهج والطريق. والتي ترد الايمان الى أصله الثابت الواحد. وترد البشرية كلها الى ذلك الاصل الواحد.

(وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتابٍ) ثم هو الاستعلاء بالحق والعدل. والاحسان لجميع أنواع البشر وأشكالها فلا يتفاضل أبيض على أسود. ولا عربي على عجمي الا بالتقوى. وتعلن الربوبية الواحدة : (اللهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ) وتعلن فردية التبعية فلا يؤخذ الحق الا ممن ثبت عليه (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) (لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ) (لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ).

وتكشف هذه الاية عن طبيعة هذه الرسالة الاخيرة الثابتة مدى الابد.

٢٦٦

(وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ (١٦) اللهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزانَ وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (١٧))

البيان : من تكون حجته باطلة مغلوبة عند ربه فلا حجة له ولا سلطان. ووراءه الهزيمة والبطلان في الارض والغضب والعذاب الشديد في الاخرة. وهو الجزاء المناسب على اللجاج بالباطل بعد استجابة القلوب الخالصة. (الله أنزل الكتاب بالحق) وأنزل العدل وجعله حكما فيما تختلف فيه الآراء. والاهواء (والميزان) لوزن الاعمال ومعرفة الحقائق. (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ) والناس عنها غافلون. وهي منهم قريب. وعندها يكون الحساب : أما السعادة. واما الدمار. اما الجنة. واما النار. وكل من دخل واحدة منهما فلا يخرج منها ابدا فالويل للغافلين. وهي ساعة الموت وما بعدها اشد وادهى.

(يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (١٨) اللهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (١٩) مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (٢٠))

البيان : الذين لا يؤمنون بالاخرة لا تحسّ قلوبهم بهولها. ولا تقدر ما ينتظرهم فيها فلا عجب اذا طلبوا استعجالها مستهزئين. لانهم محجوبة قلوبهم عنها فلا يدركون نكالها.

وأما الذين آمنوا فهم مستيقنون بها. ومشفقون منها. ويراقبونها بحذر هائل. وانهم ليعلمون انها الحق. وبينهم وبين الحق صلة (أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ).

(اللهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ) وتبدو المناسبة بعيدة في ظاهر الامر بين هذه

٢٦٧

الحقيقة وتلك. ولكن الصلة تبدو وثيقة. عند قوله تعالى (مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ ..) فالله لطيف بعباده. يرزق الصالح والطالح. والمؤمن والكافر. ولكن فرق بينهما فالصالح والمؤمن الله يرزقه وخلق لأجله جميع الرزق ويبارك له فيما يأخذه من هذا الرزق الذي خلقه لكرامته. ولكن الطالح والكافر يأكل بدون اجازة. وبدون رضا من صاحب الرزق ومن خالق الرزق. وحيث أن صاحب هذا الرزق كريم فلا يمنعه ولكن سيحاسبه على ما أخذ من رزقه بدون اجازته وبدون رضاه وسيعاقبه على كل لقمة أكلها او شربة شربها فأمامه الحساب.

وقد جعل الخالق العظيم الاخرة حرثا. والدنيا حرث. وترك الخيار لعباده الى أي منهما يعملون ولكن قد بين سبحانه ان الذي يعمل لحرث الاخرة في الدنيا يسخر له الدنيا ليأخذ منها ما يقويه على آخرته. وعند الانتقال يفوز بالسعادة والنعيم الذي أعد له. والذي يعمل في الدنيا للدنيا فقط سيسلبه مازاد عن ضرورياته وعند الانتقال يهوى في الشقاء والعذاب الذي لا يخفّف ولا ينقطع ابدا. والامر في الاخرة والنهاية مرتبط بالحق والميزان الذي نزل به الكتاب من عند خالقه فالحق والعدل ظاهران في تقدير الرزق لجميع الاحياء. وفي زيادة حرث الاخرة لمن يشاء. وفي حرمان الذين يريدون حرث الدنيا من حرث الاخرة. ودخولهم الى الجحيم.

(أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ وَلَوْ لا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٢١) تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (٢٢) ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ

قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ

٢٦٨

لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (٢٣) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً فَإِنْ يَشَإِ اللهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللهُ الْباطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٢٤) وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ (٢٥))

البيان : في فقرة سابقة قرر ان ما شرعه الله للامة المسلمة هو ما وصى به نوحا وابراهيم وموسى وعيسى (ع) وهو ما أوحى به الى محمد ص وآله. وفي هذه الفقرة يتساءل في استنكار عما هم فيه وما هم عليه. من ذا شرعه لهم مادام الله لم يشرعه. وهو مخالف لما شرعه منذ أن كان هناك رسالات وتشريعات (أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ..)

وليس لأحد من خلق الله أن يشرع غير ما شرعه الله وأذن به كائنا من كان. فالله وحده هو الذي يشرع لعباده. لانه هو المبدع لهذا الكون وما فيه. ومدبره بالنواميس. وكل من عدا الله عزوجل يشرعون لهم ما لم يأذن به الله. وليس أخيب من ذلك ولا أجرأ على الله منه شيء. ومع وضوح هذه الحقيقة فان الكثيرين يجادلون.

لقد شرع الله للبشرية ما يعلم سبحانه. انه يتناسق مع طبيعتها وفطرتها وطبيعة الكون الذي تعيش فيه وفطرته. ومن ثم يحقق لهذه البشرية أقصى درجات السعادة. وبذلك يتوحد مصدر التشريع. ويكون حكم الله وحده. وهو خير الحاكمين. وما عدا هذا المنهج فهو خروج على شريعة الله تعالى. وعلى دين الله. وعلى ما وصى به نوحا وابراهيم وموسى وعيسى ومحمدا ص وآله عليهم جميعا أفضل السّلام.

(وَلَوْ لا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) فقد قال الله تعالى كلمة الفصل بامهالهم الى الفصل. ولو لا ان الله رفع عن امة محمد ص وآله المسخ والقذف وما أنزل على الامم السابقة لما عصوا وطغوا لا نزل على أول

٢٦٩

المخالفين ما يستحقون من العذاب. واولهم أصحاب السقيفة الخبيثة

(وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) فهذا هو الذي ينتظرهم جزاء الظّلم والمخالفة (تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ) والتعبير العجيب يجعل اشفاقهم (مِمَّا كَسَبُوا) فكأنما هو غول مفزع. وهو واقع بهم. وكأنه بذاته قد انقلب عليهم عذابا لا مخلص منه. وهو واقع بهم (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ ..)

والتعبير كله رخاء يرسم ظلال الرخاء. (فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ) (ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللهُ عِبادَهُ) وعلى مشهد هذا النعيم الرخاء الجميل يلقن الرسول ص وآله (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً ..).

ـ عن ابن عباس قال : لما نزلت هذه الآية (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ) الاية. قالوا يا رسول الله ص وآله من هؤلاء الذين امرنا الله بموالاتهم. فقال ص وآله هم : علي وفاطمة وولدهما من علي (ع) ثم قال ص وآله : (أن الله خلق الانبياء من اشجار شتى وخلقت انا وعلي من شجرة واحدة. انا اصلها. وعلي فرعها. وفاطمة لقاحها. والحسن والحسين ثمارها. واشياعنا اوراقها. فمن تعلق بغصن من اغصانها نجا. ومن زاغ عنهم هوى ولو أن عبدا عبد الله تعالى بين الصفا والمروة الف عام ثم الف عام ثم الف عام. الى أن يصير كالشن البالي. ثم لم يدرك محبتنا أهل البيت اكبه على منخريه ثم تلا هذه الاية (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى).

وعن الصادق (ع) : انما نزلت فينا أهل البيت في علي وفاطمة والحسن والحسين اصحاب الكسا (ع) (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) هنا يأتي على الشبهة الاخيرة التي قد يعللون بها موقفهم من ذلك الوحي الذي تحدث عن مصدره وعن طبيعته وعن غايته.

فهم من ثم لا يصدقونه. لأنهم يزعمون انه لم يوح اليه. ولم يؤت

٢٧٠

شيء من الله عزوجل (فَإِنْ يَشَإِ اللهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ) وما كان ليخفى عليه ما يدور في خلد محمد ص وآله فهي شبهة يريد بها تضليل العوام والبسطاء وليس هذا التقول الا باطلا وهم يعلمون ذلك ومشهد الذين آمنوا في روضات الجنات. تجيء لترغيب من يريد التوبة والرجوع عما هو فيه من ضلالة. ويعفو عن السيئات فلا داعي للقنوط واللجاج في المعصية والقنوط من رحمة الله جريمة كبرى لا يساويها جريمة.

(وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ (٢٦) وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (٢٧) وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (٢٨) وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ (٢٩) وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ (٣٠))

البيان : (وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ) وهذا يصور نزارة ما في هذه الحياة الدنيا من أرزاق ـ مهما كثرت ـ بالقياس الى ما في الآخرة من فيض غزير. فالله تعالى يعلم عباده الذين خلقهم وركب طبائعهم. ومن ثم قدر أرزاقهم بحكمة وعناية. واستبق فيضه المبسوط لمن جحده ليزداد همّا وشقاء وطغيانا حتى يستحق العذاب الشديد. وعباده الصالحين لا يعطيهم من الدنيا الا ما يضطرون اليه.

وهذا يصور نزارة ما في هذه الحياة الدنيا. ومن ثم فقد جعل ارزاق المخلصين في طاعته محدودة مقدرة. واستبقى فيضه المبسوط الى الدار الباقية التي ليس لها حدود ولا قيود. (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا) وهذه لمسة اخرى كذلك تذكرهم بفضل الله تعالى على عباده في هذه الحياة (وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ) وهو النصير والكافل المحمود.

واللفظ القرآني المختار للمطر في هذه المناسبة (الغيث) يلقي ظل

٢٧١

الغوث والنجدة. وتلبية المضطر في الضيق والكربة. كما أن تعبيره عن آثار الغيث (وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ) لها وقع في القلوب الحية. كمشهد الغيث بعد الجفاف. وما من مشهد ينفض هموم القلب كهذا المشهد.

(وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) وهذه الآية الكونية. معروضة على الانظار قائمة تشهد بذاتها على ما جاء الوحي ليشهد به. وآية السموات والارض لا تحتمل جدلا فهي قاطعة في دلالتها على عظمة خالقها ومدبرها. فهي تخاطب الفطرة بلغتها. وما زالت على طبيعتها الاولى فانها تتلقى منطق هذا الكون تلقيا مباشرا. وتطمئن اليه. قبل ان تسمع عنه كلمة واحدة من خارجها (وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ) والحياة في هذه الارض وحدها آية أخرى وهي سر لم ينفذ الى طبيعته احد.

هذه الاحياء المبثوثة في كل مكان. فوق سطح الارض وفي ثناياها وفي اعماق البحار التي لا يعلم الانسان عنها الا النزر القليل. وبنو الانسان يعجزهم ان جمعوا سربا من الطير. (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) وهنا يتجلى عدل الله وتتجلى رحمته بهذا الانسان الضعيف فكل مصيبة تصيبه فسببها منه. وكل فضل ونعمة فهي من فضل ربه.(وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ) وهنا يتجلى ضعف هذا الانسان. فما هو وما له من دون الله من ولي ولا نصير. فأين تذهبون. واني تؤفكون. ولماذا تتجبرون وانتم الاضعفون افلا تعقلون.

(وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (٣١) وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ (٣٢) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (٣٣) أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (٣٤) وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (٣٥))

البيان : السفن الجواري في البحر فهي آية حاضرة مشهودة. وهذا البحر من أنشأه غير الله القوي القدير. وهذه السفن من انشأ

٢٧٢

مادتها. واودعها خصائص لا تحصى غير الله.

(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) في اجرائها وفي ركودها آيات لكل عاقل يلزمه عقله باداء شكر خالقه المنعم العظيم. والصبر على الامتحان ونوائب الزمان. والشكر على نعم الله التي لا تحصى. وهما قوام بقاء النعم ورجوعها عند ذهابا. وارتياح النفس والضمير. (وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ) وهكذا يشعر ضعفهم وافتقارهم اليه.

(فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٣٦) وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (٣٧) وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣٨) وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (٣٩) وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (٤٠))

البيان : لقد سبق في السورة ان صور القرآن حالة البشرية. وهو يشير الى أن الذين أوتوا الكتاب تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم العلم. وكان تفرقهم بغيا بينهم لا جهلا بما نزل الله تعالى لهم من الكتاب. ويشير الى ارتيابهم (بل هم في شك منه مريب).

فاذا كان هذا حال أهل الاديان وأتباع الرسل ينحرفون عن الحق ويتبعون الباطل بعد الرسل. فما حال اولئك الذين لا يتبعون رسولا ولا يؤمنون بكتاب فهم أضل وأعمى.

ومن ثم كانت البشرية في حاجة ماسّة الى قيادة معصومة عن كل خطأ وانحراف تبقى محافظة على الشريعة الالهية. وممثلة لما يريد الله عزوجل وهذا المعنى.

وهو الذي ينطبق على مذهب الشيعة الجعفرية الاسلامية حيث انها

٢٧٣

تعتقد ان الله تعالى قد عين للامة الاسلامية اثني عشر اماما معصوما عن كل خطأ وانحراف وكل امام افضل أهل زمانه عالم بكل ما يسأل عنه عن رسول الله ص وآله عن جبرائيل (ع) عن الله عزوجل اولهم امير المؤمنين وأمام المتقين علي بن ابي طالب (ع) واخراهم حفيده الحجة المنتظر الذي سيظهره الله. ويملأ الارض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا.

(وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقى) خير في ذاته. وابقى في مدته. فمتاع الدنيا زهيد حين يقاس الى ما عند الله. ومحدود حين يقاس الى الفيض المنصب بغير حساب ومتاع الدنيا معدود الايام. وهو بالقياس الى ايام الآخرة لحظة عين أو أقل من ذلك. وقيمة الايمان ـ للذين آمنوا ـ انها معرفة بالحقيقة الاولى التي لا تقوم في النفس البشرية معرفة صحيحة لشيء في هذا الوجود الا عن طريقها. فمن طريق الايمان بالله تعالى ينشأ ادراك لحقيقة هذا الوجود وانه صنع الله عزوجل.

وقيمة الايمان كذلك الطمأنينة النفسية. والثقة بصحة الطريق وانه الموصل يقينا الى رضا الله والجنة. وهل هناك سعادة ولذة غير هذا في الحياة. ويلزم استحالة دنو الخوف والقلق والحيرة ـ التي اكبر الامراض نفسية ـ لمن احرز ذلك الرضا. وذلك النعيم الخالد الذي لا نفاد له.

وقيمة الايمان الصحيح هو التجرد من الهوى والغرض. والصالح الشخصي. وتحقيق المغانم. اذ يصبح متعلقا بهدف ابدي من ذاته. ويحسّ ان ليس من الامر شيء.

انما هي العبودية التي زمامها بيد مولاها يقلبها ويديرها كما يشاء. لا كما تشاء وهذا الشعور الزم ما يكون لمن عرف الله فأوكل الامر اليه واهتم برضاه دون رضى سواه. ولقد آمنت العصبة الاولى من المسلمين ايمانا كاملا اثر في نفوسهم واخلاقهم وسلوكهم تأثيرا عجيبا. وكانت صورة الايمان في نفس البشرية قد تقلصت واذمحلت. حتى فقد تأثيرها

٢٧٤

في اخلاق الناس وسلوكهم فلما ان جاء الاسلام. انشأ صورة للايمان حية مؤثرة فاعلة تصلح بها هذه العصبة التي وضعت على اعناقها.

وهذا هو الايمان الذي تشير اليه الآية وهي تصف الجماعة التي اختيرت لقيادة الامة ـ وهم أل بيت النبي (ع) واتباعهم الخلص كسلمان الفارسي وابي ذر وامثالهما (وهذا معنى قوله عزوجل (وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) وهذا التقديم والتأخير في تركيب الجملة يفيد الحصر. وقصر التوكل على ربهم دون سواه. وهذا ثمرة الايمان الصحيح الثابت.

(وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ) وطهارة القلب. ونظافة السلوك من كل ما يشينها. ويدنسها وكيف يصلح لقيادة الامة من دنست الاثام قلبه. (وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ) وتتجلى سماحة الاسلام مرة أخرى مع النفس البشرية. فهو لا يكلف الانسان فوق طاقته. والله يعلم أن الغضب قد يخرج صاحبه عن حد الاعتدال. ولكن فورا يرده الايمان الى ضمن حدود الله ويؤنبه ضميره. (وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ) فازالوا العوائق التي تقوم بينهم وبين ربهم. ازالوا هذه العوائق الكامنة في النفس دون الوصول وهي عوائق تجد الطريق الى ربها مفتوحا وموصولا وحين اذ تلتذ بفعل الواجبات. وتنفر من المحرمات بطبيعتها ثم أخذ يفصل : (وَأَقامُوا الصَّلاةَ) وللصلاة في هذا الدين مكانة عظمى. فهي التالية للقاعدة الاولى فيه. قاعدة شهادة (ان لا آله الا الله. محمد رسول الله) وهي صورة الاستجابة الاولى لله تعالى ـ بعد الاقرار به وتصديق رسوله ص وآله ـ وهي الصلة بين الخالق والمخلوق. والمولى وعبده. وهي مظهر مساواة البشر بأجمعهم في صف واحد بحركة واحدة (وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ) يعني يرجعون بأجمعهم الى رأي امامهم المعصوم الذي لا ينطق الا بالصدق والحق. فيبين لهم ما فيه خيرهم وصلاحهم كما قال عزوجل : (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ ..) ومن

٢٧٥

هنا يؤمن الخطأ وتنال السعادة. (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) وهو نص على تحديد فرائض الزكاة التي فصلت في السنة.

وفي الحديث (ان الله قرن الزكاة مع الصلاة). فمن صلى ولم يزك فكأنه لم يصل. (وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ) وذكر هذه الصفة في القرآن. فهي صفة الانتصار على اهل البغي مهما كثروا. وهذا أمر طبيعي لامة اخرجت للناس لتكون خير امة لتأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر. وتحافظ على حدود الله حتى لا يتعداها الجاحدون.

(وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) فهذا هو الاصل في الجزاء وردع الظالمين.(وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) بشرط ان لا تتعد حدود الله في زيادة او نقصان (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) سواء من الظلم ابتداء. او في حال اخذ الحق من الظالم فالتعدي في الحالتين ظلم على حد سواء وان كان البادي اظلم وأشر.

(وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (٤١) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٤٢) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (٤٣) وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ (٤٤) وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ (٤٥))

البيان : فالذي ينتصر بعد ظلمه ـ ويجزي السيئة بالسيئة ـ ولا بتعدى. ليس عليه سبيل ولا جناح. ولا يجوز ان يقف في طريقه أحد. او يعيبه على أخذ حقه. انما يجب الوقوف والردع لمن يظلم الناس ويبغي الفساد. وهو الذي يستحق العذاب والقصاص والتقبيح. (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) وهذا انما يحسن لمن اذا عفي عنه شكره

٢٧٦

من عفى وندم على ما فعل والا فلا.

(وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ) والمراد من اضلال الله لعبده يعني أن العبد حينما يترك مولاه ويتعدى حدود الله ويختار عصيانه على طاعته. والالتجاء الى غيره. فحينما يدعو غير الله تعالى وما اختار لنفسه هوى الى الحضيض. وهذا معنى (مَنْ يُضْلِلِ اللهُ) ويعني ذلك ان الهداية منحصرة بالرجوع الى الله والالتجاء اليه وحينما يأخذ الله تعالى بيد عبده وينشله من كربته ويدفع عنه المخاوف يغمره برحمته وفيوضاته والخاسرين الذين تركوا هذا المولى العظيم الرؤوف الرحيم والتجأوا الى عبيد مثلهم ضعفاء فقراء لا يملكون لانفسهم نفعا ولا ضرا أمثالهم.

(وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ) (الظالمون كانوا طغاة كبراء فناسب ان يكون الذل هو مظهرهم البارز في يوم الجزاء والمحاسبة ورفع الستار عن الماكرين الفجرة (هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ) هيهات لقد فات ما فات وقضي الامر وجاء القصاص. وها هم يعرضون منكسي الابصار والرؤوس.(يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ).

وفي هذا الوقت يبدو أن الذين آمنوا هم سادة الموقف وعلى رأسهم أئمة الهدى ومصابيح الدجى أئمة أهل بيت محمد المعصومين حجج الله على الخلق اجمعين.

(وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) وهم الذين يقفون خاشعين من الذل (أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ) وقد أغلق السبيل.

(وَما كانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِياءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ سَبِيلٍ (٤٦) اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ ما لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ (٤٧) فَإِنْ أَعْرَضُوا فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاغُ وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ

٢٧٧

بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ (٤٨) لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ ما يَشاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ (٤٩) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (٥٠))

البيان : ثم يكشف عن طبيعة هذا الانسان الذي يعارض ويعاند. ويعرض نفسه للاذى والعذاب. ويتجاوز حده بعصيانه وخروجه عن خطه المستقيم فيتدهور. (وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها) ويعقب على هذا بان نصيب هذا الانسان من السراء والضراء. ومن العطاء والحرمان كله بيد الله تعالى. فمال هذا الانسان المحب للخير. الجزوع من الشر. يبعد عن الله. المالك لأمره في جميع الاحوال.

(لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) الذرية مظهر من مظاهر المنح والمنع. والعطاء والحرمان. وهي قرينة من نفس الانسان. والنفس شديدة الحساسية بها. فلمسها من هذا الجانب أقوى واعمق. وقد سبق في السورة حديث الرزق بسطه وقبضه. فهذه تكملة في الرزق بالذرية. وهي رزق من عند الله كالمال والتقديم بان لله ملك السموات والارض .. هو المناسب لكل جزئية وكذلك (يَخْلُقُ ما يَشاءُ) فهي توكيد للايحاء النفسي المطلوب (يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُوَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً) فهو يقدرها وفق علمه وحكمته. والمؤمن الصحيح هو الذي لا يقترح على ربه بالعطاء. ولا ينزعج من الحرمان. بل واجبة التسليم والتفويض لمن يعلم عواقب الامور وهو أرأف به من نفسه فالتفويض علامة الايمان. والذين يقترحون على خالقهم بالعطاء. او ينزعجون من الحرمان فهذا دليل على فقدان الايمان حتى ولو كانوا في معرفة احكام الله من اكبر المجتهدين. فمعرفة احكام الله شيء ومعرفة الله تعالى شيء اخر فمن عرف مولاه وهو عاقل يستحيل ان يقترح عليه بل عليه التسليم.

٢٧٨

(وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (٥١) وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٢) صِراطِ اللهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (٥٣))

البيان : يقطع هذا النص بانه ليس من شأن انسان ان يكلمه الله تعالى الا بما له من القابلية والاهلية فبواسطة طريقة مخلوقة يتصل الخالق بمخلوقه لان المخلوق غير قابل لغير ذلك فاذا أراد الخالق العظيم ان يخاطب عبده جعل له سببا يوصل اليه ما يريد ان يعرفه به سواء كان رسولا أو غير رسول وهنا أوضح مسألة الوحي للرسول (ع) ومالك تسأل عن أين. وكيف. وانت لا تملك ان تتصور الا حدود ذاتك المتحيزة القاصرة الفانية. بل أنت عاجز عن معرفة اشياء مخلوقة وهي بين يديك فأين روحك واين عقلك. واين نفسك واين ضميرك. لا يمكنك انكاره ابدا. فاذا قيل لك انت بلا عقل. بلا ضمير. بلا وجدان تغضب. واذا قيل لك اين هؤلاء تنكس رأسك قهرا.

(وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا) بمثل هذه الطريقة. وبمثل هذا الاتصال (أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) فالوحي تم بطريقة معهودة. ولم يكن امرك بدعا. أوحينا اليك (رُوحاً مِنْ أَمْرِنا) فيه حياة ويبث الحياة. ويدفعها وينميها في القلوب وفي واقع العمل المشهود.

(ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ) هكذا يصور نفس رسول الله ص وآله. عن القرآن المجيد. وانما المقصود هو اشتمال القلب على هذه الحقيقة والشعور بها والتأثر بوجودها في الضمير. وهذا ما لم يكن قبل هذا الروح من أمر الله الذي لابس قلب محمد ص وآله (وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ) وهذه طبيعته الخاصة. طبيعة هذا الوحي

٢٧٩

وهذا الكتاب انه نور تخالط بشاشته القلوب فتنيرها وتضيئها وتشرحها وتوسعها (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) وهناك توكيد على تخصيص هذه المسألة. مسألة الهدى بمشيئة الله سبحانه وتجريدها من كل ملابسة وتعليقها بالله وحده. الذي لا يعرفها سواه. فهي الهداية الى طريق الله. الذي تلتقي عنده المسالك. لأنه الطريق الى المسالك. الذي له ما في السموات والارض. الذي تتجه اليه. واليه المصير. (أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ) فكلها تنتهي اليه. وتلتقي عنده. وهو يقضي فيها بأمره. وهذا النور يهدي الى طريقه الذي اختاره للعباد ان يسيروا عليه وفيه واليه في والنهاية واليه المرجع والمآب فيفرح المطيعون بعطائه ويحزن المسيئون بعقابه ويبدأ هذا كله عند موت الجسم. وينتهي عند بعثه وحياته يوم يحشر الناس.

* * *

ـ ٤٣ ـ سورة الزخرف آياتها (٨٨) ثمان وثمانون آية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. حم (١) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (٢) إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٣) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (٤) أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ (٥))

البيان : تبدأ السورة بالحرفين (حا. ميم) ثم يعطف عليهما قوله (وَالْكِتابِ الْمُبِينِ) ويقسم الله سبحانه. بحاميم كما يقسم بالكتاب المبين في صورته اللفظية من جنس هذين الحرفين. وهذان الحرفان ـ كبقية الاحرف في لسان البشر ـ آية من آيات الخالق العظيم. الذي صنع البشر هذا الصنع. وجعل لهم هذه الاصوات. فهناك أكثر من معنى واكثر من دلالة. في ذكر هذه الاحرف عند الحديث عن القرآن. فالله

٢٨٠