حاشية الكفاية

المؤلف:

آية الله السيد محمد حسين الطباطبائي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: بنياد علمى وفكرى علامه طباطبائى با همكارى نمايشگاه و نشر كتاب
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣١٠

إلى الحدوث يستلزم جعله حجة بالنسبة إلى البقاء أيضا عند العقلاء وبعبارة أخرى عد العلم بالحدوث علما بالبقاء فيما من شأنه البقاء وهذا هو الاستصحاب الَّذي لا يستغنى عنه موجود ذي شعور.

ومن هنا يظهر أولا ان العمل بالاستصحاب عندهم ليس إلا عملا بالعلم السابق لا بالظن وغير ذلك.

وثانيا ان الاستصحاب يتقوم بعلم سابق وشك لا حق.

وثالثا ان حجيته والعمل على طبقه متوقف على عدم تحقق العلم بالخلاف فان اعتبار حجية الاستصحاب مترتب على اعتبار حجية العلم فمرتبته مترتبة على مرتبتها فنسبته إلى العلم نسبة الظاهر إلى الواقع وسيجئ الكلام في تنقيح هذه النسبة إن شاء اللَّه.

ورابعا ان الَّذي استقر عليه بنائهم هو التمسك بالاستصحاب في غير مورد الشك في المقتضى هذا كله هو ما يقتضيه العقل والأخبار الصحيحة في الباب إمضاء لما يقتضيه حكم العقل.

قوله «ره» وفيه أو لا منع استقرار بنائهم اه :

فيه ما تقدم ان عملهم بالاستصحاب إنما هو عمل بالعلم السابق لا لشيء من ما ذكره قده من الاحتمالات.

قوله أو غفلة كما هو الحال في ساير الحيوانات اه :

الغفلة من حيث هي غفلة جهل والأفعال الإرادية متوقفة على إرادة وعلم سابق فلا يكون الغفلة مبدأ لصدور فعل إرادي البتة وليس

٢٤١

هناك علم غير العلم بالحدوث فهو المبدأ للعمل على طبق الحالة السابقة سواء تحقق هناك غفلة عن الشك فيه بقاء أو لم يكن فهذا الاحتمال عليه قده لا له.

قوله «ره» ويكفى في الردع عن مثله اه :

قد عرفت ان العمل بالاستصحاب إنما هو عمل بالعلم وليس من اتباع غير العلم فالآيات مؤكدة له لا رادعة.

قوله «ره» ظهور التعليل في أنه بأمر ارتكازي إلخ :

هذا حق في نفسه ويؤيده ظهور قوله أبدا اه لكن المصنف قده منع سابقا عن حجية الاستصحاب عقلا من باب بناء العقلاء ولا معنى للارتكاز إلا ذلك.

قوله كما هو الأصل فيه اه :

قد مر في بحث المطلق والمقيد ما يظهر به خلافه.

قوله «ره» وكان المعنى فإنه كان من طرف وضوئه اه :

هذا اشتباه منه رحمه الله فان لازم كون الظرف مستقرا غير متعلق بيقين اه هو كونه خبرا بعد خبر لأن اه ولا معنى لقولنا وإلا فان الرّجل على يقين وإن الرّجل من وضوئه وهو ظاهر وأما ما فصله رحمه الله به من المعنى فالظرف فيه لغو لا مستقر.

قوله رحمه الله لا يخفى حسن اسناد النقض :

التأمل في موارد استعمال النقض في لسان العرب العرباء يعطى ان معنى النقض رفع الاستحكام الكائن في الأمور الممتدة من حيث

٢٤٢

امتدادها كما أن الإبرام هو ضده في ذلك فلا مناص عن اختصاصه بموارد الشك في الترافع.

قوله «ره» مع ركاكة مثل نقضت الحجر من مكانه اه :

فيه ان العرف لا ينظر إلى الحجر في مكانه من حيث امتداد استقراره فيه نعم لو وضع الحجر في بناء مرفوع كان النّظر إليه ح هو ذلك النّظر لأن البناء معد للبقاء وصح إطلاق النقض على هدمه وقد نصّ أهل اللغة على صحة نقضت البناء.

هذا مضافا إلى أنه معارض بلزوم صحة مثل قولك نقضت الحجر إذا كسرته ورضضته.

قوله كان مفاده قاعدة اليقين كما لا يخفى اه :

فيه خفاء فان قوله فنظرت فلم أر شيئا فصليت فرأيت فيه اه مشتمل على يقينين وقاعدة اليقين إنما تشتمل على يقين وشك فلا ينطبق عليه قوله عليه السّلام بعد لأنك كنت على يقين من طهارتك فشككت اه إذ لا شك في مورد السؤال وإنما كان السائل أولا على يقين إذ نظر فلم ير شيئا ثم انتقض يقينه الأول بيقين ثان إذ رأى الدم بعد الصلاة ثانيا.

اللهم إلا أن يكون معنى قوله فرأيت فيه اه فرأيت دما أشك في أنه هو الدم الأولى الغير المرئي أو لا أو دم آخر جديد وح ينطبق على قاعدة اليقين البتة إلا أنه خلاف ظاهر الرواية جدا والمصنف رحمه الله لا يحتمله وإلا لم يكن محل للإشكال الَّذي سيذكره من أن الإعادة ليست

٢٤٣

لليقين بالشك بل باليقين عن جهة الرؤية إذ لا يقين على هذا التقدير بوقوع الصلاة في النجاسة كما لا يخفى فتأمل.

قوله ثم أنه لا يكاد يصح التعليل اه :

لا حاجة إلى هذا التكليف فان الدليل على اقتضاء أعني الاستصحاب للاجزاء هو نفس دليل الاستصحاب وكما يصح أن يعلل الحكم بدليله يصح أن يعلل بدليل دليله وهو ظاهر.

قوله فنقول وبالله الاستعانة لا خلاف اه :

هذه المعاني المسماة بالأحكام الوضعيّة على تشتت شؤونها وأطرافها وخواصها لا ترجع إلى معنى حقيقي تام في نفسه حتى يوضع وصفا وينظر في حكمه وكذلك المعاني المسماة بالأحكام التكليفية لا يجمعها معنى جامع كما هو ظاهر بالرجوع إلى ما أشرنا إليه في بحث الضد من مباحث الألفاظ وبالتثبت في ذلك يظهر حال هذه الأبحاث التي وقعت في كلماتهم فإنها لا تبتنى على أصول ومباد يعتمد عليها.

فمن ذلك تقسيمهم الحكم إلى وضعي وتكليفي فان التكليفيات وإن كان بينها شبه سنخية لكن الوضعيات ليست كذلك فلا وجه لجمع عدة مفاهيم غير متسانخة بوجه وتسميتها باسم ثم جعلها قسيما للتكليف.

ودعوى المصنف قده بداهة اختلاف التكليف والوضع مفهوما ومصداقا لبداهة ما بين مثل مفهوم السببية والشرطية وبين مثل مفهوم الإيجاب والاستحباب من المخالفة والمباينة لا يغنى شيئا.

٢٤٤

أما أولا فلان الاختلاف بين الفريقين غير مؤثر ما لم يرجعا إلى معنى واحد يصير مقسما للأنواع ان كان جنسا أو الأصناف ان كان نوعا وأما ثانيا فلان الاختلاف والتباين بين افراد أحد الفريقين ليس بأقل مما بينهما لوضوح ان الفرق بين مثل الجزئية والملك والصحة ليس بأقل مما بين الاستحباب والوجوب وبين السببية والشرطية مثلا وهو ظاهر.

ومن ذلك حصر الوضعيات في أمور مخصوصة كالشرطية والسببية والمانعية أو غير ذلك مما وقع في كلماتهم فان ذلك تهكم ومجرد صدق معنى على عدة مصاديق لا يوجب كونه جامعا حقيقة بينها ما لم يكن مبدأ لحكم يترتب عليها من حيث اجتماعها تحت ذلك الجامع.

وبالجملة فالظاهر أن القوم وجدوا الأحكام الخمسة التكليفية أو لا ثم تنبهوا للاعتباريات التي لها تعلق ما بها مما اعتبره الشارع واحدا بعد آخر وسموها وصفا يعنون أنها من وضع الشارع ثم سموها أحكاما وضعية لرجوعها إلى معان نسبية وقد قدمنا ان النسب باعتبار آخر أحكام ثم اطردوا تسميتها أحكاما وضعية وإن صارت بالحيلولة معاني اسمية مستقلة كالملك والفسخ والحرية والرقية ونحو ذلك وبالآخرة كان اشتراكها إنما هو في اسم الوضع من غير معنى جامع على حد ساير المشتركات اللفظية المعروفة فافهم.

٢٤٥

والَّذي ينبغي أن يقال إن الاعتبارات العقلائية كما تحقق في محله ومرت إليه الإشارة في تضاعيف ما مر إعطاء حد شيء لشيء لغاية ترتب أثره عليه ولازم ذلك أن يكون المعتبر عند الاعتبار هو الحيثية الوجودية دون الماهوية فان إعطاء الحد كما سمعت إنما هو لغرض ترتب أثره عليه والآثار في الخارج إنما هو على الحيثيات الوجودية دون الماهوية فالمعاني المعتبرة عند العقلاء هي معاني الروابط الوجودية دون الماهيات وهذه المعاني في الحقيقة روابط نسبية كالمعاني الغير المستقلة الحرفية.

وإنما هي معان غير مستقلة إذا لوحظت بين الوجودات الخارجية وآثارها المترتبة عليها كما تقول لزيدان يتصرف في الدار ومعان وصفية انتزاعية للموجودات الخارجية إذا لوحظت مستقلة باستقلال مقوماتها كما أن معنى اللام في المثال يتبدل إلى معنى الملك وقد مر نظير ذلك في المعاني الحرفية في صدر الكتاب.

وأما حدها فهو حد الأمور الحقيقية المأخوذة هي منها مع الإشارة إلى الاعتبار لغرض الأثر وليس المراد بالحد هاهنا الحد المصطلح عليه في المنطق.

ومن هذا يظهر ان جميع الأمور الاعتبارية ومنها الأحكام الوضعيّة أمور انتزاعية غير مستقلة بالتحقق إلا أنها غير منتزعة عن التكاليف من حيث أنها تكاليف وإن كان بعضها منتزعا عنها بما أنها مؤلفة من كثرة أو

٢٤٦

مقيدة بقيد ونحو ذلك فان هذه التكاليف واقعة في مرتبة الآثار المترتبة ولا معنى لانتزاع معنى عما يترتب عليه وهو ظاهر بل هي منتزعة عما تحمل عليه لضرورة اتحاد المنتزع والمنتزع منه وجودا.

نعم ما كان منها وصفا لتكليف متحدا به كجزئية التكليف وركنيته وشرطيته فهو منتزع من التكليف.

قوله حيث لا يكاد يعقل انتزاع اه :

حاصله ان هذا القسم لو كان مجعولا لكان أما منتزعا أو مستقلا بالجعل وكلا الشقين باطل أما الأول فلأنه لو كان منتزعا لكان منتزعا من التكاليف التي عندها وهو غير جائز لترتب التكاليف عليها ولا معنى لانتزاع شيء مما يترتب عليه وجودا.

وأما الثاني فلان اتصافه بالعلية والسببية والشرطية ليس إلا لخصوصية تكوينية يترتب عليه بسببها التكاليف ترتبا تكوينيا وإلا لكان كل شيء مؤثرا في كل شيء أو لا شيء مؤثرا في شيء ومن الواضح ان علة التكليف مثلا لا يتغير حالها بإنشاء مفهوم عليتها بل يتحقق التكليف بتحققها ووجودها ولو لم ينشأ ولا يتحقق مع عدمها وإن أنشأه الشارع.

أقول وفيه أولا أنها انتزاعية لكنه لا يستلزم كونها منتزعة من التكليف المتأخر عنها بل من الخصوصية المتحققة معها على ما عرفت.

وثانيا أنها لا تنفك عن خصوصية قائمة بها بها ترتبط مع التكليف

٢٤٧

المترتب عليها لكن تلك الخصوصية يستحيل أن يكون تكوينية وإلا لم يختلف ولم يتخلف فكان ترتب التكليف عليها ترتبا تكوينيا حقيقيا لا تشريعيا اعتباريا على أن قدمنا مرارا ان النسبة إذا كان أحد طرفيها اعتباريا استلزم ذلك كون الطرف الآخر ونفس النسبة اعتباريين قطعا فأذن الرابطة الموجودة بين علة التكليف ونفس التكليف اعتبارية فالعلة بما هي علة اعتبارية وكل اعتباري مجعول فهذا القسم كسائر أقسام الأحكام الوضعيّة اعتبارية مجعولة.

وثالثا ان الاعتبار كما عرفت هو إعطاء حد شيء لشيء بحيث يترتب أثر الأول على الثاني لا إنشاء مفهوم السبب أو العلة أو غيره لشيء.

قوله «ره» حيث إن اتصاف شيء بجزئية المأمور به اه :

من المعلوم ان انتزاع شيء عن شيء اتحاد بينهما وجودا أي كون وجود المنتزع منه وجودا للمنتزع فأي نحو من وجود المنتزع منه أخذ وجودا للمنتزع فهو المنتزع منه فجزئية جزء المكلف به من حيث أنه مأمور به منتزع منه بعد تعلق الأمر وجزئيته من حيث أنه متحقق قبلا بوجه تصورا أو اقتضاء منتزع منه كذلك.

قوله حيث أنها وإن كان من الممكن انتزاعها اه :

معلوم ان مراد القوم من الانتزاع في الأحكام الوضعيّة الانتزاع من التكليف ومن الجعل المستقل عدمه وإن كان ذلك بالانتزاع من شيء أخر غير التكليف.

٢٤٨

وحاصل البيان ان هذا القسم من الوضعيات لو كانت منتزعة لم يتصور انتزاعها مع قطع النّظر عن التكاليف التي في مواردها وليس كذلك.

أما أولا فلانا ننتزع هذه الوضعيات بمجرد تحقق أسبابها مع الغفلة عما في مواردها من التكاليف بالضرورة.

وأما ثانيا فلانا إنما ننشئ بالعقود والإيقاعات وجود هذه الأمور ولو كانت منتزعة عن التكاليف غير مجعولة استقلالا كان المقصود وهو الوضع الَّذي أنشأناه غير واقع والتكليف الَّذي لم نقصده هو الواقع فالمقصود غير واقع والواقع غير مقصود فالحق أنها مستقلة بالجعل لصحة انتزاعها بمجرد جعل الشارع إياها بإنشائها بحيث يترتب عليها آثارها.

أقول يرد عليه أو لا إنك قد عرفت ان ترتب الآثار من مقومات الاعتبار فلا معنى لتعقل معنى وضعي أو انتزاعه مع الغفلة عن ترتب الآثار من التكاليف المترتبة عليه.

وثانيا ان فرض انتزاعها من التكاليف التي في مواردها اتحادها معها وجودا وتحققا فلا معنى لدعوى قصد ما لم يقع ووقوع ما لم يقصد.

وثالثا ان الاستدلال بضرورة الانتزاع بمجرد جعل الشارع لا يزيد على أصل الدعوى شيئا وادعاء البداهة ممنوع فالحق في إثبات المدعى ما قدمناه من البيان فارجع.

٢٤٩

ورابعا ان ما وقع في كلامه ان الملك اعتباري منتزع من إنشاء الشارع إياه أو منتزع من العقد غير صحيح فان الانتزاع لا ينفك عن الحمل بين المنتزع والمنتزع منه ومن الواضح ان العقد لا يحمل عليه أنه ملك وكذلك إنشاء الشارع لا يحمل عليه أنه ملك.

قوله وهم ودفع اه :

أما الوهم فحاصله ان ما ذكر من أن الملك اعتباري خارج المحمول حاصل بمجرد الإنشاء غير مستقيم من الوجهين جميعا فان الملك إحدى المقولات الخارجية المحمولة بالضميمة وليست بالخارج المحمول ولها أسباب خارجية كالتعمم والتنعل لا تحصل بمجرد الإنشاء.

وأما الدفع فحاصله ان الملك يقع بالاشتراك على ثلاثة معان أحدها مقولة برأسها وهي الهيئة الحاصلة من إحاطة شيء بشيء بحيث ينتقل المحيط بانتقال المحاط والثاني والثالث الاختصاص الخاصّ المشترك بين الاختصاص الحقيقي كملك الباري تعالى للعالم وسببه الاستناد الوجوديّ من المملوك إلى المالك وهو الإضافة الإشراقية وبين الاختصاص الاعتباري وسببه أما أمر اختياري كالتصرف والاستعمال أو سبب غير اختياري كالإرث ونحوه وهذا القسم هو محل الكلام وهو خارج محمول من مقولة الإضافة لا محمول بالضميمة من مقولة الملك والجدة.

أقول وفيه أولا ان ما وقع في الوهم وسلم في الدفع ان مقولة الجدة محمولة بالضميمة من واضح الخطاء وإنما هي مقولة نسبية من

٢٥٠

قبيل الخارج المحمول وليرجع فيه إلى محله.

وثانيا ان عد التصرف والاستعمال من أسباب الملك يناقض ما صرح به سابقا ان التصرفات من آثار الملك المترتبة عليه المتأخرة عنه.

وثالثا ان عد الملك الاعتباري من مقولة الإضافة غير مستقيم إذ لا يجوز أن يكون الملك من مقولة الإضافة لا حقيقة ولا اعتبارا أما حقيقة فلان الإضافة الحقيقية من المقولات الخارجية التي لها وجود خارجي لا يختلف ولا يتخلف باختلاف الأنظار ومن الواضح ان الملك الَّذي هو اعتبار عقلائي يختلف باختلاف الأنظار ويتخلف فربما يصدق حده على مورد ولا يصدق اسمه وربما يصدق اسمه ولا يصدق حده وهو ظاهر.

وأما اعتبارا فلان جعل شيء شيئا اعتبارا مستلزم لصدق حده عليه دعوى ولا يصدق على الملك حد الإضافة وهو نسبة حاصلة بين مهيتين بحيث لا تعقل إحداهما إلا مع تعقل الأخرى فهي نسبة متكررة ومن المعلوم ان لا نسبة متكررة بين الإنسان وبين ما يملكه وإن كانت بينهما نسبة ما فما كل نسبة بإضافة.

وأما تكرار النسبة بين المالكية والمملوكية فهي إضافة جعلية حاصلة بأحد النسبة المتوسطة بين المنسوب والمنسوب إليه مع كل واحد من الطرفين فتتكرر ح النسبة ويصدق عليه بهذا الأخذ حد الإضافة كأخذ النسبة الواحدة المتوسطة بين الضارب والمضروب والناصر و

٢٥١

المنصور مع الطرفين فيتحقق بذلك الضاربية والمضروبية والناصرية والمنصورية وهي نسبة الإضافة المقولية وأما نفس النسبة بين زيد الضارب وعمر والمضروب مثلا فغير متكررة وليست من الإضافة المقولية في شيء.

والشاهد على أنها جعلية غير حقيقية ارتفاعها بارتفاع الجعل المذكور وعروضها لنفس الإضافة وتسلسلها بتسلسل الأخذ والاعتبار وانقطاع السلسلة بانقطاع اعتبار العقل كفوق وتحت وفوقية الفوق وتحتية التحت وفوقية فوقية الفوق وتحتية تحتية التحت وهلم جرا.

فقد تحصل ان الملك غير داخلة تحت مقولة الإضافة لا حقيقة ولا اعتبارا وكذا تحت مقولة الجدة لا حقيقة ولا اعتبارا لعدم صدق حدها عليه لا حقيقة ولا دعوى وقد عرفت مضافا إلى ذلك فيما تقدم ان شيئا من الاعتباريات غير مأخوذ من شيء من المقولات أصلا بل من أوصاف وجودية وروابط خارجية تترتب عليها آثار خاصة مطلوبة هذا بالنسبة إلى الكل.

وأما الملك خاصة فهو اعتبار الملك الحقيقي الَّذي هو قيام وجود شيء بشيء بحيث يكون كل ما للقائم فهو للمقوم ويلزمه إمكان تصرف المالك في المملوك ذاتا وآثارا بحسب سراية اعتبار الملك إلى المملوك والدليل على ذلك صدق حده عليه وكون الآثار المترتبة على الاعتباري دعوى هي التي للحقيقي فما لملك العقلائي الاعتباري اعتبار للملك العقلي

٢٥٢

الحقيقي.

قوله وهذا هو الأظهر اه :

وأما على ما قربناه في حجية الاستصحاب أنه أصل عقلائي حقيقته اعتبار العلم المتعلق بالحدوث متعلقا بالبقاء وإن حجيته شرعا امضائي فلا معنى للاستصحاب على تقدير الثبوت بمعنى استنتاج الثبوت المحقق بقاء من الثبوت المقدر حدوثا وهو ظاهر وأما الأحكام الثابتة بواسطة الأمارات المعتبرة فالأمر فيها سهل لما مر في أوائل مبحث الظن انها عند العقلاء حجج علمية لا ظنية فحالها في القيام على حكم وحال العلم سواء.

قوله أو ما يشترك بين اثنين منها أو أزيد اه :

قد عرفت فيما مر ان الأحكام نسب غير مستقلة وهي مع ذلك ترجع إلى معان وصفية باعتبار آخر وهذا هو المصحح لاعتبار الجامع بين أزيد من واحد منها مع كون النسب معاني حرفية لا جامع بين اثنين منها فأزيد وكذلك عدها كلية وجزئية وكذلك عدها كليات طبيعية لها افراد خارجية تتحد بها وجودا وتتعدد بتعددها لمكان عينية الكلي الطبيعي مع افراده مع أنها عناوين اعتبارية غير منطبقة على شيء مما في الخارج فالبحث في هذا الباب موضوع على المسامحة من رأس.

قوله حيث يرى الإيجاب والاستحباب إلخ :

قد مر ان الأحكام نسب اعتبارية ليست من الطلب في شيء فلا نسبة

٢٥٣

بينها غير التباين من غير تشكيك فلا ينفع الاستناد إلى نظر العرف لو لم يضر فان التشكيك لو صح فإنما هو بنظرهم فافهم.

قوله «ره» إلا أنه ما لم يتخلل في البين العدم اه :

الظاهر أن مراده بهذا العدم السكون وإلا كانت الجملة مناقضة لقوله إلا بعد ما انصرم منه جزء وانعدم اه وعلى هذا فيؤول الجواب وينحل إلى ثلاثة أجوبة.

الأول ان الاعتبار بنظر العرف دون النّظر الدّقيق والحركة بهذا النّظر واحد باق وإن كان ربما تخلل في متنها عدم بما لا يعبأ به.

الثاني ان الحركة وإن كانت ذات اجزاء لا يتحقق واحد منها ولا يوجد الا مع انقضاء الاخر إلا أنها ليست موجودة بالفعل بل الحركة متصلة واحدة تقبل القسمة إلى اجزاء غير متناهية بالقوة.

والثالث أنا سلمنا ذلك لكنه إنما يتصور في الحركة القطعية وأما الموجود من الحركة وهي التوسطية فهي قارة مستمرة.

أقول وفيه ان الجمع بين القرار والاستمرار مناقضة وقد سبقه ره فيه غيره.

فان قلت فكيف يصح تصور البقاء في ساير الأمور القارة مع عدم كونها من سنخ الحركة.

قلت البقاء غير متصور في الشيء إلا مع تشفيعه بحركة أو زمان ما محقق أو متوهم وهذا ربما يصح في غير الحركة والزمان وأما فیهما

٢٥٤

وخاصة في الزمان فلا معنى لعروض الاستمرار والامتداد عليه بواسطة انطباقه بزمان آخر أو حركة أخرى فافهم وللكلام تمام ينبغي أن يطلب من محل يليق به والأولى في الجواب الاقتصار على ما يعطيه النّظر العقلائي المسامحي.

قوله «ره» حسب ما عرفت اه :

يعنى به ما قربه من حجية الاستصحاب في الشك في المقتضى وقد عرفت ما فيه.

قوله لا يخفى ان الطهارة الحدثية والخبثية اه :

هذا حق لكن الاستناد في ذلك إلى الضرورة والبداهة ممنوع والظاهر أن الاحتمال لو كان جاريا في الطهارة والنجاسة الحدثيتين والخبثيتين لم ينحصر فيهما بل كان جاريا في جميع موارد الشك في رافعية الشيء الموجود بإرجاع الشك في رافعية الشيء الموجود إلى الشك في أن المقتضى هل اقتضائه بمقدار لا يؤثر الا إلى حين وجود منشأ الشك أو أنه يؤثر مع وجوده أيضا.

ومنه يظهر ان صورة الشك في وجود الرافع أيضا يمكن إلحاقها بصورة الشك في رافعية الشيء الموجود بإرجاعها إلى الشك في مقدار اقتضاء المقتضى وأنه هل يقتصر استعداده للتأثير في ما قبل الشك أو أنه يقتضى حتى فيما بعده.

والَّذي ينبغي أن يقال إن السبب من حيث أنه سبب مؤثر إذا نسب

٢٥٥

إلى أمر ما فأما أن يكون ذا دخل في تأثير ذلك السبب أو لا وعلى الأول فالسبب مركب مقيد به ان كان شرطا وبعدمه ان كان مانعا وعلى الثاني فهو بسيط بالنسبة إليه وإن لم يكن كذلك بالنسبة إلى غيره وهو ظاهر فمنشأ الشك في الاستصحاب ان كان منشئيته لاحتمال دخله في سبب البقاء ومقتضية فالمقتضى محفوظ والشك في الرافع كالشك في بقاء الطهارة بعد مجيء المذي فان الشك فيه ناش من احتمال تقيد سبب بقاء الطهارة بعدم خروج المذي وإن كان منشئيته للشك من غير احتمال دخله في المقتضى فالشك في المقتضى كالشك في اليوم الرابع في بقاء الحيوان الَّذي من شأنه البقاء إلى ثلاثة أيام فان تحقق اليوم الرابع وإن كان هو المنشأ للشك لكنه لا يحتمل دخله في المقتضى بتقيده بعدمه.

قوله «ره» هو إنشاء حكم مماثل للمستصحب اه :

قد عرفت ان حقيقة الاستصحاب هي اعتبار كون العلم المتعلق بالحدوث متعلقا بالبقاء أيضا فالمعلوم حقيقة والمعلوم اعتبارا شيء واحد بعينه فالأمر الثابت في حال البقاء موضوعا كان أو حكما عين الثابت في حال الحدوث وإن كان نحو الثبوت مختلفا إلا أنه أمر مماثل إلا أن يطلق عليه المماثل باعتبار كون اختلاف الثبوت اختلافا في الثابت تجوزا وهذا بخلاف الأحكام الثابتة في ساير الطرق والأمارات حتى العلم فان الثابت في ظرف العلم غير الثابت في متن الواقع سواء طابقه أو لم يطابقه وهو ظاهر.

٢٥٦

نعم بناء على ما اختاره رحمه الله ان حقيقة الاستصحاب هو التعبيد بالحكم الثابت حدوثا أو بحكم الموضوع الثابت حدوثا في حال البقاء يكون مقتضى أدلة الاستصحاب إنشاء الحكم المماثل كما ذكره هذا.

ومما ذكرنا يظهر عدم كفاية الاستصحاب لترتيب الآثار المترتبة على أمر متوسط يترتب على المستصحب ترتبا عاديا أو عقليا غير شرعي فان الواسطة المترتبة على المستصحب ترتبا شرعيا يعد حكمه حكما شرعيا للمستصحب وأما المترتبة عليه ترتبا عقليا أو عاديا فلا يعد أثره أثرا شرعيا للمستصحب والحكم المجعول يتبع في سنخه سنخ الجعل سعة وضيقا والجعل الشرعي سواء كان بالأصالة أو الإمضاء لا يكفى إلا للآثار المترتبة بالترتب الشرعي دون غيره والواسطة وإن كانت مترتبة على المستصحب الشرعي وكانت آثارها مترتبة عليها لكنه لا يستلزم ترتب آثارها على المستصحب لاختلاف الترتب بالشرعية وعدمها كما ذكره المصنف في الحاشية.

فان قلت فما الفرق على هذا بين الاستصحاب والطرق العلمية في عدم حجية المثبت في الأول دون الثانية مع اشتراكهما في العلمية.

قلت الثابت في ظرف العلم بالنظر إلى حجيته الاعتبارية نفس الحكم الواقعي فيثبت معه جميع لوازمه وآثارها والثابت في ظرف الاستصحاب الحكم المعلوم من حيث أنه معلوم حدوثا فلا يثبت إلا ما هو من آثاره دون ما هو من آثار لوازم الحكم الواقعي بما هو واقعي فافهم.

٢٥٧

قوله ثم لا يخفى وضوح الفرق اه.

محصله الفرق بين الجعلين فان جعل الأمارة جعل الطريقية والمرآتية المحضة فلا يثبت بها إلا نفس الواقع بما له من الواقعية فيثبت به جميع لوازمه وآثارها وجعل الاستصحاب في الحقيقة تعبيد بمثل الحكم الثابت حدوثا فلا يثبت به إلا نفسه فقط هذا وفي هذا الفرق مع قولهم بكون الاستصحاب أصلا محرزا خفاء.

قوله بمعنى وجود منشأ انتزاعه اه :

هذا اشتباه منه رحمه الله وقد سبقه فيه غيره بل الأمر الانتزاعي موجود حقيقة بوجود منشأ انتزاعه لا بمعنى وجود منشأ انتزاعه وإلا كان توصيفه بالوجود مجازا.

قوله (ره) فان كانا مجهولي التاريخ اه :

محصله بعد فرض ان الاستصحاب عدمي لفرض الجهل بالحدوث وإن الأثر مترتب على أحد المجهولين بنحو لا يسقط بالمعارضة ان قياس أحد الحادثين إلى الاخر أما من جهة وصف متخذ من الزمان كقبلية أو بعدية أو من جهة مظروفية عدم أحدهما لزمان حدوث الاخر وعلى الأول أما أن يكون موضوع الأثر نفسه والوصف من اللوازم الغير المنفكة من دون أن يكون داخلا في موضوع الأثر كما أن الإيجاب مثلا سبب لنقل الملك ويلزمه أن يكون قبل القبول ليتم العقد من غير أن يكون الإيجاب المتقدم من حيث أنه إيجاب متقدم سببا وإلا توقف

٢٥٨

اتصافه بالسببية على تحقق القبول لمكان الإضافة بين المتقدم والمتأخر ولا ريب في تحقق أركان الاستصحاب ح إلا أنه مثبت عند العرف ولو لم يكن به عقلا على ما يعطيه التأمل وأما أن يكون موضوع الأثر هو الحادث المتصف بالقبلية والبعدية ونحوهما بنحو كان الناقصة ومن الواضح عدم جريان الاستصحاب ح لعدم اليقين السابق.

وعلى الثاني فأما أن يكون عدم الحادث المقيس إلى زمان الحادث الاخر مظروفا لزمانه فيعود إلى ليس الناقصة ولا يتحقق ح يقين سابق للزوم كونه مظروفا لذلك الزمان ولا يقين متحققا فيه فلا يجري الاستصحاب أيضا وأما أن يكون عدم حدوثه مقيدا بزمان حدوث الاخر فيكون غير مظروف لزمان حدوث الاخر بل مجموع المقيد والقيد أمرا واحدا مظروفا للواقع فهو مسبوق باليقين السابق لعدم حدوثه في زمان الاخر إلا أن الاستصحاب غير تام لعدم اتصال زمان الشك بزمان اليقين على ما بينه ره.

قوله على ثبوته المتصف بالعدم اه :

يريد كون الأثر مترتبا على كون عدم حدوثه مظروفا لزمان حدوث الاخر فيكون في كون عدم حدوثه في زمان الاخر فلا استصحاب لعدم اليقين السابق بما شك فيه والمراد بقوله كان مترتبا على نفس عدمه في زمان الاخر واقعا اه كون الزمان قيدا لا ظرفا فيكون الشك في عدم الحدوث في زمان الاخر مجموعا وله سابقة متيقنة.

٢٥٩

قوله «ره» هو خلاف اليقين اه :

وأما على ما قويناه في أول الاستصحاب أنه أصل عقلائي واعتباره الشرعي إمضاء فالأمر واضح فان المدار عند العقلاء على وجود دليل يوثق به ويطمئن إليه وعدمه لا على التقسيم المعروف من العلم والظن والشك والوهم وهو ظاهر.

قوله غير مستلزم لاستحالته تعبد اه :

وهو أيضا غريب فان الحكم الاعتباري ليس من قبيل العرض لموضوعه وهو ظاهر من مطاوي ما قدمناه.

قوله الا على وجه دائر اه :

الدور ممنوع لأن الَّذي يتوقف عليه التخصيص هو اعتباره معها بحيث يكونان في عرض واحد على ما هو شأن مورد التخصيص واعتباره في عرضها لا يتوقف على التخصيص بل يكون معه لا قبله متوقفا عليه فينتج الدور المعي وهو غير باطل.

وأما لو كان المراد من اعتباره معها كونه منطبقا على المورد بطرد الأمارة عنه فهو وإن توقف على الطرد المذكور وهو التخصيص لكن التخصيص غير متوقف عليه فان التخصيص يتوقف على انطباق كلا الدليلين على المورد على حد سواء هذا.

فالحق تقريب المدعى بطريق الخلف وهو ان التخصيص يتوقف على اعتباره معها في عرضها واعتباره معها كذلك يخرج الأصل عن كونه

٢٦٠