حاشية الكفاية

المؤلف:

آية الله السيد محمد حسين الطباطبائي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: بنياد علمى وفكرى علامه طباطبائى با همكارى نمايشگاه و نشر كتاب
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣١٠

المحكوم لا إثبات حكم في مورده فربما أثبت نفس الدليل حكما كما في مورد أدلة الأمارات فلها حكم غير رفع موضوع الأصول كالحجية وربما لم يثبت شيئا بل لو ثبت حكم فإنما يثبت بدليل آخر كما في موارد أدلة نفى العسر والحرج فإنها إنما ترفع الحرمة الحرجية فقط وأما إثبات الجواز فبدليل آخر وبذلك يظهر ان إطلاق كلام الشيخ قده في المقام في غير محله.

ويتفرع على هذا فرق آخر بين الحكومة والورود وهو ان من الجائز أن يتقدم الدليل المحكوم على الحاكم بتخصيصه أو تقييده مع حفظ الحكومة اقتضاء إذ من الجائز أن يكون المقصود من جعل الحاكم إثبات حكم في مورده ويلزمه رفع موضوع دليل آخر بحيث لا يبقى له مورد فيوجب اللغوية فيتقدم الدليل المحكوم على الحاكم ح دفعا لمحذور لغوية الجعل كما أن الاستصحاب رافع لموضوع قاعدة التجاوز في جميع مواردها على ما مر ثم تقدم القاعدة عليه فتجري هي دونه.

ومن هنا يظهر أيضا : ان الدليل الحاكم يجب أن يكون أخص من المحكوم دلالة أما أخص مطلقا أو من وجه إذ لو كان أعم مطلقا أو مساويا استلزم لغوية في ناحية الدليل المحكوم مع فرض تأثير الحكومة وهو ظاهر.

ومن آثاره ان الدليل الحاكم يتصرف في المراد الجدي من الدليل المحكوم كالتخصيص من غير أن يتصرف في المراد الاستعمالي منه فيصير مجازا وهذا بخلاف الورود فان الدليل الوارد لا يتصرف لا في المراد الجدي من المورود عليه ولا في المراد الاستعمالي منه.

٢٨١

قوله أو كانا على نحو إذا عرضا إلخ :

يريد بهذا القسم والَّذي يليه بيان حقيقة الورود وأنه كون الدليلين بحيث إذا عرضا على العرف وفق بينهما بجعل أحدهما قرينة على التصرف في الاخر أو جعل كليهما قرينة على التصرف في كليهما أو في أحدهما المعين.

وفيه أولا ان هذا لا يلائم ما صرح به كرارا ان الورود رفع أحد الدليلين موضوع الاخر فان ذلك وصف لا حق لذات المدلول لا من حيث جهة الدلالة فلا معنى لإرجاع الأمر إلى العرف وانتظار توفيقه إذ العرف لا شأن له إلا تشخيص المفاهيم دون تشخيص اقتضاءات أقسام الجعل.

وثانيا ان هذا القسم من الورود وهو توفيق العرف بينهما بالتصرف في أحدهما ان كان لجعله الاخر قرينة على هذا التصرف فيكون توفيقه لجعله أحدهما قرينة على التصرف في الاخر فيتحد مع النسبة بين الظاهر والأظهر على ما سيجيء من قوله ولا تعارض أيضا إذا كان أحدهما قرينة على التصرف في الاخر اه وإن كان التوفيق غير متكئ على القرينة كان فهما من غير دلالة وهو ظاهر الفساد.

وثالثا ان الشق الأول من القسم الثاني وهو توفيق العرف بجعل كليهما قرينة على التصرف في كليهما لا مصداق له خارجا فان لازمه الورود من الجانبين أو ورود المجموع على المجموع ولا مصداق له هذا كله مع ما في العبارة من الاختلال فان ظاهر قوله أو بالتصرف

٢٨٢

فيهما فيكون اه أن يكون التصرف في المجموع موجبا لكون المجموع قرينة على التصرف في المجموع ولا معنى محصل له وكذا لفظ الاخر في قوله ولو كان الاخر أظهراه زائد مستدرك كأنه من سهو القلم.

قوله إلا بما أشرنا سابقا ولاحقا اه :

قد عرفت ما فيه فلا نعيد.

قوله وأما بناء على حجيتها من باب السببية اه :

وأما على ما قدمناه من معنى جعل الحجية في الأمارات فهو وإن كان المتوسط بين الطريقية والسببية من جعل الحكم الظاهري في مورد الأمارة مع كون ملاكه هو ملاك الحكم الواقعي لكن الأصل فيه أيضا السقوط ببيان نظير بيان السببية فان الملاك حيث كان هو الملاك الواقعي بعينه فجهة الحكاية والإيصال ملحوظة في الأمارة ولا ملاك مع العلم بكذب الحالي.

قوله منها ما دل على التخيير على الإطلاق اه :

أقول أما رواية ابن جهم فصدرها مشتمل على ذكر موافقة الكتاب والسنة وهكذا عن الحسن بن جهم أنه قال قلت للرضا عليه السلام تجيئنا الأحاديث عنكم مختلفة قال ما جاءك عنا فقسه على كتاب اللَّه عز وجهل وأحاديثنا فإن كان يشبهها فهو منا وإن لم يكن يشبهها فليس منا قلت يجيئنا الرجلان وكلاهما ثقة بحديثين مختلفين فلا نعلم أيهما الحق فقال إذا لم تعلم

٢٨٣

فموسع عليك بأيهما أخذت وأما رواية الحرث بن المغيرة فهي أقرب إلى نفى احتمال الخلاف عن خبر الواحد وحجيته منها إلى التخيير الابتدائي نعم رواية علي بن مهزيار لا غبار عليها.

قوله ومنها ما دل على التوقف مطلقا اه :

كما في السرائر عن محمد بن عيسى قال أقرأني داود بن فرقد الفارسي كتابه إلى أبي الحسن الثالث وجوابه بخطه فقال نسألك عن العلم المنقول إلينا عن آبائك وأجدادك قد اختلفوا علينا فيه كيف العمل به على اختلافه والرد إليك فقد اختلف فيه فكتب وقرأته ما علمتم أنه قولنا فالزموه وما لم تعلموا فردوه إلينا.

أقول وفي معناه غيره.

قوله ومنها ما دل على ما هو الحائط اه :

كروايات الوقوف عند الشبهات وإن كان ورودها في ضمن اخبار آخر كمقبولة ابن حنظلة وغيرها ربما أوجب تفسيرها أو تقييدها.

قوله ومنها ما دل على الترجيح إلخ :

مثل مقبولة عمر بن حنظلة المروية في الجوامع الثلث وغيرها عنه قال سئلت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن رجلين من أصحابنا يكون بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما إلى السلطان أو إلى القضاة أيحل ذلك قال عليه السلام من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنما تحاكم إلى الطاغوت وما يحكم له فإنما يأخذه سحتا وإن كان حقه ثابتا لأنه أخذ بحكم الطاغوت ومن أمر

٢٨٤

اللَّه أن يكفر به قال اللَّه عز وجل يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به قلت فكيف يصنعان وقد اختلفا قال عليه السلام ينظران إلى من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكما فإني قد جعلته عليكم حاكما فإذا حكم بحكم فلم يقبل منه فإنما بحكم اللَّه استخف وعلينا رد والراد علينا راد على اللَّه وهو على حد الشرك بالله قلت فإن كان كل واحد منهما اختار رجلا من أصحابنا فرضيا أن يكونا الناظرين في حقهما فاختلفا فيما حكما وكلاهما اختلفا في حديثكم قال الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما ولا يلتفت إلى ما يحكم به الاخر قلت فإنهما عدلان مرضيان عند أصحابنا لا يفضل واحد منهما على الاخر قال ينظر إلى ما كان من روايتهما عنا في ذلك الَّذي حكما به المجمع عليه بين أصحابك فيؤخذ به من حكمها ويترك الشاذ الَّذي ليس بمشهور عند أصحابك فان المجمع عليه لا ريب فيه وإنما الأمور ثلاثة أمر بين رشده فيتبع وأمر بين غيه فيجتنب وأمر مشكل يرد حكمه إلى اللَّه قال رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وآله : حلال بين وحرام بين وشبهات بين ذلك فمن ترك الشبهات نجا من المحرمات ومن أخذ بالشبهات وقع في المحرمات وهلك من حيث لا يعلم قال قلت فإن كان الخبران عنكم مشهورين قد رواهما الثقات عنكم قال ينظر ما وافق حكمه حكم الكتاب السنة وخالف العامة فيؤخذ به ويترك ما خالف الكتاب والسنة ووافق

٢٨٥

العامة قلت جعلت فداك أرأيت ان كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب والسنة فوجدنا أحد الخبرين موافقا للعامة والأخرى مخالفا بأي الخبرين يؤخذ قال ما خالف العامة ففيه الرشاد قلت جعلت فداك فان وافقهم الخبران جميعا قال انظروا إلى ما يميل إليه حكامهم وقضاتهم فاتركوه جانبا وخذوا بغيره قلت فان وافق حكامهم الخبرين جميعا قال إذا كان كذلك فأرجه وقف عنده حتى تلقى إمامك فان الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات واللَّه المرشد.

وخبر غوالي اللئالي عن العلامة مرفوعا إلى زرارة قال سئلت أبا جعفر عليه السلام فقلت جعلت فداك يأتي عنكم الخبران والحديثان المتعارضان فبأيهما آخذ فقال عليه السلام يا زرارة خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذ النادر فقلت يا سيدي أنهما معا مشهوران مأثوران عنكم فقال خذ بما يقول أعدلهما عندك وأوثقهما في نفسك فقلت انهما معا عدلان مرضيان موثقان فقال انظر ما وافق منهما العامة فاتركه وخذ بما خالف فان الحق فيما خالفهم فقلت ربما كانا موافقين لهم أو مخالفين فكيف اصنع قال إذن فخذ بما فيه الحائطة لدينك واترك الاخر قلت فإنهما مما موافقان للاحتياط أو مخالفان له فكيف اصنع قال إذن فتخير أحدهما وتأخذ به ودع الاخر.

أقول وهاهنا عدة اخبار آخر يدل بظاهرها على الترجيح غير أنها مختلفة في عد المرجحات فبعضها قد اقتصر على ذكر موافقة القوم و

٢٨٦

مخالفتهم فقط أو على موافقة الكتاب والسنة ومخالفتها أو اقتصر على موافقة الكتاب والسنة ومخالفتها وموافقة العامة ومخالفتهم وبعضها جمع بين الموافقة والمخالفة الكتاب والسنة وللعامة والشهرة والشذوذ ولم يرد على ذلك.

قوله فالتحقيق أن يقال اه :

والَّذي ينبغي أن يقال إن المقبولة لا إشكال ان مورد صدرها حجية حكم الحاكم في رفع المخاصمة والمعتبر فيه أمران النّظر وإن يكون النّظر في حديثهم وأثره جعل حكمه حكم الإمام عليه السلام.

ثم قوله قلت فإن كان كل واحد منهما يختار رجلا من أصحابنا اه بعد الفرض السابق من غير تعرض لوصف جديد فيهما يدل على كون كل منهما ذا نظر واجتهاد في حديثهم.

ثم قوله فاختلفا فيما حكما وكلاهما اختلفا في حديثكم اه يدل على كون منشأ الاختلاف هو الاختلاف في مدركي حكميهما وإن التعارض هناك لا بين النظرين ولو في رواية واحدة.

ثم قوله قال الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما إلخ حيث أناط الترجيح بالحكم والمرجوحية به من غير تعرض للرواية يدل على أنه ترجيح بين الحكمين بالذات وإن استلزم ذلك ترجيح رواية الحكم الراجح بوجه لكنه للحكم بالذات ومن المعلوم ان الحكم والإفتاء إنما جعلت حجة لكشفه عن حكم الإمام واقعا وكشفه عن الواقع بالنسبة

٢٨٧

إلى المتحاكم والمستفتي يتقوم بكون مدركه وهو الحديث صادقا حتى لا يكذب وخبرة الحاكم المستنبط حتى لا يتخبط وعدالة الحاكم حتى لا يكذب ولا يضل المستفتى والمتحاكم واحتياطه وورعه في جميع ذلك فالعدالة والفقاهة والصدق في الحديث مقومات للحكم والفتوى وترجيح الحكم إنما هو بمزيته بهذه المقومات فهذه مزايا ترجيح الحكم على الحكم غير مربوطة بترجيح الروايتين المتعارضتين.

ثم قوله قلت فإنهما عدلان مرضيان إلى قوله قال ينظر إلى ما كان من روايتهم إلخ شروع في علاج التعارض بين الروايتين من حيث هما روايتان من غير نظر إلى النّظر والاجتهاد منهما.

وقوله المجمع عليه بين أصحابك فيؤخذ به اه ظاهره ترجيح الحجة على الحجة لا تمييز الحجة عن اللاحجة لكن تعليله بقوله فان المجمع عليه لا ريب فيه اه يدل على أن ترجيح المشهور إنما هو لكونه لا ريب فيه لا لأنه لا ريب فيه تعبدا بمعنى جعله حجة كيف ما كان ولا لكونه لا ريب فيه لذاته عقلا بحيث لا يختلف وصفه إذ لا يلائمه الفقرة اللاحقة من فرض مشهورين وبيان علاجهما بل لأنه لا ريب فيه بالقياس إلى الشاذ الَّذي في قباله ففيه الريب أي ان مقابلته مع المشهور يجعله ذا ريب فيسقط عن الحجية فالكلام بالحقيقة مسوق لإسقاطه عن الحجية لا لإعطاء مزية للمشهور ويشهد بذلك قوله وإنما الأمور ثلاثة إلخ وتمسكه بقول رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فالترجيح من باب تمييز الحجة عن اللاحجة لا ترجيح

٢٨٨

الحجة على الحجة.

ثم قوله قلت فإن كان الخبر ان عنكم مشهورين إلى قوله قال ينظر إلى ما وافق حكمه حكم الكتاب والسنة وخالف العامة فيؤخذ به اه كذلك لا يزيد على تمييز ما لا ريب فيه عما فيه الريب ويشهد به قوله بعده قلت جعلت فداك إلى قوله ما خالف العامة ففيه الرشاد اه فان الجمع بين المرجحين المميزين كأنه أوهم السائل ان مخالفة العامة غير مؤثرة في ذلك أما موافقة الكتاب والسنة ومخالفتهما فلم يكن ريب في تأثيرهما في أصل الحجية عقلا فان الأحكام المتفرعة على أصل إذا خالفته لم يعتن بها وبحجيتها العقلاء قطعا.

على أن المنع عن الأخذ بخصوص مخالف الكتاب والسنة مما اتفق على روايته الفريقان عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وتكاثرت الرواية به عن أئمة أهل البيت عليهم السلام.

وأما موافقة القوم فقد يشك في حاله فقوله ما خالف العامة ففيه الرشاد اه بيان لكونه وحده مرجحا وقد أخذ فيه وصف الرشاد بنحو قصر الافراد أو التعيين فيكون المطلوب نفى الرشاد عن الموافق للعامة وإثبات الريب فيه كما يشهد به أيضا قوله في آخر الكلام فان الوقوف عند الشبهات خير اه.

على أنه مما لا يساعد عليه بناء العقلاء في أموراتهم فان الاخبار إنما تؤخذ من النقلة عندهم إذا لم يحرز دستهم وإلا فلا وثوق ولا عمل

٢٨٩

ويطابقه مرفوعة الأرجاني قال الراوي قال لي أبو عبد اللَّه عليه السلام أتدري لم أمرتم بالأخذ بخلاف ما تقول العامة فقلت لا ندري فقال ان عليا عليه السلام لم يكن يدين اللَّه بدين إلا خالف عليه الأمة إلى غيره إرادة لإبطال أمره وكانوا يسألون أمير المؤمنين عليه السلام عن الشيء لا يعلمونه فإذا أفتاهم جعلوا له ضدا من عندهم جعلوا له ضدا ليلبسوا على الناس (الحديث) ونظير ذلك منقول في حق بعض الأئمة غيره عليه السلام وهذا ربما صدر عن القوم احتياطا في الدين بزعمهم لعدهم الشيعة وأئمتهم مبتدعين ومخالفتهم اجتنابا عن طريقة المبتدع هذا.

وأضف إلى ذلك وجود التقية في الصدر الأول على أشد ما يكون.

فقد تبين ان اعتباره عليه السّلام هذه الأوصاف الثلث أعني الشهرة والشذوذ وموافقة الكتاب والسنة ومخالفتهما ومخالفة العامة وموافقتهم من جهة تأثيرها في حجية الخبر بالتقديم لا إيجادها مزية في أحد الخبرين.

ويظهر بذلك ان لا تنافي بين هذا الخبر وبين ساير اخبار العلاج حيث اشتمل بعضها على الشهرة والشذوذ فقط وبعضها على موافقة الكتاب ومخالفته فقط وبعضها على مخالفة العامة وموافقتهم فقط وبعضها على أزيد من واحد منها وبعضها على الاختلاف في الترتيب إذ الواحد والجميع من هذه المزايا الثلث مشتركة في تقديم الحجية عقلا من غير تعبد أصلا فالرواية واردة مورد الإمضاء إرشادا إلى ما بنى عليه العقلاء في المقام

٢٩٠

من إسقاط الرجوع عن الحجية رأسا والتوقف.

وقوله عليه السلام إذا كان ذلك فأرجه حتى تلقى إمامك اه يوافق ذلك إذ من المعلوم ان نفس لقاء الإمام من حيث أنه لقاء غير رافع للشبهة وإنما الرافع بيانه عليه السلام لا نفسه المقدسة ولا بيانه الشفاهي بل مطلق البيان الوارد عنهم عليهم السلام ولو بالنقل.

على أن عدة من اخبار الباب بحسب المساق يشعر به بل يدل عليه كما رواه الكشي عن المفضل قال : سمعت أبا عبد اللَّه عليه السلام يوما ودخل عليه الفيض بن المختار فذكر له آية من كتاب اللَّه فأولها أبو عبد اللَّه فقال له الفيض جعلني اللَّه فداك ما هذا الاختلاف الَّذي بين شيعتكم قال وأي الاختلاف يا فيض فقال له الفيض أنى لأجلس في حلقهم بالكوفة فأكاد ان أشك في اختلافهم في حديثهم حتى ارجع إلى المفضل بن عمر فيوقفني من ذلك على ما تستريح إليه نفسي وتطمئن إليه قلبي فقال أبو عبد اللَّه أجل هو كما ذكرت (الحديث) وفي عدة منها الإرجاع في رفع الشبهة إلى مثل زرارة ومحمد بن مسلم وأبي بصير وزكريا بن آدم ونظرائهم.

وفي بعضها تفسير معنى رد الحديث إلى اللَّه ورسوله بإرجاعه إلى الكتاب والسنة ففي النهج في عهد علي عليه السلام للأشتر : والرد إلى اللَّه الأخذ بمحكم كتابه والرد إلى الرسول صلى الله عليه وآله الأخذ بسنته الجامعة غير المفرقة «وفي تفسير العياشي عن الحسن بن الجهم عن العبد الصالح عليه السلام قال إذا جاءك الحديثان المختلفان فقسهما على كتاب اللَّه وعلى أحاديثنا فان

٢٩١

أشبهها فهو حق وإن لم يشبهها فهو باطل.

وفي الكافي عن أبي حيون مولى الرضا عليه السلام ان في أخبارنا محكما كمحكم القرآن ومتشابها كمتشابه القرآن فردوا متشابهها إلى محكمها ولا تتبعوا متشابهها دون محكمها فتضلوا (الحديث) وبالجملة الإرجاء والتوقف والرد إلى اللَّه ورسوله وإلى الإمام غير التسليم بل هو عرض الشبهة على ما ترتفع به الشبهة ولا يتفاوت فيه البيان الشفاهي والبيان النقليّ فلا وجه لدعوى ان المقبولة مختصة بزمان الحضور لا الأعم.

وبذلك يظهر ان لا تعارض بين هذا الخبر وما يوافقه عن اخبار التوقف وبين الأخبار الدالة على التخيير الابتدائي فان التخيير راجع إلى مرتبة العمل بخلاف التوقف فإنه ناظر إلى مرحلة العلم والتصديق ولذا ربما لم يناف التوقف الاجتماع مع ساير المراتب كما في رواية الاحتجاج عن سماعة قال قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام يرد علينا حديثان واحد يأمرنا بالأخذ به والآخر ينهانا قال لا تعمل بواحد منهما حتى تلقى صاحبك فتسأل عنه قلت لا بد ان نعمل بواحد منهما قال خذ بما خالف العامة (الحديث) فالاخبار لا تنافي ما بنى عليه العقلاء من التوقف علما والتخيير عملا.

وأما اخبار الاحتياط فلسانها لا يقضى بأزيد من حسن الاحتياط المطلق في جميع الموارد من غير اشعار بكونه من أسباب العلاج.

وأما مرفوعة زرارة فإن كان المراد فيها بترجيح المشهور على

٢٩٢

المشهور بالأعدلية والأوثقية التميز في مورد يجعل أحد المشهورين الاخر ذا ريب فيسقط عن الحجية كانت موافقة للمقبولة وإلا فهي رواية شاذة تبطل نفسها نفسها فتبين من جميع ما مر ان لا تعارض بين اخبار الباب أصلا وأنها متفق في معنى واحد من غير تعارض وهو الإرشاد إلى ما بنى عليه العقلاء في تعارض الخبرين بينهم من التوقف في مقام الحكم والتخيير في مقام العمل.

قوله كما هو موردهما اه :

كون مورد المرفوعة هو التخاصم والتنازع فيه خفاء.

قوله لاختصاصها بزمان :

التمكن من لقائه اه فيه ما مر نعم هي مختصة بصورة احتمال الوصول إلى بيانه عليه السلام أعم من الشفاه والنقل ولذا ما ارجع إلى التخيير بعد فقد الترجيح لا لما ذكره المصنف ره.

قوله لكفاية إرادة المختار اه :

ليس المراد به ان الإرادة مرجحة بذاتها كما قيل بل إن الإرادة لا تخلو من مرجح علمي في ظرفها وليس من اللازم مطابقته لمرجح الخبر وهو ظاهر فمن الممكن ان تتعلق الإرادة بفعل المرجوح مستندة إلى مرجح آخر غير ما في الخبر ودعوى ان لا مرجح للفعل إلا ذلك مجازفة

قوله ولا يخفى ما في الاستدلال بها إلخ :

قد عرفت فيما مر ضعف هذه المناقشات فارجع نعم اشتمال الروايات

٢٩٣

على مثل الأعدلية والأورعية مما يوهن أصل الاستدلال.

قوله مع ما في عدم بيان الإمام الكلية :

هذا وارد على أصل القول بالمرجحات فهو مشترك الورود بين من يرى التعدي عن المرجحات المنصوصة ومن يرى الاقتصار عليها.

قوله وما في أمره عليه السلام بالإرجاء :

إذ لو كان ترجيح بغير المرجحات المنصوصة كان عليه عليه السلام بيانه قبل ذكر الإرجاء فهو مدفوع بالإطلاق. وفيه ان المرجحات الراجعة إلى كاشفية الرواية جميعها راجعة إلى الصدق والوثوق وقد ذكرهما وأما نحو الشهرة الفتوائية والأولية الظنية فالأوّل غير محقق المصداق في زمان الحضور والثاني غير مؤثر لعدم حجية الظن.

قوله بل إلى كل مزية اه :

هذا إنما يتم لو كان للتعدي وجه غير كون ملاك الترجيح قوة دليلية الدليل وكاشفيته.

قوله بملاحظة التحير في الحال اه :

لو كان التنافي الابتدائي موجبا لشمول الرواية للظاهر والأظهر كان موجبا لشمولها لمورد الورود والحكومة أيضا والجواب الجواب.

قوله أو للتحير في الحكم واقعا اه :

يدفعه عدم التعرض في الجواب لهذه الجهة أصلا وبذلك يدفع الاعتراض التالي أيضا.

٢٩٤

قوله بخلاف العكس إلى قوله بوجه دائر اه :

الدور معي غير حقيقي على ما عرفت نظيره في تقديم الأمارة على الأصل في آخر الاستصحاب والكلام هاهنا نظير الكلام هناك.

قوله يشكل الأمر في تخصيص الكتاب إلخ :

قد عرفت في مبحث القطع ان العلم شأنه التنجيز وإن كل ما يتعلق بالتكليف ويتم به أمره فهو راجع إلى مرتبة الفعلية يجب تحققه قبله وإلا لم يتحقق فعلية التكليف وعلى هذا فلو فرض مقارنة إظهار تكليف ما بمفسدة ملزمة أو إخفائه بمصلحة ملزمة كان لازمه عدم بلوغ التكليف قبل انقضاء المانع إلى مرتبة الفعلية هذا.

والَّذي ينبغي أن يقال في المقام ان الأدلة متراكمة على إكمال الدين قبل رحلة النبي صلى الله عليه وآله ولازمه اشتمال الكتاب والسنة على كل حكم شرعي وما يحتاج إليه ذلك من البيان ثم اختفاء بعض ذلك بعد رحلة النبي صلى الله عليه وآله إنما هو لأمور خارجة غير راجعة إلى ناحية الشارع ومن الثابت المقرر في محله أيضا ان الإمام وظيفته بيان الأحكام دون التشريع وعلى هذا فلا يكون تأخر التخصيص الواقع في كلام الإمام عن عمومات الكتاب والسنة من قبيل تأخر البيان عن وقت الحاجة بل من قبيل البيان لما خفي من الدين لأسباب خارجية وعلل اتفاقية فلا إشكال من رأس.

فان قلت إن الأصحاب يعاملون مع كلمات الأئمة معاملة الكلام المشرع دون الكلام الحاكي عن التشريع كما تراهم يستفيدون

٢٩٥

خصوصيات الجعل من خصوصيات ألفاظ الرواية.

قلت لا يدل ذلك على أزيد من دعوى الاتحاد والمطابقة بين الحاكي والمحكي والتفسير والمفسر.

فان قلت إن عدة من الروايات يدل على ذلك كما استدل في بعضها على ذلك بقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا أطيعوا اللَّه وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم (الآية) وغير ذلك.

قلت لا يدل ذلك على أزيد من افتراض طاعة الإمام فيما يقول كالرسول وأما ان وجهه ثبوت مقام التشريع في حقهم أو حق الحفظ والبيان فلا دلالة فيها على ذلك لو لم يدل التمسك بالآية على الثاني على أنها اخبار آحاد معارضة بأخرى ولا يركن إليها في أصول المعارف الدينية وهو ظاهر.

ويتبين بذلك كله ان لا معنى لنسخ الكتاب بالروايات الواردة عن الأئمة عليهم السلام.

وأما نسخ الكتاب بالسنة النبوية فهو وإن كان جائزا بالنظر إلى مثل قوله تعالى ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا. (الآية) حيث يقضى بكون حكمه صلى الله عليه وآله حكمه تعالى فجواز نسخ الكتاب بالكتاب يقضى بجواز نسخ الكتاب بالسنة لكن الخبر المتفق على نقله بين الفريقين عن النبي صلى الله عليه وآله في نفى صدور ما يخالف الكتاب عنه صلَّى اللَّه عليه وآله يدل على نفى نسخ الكتاب بالسنة بلا ريب وهو

٢٩٦

الظاهر من مثل قوله تعالى وأنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد (الآية) إذا طلاقه يشمل إتيان الباطل من غير القرآن إليه سواء كان من غير اللَّه سبحانه أو من جانبه تعالى بغير القرآن كالحديث القدسي والسنة النبوية أو كتاب آخر ينزل بعد القرآن فينسخه وأما النسخ لبعضه ببعضه الاخر فلا يكون من قبيل إتيان الباطل بل تحديد البعض للبعض ومثله قوله تعالى إنا أنزلنا عليك القرآن تبيانا لكل شيء (الآية) فتبين ان القرآن لا ينسخ بغيره مطلقا.

قوله ولأجله لا بأس بالالتزام بالنسخ بمعنى اه :

وهذا بالحقيقة يرجع إلى الاصطلاح بتسمية تقييد كل إطلاق استمراري بالنسخ وإن لم يشتمل على حكم فعلى ثابت حدوثا فيرجع النزاع لفظيا ومن الممكن ح أن يصدق النسخ على كل تخصيص منفصل فتدبر فيه.

قوله لا معنى للتعبد بسند ما يتعين حمله على التقية اه :

قد عرفت ان وجه جعل الطرق والأمارات إلحاقها بالقطع وجعل الجميع بجعل واحد وعلى هذا فحال الخبر المظنون الصدور المتعين حمله على التقية حال مقطوع الصدور من غير فرق.

قوله فقضية القاعدة فيها وإن كانت ملاحظة إلخ.

الأولى بناء المسألة على مسألة الظاهر والأظهر بان يقال لا إشكال

٢٩٧

أنه إذا ورد عام وخاص مثلا كان بناء العرف على أخذ الخاصّ قرينة على التصرف في العام إلا إذا كان العام بمدلوله آبيا عن التخصيص بان لا يكون الخاصّ أظهر من العام فلو فرض دليلان متباينان ثم تأيد أحدهما بعام كقوله أكرم العلماء وأكرم زيد أو لا تكرم زيدا فهل النسبة بين الخاصّ المنافي والعام نسبة الظاهرين أو نسبة الظاهر والأظهر فعلى الأول يقدم الخاصّ الموافق لتأييده بالعامّ ويطرح المخالف وعلى الثاني يبقى التعارض والظاهر من بناء العرف عد المقام من قبيل الظاهرين.

وعلى هذا فأخبار طرح مخالف الكتاب يشمل الدليل المخالف فيما نحن فيه إذ ملاك عدم شمولها لمورد العام والخاصّ والمطلق والمقيد هو كونهما من مصاديق الظاهر والأظهر عند العرف وقد عرفت ان ما نحن فيه ليس من مصاديقه فلا مانع من شمول الأخبار المذكورة له.

ومن هنا يظهر ان الاستدراك بقوله اللهم إلا أن يقال إلى آخر ما قال لا ينفع شيئا والحمد للَّه.

٢٩٨

مباحث الاجتهاد والتقليد

قوله لوضوح أنهم ليسوا في مقام بيان حده اه :

مجرد اتفاق الباحثين في مصاديق المحدود لو فرض لا يوجب الاتفاق في حقيقة المحدود حتى يلزمه كون الحدود المختلفة المذكورة من قبيل التعريف اللفظي فان الاتفاق في مصاديق نوع الإنسان مثلا لا يوجب الاتفاق في حقيقته حتى تكون حدوده المختلفة المذكورة تعريفات لفظية وهو ظاهر ويكشف عن اختلافهم على خلاف ما يقوله ره بحثهم في التعريف طردا وعكسا.

وكيف كان فهذا منه رحمه الله جرى على ما جرى عليه في موارد التعريفات الموردة في هذا الفن أنها تعريفات لفظية وشروح للأسماء على ما يعتوره أهل اللغة في بيان معاني الألفاظ وقد نبهنا مرارا ان شرح الاسم غير التعريف اللفظي والدليل عليه ان الحدود الحقيقية المشتملة على جميع الأجزاء الذاتيّة لو فرضنا ارتفاع الوجود عن محدوداتها عادت مفاهيم فقط مثل مفاهيم التعريفات اللفظية كالبشر والحيوان الناطق

٢٩٩

مثلا بالنسبة إلى الإنسان ومن الضروري ان بينهما فرقا من حيث إنا إذا جددنا فرض وجود المحدود عادت الحدود حدودا حقيقية للمحدودات دون التعريفات اللفظية.

قوله ضرورة عدم الإحاطة بها بكنهها اه :

قد حقق فساده في محله.

قوله أو بخواصها الموجبة لامتيازها عما عداها اه :

هذا من أعجب الاشتباه إذ ليس للأشياء إلا الذاتيات والاعراض الخاصة والعامة وإذا فرض عدم العلم بشيء بذاتياته وخواصها والفرض تحقق علم ما كان العلم بالأشياء بأعراضها العامة الغير المقتضية لتميزها عما عداها فلم يتميز شيء عن شيء في التصورات ولا موضوع عن محمول وبالعكس في التصديقات فلم يحصل علم بشيء وقد فرض خلافه هف والشيء أيضا لا يكون أعم من شيء ولا أخص إلا بتميز والفرض خلافه هف.

قوله فالأولى تبديل الظن بالحكم بالحجة عليه اه :

الأولى أن يراد بالحجة الحجة على المستنبط بالفعل دون مطلق الحجة فان الحجة الواحدة ربما حصلت لفقيه فعلم بها حكمه الفعلي وحصلت لآخر وخاصة بمرور الزمان ولا تراكم الأنظار فلم يعلم بواسطته الحكم الفعلي في حقه وحصلت لثالث غير بالغ مرتبة الاجتهاد في الزمانين جميعا فلم يحصل له علم بحكمه الفعلي أيضا وهو ظاهر.

واعلم أن الاجتهاد حيث لم يرد بلفظه في لسان الأدلة وهو بعينه

٣٠٠