حاشية الكفاية

المؤلف:

آية الله السيد محمد حسين الطباطبائي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: بنياد علمى وفكرى علامه طباطبائى با همكارى نمايشگاه و نشر كتاب
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣١٠

لجعل أحدهما حكما واقعيا والآخر حكما ظاهريا بالنسبة إليه بل يكون هناك على الفرض حكم واقعي مجهول أو لا معلوم ثانيا وحكم آخر منكشف الخلاف من غير ان يرتبط أحدهما بالآخر ولا وجه للبحث عن اجزاء أحدهما عن الآخر إذ لا رابط بينهما وهو ظاهر ففرض الحكم الظاهري والواقعي في مورد فرض الربط بينهما فهناك تكليف واقعي يكشف عنه الأمارة ثم انكشف الخلاف فلسانها لسان الحكاية فيئول حكمه إلى النوع الثاني من القسم الأول أعني الطرق الجارية في تنقيح الموضوع مما لسانه الحكاية دون الجعل فيجري فيه حينئذ حديث الحجية الطريقية والسببية وقد عرفت ما يقتضيه التحقيق فيهما وهو عدم الاجزاء على الطريقية والسببية جميعا فلاحظ.

ومنه يظهر فساد ما ربما يقال ان ضم الأصل مثلا إلى الدليل ـ الواقعي كما انه مبين لاختصاص فعلية جزئية السورة بحال العلم بالواقع وان الأمر بما عداها فعلى كذلك ضم دليل الأمارة إلى دليل وجوب الظهر واقعا يوجب اختصاص فعلية وجوب الظهر بما إذا لم تقم الأمارة انتهى.

وجه الفساد ان مقتضى الارتباط بين الحكمين كون لسان الأمارة المؤدية إلى وجوب الجمعة لسان الحكاية عما هو الواجب لا لسان بيان الواجب على المكلف على حاله الّذي هو عليه فلا يفيد الضم حكومة كما كان يفيده فيما لسانه الجعل على ما تقدم.

١٠١

قوله (ره) لا وجه لتوهم الاجزاء في القطع انتهى :

وسنبين في مستقبل القول إن شاء الله ان القطع كأقسام الظن المعتبر في المجعولية وان في مورده حكما فعليا ذا مصلحة طريقية ربما وافق الواقع وربما خالفه فحال القطع في الاجزاء وعدمه حال ساير الطرق على ما مر آنفا.

قوله «ره» وهو منفي في غير مورد الإصابة انتهى :

واما على ما سنذكره من التقريب فوجود الحكم الواقعي الفعلي على جميع التقادير ينفى التصويب.

مقدمة الواجب

قوله (ره) لا بد في اعتبار الجزئية إلخ :

تحقيق المقام انا نجد الآثار المترتبة على موضوعاتها مختلفة فمنها ما هو أثر واحد لموضوع واحد ومنها ما هو أثر واحد مترتب على عدة أمور مجتمعة ومن الضروري ان الأثر الواحد لا يترتب إلّا ـ على موضوع واحد فللكثرة المفروضة وحدة حاصلة محفوظة بالكثرة انما يترتب الأثر الواحد على ذلك المبدأ الواحد وهذه الوحدة الحاصلة المفروضة لا تلائم الفعلية والاستقلال الموجودين في الكثرة المفروضة إذ الفعلية تأبى عن الفعلية لاستحالة وحدة الكثير فيجب ان يصير بعض الاجزاء بالقوة إلى بعض آخر والبعض الآخر بالفعل بالنسبة إليه ومن المعلوم ان لما بالقوة اعتبارين.

أحدهما كونه قوة الفعلية المفروضة وبهذا الاعتبار لا يأبى عن

١٠٢

الاتحاد معه بحيث يكون هو هو والآخر كونه في انه بالقوة بالفعل فانه لو كان قوة امر آخر بالقوة لكان غير متصف بوصفه أي بالقوة بالفعل هف.

ومعلوم ان الفعلية تأبى عن الفعلية فما بالقوة من الجزءين المفروضين مثلا بالاعتبار الأول مأخوذ لا بشرط بالنسبة إلى الجزء الآخر وبالاعتبار الآخر مأخوذ بشرط لا والجزء الآخر المأخوذ بالفعل يقابل المأخوذ بالقوة بالاعتبارين فبأحدهما يكون لا بشرط بالنسبة إليه فيحمل وبالآخر يكون بشرط لا فلا يحمل عليه والاعتباران بعينهما جاريان فيهما بالقياس إلى الكل أعني الواحد الحاصل منهما.

وتبين بذلك كله ان اعتبار لا بشرط يوجب العينية والحمل فيبطل بذلك الكثرة المفروضة قبلا والتميز بين اجزاء الكثرة وهذا هو اعتبار الجنسية والفصلية والنوعية وتسمية الجنس والفصل مع ذلك جزءاً لوقوعهما جزءين في حد النوع لا لأنهما جزءان من النوع حقيقة بل كل منهما عينه كما صرحوا به في محله واما اعتبار بشرط لا فهو اعتبار الجزئية حقيقة أعني الكثرة الموجودة مع الوحدة المفروضة هذا ما يقتضيه معنى التركيب حقيقة ولا فرق في ذلك بين المركبات الحقيقية والاعتبارية أصلا.

نعم المركبات الاعتبارية وهي التي أثر التركب فيها امر اعتباري لا كون أثرها امرا اعتباريا فالوحدة الحاصلة فيها بالتركيب

١٠٣

يصير معنى اعتباريا وهو وصف الاجتماع والانضمام مع ان الكثرة الموجودة فيها أعني الاجزاء أمور عينية خارجية أو منتهية إليها والموجود الخارجي لا يتغير عما هو عليه بسبب الاعتبار ولذلك يحكم الوهم بان هذا النوع من التركيب لا يوجب زوال فعلية الاجزاء أصلا وعدم اقتضاء أخذ الاجزاء لا بشرط ان يصح الحمل بينها أنفسها ولا ـ بينها وبين الكل لأن الحاصل بالتركيب وهو هيئة الانضمام والاجتماع امر عرضي مغاير لجواهر الاجزاء فلا يتصور بينها اتحاد فكل ذلك بحكم الوهم والمسامحة الاعتبارية ويشهد بذلك انا لو قطعنا النّظر عن كون الاجزاء جواهر مستقلة مثلا وكون الحاصل بالتركيب امرا عرضيا اعتباريا وقصرنا النّظر على مجرد تركيب اجزاء وحصول كل بذلك كان الحكم بعينه حكم المركبات الحقيقية هذا وقد تبين بذلك أولا ان الجزء بما انه جزء مأخوذ بشرط لا واما أخذها لا بشرط فهو في الحقيقة يهدم الجزئية ويوجب العينية ويصبر الجزء بذلك جزءاً تحليليا لا جزءاً حقيقيا خارجيا.

وثانيا ان تقدم الجزء على الكل تقدم بالطبع لا بالتجوهر والماهية إذ الجزء الحقيقي هو الجزء الخارجي ولا حمل أوليا بينه وبين الكل لأخذه بشرط لا.

وثالثا وجوه الفساد في كلامه (ره) فمنها حكمه بان اعتبار الجزئية يوجب أخذه لا بشرط.

١٠٤

ومنها ان أخذ الجزء بشرط لا انما هو بقياسه إلى الجزء التحليلي المأخوذ لا بشرط واما بالقياس إلى المركب فالاعتبار اعتبار اللابشرطية.

ومنها جمعه رحمه‌الله بين أخذ الجزء لا بشرط وبين عدم صحة الحمل.

قوله «ره» ثم لا يخفى انه ينبغي خروج الاجزاء إلخ.

توضيحه ان الكل حيث كان هو الاجزاء بالأسر مع صفة الاجتماع وهي وصف اعتباري لا يزيد على ذات الاجزاء شيئا في الخارج فليس هناك في الحقيقة شيء الا الاجزاء بالأسر فالوجوب المتعلق بالمركب متعلق بها بعينه لا تعلقا متفرعا على تعلق وإلّا لزم اجتماع المثلين.

ولا يخفى ان مورد النزاع هو المركبات الاعتبارية دون ـ الحقيقية وحينئذ فالمغايرة الاعتبارية المذكورة ان اقتضت مغايرة بين المركب والاجزاء بحيث يحصل في ظرف الاعتبار بواسطة التركيب شيء غير الاجزاء التي هي اجزاء اعتبارا فالوجوب وهو حكم اعتباري انما تعلق بموضوعه الاعتباري وهو المركب دون غيره وهو الاجزاء وان لم تقتض مغايرة بان لا يحصل في ظرف الاعتبار بواسطة التركيب شيء غير الاجزاء فقد لغا الاعتبار ولم يحصل تركيب وهو خلاف الفرض وقد عرفت ما يقتضيه التركيب من الأحكام هذا.

فغاية ما يمكن ان يقال في المقام ان الكل وان كان يغاير الاجزاء على ما يقتضيه التركيب لكن الاجزاء حيث كانت أمورا حقيقية

١٠٥

خارجية وحيثية الانضمام الحاصلة بالتركيب امر اعتباري غير موجود في الحقيقة يلحقها التسامح العرفي بالعدم ولا يرى للمركب ذاتا غير ذوات الاجزاء في الخارج ولذلك يحكم بكون الوجوب النفسيّ المتعلق بالكل متعلقا بعينه بذوات الاجزاء بالأسر هذا.

والحق ان يمنع من تعلق الوجوب النفسيّ المتعلق بالمركب بالاجزاء الا الوجوب الغيري.

قوله «ره» والتحقيق في رفع الإشكال ان يقال إلخ :

حاصله ان شرط التكليف أو الوضع ما لتصوره دخل في تعلق الإرادة به ان كان تكليفا أو تعلق الحكم به أو انتزاعه ان كان وضعا فما يتوقف عليه وجوده هو تصوره لا وجوده الخارجي حتى تنخرم به القاعدة العقلية بتقدمه أو تأخره وان سمى شرطا واما شرط المأمور به فهو ما حصل للمأمور به بإضافته إليه وجه ما وعنوان ما والإضافة كما تصح بين الشيء وما يقارنه كذلك تصح بينه وبين ما يتقدم عليه أو يتأخر عنه هذا.

وفيه نظر ظاهر اما في القسم الأول فلان كون تصور الشرط دخيلا في متعلق الإرادة ان كان من حيث انه تصور ما كان لازم ذلك سلب الشرطية عن المفروض شرطا هف.

فليس إلّا ان دخالة تصوره لدخالة المتصور كما ان تعلق الإرادة بما تحقق في ظرف العلم ليس بما انه علم بل بما انه معلوم.

١٠٦

واما في القسم الثاني فلأنه من المعلوم ان المتضايفين متكافئتان قوة وفعلا فلا معنى لتحقق الإضافة بين موجود ومعدوم وهو ظاهر والحق ان يقال ان البرهان انما قام على استحالة توقف الموجود على المعدوم في الأمور الحقيقية واما الأمور الاعتبارية كما هو محل الكلام فلا لما عرفت مرارا ان صحتها انما يتوقف على ترتب الآثار فلا موجب لهذه التعسفات الا الخلط بين الحقائق والاعتباريات فالصواب في الجواب ان يقال ان شرط التكليف أو الوضع ما يتوقف عليه المجعول بحسب وعاء الاعتبار لا بحسب وعاء الخارج وكذلك شرط المأمور به ما يتوقف عليه بحسب ما يتعلق به من الغرض أو يعنون به من العنوان في ظرف الاعتبار هذا وكأنه الّذي يرومه المصنف (ره) في كلامه وان لم يف به بيانه.

قوله «ره» ولا يخفى ما فيه اما حديث إلخ :

واما على ما بيناه من معنى الحرف وان معناها نسبة غير مستقلة بنفسها مباينة مع المعنى الاسمي بذاتها تابعة في العموم والخصوص والإطلاق والتقييد وساير اللواحق لما يقوم بها من المعنى الاسمي فالنسبة بهذا الوصف وان لم يقبل الإطلاق والتقييد بنفسها وكان ذلك راجعا إلى المادة.

لكن فرق واضح بين ان يكون موضوع وصف الاشتراط هو المادة مع نسبة الوجوب أو المادة وحدها وبعبارة أخرى فرق بين

١٠٧

الشيء الواجب بما هو شيء واجب وبين الشيء الواجب بما هو شيء وقد مر سابقا ان الطلب الاعتباري على كونه معنا حرفيا متعلقا بالمادة يمكن ان يتصور معنى اسميا فيتعلق به إرادة الأمر من هذه الجهة الملحوظة ويتعلق نفس الطلب الاعتباري بالمأمور به من حيث كونه معنى حرفيا مدلولا لهيئة افعل.

فكذلك يمكن ان يؤخذ الوجوب الّذي هو نسبة غير مستقلة معنا وصفيا مستقلا ويشترط بشرط ثم يؤمر بالمادة المقيدة بالشرط من حيث هي واجبة لا من حيث هي هي وينتج ذلك رجوع الشرط إلى الوجوب دون نفس المادة المقومة للوجوب.

قوله «ره» واما حديث لزوم رجوع الشرط إلى المادة إلخ :

محصله على قصور في اللفظ انا لا نسلم لزوم رجوع كل شرط إلى المادة إيجابا كليا وان سلمنا صحة الإيجاب الجزئي إذ لو قلنا بقيام المصالح والمفاسد بنفس الأحكام فمن الواضح ان الحكم كالوجوب مثلا كما يمكن قيام المصلحة به على الإطلاق الموجب للبعث إليه فعلا وطلبه حالا كذلك يمكن قياما به بشرط بحيث لولاه كان فعلية الوجوب على أي نحو فرض مقرونا بالمانع ولو قلنا بتبعية الأحكام للمصالح والمفاسد في متعلقاتها فلا نسلم لزوم قيام كل مصلحة بجميع خصوصياتها بالمتعلق لم لا يجوز قيام بعض المصالح بنفس الحكم أو قيام مصلحة بالمتعلق مع قيام بعض خصوصياتها بالحكم هذا.

١٠٨

واعلم ان المصنف (قده) وان ذكر هاهنا وفي عدة مواضع أخر تبعية الأحكام للمصالح والمفاسد القائمة بها على سبيل التجويز والاحتمال إلّا انه في أول أدلة حجية الظن قطع بذلك وأحال الكلام فيه إلى ما بينه في الفوائد وملخص ما أفاده في فوائده انا وان قلنا بثبوت الحسن والقبح الذاتيين لكن ثبوت الحسن والقبح في ذوات الأشياء لا يوجب التكليف بها على ما يقتضيانه من الأمر والنهي فكثيرا ما يتفق ان المولى لا يريد الفعل من العبد مع حسنه ويكرهه مع ان العقلاء يمدحونه به لو فعل وان كان عاصيا بذلك وبالعكس.

وكذلك العقلاء أنفسهم ربما يفعلون القبيح وهم يعلمون به وربما يتركون الحسن كذلك ولو كان ما في ذوات الأشياء من الحسن والقبح مثلا ملاك الأمر بها والنهي عنها لما تخلف امر من مورد حسن ولا نهى عن مورد قبح فظهر ان الأمر والنهي أو الإرادة والكراهة يحتاجان إلى جهات أخرى غير قائمة بذوات الأشياء مقارنة بهما فملاك الحكم قائم به لا بالمتعلق هذا في الأحكام المجعولة العقلائية واما أحكامه تعالى المشتملة عليها أو امره ونواهيه وسائر مجعولاته فان إرادته تعالى وان رجعت إلى علمه بالمصلحة والمفسدة في الفعل لكنها تتم بالبعث والزجر المنقدحين في نفس النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بالوحي أو نفس الولي عليه‌السلام بالإلهام ومن المعلوم ان الأحكام تدريجية المتحقق مختصة بحال دون حال لا دفعية ولا دائمية مع ان الحسن والقبح ذاتيان للافعال غير منفكين عنها دائما إذ كثير

١٠٩

من الأحكام ما كانت مشرعة في صدر الإسلام وانما شرعت واحدا بعد واحد على حسب استقرار الدين واعتياد النفوس بالاحكام وانقيادها لها وربما كان طفل غير بالغ أعقل من بالغ وأرشد وليس مع ذلك مشمولا للبعث والزجر فعلا فهذه وأمثالها فكشف عن ان أحكامه تعالى غير تابعة للمصالح والمفاسد في المتعلقات بل إلى خصوصيات راجعة إلى نفس الأحكام هذا ملخص ما أفاده (ره) فيها.

وأنت خبير بان غاية ما يقتضيه هذه الحجة ان الحسن والقبح الذاتيين الثابتين في ذوات الأشياء ليست عللا تامة للأمر والنهي وملاكات كافية فيهما واما انها غير دخيلة فيها حتى بنحو الاقتضاء بحيث يتوقف تأثيرها على وجود شرط وارتفاع مانع فلا ومن المعلوم ان الملاك سواء كان قائما بالحكم أو بالمتعلق هو الغرض المقصود في المورد وهو متعلق العلم الّذي هو سبب الإرادة وهذا الغرض المتحقق في ظرف العلم كما يكون هو الإرادة والطلب أي عنوانا متحدا معه في موارد كذلك يكون هو المتعلق أي عنوانا قائما به في موارد أخرى فالامر مثلا كما يكون بداعي الامتحان والتعجيز والتمسخر ونحوها كذلك يكون بداعي الجد وتحقق المأمور به في الخارج وهذا إيجاب جزئيّ في مقابل ما ادعاه رحمه‌الله من السلب الكلي ولو كان كل حكم تابعا لملاك قائم بنفس الحكم لم يكن للحسن والقبح الذاتيين معنى ولا لإثباتهما فائدة.

فان قلت قولهم بالحسن والقبح الذاتيين لا ينحصر مورده بالإرادة

١١٠

والكراهة التشريعيتين بل يجري في مورد الإرادة والكراهة التكوينيتين فأفعاله تعالى تابعة للحسن والقبح الذاتيين في الأشياء والمصالح والمفاسد الواقعية فمع القول بعدم تبعية الأمر والنهي الا لمصالح ومفاسد في نفس الأحكام لا يلغو القول بالحسن والقبح الذاتيين.

قلت انهم استدلوا على الحسن والقبح الذاتيين بأنا كما نجد كل صنف من الخصوصيات الموجودة في الأشياء ملائمة أو منافرة لقوة من قوانا كما نجد الروائح الطيبة ملائمة لمشامنا والروائح المنتنة غير ملائمة لها ونجد الحلاوة ملائمة لقوتنا الذائقة والمرارة والعفوصة غير ملائمة لها وهكذا كذلك نجد عدة من الأفعال ملائمة لعقلنا عند سلامته إذا خلى ونفسه بحيث يستحسنها وينجذب إليها وعدة أخرى وهي الباقي غير ملائمة له بحيث يستكرهها ويتنفر منها وينبو عنها فكما ان سائر القوى يدرك من خواص الأشياء ما يناسبها بحسب نفسها فكك العقل وكما انا نحكم بالضرورة ان ما يدركها القوى أمور موجودة في الخارج قائمة بذوات الأشياء فلنحكم بان الحسن والقبح امران موجودان في الخارج قائمان بذوات الأشياء هذا.

والحجة كما ترى شاملة للافعال أعم من ان تؤخذ مرادة بالإرادة التكوينية أو بالإرادة التشريعية على ان الحجة بجميع مقدماتها مدخولة باطلة فان الأفعال بالمقدار الموجود منها في الخارج لا يجب ان تقع بعنوان واحد من الحسن والقبح إذ كل فعل نفعله أو نفرض

١١١

وجوده يمكن ان يقع حسنا إذا تعنون بعنوان حسن أو قبيحا فالفعل بما انه في الخارج غير حامل لوصف معين خارجي يسمى بالحسن أو القبح فالوصفان اعتباريان يعلل بهما الحركات الاعتبارية فهما الغاية الأخيرة وخلافها في الاعتباريات فهما عنوانا موافقة الفعل للكمال الأخير المقصود بالاعتبار وان شئت قلت بالنظام الاجتماعي و (ح) فالعقل هو مبدأ الإدراك الإنساني من حيث انه واقع في ظرف الاعتبار ووعاء الاجتماع وان شئت قلت ان العقل هو القضية المشهورة كما قيل فالمآل واحد هذا هو الّذي يعطيه صحيح النّظر.

واما وجود قوة في الإنسان في عرض ساير قواه الوجودية كالشامة والذائقة والباصرة والخيال والوهم وأضرابها يسمى بالعقل ووجود مدركاتها من الحسن والقبح في الخارج على حد ساير الاعراض الخارجية ثم كشف إدراكها عن وجود مدركاتها في الخارج وكشف إدراك ساير القوى عن وجود مدركاتها كذلك.

ثم دوران نظام التكوين مدار عدة من هذه الأوصاف ونظام التشريع مدار عدة أخرى منها فتصويرات لا تتجاوز دائرة الوهم.

وبعد ذلك كله فالحق في المقام ان يقال ان الأحكام حيث وقعت في وعاء الاعتبار فسنخها بحسب هذا الوقوع سنخ الأحكام العقلائية فلها بحسب هذه الوعاء مصالح ومفاسد تتبعها وحسنا وقبحا تبتنى عليها كسائر الأحكام العقلائية وانما الفرق بين القسمين ان مصالح التكاليف

١١٢

العقلائية يرجع نفعها إلى جاعلها بخلاف المصالح التي في الأحكام الإلهية فمنافعها راجعة إلى المكلفين لنزاهة ساحة جاعلها عن ـ الانتفاع والاستكمال بالغير.

واما غير الأحكام من البيانات الدينية فإذا وضع أساسها على الإفهام السازجة فحكمها وتبعيتها للمصالح والمفاسد بحسب ما يقتضيه أفهامهم هذا ما يقتضيه ظاهر القسمين واما بحسب الحقيقة فالامر على ما بيناه في بحث الطلب والإرادة إجمالا.

قوله «ره» انما تكون في الأحكام الواقعية بما هي واقعية إلخ :

هذا لا يوافق ما ذهب إليه قده في التوفيق بين الحكم الواقعي والظاهري من معنى الفعلية فانه انما منع في موارد الأصول والأمارات عن تنجزها لا عن فعليتها فان المنع عن الفعلية يساوق إثبات الشأنية كما في الأحكام الإنشائية الموعود ظهورها في آخر الزمان.

فاللازم ان يقتصر على هذه الأحكام الإنشائية مثالا ولا يذكر معها موارد الأصول والأمارات إذا خالفت الأحكام الواقعية.

قوله «ره» فهي حقيقة على كل حال انتهى :

واما على ما قررنا عليه معاني الحروف فهي لا تتصف لا بالحقيقة ولا بالمجاز إلّا باعتبار متعلقاتها وهو ظاهر.

١١٣

قوله «ره» ان الإرادة تتعلق بأمر استقبالي إلخ.

قد عرفت في بحث الطلب والإرادة ان الإرادة الحقيقية صفة غير زائدة على النّفس وانه يمتنع تعلقها بفعل الغير وانها انما تتعلق بالأمر وهو اعتباري بما عنده من حقيقة يقوم بها الاعتبار كاللفظ الّذي هو صوت واما معنى الأمر وأعني الطلب الإنشائي الاعتباري وهو نسبة حرفية فلكونها اعتبارية دائرة بين الآمر والمأمور والمأمور به لا محذور في تحققها مع المأمور به كما في الواجب المنجز أو قبل تحقق المأمور به قائمة بالمأمور كما فيما نحن فيه من الواجب المعلق وقد ظهر بذلك ما في كلامه رحمه‌الله من وجوه الفساد.

منها قوله ان الإرادة تتعلق بأمر استقبالي كالحالي ففيه ان الإرادة نسبة موجودة تكوينية يستحيل تعلقها بأمر موجود في الاستقبال معدوم في الحال سواء كانت علة تامة أو ناقصة أو مرتبطة بأي نحو من أنحاء الارتباط الخارجي.

ومنها ما عده من موارد تعلق الإرادة بأمر استقبالي ذا مقدمات كثيرة تتحمل مشاقها من زمان بعيد إلخ وانما هي إرادات متعددة متعلقة بمرادات متعددة.

ومنها تفسيره ما عرفوا به الإرادة انه الشوق المؤكد المحرك للعضلات انتهى ان المراد بالوصف أعني تحريك العضلات بيان مرتبة الشوق بالفرد الغالب أو المعروف ومنها انتصاره لتعلق الأمر بأمر استقبالي

١١٤

بلزوم تعلق البعث بأمر متأخر زمانا ولو بالجملة وقد ظهر وجه في جميع ذلك مما مر فلا نطيل بالإطناب.

قوله «ره» نعم لو كان الشرط على نحو الشرط المتأخر إلخ :

تصوير خاص للواجب المشروط بحيث يشارك الواجب المعلق في كون الوجوب موجودا بالفعل قبل زمان الواجب فيؤثر أثر الواجب المعلق في ترشح وجوب الواجب إلى مقدماته الموجودة قبل زمانه وهو ان شرط الوجوب في الواجب المشروط من قبيل الشرط المتأخر فيكون الوجوب موجودا قبل زمان الواجب وشرطه مع الواجب كالحج المشروط وجوبه بإتيان ذي الحجة مثلا فعمل الحج وزمان وجوبه موجودان معا والوجوب المشروط بإتيان ذي الحجة موجود قبلها.

قوله فانقدح بذلك انه لا ينحصر التفصي إلخ :

حاصله ان هذا الإشكال وهو وجوب المقدمة قبل وجوب ذي المقدمة هو الّذي أوجب للقوم ان يختار كل مهربا ويصور تصويرا لتصحيحه حتى صور صاحب الفصول «ره» الواجب المعلق والشيخ قده الواجب المشروط بإرجاع الشرط إلى المادة دون الهيئة لكن التفصي لا ينحصر في ذلك بل لنا ان نصور تصويرا آخر وهو كون اشتراط الوجوب بالشرط المتأخر من قبيل الاشتراط بالشرط المتأخر فيتقدم الوجوب على الواجب فيجب بذلك المقدمة قبل تحقق ذي المقدمة في الخارج أقول ولعمري لو كان وجوب المقدمة وهو غيري قبل تحقق ذي المقدمة شنيعا فما

١١٥

هو بأشنع من تحقق وجوب الواجب قبل نفسه فهو اما نسبة اعتبارية من المعاني الحرفية غير مستقلة في وجودها من دون مقومها فكيف يتحقق قبل تحقق ما يقومها واما معنى وصفي يتصف به الواجب ولا معنى لتحقق الوصف بما هو وصف قبل موصوفه هذا فالحق ان يقال ان وجوب المقدمة كما سيتحقق في البحث التالي وجوب بالعرض يعرضها بعرض ذي المقدمة ومن المعلوم ان كل ما بالعرض المنتهى إلى ما بالذات في عروضه لموضوعه محتاج إلى اتحاد ما بين موضوعي ما بالذات وما ـ بالعرض بنحو من الاتحاد والمقدمة متحدة مع ذيها بملاك التوقف ومن المعلوم أيضا ان تحقق النسبة بين شيئين بما انها نسبة قائمة بطرفين يوجب تحقق طرفيها ان حقيقة فحقيقة وان اعتبارا فاعتبار وهذا الاتحاد المحفوظ بين المقدمة وذيها يوجب عروض ذي المقدمة لمقدمته عند العقلاء بحسب حكمهم بذلك وان لم يتحقق ذو المقدمة بعد في الخارج ولم يتحد الوجودان زمانا فانه لا يخلو عن تحقق ما كما عرفت.

قوله (ره) فالواجب نفسي وإلّا فغيري :

اعتباره قده الفرق بين الوجوب النفسيّ والغيري بكون الغرض من الواجب التوصل إلى الغير وعدمه يوجب القول بكون المقدمة متصفة بالوجوب على نحو الحقيقة أعني كون ذي المقدمة بالنسبة إليها واسطة في الثبوت لا واسطة في العروض فان اختلاف الغرضين في المقدمة وذيها وهما غرض الواجب والتوصل إلى غرض الواجب يكشف عن اختلاف

١١٦

الوجوبين وتعددهما فينتج اتصافين حقيقيين لا اتصافا واحدا مختلفا بالذات وبالعرض وهذا هو الّذي أوجب قوله قده بكون وجوب المقدمة وجوبا حقيقيا لا عرضيا وهو المتراءى من المشهور والحق خلافه لأن الفارق بين ما بالذات وما بالعرض ان الحكم العرضي يرتفع مع قطع النّظر عن الواسطة والغفلة عنه دون الحكم الذاتي كما قد تقرر في محله ولا يمكن الحكم بوجوب المقدمة مع الغفلة عن وجوب ذيها فهو عرضي غير ذاتي.

فان قلت الوجوب تابع في الوحدة والتعدد للغرض من الواجب كما تقدم ذكره وغرض المقدمة هو التوصل إلى ذي المقدمة أو إلى غرضه وهو غير غرضه فالمقدمة متصفة بوجوب غير وجوب ذي المقدمة ولازمه كون وجوبها ذاتيا غير عرضي وهو ظاهر قلت ليس للأمر الا غرض واحد وهو القائم بذي المقدمة واما التوصل الموجود في المقدمة فليس غرضا له ولا من لوازم غرضه وانما هي نسبة تصحح الاتحاد بين المقدمة وذيها فيوجب قيام غرض الواجب بعينها بالمقدمة لا انه يولد غرضا من غرض ولذا كانت الغفلة عن غرضه غفلة عن غرضها على حد وجوبهما ولو كان حقيقيا ذاتيا لما كانت الغفلة عين الغفلة وان كان الارتفاع في الخارج يوجب الارتفاع ويستلزمه على حد ارتفاع التابع بارتفاع المتبوع أو ارتفاع الموجود الرابط بارتفاع المستقل الّذي يقومه.

فان قلت فعلى هذا ليس في الواجبات الخارجية على كثرتها الا

١١٧

واجب واحد حقيقة والباقي متصف بالوجوب بالعرض والمجاز ولا ينفع (ح) ما صوره المصنف رحمه‌الله من كون بعضها واجبات نفسية لاشتمالها على عنوان حسن يستقل العقل بمدح فاعلها وذم تاركها.

قلت يمكن ان يكون غرض الواجب الحقيقي في قيامه بمقدماته مختلفة على نحو التشكيك فيعد قيامه المجازي ببعض مقدماته بحسب نظر آخر قياما حقيقيا يمدح ويذم على طبقه وتعد المقدمة واجبا نفسيا وهي بعينها بحسب نظر آخر أدق من الواجبات الغيرية فتترتب المقدمات مع ذي المقدمة الأخير بحيث يعد كل واجبا نفسيا بالنظر إلى ما بعده وهو بعينه واجب غيري بالنظر إلى ما قبله والواجبات الشرعية من هذا القبيل ولتتميم بيانه موضع آخر.

قوله «ره» لو كان شرطا لغيره لوجب التنبيه عليه انتهى.

لا موجب لهذا الوجوب نعم يجب التنبيه على شرطيته في التكليف بذي المقدمة.

قوله «ره» وقد تقدم في مسألة الطلب والإرادة انتهى.

وقد تقدم منا فيما مر بعض ما يتعلق بالمقام.

قوله رحمه‌الله لا ريب في استحقاق الثواب انتهى.

حاصله دعوى الضرورة على استحقاق الثواب والعقاب على الواجب النفسيّ موافقة ومخالفة وقوله ضرورة استقلال العقل بعدم الاستحقاق الا لعقاب واحد إلخ دليل أول على عدم ترتب شيء من الثواب والعقاب

١١٨

للمقدمة وقوله فيما بعد وذلك لبداهة ان موافقة الأمر الغيري إلخ كأنه دليل ثان.

والحاصل ان الضرورة قاضية باستحقاق الثواب والعقاب على الواجب النفسيّ موافقة ومخالفة واما الواجب الغيري فلا يترتب عليه شيء موافقة ومخالفة.

اما أو لا فلاستقلال العقل بأنه لا استحقاق عند المخالفة أو الموافقة الا لعقاب واحد أو ثواب واحد ومن المعلوم ان ذا المقدمة يوجب الاستحقاق فذلك له ولا يبقى للمقدمة شيء.

واما ثانيا فلان المقدمة لا استقلال لها لا ملاكا ولا تكليفا في قبال ذي المقدمة فلا يترتب عليها بالاستقلال شيء.

والحق ان الملاك في استحقاق الثواب على الموافقة هو العبادية دون الوجوب النفسيّ ضرورة ان الواجبات التوصلية لا ثواب على مجرد موافقتها لو لم تؤت بقصد القربة على نحو العبادية فالواجب النفسيّ من حيث هو واجب نفسي لا يوجب ثوابا إلّا إذا أتى بها عبادة ولا تفاوت فيها بين ان تكون مقدمة أو ذا مقدمة لاستقلال العقل بكون الإتيان بقصد القربة موجبا للقرب والثواب.

ومن هنا يظهر ان العبادية لا تنفك عن محبوبية ما نفسية وان كانت من جهة أخرى مطلوبة بالطلب الغيري سواء قلنا بكون الوجوب الغيري من قبيل الوصف الذاتي أو العرضي واما استحقاق العقاب

١١٩

فملاكه مخالفة الأمر والسر في جميع ذلك ان الملاك حقيقة في الثواب والعقاب حقيقة موافقة الأمر ومخالفتها لكن إتيان الواجب النفسيّ التوصلي لا بقصد الامتثال ليس موافقة للأمر إلّا ان يؤتى بقصد امتثال الأمر فيرتبط بالأمر ويصير حينئذ عبادة واما إتيان الواجب الغيري فان كان غير عبادي فانما امتثل به امر ذي المقدمة حقيقة وان كان عباديا فإتيانه بقصد عباديته التي هي عين مقدميته موجب لتحقق القربة ولقصد امر ذي المقدمة عينا اما لكون وجوبه غير مستقل كما اختاره المصنف (ره) أو لكون وجوبه بعرض وجوب ذي المقدمة كما اخترناه وهي مع ذلك لا تخلو عن محبوبية نفسية مستتبعة لاستحباب نفسي أو غير مستتبعة فتحصل ان كل موافقة ليست بموافقة الأمر بل مع قصدها واما المخالفة فكل مخالفة مخالفة للأمر سواء فيه التعبدي والتوصلي.

نعم يفترق فيه النفسيّ والغيري بالاستقلال وعدمه أو بالذات والعرض.

قوله (ره) يصير من أفضل الأعمال إلخ :

لا يخفى ان سياق ما يدل على ان أفضل الأعمال أحمزها أجنبي عما نحن فيه.

قوله (ره) أحدهما ما ملخصه ان الحركات إلخ :

الفرق بين الوجهين ان الأول من مسلك ان وقوع المقدمة عبادة يحتاج إلى اعتبار الغرض المقدمي الموجود فيها والثاني من مسلك

١٢٠