حاشية الكفاية

المؤلف:

آية الله السيد محمد حسين الطباطبائي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: بنياد علمى وفكرى علامه طباطبائى با همكارى نمايشگاه و نشر كتاب
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣١٠

شيئا والبحث عن علة وجود اللفظ كالمعنى من حيث انهما معلومان في الأذهان كسائر العلوم وهي جميعا غير مستندة إلى إرادة العالم بها غير البحث عن حد الوضع فهذا القول اقرب إلى القول بذاتيته ، دلالة الألفاظ منه بوضعيتها.

ومن ذلك يظهر أيضا ان الدلالة باللفظ على المعنى لا يتوصل إليه إلّا بدعوى الاتحاد بينهما فربما كان ذلك بدعوى كون اللفظ هو المعنى وربما كان ذلك بدعوى كون اللفظ هو المعنى لكون معناه هو المعنى أي ان يكون الاتحاد أو لا بين المعنيين ثم بين لفظ أحدهما المتحد معه والمعنى الآخر وهذا هو المجاز.

ومن هنا يظهر ان المجاز يدور مدار علاقة واحدة وهو الاتحاد الادعائي بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي فيطلق لفظ الأول على الثاني أو تعطى نسبة الأول للثاني فحقيقة المجاز هو ادعاء الاتحاد بين المعنيين ، أنفسهما أو بينهما من حيث النسبة فالذي في إطلاق الأسد على الرّجل الشجاع دعوى الاتحاد بين المعنيين أنفسهما والّذي في جرى الميزاب لو كان من المجاز في النسبة ادعاء ان نسبة الجريان إلى الميزاب هو عين نسبته إلى الماء فالمجاز بقسميه تحت نوع واحد وهو دعوى الاتحاد بين معنيي الحقية والمجاز والعلاقة أيضا نوع واحد وهو دعوى الاتحاد المزبور.

ومن ذلك أيضا يظهر ان الأقدم في كل وضع هو الوضع الخاصّ

٢١

ثم يتدرج إلى العموم بدعوى ان الفرد الثاني هو الفرد الأول ثم الثالث هو الثاني كما ان حصول العلم بالكليات والارتقاء إليها من الجزئيات على هذا النحو أيضا.

قوله «ره» ثم ان الملحوظ حال الوضع اما يكون معنى عاما إلخ :

وقد أحسن التعبير في مقام تفسير كلمة الوضع الواقع في هذا التقسيم فانه يوهم تقسيم الشيء إلى غيره فالمراد بالوضع في المقسم هو المعنى الاصطلاحي وفي الأقسام غيره فافهم.

وكيف كان فقد عرفت كيفية الوضع في الألفاظ فانها بحسب الوضع الأولى الّذي دعت إليه ضرورة الحاجة الاجتماعية أوضاع خاصة كوضع الاعلام الشخصية ثم قد ينتقل منها إلى الوضع العام اما بسرعة كما في لفظ الإنسان والحيوان أو بعد حين كالشمس والقمر والميزان والقلم وقد لا ينتقل لعدم تماس الحاجة فيبقى الوضع على خصوصه كبعض الاعلام الشخصية فافهم واما الأوضاع الغير الأولية مثل أوضاع اللغات المتأخرة فحالها حال التغيرات المتعاقبة للألفاظ والتطورات الطارية عليها كالإعلال والحذف ونحوهما والجميع ظاهر بعد التأمل فيما قدمناه.

المعاني الحرفية

قوله «ره» فقد توهم انه وضع الحروف وما يلحق بها إلخ الّذي ينبغي ان يقال في المقام هو ان الموجودات الخارجية

٢٢

تنقسم بحسب نظر العقل إلى قسمين.

أحدهما ما يستقل بالوجود ومن المعلوم ان العقل حيث كان شأنه تعقل الماهيات لا غير فغرض استقلال الموجود بالوجود عنده يلزمه بالضرورة ان يكون له ماهية معقولة يصح تلبسها بالوجود فيكون هذا المفهوم موجودا في الخارج مثلا من غير حاجة في تلبس المفهوم عنده إلى شيء آخر سواء كان الوجود الخارجي بحسب نفسه محتاجا إلى وجود آخر من مادة أو موضوع أو علة أو لم يكن فكل ذلك حاجات الوجود الخارجي من حيث انه وجود خارجي واما من حيث صدق مفهومه عليه بعد فرضه وجودا في الخارج أو قيامه به حيث انه حده فلا يختلف حاله فمفهوم الإنسان والسواد لا يختلف حالهما بالنسبة إلى صدقهما على الإنسان والسواد الخارجيان وان كان الثاني في وجوده محتاجا إلى موضوع يقوم به وينعته بخلاف الأول.

وثانيهما ما يكون بوجوده رابطا بين موجودين من حيث انه رابط أي يكون عين الربط وهذا القسم بذاته واسطة بين شيئين ومن المعلوم ان الواسطة من حيث انها واسطة لو كانت مستقلة الوجود في قبال الطرفين كانت ثالثتهما ومحتاجة في الارتباط بهما إلى واسطتين رابطتين أخريين وقد فرضت مربوطة بذاتها فيستحيل ان يكون لها ماهية ملحوظة وحدها عند العقل إذ لو كانت كان اتصافها بالوجود بالاستقلال فكانت من القسم الأول هف.

٢٣

ثم البرهان قائم على ان هناك وجودات أخر غير مستقلة الذوات قائمة بوجودات مستقلة أخر غير قائمة بطرفين ولا متوسطة بين موجودين وهي المعاني النسبية القائمة بالذوات مثل معنى الخطاب والتكلم والغيبة ونحوها فهذه الوجودات جميعا أمور موجودة في الخارج لكن لا في أنفسها بل في غيرها أي ان ماهية الغير يعرضها وجودها ويقوم به هذه الأمور الرابطة نحوا من القيام وإذ لا ماهية لها في نفسها فليست هي ذات حدود فليست بسيطة الذوات ولأمر كتبها وليست لها أحكام فليست بكلية ولا جزئية ولا عامة ولا خاصة ولا لهما نسبة مع شيء بالعموم والخصوص والتباين والتساوي إلّا بتبع الموجودات المستقلة المقومة لوجودها كل ذلك لمكان ان لا ذات لها في أنفسها هذا.

فان قلت هذه الأحكام التي ذكرت لها هي أحكام لها في أنفسها فلها نحو ما من الاستقلال به يصح ان يلاحظ أحكامها فيها وتثبت لها فليست هي مع الموجودات المستقلة المشابهة لها كالابتداء الاستقلالي والانتهاء الاستقلالي متباينة بالذات غير متسانخة.

قلت هذه أحكام سلبية بالسلب البسيط ولا يقتضى وجود الموضوع فان قلت نعم ولكن الموضوع المأخوذ فيها في اللفظ وهو الابتداء الرابط أو الانتهاء الرابط مثلا يحكى بها عن تلك الوجودات الرابطة الخارجية الغير المستقلة فلها معان مستقلة معقولة بالاستقلال ولا بد من اتحاد بين الحاكي والمحكي عنه على ان السلب البسيط يمكن

٢٤

تبديله إلى الإيجاب المعدول.

قلت الابتداء الآلي بمعناه الّذي تحت لفظه معنى اسمي وليس من هذه الجهة معنى من الرابط بين المبتدأ والمبتدأ منه بل هو مأخوذ عنوانا يحكى به عنه ومصحح ذلك تفاوت الحمل فالابتداء الآلي ابتداء إلى رابط بالحمل الأولى والاستقلالي بالحمل الشائع ونظائره كثيرة كقولنا الجزئي جزئيّ وليس بجزئي لصدقه على كثيرين والمعدوم المتصور معدوم وليس بمعدوم لوجوده في الذهن وبالجملة فالمعاني النسبية لا تتصف بشيء من الأحكام كالتباين والجزئية وغيرهما بل كل ما يتصور لها من الأحكام فللوجودات المستقلة المقومة لوجوداتها بالذات.

ثم من المعلوم ان هذه المعاني كلا أو جلا وهو خصوص ما تنبه له الإنسان منها مأخوذة في الألفاظ محكية بها عنها فما كان منها رابطة بين موجودين واسطة بين طرفين وضعت لها ألفاظ الحروف مثل حروف الجر وحروف الشرط وما كان منها قائمة الذات بطرف واحد ربما وضع بإزائها حرف مثل حروف النداء والتنبيه والخطاب والتحضيض ونحو ذلك وربما أخذت مع الذات المقوم لها كالذات مع معنى نسبي واحد أو اثنين أو زيادة فوضع بإزاء الذات مع ما يقوم به جميعا لفظ واحد كالضمائر وأسماء الإشارة وأسماء الشرط ونحو ذلك فكلمة ذا تدل على الذات مأخوذة مع نسبة الإشارة وكلمة هم تدل على

٢٥

الذات مع نسبة الغيبة والتذكير والجمعية هذا.

ويشبه ان يكون وضع الحروف وما يشتمل على معانيها متأخرا عن الوضع في الأسماء كما يعطيه البيان المتقدم في حقيقة الوضع ويشهد به ما نشاهده من حكم الفطرة في تعلم الجاهل باللغة لها فانه يأخذ بتعلم الأسماء قبل الحروف وربما اكتفى في التفهيم بإلقاء ما عنده من الأسماء هذا.

وإذ تبين ان الحروف وما يلحق بها موضوعة لهذه المعاني النسبية الغير المستقلة بذاتها المتقومة بوجود غيرها تبين انها موضوعة لمعان في غيرها وتبين ان قولنا ان معانيها تباين المعاني الاسمية بالذات وقولنا ان الوضع فيها كالموضوع له عام من الكلام المجازي إذ لا ذات مستقلة فيها فلا حكم لها فافهم.

ومن هنا يظهر ما في إفادة شيخنا المحقق الأستاذ «ره» في الحاشية حيث قال ان المعنى الاسمي والحرفي متباينان لا اشتراك لهما في طبيعي معنى واحد والبرهان على ذلك هو ان الاسم والحرف لو كانا متحدي المعنى وكان الفرق بمجرد اللحاظ الاستقلالي والآلي كان طبيعي المعنى الوحداني قابلا لأن يوجد في الخارج على نحوين كما يوجد في الذهن على طورين مع ان المعنى الحرفي كأنحاء النسب والروابط لا يوجد في الخارج الا على نحو واحد وهو الوجود لا في نفسه ولا يعقل ان يوجد النسبة في الخارج بوجود نفسي فان القابل لهذا النحو من

٢٦

الوجود ما كان له ماهية تامة ملحوظة في العقل كالجواهر انتهى وهو مغالطة من باب وضع القسم موضع المقسم ولو بدل القسم بالمقسم بوضعه موضعه عاد مصادرة بالمطلوب الأول كما لا يخفى.

ومن أعظم الشاهد على ان الوجود الواحد يوجد على كل من الوجهين أي يقوم به كل من نحوي المفهوم ما أقيم عليه البرهان في محله ان الموجودات الإمكانية وهي التي وجوداتها في أنفسها من الجواهر والاعراض وجودات رابطة بالنسبة إلى الواجب عزّ اسمه وهذه النسبة ذاتية لها بمعنى ما ليس بخارج فالوجود الواحد الإمكاني بعينه متحيث بالحيثيتين جميعا وهما حيثيتان صحيحتان حقيقتان وهذا الّذي أشرنا إليه برهان تام لا يدخله شك البتة ولازمه ان المفهوم من حيث هو مفهوم لا حكم له بشيء من الاستقلال وعدمه الا من حيث الوجود الّذي ينتزع منه أو ينتهى إليه انتزاعه.

فالحق ان يقال ان المعنى الحرفي ما ينتزع من وجود في غيره واللفظ الدال عليه حرف والمعنى الاسمي ما ينتزع عن وجود في نفسه والدال عليه اسم ومن المعلوم ان الحيثيتين أعني الاستقلال وعدمه مختلفان سنخا اختلاف المرتبتين في المشك فافهم واما التباين بين معنيين في نفسهما سنخا وراء الغيرية التي في ذوات المفاهيم كما ذكره «ره» فمما لا ريب في بطلانه والزائد على هذا القدر من الكلام ينبغي ان يطلب من محل غير هذا المحل.

٢٧

ومن هنا يظهر أيضا فساد ما صوره «ره» لتقريب كون الوضع عاما والموضوع له خاصا في الحروف بان المعاني الحرفية يمتنع تصورها استقلالا فلا تتصور معانيها حال الوضع بل المتصور انما هو عناوينها من المعاني الاسمية كعنوان الابتداء الآلي في معنى من والانتهاء الآلي في معنى إلى وكل من هذه العناوين جامع عنواني لا جامع ذاتي إذ لا جامع ذاتي فيها وبينها بل هي لكونها معاني نسبية فوجودها وثبوتها في الخارج بطرفيها على حد ثبوت المقبول بثبوت القابل على نهج القوة لا الفعل وكذا في الذهن فهي دائما متقومة بطرفين خاصتين بحيث لو لوحظت ثانيا لم تكن عين الأول بل غيرها فالملحوظ حال الوضع هو الجامع العنواني وهو عام والموضوع له ثانيا هو المحكي عنه وهو خاص انتهى ملخصا ووجه الفساد ما عرفت ان الأحكام العارضة للمعاني الحرفية انما هي بعرض الوجودات الغيرية التي في الخارج بإزائها فهي أحكام تلك الوجودات بالذات وأحكام المعاني بالعرض ثم تلك الوجودات الغيرية أيضا لا حكم لها في نفسها إذ لا نفسية لها بل هي في أحكامها تابعة لما يقومها من الأطراف أو غيرها عامة بعمومها خاصة بخصوصها فكونها موجودة في الخارج بنحو الخصوصية انما هو لكون مقومها موجودة في الخارج كذلك هذا واما كون وجودها بالقوة على نهج ثبوت المقبول بثبوت القابل فشتان ما بينهما من الفرق وانما هي وجودات في وجودات أخر بمعنى ما ليس بخارج ولو كان كما

٢٨

ذكره «قده». كانت نسبة الأطراف إليها نسبة المادة إلى الصورة أو نسبة الموضوع إلى العرض.

قوله «ره» بخلاف الخاصّ فانه بما هو خاص لا يكون وجها لها إلخ :

هذا يناقض كما قيل ما سيذكره في إطلاق اللفظ وإرادة نوعه أو صنفه من جواز كون الموضوع في القضية فردا من نوع اللفظ الخارجي أخذ مرآتا لحال بقية افراد النوع.

وقد أورد عليه بجواز تصوير هذا النوع من الوضع أعني الوضع الخاصّ والموضوع له عاما بنحو الخيال المنتشر كالشبح المرئي من بعيد المحتمل لأشخاص كثيرة من نوع أو أنواع.

وفيه ان الشبح بوجوده الخارجي لا يحتمل إلّا واحدا بعينه من غير إبهام إذ لا إبهام في الوجود الخارجي وبوجوده العلمي المفهومي كلي غير جزئيّ وتفصيل الكلام في محل آخر.

قوله «ره» قلت الفرق بينهما انما هو في اختصاص كل منهما بوضع :

فيه ان هذه الغاية أو الفائدة ان كانت مرتبطة بالتخصيص الوضعي ارتباطا حقيقيا عاد المحذور عينا وان لم تكن مرتبطة كان وجودها وعدمها سواء وجاز حينئذ استعمال كل من لفظي الابتداء ومن في محل الآخر وان منع عنه الواضع ولا يلتزم به ملتزم.

قوله «ره» ثم لا يبعد ان يكون الاختلاف في الخبر و

٢٩

الإنشاء أيضا كذلك إلخ :

قد عرفت فيما تقدم من معنى الوضع انه صيرورة اللفظ وجود المعنى اعتبارا بعد ما لم يكن هو هو حقيقة.

ومن البين ان اختلاف هذا الاعتبار في نفسه من حيث كونه تارة ضروريا لا يتصور خلافه ولا يستغنى عنه وأخرى غير ضروري وجائز الاستغناء عنه غير مؤثر في هذا الاتحاد الاعتباري من حيث انه اتحاد كذلك فاذن كل اتحاد بين اللفظ والمعنى بوجه بحيث يحتاج إلى اعتبار ما فهو مستند إلى اللفظ والنسب الاخبارية والإنشائية كذلك فهي مستندة إلى الوضع وحيث كانت نسبا غير مستقلة ومعاني حرفية فوضعها وضع الحروف كما ان المجاز كذلك أيضا كما سيجيء.

قوله «ره» ثم انه قد انقدح مما حققناه إلخ.

قد عرفت مما يتعلق به من الكلام.

قوله «ره» أظهرهما انها بالطبع لشهادة الوجدان إلخ. :

قد عرفت ان اختلاف نفس الاعتبار من حيث كونه تارة اعتبارا يضطر إليه الإنسان بحسب تماس الضرورة وأخرى يجوز الاستغناء عنه لا يوجب اختلافا في ناحية الأمر الاعتباري من حيث انه اعتباري فلو كان اضطرار الإنسان إلى الاعتبار معنى موجبا لخروجه عن الاعتبارية لزم من وجود الاعتبار عدمه وهو باطل بل من وجود أصل الاعتبار عدمه فافهم.

٣٠

وتعين للفظ بإزاء المعنى الحقيقي وكونه متحدا معه وان أوجب اتحادا ما للفظ مع كل ما للمعنى الحقيقي اتحاد ما معه لكن اللفظ حيث كان بالإضافة إلى المعنى المجازي مع قطع النّظر عن الاعتبار ليس بينهما اتحاد ودلالة بحسب الحقيقة والواقع فالمجاز مسبوق بالاعتبار واللفظ الخاصّ بالنسبة إلى المعنى المجازي الخاصّ لا اتحاد تام بينهما على حد الاتحاد الموجود بين اللفظ والمعنى الحقيقي أعني الاتحاد الوضعي لكنه موجود بين نوع اللفظ الموضوع ونوع المعنى المتحد مع معناه الحقيقي فبينهما وضع غير انه نوعي ليس بالشخصي فالمجاز موضوع بالوضع النوعيّ.

ومن هنا ظهر فساد استدلاله «ره» باستغناء المجاز عن الوضع بقوله بشهادة الوجدان بحسن الاستعمال فيه ولو مع منع الواضع عنه وباستهجان الاستعمال فيهما لا يناسبه ولو مع ترخيصه انتهى.

إذ الواضع على ما مر من تفسير الوضع هو الإنسان بفطرته الاجتماعية فمعنى منعه عن الاستعمال شهادة الذوق باستهجان الاستعمال لعدم المناسبة ومعنى ترخيصه شهادته بحسنه لوجود المناسبة هذا وبعبارة أخرى لو فرضنا الوضع تعينيا كان قوله لشهادة الوجدان بحسن الاستعمال ولو منع الواضع عنه إلخ.

في قوة قولنا لشهادة الوجدان بحسن الاستعمال ولو لم يشهد بحسنه ولو فرضناه تعيينيا في قوة قولنا لشهادة الوجدان بحسن

٣١

الاستعمال ولو لم يضع الواضع اللفظ لمعناه الحقيقي فتأمل.

قوله «ره» صحة الإطلاق كذلك وحسنه انما كان بالطبع لا بالوضع إلخ :

قد عرفت ان وضع الألفاظ تعيني يقتضيه الفطرة الإنسانية بداعي رفع الاحتياج إلى التفهيم فطرة فلا مانع من القول بان الإنسان بفطرته يجعل الفرد من اللفظ وجودا لنوعه أو صنفه أو مثله كما كان أول الوضع كذلك على ما عرفت سابقا وتضعيفه بلزوم وضع المهملات لا يزيد على الاستبعاد شيئا نعم هو على تقدير وضع الألفاظ تعيينيا في محله فافهم.

قوله «ره» لاستلزامه اتحاد الدال والمدلول إلخ :

هو ممتنع لكونهما من قبيل المتضايفين ذكر شيخنا الأستاذ أعلى الله مقامه في الحاشية ان المتضايفين ليسا متقابلين مطلق بل التقابل في قسم خاص من التضايف وهو ما إذا كان بين المتضايفين تعاند وتناف في الوجود كالعلية والمعلولية مما قضى البرهان بامتناع اجتماعهما في وجود واحد لا في مثل العالمية والمعلومية والمحبية والمحبوبية فانهما يجتمعان في الواحد غير ذي الجهات كما لا يخفى والحاكي والمحكي والدال والمدلول كاد ان يكونا من قبيل القسم الثاني حيث لا برهان على امتناع حكاية الشيء عن نفسه انتهى.

وبنائه على ان المتضايفين بما هما كذلك لا يقتضيان امتناع الاجتماع وهو خطأ إذ التضايف من أقسام التقابل الأربع الّذي هو

٣٢

الغيرية بالذات فامتناع الاجتماع في أطرافهما بالذات لا لعارض فارجع إلى محله واما اجتماع العالمية والمعلومية والمحبية والمحبوبية في الواحد غير ذي الجهات كالواجب عزّ اسمه فالذي هناك من المجتمعين هو العالم والمعلوم مثلا وليسا من المتضايفين وذي نسبة متكررة وهو واضح ثم المعنى المحكي بالعالمية مورد التضايف لدلالتهما على أخذ النسبة في الطرفين إلى الطرفين فتتكرر لكنهما معنيان انتزاعيان يعرضان له في العقل ويكفيه فرض التعدد بحسب صدق المفهوم عليه وان كان إحدى الذات بحسب العين فافهم ذلك.

نعم يرد على أصل المطلب بان الدال والمدلول ليسا من المتضايفين في شيء لعدم تكرر النسبة وقد قربه بعض الأساطين من مشايخنا «رض» بلزوم اتحاد المرات والمرئي والفاني والمفني فيه ولازمه كون الشيء معلوما وغير معلوم بنفسه لكنه كسابقه.

بيان ذلك انا نجد بعض الأشياء بحيث إذا حصل العلم بها تعقبه العلم بشيء آخر ونفقد هذا المعنى في بعض آخر منها ونجد القبيل الأول غير مختلف في تلك الحيثية ولا متخلف فالعلم بالدخان المتصاعد مثلا يتعقبه العلم بوجود نار هناك ثم لا يختلف ذلك بان يكشف عن النار مرة وعن غيرها أخرى ولا يتخلف بان يكشف تارة ولا يكشف أخرى وهذا يوجب ان يكون بين الشيئين رابطة ونسبة ثابتة غير متغيرة والنسب أمور غير مستقلة بنفسها ووجودها

٣٣

في غيرها أي وجود النسبة هو وجود ذلك الغير بمعنى ما ليس بخارج وهذا المعنى مع فرض قيامه بالطرفين يوجب كون الطرفين متحدين اتحادا ما أي ان يكون هناك شيء واحد من جهة النسبة وكثير من جهة نفسه على ان تكون الحيثية تعليلية بنحو الوساطة في الثبوت دون العروض ووجود الكثير من حيث كثرته أعني أحد طرفي النسبة عند العالم عين وجوده من حيث وحدته أعني وجود النسبة مع الطرف الآخر وهذه هي حقيقة الدلالة شيء على شيء.

وتبين بذلك ان الدلالة لحيثية الوحدة بينهما أي النسبة أو لا وللكثير أي الطرف الدال بواسطته ثانيا فدلالة شيء على شيء هي إيصاله العالم إلى المدلول أي إيجابه حصول المدلول عنده ولنا ان نبدله بقولنا إيجابه للعالم ان يحضر عنده المدلول المعلوم فلو فرضنا معلوما بالذات فهو دال على ذاته بذاته كما في الواجب عزّ اسمه وقد ورد في المأثور يا من دل على ذاته بذاته هذا فدلالة الشيء على ذاته بنفسه ان يقتضى ذاته ان يكون معلوما وهذا المعنى لا يتحقق إلّا في العلة بالنسبة إلى معلولها وفي الشيء إذا كان مجردا بالنسبة إلى نفسه وينتج بعكس النقيض استحالة دلالة الشيء على نفسه ومجرد تكثر الحيثيات غير مفيد ما لم يقض بكثرة حقيقية خارجية فتأمل وليطلب بقية الكلام من غير المقام.

فدلالة الشيء على نفسه مستحيلة سواء كانت دلالة غير وضعية أو

٣٤

وضعية ومن هنا يظهر فساد ما أجاب به المصنّف «ره» عن الإشكال باعتبار اللفظ ذا حيثيتين بالصدور والإرادة هذا.

واما حديث فناء شيء في شيء وكونهما مرآتا ومرئيا فكلام تشبيهي ينبغي ان يحمل على نوع من المجاز وحقيقته كون الشيء؟ متحد الوجود مع شيء آخر أو كونه ذا وجود في غير فالعقل إذا تصوره في نفسه اما بذاته أو بنحو من التحيل كما في المعنى الحرفي ثم فقده ووجد مكانه ما يتحد به أو يوجد فيه سمى ذلك فناء له فيه وليس من الفناء في شيء لاستلزامه وحدة الكثير وهو ممتنع بالضرورة واما ما ربما يمثل له بمثل فناء العلم في المعلوم وفناء المرات في المرئي وفناء الماء أو الهواء أو الزجاج فيما تحكيه مما خلفه فهو ناش عن الغفلة عن حقيقة الحال في تعلق العلم بالخارج وعن حقيقة الإبصار مع الصقالة والشفاف والنور فيها غير ملائم لهذا المقام فليطلب من محله.

قوله : «ره» أو تركب القضية من جزءين إلخ :

على تقدير عدم الاعتبار الدلالة وكون الموضوع نفس اللفظ بخارجيته كما قرره (ره) لضرورة استحالة ثبوت النسبة بدون المنتسبين.

أقول : ولا يكفى في دفع المحذور مجرد ثبوت المنتسبين ولو مع اختلاف الوعاء كالذهن والخارج بل مقتضى ما قدمناه في الكلام على المعنى الحرفي لزوم كون وجود طرفي النسبة من سنخ واحد

٣٥

اما خارجيين معا أو ذهنيين معا واما كون أحدهما خارجيا والآخر ذهنيا متقررا بالتقرير العلمي فمن المستحيل ثبوت النسبة بينهما.

ومن هنا يظهر فساد ما أجاب به (ره) ان النسبة قائمة بطرفين أحدهما شخص نفس اللفظ والآخر المعنى المحكي عنه بالمحمول فتكون القضية ذات اجزاء ثلاثة.

قوله : «ره» لا وجه لتوهم وضع للمركبات غير وضع المفردات.

قد مر ما يتعلق به من الكلام في الكلام على وضع المجازات فكون الاعتبار الوضعي في نفسه ضروريا لا يوجب استغناء الموضوع عن الوضع بل الأمر بالعكس كما ان كون الجعل في مورد كالعلم ضروريا لا يوجب استغناء المجعول عن الجعل وكون الشيء ضروري الفعل كالتنفس للحيوان لا ينافى كونه إراديا اختياريا ومن هنا يظهر أيضا فساد ما أورده «ره» على وضع المركبات من لزوم دلالة الكلام على معناه مرتين باعتبار وضع المفردات مرة وباعتبار وضع المركبات مرة أخرى إذ الكلام يدل على نسبة وراء ما يدل عليه المفرد فلا بد من استناده إلى وضع والوضع كما عرفت تعيني يتحقق مع الاستعمال ثم ينحل بحسب تعدد الدلالات إلى أوضاع.

قوله «ره» اختلفوا في ثبوت الحقيقة الشرعية وعدمه إلخ.

لا ثمرة يترتب على هذا البحث لعدم وجود مصداق له فيما بأيدينا من الأدلة كما ذكره بعض الأساطين من مشايخنا بل الحق ان البحث عن

٣٦

حقيقة الألفاظ ومجازها ليس من شأن الأصولي وانما الواقع في طريق الاستنباط هو الظهور اللفظي أعم من ان يكون على وجه الحقيقة أو المجاز ولذا ترى اما نكتفي بالظهور في كل مورد لا يساعد الدليل على إثبات الوضع فيه كوضع صيغة افعل على الوجوب وصيغة لا تفعل على الحرمة فنستفيد من ظهورهما فيهما فائدة وضعهما عليهما ولا نكتفي بثبوت الوضع فيما كان حقيقة متروكة كأحد معنيي المشترك إذا كان مهجورا لظهور المعنى الآخر.

الصحيح والأعم

قوله «ره» وأنت خبير بأنه لا يكاد يصح إلخ.

قد عرفت ان الحقيق بالبحث هو الكشف عن ظهور اللفظ في هذه المقامات دون الحقيقة فينبغي ان يحرر النزاع ان من المفروغ منه استعمال اللفظ في كل من المعنيين فهل استعمال اللفظ في الفاسد يحتاج إلى عناية زائدة أو ان الاستعمال في الصحيح والفاسد على حد سواء واما حديث صعوبة الكشف عما كان عليه بناء الشارع في محاوراته من نصب القرينة وإعمال العناية الزائدة عند إرادة الفاسد مثلا فهو كذلك لكن نظير الإشكال وارد على الفريقين فيما استدل به كل على مختاره بالتبادر وعدم صحة السلب فان الّذي يسع لنا التمسك به هو ما عندنا من التبادر وعدم صحة السلب ولا يفيد شيئا والّذي يفيد هو ما في زمان الشارع وعند مخاطبيه ولا سبيل إليه ثم الّذي يستدلون به هناك

٣٧

من اعتبار بناء العقلاء في باب وضع الأسامي وان الشارع في بنائه ملحق بهم فهو مفيد هاهنا فتأمل.

قوله (ره) ان الصحة عند الكل بمعنى واحد وهو التمامية إلخ كون الصحة عند الكل بمعنى واحد مسلم غير انها ليست هي التمامية بل هما حيثيتان متغايرتان وان ترتبت إحداهما على الأخرى بيان ذلك اما بالارتكاز الفطري نطلق التمام والنقص على الأشياء إطلاق المتقابلين فلا يجتمعان في شيء واحد من جهة واحدة ونجد التمام فيها صفة وجودية بخلاف النقص فهو يضاف إلى ما يضاف إليه من جهة فقده صفة التمام وليس يوجد النقص ولا يضاف الا إلى شيء يصح ان يتصف بصفة التمام فبينهما تقابل العدم والملكة ولا نصف شيئا بالتمام إلّا إذا كان ذا اجزاء لمكان صحة اتصافه بالنقص وحيث كان اعتبار وصف التمام لتماس الحاجة إلى آثار الشيء فلا بد من اختبار حال الآثار لتتميم حده فالآثار إذا كانت بحيث تترتب على البعض والكل فالشيء لا يتصف حينئذ بالتمام وانما نصفه لو وصفناه بالكمال.

قال الله تعالى اليوم أكملت لكم دينكم وقال تعالى تلك عشرة كاملة الآية.

بخلاف ما لو كان الأثر المترتب على المجموع غير مترتب على البعض فحينئذ نجد اتصافه بالتمام صحيحا قال تعالى وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة وقال تعالى وأتممت عليكم

٣٨

نعمتي ويقال تم الكلام ولا يقال كمل وقال تعالى وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا الآية ثم ان فرض كون أثر الشيء التام من حيث هو تام غير أثر الاجزاء يستلزم حدوث امر آخر وراء الوجود المنسوب إلى الاجزاء حتى يكون هو الموضوع للأثر المفروض عدم ترتبه على الاجزاء وتلك هي حيثية التمامية إذ عليها تدور التمامية وضعا ورفعا فالتمامية حيثية الوحدة الحقيقية أو كالحقيقية الحاصلة من اجتماع الاجزاء التي تترتب عليه أثر وراء آثار نفس الاجزاء واما الصحة ويقابلها الفساد فليس يصح وضع الفساد موضع النقص بل انما نصف الشيء بالفساد بعد فرض تمامه أي تحقق وحدته الحقيقية فالشيء انما يتصف بالصحّة والفساد من حيث وحدته الحقيقية بخلاف التمام والنقص فانما يتصف بهما من حيث اجزائه فالصحة والفساد يغايران التمام والنقص فيئول الأمر إلى كون الصحة هي كون الشيء بحيث يترتب عليه الآثار المطلوبة منه والفساد خلاف ذلك قال تعالى لو كان فيهما آلهة إلّا الله لفسدتا الآية ولا يقال لنقصتا وقال تعالى ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض الآية ولا يقال لنقصت وهو ظاهر فالتمام والنقص حصول الوحدة الحقيقية من انضمام اجزاء المركب بعضها إلى بعض وعدم حصولها والصحة والفساد كون الواحد من حيث وحدته الحاصلة بحيث يترتب عليه آثاره وعدم كونه كذلك ولذلك ربما وضع كل من التمام والصحة والنقص موضع الآخر كقوله عليه‌السلام في كثير من الروايات

٣٩

صحت صلاته وتمت صلاته وفي مورد البطلان فسدت صلاته ولا يقال نقصت صلاته ومن هنا يظهر فساد ما ذكره (ره) ان الصحة هي التمامية والتفاوت في مرتبة اللوازم والآثار من غير اختلاف في معنى نفس الصحة وكذا فساد ما قيل ان حيثية إسقاط القضاء وموافقة الشريعة وغيرهما ليست من لوازم التمامية بالدقة بل من الحيثيات التي تتم بها حقيقة التمامية حيث لا واقع للتمامية الا التمامية من حيث إسقاط القضاء أو من حيث موافقة الأمر أو من حيث ترتب الأثر إلى غير ذلك واللازم ليس من متممات معنى ملزومه انتهى فانه لو صح فانما يصح بالنسبة إلى الصحة دون التمامية كما عرفت.

قوله «ره» لا بد في كلا القولين من قدر جامع إلخ.

ذكر شيخنا الأستاذ (ره) في الحاشية ما ملخصه ان الجامع اما ان يكون جامعا ذاتيا أو جامعا عنوانيا اما الأول فغير معقول في شيء من المجعولات الشرعية لأنها أمور اعتبارية مؤلفة من مقولات مختلفة وافراد عديدة من مقولة واحدة وما هو كذلك لا تندرج تحت جامع ذاتي لتباين المقولات ذاتا فلا تندرج أكثر من واحد منها تحت ذاتي واحد وإلّا لم تكن الأجناس العالية أجناسا عالية هف واما الثاني فلأنه وان كان ممكنا في نفسه لكن يستلزم ان يكون استعمال الصلاة في نفس المعنون بعناية الجامع العنواني كالناهي عن الفحشاء مثلا وليس كذلك.

٤٠