تفسير البيان الصافي لكلام الله الوافي - ج ٤

الشيخ محمد حسن القبيسي العاملي

تفسير البيان الصافي لكلام الله الوافي - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمد حسن القبيسي العاملي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة البلاغ
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٦٠

به. فلا ضرورة لاستشارته لأنه لا ينسى من خلقه ويهمله عبثا. (إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فالذي يعلم غيب السموات والارض يعلم غيب النفوس. ومكنون الضمائر وحقائق الشعور. ويبصر ما يعمله كل مخلوق خلقه فلا يستمد علمه من سواه. بل هو يعلم ما تجيش به النفوس وما تكنه الصدور.

تلك الخوارق التي تأتي بها العقيدة الدينية في حياة الافراد وفي حياة الجماعات فلا تقوم غامضة. ولا تعتمد على التهاويل. انها تقوم على اسباب مدركة محسوسة وعلى قواعد ثابتة لا تقبل التزلزل. ان العقيدة الدينية فكرة كلية تربط الانسان بخالقه العظيم.

* * *

ـ ٥٠ ـ سورة (ق) آياتها (٤٥) خمس وأربعون آية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (١) بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقالَ الْكافِرُونَ هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ (٢) أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (٣) قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ (٤) بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ (٥))

البيان : (ق. قاف) تبدأ السورة بالقسم الذي هو حرف قاف وبالقرآن المجيد. المؤلف من مثل هذا الحرف ، بل انه هو أول حرف في لفظ (قرآن).

ولا يذكر المقسم عليه. فهو قسم في ابتداء الكلام. يوحي بذاته باليقظة والاهتمام. فالامر جلل. والله تعالى يبدأ الحديث بالقسم. فهو أمر اذن له خطر. ولعل هذا هو المقصود بهذا الابتداء. اذ يضرب بعده بحرف (بل) عن المقسم عليه ـ بعد ان احدث القسم أثره في الحس

٣٦١

والقلب ـ ليبدأ حديثا كأنه جديد عن عجبهم واستنكارهم لما جاءهم به رسولهم في القرآن المجيد من أمر البعث والخروج.

(بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ) وما في هذا من عجب. بل هو الامر الطبيعي الذي تتقبله الفطرة السليمة ببساطة وترحيب. الامر الطبيعي ان يختار الله تعالى من الناس واحد منهم يحس بأحساسهم. ويشعر بشعورهم ويتكلم بلغتهم ويدرك دوافعهم. فيرسله اليهم لينذرهم ما ينتظرهم ان هم ظلموا فيما هم فيه. ويعلمهم كيف يتجهون. ويبلغهم التكاليف التي يفرضها الاتجاه الجديد وهو معهم اول من يحمل هذه التكاليف.

ولقد عجبوا من الرسالة ذاتها. وعجبوا من الذي حدثهم عنها. ولكن اولئك القوم لم ينظروا للمسألة من جانبها الواقعي. وما تحمله من سعادة وامن وراحة وارباح لهذه الامة (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً ..) اذن فالناس يموتون ثم لا يرجعون فيا لها من قولة ما ابشعها وما اسخفها فلو كان الامر كما يقولون لافتخر الاشرار على الاخيار. وربح المفسدون وخسر المصلحون. وسعد البطالون وتعس العاملون. واي قيمة يبقى لهذه الحياة على هذا القول.

(قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ) كأنما التعبير يجسم حركة الارض ويجيبها وهي تذيب اجسامهم ـ التي كانوا يحافظون عليها ـ وتأكلها رويدا رويدا. ويصور اجسادهم في هذه المرحلة. فان الله يعلم ما تأكله الارض من اجسادهم وهو مسجل في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا احصاها. اذن فالمسألة ليست كما يقولون.

(بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ) وانه لتعبير فريد مصور مشخص لحال من يفارق الحق الثابت الواضح. فلا يقر لهم من بعده قرار. ان لم يزل لديهم احساس.

٣٦٢

ان الحق هو النقطة الثابتة التي يقف عليها من يؤمن بالحق. فلا تتزعزع قدماه. لان الارض ثابتة تحت قدميه. فهو على يقين من أمره. ويقين من صحة دينه. وصحة مسيره. ومن يفارق الحق يصبح كالواقف على امواج البحار تتقاذفه الاهواء ويملأ قلبه الخوف والقلق وتتأرجح مواقفه نحو اليمين والشمال. وهو لا يهتدي الى ركن يركن اليه وهنا الشقاء الاكبر.

(أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ (٦) وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (٧) تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (٨) وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (٩) وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ (١٠) رِزْقاً لِلْعِبادِ وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ الْخُرُوجُ (١١))

البيان : ان هذه السماء صفحة من كتاب الكون. تنطق بالحق الذي فارقوه. (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ) بكمالها وجمالها واستقرارها وخلوها من النقص والخلل. (فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ).

(وَالْأَرْضَ مَدَدْناها) فالامتداد في الارض والرواسي الثابتات والبهجة في النبات. (تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ) تبصرة تكشف الحجب. وتنير البصيرة. وتفتح القلوب وتصل الارواح بهذا الكون العجيب. وما وراءه من ابداع وحكمة وترتيب. تبصرة ينتفع بها كل عبد منيب. وله عقل سليم يقوده الى الخير والصلاح. والسعادة والارباح.

أن هذا الكون هو كتاب الحق المفتوح الذي يقرأ بكل لغة. ويدرك بكل وسيلة. ويستطيع كل مخلوق ان يستفيد منه بقدرة استعداده. وقوته وفهمه وعلمه. من أبسط ساذج الى أعلى فيلسوف وعبقري وكاتب

٣٦٣

وأديب. فكل يجد فيه زادا من بيان الحقائق والبراهين على عظمة خالقه ومنظمه في احسن تقويم (أَفَلا تُبْصِرُونَ). هذه هي الوصلة التي تجعل للنظر في كتاب الكون. والتعرف اليه أثرا في القلب البشري وقيمة في الحياة البشرية. هذه هي الوصلة التي يقيمها القرآن بين المعرفة والعلم وبين الانسان الذي يعرف ويعلم. وهي التي تهملها مناهج البحث التي يسمونها (علمية) في هذا الزمان. وبذلك تكون حرمة الانسان السعادة التي يستحيل حصولها الا من الله تعالى. (وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً) فالماء النازل من السماء آية كبرى تحيي موات القلوب ومشهده ذو أثر خاص بالقلب المفتوح. وليس الاطفال هم وحدهم الذين يفرحون بالمطر فقلوب الكبار الحساسة تستروح هذا المشهد. وتسبح خالقها وتمجده على نعمه النازلة عليها.

ويلمس القلوب وهي تهطل علينا الخيرات والبركات من سمائه الرفيعة (رِزْقاً لِلْعِبادِ) (وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً) فهي عملية دائمة التكرار فيما لهم. مألوفة لهم. ولكنهم لا ينتبهون اليها ولا يلحظون بركتها (كَذلِكَ الْخُرُوجُ) على هذه الوتيرة وبهذه السهولة على خالقها العظيم يحيي الخلائق بعد موتها.

(كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (١٢) وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوانُ لُوطٍ (١٣) وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (١٤) أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (١٥) وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (١٦) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ (١٧) ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (١٨) وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (١٩) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (٢٠))

البيان : الرسّ : البئر : المطوية غير المبنية. والائيكة : الشجر

٣٦٤

الملتف. واصحاب الايكة ـ في الغالب ـ هم قوم شعيب. اما اصحاب الرس فلا بيان عنهم وكذلك قوم تبع. وتبع لقب لملوك حمير.

وواضح ان الغرض من هذه الاشارة السريعة ليس تفصيل امر هذه الاقوام. ولكنه ايقاع على القلوب لينبه الغافلين. ويضيء قلوب المتقين ويلقي الحجة على المعاندين بمصارع الغابرين.

(كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ) وهذه لفتة مقصودة لتقرير وحدة العقيدة ووحدة الرسالة. فكل من كذب برسول فقد كذب بجميع الرسل لأنه كذب الرسالة الالهية التي جاء بها جميع المرسلين. والرسل أخوة. وامة واحدة. ومن شجرة واحدة من مسّ فرعا منها فقد مسّها بكاملها.

(أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ) الخلق شاهد حاضر فلا حاجة الى جواب. والخلق الاول مشهود وهو اصعب واكبر من خلق جديد. لأنه ابداع من لا شيء وهو اعظم. (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ) أن الله تعالى يشير الى المقتضى لوجود هذا النوع من البشر. فصانع الآلة أدرى بتركيبها واسرارها. مع ان الصانع جمع مواد موجودة لا غير فصيرها الة والله هو الذي خلق الاشياء وخلق موادها. ولم يكن لها وجود ولا أثر في الوجود. (نَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ) هكذا يجب على الانسان ان يعلم يقينا ان دواخله وخفاياه مكشوفة لمدى خالقه العظيم. وانه لم يزل مفتقرا اليه في كل حركة يتحركها.

(وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) الوريد الذي يجري فيه دمه. وهو تعبير يمثل ويصور القبضة المالكة. والرقابة المباشرة. وحين يتصور الانسان هذه الحقيقة. لا بد ان يرتعش قلبه. وتحاسبه نفسه وانها وحدة كافية ليعيش بها الانسان في حذر دائم. وخشية دائمة. ويقظة لا تغفل عن المحاسبة. والقرآن المجيد يستطرد في احكام الرقابة

٣٦٥

فاذا الانسان يعيش ويتحرك وينام ويستيقظ بين ملكين موكلين به. عن اليمين وعن الشمال. يتلقيان كل ما يصدر منه حتى أنفاسه وما يكنه في صدره وضميره.

وقد كان فيما سبق قد يستعظم الانسان هذه الرقابة وهذه المحاسبة ولكن اليوم أصبح المخلوق يمكنه بواسطة المسجلة والتلفزيون ان يحصي ويأخذ صورة الانسان في جميع ما يفعل حتى انفاسه التي يتنفسها تلتقطها بدون تفريط.

(وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ) الموت أشد ما يحاول المخلوق البشري ان يتفلت منه ويهرب من اسبابه. ولكن حينما يأتي أمر الله تعالى بموته فلا دافع ولا مانع يمنع عنه. والموت طالب يستحيل الانسان ان يتهرب منه فقد يهرب عن اشياء يحتمل فيها الموت واذا الجهة التي هرب اليها وجعلها مكنه الحصين هي السبب في موته وخطف روحه الخبيثة. لانه يتهرب من الموت ولا يخاف ما بعد الموت ولا يكره الموت الا اهل الجرائم والفساد في الارض ..

ويلفت النظر في التعبير ذكر كلمة الحق (وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ) وهي توحي بان النفس ترى الحق كاملا عند سكرات الموت. تراه بلا حجاب وتدرك منه ما كانت تجهل او تنكر وتكذب. وتتفلت من التوبة أو تهزأ ممن يدعها اليها. ولكنها تدرك جميع ذلك بعد فوات الاوان وحيث لا تنفع حسرة ولا زفرة ولا ندامة. وذلك الحق المريج حيث لا يجدي شيء ولا يفيد.

(وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ) انه مشهد يكفي استحضاره في النفس لتقضي رحلتها على هذه الارض في قلق ورعب. كما هي نفوس اهل الجرائم والطغيان في كل مكان وزمان.

٣٦٦

(وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ (٢١) لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (٢٢) وَقالَ قَرِينُهُ هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ (٢٣) أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (٢٤) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (٢٥) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ (٢٦) قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (٢٧) قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (٢٨) ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَما أَنَا بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (٢٩) يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (٣٠))

البيان : فالنفس هنا هي التي تحاسب. وهي التي تتلقى الجزاء ومعها سائق وشاهد قد يكونان هما الكاتبان والحافظان لها في الدنيا وهو مشهد اشبه بالمحاكمة امام الخالق العادل. (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا) قوى لا يغلبه غالب ولا يردعه رادع. ولا يخفى عليه صغيرة ولا كبيرة حتى ما توسوس به الصدور. فيا لها من محكمة ويا له من حاكم عدل لا يجور. وهذا هو الوعد الذي أكثر الناس عنه غافلون. وهذا هو الموقف الذي كانوا به يوعدون. ولا يذكر السياق شيئا عن مراجعة السجل. انما يذكر القرار الاخير الذي قضى على المجرمين.

(أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ) وذكر النعوت المتعددة يدل على ان كل من شمله وصف منها كان من المستحقين لدخول جهنم بعد نهاية المحاسبة واعطاء القرار الاخير. عندئذ يفزع قرينه ويرتجف. ويبادر الى ابعاد التهمة عن نفسه. بما انه كان مصاحبا له (قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ) وربما كان القرين هنا هو الشيطان. الموكل به ليغويه والآن يتبرأ منه كما ذكر ذلك في موضع سيأتي (اذ قال الشيطان للانسان اكفر فلما كفر قال اني بريء منك) ويقرر قرينه الذي أغواه أنه وجده ضالا. وهل يغوي الشيطان الا الضالين الاشرار. (قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ) فالمقام ليس مقام أختصام. وقد سبق الوعيد والانذار. وكل شيء مسجل لا يقبل الانكار. فالحاكم عادل خبير

٣٦٧

لا يخفى عليه شيء (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) ان المشهد كله حوار فتعرض جهنم فيه في معرض الحوار. وبهذا السؤال والجواب يتجلى مشهد عجيب رهيب. ثم تنادي (هَلْ مِنْ مَزِيدٍ)

(وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (٣١) هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (٣٢) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (٣٣) ادْخُلُوها بِسَلامٍ ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (٣٤) لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ (٣٥)

وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ (٣٦) إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (٣٧) وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ (٣٨) فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (٣٩) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ (٤٠))

البيان : يأتي التكريم في كلمة لأهل الايمان والتقوى. وفي كل حركة واشارة (هذا ما تُوعَدُونَ) فالجنة تقرب وتزلف. فلا تكليف ولا مشقة. بل هي التي تجيىء (غير بعيد) ونعيم الرضى يتلقاهم مع الجنة (هذا ما تُوعَدُونَ) من الملأ الأعلى. وهم يخشون ربهم بالغيب. ثم يؤذن لهم بالدخول بسلام (لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها) (وَلَدَيْنا مَزِيدٌ) من المقام الرفيع بجوار محمد وآله الطاهرين. (وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ) الحقيقة التي يشير اليها هي هي. ولكنها في صورتها الجديدة ف (هَلْ مِنْ مَحِيصٍ) الملك كله لله. فأين يهرب المجرمون. والحاكم محيط بهم أينما كانوا (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ) ان في مصارع الغابرين لذكرى لاولى الالباب. وانه للحق من ربكم ووعد غير مكذوب.

(وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما) انما يفرق بين الكبير والصغير والحقير والجليل. من هو محدود القدرة. المختص بالمخلوقين ولكن الله تعالى حسبه ان يريد ايجاد شيء فيوجد في لحظة او اقل (كُنْ فَيَكُونُ).

٣٦٨

(فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ) فمهما قالوا انما يقولون بدافع الجهل والعصبية وذكر الله والصلاة له في هذه الاوقات. مفتقر اليه واليها كل مخلوق لانه غذاء لروحه الحية.

(وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ (٤١) يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (٤٢) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ (٤٣) يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ (٤٤) نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ (٤٥))

البيان : انه لمشهد مثير. لذلك اليوم العسير. ولقد عبر عنه اول مرة في صورة اخرى ومشهد آخر في قوله (ونفخ في الصور ففزع من في السماوات فى الارض) اما هنا فعبر عن النفخة بالصيحة. وصور مشهد الخروج. ومشهد تشقق الارض عنهم سراعا. هذه الخلائق التي لا يعلم عددها الا خالقها التي غبرت في تاريخ الحياة كلها. الان تشقق الارض عنهم ويخرجون من الارض سراعا بعجل كما قال المعري : ـ

رب قبر قد صار قبرا مرارا

ضاحك من تزاحم الاضداد

ودفين على بقايا دفين

في طويل الاجال والاماد

هذا المشهد الثائر يقرر الحقيقة التي فيها يحاسبون (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ) وفي هذا المشهد يتوجه الى الرسول ص وآله بالتثبيت تجاه جدلهم وتكذيبهم في هذه الحقيقة الواضحة المشهودة بعين الضمير (نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ) فالامر في هذا ليس اليك انما هو لنا نحن. نحن عليهم رقباء وبهم موكلون ولهم محاسبون (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ) والقرآن يهزّ القلوب ويزلزلها. واذا تزلزلت انتعشت وانتبهت.

٣٦٩

ـ ٥١ ـ سورة الذاريات (٦٠) ستون آية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. وَالذَّارِياتِ ذَرْواً (١) فَالْحامِلاتِ وِقْراً (٢) فَالْجارِياتِ يُسْراً (٣) فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً (٤) إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ (٥) وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ (٦) وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ (٧) إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ (٨) يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ (٩) قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (١٠) الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ ساهُونَ (١١) يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (١٢) يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (١٣) ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (١٤))

البيان : هذه الايقاعات القصيرة السريعة. بتلك العبارات الغامضة الدلالة. تلقى في الحسّ ـ كما تقدم ـ ايحاء خاصّا. وتلقي ظلا معينا. يعلق بأمر ذي بال. وشأن يستحق الانتباه. وقد احتاج غير واحد في العهد الاول ان يستفسر عن مدلول الذاريات. والحاملات والجاريات. والمقسمات. فعن امير المؤمنين علي (ع) : (ان الذاريات ـ الريح والحاملات ـ السحاب ـ فالجاريات ـ السفن ـ فالمقسمات ـ قال (ع) ـ الملائكة ـ ولا عجب من علي فانه باب مدينة العلم (ع) فان الله سبحانه يقسم بهذه المخلوقات الاربع على : (أن ما توعدون لواقع) وقد وعد الله تعالى الناس : انه مجازيهم بالاحسان احسانا. وبالسوء عذابا. وانه انما امهلهم الى يوم يبعثون. فليس بمهمل ولكنه امهلهم لعلهم يرجعون اليه ويتوبون من خطاياهم لانه عزوجل يحب السعادة والنعيم لعباده الذين يستعملون عقولهم ويلتزمون بما أمرهم ونهاهم. فالوعد صادق حتما. وقد تقتضي الحكمة ان يعاقب بعض المجرمين في الدنيا والاخرة ليكونوا عبرة لغيرهم لعلهم يهتدون. ومما وعدهم به الرزق وكفالتهم وحمايتهم من كل ما يخشونه ان هم اطاعوا واذعنوا لامره والتزموا باحكامه.

ولا بد ان يتحقق ما وعد به الخالق العظيم. وانما يقسم ببعض مخلوقاته لتوجيه القلب اليها. والتدبر لما وراءها. من ابداع واتقان. لكل ما خلقه الله العزيز القهار. وهكذا تصبح تلك الخلائق آيات

٣٧٠

وبراهين لاولى الالباب. توحي بالدلالات ايحائيه قوية بفضل هذا القسم الذي يلفت القلب اليها لفتة. ويوجه الحس اليها توجيها بان الامر ليس عبثا ولا مصادفة ولا جزافا. بل كل ما يصدر يصدر عن حكمة وقصد وتصميم.

(وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ) ان الله سبحانه يقسم بالسماء المنسقة المحكمة التركيب على انهم في قول مختلف مضطرب. فلا استقرار ولا انتظام لهم. ولا توافق ولا ثبات. بل يملؤهم القلق والحيرة. وكذلك يكون شأن من ينحرف عن الصراط المستقيم. ويقع في المتاهات. فيصبح يتأرجح لسيره على العمى وفي الظلمات. بدون هدى ولا اتزان (قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ) الخرص الظنون والتخمين والاوهام. وقد يشمل الكذب والافتراء (الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ ساهُونَ) فهم مغمورون بالاضاليل والاوهام كالسكران والمعتوه (ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ) هذا الذي كنتم به تستعجلون (يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ).

(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (١٥) آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ (١٦) كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ (١٧) وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (١٨) وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (١٩) وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ (٢٠) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ (٢١) وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ (٢٢) فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (٢٣))

البيان : فهذا فريق المتقين ـ مقابل كل ما سواه ـ الشديد الحساسية برقابة الله وطاعته ورقابة الله تعالى لهم وعنايته بهم في جميع احوالهم. وما اعد لهم (فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ).

(آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ) من فضله وانعامه جزاء على ما اسلفوا في الحياة الدنيا. (إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ) ويصور احسانهم صورة خاشعة ملؤها الرأفة والرحمة. (كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ) فهم

٣٧١

ايقاظ في جنح الليل والناس نيام. أم يلعبون ويعبثون. والمتقون هم المتوجهون الى خالقهم بالاستغفار والاسترحام. لا ينامون الا قليلا. يأنسون بربهم في جوف الليل. فتتجافى جنوبهم عن المضاجع. هذه حالتهم مع ربهم. واما مع الناس فهم محسنون.

(وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) يجعلون لكل محتاج نصيبا من اموالهم تطوعا الى الله تعالى وهذا غير ما اوجب عليهم من زكاة وخمس.

(وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ) وهي لفتة الى آيات الله في الارض وفي الانفس لاولى الالباب في هذا الكوكب الذي نعيش عليه معرض هائل لآيات الله وعجائب صنعته تعالى معرض لم نستجلى منه حتى اللحظة الا القليل من بدائعه. ونحن نكشف في كل يوم جديدا منه. ونطلع منه على جديد. ومثله معرض النفس الانسانية التي خفيت اسرارها على كثير من المخلوقات. وهي التي تنطوي فيها اسرار هذا الوجود كله. لا اسرار الارض وحدها اتحسب انك جرم صغير وفيك انطوى العالم الاكبر)

والنصوص القرآنية معدة للعمل في جميع الاوساط والبيئات والظروف والاحوال وكلما ارتقى الانسان في المعرفة. واتسعت مداركه وزادت معلوماته وكثرت تجارته ارتقى نصيبه وتضخم رصيده وتنوع زاده الذي يتلقاه من نصوص هذا القرآن المجيد.

(وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) وهذا المخلوق الانساني هو العجيبة الكبرى في هذه الارض ولكنه غافل عن قيمته. وعن اسراره الكامنة في كيانه. حين يغفل قلبه عن ربه ويحرم نعمة التقوى واليقين. انه عجيبة في تكوينه الجسماني في اسرار تركيبه وتنسيقه وتنظيمه وتصميمه

وتزعم انك جرم صغير

وفيك انطوى العالم الاكبر

٣٧٢

انه عجيب في اسرار نفسه. وهو عجيب في ظاهره وباطنه. وهو يمثل عناصر هذا الكون بكامله وحيثما وقف الانسان يتأمل عجائب نفسه وخفايا اسراره يندهش ويحتار في تفكيره. عجيب في تكوين اعضائه وتوزيعها .. ووظائفها وطريقة اداء هذه الوظائف. عملية الهضم والامتصاص والتوزيع. عملية التنفس والاحتراق. ودورة الدم في القلب والعروق. والجهاز الهضمي والعصبي وتركيبه وادارته للجسم بكامله. الغدد وافرازها. وعلاقتها بنمو الجسد ونشاطه وانتظامه. تناسق هذه الاجهزة كلها وتعاونها وتجاوبها الكامل الدقيق وكل عجيبة من هذه تنطوي تحتها عجائب. وفي كل عضو وكل خلية خارقة تحير اولى الالباب.

واما اسرار روحه التي يستحيل للمخلوقين اجمع ان يتوصلوا الى معرفة كنهها وطاقاتها. ومن الذي يعرف عن الروح كيف انطبعت. وأين كانت وأين هي الآن. وكم حجمها وكبرها التي تظهر آثارها بأوضح احساس وادراك. ثم اسرار هذا الجنس في توالده وتوارثه. خلية واحدة تحمل كل رصيد الجنس البشري من الخصائص. وتحمل معها خصائص الابوين والاجداد والقريبين. فأين تكمن هذه الخصائص في تلك الخلية الصغيرة. وكيف تهتدي بذاتها الى طريقها التاريخي الطويل فتمثله ادق تمثيل. وتنتهي الى اعادة هذا الكائن العجيب. وأن وقفة امام اللحظة التي يبدأ فيها الجنين حياته على الارض. وهو ينفصل عن امه ويعتمد على نفسه. بالنسبة لما كان عليه. ويؤذن لقلبه ورئتيه بالحركة. لبدء الحياة الجديدة.

ان وقفة امام هذه اللحظة وامام هذه الحركة لتدهش العقول وتحيّر الألباب. وتغمر النفس بفيض من الدهشة وفيض من الايمان ـ بخالق

٣٧٣

هذا الجنين ـ حيث لا يقف له قلب ولا وجدان.

وان وقفة أخرى امام اللحظة التي يتحرك فيها لسان الجنين لينطق بهذه الحروف والمقاطع والكلمات ثم العبارات. بل امام النطق ذاته. نطق هذا اللسان وتصويت تلك الحنجرة. انها عجيبة وعجيبة. تفقد وقعها لانها تمر بنا كثيرا. ولكن الوقوف امامها لحظة في تدبر يجدد وقعها. انها خارقة مذهلة. تنبىء عن القدرة الباهرة التي صممتها واحكمت تركيبها. قال تعالى :

(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ (١٢) ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ (١٣) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ (١٤))٢٣ س / ١٧ س.

وكل خارقة في كل جزء في حياة هذا المخلوق تقفنا امام خارقة أخرى الى ما لا نهاية لها. وكل فرد من هذا الجنس عالم وحده. ومرآة ينعكس من خلالها هذا الوجود كله في صورة خاصة. لا تتكرر ابدا على مدى الدهور. ولا نظير له بين أبناء جنسه جميعا مع اخوته الذين وجد معهم في بطن واحدة. بل في آن واحد. لا في شكله وملامحه. ولا في عقله ومداركه. ولا في روحه ومشاعره. ولا في صورة الكون كما هي في حسّه وتصوره.

ففي هذا المتحف الآلهي العجيب وجد هذا المخلوق العجيب. الذي يضم ملايين الملايين. وكل فرد نموذج بذاته وطبعه فريدة لا تتكرر. يمر من خلالها الوجود كله في صورة لا تتكرر. كما لا توجد بصمة اصابع مماثلة لبصمة اصابع اخرى في هذه الارض في جميع العصور كما قال تعالى.

(فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (٢٣))القيامة / ٤ ى

٣٧٤

وكثير من عجائب الجنس البشري مكشوفة للبصر تراه العيون.(وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ). وما وراء العيون من عجائبه يشير الى المغيب المكنون. الذي لا يعرفه الا علام الغيوب.

ان القرآن المجيد بمثل هذه اللمسة يخلق الانسان خلقا بعد خلق في ظلمات ثلاث.

وعلى هذا النحو الرفيع من التأمل والادراك يريد القرآن المجيد للناس والايمان وأن يمنح القلب البشري هذا الزاد. وهذا المتاع العلوي (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ).

وهذه أيضا لفتة عجيبة. فمع أن أسباب الرزق الظاهرة في الارض. حيث يكد فيها الانسان ويجهد. وينتظر من ورائها الرزق والنصيب. فان القرآن يرد بصر الانسان ونفسه الى السماء الى الغيب الى الله. ليتطلع هناك الى الرزق المقسوم والخط المرسوم.

والقلب المؤمن يدرك هذه اللفتة على حقيقتها. ويفهمها على وضعها. ويعرف أن المقصود بها ليس هو اهمال الارض واسبابها. فهو مكلف بالخلافة فيها وتعميرها. انما المقصود هو الا تعلق نفسه بها. والا يغفل عن الله في عمارتها ليعمل في الارض وهو يتطلع الى السماء .. وليأخذ بالاسباب وهو يستيقن انها ليست هي التي ترزقه. فرزقه مقدر عند خالقه لا غير. وما وعد الله تعالى لا بد أن يكون. بذلك ينطلق قلبه من اثار الاسباب الظاهرة في الارض بل يتعلق قلبه دائما بما عند خالقه العظيم بشرط هو لا يقصّر في ما أمر مولاه من طلب العمل. وحينئذ يرى في الاسباب آيات تدله على خالق الاسباب. ويعيش موصولا قلبه به دائما. وقدماه ثابتتان في الارض وقلبه في السماء عند خالق السماء والارض.

٣٧٥

هكذا يريد الله عزوجل من عبده ان يبقى اعتماده عليه بدون أن يتعلق قلبه بسواه. (أَلَيْسَ اللهُ بِكافٍ عَبْدَهُ) والايمان هو الوسيلة لتحقيق ذلك الوضع الذي يكون فيه. الانسان في أفضل حالاته. لانه يبقى على فطرته التي فطره خالقه عليها عند ما فطره.

(فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) وكونهم ينطقون حقيقة بين أيديهم يستحيل انكارها اوالجدال في وجودها. وكذلك ما كفله الله تعالى لعبده المطيع من الرزق والحراسة في كل من يخافه ويخشاه. وهل للسعادة وجه غير هذا يا أولي الالباب.

(هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (٢٤) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (٢٥) فَراغَ إِلى أَهْلِهِ فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (٢٦) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قالَ أَلا تَأْكُلُونَ (٢٧) فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (٢٨) فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَها وَقالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (٢٩) قالُوا كَذلِكَ قالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (٣٠) قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (٣١) قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (٣٢) لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ (٣٣) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ (٣٤) فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٣٥) فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٣٦) وَتَرَكْنا فِيها آيَةً لِلَّذِينَ يَخافُونَ الْعَذابَ الْأَلِيمَ (٣٧))

البيان. انها آية او آيات في تاريخ الرسالات. كتلك الآيات التي أشار اليها في الارض والانفس وانه وعد تحقق من تلك الوعود. ويبدأ الحديث عن ابراهيم (ع) بالسؤال. تنويها بهذا الحديث. ويبدو كرم ابراهيم. وسخاؤه. وبشّروه بغلام عليم. وقد سمعت امرأته البشرى فتعجبت من هذه البشرى بعد أن كانت تعرف نفسها انها عجوز عقيم. كيف يمكن تحقيق هذه البشرى. ولكن هذا بالنسبة الى العادة المألوفة. أما بالنسبة الى ما يرجع الى الارادة الالهية فلا عسر ولا صعوبة عليها. فمهما أراد أن يكون ولو كان من أصعب الصعوبات فهو هين يسير. فقالوا لها :

٣٧٦

(كَذلِكَ قالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ) وكل شيء يكون اذا اراده الخالق العظيم القوي القدير.

(قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ) وهذه الحجارة الطينية المعدة للمسرفين هي كثيرة لدى خالقها في كل حين. (فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) لننجيهم من العذاب الاليم.

(فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) فكانوا من الناجين الا امرأته كانت من المجرمين.

(وَتَرَكْنا فِيها آيَةً لِلَّذِينَ يَخافُونَ الْعَذابَ الْأَلِيمَ) وهم الذين يستعملون عقولهم لفهم الحقائق مقابل الاخرون المطموسون الذين لا ينظرون الا ما يوافق هواهم وشهواتهم لا غير.

(وَتَرَكْنا فِيها آيَةً لِلَّذِينَ يَخافُونَ الْعَذابَ الْأَلِيمَ (٣٧) وَفِي مُوسى إِذْ أَرْسَلْناهُ إِلى فِرْعَوْنَ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (٣٨) فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقالَ ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (٣٩) فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ (٤٠) وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (٤١) ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (٤٢) وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ (٤٣) فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (٤٤) فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ وَما كانُوا مُنْتَصِرِينَ (٤٥) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (٤٦))

البيان : السلطان المبين الذي أرسل الله تعالى به موسى (ع) الى فرعون. هو الحجة القوية والبرهان الساطع. والهيبة الجليلة التي خلعها عليه. وهو معهما يسمع ويرى. ولكن فرعون تولّى وقال عن رسول الله : ساحر او مجنون. (فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ) فدمرناهم أجمعين.

(وَفِي عادٍ) وسميت الريح عقيما لانها لم تكن تحمل ماء ولا حياة كما توقعوا فدمرتهم أجمعين.

(وَفِي ثَمُودَ) قد تعني امهالهم ثلاثة ايام بعد عقرهم للناقة (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ).

٣٧٧

(وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (٤٧) وَالْأَرْضَ فَرَشْناها فَنِعْمَ الْماهِدُونَ (٤٨) وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٤٩) فَفِرُّوا إِلَى اللهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥٠) وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥١) كَذلِكَ ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (٥٢) أَتَواصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ (٥٣) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ (٥٤) وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (٥٥) وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ (٥٦) ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (٥٧) إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (٥٨) فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ فَلا يَسْتَعْجِلُونِ (٥٩) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٦٠))

البيان : الايد. القوة. والقوة أوضح ما ينبىء عنه بناء هذا الكون الهائل المتناسق بأي مدلول من مدلولات كلمة السماء. والسعة ايضا ظاهرة واضحة. فهذه النجوم ذات الاحجام الهائلة. والتي تعد بالملايين. ومثلها الاشارة الاخرى الى الارض.

(وَالْأَرْضَ فَرَشْناها فَنِعْمَ الْماهِدُونَ) فقد أعد الله هذه الارض لتكون محضنا ميسرا وكل شيء فيها ممهد مقدر بدقة وكفاءة. (ومن كل شيء خلقنا زوجين اثنين لعلكم تذكرون).

وهذه حقيقة عجيبة تكشف عن قاعدة الخلق في هذه الارض. يعرف العالم بأجمعه عن هذه الزوجية شيئا. أو كان غير مستطاع له في ذلك المعرفة لانه يتوقف على جهاز لم يكن له أثر في ذلك الوقت الذي أخبر عن هذه الزوجية المتأصلة في كل مخلوق.

وحين تتذكر أن هذا النص ذكره القرآن منذ (١٤) قرنا قبل أن يعرف العالم بأجمعه عن هذه الزوجية. أو كان غير مستطاع له في ذلك المعرفة لانه يتوقف على جهاز لم يكن له أثر في ذلك الوقت الذي أخبر عن هذه الزوجية المتأصلة في كل مخلوق.

(فَفِرُّوا إِلَى اللهِ) والتعبير بلفظ الفرار عجيب حقا وهو يوحي

٣٧٨

الاثقال والقيود. والاغلال التي تشد النفس البشرية الى هذه الارض. وتثقلها عن الانطلاق. وبخاصة ارهاق الرزق والحرص. ومن ثم يجيء الهتاف قويا بقوله تعالى (فَفِرُّوا إِلَى اللهِ) من هذه الاثقال والقيود. وليكن الفرار الى الله تعالى وحده منزها عن كل شريك له في ذلك وتذكير الناس بانقطاع الحجة وسقوط العذر. (إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ).

(كَذلِكَ ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) فهي جبلة واحدة. وطبيعة واحدة للمكذبين. وهو استقبال واحد للحق وللرسل. يستقبلهم به المترفون. كما يقول هؤلاء المشركون. كأنما تواصوا بهذا الاستقبال على مدار القرون. وما تواصوا به.

(وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وان هذا النص الصغير ليحتوي حقيقة ضخمة هائلة. من أضخم الحقائق الكونية التي لا تستقيم حياة البشر في الارض بدون ادراكها واستدامتها. سواء كانت حياة فرد. أم حياة جماعة. أم حياة الاحياء كلها. في جميع أدوارها وأعصارها.

وانه ليفتح جوانب وزوايا متعددة من المعاني والمرامي تندرج كلها تحت هذه الحقيقة الانسانية كلها. في جميع أدوارها التي تعد حجر الاساس الذي تقوم عليه الحياة.

وأول جانب من جوانب هذه الحقيقة ان هنالك غاية معينة لوجود الجن والانس وهي غاية تكامله الانساني وارتفاعه في مدارج المعالي الروحي الذي يستحيل حصوله الا من جهة عبادته واطاعته لخالقه. فهي غذاؤه الروحي وجناحه التكاملي الذي به يستطيع أن يرتفع عن مصّاف

٣٧٩

الحيوانات العجماوية. ويلتحق بالملائكة القدسية والمعالي الربانية.

ومن ثم يتجلّى ان معنى العبادة. التي هي غاية الوجود الانساني ، أو التي هي وظيفة الانسان الاولى. أوسع وأشمل من مجرد الشعائر. العبادية. وان وظيفة الخلافة داخلة في مدلول هذه العبادة. وان حقيقة العبادة تتمثل اذن في أمرين رئيسيين :

الاول : هو استقرار معنى العبودية لله في النفس. أي استقرار الشعور على أن هناك عبدا. وربا. عبدا يعبد. وان ليس وراء ذلك شيء آخر.

الثاني : هو ان هذا الرب العظيم هو الذي يتكفل بكل ما يحتاج اليه هذا العبد. أما مباشرة واما بتهيئة أسبابه التي يستطاع للعبد الوصول اليها والقيام بها. كما يتكفّل هذا المولى بحراسة هذا العبد من كل ما يخافه ويخشاه. بعد قيام العبد بما أقدره الله عليه وأمره به. والتوجه اليه بكل حركة وسكون. خارجية أو داخلية. والتوجه اليه خاصة. والتجرد من كل شعور آخر. ومن كل معنى غير معنى التعبد والطاعة لهذا المولى العظيم وهنا السعادة العظمى.

وبهذا تظهر نتيجة العبادة لله والطاعة. فبالعبادة تكامل الانسان. وبالطاعة تحصل الكفاية. والشفاية والحماية من كل ما يخافه ويخشاه ذلك العبد المطيع.

وكلا من التكامل والسعادة ـ التي هي الامان من نوائب الزمان ـ يستحيل حصولهما الا بالطاعة لله عزوجل باخلاص والعبادة له دون سواه. ومن هنا يظهر جليا معنى قوله :

(وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) فلذا نرى ان الذين انحرفوا عن طاعة الله وعبادته يعيشون عيشة شقاء ويتخبطون تخبط

٣٨٠