غاية المرام وحجّة الخصام - ج ٢

السيّد هاشم البحراني الموسوي التوبلي

غاية المرام وحجّة الخصام - ج ٢

المؤلف:

السيّد هاشم البحراني الموسوي التوبلي


المحقق: السيد علي عاشور
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٩

الباب التاسع والعشرون

في نص رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على وجوب التمسّك بالثقلين

من طريق الخاصة وفيه اثنان وثمانون حديثا

الحديث الأول : أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه قدس‌سره قال في كتاب النصوص على الأئمة الاثني عشر عليهم‌السلام قال : حدّثنا محمد بن وهبان بن محمد البصري قال : حدّثنا محمد بن عمر الجعاني قال : حدثنا إسماعيل بن محمد بن شيبة القاضي قال : حدثني محمد بن أحمد بن الحسن قال : حدّثنا يحيى بن خلف الراسبي عن عبد الرّحمن قال : حدّثنا يزيد بن الحسن عن معروف بن خربوذ عن أبي الطفيل عن حذيفة بن أسيد قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول على منبره : «معاشر الناس إني فرطكم وأنتم واردون عليّ الحوض حوضا ما بين بصرى وصنعاء ، فيه عدد النجوم قدحان من فضّة ، وإني سائلكم حين تردون عليّ عن الثقلين فانظروا كيف تخلفوني فيهما الثقل الأكبر كتاب الله سبب طرفه بيد الله وطرفه بيدكم فاستمسكوا به ولن تضلّوا ولا تبدّلوا في عترتي أهل بيتي فإنه قد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ، معاشر أصحابي كأني على الحوض انتظر من يرد عليّ منكم وسوف تؤخّر أناس دوني ، فأقول : يا رب مني ومن امتي فيقال يا محمد هل شعرت بما علموا؟ إنّهم ما رجعوا بعدك يرجعون على أعقابهم. ثم قال أوصيكم في عترتي خيرا وأهل بيتي.

فقام إليه سلمان فقال : يا رسول الله : من الأئمة من بعدك أما هم من عترتك؟

فقال : نعم الأئمة من بعدي من عترتي عدد نقباء بني إسرائيل تسعة من صلب الحسين أعطاهم الله علمي وفهمي فلا تعلّموهم فإنهم أعلم منكم واتبعوهم فإنهم أعلم منكم واتبعوهم فإنهم مع الحق والحق معهم عليهم‌السلام» (١).

الثاني : ابن بابويه قال : أخبرنا أبو عبد الله بن عمر بن مسلم بن لاحق اللاحفي البصري في سنة عشر وثلاثمائة قال : حدّثنا محمد بن عمارة السكري عن إبراهيم بن عاصم عن عبد الله بن هارون الكرخي قال : حدّثنا أحمد بن يزيد بن سلامة عن حذيفة بن اليمان ، قال : صلى بنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم

__________________

(١) كفاية الأثر : ١٢٧.

٣٢١

أقبل بوجهه الكريم علينا ثم قال : «معاشر أصحابي أوصيكم بتقوى الله والعمل بطاعته فمن عمل بها فاز ونجح وغنم ، ومن تركها حلّت عليه الندامة فالتمسوا بالتقوى السلامة من أهوال يوم القيامة ، فكأني ادعى فاجيب واني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا ومن تمسّك بعترتي من بعدي كان من الفائزين ومن تخلف عنهم كان من الهالكين ، فقلت : يا رسول الله على من تخلّفنا؟

قال : على من خلّف موسى بن عمران على قومه؟ قلت : على وصيّه يوشع بن نون ، فقال : إنّ وصيي وخليفتي من بعدي علي بن أبي طالب قائد البررة وقاتل الكفرة منصور من نصره مخذول من خذله ، فقلت : يا رسول الله : فكم تكون الأئمة من بعدك؟

قال : عدة نقباء بني إسرائيل تسعة من صلب الحسين أعطاهم الله تعالى علمي وفهمي خزان علم الله ووحي الله ، قلت : يا رسول الله فما لأولاد الحسن؟ قال : إنّ الله تبارك وتعالى جعل الإمامة في عقب الحسين ، ذلك قوله عزوجل (وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (١) قلت : أفلا تسمّيهم لي يا رسول الله ، قال : نعم لما عرج بي إلى السماء فنظرت إلى ساق العرش فرأيت مكتوبا بالنور لا إله إلّا الله محمد رسول الله أيّدته بعلي ونصرته به ، ورأيت أنوار الحسن والحسين وفاطمة ورأيت في ثلاثة مواضع عليا عليا عليا ومحمدا محمدا وجعفرا وموسى والحسن والحجة يتلألأ من بينهم كأنه كوكب درّيّ فقلت : يا رب من هؤلاء الذين قرنت اسمائهم باسمك؟ قال : يا محمد هم الأوصياء والأئمة بعدك خلقتهم من طينتك فطوبى لمن أحبّهم ، والويل لمن أبغضهم ، فبهم أنزل الغيث وبهم اثيب واعاقب ، ثم رفع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يده إلى السماء ودعا بدعوات وسمعته يقول : اللهم اجعل العلم والفقه في عقبي وعقب عقبي وفي زرعي وزرع زرعي» (٢).

الثالث : ابن بابويه قال : حدّثنا علي بن الحسن بن محمد بن مندة قال : حدّثنا هارون بن موسى قال : حدّثنا أبو الحسن محمد بن منصور الهاشمي قال : حدثني أبو موسى عيسى بن أحمد قال : حدثنا أبو ثابت المدني قال : حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن هشام بن سعيد عن عيسى بن عبد الله بن مالك عن عمر بن الخطاب قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «أيها الناس إني فرط لكم وانتم واردون عليّ الحوض أعرض ما بين صنعاء وبصرى فيه قدحان عدد النجوم من فضة وإني سائلكم حين تردون عليّ عن الثقلين فانظروا كيف تخلفوني فيهما ، السبب الأكبر كتاب الله طرفه

__________________

(١) الزخرف : ٢٨.

(٢) كفاية الأثر : ١٣٦.

٣٢٢

بيد الله وطرفه بيدكم فاستمسكوا به ولا تبدّلوا وعترتي أهل بيتي فإنّه قد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض فقلت يا رسول الله من عترتك؟ فقال : أهل بيتي من ولد عليّ وفاطمة وتسعة من صلب الحسين عليه‌السلام أئمة أبرار هم عترتي من لحمي ودمي» (١).

الرابع : محمد بن إبراهيم النعماني في كتاب الغيبة عن أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة ومحمد بن همام بن سهيل وعبد العزيز وعبد الواحد ابنا عبد الله بن يونس [عن رجالهم] عن رجالهم عن عبد الرزاق بن همام قال : حدّثنا معمّر بن راشد عن أبان ابن أبي عياش عن سليم بن قيس الهلالي عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال : «إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قام خطيبا ثم لم يخطب بعد ذلك فقال : «أيها الناس إني قد تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسّكتم بهما كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فإن اللطيف الخبير قد أخبرني وعهد إليّ أنّهما لا يفترقان (٢) حتى يردا عليّ الحوض : قالوا اللهم شهدنا ذلك كلّه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقام اثنا عشر من الجماعة فقالوا : نشهد أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حين خطب في اليوم الذي قبض فيه قام عمر بن الخطاب شبه المغضب فقال : يا رسول الله لكل أهل بيتك؟ فقال : لا ، ولكن الأوصياء منهم علي أخي ووزيري ووارثي وخليفتي في امتي وولي كل مؤمن بعدي وهو أولهم وخيرهم ، ثم وصيه بعده ابني هذا وأشار إلى الحسن ، ثم وصيّه ابني هذا وأشار إلى الحسين ، ثم وصيّه ابني بعده سمي أخي ، ثم وصيّه بعده سميّي ، ثم سبعة من بعده من ولده واحدا بعد واحد حتى يردوا عليّ الحوض ، شهداء الله في أرضه وحججه على خلقه ، من أطاعهم أطاع الله ومن عصاهم عصى الله ، فقام السبعون البدريون ونحوهم من المهاجرين فقالوا : ذكرتمونا ما كنا نسينا ، نشهد أنا قد [كنا] سمعنا ذلك من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله» (٣).

الخامس : قال : حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني قدس‌سره قال : حدّثنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن محمد بن أبي عمير عن غياث بن إبراهيم عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي عليهم‌السلام قال : «سئل أمير المؤمنين عن معنى قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي ، من العترة؟ قال : أنا والحسن والحسين والأئمة التسعة من ولد الحسين تاسعهم مهديهم وقائمهم لا يفارقون كتاب الله ولا يفارقهم حتى يردا على رسول الله حوضه» (٤).

السادس : ابن بابويه قال : حدّثنا أحمد بن إسماعيل قال : حدّثنا محمد بن همام عن عبد الله بن

__________________

(١) كفاية الأثر : ٩١.

(٢) في المصدر : لن يفترقا.

(٣) كتاب الغيبة للنعماني : ٧٣.

(٤) كمال الدين : ٢٤٠ ح ٦٤ باب ٢٢.

٣٢٣

جعفر الحميري عن موسى بن مسلم عن مسعدة قال : كنت عند الصادق عليه‌السلام إذ أتاه شيخ كبير قد انحنى متكئا على عصاه فسلم فرد أبو عبد الله عليه‌السلام الجواب ، ثم قال : يا ابن رسول الله ناولني يدك أقبّلها، فأعطاه يده فقبّلها ثم بكى ، ثم قال له أبو عبد الله : «ما يبكيك يا شيخ» ، فقال : جعلت فداك أقمت على قائمكم منذ مائة سنة أقول هذا الشهر وهذه السنّة وقد كبر سني ورق جلدي ودق عظمي واقترب أجلي ولا أرى فيكم ما أحبّ ، أراكم مقتولين مشردين وأرى أعدائكم يطيرون بالأجنحة وكيف لا أبكي ، فدمعت عينا أبي عبد الله عليه‌السلام ثم قال : «يا شيخ إن ابقاك الله حتى ترى قائمنا كنت [معنا] في السنام الأعلى وإن حلّت بك المنية جئت يوم القيامة مع ثقل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ونحن ثقله ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : إني مخلف فيكم الثقلين فتمسّكوا بهما لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فقال الشيخ : لا أبالي بعد ما سمعت هذا الخبر. ثم قال : «يا شيخ اعلم أن قائمنا يخرج من صلب الحسن ، والحسن يخرج من صلب علي ، وعلي يخرج من صلب محمد ، ومحمد يخرج من صلب علي ، وعلي يخرج من صلب موسى ، ابني هذا واشار إلى ابنه موسى وهذا خرج من صلبي ، نحن اثنا عشر كلّنا معصومون مطهرون.

فقال الشيخ : يا سيدي بعضكم أفضل من بعض؟ فقال : لا ، نحن في الفضل سواء ولكن بعضنا أعلم من بعض ، ثم قال : يا شيخ والله لو لم يبق من الدنيا إلّا يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتى يخرج قائمنا أهل البيت ، ألا وإن شيعتنا يقعون في فتنة وحيرة في غيبته هناك يثبت الله على هداه المخلصين اللهم أعنهم على ذلك» (١).

السابع : ابن بابويه قال : حدّثنا علي بن الحسين بن محمد قال : حدثنا عتبة بن عبد الله الحمصي بمكة قراءة عليه سنة ثمانين وثلاثمائة قال : حدثني عليّ بن موسى الغطفاني قال : حدثنا أحمد بن يوسف الحمصي قال : حدثني محمد بن عكاشة قال : حدّثنا حسين بن يزيد بن عبد علي قال : حدثني عبد الله بن الحسن عن أبيه عن الحسن عليه‌السلام قال : «خطب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوما فقال بعد ما حمد الله وأثنى عليه : معاشر الناس كأني ادعى فاجيب وإني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا فتعلموا منهم ولا تعلموهم فإنّهم أعلم منكم لا تخلوا الأرض منهم ولو خلت لانساخت بأهلها ثم قال عليه‌السلام : اللهم إني أعلم أن العلم لا يبيد ولا ينقطع وإنّك لا تخلي الأرض من حجة لك على خلقك ظاهرا ليس بالمطاع أو خائف مغمور كيلا تبطل حجّتك ولا تضلّ أوليائك بعد إذ هديتهم أولئك الأقلون عددا الأعظمون قدرا عند الله ، فلما نزل

__________________

(١) كفاية الأثر : ٢٦٤ ـ ٢٦٠ وبشارة المصطفى : ٢٧٥.

٣٢٤

عن منبره قلت له : يا رسول الله أما أنت الحجة على الخلق كلّهم؟ قال : يا حسن إن الله يقول : (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) (١) فأنا المنذر وعلي الهادي قلت : يا رسول الله قولك : إن الأرض لا تخلو من حجة قال : نعم ، علي هو الإمام والحجة بعدي ، وأنت الإمام والحجة بعده ، والحسين الإمام والحجة والخليفة من بعدك ، ولقد نبأني اللطيف الخبير أن يخرج من صلب الحسين ولد يقال له علي سمي جدّه ، فإذا مضى الحسين قام بعده علي ابنه وهو الإمام والحجة بعد أبيه ويخرج الله من صلب علي ولدا سميّي وأشبه الناس بي علمه علمي وحكمه حكمي ، وهو الإمام والحجة بعد أبيه ، ويخرج الله تعالى من صلب محمد مولودا يقال له جعفر أصدق الناس فعلا وقولا وهو الإمام والحجة بعد أبيه ، ويخرج الله تعالى من صلب جعفر مولودا يقال له موسى سمّي موسى بن عمران عليه‌السلام أشد الناس تعبّدا فهو الإمام والحجة بعد أبيه ، ويخرج الله من صلب موسى ولدا يقال له علي معدن علم الله وموضع حكمه وهو الإمام والحجة بعد أبيه ، ويخرج الله من صلب علي مولودا يقال له محمد فهو الإمام والحجة بعد أبيه ، ويخرج الله من صلب محمد ولدا يقال له عليّ فهو الإمام والحجة بعد أبيه ، ويخرج الله من صلب علي مولودا يقال له الحسن فهو الإمام والحجة بعد أبيه ، ويخرج الله من صلب الحسن الحجة القائم إمام شيعته ومنقذ أوليائه ، يغيب حتى لا يرى ويرجع عن أمره قوم ويثبت عليه آخرون (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) ولو لم يكن من الدنيا إلّا يوم واحد لطوّل الله عزوجل ذلك اليوم حتى يخرج قائمنا فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما فلا تخلو الأرض منكم ، أعطاكم الله علمي وفهمي ولقد دعوت الله تبارك وتعالى أن يجعل العلم والفقه في عقبي وعقب عقبي وفي زرعي وزرع زرعي» (٢).

الثامن : ابن بابويه قال : حدّثنا محمد بن الحسن بن العباس أبو جعفر الخزاعي قال : حدّثنا حسن بن الحسين العرني قال : حدّثنا عمرو بن ثابت عن عطا بن السائب عن أبي يحيى عن ابن عباس قال : صعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله المنبر فخطب واجتمع الناس إليه فقال : «يا معشر المؤمنين إنّ الله عزوجل أوحى إليّ إني مقبوض ، وان ابن عمي مقبوض ، وان ابن عمي عليا مقتول ، واني أيها الناس أخبركم خبرا إن علمتم به سلمتم وإن تركتموه هلكتم ، إنّ ابن عمي عليّا هو أخي ووزيري وهو خليفتي وهو المبلغ عني وهو إمام المتقين وقائد الغرّ المحجلين ، وإن استرشدتموه أرشدكم ، وإن تبعتموه نجوتم ، وان خالفتموه ضللتم ، وإن أطعتموه فالله أطعتم ، وإن عصيتموه فالله عصيتم ، وإن بايعتموه فالله بايعتم ، وإن نكثتم بيعته فبيعة الله نكثتم ، إنّ الله عزوجل أنزل عليّ

__________________

(١) الرعد : ٧.

(٢) كفاية الأثر : ١٦٢.

٣٢٥

القرآن وهو الذي من خالفه ضلّ ومن ابتغى علمه عند غير علي هلك ، أيها الناس اسمعوا قولي واعرفوا حق نصيحتي ولا تخالفوني في أهل بيتي إلّا بالذي امرتم به من حفظهم ، وإنهم حامتي وقرابتي وإخوتي وأولادي وأنتم مجموعون ومسائلون عن الثقلين فانظروا كيف تخلفوني فيهما إنهم أهل بيتي فمن آذاهم آذاني، ومن ظلمهم ظلمني ، ومن أذلّهم أذلّني ، ومن أعزّهم أعزّني. ومن أكرمهم أكرمني ، ومن نصرهم نصرني ، ومن خذلهم خذلني ، ومن طلب الهدى من غيرهم فقد كذبني ، أيها الناس اتقوا الله وانظروا ما أنتم قائلون إذا لقيتموه ، فإني خصم لمن آذاهم ومن كنت خصمه خصمته ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم»(١).

التاسع : ابن بابويه قال : حدّثنا علي بن الحسين بن شاذويه المؤدّب وجعفر بن محمد بن مسرورقدس‌سره قالا : حدّثنا محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري عن أبيه عن الريّان بن الصلت قال : حضر الرضا عليه‌السلام مجلس المأمون بمرو وقد اجتمع في مجلسه جماعة من علماء أهل العراق وخراسان فقال المأمون: أخبروني عن معنى هذه الآية (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا) (٢) فقالت العلماء : أراد الله تعالى بذلك الامة كلّها. فقال المأمون : ما تقول يا أبا الحسن؟ فقال الرضا عليه‌السلام : «لا أقول كما قالوا ولكني أقول أراد الله عزوجل بذلك العترة الطاهرة» ، فقال المأمون : وكيف عنى العترة الطاهرة من دون الامة؟ فقال له الرضا عليه‌السلام : «إنه لو أراد الامة لكانت بأجمعها في الجنة لقول الله تعالى : (فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) (٣) ثم جمعهم كلّهم في الجنة فقال : (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ ...) (٤) الآية. فصارت الوراثة للعترة الطاهرة لا لغيرهم». فقال المأمون : من العترة الطاهرة؟ فقال الرضا عليه‌السلام : «الذين وصفهم الله تعالى في كتابه فقال : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (٥) وهم الذين قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إني مخلّف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما ؛ أيها الناس لا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم». قالت العلماء : أخبرنا يا أبا الحسن عن العترة أهم الآل أم غير الآل؟ فقال الرضا عليه‌السلام : «هم الآل».

فقالت العلماء : هذا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يؤثر عنه أنه قال : «أمتي آلي» وهؤلاء أصحابه يقولون بالخبر

__________________

(١) أمالي الصدوق : ١٢١ / مجلس ١٥ / ح ١١.

(٢) فاطر : ٣٢.

(٣) فاطر : ٣٢.

(٤) فاطر : ٣٣.

(٥) الأحزاب : ٣٣.

٣٢٦

المستفاض الذي لا يمكن دفعه : آل محمد أمته فقال أبو الحسن عليه‌السلام : «أخبروني هل تحرم الصدقة على الآل؟ قالوا : نعم ، قال : فتحرم على الامة؟ قالوا : لا ، فقال : هذا فرق بين الآل والامة ويحكم أين يذهب بكم أضربتم عن الذكر صفحا أم أنتم قوم مسرفون؟! أما علمتم أنه وقعت الوراثة والطهارة على المصطفين المهتدين دون سائرهم؟!

قالوا : ومن أين يا أبا الحسن؟

فقال عليه‌السلام : من قول الله تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) (١) فصارت النبوة والكتاب للمهتدين دون الفاسقين ، أما علمتم أنّ نوحا عليه‌السلام سأل ربّه تعالى ذكره (فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ) (٢) وذلك أن الله وعده أن ينجيه وأهله فقال له ربّه عزوجل (يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ)(٣)».

فقال المأمون : هل فضّل الله العترة على سائر الناس؟ فقال أبو الحسن : «إنّ الله تعالى أبان فضل العترة على سائر الناس في محكم كتابه ، فقال له المأمون : أين ذلك من كتاب الله تعالى؟ فقال له الرضا عليه‌السلام : في قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ) (٤) وقال عزوجل في موضع آخر : (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً) (٥) ثم ردّ المخاطبة على أثر هذا إلى سائر المؤمنين فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (٦) يعني الذين قرنهم الكتاب والحكمة وحسدوا عليها فقوله تعالى : (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً) يعني الطاعة للمصطفين الطاهرين فالملك هاهنا هو الطاعة لهم. قالت العلماء : فأخبرنا هل فسّر الله تعالى الاصطفاء في الكتاب؟ فقال الرضا عليه‌السلام : «فسّر الاصطفاء في الظاهر سوى الباطن في اثني عشر موضعا وموطئا فأول ذلك قوله تعالى : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) ورهطك المخلصين هكذا في قراءة ابيّ بن كعب وهي ثابتة في مصحف عبد الله بن مسعود وهذه منزلة رفيعة وفضل عظيم وشرف عال حين عنى الله بذلك الآل فذكره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فهذه واحدة ، والآية الثانية في الاصطفاء قول الله عزوجل :

__________________

(١) الحديد : ٢٦.

(٢) هود : ٤٥.

(٣) هود : ٤٦.

(٤) آل عمران : ٣٣ ـ ٣٤.

(٥) النساء : ٥٤.

(٦) النساء : ٥٩.

٣٢٧

(إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (١) وهذا الفضل الذي لا يجهله أحد معاندا أصلا لأنه فضل بعد طهارة تنتظر فهذه الثانية ، وأما الثالثة فحين ميّز الله تعالى الطاهرين من خلقه وأمر نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله بالمباهلة بهم في آية الابتهال فقال عزوجل : (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ) (٢) فأبرز النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عليا والحسن والحسين وفاطمة (صلوات الله وسلامه عليهم) وقرن أنفسهم بنفسه ، فهل تدرون ما معنى قوله عزوجل (وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ)؟.

قالت العلماء : عنى به نفسهم ، فقال أبو الحسن : غلطتم إنما عنى به علي بن أبي طالب عليه‌السلام ومما يدل على ذلك قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حين قال : لينتهين بنو وليعة أو لأبعثن إليهم رجلا كنفسي. يعني علي ابن أبي طالب عليه‌السلام فهذه خصوصية لا يتقدّمه فيها أحد ، وفضل لا يلحقه فيه بشر ، وشرف لا يسبقه إليه خلق ، إذ جعل نفس علي كنفسه فهذه الثالثة ، وأما الرابعة فإخراجه صلى‌الله‌عليه‌وآله الناس من مسجده ما خلا العترة التي حتى تكلّم الناس في ذلك وتكلّم العباس فقال : يا رسول الله تركت عليّا وأخرجتنا؟! فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : وما انا تركته وأخرجتكم ولكنّ الله تركه وأخرجكم وفي هذا تبيان لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعليعليه‌السلام : أنت مني بمنزلة هارون من موسى. قالت العلماء : وأين هذا من القرآن؟ قال أبو الحسنعليه‌السلام : أوجدكم في ذلك قرآنا أقرأه عليكم؟ قالوا : هات. قال : قول الله تعالى (وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً) (٣) ففي هذه الآية منزلة هارون من موسى وفيها أيضا منزلة علي من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومع هذا دليل ظاهر في قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حين قال : ألا إنّ هذا المسجد لا يحلّ لجنب إلّا لمحمد وآله. فقالت العلماء : يا أبا الحسن هذا الشرح وهذا البيان لا يوجد إلا عندكم معشر أهل بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : ومن ينكر لنا ذلك ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : أنا مدينة الحكمة وعلي بابها فمن أراد الحكمة فليأتها من بابها. ففيما أوضحنا وشرحنا من الفضل والشرف والتقدمة والاصطفاء والطهارة ما لا ينكره معاند ولله تعالى الحمد على ذلك فهذه الرابعة.

والآية الخامسة قوله تعالى : (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) (٤) خصوصية خصّهم الله العزيز الجبار بها واصطفاهم على الامة فلما نزلت هذه الآية على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ادعوا إليّ فاطمة ، فدعيت له فقال : يا فاطمة ، قالت : لبّيك يا رسول الله فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : هذه فدك هي مما لم يوجف عليها بخيل ولا

__________________

(١) الأحزاب : ٣٣.

(٢) آل عمران : ٦١.

(٣) يونس : ٨٧.

(٤) الاسراء : ٢٦.

٣٢٨

ركاب وهي لي خاصة دون المسلمين فقد جعلتها لك لما أمرني الله تعالى به فخذيها لك ولولدك فهذه الخامسة.

والآية السادسة قول الله عزوجل : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) (١) وهذه خصوصية للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى يوم القيامة ، وخصوصية للآل دون غيرهم ، وذاك أنّ الله تعالى حكى في ذكر نوح عليه‌السلام في كتابه (يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالاً إِنْ أَجرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ) (٢) وحكى عزوجل عن هود عليه‌السلام انّه قال : (يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ) (٣) وقال عزوجل لنبيّه محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله : قل يا محمد (لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) (٤) ولم يفرض الله تعالى مودتهم إلّا وقد علم انّهم لا يرتدون عن الدين أبدا ولا يرجعون إلى ضلال أبدا وأخرى أن يكون الرجل وادا للرجل فيكون بعض أهل بيته عدّوا له فلا يسلم له قلب الرجل فأحب الله أن لا يكون في قلب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على المؤمنين شيء ففرض الله عليهم مودّة ذوي القربى فمن أخذ بها وأحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأحب أهل بيته لم يستطع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يبغضه ومن تركها ولم يأخذ بها وأبغض أهل بيته عليهم‌السلام فعلى رسول الله أن يبغضه لأنه قد ترك فريضة من فرائض الله تعالى فأي فضيلة وأي شرف يتقدم هذا أو يدانيه فأنزل الله تعالى هذه الآية على نبيّه (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) فقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في أصحابه فحمد الله واثنى عليه وقال : أيها الناس قد فرض الله لي عليكم فرضا فهل أنتم مؤدّوه؟ فلم يجبه أحد فقال : أيها الناس إنه ليس بذهب ولا فضة ولا مأكول ولا مشروب.

فقالوا : هات إذا ، فتلا عليهم هذه الآية فقالوا : أمّا هذه فنعم. فما وفى بها أكثرهم ، وما بعث الله عزوجل نبيا إلّا أوحى إليه أن لا يسأل قومه أجرا لأنّ الله تعالى يوفي أجر الأنبياء عليهم‌السلام ومحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله فرض الله عزوجل مودّة قرابته على امته وأمره أن يجعل أجره فيهم ليودوه في قرابته بمعرفة فضلهم الذي أوجبه الله تعالى لهم فإن المودّة إنّما تكون على قدر معرفة الفضل ، فلمّا أوجب الله تعالى ذلك ثقل لثقل وجوب الطاعة فتمسّك بها قوم قد أخذ الله تعالى ميثاقهم على الوفاء وعاند أهل الشقاق والنفاق ألحدوا في ذلك فصرفوه عن حدّه الذي حدّه الله تعالى فقالوا : القرابة هم العرب كلها وأهل دعوته فعلى أي الحالتين كان فقد علمنا أن المودة هي القرابة فأقربهم من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أولاهم بالمودّة وكلما قربت القرابة كانت المودّة على قدرها وما انصفوا نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في

__________________

(١) الشورى : ٢٣.

(٢) هود : ٢٩.

(٣) هود : ٥١.

(٤) الشورى : ٢٣.

٣٢٩

حيطته ورأفته وما منّ الله به على أمّته مما تعجز الألسن عن وصف الشكر عليه أن لا يودوه في ذريته وأهل بيته وأن لا يجعلوهم منهم كمنزلة العين من الرأس حفظا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيهم وحبّا لبنيه.

فكيف والقرآن ينطق به ويدعو إليه والأخبار ثابتة بانّهم أهل المودّة والذين فرض الله تعالى مودّتهم ووعد الجزاء عليها أنه ما وفى أحد بهذه المودّة مؤمنا مخلصا إلّا استوجب الجنة لقول الله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) مفسّرا ومبيّنا ، ثم قال أبو الحسن عليه‌السلام : حدثني أبي عن جدّه عن آبائه عن الحسين ابن علي عليه‌السلام قال : «اجتمع المهاجرون والأنصار إلى رسول الله فقالوا : إنّ لك يا رسول الله مئونة في نفقتك وفيمن يأتيك من الوفود وهذه أموالنا مع دمائنا فاحكم فيها بارّا مأجورا اعط ما شئت وامسك ما شئت من غير جرح قال : فأنزل الله تعالى عليه الرّوح الأمين فقال : يا محمد (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) يعني : أن تودوا قرابتي من بعدي فخرجوا ، فقال المنافقون : ما حمل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على ترك ما عرضنا عليه إلّا ليحثنا على قرابته من بعده إن هو إلّا شيء افتراه في مجلسه ، وكان ذلك من قولهم عظيما فأنزل الله تعالى جبريل بهذه الآية (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (١) فبعث إليهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : هل من حدث؟ فقالوا : أي والله يا رسول الله ، لقد قال بعضنا كلاما غليظا كرهناه فتلا عليهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الآية فبكوا واشتدّ بكاؤهم فأنزل الله تعالى (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ) (٢) فهذه السادسة.

وأما السابعة فقول الله تعالى : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (٣) وقد علم المعاندون منهم أنه لما نزلت هذه الآية قيل : يا رسول الله قد عرفنا التسليم عليك فكيف الصلاة عليك؟ فقال : تقولون اللهم صلّ على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد ، فهل بينكم معاشر الناس في هذا خلاف؟ قالوا : لا ، قال المأمون : هذا مما لا خلاف فيه اصلا وعليه اجماع الامة ، فهل عندك في الآل شيء أوضح من هذا في القرآن؟ قال أبو الحسن عليه‌السلام : «نعم أخبروني عن قول الله تعالى : (يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ

__________________

(١) الأحقاف : ٨.

(٢) الشورى : ٢٥.

(٣) الأحزاب : ٥٦.

٣٣٠

لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (١) فمن عنى بقوله (يس)؟ قالت العلماء : (يس) محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يشك فيه أحد.

قال أبو الحسن عليه‌السلام : إن الله تعالى أعطى محمدا وآل محمد من ذلك فضلا لا يبلغ أحد كنه وصفه إلّا من عقله وذلك انّ الله عزوجل لم يسلم على أحد إلّا على الأنبياء عليهم‌السلام فقال تعالى : (سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ) (٢) وقال : (سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ) (٣) وقال : (سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ) (٤) ولم يقل سلام على آل نوح ولم يقل سلام على آل موسى ولا على آل إبراهيم وقال : (سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ) (٥) يعني آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله» فقال المأمون : قد علمت أن في معدن النبوة شرح هذا وبيانه ، وهذه السابعة.

فأما الثامنة فقول الله : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ) (٦) فقرن سهم ذي القربى مع سهمه وسهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فهذا فصل أيضا بين الآل والامة لأنّ الله تعالى جعلهم في حيز وجعل الناس في حيز دون ذلك ورضي لهم ما رضي لنفسه واصطفاهم فيه فبدأ بنفسه ثم برسوله ثم بذي القربى وكل ما كان من الفيء والغنيمة وغير ذلك مما رضيه عزوجل لنفسه ورضيه لهم فقال وقوله الحق : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى) فهذا تأكيد مؤكد وأثر قائم لهم إلى يوم القيامة في كتاب الله الناطق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد وأما قوله : (وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ) فإن اليتيم إذ انقطع يتمه خرج من الغنائم ولم يكن له فيها نصيب وكذلك المسكين إذا انقطعت مسكنته لم يكن له نصيب من المغنم ولا يحلّ له أخذه ، وسهم ذي القربى قائم إلى يوم القيامة فيهم للغني والفقير منهم لأنه لا أحد أغنى من الله عزوجل ولا من رسول الله فجعل لنفسه منهما سهما ولرسوله سهما فما رضيه لنفسه ولرسوله رضيه لهم وكذلك الفيء ما رضيه منه لنفسه ولنبيّه رضيه لذي القربى ، كما اجراهم في الغنيمة فبدأ بنفسه جلّ جلاله ثم برسوله ثم بهم وقرن سهمهم بسهم الله وسهم رسوله وكذلك في الطاعة قال الله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (٧) فبدأ بنفسه ثم برسوله ثم باهل بيته

__________________

(١) يس : ١ ـ ٤.

(٢) الصافات : ٧٩.

(٣) الصافات : ١٠٩.

(٤) الصافات : ١٢٠.

(٥) الصافات : ١٣٠.

(٦) الأنفال : ٤١.

(٧) النساء : ٥٩.

٣٣١

وكذلك اية الولاية : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا) (١) فجعل ولايتهم مع طاعة الرسول مقرونة بطاعته كما جعل سهمهم مع سهم الرسول مقرونا بسهمه في الغنيمة والفيء ، فتبارك الله ما أعظم نعمته على أهل هذا البيت فلما جاءت قصة الصدقة نزه نفسه ونزه رسوله ونزّه أهل بيته فقال الله تعالى : (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ) (٢) فهل تجد في شيء من ذلك أنه جعل عزوجل سهما لنفسه أو لرسوله أو لذي القربى لأنه لما نزّه نفسه عن الصدقة ونزّه رسوله ونزّه أهل بيته لا بل حرّم عليهم لأن الصدقة محرّمة على محمد وآل محمد وهي أوساخ أيدي الناس لا يحل لهم لأنهم طهّروا من كل دنس ووسخ فلما طهّرهم الله واصطفاهم رضى لهم ما رضي لنفسه وكره لهم ما كره لنفسه عزوجل فهذه الثامنة.

وأما التاسعة فنحن أهل الذكر الذين قال الله تعالى في محكم كتابه : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (٣) فقالت العلماء : إنما عنى بذلك اليهود والنصارى فقال أبو الحسن : سبحان الله وهل يجوز ذلك؟! اذا يدعوننا إلى دينهم ويقولون : إنهم أيضا من دين الإسلام فقال المأمون : فهل عندك في ذلك شرح بخلاف ما قالوا يا أبا الحسن؟ فقال عليه‌السلام : نعم ، الذكر : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ونحن اهله ، وذلك بيّن في كتاب الله عزوجل حيث يقول في سورة الطلاق : (فَاتَّقُوا اللهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللهِ مُبَيِّناتٍ) والذكر : رسول الله ونحن اهله فهذه التاسعة.

وأما العاشرة فقول الله تعالى في آية التحريم : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ ...) الآية إلى آخرها فاخبروني هل تصلح ابنتي أو ابنة ابني وما تناسل من صلبي لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يتزوجها لو كان حيا؟ قالوا : لا.

قال : فاخبروني هل كانت ابنة أحدكم تصلح له أن يتزوجها لو كان حيا؟ قالوا : نعم ، قال : ففي هذا بيان لأني أنا من آله ، ولستم من آله ، ولو كنتم من آله لحرم عليه بناتكم كما حرّم عليه بناتي لأني من آله وانتم من امته فهذا فرق ما بيّن الآل والامة لأن الآل منه والامة إذا لم تكن من الآل ليست منه فهذه العاشرة.

وأما الحادي عشر فقول الله تعالى في سورة المؤمن حكاية عن قول رجل مؤمن من آل

__________________

(١) المائدة : ٥٥.

(٢) التوبة : ٦٠.

(٣) النحل : ٤٣.

٣٣٢

فرعون : (وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ) تمام الآية وكان ابن خال فرعون فنسبه إلى فرعون بنسبه ولم يضفه إليه بدينه ، وكذلك خصصنا نحن إذ كنا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بولادتنا منه وعمّمنا الناس بالدين ، فهذا فرق ما بين الآل والامة فهذا الحادي عشر.

وأما الثاني عشر فقوله عزوجل (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها) فخصّنا الله تعالى بهذه الخصوصية إذ أمرنا مع الامّة بإقامة الصلاة ثم خصّنا من دون الأمة فكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يجيء إلى باب علي وفاطمة بعد نزول هذه الآية تسعة أشهر كل يوم عند حضور كل صلاة خمس مرات فيقول : الصلاة رحمكم الله ، وما أكرم الله أحدا من ذراري الأنبياء عليهم‌السلام بمثل هذه الكرامة التي اكرمنا الله بها وخصّنا من دون جميع أهل بيتهم». فقال المأمون والعلماء : جزاكم الله أهل بيت نبيّكم عن الامة خيرا فما نجد الشرح والبيان فيما اشتبه علينا إلا عندكم (١).

العاشر : ابن بابويه قال : حدّثنا الحسن بن علي بن شعيب الجوهري قدس‌سره قال : حدّثنا عيسى بن محمد العلوي قال : حدّثنا أبو عمرو أحمد بن أبي حازم الغفاري قال : حدّثنا عبيد الله بن موسى عن شريك عن ركين بن الربيع عن القاسم بن حسان عن زيد بن ثابت قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ألا وهما الخليفتان من بعدي ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض» (٢).

الحادي عشر : ابن بابويه قال : حدّثنا أحمد بن الحسن القطّان قال : حدّثنا الحسن بن علي بن الحسين السّكري عن محمد بن زكريا الجوهري عن جعفر بن محمد بن عمارة عن أبيه عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين عن أبيه علي بن أبي طالبعليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «اني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض كهاتين وضمّ بين سبّابتيه فقام إليه جابر بن عبد الله الأنصاري فقال : يا رسول الله من عترتك؟ قال : علي والحسن والحسين والأئمة من ولد الحسين إلى يوم القيامة» (٣).

الثاني عشر : محمد بن يعقوب عن محمد بن الحسين وغيره عن سهل عن محمد بن عيسى ومحمد بن يحيى ومحمد بن الحسين جميعا عن محمد بن سنان عن إسماعيل بن جابر وعبد

__________________

(١) أمالي الصدوق : ٦١٥ / مجلس ٧٩ / ح ١.

(٢) أمالي الصدوق : ٥٠٠ / مجلس ٦٤ / ح ١٥.

(٣) معاني الأخبار : ٩١ / ٥٤.

٣٣٣

الكريم بن عمرو عن عبد الحميد بن أبي الديلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «أوصى موسى إلى يوشع ابن نون وأوصى يوشع بن نون إلى ولد هارون ، ولم يوص إلى ولده ولا إلى ولد موسى إنّ الله عزوجل له الخيرة يختار من يشاء ممن يشاء ، وبشر موسى ويوشع بالمسيح عليه‌السلام فلما أن بعث الله عزوجل المسيح قال المسيح عليه‌السلام لهم : إنه سوف يأتي من بعدي نبي اسمه أحمد من ولد إسماعيل عليه‌السلام يجيء بتصديقي وتصديقكم وعذري وعذركم ، وجرت من بعده في الحواريين في المستحفظين ، وإنما سماهم الله عزوجل المستحفظين لأنهم استحفظوا الاسم الأكبر وهو الكتاب الذي يعلم به علم كل شيء ، الذي كان مع الأنبياء صلوات الله عليهم يقول الله عزوجل : (لقد ارسلنا رسلا من قبلك وانزلنا معهم الكتاب والميزان) (١) الكتاب الاسم الأكبر وإنما عرف مما يدعى الكتاب التورية الإنجيل والفرقان فيها كتاب نوح عليه‌السلام وفيها كتاب صالح وشعيب وإبراهيم فاخبره الله عزوجل (إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى) (٢) فأين صحف إبراهيم ، إنما صحف إبراهيم الاسم الأكبر ، وصحف موسى [الاسم الأكبر] فلم تزل الوصية في عالم بعد عالم حتى دفعوها إلى محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله فلمّا بعث الله عزوجل محمدا أسلم له العقب من المستحفظين وكذبه بنو إسرائيل ودعا إلى الله عزوجل وجاهد في سبيله ، ثم أنزل الله عز ذكره عليه أن أعلن فضل وصيّك فقال : يا ربّ إنّ العرب قوم جفاة لم يكن فيهم كتاب ولم يبعث إليهم نبي ولا يعرفون فضل بيوتات الأنبياء ولا شرفهم ولا يؤمنون بي إن أنا أخبرتهم بفضل أهل بيتي فقال الله عز ذكره : (وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) (٣) فذكر من فضل وصيّه ذكرا فوقع النفاق في قلوبهم، فعلم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك وما يقولون فقال الله جلّ ذكره : يا محمد : «ولقد نعلم أنه يضيق صدرك بما يقولون (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ) (٤) لكونهم (٥) يجحدون بغير حجة لهم ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يتألّفهم ويستعين ببعضهم على بعض ، ولا يزال يخرج لهم شيئا في فضل وصيّه حتى نزلت هذه السورة فاحتج عليهم حين أعلم بموته ونعيت إليه نفسه فقال الله جل ذكره : (فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ) (٦) يقول : فإذا فرغت فانصب علمك وأعلن وصيّك فأعلمهم فضله علانية فقال عليه‌السلام : من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه

__________________

(١) الآية : (لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا ..) الحديد : ٢٥.

(٢) الأعلى : ١٨ ـ ١٩.

(٣) النحل : ١٢٧.

(٤) الأنعام : ٣٣.

(٥) في المصدر : ولكنهم.

(٦) الانشراح : ٨.

٣٣٤

ثلاث مرات ، ثم قال : لابعثنّ رجلا يحب الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله ليس بفرّار ، يعرض بمن رجع يجبن أصحابه ويجبنونه.

وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : عليّ سيد المؤمنين وقال : علي عمود الدين ، وقال : هذا هو الذي يضرب الناس بالسيف على الحق بعدي ، وقال : الحق مع علي أينما مال ، وقال : إني تارك فيكم أمرين إن أخذتم بهما لن تضلّوا كتاب الله عزوجل وأهل بيتي عترتي ، أيها الناس اسمعوا وقد بلغت انّكم ستردون عليّ الحوض فأسألكم عمّا فعلتم في الثقلين ، والثقلان كتاب الله جل ذكره وأهل بيتي فلا تسبقوهم فتهلكوا ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم.

فوقعت الحجة بقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وبالكتاب الذي يقرأه الناس ، فلم يزل يلقي فضل أهل بيته بالكلام ويبيّن لهم بالقرآن (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (١) وقال عزّ ذكره : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى) (٢) ثم قال جلّ ذكره (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) (٣) فكان علي عليه‌السلام وكان حقه الوصية التي جعلت له ، والاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة فقال : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) (٤) ثم قال : (وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ) (٥) يقول : أسألكم عن المودة التي أنزلت عليكم فضلها مودة القربى بأي ذنب قتلتموهم ، وقال جل ذكره : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (٦) قال : الكتاب : الذكر ، وأهله آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر الله عزوجل بسؤالهم ولم يؤمروا بسؤال الجهّال ، وسمى الله عزوجل القرآن ذكرا فقال تبارك وتعالى : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (٧) وقال عزوجل : (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ) (٨) وقال عزوجل : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (٩) وقال عزوجل : (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) (١٠) فردّ الله الأمر ـ أمر الناس ـ إلى أولي الأمر منهم الذين أمر بطاعتهم وبالرد إليهم.

فلمّا رجع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من حجة الوداع نزل عليه جبرائيل عليه‌السلام فقال : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ

__________________

(١) الاحزاب : ٣٣.

(٢) الانفال : ٤٢.

(٣) الاسراء : ٢٦.

(٤) الشورى : ٢٣.

(٥) التكوير : ٨ ـ ٩.

(٦) النحل : ٤٣.

(٧) النحل : ٤٤.

(٨) الزخرف : ٤٤.

(٩) النساء : ٥٩.

(١٠) النساء : ٨٣.

٣٣٥

الْكافِرِينَ) (١) فنادى الناس فاجتمعوا وأمر بسمرات فقم شوكهن ثم قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا أيها الناس من وليّكم وأولى بكم من أنفسكم؟ فقالوا : الله ورسوله ، فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ثلاث مرات ، فوقعت حسكة النفاق في قلوب القوم وقالوا : ما أنزل عزوجل هذا على محمد قط ، وما يريد محمد إلّا أن يرفع بضبع ابن عمّه ، فلما قدم المدينة أتته الأنصار فقالوا : يا رسول الله إن الله جلّ ذكره قد أحسن إلينا وشرفنا بك وبنزولك بين ظهرانينا فقد فرّح الله صديقنا وكبت عدوّنا وقد يأتيك وفود فلا تجد ما تعطيهم فيشمت بك العدو ، فنحب أن تأخذ ثلث أموالنا حتى إذا قدم عليك وفد مكة وجدت ما تعطيهم ، فلم يردّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليهم شيئا وكان ينتظر ما يأتيه من ربّه فنزل عليه جبرائيل وقال : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) ولم يقبل أموالهم ، فقال المنافقون : ما أنزل الله هذا على محمد وما يريد إلا أن يرفع بضبع ابن عمه ويحمل علينا أهل بيته يقول أمس : من كنت مولاه فعلي مولاه واليوم : قل لا أسألكم عليه أجرا إلّا المودّة في القربى ، ثم نزل عليه آية الخمس فقالوا : يريد أن يعطيهم أموالنا وفيئنا ، ثم أتاه جبرائيل فقال : يا محمد إنك قد قضيت نبوّتك واستكملت أيامك فاجعل الاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة عند علي ، فإني لم أترك الأرض إلا وفيها عالم تعرف به طاعتي وتعرف به ولايتي ، ويكون حجة لمن يولد بين قبض النبي إلى خروج النبي الآخر قال : فأوصى إليه بالاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة ، وأوصى إليه بألف كلمة وألف باب يفتح كل كلمة وكل باب ألف كلمة والف باب» (٢).

الثالث عشر : الشيخ في أماليه قال : أخبرنا أبو عمر عبد الواحد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن مهدي قال : أخبرنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة قال : حدّثنا عبد الله بن أحمد بن المستورد قال : حدثنا إسماعيل بن صبيح قال : حدثنا سفيان ـ هو ابن إبراهيم ـ عن عبد المؤمن ـ وهو ابن القاسم ـ عن الحسن بن عطية العوفي عن أبيه عن أبي سعيد الخدري أنه سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «إني تارك فيكم الثقلين إلا أن أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض» وقال : «ألا إن أهل بيتي عيبتي التي آوي إليها وإن الأنصار كرشي (٣) فاعفوا عن مسيئهم وأعينوا محسنهم» (٤).

__________________

(١) المائدة : ٦٨.

(٢) اصول الكافي : ١ / ٢٩٦ ح ٣.

(٣) الكرش : الجماعة من الناس وعيال الإنسان من صغار أولاده ، ومراده عليه الصلاة والسلام أنهم مني في المحبة والرأفة بمنزلة الأولاد الصغار. المصباح المنير : ٥٣٠ ، كرش.

(٤) أمالي الطوسي : ٢٥٥ / مجلس ٩ / ح ٥٢.

٣٣٦

الرابع عشر : الشيخ في أماليه قال : أخبرنا محمد بن محمد ـ يعني المفيد ـ قال : حدّثنا أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه رحمه‌الله قال : حدثني أبي قال : حدثني سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن محبوب الزراد عن أبي محمد الأنصاري عن معاوية بن وهب قال : كنت جالسا عند جعفر بن محمد عليه‌السلام إذ جاء شيخ قد انحنى من الكبر فقال : السلام عليك ورحمة الله وبركاته فقال أبو عبد الله : «وعليك السلام ورحمة الله وبركاته يا شيخ ادن مني ، فدنا منه وقبّل يده وبكى فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : وما يبكيك يا شيخ قال له : يا ابن رسول الله إني مقيم على رجاء منكم منذ مائة سنة.

أقول : هذه السنة وهذا الشهر وهذا اليوم ولا أراه فيكم فتلومني أن أبكي ، قال : فبكى أبو عبد الله ثم قال : يا شيخ إن اخّرت منيّتك كنت معنا وان عجلت كنت يوم القيامة مع ثقل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال الشيخ : ما أبالي ما فاتني من بعد هذا يا بن رسول الله فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام : يا شيخ إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسّكتم بهما لن تضلوا كتاب الله المنزل وعترتي أهل بيتي تجيء وأنت معنا يوم القيامة ، ثم قال : يا شيخ ما احسبك من أهل الكوفة ، قال : لا ، قال : فمن أين؟

قال : من سوادها جعلت فداك ، قال : أين أنت من قبر جدي المظلوم الحسين عليه‌السلام؟ قال : إني لقريب منه قال : كيف اتيانك له؟ قال : إني لآتيه واكثر ، قال : يا شيخ ذاك دم يطلب الله تعالى به ما اصيب ولد فاطمة ولا يصابون بمثل الحسين عليه‌السلام ولقد قتل عليه‌السلام في سبعة عشر من أهل بيته نصحوا لله وصبروا في جنب الله فجزاهم احسن جزاء الصابرين أنه إذا كان يوم القيامة اقبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومعه الحسين عليه‌السلام ويده على رأسه يقطر دما فيقول : يا رب سل امتي فيم قتلوا ابني وقالعليه‌السلام: كل الجزع والبكاء مكروه سوى الجزع والبكاء على الحسين» (١).

الخامس عشر : الشيخ في أماليه قال : أخبرنا الشيخ المفيد أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمانرحمه‌الله قال : أخبرني أبو القاسم إسماعيل بن محمد الأنباري الكاتب قال : حدثنا أبو عبد الله إبراهيم بن محمد الأزدي ، قال : حدثنا شعيب بن أيوب ، قال : حدّثنا معاوية بن هشام عن سفيان عن هشام بن حسّان قال : سمعت أبا محمد الحسن بن علي عليهما‌السلام فيخطب الناس بعد البيعة له بالأمر فقال : «نحن حزب الله الغالبون وعترة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الأقربون وأهل بيته الطيبون الطاهرون وأحد الثقلين الذين خلفهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في امته والثاني كتاب الله فيه تفصيل كل شيء لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فالمعوّل علينا في تفسيره ولا نتظنى تأويله بل نتيقن حقائقه فاطيعونا

__________________

(١) أمالي الطوسي : ١٦١ / مجلس ٦ / ح ٢٠.

٣٣٧

فإن طاعتنا مفروضة إذ كانت بطاعة الله عزوجل ورسوله مقرونة قال الله عزوجل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ* فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ لَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ* لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) واحذركم الاصغاء لهتاف الشيطان فإنه لكم عدو مبين فتكونوا كأوليائه الذين قال لهم : (لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ) فتلقون الى الرماح وزرا والى السيوف جزرا وللعمد حطما والى السهام غرضا ثم «لا ينفع نفسا ايمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في ايمانها خيرا» (١).

السادس عشر : الشيخ في مجالسه قال : أخبرنا جماعة عن أبي المفضل قال : حدثنا الحسن بن علي بن زكريا العاصمي قال : حدّثنا أحمد بن عبيد الله العدلي قال : حدّثنا الربيع بن سيّار قال : حدّثنا الأعمش عن سالم بن أبي الجعد يرفعه إلى أبي ذر رضى الله عنه وذكر حديث مناشدة أمير المؤمنين عليه‌السلام لأهل الشورى فيما ذكر لهم من فضائله وسوابقه في الإسلام والنص عليه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال عليه‌السلام فيما ذكر لهم : «فهل تعلمون أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض وانكم لن تضلوا ما إن اتّبعتموهما واستمسكتم بهما؟» قالوا : نعم (٢).

السابع عشر : الشيخ سعد بن عبد الله القمي في بصائر الدرجات قال : حدّثنا القاسم بن محمد الاصبهاني عن سليمان بن داود المنقري المعروف بالشّاذ كوني عن يحيى بن آدم عن شريك بن عبد الله عن جابر بن يزيد الجعفي عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «دعاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الناس بمنى فقال : أيها الناس إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ، ثم قال : أيها الناس إني تارك فيكم حرمات ثلاث : كتاب الله عزوجل ، وعترتي ، والكعبة البيت الحرام ، ثم قال أبو جعفر عليه‌السلام : أما كتاب الله فحرفوا ، وأما الكعبة فهدموا ، وأما العترة فقتلوا وكلّ ودائع الله قد نبذوا ومنها قد تبرءوا» (٣).

الثامن عشر : سعد بن عبد الله في البصائر أيضا عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن جعفر ابن بشير البجلي عن ذريح بن محمد بن يزيد [المحاربي] عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إني تركت فيكم الثقلين كتاب الله عزوجل وعترتي أهل بيتي فنحن أهل بيته» (٤).

__________________

(١) أمالي الطوسي : ١٢١ / مجلس ٥ / ح ١.

(٢) أمالي الطوسي : ٥٤٨ / مجلس ٢٠ / ح ٤.

(٣) مختصر البصائر : ٩٠.

(٤) المصدر السابق.

٣٣٨

التاسع عشر : سعد بن عبد الله في البصائر عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن النضر بن سويد عن خالد بن زياد القلانسي عن رجل عن أبي جعفر عليه‌السلام عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «يا أيها الناس إني تارك فيكم الثقلين الثقل الأكبر والثقل الأصغر إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا [ولن تزلوا] ولن تبدلوا فإني سألت الله اللطيف الخبير ألّا يفترقان حتى يردا عليّ الحوض فاعطيت ذلك فقيل : فما الثقل الأكبر وما الثقل الأصغر؟ فقال : الثقل الأكبر كتاب الله عزوجل سبب طرفه بيد الله عزوجل وطرف بأيديكم والثقل الأصغر عترتي أهل بيتي» (١).

العشرون : سعد بن عبد الله في بصائره عن إبراهيم بن هاشم عن يحيى بن أبي عمران عن يونس ابن عبد الرّحمن عن هشام بن الحكم عن سعد بن طريف الاسكاف قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إني تارك فيكم الثقلين فتمسّكوا بهما فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ، قال : فقال أبو جعفر عليه‌السلام : لا يزال كتاب الله والدليل منّا عليه حتى يردا (٢) عليّ الحوض» (٣).

الحادي العشرون : سعد بن عبد الله في بصائره عن أحمد وعبد الله ابنا محمد بن عيسى ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب ويعقوب بن يزيد ومحمد بن عيسى بن عبيد عن الحسن بن محبوب عن إسحاق بن غالب عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال في خطبة طويلة له : «مضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وخلّف في امته كتاب الله ووصيّه علي بن أبي طالب أمير المؤمنين وإمام المتقين وحبل الله المتين والعروة الوثقى التي لا انفصام لها ، وعهده المؤكد صاحبان مؤتلفان يشهد كل واحد منهما لصاحبه بالتصديق ، ينطق الإمام عن الله عزوجل في الكتاب بما أوجب الله فيه على العباد من طاعة الله وطاعة الإمام وولايته ، وأوجب حقه الذي أراد الله من استكمال دينه واظهار أمره والاحتجاج بحجّته والاستيضاء بنوره في معادن أهل صفوته ومصطفى أهل حربه ، فأوضح الله بأئمة الهدى من أهل بيت نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله عن دينه وأبلج بهم عن منهاج سبيله ووضح (٤) بهم عن باطن ينابيع علمه ، فمن عرف من امة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله واجب حق إمامه وجد طعم حلاوة إيمانه وعلم فضل حلاوة (٥) اسلامه ، لأن الله عزوجل ورسوله نصب الإمام علما لخلقه وحجة على أهل عالمه ، ألبسه تاج الوقار وغشاه من نور الجبّار يمدّ بسبب إلى السماء لا ينقطع عنه مواده ولا ينال ما عند

__________________

(١) المصدر السابق : ٩١.

(٢) في المصدر : نرد.

(٣) مختصر البصائر : ٩١.

(٤) في المصدر : وفتح.

(٥) في المختصر : ظراوة.

٣٣٩

الله إلا بجهة أسبابه ، ولا يقبل الله عمل العباد إلا بمعرفته ، فهو عالم بما يرد عليه من ملبسات (١) الوحي ومعميات السنن (٢) ومشتبهات الفتن ، ولم يكن الله ليضلّهم بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون وتكون الحجة من الله على العباد بالغة» ورواه محمد بن الحسن الصفّار في بصائر الدرجات عن محمد بن عيسى ويعقوب بن يزيد وغيرهما عن ابن محبوب عن إسحاق بن غالب عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «مضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ...» وذكر الحديث (٣).

الثاني والعشرون : محمد بن إبراهيم النعماني في الغيبة قال : أخبرنا عبد الواحد بن عبد الله بن يونس الموصلي قال : أخبرنا محمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن جدّه عن محمد بن أبي عمير عن حمّاد بن عيسى عن حريز بن عبد الله عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عن عليعليه‌السلام قال : «خطب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في مسجد خيف وهي خطبة مشهورة في حجة الوداع قالصلى‌الله‌عليه‌وآله فيها : إني فرطكم وإنكم واردون عليّ الحوض ، حوضا عرضه ما بين بصرى إلى صنعاء فيه قدحان عدد نجوم السماء ألا وإني مخلف فيكم الثقلين الثقل الأكبر والثقل الأصغر الثقل الأكبر القرآن والثقل الأصغر عترتي أهل بيتي ، هما حبل ممدود بينكم وبين الله جل وعزّ ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا سبب منه بيد الله وسبب بأيديكم ـ وفي رواية اخرى ـ طرف بيد الله وطرف بأيدكم ـ إن اللطيف الخبير قد نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض كاصبعي هاتين ، وجمع بين سبّابتيه لا أقول كهاتين وجمع بين سبابته والوسطى ـ فتفضل هذه على هذه» (٤).

الثالث والعشرون : محمد بن إبراهيم في الغيبة أيضا قال : أخبرنا عبد الواحد بن عبد الله عن محمد بن علي عن أبيه يرفعه إلى الحسن بن محبوب والحسن بن علي بن فضال عن علي بن عقبة عن أبي عبد الله عليه‌السلام وذكر الكلام السابق (٥).

الرابع والعشرون : محمد بن إبراهيم هذا قال : أخبرنا عبد الواحد عن محمد بن علي عن أبيه عن الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه‌السلام بمثله(٦).

__________________

(١) في المصدر : ملتبسات ، وفي المختصر : متلبسات.

(٢) في البصائر : مصيبات السنن.

(٣) مختصر البصائر : ٩٠ ، والبصائر : ٤٣٣ باب قول الرسول : إني تارك ، واصول الكافي : ١ / ٢٠٣ ح ٢ بتفاوت واختصار.

(٤) الغيبة : ٤٢.

(٥) المصدر السابق.

(٦) غيبة النعماني : ٤٣.

٣٤٠