حاشية الكفاية

المؤلف:

آية الله السيد محمد حسين الطباطبائي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: بنياد علمى وفكرى علامه طباطبائى با همكارى نمايشگاه و نشر كتاب
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣١٠

فلو تعلق القطع بتكليف فاقد لأحد الشرائط العامة العقلية كالقدرة والتعين وتحقق الملاك لم يؤثر شيئا.

وثانيا ان أثر التنجز حقيقة للتكليف دون العلم وإنما الحق بالعلم وعد القطع علة تامة للتنجز لمكان الاعتبار المذكور.

وثالثا أن لا مناقضة بين التكاليف المتدافعة من حيث نفسها إلا في مرتبة التنجز فلا تدافع بين تكاليف فعلية غير منجزة أو تكليفين فعليين أحدهما منجز والاخر غير منجز اللهم الا من حيث الملاك فلا يجوز اجتماع ملاكين لتكليفين فعليين متدافعين وإن لم يلزم محذور من ناحية التكليفين الفعليين نفسها.

قوله «ره» والحق أنه يوجبه لشهادة الوجدان اه :

التأمل في ديدن العقلاء يعطى أنهم بعد ما اعتبروا الأمر الإنشائي طلبا حقيقيا أحسوا بكونه أضعف تأثيرا من الإرادة الحقيقية فضموا إلى الامتثال اعتبار أمور مطلوبة مرغوبة فيها وإلى المخالفة اعتبار أمور محذور عنها لتقوية التأثير وتأكيدها وهي تتبع في العموم والخصوص حال ما يلحق بها من التكليف فالتكاليف العامة العقلية الإرشادية التي تنحل أو تنطبق إلى أخرى مولوية تتبع المدح والذم والتكاليف الخاصة المولوية تتبع آثارا خاصة تسمى بالثواب والعقاب والرجوع إلى سيرة العقلاء في قوانينهم العامة المدنية والخاصة المولوية وما يلحق بها يعطى أنهم لا يرتبون العقاب المترتب على عمل وكذا الثواب على صورة

١٨١

الخطاء نعم ربما انطبق على مورد التجري مثلا عنوان ذو عقاب كالطغيان فيترتب عليه وأما الثواب فالأمر فيه أوسع.

فتبين إن القطع لا يترتب عليه في صورة التخلف والخطاء ما يترتب عليه في صورة الإصابة.

وأما المدح والذم فإنما يترتبان على حسن السريرة وسوئها لا على نفس الفعل وذلك لتفرعهما على التكاليف والأحكام العامة العقلية المنطبقة على المورد لدورانهما مدارها وضعا ورفعا فان الأحكام العقلية وإن انطبقت على الموارد لكنها تنحل إلى الأمر بحسن السريرة والنهي عن سوئها فافهم ذلك.

قوله يمكن أن يقال إن حسن المؤاخذة والعقوبة إلخ :

وأنت بعد الرجوع إلى ما قدمناه في بحث الطلب والإرادة وغيرها لا ينبغي أن ترتاب في إن للاعتبار نظاما تاما وللحقيقة نظاما آخر وإن أحد النظامين لا يبطل الاخر فان أفق المولوية والعبودية من نظام الاجتماع وما فيه من الأمر والنهي والحكم والحسن والقبح وتبعاتهما من الثواب والعقاب إنما اضطر الإنسان إلى اعتباره كله للنيل إلى الحقائق التي تحتها مما يحتاج إليه في حياته من سعادة مجذوبة وشقاوة مدفوعة فمسلك السعادة والشقاوة الذاتيتين على ما فسرناه قبل وخلق الأعمال لا ينافي مسلك اختيارية الأعمال ومجازات الأعمال لاختلاف النظامين حكما وكون النسبة بينهما نسبة الظاهر والباطن

١٨٢

فتبين بذلك ما في كلامه رحمه الله من وجوه الفساد.

منها عدو له عن سلك مجازات الأعمال إلى سلك كون الثواب والعقاب من لوازم الملكات والأعمال وقد عرفت اتحاد المسلكين بحسب النتيجة.

ومنها تقريبه رحمه الله السعادة والشقاوة بالذاتي في باب الكليات الخمس وأنها لا تعلل وقد عرفت أنها من قبيل الذاتي في باب البرهان.

فان قلت : الذاتي في باب البرهان ما ينتزع من مقام الذات بعد انحفاظ الحد فلا يعلل أيضا.

قلت فسره بذلك بعضهم وهو خلط بين الذاتي ولازم الذات والحق ما عرفت من مساوقة الذاتي في باب البرهان مع العرض الذاتي.

ومنها أخذه المعاصي غير اختيارية وقد قرره (ره) في حاشية منه بقوله كيف لا وكانت المعصية الموجبة لاستحقاق العقوبة غير اختيارية فإنها هي المخالفة العمدية وهي لا تكون بالاختيار ضرورة إن العمد إليها ليس بالاختياري وإنما تكون نفس المخالفة اختيارية وهي غير موجبة للاستحقاق وإنما الموجبة له هي العمدية منها كما لا يخفى على أولى ـ النهي انتهى. وفيه مخالفة ظاهرة إذ عدم اختيارية العمد لا يستلزم عدم اختيارية المخالفة المنسوبة إليه إذا لعمد غير العمدي وعدم اختيارية أحدهما لا ينافي اختيارية الاخر.

ومنها جعله رحمه الله بعث الرسل وإنزال الكتب وغيرها لانتفاع السعداء

١٨٣

وتمام الحجة على الأشقياء وفيه فساد ظاهر إذ بعد فرض كون ما يترتب على الإطاعة والمعصية من السعادة والشقاوة ذاتيا لا يعلل والذاتي لا يختلف ولا يتخلف كان وجود هذا النافع الممد وعدمه على السواء وهل يتصور تأثير شيء خارج عن ذات الإنسان مثلا في كونه حيوانا أو ناطقا أو في كيفية اتصافه بهما من تقديم وتأخير أو تعجيل وتأجيل أو شدة وضعف أو خفاء وظهور وهل يتصور إتمام حجة عليه في ذلك وأي حجة تتصور للإنسان على ربه في كونه إنسانا مثلا حتى تمس الحاجة إلى دفعه بأنه إنسان وبذاته لا بجعل جاعل يتوسط بينه وبين ذاته وهو ظاهر.

قوله رحمه الله ليس في المعصية الواحدة إلا منشأ واحد إلخ :

قد عرفت وجه ترتب الثواب والعقاب وإن منشأه غير منشأ ترتب المدح والذم.

قوله رحمه الله من دون أن يؤخذ شرعا في خطاب (اه) :

مما قام عليه البرهان في محله إن العلم عين المعلوم بالذات وإن المعلوم بما هو معلوم لا وجود له باستقلاله بل هو موجود بوجود العالم ومقتضى هاتين القضيتين إن العلم ليس ذا وجود مستقل على حد ساير الأوصاف والكيفيات الحقيقية المحمولة بالضميمة فلا معنى لكونه وصفا مرآتيا فانيا في المعلوم على انا قدمنا في بحث الوضع ان الفناء في الأمور الحقيقية لا معنى له لاستلزامه كون الشيء موجودا غير موجود.

١٨٤

وبذلك يظهر ما في قوله ان القطع لما كان من الصفات الحقيقية ذات الإضافة إلى أخر ما ذكره هذا ما عليه الأمر في نفسه لكنك قد عرفت في البحث عن حجية القطع إن الإنسان يعتبره بحسب الفطرة وصفا متوسطا بينه وبين المعلوم فانيا فيه غير ملحوظ استقلالا فله عنده بحسب هذا الاعتبار حيثيتان مختلفتان الوصفية والطريقية فله أن يعتبره طريقا محضا أي لا يلتفت إليه أصلا أو من حيث أنه وصف ما كاشف أما من جهة وصفيته أو كشفه بعض الموضوع أو تمامه فيصير الأقسام خمسة على ما ذكره رحمه الله في الكتاب.

قوله رحمه الله لا ريب في قيام الطرق والأمارات إلخ :

التأمل في بناء العقلاء وإن كان يعطى أنهم يبنون في إحراز الواقع على الإحراز العلمي لكنهم لبنائهم على تسرية الحد والحكم في جميع الموارد الممكنة يرون الإدراك الغير العلمي إدراكا علميا إذا لم يظهر نقيضه ظهورا يعتد به إذ فرض الاقتصار في باب العمل على العلم المانع من النقيض حقيقة على فرض وجوده يوجب اختلال نظام العمل أساسا فالحاجة الأولية ماسة باعتبار غير العلم مما لا يظهر نقيضه ظهورا معتدا به مثل العلم حجة وبعبارة أخرى اعتبار حجية الوثوق بإحراز الواقع سواء كان بالعلم الحقيقي لو كان له تحقق في مقام العمل أو بالظن الاطمئناني والوثوق فحاجة الإنسان إلى العمل بالظهور اللفظي أو الخبر الموثوق به مثلا في عرض الحاجة إلى العمل بالعلم الحقيقي

١٨٥

على أنهم يرون جميع ذلك علما.

ومن هنا يظهر أنها جميعا حجج مجعولة في عرض القطع لا في طوله فالقول بان جعل حجية ساير الطرق يوجب قيامها مقام القطع الطريقي لا وجه له بل هي في عرضه وعلى هذا فلا موجب لاحتمال قيامها مقام القطع الموضوعي في موضوعيته لأحكامها الخاصة بل هو كالقول بان جعل حجية الخبر هل يوجب ترتب حكم الشهادة عليه.

فان قلت لا يتم جعل الحجية في غير العلم إلا بإلغاء احتمال الخلاف الَّذي في مورده مضافا إلى أصل اعتبار مدلوله نفس الخارج فهو في جعله يقام أو لا مقام القطع ثم ينزل مدلوله منزلة الواقع نفسه وهذا معنى قيامه مقام القطع الطريقي.

قلت إلغاء احتمال الخلاف في غير القطع عند جعل حجيته إنما هو في تطبيقه على الخارج لا في تطبيقه على القطع ضرورة أنه لو لو حظ فيه القطع ثبت الخلف إذ لحاظ القطع يوجب أخذه من حيث وصفيته وإقامته مقامه في جعل الحجية يوجب أخذه من حيث طريقيته فافهم ذلك فسائر الحجج غير القطع واقعة في مرحلة الجعل في عرض القطع لا في طوله.

قوله (ره) للزوم الدور إلخ :

قد ظهر لك مما قدمناه كرارا إن المحذور الوحيد في باب الأمور الاعتبارية هو لزوم اللغو أو ما يؤل إليه وأما أمثال الدور والتسلسل واجتماع المثلين أو الضدين أو النقيضين فمحالات حقيقية لا تتعدى القضايا

١٨٦

الحقيقية الغير الاعتبارية.

قوله «ره» وأما الظن بالحكم فهو وإن كان كالقطع إلخ :

مراده رحمه الله بالظن هو الظن من حيث هو انكشاف ما للواقع لا من حيث هو حجة بداهة إن فرض حجيته يوجب جريان المحذورات المذكورة في القطع فيه بعينها إذ لو فرض قيام الظن المعتبر على حكم ثم جعل موضوعا لمثله أو ضده كان لازمه اجتماع حكمين فعليين منجزين في موضوع واحد وهو ظاهر وكيف يمكن جعل الحجية بإلغاء احتمال الخلاف ثم اعتباره وعدم العامة بعينه.

قوله «ره» لا بأس باجتماع الحكم الواقعي الفعلي بذاك إلخ.

وسيأتي ما يلائم ما سلكناه في جعل الحجية في القطع وساير الحجج.

قوله (ره) أما في باب منع الملازمة إلخ.

يشير إلى قاعدة الملازمة إن كل ما حكم به العقل حكم به الشرع وهي وإن منع عنها عدة من الأخباريين وغيرهم اتكالا إلى ما ورد عنهم عليهم السلام أن دين اللَّه لا يصاب بالعقول وأنه لا شيء أبعد من دين اللَّه من عقول الرّجال إلى غير ذلك لكن الحق ان المراد بالعقل في القاعدة بقرينة الحكم وهو القضاء هو الإنسان من حيث أنه يقضى بحسن شيء وقبحه أو بوجوب شيء وعدم وجوبه أي يعتبرها اعتبارا فهو العقل العملي وحيث لم يتقيد فيها بفرد دون فرد وبصنف دون صنف فالمراد به ما لا یتوقف

١٨٧

في الحكم عليه إنسان عاقل ومصداقه الأحكام العامة العقلائية التي لا يختلف فيها اثنان من حيث أنهما ذوا عقل كحسن الإحسان وقبح الظلم إلا أن يختلفا في انطباقه على المورد ومن الضروري إن الشريعة لا تناقض الفطرة الطبيعية فما حكم به العقل حكم به الشرع.

وإن كان المراد من الحكم مطلق الإدراك ومن العقل ما هو أعم من العملي أو النظريّ فكذلك أيضا فان مصداقه أما حكم عام عملي وقد عرفت الملازمة بينهما فيه وأما حكم نظري قام عليه البرهان فكذلك أيضا إذ البرهان وهو القياس المفيد لليقين حيث كان مؤلفا من مقدمات بديهية أو نظرية منتهية إليها أي منحلة بالآخرة إلى بديهيات ومن الضروري أن ما يستنتج من تألف بديهيات لا يتصور في قباله إلا امتناع ما يناقضه فالشرع لا ينافيه بالضرورة.

قوله (ره) وما تهده من الدقيقة إلخ :

محصله ان العلوم منها حسية أو قريبة منها كالرياضيات ولا يقع فيها خطأ ومنها بعيدة إلى الحس ويكثر فيها الخطأ والقانون العاصم عن الخطأ يعنى المنطق إنما يتكفل الخطأ من جهة الصورة وأما من حيث المادة فلا فلا عاصم من الخطأ في الموارد إلا أن يرجع إلى ما ورد عن أهل العصمة عليهم السلام انتهى.

أقول وهو من الدعاوي الباهتة فان قانوني التحليل والتركيب بإنهاء النظريات إلى مباديها الضرورية ثم تأليفها لإنتاج النظريات

١٨٨

لا يتكلفلان غير ذلك وما أدري كيف خفي عليه حتى زعم أنه أتى بما خفي على مهرة الفن على أنه في كلامه محجوج بعين كلامه فإنه مقلوب عليه في دعواه فتدبر

العلم الإجمالي

قوله «ره» فهل القطع الإجمالي كذلك فيه إشكال إلخ :

محصل الإشكال والجواب على ما في حاشية منه إن القطع الإجمالي وإن انكشف به المتعلق إلا أن بقاء التردد والشك هناك هو موضوع الحكم الظاهري موجب لانحفاظ مرتبته فمن الممكن أن يرد من الشارع إجازة في اقتحامه وحديث منافاته مع المعلوم الإجمالي عين المنافاة المدعاة بين الحكم الظاهري والواقعي والجواب الجواب فتأثير القطع الإجمالي في التنجز مراعى بعدم ورد رخصة من الشارع بالمخالفة الاحتمالية في أحد أطراف الشبهة أو التفصيلي في جميع أطرافها فالعلم الإجمالي مقتض للتنجز لا علة تامة.

والجواب على ما في حاشية منه ان ما قررناه في الجواب عن اجتماع حكمين فعليين متماثلين أو متضادين في مورد الحكم الظاهري والواقعي غير جار هاهنا فان أحد الفعليين وهو الحكم الواقعي هناك باق على عدم تنجزه ما لم يتعلق به علم والاخر وهو الحكم الظاهري فعلى منجز ولا تنافي بين منجز وغير منجز ولو كانا فعليين وأما فيما نحن فيه من مورد العلم الإجمالي فمجرد تعلق العلم بالتكليف يوجب تنجزه لاستقلال العقل بصحة العقاب على الترك بالعلم فلا يبقى مجال لجعل

١٨٩

تكليف آخر في مورده فالعلم ولو إجمالا علة تامة للتنجز نعم يمكن أن يقع اختلال في ناحية المعلوم كلزوم اختلال النظام في الشبهة الغير المحصورة وكإذن الشارع في الاقتحام في الشبهة المحصورة فالقصور في ناحية المعلوم دون العلم انتهى ملخصا.

أقول قد عرفت في الكلام على الأمر الأول ان التنجز وهو كون التكليف بحيث يترتب العقاب على مخالفته من آثار التكليف نفسه وإن فائدة القطع إنما هي تحقق الموضوع فنسبته إليه إنما هي نسبة الوجود الخارجي إلى لوازم الوجود فإحراق النار من آثار النار غير أن ترتبه عليها يحتاج إلى وجودها وتحققها ولا فرق في ذلك بين العلم التفصيلي والعلم الإجمالي فان الإجمال ليس في ناحية العلم بل من حيث الانطباق على المورد فما لم يختل أمر فعلية التكليف في مرتبة قبل مرتبة العلم لم ينثلم ترتب أثر التنجز عليه بتعلق العلم وح فلو فرض عروض تعدد على متعلق العلم لأسباب خارجية اتفاقية بعد تحقق أصل الفعلية كما إذا تمت فعلية حرمة الخمر ثم ترددت في المصداق بين إناءين مثلا كان تعلق العلم بهذا التكليف بحسب طبعه موجبا للتنجز كالعلم التفصيلي لكن التأمل في بناء العقلاء يعطى أنهم لا يأبون من تجويز المخالفة في الأطراف وينتج ذلك إمكان إلحاق الجهل الحادث بعد تمام الفعلية إذا لم يستند إلى المكلف إلى الجهل الحادث قبل تمام الفعلية المانع عن الفعلية ويستنتج من ذلك إن القطع المفروض سبب

١٩٠

في نفسه للتنجز فإن لم يرد رخصة الاقتحام من ناحية المولى كان سببا تاما وإن ورد بقي على اقتضائه من غير تأثير فالقطع الإجمالي وإن شئت قل التكليف المتعلق به القطع مقتض للتنجز لا سبب تام ولو كان القطع علة تامة في التنجز والخلل في ناحية المعلوم كما ذكره رحمه الله كان موضوع التنجز هو القطع في نفسه دون التكليف وقد عرفت فساده.

مبحث الظن

قوله (ره) لا ريب في إن الأمارة الغير العلمية ليست كالقطع اه.

إن أراد بغير العلم ما ليس بمانع عن النقيض عند العقلاء وهو الَّذي يحتمل الخلاف احتمالا يعتد به فما ذكره من احتياج حجيته إلى جعل خاص أو ثبوت مقدمات موجبة لحجيته بحكم العقل حق لكن يرد عليه أن لا مصداق لمثل هذه الحجة الغير العلمية عند العقلاء فان الحجج التي يسميها حججا ظنية يعدها العقلاء من العلم فالإدراك الَّذي لا يعتنى باحتماله الخلاف علم عندهم لا يرتاب فيه من تأمل جرياناتهم في باب العمل فترى أحدهم يقول لصاحبه إن كذا كذا فيقول له صاحبه من أين علمت ذلك فيقول هو أخبرني به زيد أو قاله لي زيد فيعد الخبر دليلا علميا والظهور اللفظي كذلك وإن أراد بغير العلم ما ليس بمانع عن النقيض حقيقة وإن عده العقلاء علما مانعا من النقيض لعدم اعتنائهم بالخلاف المحتمل معه ففيه إن حاله عند العقلاء حال العلم فإن كان العلم لا يقبل الجعل لعدم إمكان سلب الحجية عنه

١٩١

فغيره من الأمارات التي يسميها غير علمية عند العقلاء بعد كونهم لا يعتنون باحتمال الخلاف فيه كذلك وكيف يمكن استقرار نظام ـ الاجتماع من غير حجية ظهور لفظي أو من غير حجية خبر موثوق به.

بل الإنصاف أنا إذا قسنا العلم الحقيقي المانع من النقيض حقيقة إلى نظام الاجتماع وكذا الاعتقاد الحاصل من ظهور اللفظ أو خبر الثقة إليه وجدنا الأخيرين ألزم مساسا وأوسع نطاقا من الأول بما لا يقاس ومن المعلوم إن جعل الحجية وما يتلوها هو من المعاني القائمة باعتبار العقلاء بما هم واقعون في نظام الاجتماع والاستكمال وإن ما اعتمد عليه الشارع من هذه الأصول إنما هو إمضاء لا تأسيس وقد عرفت حق القول في حجية القطع وساير الأمارات فيما مر.

قوله (ره) وليس الإمكان بهذا المعنى بل مطلقا أصلا إلخ :

توضيحه أن الإمكان مادة عقلية في مقابل الوجوب والامتناع وهي جميعا من مقتضيات ذوات الموضوعات بحسب نفس الأمر فكما يحتاج إثبات الوجوب والامتناع إلى برهان كذلك الإمكان فلا معنى لثبوت الإمكان عند الشك وارتفاعه عند عدمه.

وأما الاستدلال عليه باستقرار سيرة العقلاء على ترتيب آثاره عند الشك فيه فمدفوع بمنع ثبوت السيرة أو لا ومنع حجيته مع فرض الثبوت وكذا الاستدلال عليه بقولهم كلما قرع سمعك فذره في بقعة الإمكان مندفع بان مرادهم به الاحتمال العقلي دون الإمكان الذاتي وإلى ذلك يشير ما ذكره بعض الأساطين من مشايخنا إن المراد بالإمكان في المقام

١٩٢

هو الإمكان التشريعي دون الذاتي العقلي.

أقول الإمكان حيثية استواء نسبة الماهية الحقيقية إلى الوجود الحقيقي والعدم والحجية على ما عرفت أمر اعتباري لا نسبة له إلى الوجود والعدم حقيقة ولا معنى لوجوبه ولا لامتناعه من حيث هو كذلك فاصل البحث عن إمكانها وامتناعها وتأسيس الأصل فيه كل ذلك مغالطة من باب وضع ما ليس بماهية حقيقية موضعها وهو ظاهر.

نعم لما كانت الاعتباريات يحاذي بها الحقائق لترتيب آثارها عليها بإعطاء حدود الحقائق وأحكامها لغيرها صح أن يعتبر لغير الماهيات الحقيقية مواد الماهيات الحقيقية من إمكان وامتناع ووجوب بالنظر إلى ضرورة الاعتبار لمساس الحاجة الضرورية وجودا وعدما وهو الوجوب والامتناع الاعتباريان أو عدم ضرورة موجبة لأحد الطرفين وهو الإمكان الاعتباري إلا أن الاعتبار حيث كان مقامه العمل ولا يترتب على سلب الضرورتين أثر كان اعتبار الإمكان الذاتي لغوا فالتحقق بالممتنع من هذه الجهة وإن صح أصل الاعتبار تصورا.

ولذا كان الإمكان المعتبر عندهم الدائر في أعمالهم هو الإمكان العام بمعنى سلب الضرورة عن الجانب المخالف كما يشير إليه عنوان البحث وقوله وعدم لزوم محال منه عقلا في قبال دعوى استحالته انتهى. فيرجع معنى إمكان التعبد إلى إن العقلاء لا يأبون عن أخذه حجة ولا يمنعون عن سلوكه أي لا مانع من إلغاء احتمال الخلاف الموجود عنده

١٩٣

بحسب طبعه وتبين بذلك :

أولا أن الأصل عند الشك فيه هو الإمكان إذ الشك فيه يلازم الشك في المانع عن الحجية وعدم ثبوت الامتناع عند الشك وستعرف أن لازم جعل حجية العلم جعل الواقع مرتفعا عند ارتفاع العلم فيرتفع بذلك الامتناع وهو عين ثبوت الإمكان العام المطلوب فلو ثبت هناك دليل على جعل الحجية ثبتت الحجية ولو لم يثبت دليل على جعل الحجية بقيت على إمكانها العام لكن لم يجز سلوكه إذ من المحتمل أن لا يكون حجة عند المكلف (بالكسر) وإن انكشف به الواقع عند المكلف (بالفتح) بلغوية احتمال الخلاف عنده إذ المكلف (بالكسر) إنما يريد منه تكليفه ولا يرى التكليف الثابت عند المكلف (بالفتح) تكليف نفسه الَّذي أمر به.

وثانيا إن الطرق التي لم يثبت من حالها إلا إمكان التعبد يحتاج سلوكها إلى دليل مثبت ومع عدمه فعدم الدليل دليل عدم الحجية وأما الطرق الثابتة عند العقلاء فمجرد عدم ثبوت دليل على العدم وعدم الردع عن السلوك دليل على إمضاء الحجية وإنفاذها.

قوله «ره» أحدها اجتماع المثلين إلى قوله أو الضدين اه :

فرض كون ظرف الطريق غير ظرف الواقع يستلزم كون مظروف الطريق غير مظروف الواقع فلا مجال للقول بان التماثل بين الحكمين يوجب تأكد الحكم الواقعي كما ذكره بعض الأساطين من مشايخنا

١٩٤

رحمهم اللَّه ولا إن التضاد بينهما يوجب الكسر والانكسار فلا يبقى إلا أحدهما وذلك لأن المفروض بقاء الواقع على ما هو عليه وهو ظاهر.

وأما الإيراد بان التضاد والتماثل من أحكام الأمور الحقيقية دون الاعتبارية فلا تضاد ولا تماثل بين الأحكام. فمدفوع بان المراد مطلق التنافي ذاتا أو وجودا مجازا لا ما هو اصطلاح الحكيم.

قوله «ره» والجواب أن ما ادعى لزومه إلخ :

توضيحه إن هذه الإشكالات على قسمين :

أحدهما ما يلزم من جهة خطابين متنافيين فعلا كطلب الضدين.

وثانيهما ما يلزم من جهة تحقق ملاكين متنافيين كاجتماع المصلحة والمفسدة الملزمتين وكاجتماع الإرادة والكراهة وكتفويت المصلحة ولإلقاء في المفسدة.

أما الجواب عن اجتماع الخطابين المتنافيين فهو إن المختار في جعل الأمارات هو الطريقية المحضة فليس في مورد الأمارات إلا نفس الواقع فقط لو أصاب وأما عند الخطاء فالعذر ولازم ذلك أن يكون في مورد الإصابة حكم واحد في الواقع والظاهر وأما في صورة الخطاء فليس هناك إلا حكم واحد في الواقع وأما الظاهر فليس فيه إلا صورة حكم للعذر.

وبهذا يندفع الإشكال أيضا عن الأحكام الثابتة بالأصول المحرزة.

وأما الأصول الغير المحرزة كأصالة الإباحة الشرعية فلان الثابت

١٩٥

في مواردها وإن كانت أحكام فعلية غير ناظرة إلى الواقع بل في مقابلها لكن الحكمين الفعليين بما هما فعليان لا تنافي بينهما إلا من حيث التنجز وحيث كان المنجز هو الحكم الَّذي في مورد الأصل دون الحكم الواقعي لتحقق الجهل به فلا تنافي بينهما وهذا حال الأمارات لو قلنا بحجيتها الواقعي من باب السببية فتحصل أن محذور اجتماع الحكمين أما غير لازم وأما غير مضر وبمثل ذلك يندفع محذور طلب الضدين.

وأما الجواب عن اجتماع الملاكين المتنافيين كالمصلحة والمفسدة والإرادة والكراهة فواضح إذ على المختار من الطريقية المحضة ليس هناك إلا ملاك واحد من المصلحة والمفسدة إذ ليس إلا حكم واحد وهو الحكم الواقعي وكذا ليس هناك من الإرادة والكراهة إلا واحدة منهما وهي المتعلقة بالواقع هذا على الطريقية وأما على السببية وما في حكمها فالملاك وإن تعدد إلا أن أحدهما طريقي والاخر نفسي ولا تنافي بينهما وكذلك الإرادة والكراهة.

وأما حديث تفويت المصلحة والإلقاء في المفسدة فلا محذور فيه إذ يمكن أن يكون في جعل الطريق مصلحة غالبة على مصلحة الواقع فيتدارك به المصلحة الفانية عند الخطاء هذا كله في الأمارات والأصول المحرزة وأما الأصول الغير المحرزة فهي وإن استلزمت ملاكين في موردها لكن يمكن أن تكون المصلحة في مورد الأصل قائمة بالإذن دون متعلق الإذن وهو الفعل ومصلحة الواقع قائمة بالمتعلق فلا منافاة

١٩٦

وأما الإرادة والكراهة فنلتزم فيها بعدم تعلق الإرادة والكراهة بالنسبة إلى الحكم الواقعي ولا ينافي ذلك فعليته إذا لحكم الواقعي بحيث إذا تعلق به العلم لتنجز وإن كانت الكراهة المتعلقة بالفعل معلقة على عدم تعلق الإذن بالترك وبعبارة أخرى الإرادة أو الكراهة المتعلقة بالواقع معلقة على عدم تعلق أخرى بالظاهر هذا محصل ما أفاده ره.

أقول وأنت خبير بان ذلك كله تصويرات من غير شاهد وإنما دعاهم إليها ذهابهم إلى نفى التصويب لتظافر الاخبار بوجود حكم واقعي في كل واقعة يشترك فيها العالم والجاهل والمخطئ والمصيب.

على أن قيام المصلحة والمفسدة بنفس الإذن دون المأذون فيه كما صوره في موارد الأصول الغير المحرزة كقيامها بنفس الأمر كما صوره أيضا في موارد آخر حيث إن الأمر وهو الطلب الانشانى موجود بوجود ربطي بتبع غيره لا يستقيم قيام الملاك به لاستلزامه الاستقلال اللهم إلا أن يلاحظ الطلب نفسه بلحاظ استقلالي فيتعلق به الطلب الحقيقي دون الطلب الإنشائي وإلا لزم إرادة الإرادة إنشائيتين وهو باطل ويرجع تعلق الإرادة الحقيقية بالإرادة الإنشائية من غير تعلق جدي بمتعلق الطلب إلى تحقق فعل من المولى كسائر أفعاله الخارجية يتعلق به غرض من الأغراض المتعلقة بالمكلف كالامتحان والإهانة والتعجيز وغير ذلك وكذلك الإذن فكل ذلك نسب بين الأمر والمأمور والمتعلق.

ويستنتج من جميع ذلك إن التكليف ح صورة تكليف لا

١٩٧

تكليف وهو مع ذلك ليس حكما ظاهريا مترتبا على حكم واقعي إذ الحكم الظاهري ما يتعلق بالمتعلق بما هو واقع في ظرف الشك والمفروض أن لا ملاك فيه حتى يتعلق به تكليف حقيقة لا في صورة الخطاء ولا في صورة الإصابة بل هناك في الحقيقة حكم واقعي مجهول وفعل من أفعال المولى فافهم ذلك.

على إن الالتزام بعدم تعلق الإرادة والكراهة بالنسبة إلى التكليف الواقعي موجب لزوال فعليته فيرد عليه ما سيورده وهو قدس سره على من التزم في موارد الأصول والأمارات بالحكم الواقعي الشأني دون الفعلي وما اعتذر به ان ذلك لا يوجب زوال فعلية الحكم الواقعي فان البعث والزجر فعلى والإرادة متعلقة لولا انقداح الإذن في الترك لأجل مصلحة في نفس الإذن تثبيت للإشكال إذ ليس للعلم إلا التنجيز وأما فعلية البعث والزجر فمن الواجب أن تتحقق قبل تحقق التنجز ولا معنى للبعث بالفعل مع عدم الإرادة بالفعل وأما الواجب المعلق فهو وإن كان متأخر الثبوت لكن وجوبه والإرادة المتعلقة به كلاهما بالفعل.

فالحق في المقام أن يقال إن الَّذي استقر عليه بناء العقلاء إن التكليف إنما يصير تكليفا فعليا بملاك فعلى إذ الطلب العقلائي لا يكون إلا عن غرض عقلائي وحيث إن الغرض إنما يتحصل بالبلوغ والوصول أوجب ذلك جعل حجية العلم أعم من القطع وساير الطرق التي يعدها العقلاء من العلم كما عرفت وحيث كان العلم عين المعلوم فجعله جعل

١٩٨

المعلوم أي إن في مورد العلم حكما مطابقا لمؤداه بدعوى أنه هو الواقع وملاكه الَّذي هو عين ملاك طريقية العلم ملاك طريقي بالضرورة منبعث عن ملاك الحكم الواقعي ومنحفظ به كما هو ظاهر بحيث يتحد به عند المصادفة ويتدارك به بمعونة ما انبعث عنه مفسدة المخالفة.

ثم أن لازم جعل العينية بين المعلوم والواقع هو اعتبار العينية بين العدمين أي جعل عدم المعلوم عدما للواقع أي اعتبار أنه ليس في صورة الشك حكم واقعي مشكوك وهذا هو الأصل العملي الموجب للإذن وهو أيضا حكم مجعول في الظاهر في مورد الأصل بملاك منبعث عن ملاك الحكم الواقعي وهو وإن لم يكن طريقيا مثل ملاك الحجة العلمية لكنه منبعث عن ملاك الحكم الواقعي وتبعي بالنسبة إليه يتحد معه عند المطابقة ويتدارك به المفسدة عند المباينة إذا عرفت ذلك علمت أن الحكم الواقعي في جميع الصور الأربع فعلى تام والحكم الموجود الفعلي في مورد الأمارة بملاكه الطريقي وفي مورد الأصل بملاكه التبعي في صورة الإصابة والموافقة هو المنجز ويعد هو الواقع والحكمان الموجودان في موردي الأمارة والأصل في صورة الخطاء أيضا حكمان فعليان منجزان دون الواقع فإنه باق على فعليته من غير تنجز وملاكاهما لا ينافيان ملاك الواقع لكونهما طريقيا أو تبعيا منبعثين عن الملاك الواقعي منحفظين به فلا ينافيانه فاندفع بذلك جميع المحاذير.

١٩٩

أما محذور اجتماع الحكمين فلاختلافهما بالتنجز وعدمه وكذلك محذور طلب الضدين.

وأما محذور اجتماع الملاكين فلاختلافهما بالنفسية والطريقية أو بالاستقلال والتبعية فيتحد ملاك الحكم الظاهري مع ملاك الحكم الواقعي عند الموافقة ويتدارك به المفسدة عند المخالفة.

وأما محذور الإرادة والكراهة فكك أيضا على أن لنا فيه كلاما قد أسلفناه في بحث الطلب والإرادة وسيجئ إليه إشارة.

وأما محذور تفويت المصلحة أو الإلقاء في المفسدة فبالتدارك إذ الملاك الأصلي بين الجميع حيث كان واحدا وهو ملاك الحكم الواقعي المنبعث عنه جميع الملاكات الطريقية أو التبعية الموافقة أو المخالفة ويمتنع أن ينبعث عن الشيء إلا ما يلائمه فالمفسدة في مورد الخطاء متداركة بنفس الملاك الواقعي فافهم ذلك.

قوله «ره» إلا أنه إذا أوحى بالحكم الشأني إلخ :

إشكال وجواب توضيحهما ان الحكم لا يتحقق من غير أمر ونهى ولا يتحققان إلا مع إرادة نفسانية أو كراهة كذلك ومن البين ان لا معنى لتحققهما في المبدأ الأعلى عز علوه فلا يصح إضافة الحكم إلى اللَّه سبحانه إلا مجازا.

والجواب ان الحكم لا يقتضى أزيد من وجود إرادة أو كراهة متعلقة بمتعلقه وأما قيامها بالمبدأ الأعلى عز اسمه فيما نسب إليه من

٢٠٠