غاية المرام وحجّة الخصام - ج ٢

السيّد هاشم البحراني الموسوي التوبلي

غاية المرام وحجّة الخصام - ج ٢

المؤلف:

السيّد هاشم البحراني الموسوي التوبلي


المحقق: السيد علي عاشور
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٩

كثيرة (١).

الثامن والخمسون : موفق بن أحمد في الفضائل قال : أخبرنا صمصام الأئمّة أبو عفان عثمان بن أحمد الصّرام الخوارزمي بخوارزم ، أخبرنا عماد الدين أبو بكر أحمد بن الحسن النسفي ، حدّثنا أبو القاسم ميمون بن عليّ الميموني ، أخبرنا الشيخ أبو محمد إسماعيل بن الحسين بن عليّ ، أخبرنا أبو نصر أحمد بن سهل الفقيه ، أخبرنا أبو الحسن عليّ بن الحسن بن عبده ، حدّثنا إبراهيم بن سلام المكى ، حدّثنا عبد العزيز بن محمد عن حزام بن عثمان ، عن ابن جابر عن جابر بن عبد الله رضى الله عنه إنه قال : جاءنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ونحن مضطجعون في المسجد وفي يده عسيب رطب قال : ترقدون في المسجد؟

قلنا : قد أجفلنا وأجفل عليّ معنا.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : تعال يا عليّ إنّه يحل لك في المسجد ما يحلّ لي أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا النبوّة ، والذي نفسي بيده إنّك لذائد عن حوضي يوم القيامة تذود عنه رجالا كما تذود البعير الضال عن الماء بعصا لك من عوسج ، كأنّي أنظر إلى مقامك من حوضي (٢).

قلت : أجفل القوم أي أسرعوا في الهرب.

التاسع والخمسون : موفق بن أحمد في الفضائل قال : أخبرنا الشيخ الزاهد أبو الحسن عليّ بن أحمد العاصمي الخوارزمي قال : أخبرنا شيخ القضاة إسماعيل بن أحمد الواعظ ، أخبرنا والدي أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي ، أخبرنا أبو عليّ عبد الله بن أحمد بن حنبل ، أخبرنا أبي ، حدّثنا يحيى بن حمّاد ، حدّثنا أبو عوانة ، حدّثنا أبو بلج ، حدّثنا عمر بن ميمون قال : إنّي جالس إلى ابن عباس رضى الله عنه إذ أتاه تسعة رهط فقالوا : يا ابن العباس إمّا أن تقوم معنا وإمّا أن تخلوا بنا من بين هؤلاء ، فقال ابن العباس : بل أنا أقوم معكم ، وساق حديثا طويلا قال فيه قال ابن عباس : وخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في غزوة تبوك وخرج الناس فقال له عليّ : اخرج معك؟

فقال له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا ، فبكى عليّ.

فقال له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي ، إنّه لا ينبغي أن أذهب إلّا وأنت خليفتي ، والحديث تقدّم بطوله من طريق مسند أحمد بن حنبل وهو

__________________

(١) المناقب ١٠٨ / ح ١١٥ ، وصحيح مسلم : ٧ / ١٢٠ ـ ١٢١ ط دار الفكر.

(٢) المناقب ١٠٩ / ح ١١٦.

٤١

الحديث الحادي عشر ومائة (١).

الستون : موفّق بن أحمد في الفضائل قال : أخبرنا سيّد الحفاظ أبو منصور شهردار بن شيرويه بن شهردار الديلمي فيما كتب إلي من همدان ، أخبرنا أبو الفتح عبدوس بن عبد الله بن عبدوس الهمداني كتابة ، أخبرنا الشيخ أبو طاهر الحسين بن عليّ بن سلمة رضى الله عنه عن مسند زيد بن عليّ رضى الله عنه ، حدّثنا الفضل بن الفضل بن العباس ، حدّثنا أبو عبد الله محمد بن سهل ، حدّثنا محمد بن عبد الله البلوي ، حدّثنا إبراهيم بن عبيد الله بن العلاء حدّثني أبي عن زيد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عن أبيه عن جده عن عليّ رضى الله عنه قال : قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم فتحت خيبر : لو لا أن تقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى في عيسى ابن مريم لقلت فيك مقالا حيث لا تمر على ملاء من المسلمين إلّا وأخذوا من تراب رجليك ، وفضل طهورك يستشفون به ، ولكن حسبك أن تكون منّي وأنا منك ترثني وارثك ، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي ، يا عليّ أنت تؤدّي ديني وتقاتل على سنّتي ، وأنت في الآخرة أقرب الناس منّي ، وإنّك غدا على الحوض خليفتي تذود عنه المنافقين، وأنت أوّل من يرد على الحوض وأنت أوّل داخل في الجنّة من أمّتي ، وإن شيعتك على منابر من نور رواء مرويين مبيضة وجوههم حولي أشفع لهم فيكونون غدا في الجنّة جيراني ، وإن أعداءك غدا ظما مظمئين مسودة وجوههم يتقحمون مقمعون يضربون بالمقامع وهي سياط من نار مقتحمين ، حربك حربي وسلمك سلمي وسرك سري وعلانيتك علانيتي وسريرة صدرك كسريرة صدري ، وأنت باب علمي، وإن ولدك ولدي ولحمك لحمي ودمك دمي ، وإن الحق معك والحق على لسانك وفي قلبك وبين عينيك والإيمان مخالط لحمك ودمك كما خالط لحمي ودمي ، وإنّ الله عزوجل أمرني أن أبشّرك أنّك أنت وعترتك في الجنّة ، وأن عدوك في النار ، لا يرد عليّ الحوض مبغض لك ولا يغيب عنه محب لك ، قال عليّ : فخررت ساجدا لله تعالى وحمدته على ما أنعم عليّ به من الإسلام والقرآن وحببني إلى خاتم النبيين وسيّد المرسلين صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. (٢)

الحادي والستون : موفق بن أحمد في الفضائل قال : أخبرنا الشيخ الزاهد أبو الحسن على بن أحمد العاصمي ، حدّثنا إسماعيل بن أحمد الواعظ ، حدّثنا والدي أحمد بن الحسين البيهقي أخبرنا أبو الحسن عليّ بن محمد بن عليّ المقري ، أخبرنا الحسن بن محمد بن إسحاق الأسفرائيني ، حدّثنا يوسف بن يعقوب القاضي ، حدّثنا محمد بن أبي بكر ، حدّثنا يوسف بن

__________________

(١) المناقب ١٢٥ / ح ١٤٠.

(٢) المناقب ١٢٩ / ح ١٤٣.

٤٢

الماجشون ، حدّثنا محمد بن المنكدر عن سعيد بن المسيب عن عامر بن سعد عن سعد. ـ يعني ابن أبي وقاص ـ قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لعلي : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنه ليس نبيّ بعدي ، قال سعيد : فأحببت أن اشافه بذلك سعدا فلقيته وذكرت له الذي ذكر لي عامر فقال : نعم سمعته يقول ، قلت : أنت سمعته؟

قال : فأدخل إصبعه في أذنه وقال : وإلّا فاستكّتا.

قال رضى الله عنه : هو عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه سعد بن أبي وقاص (١).

الثاني والستون : موفق بن أحمد في الفضائل قال : أخبرنا الشيخ الفقيه العادل أبو بكر محمد بن عبيد الله بن نصر الزاغوني بمدينة السلام ، عن الشيخ الثقة أبي الليث وأبي الفتح أحمد بن الحسين بن نصر الشاشي عن الشيخ أبي بكر أحمد بن منصور المغربي عن الشيخ الحافظ أبي بكر محمد بن عبد الله بن الحسين بن زكريا الشيباني المعروف بالجوزقي ، أخبرنا أبو العباس الدغولي ، حدّثنا محمد بن مشكان ، أخبرنا أبو داود الطيالسي ، حدّثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم قال : سمعت إبراهيم بن سعد بن أبي وقاص يحدث عن سعد أنّ رسول الله قال لعلي رضى الله عنه : أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنه لا نبيّ بعدي ، أخرج الشيخان هذا الحديث في صحيحيهما (٢).

الثالث والستون : موفّق بن أحمد في الفضائل قال : انبأني مهذب الأئمّة أبو المظفر عبد الملك بن عليّ بن محمد الهمداني نزيل بغداد إجازة ، أخبرنا أبو طالب عبد القادر بن محمد بن يوسف إذنا قال : أخبرنا إبراهيم بن عمر البرمكي قال : أخبرنا أحمد بن جعفر بن مالك قال : حدّثنا الحسن بن عليّ البصري قال : حدّثنا أبو عبد الله الحسن بن راشد الطفاوي والصباح بن عبد الله أبو بشر قالا : حدّثنا قيس بن الربيع قال : حدّثنا سعد بن الخفاف عن عطية عن محدوج بن زيد الالهاني أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله آخى بين المسلمين ثمّ قال : يا عليّ أنت أخي وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبيّ بعدي ، أما علمت يا عليّ إنّ أوّل ما يدعى به يوم القيامة يدعى بي ، فأقوم عن يمين العرش في ظلة فأكسى حلة خضراء من حلل الجنّة ، ثمّ يدعى بالنبيين بعضهم على أثر بعض ، فيقومون سماطين عن يمين العرش ويكسون حللا خضرا من حلل الجنّة ، الحديث بطوله تقدم من مسند أحمد بن حنبل. (٣)

الرابع والستون : موفق بن أحمد في المناقب قال : أخبرنا أبو العلاء الحسن بن أحمد ، أخبرنا

__________________

(١) المناقب ١٣٣ / ح ١٤٨.

(٢) المناقب ١٣٨ / ح ١٥٧.

(٣) المناقب ١٤٠ / ح ١٥٩.

٤٣

الحسن بن أحمد المقرئ ، أخبرنا أحمد بن عبد الله الحافظ ، أخبرنا أبو الفرج أحمد بن جعفر الشيباني ، حدّثنا محمد بن جرير ، حدّثنا عبد الله بن داهر بن يحيى عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : هذا عليّ بن أبي طالب لحمه لحمي ودمه دمي وهو منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنه لا نبيّ بعدي ، وقال : يا أمّ سلمة اسمعي وأشهدي هذا عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين ، وسيّد المسلمين ، وعيبة علمي ، وبابي الذي أوتى منه ، وأخي في الدنيا وأخي في الآخرة ، ومعي في السنام الأعلى (١).

الخامس والستون : موفق بن أحمد في المناقب قال : أخبرنا الشيخ الزاهد أبو الحسين عليّ بن أحمد العاصمي الخوارزمي ، أخبرنا شيخ القضاة إسماعيل بن أحمد عن الحسين البيهقي ، أخبرنا أبو بكر أحمد ، أخبرنا أبو سعد أحمد بن الخليل الماليني ، حدّثنا أبو أحمد عبد الله بن عدي الحافظ حدّثنا البغوي املاء حدّثنا حسين بن محمد الذراع سنة إحدى وثلاثين ومائتين قال : قدم علينا مع أبي الربيع الزهراني من البصرة عبد المؤمن بن عباد العبدي قال : حدّثنا يزيد بن معن عن عبد الله بن شرحيل ، عن زيد بن أبي أوفى قال : دخلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في مسجده فقال : أين فلان وفلان؟ فجعل ينظر في وجوه أصحابه ويتفقدهم ثمّ ذكر قصة المؤاخاة بين الصحابة فقال له عليّ : ـ يعني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ : قد رأيتك فعلت بأصحابك ما فعلت غيري فإن كان هذا من سخط عليّ فلك العتبى والكرامة ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : والذي بعثني بالحق ما أخرتك إلّا لنفسي وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى غير أنّه لا نبيّ بعدي ، وأنت أخي ووارثي؟

قال : وما أرث منك يا رسول الله؟

قال : ما ورثه الأنبياء قبلي.

قال : وما هو؟

قال : كتاب ربّهم وسنّة نبيّهم ، وأنت معي في قصري في الجنّة مع فاطمة ابنتي ، وأنت أخي ووزيري ورفيقي ثمّ تلا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ) المتحابون في الله ينظر بعضهم بعضا (٢).

السادس والستون : موفّق بن أحمد في الفضائل قال : أخبرنا أبو العلاء الحسن بن أحمد ، أخبرنا أبو جعفر محمد بن الحسن بن محمد الحافظ ، أخبرنا أبو عليّ محمد بن موسى بن محمد بن نعيم أخبرني أبو الحسن محمد بن الحسين بن داود ، حدّثنا أبو الأحرز محمد بن عمر بن جميل الأزدي ،

__________________

(١) المناقب ١٤٢ / ح ١٦٣.

(٢) المناقب ١٥٠ / ح ١٧٨.

٤٤

حدّثنا محمد بن يونس القرشي ، حدّثنا محمد بن الحسن بن معلى بن زياد القردوسي ، حدّثنا أبو عوانة عن الأعمش ، عن الحكم عن مصعب ـ يعني ابن سعد بن أبي وقاص ـ عن أبيه قال : قال معاوية : أتحب عليا؟

قلت : كيف لا أحبه وقد سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول له : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى غير أنّه لا نبيّ بعدي ، ولقد رأيته يوم بدر وهو يحمحم كما يحمحم الفرس هو يقول :

بازل عامين حديث سني

سنح الليل كأنّي جنّي

لمثل هذا ولدتني أمّي (١)

السابع والستون : موفّق بن أحمد في المناقب قال : من المراسيل روى الناصر للحق بإسناده في حديث طويل قال : لما قدم عليّ رضى الله عنه على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لفتح خيبر قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لو لا أن تقول طائفة فيك من أمتي ما قالت النصارى في المسيح عليه‌السلام لقلت فيك اليوم مقالا لا تمر بملاء إلّا وأخذوا التراب من تحت قدميك ومن فضل طهورك يستشفون به ، ولكن حسبك أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى وأنا منك ترثني وارثك إلّا أنه لا نبيّ بعدي ، وإنّك تبرئ ذمتي ، وتقاتل على سنتي ، وإنك غدا أقرب الناس منّي ، وإنّك أوّل من يرد عليّ الحوض ، وأوّل من يكسى معي ، وأوّل داخل الجنّة من أمتي ، وإن شيعتك على منابر من نور ، وإن الحق على لسانك وفي قلبك وفي عينيك (٢).

الثامن والستون : موفّق بن أحمد في المناقب قال : روي أن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب أرسل إلى معاوية رسله الطرماح بن حكيم الطائي وجرير بن عبد الله البجلي وغيرهما قبل مسيره إلى صفّين ، وكتب إليه مرّة بعد اخرى يحتجّ عليه ببيعة أهل الحرمين له وسوابقه في الإسلام لئلّا يكون بين أهل العراق وبين أهل الشام محاربة ، ومعاوية يعتل بدم عثمان ويستغوي بذلك جهال أهل الشام وأجلاف العرب ، ثمّ يستميل طلبة الدنيا بالأموال والولايات ، وكان يشاور في أثناء ذلك ثقاته وأهل مودته وعشيرته في قتال عليّ كرم الله وجهه ، فقال له أخوه عتبة : هذا أمر عظيم لا يتم إلّا بعمرو بن العاص فإنّه قريع زمانه في الدهاء والمكر والخدع ، وقلوب أهل الشام مائلة إليه ، فقال معاوية : صدقت ولكنّه يحب عليّا وأخاف أن لا يجيئني ، فقال : اخدعه بالأموال ومصر ، فكتب إليه معاوية : من معاوية بن أبي سفيان خليفة عثمان بن عفان رضى الله عنه إمام المسلمين وخليفة رسول ربّ العالمين ذي النورين ختن المصطفى على ابنته وصاحب جيش العسرة وبئر رومة المعدوم الناصر ،

__________________

(١) المناقب : ١٥٨ ، ح ١٨٧.

(٢) المناقب ١٥٨ / ح ١٨٨.

٤٥

الكثير الخاذل ، المحصور في منزله والمقتول عطشا وظلما في محرابه ، المعذّب بأسياف الفسقة ؛ إلى عمرو بن العاص صاحب رسول الله وثقته ، أمير عسكره بذات السلاسل المعظم رأيه المفحم تدبيره أمّا بعد : فلم يخف عليك احتراق قلوب المؤمنين ، وما أصيبوا من الفجيعة بقتل عثمان ، وما ارتكب به جاره حسدا وبغيا بامتناعه من نصرته وخذلانه إياه وأشلائه الغاغة (١) عليه حتّى قتلوه في محرابه ، فيا لها من مصيبة عمّت جميع المسلمين وفرضت عليهم طلب دمه ممّن قتلته ، وأنا أدعوك إلى الحظ الاجزل من الثواب والنصيب الأوفر من حسن المآب بقتال من أوفى قتلة عثمان رضى الله عنه وارضاه وأحلّه جنّة مأواه.

فكتب إليه عمرو : من عمرو بن العاص صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى معاوية بن أبي سفيان أمّا بعد : فقد وصل كتابك فقرأته ، ثمّ فهمته ، فأمّا ما دعوتني إليه من خلع ربقة الإسلام من عنقي والتهور في الضلالة معك وإعانتي إيّاك على الباطل ، واختراط السيف في وجه علي رضى الله عنه وهو أخو رسول الله ووصيه ووارثه وقاضي دينه ومنجز وعده ، وزوج ابنته سيّدة نساء أهل الجنّة وأبو السبطين الحسن والحسين سيّدي شباب أهل الجنّة فلن يكون.

وأمّا ما قلت : إنّك خليفة عثمان فقد صدقت ، ولكن تبين اليوم عزلك عن خلافته وقد بويع لغيره فزالت خلافتك ، وأمّا ما عظمتني به ونسبتني إليه من محبة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وإنّني صاحب جيشه فلا أغترّ بالتزكية ولا أميل بها عن الملّة.

وأمّا ما نسبت أبا الحسن اخا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ووصيّه إلى البغي والحسد لعثمان ، وسميت الصحابة فسقة وزعمت أنّه اشلاهم على قتله فهذا كذب وغواية ، ويحك يا معاوية أما علمت أن أبا الحسن بذل نفسه بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وبات على فراشه ، وهو صاحب السبق إلى الإسلام والهجرة وقد قال فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : هو منّي وأنا منه وهو منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي.

وقد قال فيه يوم غدير خم : ألّا ومن كنت مولاه فعليّ مولاه اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه وأنصر من نصره وأخذل من خذله.

وهو الذي قال فيه رسول الله يوم خيبر : لأعطين الراية غدا رجلا يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله.

وهو الذي قال فيه يوم الطير : اللهمّ آتني أحب الخلق إليك فلمّا دخل عليه قال : وإلي وإلي.

__________________

(١) الأشلاء : الأغراء ، والغاغة : الكثير المختلط من الناس.

٤٦

وقد قال فيه يوم بني النظير : عليّ إمام البررة وقاتل الفجرة منصور من نصره مخذول من خذله.

وقد قال فيه : عليّ وليكم من بعدي وأكّد القول عليك وعليّ وعلى جميع المسلمين.

وقال : إنّي مخلّف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي.

وقد قال : أنا مدينة العلم وعليّ بابها ، وقد علمت يا معاوية ما أنزل الله تعالى في كتابه فيه من الآيات المتلوّات في فضائله التي لا يشركه فيها أحد كقوله تعالى : (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ).

وقوله تعالى : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ).

وقوله تعالى : (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ).

وقد قال الله تعالى : (رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ).

وقد قال الله لرسوله : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى).

وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى ، سلمك سلمي وحربك حربي وتكون أخي ووليي في الدنيا والآخرة ، يا أبا الحسن من أحبّك فقد أحبّني ومن أبغضك فقد أبغضني ، ومن أحبّك أدخله الله الجنّة ومن أبغضك أدخله الله النار.

وكتابك يا معاوية الذي هذا جوابه ليس ممّا يخدع به من له عقل أو دين والسلام.

فكتب إليه معاوية يعرض عليه الأموال والولايات وكتب في آخر كتابه هذه الأبيات :

جهلت ولم تعلم محلك عندنا

فأرسلت شيئا من خطاب وما تدري

فثق بالّذي عندي لك اليوم آنفا

من العزّ والإكرام والجاه والقدر

فأكتب عهدا ترتضيه مؤكّدا

وأشفعه بالبذل منّي وبالبرّ

فكتب عمرو :

أبى القلب منّي أن أخادع بالمكر

بقتل ابن عفّان أجرّ إلى الكفر

وإنّي لعمرو ذو دهاء وفطنة

ولست أبيع الدين بالريح والدفر

فلو كنت ذا رأي وعقل وفطنة

لقلت لهذا الشيخ ان خاض في الأمر

تحيّة منشور جليل مكرم

بخطّ صحيح ذي بيان على مصر

أليس صفيرا ملك مصر ببيعة

هي العار في الدنيا على العقب من عمرو

فإن كنت ذا ميل شديد إلى العلى

وإمرة أهل الدين مثل أبي بكر

٤٧

فأشرك أخا رأي وحزم وحيلة

معاوي في أمر جليل لذي الذكر

فإن دواء الليث صعب على الورى

وإن غاب عمرو زيد شرّا إلى شرّ (١)

التاسع والستون : موفق بن أحمد في المناقب قال : أخبرنا العلامة فخر خوارزم أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري رضى الله عنه ، أخبرني الاستاذ الأمين أبو الحسن عليّ بن مردك الرازي أخبرني الشيخ الزاهد الحافظ أبو سعد إسماعيل بن عليّ بن الحسين السمان ، أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد الحمدوني بقراءتي عليه سنة ست وثمانين وثلاثمائة ، حدّثنا أبو محمد عبد الرّحمن بن حمدان بن عبد الرّحمن بن المرزبان الجلاب ، حدّثنا أبو بكر محمد بن إبراهيم السوسي البصري نزيل حلب ، حدّثنا عثمان بن عبد الله القرشي الشامي بالبصرة قدم علينا ، حدّثنا يوسف بن أسباط عن محمد الضبي ، عن إبراهيم النخعي عن علقمة عن أبي ذر رضى الله عنه قال : لمّا كان أوّل يوم في البيعة لعثمان (ليقضي الله أمرا كان مفعولا ليهلك من هلك عن بيّنة ويحيى من حيى عن بيّنة.

قال أبو ذر : فاجتمع المهاجرون والأنصار في المسجد ، فنظرت إلى أبي محمد عبد الرّحمن بن عوف وقد اعتجر بريطة وقد اختلفوا إذ جاء أبو الحسن بأبي هو وأمي ، فلمّا بصروا بأبي الحسن علي بن أبي طالب ـ كرّم الله وجهه ـ سرّ القوم طرا فأنشأ عليّ يقول : إنّ احسن ما ابتدأ به المبتدءون ونطق به الناطقون وتفوّه به القائلون : حمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ، وصلّى الله على النبيّ محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، الحمد لله المتفرّد بدوام البقاء المتوحّد بالملك الذي له الفخر والمجد والثناء ، وساق الخطبة بطولها إلى أن قالعليه‌السلام: فهدانا الله بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى صالح الأديان ، ثمّ أنقذنا من عبادة الأوثان بعد أن أمكنه الله من شعلة النور فأضاء بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله مشارق الأرض ومغاربها فقبضه الله إليه فإنّا لله وإنّا إليه راجعون ، فما أجلّ رزيّته وأعظم مصيبته فالمؤمنين فيه طرا مصيبتهم واحدة ، ثمّ قال عليّ كرّم الله وجهه : فانشدكم بالله يا معاشر المهاجرين والأنصار هل تعلمون أن جبرائيل عليه‌السلام أتى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : يا محمد لا سيف إلّا ذو الفقار ولا فتى إلّا عليّ ، هل تعلمون كان هذا؟

قالوا : اللهمّ نعم.

قال : فانشدكم الله هل تعلمون أن جبرائيل نزل على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا محمد إن الله يأمرك أن تحب عليّا وتحب من يحبّه فإن الله تعالى يحبّ عليّا ويحبّ من يحبّه؟

قالوا : اللهمّ نعم.

__________________

(١) المناقب ١٩٨ / ح ٢٤٠.

٤٨

قال : فانشدكم الله هل تعلمون أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : لمّا اسري بيّ إلى السماء السابعة رفعت إليّ رفارف من نور ثمّ رفعت إليّ حجب من نور فوعد النبيّ ، الجبار وقال له أشياء ، فلمّا رجع من عنده نادى مناد من وراء الحجب : نعم الأب أبوك إبراهيم ونعم الأخ أخوك عليّ واستوص به ، أتعلمون معاشر المهاجرين والأنصار كان هذا؟

فقال أبو محمد من بينهم ـ يعنى عبد الرّحمن بن عوف ـ : سمعتها من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وإلّا صمّتا.

ثمّ قال : أتعلمون أن أحدكم كان يدخل المسجد جنبا غيري؟

قالوا : اللهم لا.

قال : فانشدكم الله هل تعلمون أن أبواب المسجد سدّها وترك بابي؟

قالوا : نعم.

قال : هل تعلمون إنّي إذا قاتلت أكون عن يمين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي؟

قالوا : اللهمّ نعم.

قال : هل تعلمون أن رسول الله أخذ الحسن والحسين فجعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : أيّها يا حسن ، فقالت فاطمة عليها‌السلام : يا أباه إنّ الحسين أصغر وأضعف ركنا منه ، فقال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا فاطمة ألا ترضين أن أقول أنا هي يا حسن ويقول جبرائيل عليه‌السلام هي يا حسين ، فهل لأحدكم مثل هذا الفضل وهذه المنزلة؟ نحن الصابرون ليقضي الله أمرا كان مفعولا في هذه البيعة (١).

السبعون : صاحب كتاب المناقب الفاخرة في العترة الطاهرة قال : حدّثنا أبو يحيى زكريا بن يحيى السالي عن أحمد بن يحيى الصوفي قال : حدّثنا أبو نعيم حدار بن صراد عن يحيى بن عيسى الزميل عن الأعمش عن عناية الأسدي عن ابن عباس عن أمّ سلمة قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد دخل عليه عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام : يا أمّ سلمة هل تعرفينه ، فقالت هينا هذا عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام.

قال : نعم لحمه لحمي ودمه دمي وهو منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي ، يا أمّ سلمة اسمعي واشهدي هذا عليّ أمير المؤمنين وسيّد المسلمين وعيبة علمي وبابي الذي منه أوتى وخليفتي من بعدي وقريني في الآخرة ، وهو معي في السنام الأعلى ، اشهدي يا أمّ سلمة إنّه

__________________

(١) المناقب ٢٩٩ / ح ٢٩٦.

٤٩

يقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين (١).

الحادي والسبعون : صاحب المناقب الفاخرة قال : حدث المبارك بن مسرور قال : حدّثني القاضي أبو عبد الله عن أبيه عن أبي الحسين عليّ بن عبد الله القصاب البيّع عن أبي بكر المفيد الجرجاني عن أبي الحسين عليّ بن سليمان عن عبد الكريم بن عليّ عن جعفر بن ربيعة البلخي عن الحسين بن الحسين المروزي عن كادح بن جعفر عن مسلم بن بشار عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضى الله عنه قال : لما قدم عليّ من فتح خيبر قال له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عليّ لو لا أن طائفة من أمّتي يقولون فيك ما قالت النصارى في عيسى ابن مريم لقلت فيك مقالا لا تمر بملاء من الناس إلّا أخذوا التراب من تحت رجليك وفضول (٢) طهورك يستشفون بهما ، ولكن حسبك أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي ، وأنت تبرئ ذمّتي وتستر عورتي وتقاتل على سنّتي ، وأنت غدا في الآخرة أقرب الخلق منّي وأنت على الحوض خليفتي ، وإنّ شيعتك ومحبّيك في القيامة [على منابر من نور] مبيضّة وجوههم حولي أشفع لهم فيكونون في الجنّة جيراني ، يا عليّ حربك حربي وسلمك سلمي وسرورك سروري [وإنّ ولدك ولدي] وأنت تقضي ديني وتنجز وعدي ، وأن الحق يجري على لسانك ويجري على قلبك ومعك وبين يديك ونصب عينيك ، والإيمان مخالط لحمك ودمك كما خالط لحمي ودمي ، لا يرد على الحوض مبغض لك ولا يغيب عنه محبّ لك.

فخرّ عليّ ساجدا لله تعالى ، وقال : الحمد لله الذي منّ عليّ بالإسلام ، وعلّمني القرآن ، وحبّبني إلى خير البريّة وأعزّ الخليقة وأكرم أهل السماوات والأرض على ربّه ، خاتم النبيّين وسيّد المرسلين وصفوة الله من جميع العالمين إحسانا من الله تعالى وتفضّلا [منه] عليّ ، فقال له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عليّ ما عرف الإسلام بعدي إلّا بك ، يا عليّ لقد جعل الله نسل كلّ نبيّ من صلبه ونسلي من صلبك ، فأنت أعزّ الخلق لديّ وأكرمهم لديّ ، ومحبوك أكرم [من يرد] عليّ من أمّتي (٣).

الثاني والسبعون : صاحب المناقب الفاخرة قال : روى إسحاق بن حمّاد عن زيد المحدث البصري، في حديث مناظرة الفقهاء وأصحاب الحديث مع المأمون بمحضر يحيى بن أكثم ، وهو حديث طويل في اثبات إمامة عليّ أمير المؤمنين عليه‌السلام وتقديمه على ما تقدم عليه عليه‌السلام قال المأمون في احتجاجه عليهم : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّ : «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ

__________________

(١) انظر : التحصين لابن طاوس ٥٦٦ ، وبحار الأنوار : ٣٨ / ١٢٢.

(٢) في المصدر : فضل.

(٣) الغارات : ١ / ٦٥ مختصرا.

٥٠

بعدي» وأعترف منهم من أعترف ولم ينكره أحد منهم من الفقهاء والمحدّثين.

الثالث والسبعون : الحافظ محمد بن مؤمن الشيرازي في كتابه في تفسير قوله تعالى : (عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ) بإسناده إلى السدي يرفعه قال : أقبل صخر بن حرب حتّى جلس إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا محمد هذا الأمر لنا من بعدك أم لمن؟

قال : يا صخر الأمر بعدي لمن هو منّي بمنزلة هارون من موسى فأنزل الله تعالى : (عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ الَّذِي) يعني يسألك أهل مكة عن خلافة عليّ بن أبي طالب عن النبأ العظيم (هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ) منهم المصدّق بولايته وخلافته ومنهم مكذّب ثمّ قال : (كَلَّا) وهو ردّ عليهم (سَيَعْلَمُونَ) سيعرفون خلافته بعدك أنّها حق يكون (ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ) يقول يعرفون خلافته وولايته ويسألون عنها في قبورهم ، فلا يبقى ميّت في شرق ولا غرب ولا برّ ولا بحر إلّا ومنكر ونكير يسألانه عن ولاية عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام بعد الموت يقولان للميت من ربّك وما دينك ومن نبيّك ومن إمامك (١).

الرابع والسبعون : الشيخ أبو الحسن محمد بن أحمد بن شاذان في المناقب المائة من طريق العامّة يرفعه إلى جابر بن عبد الله قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي بن أبي طالب : أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ ولو كان لكنته (٢).

الخامس والسبعون : ابن شاذان في المناقب المائة من طريق المخالفين يرفعه إلى جعفر بن محمد الصادق ، عن أبيه عن آبائه عليهم‌السلام عن عليّ بن الحسين عليه‌السلام قال : قام عمر بن الخطاب إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : إنك لا تزال تقول لعلي بن أبي طالب : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى ، وقد ذكر هارون في القرآن ولم يذكر عليا ، فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا غليظ يا أعرابي إنك ما تسمع الله يقول : هذا صراط عليّ مستقيم. (٣)

السادس والسبعون : فضائل الصحابة للسمعاني عن أحمد عن زيد بن أبي أوفي قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في خبر : وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي وأنت أخي ووارثي.

قال : وما أرث يا رسول الله؟

قال : ما ورّث الأنبياء قبلي. قال : وما ورّث الأنبياء قبلك؟

__________________

(١) كتاب الأربعين للشيرازي : ٣٩. مناقب آل أبي طالب : ٢ / ٢٧٦.

(٢) مائة منقبة ٩١ / منقبة ٥٧.

(٣) مائة منقبة ١٦٠ / منقبة ٨٥.

٥١

قال : كتاب الله وسنّة نبيّه (١).

السابع والسبعون : ابن شهرآشوب من طريق المخالف قال : سأل رجل الشافعي عن عليّ بن أبي طالب قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا النبوة.

قال ابن شهرآشوب عقيب الحديث : ولقد تلقته الأمة بالقبول إجماعا (٢).

الثامن والسبعون : ابن شهرآشوب من طريق المخالف قال أبو سعيد الخدري : فلمّا وصل النبيّ إلى الجرف أتاه عليّ فقال : يا نبيّ الله زعم المنافقون أنك إنّما خلّفتني أنّك استثقلتني وتخفّفت منّي.

فقال : كذبوا إنّما خلّفتك لما ورائي ، فارجع واخلفني في أهلي وأهلك أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي ، فرجع عليّ عليه‌السلام (٣).

التاسع والسبعون : ابن شهرآشوب من طريق المخالفين قال : روى القطان عن وكيع عن سفيان عن السدي عن عبد خير عن عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام قال : أقبل صخر بن حرب حتّى جلس الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا محمد هذا الأمر بعدك لنا أو لمن؟

قال : يا صخر الأمر بعدي لمن هو منّي بمنزلة هارون من موسى ، فأنزل الله (عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ) منهم المصدّق بولايته وخلافته ومنهم المكذّب بولايته وخلافته ثمّ قال : (كُلا) وهو رد عليهم (فَسَيَعْلَمُونَ) خلافته بعدك أنّها حق (ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ) يقول: يعرفون خلافته وولايته إذ يسألون عنها في قبورهم ، فلا يبقى ميّت في شرق ولا غرب ولا في برّ ولا في بحر إلّا منكر ونكير يسألانه عن ولاية أمير المؤمنين بعد الموت يقولان للميّت : من ربّك وما دينك ومن نبيك ومن إمامك (٤)؟

الثمانون : من طريق المخالفين ما ذكره ابن مسكويه صاحب التاريخ بحوادث الإسلام في كتاب سماه (نديم الفريد) يقول فيه : حيث ذكر كتابا كتبه بنو هاشم ، يسألون المأمون أن يبايع لولده العباس بولاية العهد ، ويعاتبونه على مبايعته لعلي بن موسى الرضا عليه‌السلام ، فكتب المأمون جوابهم هذا لفظ ما رواه ابن مسكويه فقال المأمون :

«بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمّد وآل محمّد على رغم أنف الراغمين.

__________________

(١) نقله عنه ابن شهرآشوب في المناقب : ٢ / ٢٦٤.

(٢) مناقب آل أبي طالب : ٢ / ٢١٩.

(٣) مناقب آل أبي طالب : ٢ / ٢١٩.

(٤) مناقب آل أبي طالب : ٢ / ٢٧٦.

٥٢

أما بعد : فقد عرف أمير المؤمنين كتابكم ، وقدير أمركم ، ومخض زبدتكم ، وأشرف على قلوب صغيركم وكبيركم ، وعرفكم مقبلين ومدبرين ، وما آل إليه كتابكم في مراوضة الباطل ، وصرف وجوه الحق عن مواضعها ونبذكم كتاب الله تعالى والآثار ، وكلّما جاءكم به الصادق محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى كأنكم من الامم السالفة التي هلكت بالخسف والغرق والريح والصيحة والصواعق والرجم ، (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) ، والذي هو أقرب إلى أمير المؤمنين من حبل الوريد لو لا أن يقول قائل : إن أمير المؤمنين ترك الجواب عجزا لما أجبتكم من سوء أخلاقكم ، وقلّة أخطاركم ، وركاكة عقولكم ، ومن سخافة ما تأوون إليه من آرائكم ، فليستمع إليه مستمع وليبلغ الشاهد غائبا.

أما بعد : إن الله تعالى بعث محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله على فترة من الرسل ، وقريش في أنفسها وأموالها لا يرون أحدا يساميهم ولا يباريهم ، فكان نبيّنا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله أمينا من أوسطهم بيتا وأقلّهم مالا ، وكان أوّل من آمنت به خديجة بنت خويلد فواسته بمالها ، ثم آمن به أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وله سبع سنين ، لم يشرك بالله شيئا [طرفة عين] ، ولم يعبد وثنا ولم يأكل ربا (١) ، ولم يشاكل الجاهلية في جهالاتهم ، وكانت عمومة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إما مسلم مهين أو كافر معاند إلّا حمزة فإنّه لم يمتنع من الإسلام ولا امتنع الإسلام منه ، فمضى لسبيله على بيّنة من ربّه.

وأمّا أبو طالب فإنّه كفله وربّاه ، ولم يزل مدافعا عنه ومانعا منه ، فلمّا قبض الله أبا طالب همّ به القوم وأجمعوا عليه ليقتلوه ، فهاجر إلى القوم الذين تبوءوا الدار والايمان من قبلهم يحبّون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة ممّا أوتوا ، ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة [ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون] ، فلم يقم مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أحد من المهاجرين كقيام علي ابن أبي طالبعليه‌السلام فإنه آزره ووقاه بنفسه ونام في مضجعه ، ثم لم يزل متكئا ـ وفي نسخة : متمسّكا ـ بأطراف الثغور وينازل الأبطال ، ولا ينكل عن قرن ، ولا يولي عن جيش منيع القلب ، يؤمّر على الجميع ولا يؤمر عليه أحد ، أشد الناس وطأة على المشركين ، وأعظمهم جهادا في الله ، وأفقههم في دين الله ، وأقرأهم لكتاب الله وأعرفهم بالحلال والحرام ، وهو صاحب الولاية في حديث غدير خم ، وصاحب قوله : «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبي بعدي» ، وصاحب يوم الطائف.

__________________

(١) ـ كما ذكره المسعودي والمقريزي راجع مروج الذهب : ١ / ٤٠١ ط. مصر ١٣٤٦ ه‍ ، وط. بيروت ٢ / ٢٧٦ ذكر مبعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وامتاع الاسماع : ١ / ١٦ ط. مصر تحقيق محمود شاكر ، والرياض المستطابة : ١٦٨ ترجمة الأمير.

٥٣

وكان أحبّ الخلق إلى الله تعالى وإلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وصاحب الباب حيث فتح له وسدّ سائر الأبواب في المسجد ، وهو صاحب الراية يوم خيبر ، وصاحب عمرو بن عبد ودّ في المبارزة ، وأخو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حين آخى بين المسلمين ، وهو منيع جزيل.

وهو صاحب آية (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً) وهو زوج فاطمة ٣ سيّدة نساء العالمين [وسيّدة نساء أهل الجنّة] ، وهو ختن خديجة عليها‌السلام ، وهو ابن عم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لما كفله وربّاه ، وهو ابن أبي طالب عليه‌السلام في نصرته وجهاده ، وهو نفس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في يوم المباهلة ، وهو الذي لم يكن أبو بكر وعمر ينفذان حكما حتى يسألانه عنه (١) ، فما رأى إنفاذه أنفذاه ، وما لم يره ردّاه.

وهو دخل من بني هاشم في الشورى ، ولعمري لو قدر أصحابه على دفعه عنه كما دفع العبّاس رضوان الله عليه ووجدوا إلى ذلك سبيلا لدفعوه.

__________________

(١) ـ إليك دليله :

رجوع عمر وأبي بكر لعلي

لرجوع عمر يراجع : تنبيه الغافلين : ٥٧ ـ ١٨٣ ، وترجمة علي من تاريخ دمشق : ٢ / ٣٦٤ ح ٨٧١، ومسند أحمد : ١ / ١٥٤ ط. م ، و ١ / ٣٤٩ ط. ب ، ، وجواهر العقدين : ٣٨٧ الباب الثالث عشر ، ونور الابصار ١٦١ مناقب علي ، وموطأ مالك : ٢ / ٨٤٢ كتاب الاشربة باب ١ ح ٢ ، وكنز العمال : ٣ / ٣٥ و ٥٣ ط. دكن ١٣٢٢ ، و ٣ / ٢٢١ ، و ٢٣٤ ، والفيض القدير : ٣ / ٤٦ ط. مصر ١٣٥٦ ، وسنن البيهقي : ٧ / ٤٤٣ ط. دكن ١٣٤٤ ، ومناقب الخوارزمي : ٨٠ و ٩٤ و ٩٦ و ٩٧ و ١٠٠ من الفصل السابع ، وكفاية الطالب : ٣٣٤ باب ٦٢ ، وينابيع المودة : ١ / ٧٥ ط. تركيا وط. النجف : ٨٥ ، وتاريخ اليعقوبي : ٢ / ١٥١ ، و ١٤٥ ، و ١٦١ أيام عمر ، وشرح النهج : ١ / ١٧٤ الخطبة ٣ ، ومناقب ابن المغازلي : ٤١ ط. بيروت ـ وط. طهران : ٣٥ ح ٥٢ ، وانساب الأشراف : ١٧٨ ، والاحياء : ٢ / ٢٠٠ كتاب الادب باب ٣ ، وتذكرة الخواص : ١٣٥ باب ٦ ذكر المسائل التي رجع عمر فيها ، وربيع الابرار : ٤ / ٢٦ قال عمر : لولاك لافتضحنا ، وينابيع المودة : ١ / ٢٤٩ ، و ٨٥ ، و ٣٠٢ ، و ٣٤٢ ، و ٢ / ٤٤٨ ط. النجف ، وشرح النهج : ١ / ١٨ الخطبة الاولى ، والمعجم الكبير : ٥ / ٤٣ ح ٤٥٣٦ ترجمة رفاعة ابن رافع الزرقي ، وكنز العمال : ٢ / ٥٦٤ ح ٧٣٨ ذيل التفسير ، و ١٢ / ٥٦٨ ح ٣٥٧٧٩ ، و: ٥ / ٦٧٠ ح ١٤١٧٢ مسند عمر ، و ٥ / ٨٣٠ و ٨٣٤ ح ١٤٥٠٨ و ٦ / ٢٠٥ ح ١٥٣٦٣.

وتقدم قوله : لو لا علي لهلك عمر ـ لا ابقاني الله لمعضلة ليس لها أبا حسن ـ اعوذ من معضلة ـ أعوذ بالله أن أعيش في يوم لست فيه يا أبا الحسن.

* رجوع أبو بكر لعلي

راجع ذخائر العقبى : ٨٠ ، وتاريخ اليعقوبي : ٢ / ١٣٨ ايام أبي بكر ، وكفاية الطالب : ٢٢٣ باب ٥٨ ، والفضائل الخمسة : ٢ / ٣٠٦ ، ومقامات العلماء : ١٩٠.

٥٤

فأما تقديمكم العبّاس عليه فإن الله تعالى يقول : (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ) (١).

والله لو كان ما في أمير المؤمنين من المناقب والفضائل والآيات المفسرة في القرآن خلّة واحدة في رجل واحد من رجالكم أو غيره ، لكان مستأهلا متأهّلا للخلافة ، مقدّما على أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بتلك الخلّة ، ثم لم تزل الأمور تتراقى به إلى أن ولي أمور المسلمين ، فلم يستعن بأحد من بني هاشم إلّا بعبد الله بن عبّاس تعظيما لحقّه ، وصلة لرحمه وثقة به ، وكان من أمره الذي كان يغفر الله له (٢).

ثم نحن وهم يد واحدة كما زعمتم حتى قضى الله تعالى بالأمر إلينا ، فأخفناهم وضيّقنا عليهم وقتلناهم أكثر من قتل بني أمية إيّاهم.

ويحكم إن بني أمية إنّما قتلوا منهم من سلّ سيفا ، وإنّا معشر بني العبّاس قتلناهم جملا فلتسألن أعظم الهاشمية بأي ذنب قتلت ، ولتسألن نفوس ألقيت في دجلة والفرات ونفوس دفنت في بغداد والكوفة أحياء ، هيهات إنه من يعمل مثقال ذرّة خيرا يره ، ومن يعمل مثقال ذرّة شرّا يره.

وأمّا ما وصفتم في أمر المخلوع ، وما كان فيه من لبس ، فلعمري ما لبس عليه أحد غيركم إذ هويتم عليه النكث ، وزينتم له الغدر ، وقلتم له ما عسى أن يكون من أمر أخيك ، وهو رجل مغرّب ، ومعك الأموال والرجال نبعث إليه فيؤتى به فكذبتم ودبرتم ونسيتم قول الله تعالى (ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللهُ) (٣).

وأمّا ما ذكرتم من استبصار المأمون في البيعة لأبي الحسن الرضا عليه‌السلام ، فما بايع له أمير المؤمنين إلّا مستبصرا في أمره عالما بأنّه لم يبق أحد على ظهرها أبين فضلا ولا أطهر عفّة ، ولا أورع ورعا ولا أزهد زهدا في الدنيا ، ولا أطلق نفسا ولا أرضى في الخاصة والعامة ، ولا أشدّ في ذات الله منه (٤) ، وإن البيعة له لموافقة رضى الرب عزوجل ، ولقد جهدت وما أجد في الله لومة لائم ، ولعمري لو كانت بيعتي بيعة محاباة لكان العباس ابني وسائر ولدي أحب إلى قلبي وأحلى في عيني ، ولكن أمير المؤمنين أراد أمرا وأراد الله تعالى أمرا ، فلم يسبق أمره أمر الله.

__________________

(١) ـ التوبة : ١٩.

(٢) ـ اما للاشارة لاموال البصرة واما لخذلانه للحسن عليه‌السلام واما لعدم ذهابه مع الحسن عليه‌السلام.

(٣) ـ الحج : ٦٠.

(٤) ـ راجع تاريخ ابن كثير : ٤ / ١٦٢ ، والتدوين : ٣ / ٤٢٥ ـ ٤٢٦ ، وعيون أخبار الرضا : ١ / ١٥٢.

٥٥

وأما ما ذكرتم ممّا مسّكم من الجفاء في ولايتي ، فلعمري ما كان ذلك إلّا منكم بمظافرتكم عليه ، ومما يلتكم إيّاه ، فلمّا قتله الله (١) تعالى تفرّقتم عباديد فطورا أتباعا لابن أبي خالد ، وطورا أتباعا لاعرابي ، وطورا أتباعا لابن شكلة ، ثم لكل من سل سيفا على أمير المؤمنين ، ولو لا أن أمير المؤمنين شيمته العفو وطبعه التجاوز ما ترك على وجهها منكم أحدا ، فكلّكم حلال الدم محل بنفسه.

وأمّا ما سألتم من البيعة للعبّاس ابن أمير المؤمنين ، (أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ) ، ويلكم إن العبّاس غلام حدث السن ، ولم يؤنس رشده ولم يمهل وجده ولم تحكمه التجارب ، تدبّره النساء وتكفله الإماء ، ثم لم يتفقّه في الدين ، ولم يعرف حلالا من حرام ، إلّا معرفة لا تأتي فيه رعية، ولا تقوم به حجّة ، ولو كان مستأهلا قد أحكمته التجارب ، ومتفقها في الدين ، وبلغ مبلغ أئمة العدل في الزهد في الدنيا وصرف النفس عنها ؛ ما كان له عندي في الخلافة إلّا ما كان لرجل من عك وحمير (٢) ، فلا تكثروا في هذا المقال ، فإن لسان أمير المؤمنين لم يزل مخزونا عن امور وأنباء ، كراهية أن تخنث النفوس عند ما تنكشف ، علما بأن الله بالغ أمره ، ومظهر قضاءه يوما.

فإذا أبيتم إلّا كشف الغطاء وقشر العصا ، فإن الرشيد أخبرني عن آبائه وعمّا وجد في كتاب الدولة وغيرها ، أن السابع من ولد العباس هو الذي لا تقوم لبني العبّاس بعده قائمة ولا تزال النعمة متعلّقة عليهم بحياته ، فإذا أودعت فودّعها ، فإذا أودع فودّعاها ، وإذا فقدتم شخصي فاطلبوا لأنفسكم معقلا وهيهات ، ما لكم إلّا السيف يأتيكم الحسني الثائر البائر ، فيحصدكم حصدا ، أو السفياني المرغم، والقائم المهدي عليه‌السلام لا يحقن دمائكم إلّا بحقّها.

وأما ما كنت أردته من البيعة لعلي بن موسى بعد استحقاق منه لها في نفسه واختيار منّي له ، فما كان ذلك منّي إلّا أن أكون الحاقن لدمائكم ، والذائد عنكم باستدامة المودّة بيننا وبينهم ، وهي الطريق أسلكها في إكرام آل أبي طالب ، ومواساتهم في الفيء بيسير ما يصيبهم منه ، وإن تزعموا إني أردت أن يؤول إليهم عاقبة ومنفعة ، فأنا في تدبيركم والنظر لكم ولعقبكم وأبنائكم من بعدكم ، وأنتم ساهون لاهون [تائهون] في غمرة تعمهون لا تعلمون ما يراد بكم ، وما أظللتم عليه من النقمة ، وابتزاز النعمة ، همّة أحدكم أن يمسي مركوبا ويصبح مخمورا تباهون بالمعاصي ،

__________________

(١) في الطرائف : قتلته.

(٢) ـ قال العلّامة المجلسي : والعكة : الاناء الذي يجعل فيه السمن ، والحمير : في بعض النسخ بالخاء المعجمة وهو الخبز البائت والذي يجعل في العجين. وقال البعض : هما قبيلتان من القحطانية.

٥٦

وتبتهجون بها ، وألهتكم البرابط مخنثون مؤنثون ، لا يتفكّر متفكّر منكم في إصلاح معيشة ولا استدامة نعمة ولا اصطناع مكرمة ، ولا كسب حسنة يمدّ بها عنقه يوم لا ينفع مال ولا بنون إلّا من أتى الله بقلب سليم.

أضعتم الصلاة ، واتبعتم الشهوات ، وأكببتم على (١) اللذات وتجنبتم عن النقمات (٢) فسوف تلقون غيا ، وأيم الله لربما تفكّر أمير المؤمنين في أمركم ، فلا أجد أمّة من الامم استحقوا العذاب حتى نزل بهم لخلّة من الخلال إلّا أصاب تلك الخلّة بعينها فيكم ، مع خلال كثيرة لم أكن أظن أن ابليس اهتدى إليها ولا أمر بالعمل عليها ، وقد أخبر الله تعالى في كتابه العزيز عن قوم صالح : أنه كان فيهم تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون فأيّكم ليس معه تسعة وتسعون من المفسدين في الأرض ، قد اتخذتموهم شعارا ودثارا استخفافا بالمعاد وقلّة يقين بالحساب ، وأيّكم له رأي يتبع أو روية تنفع فشاهت الوجوه وغبرت الخدود.

وأمّا ما ذكرتم من العترة (٣) التي كانت في أبي الحسن عليه‌السلام نوّر الله وجهه فلعمري انها عندي للنهضة والاستقلال الذي أرجو به قطع الصراط ، والأمن والنجاة من الخوف يوم الفزع الأكبر ، ولا أظن عملت عملا هو عندي أفضل من ذلك إلّا أن أعود منها إلى مثله ، وأنّى لي بذلك وأنّى لكم بتلك السعادة.

وأمّا قولكم إني سفهت آراء آبائكم وأحلام أسلافكم ، فكذلك قال مشركو قريش : (إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ) (٤).

ويلكم إن الدين لا يؤخذ إلّا من الأنبياء ، فافقهوا وما أراكم تعقلون.

وأمّا تعييركم إيّاي بسياسة المجوس إيّاكم فما أذهبكم الانفة من ذلك ، ولو ساستكم القردة والخنازير ما أردتم إلّا أمير المؤمنين ، ولعمري لقد كانوا مجوسا فأسلموا كآبائنا وأمّهاتنا في القديم ، فهم المجوس الذين أسلموا وأنتم المسلمون الذين ارتدّوا ، فمجوسي أسلم خير من مسلم ارتد ، فهم يتناهون عن المنكر ويأمرون بالمعروف ، ويتقرّبون من الخير ويتباعدون من الشر ، ويذبّون عن حرم المسلمين ، يتباهجون بما نال الشرك وأهله من المنكر ، ويتباشرون بما نال الإسلام وأهله من الخير ، (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) ، وليس منكم إلّا لاعب بنفسه

__________________

(١) في الأصل : وركنتم.

(٢) في الطرائف : وأعرضتم عن الغنيمات.

(٣) في الطرائف : العثرة.

(٤) ـ الزخرف : ٢٣.

٥٧

مأفون (١) في عقله وتدبيره ، إما مغن أو ضارب دف أو زامر.

والله لو أن بني أمية الذين قتلتموهم بالأمس نشروا فقيل لهم لا تأنفوا في معايب ينالونهم بها ما ازدادوا على ما صيرتموه لكم شعارا ودثارا وصناعة وأخلاقا. ليس منكم إلّا من إذا مسّه الشر جزع وإذا مسه الخير منع ، ولا تأنفون ولا ترجعون إلّا خشية.

وكيف يأنف من يبيت مركوبا ويصبح باثمه معجبا كأنه قد اكتسب حمدا غايته بطنه وفرجه ، لا يبالي أن ينال شهوته بقتل ألف نبي مرسل أو ملك مقرّب ، أحبّ الناس إليه من زيّن له معصية أو أعانه في فاحشة تنظخه (٢) المخمورة وتربده المطمورة ، فشتّت الأحوال فإن ارتدعتم ممّا أنتم فيه من السيّئات والفضائح ، وما تهذرون به من عذاب ألسنتكم ، وإلّا فدونكم تعلموا بالحديد ولا قوّة إلّا بالله وعليه توكلي وهو حسبي (٣).

الحادي والثمانون : إبراهيم بن محمد الحمويني من أعيان علماء العامّة قال : أخبرني الشيخ محيي الدين عمر بن محمد بن أبي سعد بن أبي عصرون الإمام عزيز الدين محمد بن أبي القاسم عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم الرافعي رضى الله عنه إجازة ، والشيخ عبد الحافظ بن بدران بقراءتي عليه بنابلس ، عن القاضي جمال الدين عبد الصمد بن محمد بن أبي الفضل الأنصاري الحرستاني إجازة ، أنبأنا الإمام أبو عبد الله محمد بن الفضل الصاعدي الفراوي إجازة قال : أنبأنا الإمام الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين بن عليّ قال : أنبأنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن الخليل الماليني قال : أنبأنا أبو أحمد عبد الله بن عدي الحافظ قال : أنبأنا البغوي املاء قال : أنبأنا الحسين بن محمد الذراع سنة أحدى وثلاثين ومائتين قدم علينا مع أبي الربيع الزهراني من البصرة قال : أنبأنا عبد المؤمن بن عباد العبدي قال : أنبأنا يزيد بن طعن عن عبد الله بن شرحبيل عن زيد بن أبي أوفي قال : دخلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مسجده فقال : أين فلان أين فلان ، فجعل ينظر في وجوه أصحابه ويتفقدهم ويبعث إليهم حتّى توافوا عنده ، فلمّا توافوا عنده حمد الله واثنى عليه ثمّ قال : إنّي احدثكم بحديث فاحفظوه وعوه وحدثوا من بعدكم ، أن الله اصطفى من خلقه خلقا ثمّ تلا : (اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً) ومن الناس خلقا يدخلهم الجنّة وأصطفي منكم من أحب أن يصطفي ، وإنّي

__________________

(١) ـ قال العلّامة المجلسي : والافن بالتحريك ضعف الرأي.

(٢) في الطرائف : تنظفه.

(٣) ـ الطرائف : ١ / ٣٩٤ ـ ٤٠٠ بتحقيقنا ، و ٢٧٧ ط. النجف ، ورواه العلّامة المجلسي في بحار الأنوار عن ابن مسكويه : ٤٩ / ٢٠٨ ـ ٢١٤. وقال من بعده أقول : كان هذا الخبر في بعض نسخ الطرائف ولم يكن في أكثرها وكانت النسخ سقيمة.

٥٨

مواخ بينكم كما آخى الله بين الملائكة ، ثمّ آخى بين أبي بكر وعمر ، وساق حديث المؤاخاة إلى أن قال: ثمّ دعا أبا الدرداء وسلمان الفارسي فقال : يا سلمان أنت منا أهل البيت وقد أتاك الله العلم الأوّل والعلم الآخر والكتاب الأوّل والكتاب الآخر ثمّ قال : ألا أرشدك يا أبا الدرداء؟

قال : بلى بأبي أنت وأمّي يا رسول الله.

قال : إن تنتقد ينتقدوك وإن تركتهم لم يتركوك وإن تهرب منهم يدركوك ، فاقرضهم عرضهم ليوم فقرك واعلم أن الجزاء أمامك ، ثمّ آخى بينه وبين سلمان ، ثمّ نظر في وجوه أصحابه فقال : أبشروا وقرّوا عينا ، أنتم أوّل من يرد عليّ الحوض وأنتم في أعلى الغرف ، ثمّ نظر إلى عبد الله بن عمر فقال : الحمد لله الذي يهدي من الضلالة ويلبس الضلالة على من يحب ، فقال له عليّ عليه‌السلام لقد ذهب روحي وانقطع ظهري حين رأيتك فعلت بأصحابك ما فعلت غيري فإن كان هذا من سخط عليّ فلك العتبى والكرامة.

فقال رسول الله : والذي بعثني بالحق ما أخّرتك إلّا لنفسي وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى غير أنّه لا نبيّ بعدي وأنت أخي ووارثي.

قال : وما أرث منك يا نبيّ الله؟

قال : ما ورّثه الأنبياء قبلي.

قال : وما هو؟

قال : كتاب ربّهم وسنّة نبيّهم ، وأنت معي في قصري في الجنّة مع ابنتي فاطمة ، وأنت أخي ورفيقي وتلا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ) متحابين في الله ينظر بعضهم إلى بعض(١).

الثاني والثمانون : إبراهيم بن محمد الحمويني قال : أنبأني بمدينة الحلة فخر مشايخنا الجليلة نسابة عصره وقدوة اساتذة الإفتاء في مصره السيّد جلال الدين عبد الحميد بن فخار بن معد الموسوى بمدينته بغداد بقية مسنديها ومشايخ رواتها شهاب الدين أبو عبد الله محمد بن يعقوب بن أبي الفرج ، ومجد الدين عبد الصمد بن أحمد بن عبد القادر الحنبليان ، وبمدينة واسط شيخها المرجوع إليه في جميع أمورها الدينيّة والدنيويّة ذو الفضائل السنية والمناقب العلية عز الدين أحمد بن إبراهيم ، بن عمرو الفاروثي الواسطي ، وكتب إلي من مدينة القدس الشريف خطيبها الإمام مسند الشام قطب الدين عبد المنعم بن يحيى بن إبراهيم بن عليّ من ولد عبد

__________________

(١) فرائد السمطين : ١ / ١١٢ / ب ٢٠ / ح ٨٠.

٥٩

الرّحمن بن عوف القرشي الزهري فيما أذنوا إلي في روايته كتاب الخصائص العلويّة بروايتهم عن نقيب العباسيين شرف الدين أبو طالب عبد الرّحمن بن عبد السميع الهاشمي إجازة ، أنبأنا الشيخ سديد الدين أبو عبد الله شاذان بن جبرائيل القمّي بقراءتي عليه ، أنبأنا محمد بن عبد العزيز القمّي ، أنبأنا الإمام أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عليّ النطنزي المصنف قال : أنبأنا أبو عليّ الحسن بن أحمد بن الحسن الحداد فيما قرأت عليه قال : أنبأنا أبو بكر محمد بن عليّ بن إبراهيم بن مصعب في جمادى الآخر سنة اثنين وعشرين وأربعمائة قال : نبأنا القاضي أبو أحمد محمد بن إبراهيم الغسال قال : نبأنا محمد بن أيوب بن يحيى بن الضريس قال : نبأنا نصر بن عليّ الجهضمي القاضي بأصبهان ، وأخبرنا أبو منصور محمد بن عبد الله بن عبد الواحد بن مندويه المعدل قراءة عليه وأنا أسمع قال : نبأنا محمد بن يوسف قال : نبأنا نصر بن عليّ حيلولة وأخبرنا الحافظ أبو نصر محمد بن الحسن بن إبراهيم إملاء سنة تسع وخمسمائة قال: نبأنا الإمام الحافظ أبو محمد الحسن بن أحمد بن محمد بن القاسم السمرقندي نيسابور قال : أخبرنا أبو سلمة عبد الصمد بن محمد الحاكم الأزدي ببخارا قال : أنبأنا أبو القاسم عبد الله بن أحمد السوسي قال: نبأنا الحسين بن سفيان الشيباني قال : نبأنا نصر بن عليّ الجهضمي قال : نبأنا عبد الله بن عباد بن عمرو العنزي قال : نبأنا يزيد بن نصر قال : حدّثني عبد الله بن شرحبيل ، عن رجل من قريش عن يزيد بن أرقم قال : دخلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في مسجد المدينة فجعل يقول : أين فلان ، ولم يزل يتفقدهم ويبعث خلفهم حتّى اجتمعوا عنده فقال : إنّي محدّثكم بحديث ، وساق مثل الحديث السابق في المؤاخاة بين الصحابة ببعض التغير إلى أن قال في الحديث : فقال عليّ عليه‌السلام : يا رسول الله ذهب روحي وانقطع ظهري حين رأيتك فعلت بأصحابك ما فعلت غيري ، فإن كان من سخطك عليّ فلك العتبى والكرامة قال : والذي بعثني بالحق ما أخّرتك إلّا لنفسي وأنت عندي بمنزلة هارون من موسى غير أنّه لا نبيّ بعدي وأنت أخي ووارثي.

قلت : يا رسول الله ما إرث منك؟

قال : ما أورث الأنبياء قبلي.

قال : ما أورث الأنبياء قبلك؟

قال : كتاب الله وسنّة رسوله ، وأنت معي في قصري في الجنّة مع ابنتي فاطمة ، وأنت أخي ورفيقي ثمّ تلا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هذه الآية : (إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ) الأخلاء في الله ينظر بعضهم

٦٠