حاشية الكفاية

المؤلف:

آية الله السيد محمد حسين الطباطبائي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: بنياد علمى وفكرى علامه طباطبائى با همكارى نمايشگاه و نشر كتاب
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣١٠

قوله (ره) لوروده عليها كما يأتي تحقيقه اه :

كونه من باب الورود وإن كان مستقيما بحسب بادئ النّظر لكنه بحسب الدقة غير مستقيم لما سيجيء ان حقيقة الاستصحاب اعتبار الأمر المشكوك فيه معلوما ومعلوم ان الأمر المعلوم بالعلم الحقيقي الغير الاعتباري ليس واردا على المشكوك حقيقة إذ الحكم الواقعي أو الموضوع الواقعي يجامع المشكوك والَّذي يرفع موضوع الشك إنما هو المعلوم من حيث أنه معلوم فاستصحاب عدم تحقق التذكية في الحيوان المشكوك في طهارته ونجاسته وإن جعله غير مذكى بحسب الاعتبار الشرعي لكنه في الحقيقة يجعله غير معلوم التذكية اعتبارا وغير معلوم التذكية حتى بحسب الحقيقة ليس موضوعا للنجاسة وإنما الموضوع لها غير المذكى واقعا فافهم.

قوله «ره» لا شبهة في حسن الاحتياط اه :

سيجيء ما فيه من الكلام.

قوله «ره» لا يبعد دلالة بعض تلك الأخبار اه :

كل ذلك لولا ظهور البلوغ في الوصول بحجة معتبرة

دوران الأمر بين المحذورين

قوله رحمه الله لعموم النقل وحكم العقل اه.

تقريبه ان التكليف وإن كان متعلقا بالطبيعة بالمعنى الَّذي تقدم في بحث الأوامر لكنه حيث كان اعتبار تعلق إرادة المولى بفعل المكلف يختص تعلقه بالافراد الممكنة من الطبيعة وأما الافراد الممتنعة.

٢٢١

الوجود فخارجة عن حيطة شموله ولا فرق في ذلك بين الافراد الممتنعة الغير الموجودة من رأس والافراد المجهولة عند المكلف وقد عرفت ان نسبة تنجز التكليف بالعلم به إلى التكليف نسبة الوجود إلى الماهية فالأفراد التي لا يمكن فيها الموافقة القطعية حالها حال الافراد الممتنعة وإن كان بينهما فرق من حيث ارتفاع ذات الفرد عن الخارج حقيقة في الأول واعتبارا في الثاني وفيما نحن فيه من دوران الأمر بين المحذورين وإن كان المفروض تمامية ما يرجع إلى المولى من التكليف وبيانه وإنما القصور ناش من الخارج وهو كون المورد غير ممكن الموافقة القطعية والمخالفة القطعية فلا مورد للتمسك بقاعدة قبح العقاب بلا بيان لكن عدم إمكان الموافقة القطعية حيث ألحقه بالافراد الممتنعة الغير المشمولة لأصل التكليف كان مقتضاه كون ترتب العقاب عليه من قبيل ترتب الأثر من غير مؤثر إذ لا تكليف فلا عقاب وهذا معنى البراءة العقلية إذ قد مر ان ارتفاع التكليف إذا استند بنحو إلى ارتفاع العلم أنتج ذلك الحكم الظاهري وإذا استند إلى ارتفاع الموضوع الحقيقي أنتج الحكم الواقعي الثانوي هذا كله بالنسبة إلى حكم العقل.

ومن ذلك يظهر ان لا مانع من شمول أدلة البراءة الشرعية للمورد أيضا.

قوله «ره» لأنها مخالفة عملية قطعية اه :

قد عرفت ان لا تكليف حتى يترتب عليه مخالفة قطعية نعم يمكن

٢٢٢

ان يتولد في المورد حكم عقلي بوجوب الانقياد على كل من تقديري الفعل والترك قضاء لحق العلم به في صورة الدوران بين التعبديين فقط أو مطلقا ولو كان أحد الطرفين توصليا إلحاقا بالمتباينين فتأمل.

قوله (ره) لا يخفى ان التكليف المعلوم بينهما اه :

كلامه رحمه الله كما ترى بعضه يلائم كون العلم الإجمالي مقتضيا للتنجز وبعضه يلائم كونه علة تامة لذلك وإن القصور في موارد عدم التنجز في ناحية المعلوم عقلا أو شرعا لا في ناحية العلم وقد عرفت هناك ان لكل من الوجهين وجه صحة.

وتوضيحه ان العلم بما هو علم يجعل معلومه نفس الواقع عند العقلاء فما للمعلوم من الأثر من حيث نفسه يترتب عليه بتعلق العلم به فمع فرض استتمام التكليف شرائط فعليته عند المولى مثلا سوى العلم يتنجز بالعلم ويترتب عليه أثره ومع فرض انتفاء شيء من شرائط فعليته كطرو اضطرار أو اختلال نظام وبالجملة كل ما يوجب عدم فعليته عقلا لم يوجب العلم الإجمالي تنجزه كما لا يوجبه العلم التفصيلي أيضا وهذا هو قصور المعلوم في نفسه وأما مع استتمامه شرائط فعليته وصيرورته تكليفا فعليا ففرض عروض القصور عليه من ناحية المولى بتجويز الاقتحام في بعض أطرافه مستلزم للتناقض بحسب الواقع نعم العقلاء ربما يرون عدم التعين الطاري على المكلف به كعدم التعين السابق على العلم فيجوزون الاقتحام في المورد بعين الملاك الَّذي يجوزونه في

٢٢٣

مورد إبهام أصل التكليف بوجه فلكل من القول بالاقتضاء والعلية التامة وجه وإن كان الثاني أسلم وأصدق.

ومن هنا يتبين ان عدم جريان الأصول في أطراف العلم إنما هو للتخصص لمكان المناقضة لا لتعارض الأصلين وتساقطهما.

نعم لو فرض اختصاص أحد الأطراف بأصل لا بأس بجريانه لكنه لا ينفك عن بطلان العلم كما إذا ترددت النجاسة بين إناءين ثم وقعت نجاسة في أحدهما المعين فأصالة الطهارة في الآخر في محلها كما سيجيء.

قوله ولو كانت أطرافه غير المحصورة اه :

فالحق تفسير الشبهة الغير المحصورة بما يبلغ أطرافه من الكثرة إلى حد يخرج به بعض أطرافه عن الابتلاء بالطبع.

قوله لعدم عروض الاضطرار إلى متعلقه اه :

أفاد (ره) في الحاشية أنه لا يخفى ان ذلك إنما يتم فيما كان الاضطرار إلى أحدهما لا بعينه وأما إذا كان إلى أحدهما المعين فلا يكون مانعا عن تأثير العلم للتنجز لعدم منعه عن العلم بفعلية التكليف المعلوم إجمالا المردد بين أن يكون التكليف المحدود في هذا الطرف أو المطلق في الطرف الآخر ضرورة عدم ما يوجب عدم فعلية مثل هذا المعلوم أصلا وعروض الاضطرار إنما يمنع عن فعلية التكليف لو كان في طرف معروضه بعد عروضه لا عن فعلية المعلوم بالإجمال المردد بين التكليف المحدود في طرف المعروض والمطلق في الاخر بعد العروض

٢٢٤

وهذا بخلاف ما إذا عرض الاضطرار إلى أحدهما لا بعينه فإنه يمنع عن فعلية التكليف في البين فافهم وتأمل انتهى.

أقول لحوق أي قيد بأحد طرفي الترديد يوجب لحوق مقابله بالطرف الاخر ويوجب ذلك خلو المقسم المعلوم أعني المتيقن منهما جميعا فلحوق التحديد بالطرف المضطر إليه والإطلاق بالطرف الاخر يوجب خلو الحكم المعلوم عن الإطلاق والتحديد جميعا فليس بتكليف فعلى مطلق فلا يوجب تعلق العلم به تنجزا وليس حال العلم الإجمالي مع عروض الاضطرار بأحد طرفيه بعد تحقق العلم بأقوى من العلم التفصيلي إذا تعلق بأمر ثم عرض الاضطرار إليه بعينه.

قوله «ره» حيث إن فقد المكلف به ليس من قيود حدود التكليف به اه :

لا يخفى ان معنى كون الاضطرار من حدود التكليف وقيوده ليس هو كون التكليف متصفا بقيد الاختيارية بعد اتصافه في نفسه بالإطلاق بل هو من القيود المقومة التي يتقوم بها اعتبار التكليف فان التكليف اعتبار قائم بالفعل الاختياري الممكن من الغير وعلى هذا فلا فرق بين الاضطرار والفقد فان التكليف قائم إلى أن يتصف الفعل بالامتناع كما أنه قائم إلى أن يتصف الفعل بالاضطرار إليه وكما أن التكليف يسقط عن الفعلية بعروض الاضطرار على المكلف به كذلك يسقط عن الفعلية بعروض الامتناع عليه بوجه ولا فرق في ذلك بين عروض الفقد

٢٢٥

قبل تحقق العلم أو بعده.

وأما ان قضية الاشتغال اليقينيّ البراءة اليقينية فإنما يقتضى ذلك ما دام العلم بالتكليف الفعلي موجودا سواء كان علما إجماليا أو تفصيليا وأما مع سقوط العلم بالتكليف الفعلي فلا اشتغال يقيني حتى يقتضى البراءة اليقينية.

ومن هنا يظهر عدم جريان الاستصحاب في الطرف الباقي أو غير المضطر إليه.

نعم فيما إذا كان الاضطرار أو الفقد العارضان بعد تحقق العلم الإجمالي مستندين إلى اختيار المكلف فالعقل قاض ببقاء التكليف على ما تقدم الكلام فيه في بحث أمر الأمر مع العلم بانتفاء شرطه هذا.

وربما يقال إن الشبهة إذا فرض خروج أحد طرفيها عن الابتلاء رجع المعلوم الإجمالي إلى معلوم مردد بين فردين مقطوع الارتفاع ومشكوك الحدوث ولا يجري مع ذلك الاستصحاب قطعا وهذه الشبهة وإن أبدأت في مورد خاص وهو مورد الخروج عن الابتلاء إلا أنها أعم جريانا تشمل موارد الخروج عن الابتلاء وطرو الاضطرار.

ولكنها مزيفة بان المعلوم بالنسبة إلى الطرفين ليس من قبيل الكلي بالنسبة إلى فرديه بل الفرد بالنسبة إلى حاليه وإلا لعاد جميع موارد الاستصحابات الشخصية إلى استصحاب الكلي فان الطهارة المستصحبة عند الشك في الحدث مثلا مرددة بين الطهارة المقارنة بالحدث المقطوع

٢٢٦

الارتفاع والممتدة الغير المقارنة المشكوكة الحدوث.

قوله «ره» لو لم يكن له داع آخر اه.

أخذ هذا القيد لأجل تعميم الغرض ليشمل التوصليات لكنه يوجب كون أصل الغرض معلقا والأغراض المعلقة تنافي عبادية التكليف على أن الأمر والنهي لا فرق بينهما في سنخ الغرض.

والَّذي ينبغي أن يقال إن الاعتباريات لما كان الغرض منها ترتب الآثار الخارجية لحقائقها عليها والأمر اعتبار تعلق إرادة الأمر بفعل المأمور به والنهي اعتبار عدم تعلقها به المعبر عنه بتعلق إرادته بعدم فعله كان الغرض من الأمر إتيان المأمور به ومن النهي ترك المنهي عنه فلا محالة إنما يصح الأمر الجدي والنهي الجدي فيما يمكن أن يترتب عليه آثاره أما تحقق المكلف به أو العقاب عليه فيما إذا كان الامتناع مستندا إلى اختيار المكلف فإذا امتنع التكليف لا باستناده إلى اختيار المكلف فلا تكليف فعلى إذ لا أثر يترتب عليه.

قوله الثالث أنه قد عرفت اه.

قد عرفت ما هو المعيار في الشبهة الغير المحصورة ومنه يظهر حاله.

في الأقل والأكثر الارتباطيين

قوله «ره» والحق ان العلم الإجمالي إلخ.

من الواضح ان العلم بما هو علم لا يتصف بالإجمال والإبهام وإنما يتصف به من جهة المتعلق وإن التردد من حيث أنه تردد لا يتصور إلا بين

٢٢٧

الشيء وبين عدمه أو ما في قوة عدمه بان يكون مصداقا لعدمه وصيرورة العلم بحيث يتصف بتردد المتعلق لا يتصور إلا بأن يلحق المعلوم كل من القيدين بحيث يصير المجموع شيئا واحدا تاما وح يصير المعلوم هو الجامع بين الطرفين مفتقرا في تحققه إلى تحققهما معا.

وقد ظهر بذلك ان العلم الإجمالي إنما يتحقق فيما إذا تحقق في كل من طرفي الشبهة قيد أما عدمي أو وجودي وأما فرض العلم الإجمالي مع تحقق قيد في أحد الطرفين دون الاخر فهو فرض خلف إذ لا معنى للتردد ح لكونه من قبيل تردد الشيء بين نفسه وغيره المساوق لسلب الشيء عن نفسه وعلى هذا ففرض دوران الأمر بين الأقل والأكثر ان كان مع فرض قيد عدمي في جانب الأقل عاد الأمر إلى المتباينين ووجب إتيان الطرفين مع تنجز العلم وإن كان مع فرض القيد في أحد الطرفين فقط كان ذلك علما تفصيليا بالأقل وشكا بدويا في الزائد من غير علم إجمالي أصلا ولا انحلال البتة إلا بحسب الصورة إذ الانحلال فرع الانعقاد فتأمل.

قوله «ره» مع أن الغرض الداعي إلى الأمر اه.

قد عرفت في بحث المرة والتكرار ان الواجب من تحصيل غرض الأمر هو مقدار ما يكشف عنه التكليف لا أزيد منه.

قوله «ره» لا يقال إن الحرمة.

قد عرفت فيما تقدم ان كل ما تعلق به التشريع الاعتباري مجعول وليس بتكويني ولا انتزاعي عقلي فراجع.

٢٢٨

قوله فالصلاة مثلا في ضمن الصلاة المشروطة اه :

هذا البيان خرق للفرض فان المفروض الدوران بين المطلق والمشروط والعام والخاصّ ومن الواضح ان الصلاة في ضمن الصلاة الفاقدة المباينة للواجدة ليست بمطلقة ولا عامة بل المطلقة والعامة هي الصلاة الغير المأخوذة فيها وجدان ولا فقدان وهي موجودة بوجود المشروطة والخاصة غير مباينة.

قوله «ره» في حال نسيانه عقلا ونقلا اه :

لا يخفى ان اندراج الشك في الجزئية والشرطية في حال النسيان في مسألة الأقل والأكثر الارتباطيين يتوقف على تسلم ان النسيان من افراد الجهل حتى يتحقق في ظرفه التكليف المشترك بين العالم والجاهل ثم ترفع الشرطية والجزئية للنسيان بحديث الرفع رفعا واقعيا لا للجهل حتى ينتج رفعا ظاهريا ولولا التسلم المذكور لم يكن فرق بين النسيان والعجز على ما سيأتي من ارتفاع أصل التكليف عن صورة العجز دون الجزء فقط من جهة عدم إحراز أصل التكليف عند العجز فشملها قاعدة العقاب بلا بيان ولم يندرج في مسألة الشك في الأقل والأكثر الارتباطيين.

قوله «ره» لا شبهة في حسن الاحتياط اه :

الاحتياط في الأمر هو التحفظ عليه ووقايته من آفات الوجود فإذا كان في الأفعال الاختيارية كان ذلك تحفظا على الفعل أن يتطرقه ما

٢٢٩

يبطل وجوده ويفسده من ناحية الإتيان.

وبعبارة أخرى إتيان الفعل بجميع ما يحتمل دخله في وجوده فهو من أنحاء الإتيان والامتثال والتحفظ على الإتيان تحفظ على نفس الفعل فان إتيان الفعل نفس الفعل والتحفظ على الشيء إنما يحسن عند العقلاء وكذا عند الشارع إذا كان واجدا لوصف الأهمية.

وأما في غيره كما في الأمور اليسيرة الغير المهمة عند العقلاء وكما في مثل باب الطهارة والنجاسة في الشرع تسهيلا فلا وجه لحسنه فإطلاق القول بحسن الاحتياط ليس على ما ينبغي.

قوله «ره» وإن كان لاغيا اه :

قد مرت الإشارة إلى أن الامتثال وهو إتيان الفعل المتعلق به التكليف متحد مع الفعل خارجا فاللعب بأحدهما لعب بالاخر ولعله إليه الإشارة بقوله فافهم.

قوله «ره» من عدم استقلال العقل إلا بعدهما اه :

مرادهم باستقلال العقل بحكم أن يكون وضع الموضوع عند العقل كافيا في حكمه بالمحمول ولذا قالوا إن العقل لا يحكم بشيء على شيء إلا بعد إحراز الموضوع وتشخيصه إذ المحمول المشخص يحتاج إلى موضوع مشخص وأما مع إبهام أحدهما كما إذا اختلفا بالعموم والخصوص فلا معنى لاستقلال العقل بالحكم بمعنى أن يأخذ العقل موضوعا عاما ثم يحكم على بعض افراده من غير تشخيص بحكم عام.

٢٣٠

وعلى هذا فأما أن يكون احتمال التكليف قبل الفحص واليأس بيانا عقليا أو يكون موضوع الحكم بالقبح العقاب بلا بيان الَّذي بعد الفحص واليأس والتأمل في ديدن العقلاء ودأبهم يقضى بأنهم لا يعدون الشك والاحتمال علما وبيانا أبدا وأيضا لا يعدون الفحص واليأس جزء من موضوع الحكم بقبح العقاب.

نعم يمكن أن يكون لهم بيان آخر عقلي ملازم أو مقارن لموارد الاحتمال قبل الفحص واليأس عنه والظاهر أنه كذلك فان العقلاء لا يوجبون الفحص عند كل احتمال كيف ما اتفق بل إنما هو عند ـ الاحتمالات الواقعة في ظرف المولوية والعبودية أو مطلق الاجتماع من حيث علمهم ان ذلك لا يخلو من تكليف ما فهناك علم إجمالي بثبوت التكليف وبثبوته يتنجز الاحتياط إلا مع العلم بخروج المورد عن أطراف المعلوم إجمالا فإذا كانت الشبهة حكمية وجب عندها الفحص بخلاف ما إذا كانت موضوعية إذ لا معلوم منجز فلا فحص.

نعم فيما إذا كان تبين الأمر غير متوقف على فحص يعبأ به لم يعد الفحص عنه فحصا عن شبهة بل عد ظاهرا معلوما والتارك لمثل هذا الفحص غير معذور لكن من حيث اقتحامه في خلاف أمر ظاهر لا من حيث تركه الفحص هذا ما عند العقلاء في مورد البراءة العقلية وأما البراءة الشرعية فقد عرفت سابقا ان أدلتها لا تدل على أزيد من إمضاء حكم العقلاء فهي في الإطلاق والتقييد تابعة لحكمهم.

٢٣١

قوله «ره» أما لانحلال العلم الإجمالي بالظفر إلخ :

أما ان الكلام في البراءة فيما لم يكن هناك علم موجب للتنجز فهو حق وأما ان العلم منحل بالظفر بالمقدار المعلوم إجمالا فإنما يتحقق بعد الفحص إذ لو أريد بالمقدار الحاصل بالظفر ما بأيدينا من الأدلة الواقعة في الكتاب والسنة لم يغن شيئا إذ الكلام إنما هو في الفحص بالنسبة إلى الكتاب والسنة لا في الخارج عنهما ولو أريد به ان العناوين الكلية المشكوكة الحكم الممكنة الانطباق على الأدلة في موارد الشبهات الحكمية محصورة مضبوطة فعهدته على مدعيه إذ الرجوع والفحص على أي حال في الكتاب والسنة وإليهما فلو كانت الشبهة خارجة عن ما يدل عليه الكتاب والسنة غير ممكنة الانطباق على ذلك واستدللنا على وجوب الفحص باخبار وجوب التعلم أو بالإجماع فهل نرجع عند الفحص إلى غير الكتاب والسنة فمن المعلوم ح ان الأحكام المحصورة في الكتاب والسنة هي أطراف العلم الإجمالي ممكنة الانطباق على مورد الشبهة المفروضة فتدبر.

ومن هنا يظهر ان فرض الابتلاء بشبهة ليس موردا للعلم الإجمالي لا مصداق له في الخارج وعدم الالتفات لا يوجب شيئا بعد الالتفات بأصل العلم بين جميع الأحكام الواردة في الشرع.

ومن هنا يظهر أيضا ان الأخبار الدالة على وجوب التعلم لا تدل على أزيد من الإرشاد إلى ما يوجبه العقل ويمضيه الشرع من وجوب الاحتياط

٢٣٢

قبل الفحص واليأس (١)

قوله «ره» وقد صار بعض الفحول اه :

الظاهر أن الترتب غير صادق على المورد لاختصاصه بما إذا كان كل من الواجبين ذا ملاك مطلق ومن المحتمل أن يكون ملاك الإتمام في مورد القصر مثلا مقيدا بالجهل فليس للإتمام من العالم بالقصر ملاك ولا وجوب حتى يضاد القصر فيدخل في باب الترتب.

قاعدة لا ضرر

قوله «ره» ثم أنه لا بأس بصرف عنان الكلام اه :

توضيح الكلام في القاعدة على ما يلائم ما آثرنا في الحاشية من الاختصار ان الضرر كالنفع من المعاني البينة المعلومة لنا بالارتكاز وهو من العناوين الطارية للأمور على ما سيجيء وهذه المعاني كما يمكن ان تصير عناوين للأفعال فقط كذلك يمكن أن تكون غاية لها مقصودة فيها والبيانات الواردة فيها من الشرع مختلفة فالضرر كالعسر والحرج ربما كان نفيه راجعا إلى نفى كونه ملاكا لحكم شرعي أي غاية مقصودة شرّع الحكم لأجله كما في قوله تعالى (ما يريد اللَّه بكم العسر ولكن

__________________

(١) وبالجملة لنا علم إجمالي بثبوت تكاليف واقعية وينحل بالظفر بمقدار كاف لمعظم الفقه من الكتاب والسنة ولنا علم إجمالي بثبوت تكاليف موجودة في الكتاب والسنة وإنما ينحل بالنسبة إلى كل مورد من موارد الشبهات بالفحص واليأس والكلام في البراءة إنما هو بعد الفراغ عن انحلال العلم الإجمالي الأول دون الثاني وهو ظاهر.

٢٣٣

يريد ليطهركم) وربما كان نفيه راجعا إلى نفى الوصف فقط من حيث وصفيته أي نفى الموصوف به من حيث طريانه عليه كما في ما ورد من قصة سمرة بن جندب وغيره.

والكلام إنما هو في هذا القسم الثاني وقد ورد نفيه بلفظ لا ضرر أو ما يفيد معناه من إطلاق مستفاد من المقام في الأبواب المختلفة من الفقه من طرق الفريقين وقد بلغت من الكثرة والتظافر مبلغا ادعى بعضهم تواترها ولا يسعنا نقلها واستقصاؤها في المقام.

والقول الجامع ان تقول ان النّفع والضرر كما أشرنا إليه من المفاهيم البينة المرتكزة عندنا والنّفع أو المنفعة في موارد نستعمله إنما نستعمله بنحو المصاحبة دون الاستقلال والانفراد فالنفع بالنسبة إلى ذي النّفع بنحو من المصاحبة لكن لا كل مصاحبة كمصاحبة زيد وعمرو بل مصاحبة الأثر مع ذي الأثر والتابع مع المتبوع ولا كل مصاحبة الأثر التابع كمصاحبة الفوقية للسقف والتحتية لسطح البيت بل من حيث أنه مقصود مطلوب ولا كل مصاحبة الأثر المطلوب كمصاحبة الحلاوة للعسل والجمال للمرأة بل من حيث أنه مطلوب للغير كنفع الدواء في دفع المرض ونفع الكسب والتجارة وح يتم المعنى بالوضع والرفع فالنفع في الشيء مقدميته للمقصود بالذات ووقوعه في طريق الخير ويقابله الضرر وليس بعدمه مطلقا لعدم صدقه بالارتكاز على كل ما يصدق عليه عدم النّفع كزيد مثلا وليس بعدم للنفع في موضوعه

٢٣٤

فان الدواء إذا لم ينفع فليس بضار وكذا الكسب والتجارة والموعظة بل بنظير البيان السابق ضرر الضار وقوعه في طريق الشر فليست النسبة بين النّفع والضرر نسبة المتناقضين ولا نسبة العدم والملكة بل لو كانت فهي شبه التضاد.

ثم إن هذا الوصف في نحو وجوده تابع لموصوفه فإن كان حقيقيا كالدواء فحقيقي وإن كان اعتباريا فاعتباري وهو ظاهر.

ومن المعلوم ان وعاء تحقق الأمر الاعتباري هو الاعتبار والجعل فتحققه وارتفاعه بالنسبة إلى وعاء نفسه وظرف تحققه بالحقيقة وإن كان بالنسبة إلى ظرف الحقيقة وهو الخارج بالمجاز كنفس الوصف الاعتباري.

ومن هنا يظهر ان كلمة لا ضرر في كلامه صلَّى اللَّه عليه وآله من حيث أنه في مقام التشريع كما هو شأنه صلى الله عليه وآله لنفي تحقق الضرر في ظرف التشريع وكلمة (لا) لنفي الحقيقة بالنسبة إلى هذا المقام وإن كان بالنسبة إلى وعاء الحقيقة حقيقة ادعائية إذ الشارع بما هو شارع لا مساس له بالحقائق بل مطابق كلامه وظرف أحكامه ظرف التشريع والاعتبار فلا وجه للنزاع في أنه على نحو نفى الحقيقة ادعاء أو لنفي الحكم الضرري أو الضرر الغير المتدارك أو إرادة النهي من النهي إلى غير ذلك فالمراد بقوله لا ضرر ان كل حكم شرعي عرض عليه الضرر فليس بموجود في ظرف التشريع.

ومن هذا البيان يظهر ان النسبة بين أدلة نفى الضرر وبين الأحكام

٢٣٥

بعناوينها الأولية العموم والخصوص المطلق إذ الشارع ليس من شأنه إلا نفى الحكم الضرري وهو بالنسبة إلى مطلق الحكم أخص مطلقا وإن كان بالنسبة إلى كل حكم يمكن أن يعرضه عاما من وجه وأدلة نفى الضرر مع ذلك لا يرفع موضوع الأدلة الأولية بالنظر إلى مجرد نفى الضرر إذ الضرر عنوان خاص لا يزيد في نفسه على ساير العناوين الخاصة المأخوذة في أقسام المخصصات إلا أن ورود الأدلة في مقام الامتنان يوجب الرفع بحسب ظرف التشريع والجعل فلا دلته الحكومة على الأدلة الأولية بناء على ما سيجيء بيانه ان لحكومة لا يعتبر فيها أزيد من رفع أحد الدليلين موضوع الاخر بحسب الجعل والاعتبار من دون لزوم الشرح اللفظي والتعرض اللساني فأدلة نفى الضرر مقدمة على غيرها بالحكومة الا إذا كان الحكم بحيث لا يقبل الامتنان كما إذا استلزم ارتفاعه ارتفاعه من أصله أو غير ذلك فلا معنى لارتفاعه ح هذا كله إذا لو حظ التنافي بين أدلة نفى الضرر وأدلة الأحكام الأولية.

وأما إذا لو حظ بينها وبين أدلة الأحكام الأخر الثانوية كأدلة نفى العسر والحرج والاضطرار ونحوها فلا ريب ان النسبة بينها التعارض ان كان الملاك في مورد الحكمين واحدا والتزاحم ان كان في كل واحد منهما ملاك مستقل فالمرجع اما حكم التعارض وأما حكم التزاحم دون الحكومة.

ومثله الكلام فيما إذا تعارض ضرران ، توضيحه ان الضررين ح

٢٣٦

أما أن يلاحظ في عرض واحد كضرري شخص واحد أو ضرري شخصين فلا يقدم أحدهما على الآخر مطلقا إلا أن يقال إن الأقل ضررا إذا قيس إلى الأكثر ضررا لم يتحقق فيه الامتنان فيقدم الأكثر ضررا وأما أن يلاحظا لا في عرض واحد كضرر نفسه مع ضرر غيره ولا دليل على تحمل الضرر لدفع الضرر حتى يقدم ضرر الغير إلا إذا توجه الضرر إليه أولا وإلى الغير ثانيا لو اندفع عنه فلا مجوز لدفعه عن نفسه وتوجيهه إلى الغير.

بقي في المقام شيء وهو ان الضرر المنفي هل هو الضرر النوعيّ أو الشخصي فإذا فرض ان الحكم ضرري لكن شخص المصداق بحيث لا يصدق عنده الضرر فعلا فهل يرتفع به الحكم أو لا الظاهر أن يقال إن الضرر كأخواته من العسر والحرج مأخوذ في لسان الأدلة وصفا للحكم لا للمصداق فكون الحكم بطبعه ضرريا هو المدار في الرفع دون اتصاف المصداق به فعلا وأما صحة سلب الضرر عن الفرد النادر في الضرر النوعيّ فإنما هو باعتبار المصداق دون طبع الحكم.

قوله (ره) فليكن المراد به هو تواترها إجمالا اه :

التواتر الإجمالي على ما فسره رحمه الله مما أبداه في قبال التواتر اللفظي والمعنوي وقد احتمله في عدة موارد كأخبار حجية خبر الواحد واخبار لا ضرر وغيرهما لكن لا جدوى فيه إذ الأخبار الكثيرة المقطوع صدور بعضها ان كان بينها جامع لفظا أو معنى رجع إلى التواتر المصطلح بأحد

٢٣٧

قسميه وإن لم يكن بينها جامع لا لفظا ولا معنى لم ينفع شيئا وهو ظاهر.

قوله «ره» تقابل العدم والملكة :

قد عرفت ما فيه وإنما بينها شبه التضاد.

نعم لو لو حظ الفعل من حيث أنه مقدمة لأمر آخر أما خير وأما شر كان بينهما تضاد اعتبارا والبحث خارج عن الصناعة لا يهمنا الاستقصاء فيه.

قوله «ره» ومن هاهنا لا تلاحظ النسبة اه :

ترتبه على ما سبق غير واضح والوجه فيه ورود الأدلة في مقام الامتنان بما مر من البيان وفي أطراف كلامه رحمه الله وجوه من الأنظار تعلم بالرجوع إلى ما قدمناه فارجع وتأمل.

الكلام في الاستصحاب

قوله «ره» ولا يخفى ان عباراتهم في تعريفه اه :

مراده رحمه الله ان تعريفهم للاستصحاب بما ذكروه وإن كان تعريفا لفظيا لا محل للبحث عنه جمعا ومنعا إلا أن النزاع بالإثبات والنفي حيث

٢٣٨

كان من الواجب أن يتوجه إلى مورد واحد كان من الواجب تعريفه بما ذكره ليتم الغرض المذكور.

أقول وقد قدمنا مرارا ان هذه التعريفات ليست بلفظية كيف والاستصحاب ليس من الأمور البينة البديهية التصور حتى لا يحتاج إلى أزيد من التفسير اللغوي وشرح اللفظ لإفادة التنبيه على معناه وتميزه من بين ساير المعاني المخزونة في الذهن على حد ساير المعاني البينة.

نعم تحديد الأمور الاعتبارية ليس على حد تحديد الأمور الحقيقية على ما تقرر في محله وربما وقع فيما مر أو ما سيأتي بعض الإشارة إلى ذلك فلا تغفل.

قوله «ره» هو نفس بناء العقلاء على البقاء إلخ :

ليس لبناء العقلاء على البقاء معنى غير حكمهم به وح فينطبق على ما عرفه به أنه الحكم ببقاء حكم أو موضوع ذي حكم شك في بقائه.

توضيحه ان النسب الموجودة في القضايا الحقيقية الغير الاعتبارية أمور محققة في نفس الأمر من غير دخالة للإدراك فيها ثباتا ونفيا نحو السماء فوقنا والأرض تحتنا وهذا بخلاف القضايا الاعتبارية إذ لا ثبوت لنسبها إلا في ظرف الاعتبار ووعاء الإدراك فهي وخاصة القضايا الجزئية منها التي يقع فيها الاختلاف كثيرا تحتاج إلى إثبات المثبت من دون ثبوت لها في نفس الأمر فالنسبة تحتاج فيها إلى إثبات المثبت

٢٣٩

كالقاضي الَّذي يقضى بكون المال المتنازع فيه لزيد دون عمرو وأمثال ذلك وهذا هو الحكم مأخوذ من مادة الأحكام فالحكم هو النسبة الكلامية من حيث إثبات مثبت لها ثم عمم إلى النسب الموجودة في ساير القضايا الاعتبارية من حيث تزلزلها بطبعها بالحاجة إلى الاعتبار والإثبات ثم إلى النسب الموجودة في القضايا الحقيقية أيضا من حيث إن النسبة فيها تقبل وقوع الشك والتزلزل.

ومن هنا يظهر ان بناء العقلاء نوع من الحكم وهو المثبت في القضايا الاعتبارية الغير المتغيرة عندهم.

وبذلك يظهر ان الاستصحاب سواء كان جاريا في الحكم أو في الموضوع غير نفس بقاء الحكم أو الموضوع بل هو الحكم به فهي مسألة أصولية غير فقهية.

قوله الأول استقرار بناء إلخ :

بيانه بالبناء على ما قدمناه ان اعتبار حجية العلم عند العقلاء معناه جعل العينية بين العلم والواقع وكذا بين المعلوم المتعلق للعلم والأمر الواقعي من موضوع أو حكم كما تقدم في مبحث القطع ثم إن البقاء فيما من شأنه البقاء وإن كان وصفا من أوصافه كالحدوث لكنه حيث كان وصفا لوجوده لم يكن زائدا على وجوده ونفسه فبقاؤه بعد ثبوته وتحققه عين ثبوته وتحققه ولازم ذلك كون العلم بتحققه وحدوثه علما ببقائه قضاء لحق العينية وانجعال الحجية فأخذ العلم حجة بالنسبة

٢٤٠