غاية المرام وحجّة الخصام - ج ٢

السيّد هاشم البحراني الموسوي التوبلي

غاية المرام وحجّة الخصام - ج ٢

المؤلف:

السيّد هاشم البحراني الموسوي التوبلي


المحقق: السيد علي عاشور
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٩

وابنيّ؟

قالوا : اللهمّ نعم.

قال : أفتقرون أنّه دفع إليّ اللّواء يوم خيبر ثمّ قال : لأدفعنّ الراية غدا إلى رجل يحبّه الله ورسوله ويحبّ الله ورسوله ليس بجبان ولا فرار يفتحها الله على يديه؟

فقالوا : اللهمّ نعم.

قال : أفتقرون انّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بعثني ببراءة وقال : لا يبلغ عني إلّا رجل منّي؟

قالوا : اللهم نعم.

قال : أفتقرّون أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لم تنزل به شديدة إلّا قد منّي لها ثقة بيّ وأنّه لم يدع باسمي قط إلّا أن يقول : يا أخي وادعوا إليّ أخي؟

قالوا : اللهمّ نعم.

قال : أفتقرّون أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قضى بيني وبين جعفر وزيد وحمزة ، فقال لي : يا عليّ إنّك منّي وأنا منك وأنت ولي كلّ مؤمن بعدي؟

قالوا : اللهمّ نعم.

قال : أفتقرّون أنّه كانت لي من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كلّ يوم دخلة وخلوة إن سألته أعطاني وإن سكت ابتدأني؟

قالوا : اللهمّ نعم.

قال : أفتقرّون أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فضّلني على حمزة وجعفر ، فقال لفاطمة : فزوّجتك خير أهلي وخير أمّتي أقدمهم سلما وأعظمهم حلما وأكثرهم علما؟

قالوا : اللهمّ نعم.

قال : أفتقرّون أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : أنا سيّد ولد آدم وعليّ أخي سيّد العرب وفاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة؟

قالوا : اللهمّ نعم.

قال : أفتقرّون أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أمرني بغسله وأخبرني أنّ جبرائيل عليه‌السلام يعينني عليه؟

قالوا : اللهمّ نعم.

قال : أفتقرّون أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : في آخر خطبة خطبها أيّها الناس إنّي قد تركت فيكم أمرين لن تضلّوا ما تمسّكتم بهما كتاب الله وأهل بيتي؟

١٠١

قالوا : اللهمّ نعم.

قال : ولم يدع شيئا أنزل فيه خاصّة وفي أهل بيته من القرآن ولا على لسان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلّا ناشدهم فيه فمنهم من يقول نعم ومنهم من يسكت ، ويقول بعضهم : اللهمّ نعم ، ويقول الّذين سكتوا : أنتم عندنا ثقاة ، وقد حدّثنا غيركم ممّن نثق به من هؤلاء وغيرهم أنّهم سمعوا ذلك من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال عليّ : حين فرع اللهمّ أشهد عليهم ، قالوا : اللهمّ نعم أشهد إنّا لم نقل إلّا حقّا وما سمعنا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : أتقرّون بأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : من زعم أنه يحبني ويبغض عليّا فقد كذّب ، ليس ممّن يحبّني ووضع يده على رأسي ، فقال له قائل : وكيف ذلك يا رسول الله؟ قال : لأنّه منّي وأنا منه فمن أحبّه فقد أحبّني ومن أحبّني فقد أحبّ الله ومن أبغضه فقد أبغضني ومن أبغضني فقد أبغض الله ، فقال له عشرون من أفاضل القوم : اللهمّ نعم وسكت بقيّتهم ، فقال عليّ عليه‌السلام : للسّكوت ما لكم سكوت؟

قالوا : هؤلاء الّذين شهدوا عندنا ثقاة في صدقهم وفضلهم وسابقتهم.

فقال : اللهمّ أشهد عليهم (١).

الثاني والأربعون : سليم بن قيس في كتابه عقيب الحديث السّابق قال : فقال طلحة بن عبد الله وكان يقال له داهية قريش : فكيف تصنع بما ادّعاه أبو بكر وعمر وأصحابهما الّذين شهدوا وصدّقوه على مقالته يوم أتوا بك تعتل وفي عنقك الحبل فما احتججت به من شيء إلّا صدقوا حجّتك ، فادّعى أبو بكر أنّه سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : إنّ الله آلى أن يجمع لنا أهل البيت النّبوّة والخلافة فصدّقوه وشهدوا له ، منهم عمر وأبو عبيدة وسالم ومعاذ بن جبل ، ثمّ أقبل طلحة فقال : كلّ الذي ادّعيت وذكرته واحتججت به من السّابقة والفضل نحن نعترف بذلك ، وأمّا الخلافة فقد شهد أولئك ما سمعوا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال عند ذلك عليّ عليه‌السلام وقد غضب من مقالة طلحة ، فاخرج شيئا كان يكتمه وفسّر شيئا كان قد قاله ، وهو أنّه كان قاله يوم مات عمر ولم يدروا ما عنى به ، ثمّ أقبل على طلحة والناس يسمعون ثمّ قال : يا طلحة أما والله ما صحيفة ألقى الله بها يوم القيامة أحبّ إلي من صحيفة هؤلاء الخمسة الّذين تعاهدوا على الوفاء بها في الكعبة في حجّة الوداع إن قتل محمّد أو مات أن يتوازروا عليّ ويتظاهروا على أن لا تصل الخلافة إليّ ، والدليل يا طلحة على ما شبّهوا به قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم غدير خمّ : من كنت أولى به من نفسه فعليّ أولى به من نفسه ، فكيف أكون أولى بهم من أنفسهم وهم الأمراء والحكّام عليّ؟ وقول رسول الله لي : أنت منّي بمنزلة

__________________

(١) كتاب سليم بن قيس ١٩١ ـ ٢٠٣ ، بتفاوت يسير.

١٠٢

هارون من موسى غير النّبوّة ، فلو كان مع النّبوة غيرها لاستثناها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقوله : إنّي تركت فيكم أمرين لن تضلّوا ما تمسّكتم بهما كتاب الله وعترتي ولا تقدّموهم ولا تتخلّفوا عنهم ولا تعلموهم فإنّهم أعلم منكم.

فينبغي أن لا تكون الخلافة على الأمّة إلّا لأعلمهم بكتاب الله وسنّة نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد قال اللهعزوجل: (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ).

قال : (وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ) وقال : (أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) ، وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما ولّت أمة قط أمرها رجلا وفيهم من أعلم منه إلّا لم يزل أمرهم يذهب سفالا حتّى يرجعوا إلى ما تركوا ، فما الولاية غير الأمارة على الأمة.

والدليل على كذبهم وباطلهم وفجورهم أنّهم سلّموا عليّ بإمرة المؤمنين بأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهي الحجّة عليك وعليهم خاصّة وعلى هذا الذي معك ـ يعني الزّبير ـ وعلى الأمّة ، وأشار إلى سعد وابن عوف ، وخليفتكم هذا القائم ـ يعني عثمان ـ وإنا معشر الشورى ستّة أحياء كلنا فلم جعلني عمر في الشورى؟ أن قد صدق هو وأصحابه على رسول الله أنّه قال : ليس لنا في الخلافة شيء أليس أمرنا شورى في الخلافة أم في غيرها ، وإن زعمتم إنّما جعلها في غير أمارة فليس لعثمان أمارة لأنّه أمرنا أن نشاور في غيرها ، وإن كانت المشاورة فيها فلم؟ أدخلني فيكم؟ فهلّا أخرجني وقد كان شهد أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أخرج أهل بيته من الخلافة وأخبر أنّه لا نصيب له فيها ، ولم قال عمر لعثمان حين دعانا رجلا رجلا لابنه وكان شاهدا ، يا عبد الله بن عمر أنشدك الله ما قال لك حين خرجت؟ فقال عبد الله : أمّا إذا ناشدتني فإنّه قال : إن يبايعوا أصلع بني هاشم يحملهم على المحجّة البيضاء وأقامهم على كتاب الله عزوجل وسنّة نبيّه قال : فقال عليّ : ما قلت له حين قال لك ذلك ، قال : قلت : ما يمنعك أن تستخلفه، قال : فما ردّ عليك؟ قال : ردّ عليّ شيئا أكتمه.

قال علي : فإن رسول الله أخبرني به قبل موته بثلاثة أيّام ، وليلة مات فيها أبوك رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في منامي ، ومن رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في منامه فقد رآه ، فقال له ابن عمر : فما أخبرك؟

فقال له عليّ : عليه‌السلام أنشدك بالله إنّي إن أخبرك لتصدّقني ، قال ابن عمر : أو أسكت ، قال : فإنّه حين قال لك قلت له أنت : فما يمنعك أن تستخلفه؟ قال : الصّحيفة التي كتبناها والعهد في الكعبة في حجّة الوداع ، قال : فسكت ابن عمر ، فقال [علي] : أسألك بحقّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لما أمسكه عنّي؟

قال : أبان ـ يعني ابن أبي عيّاش ـ عن سليم : فرأيت ابن عمر في ذلك المجلس وقد خنقته العبرة وعيناه تسيلان ، ثم أقبل علي على طلحة والزبير وابن عوف وسعد فقال : والله إن كان أولئك

١٠٣

الخمسة كذبوا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فما يحلّ لكم ولا لهم ، وإن كان صدقوا فما حلّ لكم أن تدخلوني معكم في الشورى ، إنّ إدخالكم إيّاي فيها خلاف على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ورغبة عنه.

ثمّ أقبل على الناس فقال : أخبروني عن منزلتي فيكم وما تعرفوني به أصادق عندكم أم كذّاب؟

فقالوا : صادق صدوق مصدّق ما علمنا والله إنّك ما كذبت في جاهلية ولا إسلام ، قال : فو الله الذي أكرمنا أهل البيت بالنّبوة فجعل منّا محمّدا وأكرمنا من بعده أن جعلنا أئمّة المؤمنين من بعده لا يبلغ عنه غيرنا ولا تصلح الخلافة والإمامة إلّا فينا ولم يجعل لأحد من الناس فيها ولا نصيبا ولا حقّا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فخاتم النّبيّين ليس بعده نبيّ ولا رسول ختم به الأنبياء إلى يوم القيامة وختم بالقرآن الكتب إلى يوم القيامة ، وجعلنا الله خلفاء محمّد وشهداء في الطّاعة على خلقه ، وفرض طاعتنا في كتابه وأقرننا بنفسه وبيّنه من بعده في غير آية من القرآن ، والله جعل محمّدا نبيّا اجتباه في كتابه المنزل ، ثمّ أمر الله حين أشهد نبيّه عليه‌السلام أن يبلغ ذلك عنه ، فبلغهم كما أمره وأنّهم أحق بمجلس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وبمكانه أو ما سمعتم حين بعثني ببراءة ، فقال : لا يصلح أن يبلغ عنّي إلّا أنا أو رجل منّي فلم يصلح لصاحبكم أن يبلغ عنه صحيفة قدر أربع أصابع ولن يصلح أن يكون لها المبلّغ غيري ، فأيهما أحق بمجلسه وبمكانه الذي سماه الله خاصّة أنّه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أو من خصّه من بين الأمّة أنّه ليس من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟

قال طلحة : قد سمعنا ذلك من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ففسّر لنا كيف لا يصلح لأحد يبلغ عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد سمعناه قال لنا ولجميع سائر الناس : ليبلغ الشّاهد منكم الغائب عني ، قال : تعرفه حين حجّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حجّة الوداع؟ فقال رضى الله عنه : من سمع مقالتي فوعاها ثمّ بلغها غيره فرب حامل فقه لا فقه له وربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه ، ثلاثة لا يغل عليها قلب امرئ مسلم إخلاص العمل لله والسمع والطّاعة والمناصحة لولاة الأمر ولزوم جماعتهم فإنّ دعوتهم محيطة من ورائهم ، وقال في غير موطن : فليبلغ الشاهد الغائب ، فقال عليّ عليه‌السلام : إنّ الذي قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم غدير خمّ وفي حجّة الوداع ويوم قبض آخر خطبة خطبها حين قال : تركت فيكم أمرين لن تضلّوا ، ما إن تمسّكتم بهما كتاب الله وأهل بيتي ، وإنّ اللّطيف الخبير عهد إليّ أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض كهاتين الأصبعين وإن أحدهما أقدم من الآخر فتمسّكوا بهما لن تضلّوا ولا تولّوا ولا تقدّموهم ولا تتخلّفوا عنهم ولا تعلموهم فإنّهم أعلم منكم ، إنّما أمر من يقول من العامّة بإجابة طاعة الأئمّة من آل محمّد وإيجاب حقّهم ولم يقل في ذلك شيئا من الأشياء غير ذلك فإنّما أمر

١٠٤

العامّة أن يبلغوا العامّة بحجّة من لا يبلغ عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بما بعثه الله به غيرهم

ألا ترى يا طلحة أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لي وأنتم تسمعون : إنّه لا يقضي ديني ولا يبري ذمّتي ويؤدّي ديني وأمانتي ويقاتل عن سنّتي غيري ، فلمّا ولي أبو بكر ما قضى عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله دينه ولا عداته فاتبعتهما جميعا فقضيتهما عنه ، وأخبرني أنّه لا يقضي دينه ولا عداته غيري فلم يكن ما أعطاهم أبو بكر قضاء لدينه وعداته وإنّما عليّ قضى دينه وعداته هو الذي قضى وأبرأ ذمّته وقضى أمانته ، وإنّما يبلّغ عن رسول الله جميع ما أتى به عن الله عزوجل من بعده الأئمّة الّذين افترض الله في الكتاب طاعتهم وأمر بولايتهم ، والّذين من أطاعهم أطاع الله ومن عصاهم عصى الله فقال طلحة فرّجت عنّي ما كنت أدري ما عنى بذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى فسّرتها لي فجزاك الله يا أبا الحسن عن جميع الأمّة حسنة. (١)

الثالث والأربعون : سليم بن قيس في كتابه قال الاشعث بن قيس لأمير المؤمنين عليه‌السلام : يا ابن أبي طالب ما منعك حين بويع أخو تيم بن مرّة وأخو بني عدي وأخو بني أمية بعدهما أن تقاتل وتضرب بسيفك فإنّك لم تخطبنا خطبة منذ قدمت العراق إلّا قلت فيها : والله إني أولى الناس بالنّاس وما زلت مظلوما ، قال : قد قلت فاستمع الجواب لم يمنعني من ذلك الجبن ولا كراهة للقاء ربي وأن لا أكون أعلم إنّ ما عند الله خير لي من الدّنيا بما فيها ، ولكن منعني من ذلك أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعهده إليّ ، أخبرني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما الأمّة [فاعله] بعده ، فلم أكن بما صنعوا حين عاينته بأعلم منّي به ولا أشدّ يقينا به منّي قبل ذلك ، بل أنا بقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أشدّ يقينا لما عاينت وشاهدت فقلت لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : فما تعهد إليّ إذا كان ذلك؟ قال : إن وجدت أعوانا فانبذ إليهم وجاهدهم وإن لم تجد أعوانا فكفّ يدك واحقن دمك حتّى تجد على إقامة كتاب الله وسنّتي أعوانا ، وأخبرني أنّ الأمّة ستخذلني وتتّبع غيري ، وأخبرني أني منه بمنزلة هارون من موسى وأنّ الأمّة سيصيرون بعده بمنزلة هارون ومن تبعه ، ومنزلة العجل ومن تبعه ، فقال موسى : يا هارون (ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي قالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي) وقال : (يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي) وإنّما يعني أن موسى أمر هارون حين استخلفه عليهم إن ضلّوا ثمّ وجد أعوانا أن يجاهدهم ، وإن لم يجد أعوانا أن يكفّ يده ويحقن دمه ولا يفرّق بينهم ، وإنّي خشيت أن يقول أخي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فرّقت بين الأمّة ولم ترقب قولي وقد عهدت إليك إن لم تجد أعوانا فكفّ

__________________

(١) كتاب سليم بن قيس ٢٠٣ ـ ٢٠٩ مع تفاوت.

١٠٥

يدك واحقن دمك ودم أهل بيتك وشيعتك ، فلمّا قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قام الناس إلى أبي بكر فبايعوه وأنا مشغول برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بغسله ودفنه. ثمّ شغّلت بالقرآن وآليت على نفسي أن لا أرتدي برداء إلّا للصّلاة حتّى أجمعه في كتاب ، ثمّ حملت فاطمة وأخذت بيد ابنيّ الحسن والحسين عليهما‌السلام فلم أدع أحدا من أهل بدر وأهل السّابقة من المهاجرين والأنصار إلّا ناشدتهم الله في حقّي ودعوتهم إلى نصرتي ، فلم يستجب لي من الناس إلّا أربعة نفر الزبير وسلمان وأبو ذر والمقداد. (١)

الرابع والأربعون : سليم بن قيس في كتابه قال : قال عليّ عليه‌السلام : مررت بالصّهاكي يوما فقال لي: ما مثل محمّد إلّا كمثل نخلة نبتت في كناسة ، فأتيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فذكرت له ذلك ، فغضب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وخرج مغضبا فأتى المنبر ففزعت الأنصار إلى السّلاح لمّا رأوا غضب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : ما بال قوم يعيروني بقرابتي وقد سمعوني ما قلت في فضل بني هاشم وخيرهم وما أخصهم الله تعالى ، وفضل عليّ وكرامته وسبقه إلى الإسلام وبلائه فيه وقرابته وإنّه منّي بمنزلة هارون من موسى ، ثمّ أنّه يزعم أنّ مثلي في أهل بيتي كمثل نخلة نبتت في كناسة ، ألا إنّ الله خلق خلقه ففرقهم فرقتين فجعلني في أحسن الفرقتين، ثمّ فرق الفرقة ثلاث فرق شعوبا وقبائل وبيوتا فجعلني في خيرهم شعبا وخيرهم قبيلة ، ثمّ جعلهم بيوتا فجعلني في خيرهم بيتا فكذلك قوله تعالى : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) ، حتّى خلفت في أهل بيتي وبني أبي أنا وأخي عليّ بن أبي طالب حتّى نظّر الله إلى أهل الأرض فاختارني منهم ، ثمّ نظر نظرة ثانية فاختار عليّا أخي ووزيري ووراثي ووصيّي وخليفتي وإمام كلّ مؤمن من بعدي ، فمن والاه والى الله ومن عاداه عاد الله ومن أحبّه أحبّه الله ومن أبغضه أبغضه الله ، لا يحبّه إلّا مؤمن ولا يبغضه إلّا كافر ، وهو ربّ الأرض أيّ أصلها بعدي وساكنها ، وهو كلمة الله العليا وعروته الوثقى يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلّا أن يتمّ نوره ، أيّها الناس ليبلغ مقالتي شاهدكم غائبكم ، اللهمّ أشهد عليهم.

أيّها الناس إنّ الله نظر نظرة ثالثة فاختار منهم بعدي وبعد أخي أحد عشر وصيا من أهل بيتي وهم أخيار أمّتي منهم تسعة بعد أخي وابنيه كلّما هلك واحد قام واحد مثلهم كمثل نجوم السّماء كلّما أفل نجم طلع نجم ، أئمة هدى مهديّون لا يضرّهم كيد من كادهم ولا خذلان من خذلهم ، بل لعن الله في ذلك من كادهم وخذلهم ، هم حجّة الله في أرضه وشهداؤه على خلقه ، من أطاعهم أطاع الله ومن عصاهم عصى الله ، هم مع القرآن والقرآن معهم لا يفارقهم ولا يفارقونه

__________________

(١) كتاب سليم بن قيس ٢١٤ ، بتفاوت.

١٠٦

حتّى يردوا عليّ الحوض ، أوّل الأئمّة عليّ خيرهم ، ثمّ ابني الحسن عليه‌السلام ثمّ ابني الحسين عليه‌السلام ثمّ تسعة من ولد الحسين عليه‌السلام وأمّهم فاطمة ابنتي من بعدهم جعفر بن أبي طالب ابن عمّي وأخو أخي وعمّي حمزة بن عبد المطلّب ، أنا خير النبيّين والمرسلين وعليّ وابناه الأوصياء الحسن والحسين خير الوصيّين ، وأهل بيتي خير بيوتات النّبيّين وقال : ابنتي سيّدة نساء أهل الجنّة وابناي سيّدا شباب أهل الجنّة (١).

الخامس والأربعون : سليم بن قيس في كتابه عن عمر بن أبي سلمة أنّ معاوية دعا أبا مسلم الخولاني ونحن مع أمير المؤمنين عليه‌السلام بصفّين ودعا أبا هريرة فقال لهما : انطلقا إلى عليّ فأقرئاه السلام وقولا له : والله إنّك لأولى بالخلافة وأحق بها منّي لأنّك من المهاجرين ، وأنا ابن الطلقاء وليس لي مثل قرابتك من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وسابقتك وعلمك بكتاب الله وسنّة نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولقد بايعك المهاجرون والأنصار بعد ما تشاوروا فيك قبل ثلاثة أيّام ، ثمّ أتوك فبايعوك طائعين غير مكرهين ، وكان أوّل من بايعك طلحة والزّبير ثمّ نكثا ببيعتك وظلماك وطلبا ما ليس لهما بحقّ ، وأنا ابن عمّ عثمان والطالب بدمه، وبلغني أنّك تعتذر من قتله وتتبرأ من دمه وتزعم أنّه قتل وأنت قاعد في بيتك ، وأنّك قلت حين قتل واسترجعت : اللهم لم أرض ولم أمالئ ، وأنّك قلت يوم الجمل حين نادوا يا لثارات عثمان : كب الله اليوم قتلة عثمان على وجوههم في النّار أنحن قتلناه إنّما قتلته عائشة وصاحباها ـ يعنى طلحة والزّبير ـ وأمروا بقتله وأنا قاعد في بيتي ، فإن كان الأمر كما قلت فأمكنّا من قتلة عثمان وأدفعهم إلينا نقتلهم بابن عفّان ونبايعك ونسلّم الأمر إليك ، وقد أنبأتني عيوني وأتتني الكتب من أولياء عثمان ممّن يقاتل معك وتحسب أنّه على رأيك وراض بأمرك وهواه معنا وقلبه إلينا وجسده معك ، وأنّك تظهر ولاية أبي بكر وعمر وتترحّم عليهما ، وتكفّ عن عثمان ولا تذكره ولا تلعنه ولا تتبرّأ منه ، وبلغني عنك أنّك إذا خلوت ببطانتك الخبيثة وخاصّتك وشيعتك الضّالين المغيرة الكاذبة برئت عندهم من عمر وأبي بكر وعثمان ولعنتهم ، وادّعيت أنّك خليفة رسول الله ووصيّه ، وإنّ الله سبحانه فرض طاعتك على المؤمنين وأمر بولايتك في كتابه وسنّة نبيّه ، وإنّ الله عزوجل أمر محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يقوم بذلك في أمّته وإنّ الله أنزل (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) فجمع أمّته في غدير خمّ فبلّغ ما أمر به فيك عن الله وأمر أن يبلغ الشّاهد الغائب ، وأخبرهم إنّك أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأنّك منه بمنزلة هارون من موسى. (٢)

__________________

(١) كتاب سليم بن قيس ٢٣٥ بتفاوت.

(٢) كتاب سليم بن قيس ٢٨٩ ، بتفاوت غير مؤثر.

١٠٧

السادس والأربعون : سليم بن قيس الهلالي في كتابه في حديث طويل عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال: أيّها الناس إنّ مناقبي أكثر من أن تحصى أو تعد ما أنزل الله في كتابه من ذلك وما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، [أكتفي بها عن جميع مناقبي وفضلي ... سأل رسول الله] عن قوله : (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ).

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنزلها الله عزوجل في الأنبياء وأوصيائهم وأنا أفضل أنبياء الله ورسله ، وعليّ أخي ووصيّ أفضل الأوصياء ، فقام نحو من سبعين رجلا من أهل بدر كلّهم من الأنصار وبقيّة من المهاجرين منهم من الأنصار أبو الهيثم التيهان وخالد بن زيد أبو أيّوب الأنصاري ، ومن المهاجرين عمّار بن ياسر فقالوا : نشهد أنا سمعنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول ذلك ، قال : فأنشدكم الله في قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) وقال : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) وقال : (وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللهِ وَلا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً) ، فقال الناس : يا رسول الله أخاصّة لبعض المؤمنين أم عامّة لجميعهم؟ فأمر الله نبيّه أن يعلمهم ولاة أمرهم وأن يفسّر لهم من الولاية ما فسّر لهم من صلاتهم وزكاتهم وصومهم وحجّهم ، فنصبني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بغدير خم فقال : إنّ الله عزوجل أرسلنى برسالة ضاق بها صدري وظننت أن النّاس يكذبوني فأوعدني لأبلّغها أو ليعذّبني ، ثمّ نادى بأعلى صوته بعد ما أن نادى بالصّلاة جامعة فصلّى بهم الظّهر ثمّ قال : يا أيّها الناس إنّ الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم من كنت مولاه فعليّ مولاه اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه ، فقام إليه سلمان الفارسي فقال : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولاؤه كما ذا؟ فقال : ولاؤه كولايتي من كنت أولى به من نفسه فأنزل الله عزوجل (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) فقال سلمان : يا رسول الله هذه الآيات في عليّ خاصّة؟ فقال : نعم وفي أوصيائه يوم القيامة فقال سلمان : يا رسول الله سمهم لي ، فقال عليّ أخي ووزيري وخليفتي في أمّتي وولي كلّ مؤمن بعدي وأحد عشر إماما ابني الحسن وابني الحسين ثمّ التّسعة من ولده واحدا بعد واحد القرآن معهم وهم مع القرآن لا يفارقونه حتّى يردوا على الحوض. فقام اثني عشر رجلا من البدريين فشهدوا أنا سمعنا ذلك من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كما قلت سواء لم تزد فيه ولم تنقص منه ، وقال بقيّة السّبعين : قد سمعنا كما قلت ولم نحفظه كلّه وهؤلاء اثنا عشر خيارنا وأفضلنا ، فقال : صدقتم ليس كلّ إنسان يحفظ بعضهم أحفظ من بعض ، فقام من الاثني عشر أربعة : أبو التّيهان وأبو أيّوب الأنصاري وعمّار وخزيمة بن ثابت ذو الشّهادتين فقالوا : نشهد أنا قد حفظنا قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله

١٠٨

يومئذ وعلي قائم إلى جنبه : يا أيّها الناس انّ الله أمرني أن أنصب لكم إمامكم ووصيّي فيكم وخليفتي من أهل بيتي بعدي في أمّتي ، والذي فرض الله طاعته على المؤمنين في كتابه فأمركم فيه بولايته ، فراجعت ربّي خشية طعن أهل النفاق وتكذيبها فاوعدنى لأبلّغها أو ليعاقبنى ، يا أيّها الناس إنّ الله جلّ ذكره أمركم في كتابه بالصّلاة وقد بيّنتها لكم وسمّيتها والزكاة والصّوم والحجّ فبيّنته وفسّرته لكم وأمركم في كتابه بولايته ، وإنّي أشهدكم أيّها الناس إنّها خاصّة لعليّ وأوصيائي من ولدي وولده أوّلهم ابني حسن ثمّ ابني حسين ثمّ تسعة من ولد الحسين عليه‌السلام لا يفارقون الكتاب حتّى يردوا عليّ الحوض ، أيّها الناس قد أعلمتكم الهدى بعدي ووليّكم وإمامكم وهاديكم بعدي وهو أخي عليّ بن أبي طالب ، وهو فيكم بمنزلتى فيكم فقلّدوه واطيعوه في جميع اموركم ، فإنّ عنده جميع ما علّمني الله وأمرني أن أعلّمه إيّاه وأن أعلمكم أنّه عنده فسألوه وتعلموا منه ومن أوصيائه ولا تعلّموهم ولا تقدّموهم ولا تخلّفوا عنهم فإنّهم مع الحق والحق معه لا يزايلونه ولا يزايلهم ، فقال عليّ : أيّها الناس أتعلمون انّ الله أنزل في كتابه (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً).

فجمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فاطمة والحسن والحسين ونحن معه في كساء ، فقال : اللهمّ أحبّني وعترتي وخاصّتي وأهل بيتي فأذهب عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيرا ، فقالت أمّ سلمة : وأنا ، فقال : وأنت إلى خير إنّما أنزلت فيّ وفي أخي وابنتي وابني الحسن وابني الحسين وفي تسعة من ولد الحسين عليه‌السلام خاصّة ليس معنا اجلها ، فقام جلّهم فقالوا : نشهد انّ أمّ سلمة حدّثتنا ذلك ، فسألنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك فحدّثنا به كما حدّثتنا أم سلمة ، فقال عليّ : فانشدكم الله أتعلمون انّ الله أنزل (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) ، فقال سلمان : يا رسول الله أعامّة هي أم خاصّة؟ قال : أمّا المأمورون فالعامّة مع المؤمنين أمروا بذلك ، وأمّا الصّادقون فخاصّة لأخي عليّ ولأوصيائي من بعده إلى يوم القيامة، قال عليّ : فقلت لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في غزوة تبوك : يا رسول الله لم خلّفتني؟ فقال : إنّ المدينة لا تصلح إلّا لي أو لك وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا النبوّة فإنّه لا نبوّة بعدي

فقام رجال ممّن معه منّ المهاجرين والأنصار فقالوا : نشهد أنا سمعنا ذلك من رسول الله في غزوة تبوك.

السابع والأربعون : في كتاب سليم بن قيس الهلالي أنّه روى أبان عن سليم وعمر بن سلمة ـ حديثهما واحد هذا وذلك ـ قالا : قدم معاوية حاجّا في أمارته بعد ما قتل عليّ عليه‌السلام وبايعه الحسن ،

١٠٩

فاستقبله أهل المدينة ، فنظر فإذا الّذين استقبلوه من قريش أكثر من الأنصار ، فسأل عن ذلك فقالوا : إنّهم احتاجوا ليس لهم دواب ، قال : فأين نواضحهم قال قيس بن سعد بن عبادة وكان سيّد الأنصار وابن سيّدهم : أفنوها يوم بدر وأحد وما بعدهما من مشاهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حين ضربوا أباك على الإسلام حتّى ظهر أمر الله وأنتم كارهون يا معاوية ما تعيرنا بنواضحنا ، أما والله لقد لقيناكم عليها يوم بدر وأنتم جاهدون على إطفاء نور الله وأن تكون كلمة الشيطان هي العليا ، ثمّ دخلت أنت وأبوك في الدّين كرها كما ضربناكم عليه ، فقال معاوية : كأنّك تمن علينا بنصرتكم إيّانا فلله ولقريش بذلك المنّ والطول إذ جعلكم أنصارنا وأتباعنا فهداكم الله قال قيس : إنّ الله بعث محمّدا رحمة للعالمين إلى الناس كافّة إلى الانس والجنّ والأحمر والأسود واختاره لنبوته واختصه برسالته ، فكان أوّل من صدّق به وآمن به عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام يذبّ عنه ويمنع منه ويحول بين كفّار قريش وبين أن يردعوه ويؤذوه ، وأمره بتبليغ رسالات ربّه ، فلم يزل ممنوعا من الضّيم والاذى حتّى مات عمّه ، وأمر ابنه عليّ بن أبي طالب بمؤازرته ونصرته فآزره عليّ ونصره وجعل نفسه دونه في كلّ شديدة وكلّ ضيق وكلّ خوف ، فاختصّ بذلك عليّ من بين قريش وأكرمه بين جميع العرب والعجم ، فجمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جميع بني عبد المطلّب وهم يومئذ أربعون رجلا ، فدعاهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وخادمهم منهم يومئذ عليّ بن أبي طالب ، ورسوله يومئذ في حجر عمّه أبي طالب فقال : أيّكم يكون أخي ووزيري ووصيّي وخليفتي في أمّتي وولي كلّ مؤمن بعدي ، فسكت القوم حتّى أعادها ثلاث مرّات ، فقال عليّ عليه‌السلام : أنا يا رسول الله ، فوضع رسول الله يده على رأس عليّ عليه‌السلام فوضع رأسه في حجره ثمّ تفل في فيه فقال : اللهمّ املأ جوفه حكما وعلما وفهما.

فقال أبو لهب : يا أبا طالب اسمع الآن وأطع لابنك عليّ إذ جعله الله من نبيّه بمنزلة هارون من موسى ، وآخى بين الناس وآخى بينه وبين نفسه ، ولم يدع قيس بن سعد شيئا من مناقبه إلّا ذكرها وأحتجّ بها ، ومنهم أهل البيت جعفر بن أبي طالب الطيّار في الجنّة بجناحين اختصّه الله بذلك من بين الناس ، ومنهم حمزة سيّد الشّهداء ، ومنهم سيّدة نساء أهل الجنّة الطّاهرة المطهّرة الطيّبة المباركة ، فنحن في الله خير منكم يا معشر قريش وأحبّ إلى الله والى رسوله وأهل بيته منكم لقد قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فاجتمعت الأنصار إلى أبي بكر فقالوا : نبايع سعدا ، فجاءت قريش بحجة عليّ عليه‌السلام وأهل بيته وخاصمونا بحقّه وقرابته فما يعدوا قريش أن يكونوا ظلموا الأنصار أو ظلموا آل محمّد ، ولعمري ما لأحد من الأنصار ولا من قريش ولا من العرب ولا من العجم في الخلافة حق ولا نصيب مع عليّ بن أبي طالب وولده من بعده عليهم‌السلام ، فغضب معاوية وقال : يا ابن سعد عن من أخذت

١١٠

هذا؟ وعن من ترويه؟ وممّن سمعته ، أبوك حدّثك بهذا وعنه أخذت؟

فقال له قيس بن سعد : أخذته عن من هو خير من أبي وأعظم عليّ حقّا من أبي.

قال : من هو؟

قال : عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام أخذته من عالم هذه الأمّة وربّانيها وصديقها وفاروقها الذي أنزل الله فيه ما أنزل (قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) ، فلم يدع آية نزلت فيه إلّا ذكرها ، فقال معاوية : إنّ صدّيقها أبو بكر وفاروقها عمر والذي عنده علم الكتاب عبد الله بن سلام ، قال قيس : أحق بهذه الأسماء وأولى بها الذي أنزل الله فيه (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ) الذي أنزل الله فيه (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) والذي نصبه رسول الله بغدير خم ، فقال : من كنت أولى به من نفسه فعليّ أولى به من نفسه وقال في غزوة تبوك : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي الحديث. (١)

الثامن والأربعون : ابن بابويه قال : حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضى الله عنه قال : حدّثنا محمّد بن الحسن الصّفار عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن الحسين بن سعيد عن الحسين بن علوان عن الأعمش عن عباية الاسدي قال : كان عبد الله بن العبّاس جالسا على شفير زمزم يحدّث الناس فلمّا فرغ من حديثه أتاه رجل فسلم عليه ، ثمّ قال : يا عبد الله إنّي رجل من أهل الشّام ، فقال : أعوان كلّ ظالم إلّا من عصم الله منكم سل عمّا بدا لك ، فقال : يا عبد الله بن عبّاس إنّي أسألك عن من قتله عليّ بن أبي طالب من أهل لا إله إلّا الله لم يكفروا بصلاة ولا بحجّ ولا بصوم شهر رمضان ولا بزكاة؟

فقال له عبد الله : ثكلتك أمّك سل عمّا يعنيك ودع ما لا يغنيك ، فقال : ما جئتك أضرب إليك من حمص للحجّ ولا للعمرة ولكن أتيتك للشّرح في أمر عليّ بن أبي طالب وفعاله ، فقال له : ويلك إن علم العالم صعب ولا يحتمله ولا تقربه القلوب الصدئة ، أخبرك : أنّ عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام كان مثله في هذه الأمّة كمثل موسى والعالم عليهما‌السلام وذلك أنّ الله تبارك وتعالى قال في كتابه : (يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ) فكان موسى عليه‌السلام يرى أنّ جميع الأشياء تثبت له كما ترون أنتم ، وأن علمائكم قد اثبتوا جميع الأشياء ، فلمّا انتهى موسى ساحل البحر فلقي العالم فاستنطق موسى ليصل علمه ولا يحسده كما حسدتم أنتم عليّ بن أبي طالب فأنكرتم فضله ، فقال

__________________

(١) كتاب سليم بن قيس ٣١١ ـ ٣١٤.

١١١

له موسى : هل أتبعك على أن تعلمن مما علّمت رشدا؟ فعلم العالم أنّ موسى لا يطيق بصحبته ولا يصبر على علمه فقال له : إنّك لن تستطيع معي صبرا وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا ، فقال له موسى : ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا ، فعلم العالم أنّ موسى عليه‌السلام لا يصبر على علمه فقال : فإنّ اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتّى أحدث لك منه ذكرا ، قال : فركبا السّفينة فخرقها العالم فكان خرقها لله عزوجل رضى وسخط لموسى ، ولقي الغلام فقتله وكان قتله لله عزوجل رضا وسخط لذلك موسى، وأقام الجدار وكان أقامته لله عزوجل رضا وسخط موسى لذلك ، كذلك كان عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام لا يقتل إلّا من كان قتله لله رضا ولأهل الجهالة من الناس سخط ، أجلس حتّى أخبرك أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تزوّج زينب بنت جحش فأولم وكانت وليمته الحيس كان يدعو عشرة عشرة فكانوا إذا أصابوا طعام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله استأنسوا إلى حديثه واستغنموا النّظر إلى وجهه ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يشتهي أن يخففوا عنه فيخلو له المنزل لأنّه حديث عهد بعرس وكان يكره أذى المؤمنين له ، فأنزل الله عزوجل (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِ) ، فلمّا نزلت هذه الآية كان الناس إذا أصابوا طعام نبيّهم لم يلبثوا أن يخرجوا.

قال : فلبث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سبعة أيّام ولياليهن عند زينب بنت جحش ، ثمّ تحول إلى بيت أم سلمة بنت أبي أميّة وكان ليلتها وصبيحة يومها فلمّا تعالى النّهار انتهى عليّ عليه‌السلام إلى الباب فدقّه دقا خفيفا له ، عرف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله دقه وأنكرته أم سلمة فقال لها : يا أمّ سلمة قومي فافتحي له الباب ، فقالت : يا رسول الله من هذا الذي يبلغ من خطره أقوم فافتح له الباب وقد نزل فينا بالأمس ما قد نزل من قول الله عزوجل : (وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ) فمن هذا الذي بلغ من خطره أن استقبله بمحاسني ومعاصمي؟ قال : فقال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كهيئة المغضب : من يطع الرسول فقد أطاع الله قومي فافتحي له الباب فإنّ بالباب رجلا ليس بالخرق ولا بالنزق ولا بالعجول في أمره يحبّ الله ورسوله وليس بفاتح الباب حتّى يتوارى عنه الوطي فقامت أمّ سلمة وهي لا تدري من في الباب غير أنّها قد حفظت النّعت والمدح فمشت نحو الباب وهي تقول : بخ بخ لرجل يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله ، ففتحت له الباب قال : فأمسك بعضادتي الباب ولم يزل قائما حتّى خفي عليه الوطي ودخلت أمّ سلمة فقال : تعرفينه؟

قالت : نعم وهنيئا له هذا عليّ بن أبي طالب ، فقال : صدقت يا أمّ سلمة هذا عليّ بن أبي طالب

١١٢

لحمه من لحمي ودمه من دمي وهو منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي ، يا أمّ سلمة اسمعي وأشهدي هذا عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين وسيّد المسلمين وهو عيبة علمي وبابي الذي أوتى منه وهو الوصيّ على الأموات من أهل بيتي والخليفة على الأحياء من أمّتي وأخي في الدّنيا والآخرة وهو معي في السّنام الأعلى ، أشهدي يا أمّ سلمة واحفظي أنّه قاتل النّاكثين والقاسطين والمارقين ، فقال الشامي : فرجت عنّي يا عبد الله بن العبّاس أشهد أن عليّ بن أبي طالب مولاي ومولى كلّ مسلم (١).

وروى هذا الحديث صاحب كتاب المناقب الفاخرة في العترة الطّاهرة بإسناده المتّصل عن الأعمش عن عباية الاسدي عن ابن عبّاس عن أم سلمة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الحديث بطوله.

التاسع والأربعون : ابن بابويه قال : حدّثنا أحمد بن الحسن القطان قال : حدّثنا أبو سعيد الحسن بن عليّ بن الحسن السكري قال : حدّثنا أبو عبد الله محمّد بن زكريا بن دينار الغلابي قال : حدّثنا عليّ بن حكيم قال : حدّثنا الرّبيع بن عبد الله عن عبد الله بن الحسن عن محمّد بن عليّ عن أبيه عن جابر بن عبد الله الأنصاري.

قال الغلابي : وحدّثني شعيب بن واقد قال : حدّثني إسحاق بن جعفر بن محمّد عن الحسين بن عيسى بن زيد بن عليّ عن أبيه عليّ عليه‌السلام عن جابر بن عبد الله وقال الغلابى : وحدّثنا العبّاس بن بكّار قال : حدّثنا حرب بن ميمون عن أبي حمزة الثمالي عن زيد بن عليّ عن أبيه عليه‌السلام قال : لمّا ولدت فاطمةعليها‌السلام الحسن عليه‌السلام قالت لعلي عليه‌السلام : سمه ، قال : ما كنت لا سبق باسمه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله [فجاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله] فأخرج إليه في خرقة صفراء ، فقال : ألم أنهكم أن تلفّوه في خرقة صفراء ، ثمّ رمى بها وأخذ خرقة بيضاء فلفه فيها ، ثمّ قال لعليّ عليه‌السلام : هل سميته ، فقال : ما كنت لأسبقك باسمه ، فقال : وما كنت لأسبق ربّي عزوجل ، فأوحى الله تبارك وتعالى إلى جبرائيل عليه‌السلام أن ولد لمحمّد ابن فاهبط فأقرأه السلام وهنّه وقل له إنّ عليّ منك بمنزلة هارون من موسى فسمّه باسم ابن هارون ، فهبط جبرائيل عليه‌السلام فهنّاه من الله تعالى جلّ جلاله ثمّ قال : إن الله جل جلاله يأمرك أن تسمّيه باسم ابن هارون ، قال : وما كان اسمه؟ قال : شبيرا ، قال : لساني عربيّ ، قال : سمّه الحسين. (٢)

الخمسون : ابن بابويه بإسناده السّابق عن العبّاس بن بكار قال : حدّثنا عبّاد بن كثير وأبو بكر الذهلي عن ابن الزّبير عن جابر قال : لمّا حملت فاطمة بالحسن فولدت ، وقد كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أمرهم

__________________

(١) علل الشرائع : ١ / ٦٤ / ح ٣.

(٢) علل الشرائع : ١ / ١٣٧ / ح ٥ ، وقد أنقص منه في الكتاب قصة تسمية الحسن عليه‌السلام.

١١٣

أن يلفوه في خرقة بيضاء فلفّوه في صفراء ، وقالت فاطمة عليها‌السلام : يا عليّ سمّه ، فقال : ما كنت لأسبق باسمه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فجاء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فأخذه وقبّله وأدخل لسانه في فيه وجعل الحسن عليه‌السلام يمصه ثمّ قال لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ألم أتقدّم إليكم أن لا تلفّوه في خرقة صفراء فدعا بخرقة بيضاء فلفّه فيها ورمى الصّفراء : وأذّن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى ، ثمّ قال لعليّ عليه‌السلام : ما سمّيته؟

قال : ما كنت لأسبقك باسمه ، فأوحى الله تعالى عزّ ذكره إلى جبرائيل عليه‌السلام أنّه قد ولد لمحمّد ابن فاهبط إليه فاقرأه السلام فهنّئه منّي ومنك وقل له : إنّ عليّا منك بمنزلة هارون من موسى فسمّه باسم ابن هارون ، قال : ما كان اسمه؟ قال : شبر ، قال : لساني عربي ، قال : سمّه الحسن ، فسمّاه الحسن ، فلمّا ولد الحسين جاء إليهم النبيّ ففعل به كما فعل بالحسن عليه‌السلام ، وهبط جبرائيل عليه‌السلام على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : إنّ الله تبارك وتعالى يقرئك السلام ويقول لك : إنّ عليّا منك بمنزلة هارون من موسى فسمّه باسم ابن هارون ، قال : وما كان اسمه؟ قال : شبيرا ، قال : لساني عربي ، قال : فسمّه الحسين فسمّاه الحسين. (١)

الحادي والخمسون : حدّثنا المظفّر بن جعفر بن المظفّر العلوي رحمه‌الله قال : حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسعود عن أبيه قال : حدّثنا نصر بن أحمد البغدادي قال : حدّثنا عيسى بن مهران قال : حدّثنا محول قال : أخبرنا عبد الرّحمن بن الاسود عن محمّد بن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه وعمّه عن أبيهما عن أبي رافع قال : انّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خطب الناس فقال : أيّها الناس إنّ الله عزوجل أمر موسى وهارون أن يبنيا لقومهما بمصر بيوتا وأمرهما أن لا يبيت في مسجدهما جنب ولا يقرب فيه النساء إلّا هارون وذرّيته وإنّ عليّا منّي بمنزلة هارون من موسى ، فلا يحلّ أن يقرب النساء في مسجدي ولا يبيت فيه جنب إلّا عليّ وذرّيّته فمن ساءه ذلك فههنا وضرب بيده نحو الشّام.

الثاني والخمسون : ابن بابويه قال : حدّثنا المظفّر بن جعفر بن المظفّر العلوي قال : حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسعود عن أبيه قال : حدّثنا نصر بن أحمد البغدادي قال : حدّثنا محمّد بن عبيد بن عتبة قال : حدّثنا إسماعيل بن أبان عن سالم بن أبي عمرة عن معروف بن خربوذ عن أبي الطفيل عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال : إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قام خطيبا فقال : إنّ رجالا لا يجدون في أنفسهم أن أسكّن عليّا في المسجد وأخرجهم ، والله ما أخرجتهم وأسكنته ، بل الله أخرجهم وأسكنه إنّ الله عزوجل أوحى إلى موسى وأخيه أن ابنوا لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلاة ، ثمّ أمر موسى أن لا يسكن مسجده ولا ينكح فيه ولا يدخله جنب إلّا هارون

__________________

(١) علل الشرائع : ١ / ١٣٨ / ح ٧.

١١٤

وذرّيّته ، وإنّ عليّا منّي بمنزلة هارون من موسى وهو أخي دون أهلي ولا يحلّ لأحد أن ينكح فيه النساء إلّا عليّ وذرّيته فمن ساءه فهاهنا وأشار بيده نحو الشّام. (١)

الثالث والخمسون : ابن بابويه بإسناده في حديث طويل قال : لمّا قدم معاوية دخل إليه سعد ـ يعنى سعد بن أبي وقّاص ـ فقال : يا أبا إسحاق ما الذي منعك أن تعينني على الطّلب بدم المظلوم ـ يعني عثمان ـ فقال : ما كنت أقاتل معك عليّا وقد سمعت رسول الله يقول له أنت منّي بمنزلة هارون من موسى ، قال : أنت سمعت هذا من رسول الله؟ قال : نعم وإلّا صمّتا ، قال : أنت الآن أقل عذرا في القعود عن النّصرة فو الله لو سمعت هذا من رسول الله ما قاتلته ، وقد أحال فقد سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لعليّ عليه‌السلام أكثر من ذلك فقاتله وهو بعد مفارقته الدنيا يلعنه ويشتمه ، ويرى أنّ ملكه وثبات قدرته بذلك لأنّه أراد أن يقطع عذر سعد عن القعود عن نصرته والله المستعان. (٢)

الرابع والخمسون : ما حكاه الشّيخ المفيد في كتاب العيون والمحاسن قال : دخل ضرّار بن عمرو الضبّي على يحيى بن خالد البرمكي فقال له : يا أبا عمر هل لك في مناظرة رجل هو ركن الشّيعة؟ فقال ضرّار : هلم من شئت ، فبعث إلى هشام بن الحكم رضى الله عنه فأحضره فقال له : يا أبا محمّد هذا ضرار وهو من قد علمت في الكلام والخلاف لك فكلّمه في الإمامة ، فقال : نعم ثمّ أقبل على ضرّار فقال : يا أبا عمرو خبّرني على ما تجب الولاية والبراءة على الظّاهر أم على الباطن؟

فقال ضرّار : بل على الظّاهر فإنّ الباطن لا يدرك إلّا بالوحي.

قال هشام : صدقت ، فخبرنى الآن أي الرّجلين كان أذبّ عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالسّيف والقتل لأعداء الله تعالى بين يديه ، وأكثر ثوابا وآثارا في الجهاد أعليّ بن أبي طالب عليه‌السلام أم أبو بكر؟

فقال : عليّ بن أبي طالب ولكن أبو بكر كان أشدّ يقينا ، قال : هشام هذا هو الباطن الذي تركنا الكلام فيه وقد اعترفت لعلي عليه‌السلام بظاهر علمه فوجب لعليّ من الولاية ما لم يجب لأبي بكر ، فقال ضرّار : هذا هو الظّاهر نعم ، ثمّ قال له هشام : أفليس إذا كان الظّاهر مع الباطن فهو الفضل الذي لا يدفع؟

فقال ضرّار : بلى.

فقال له هشام : ألست تعلم أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعليّ عليه‌السلام : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي.

فقال ضرّار : بلى.

__________________

(١) علل الشرائع : ١ / ٢٠٢ / ح ٣.

(٢) علل الشرائع : ١ / ٢٢٢ / باب ١٦٠.

١١٥

فقال له هشام : أفيجوز أن يقول له هذا القول وهو عنده في الباطن غير مؤمن؟

قال : لا.

فقال له هشام : فقد صحّ لعليّ عليه‌السلام ظاهره وباطنه ولم يصحّ لصاحبك لا ظاهر ولا باطن (١).

الخامس والخمسون : محمّد بن يعقوب عن محمّد بن عليّ بن معمّر عن محمّد بن عليّ بن عكاية التميمي عن الحسين بن النّضر الفهري عن أبي عمرو الاوزاعي عن عمرو بن شمر عن جابر بن يزيد عن أبي جعفر عليه‌السلام عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في خطبة له عليه‌السلام قال : إنّ الله تبارك وتعالى اسمه امتحن بي عباده وقتل بي أضداده وأفنى بسيفي جحّاده وجعلني زلفة للمؤمنين وحياض موت على الجبّارين وسيفه على المجرمين ، وشدّ بي أزر رسوله وأكرمني بنصره وشرفني بعلمه وحبّاني بأحكامه واختصّني بوصيّته واصطفاني بخلافته في أمّته فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد حشده المهاجرون والأنصار وانفضّت بهم المحافل : أيّها الناس إنّ عليّ منّي كهارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي ، فعقل المؤمنون عن الله نطق الرسول إذ عرفوه أنّي لست بأخيه لأبيه وأمّه كما كان هارون آخى لموسى لأبيه ، ولا كنت نبيّا فاقتضي نبوّة ولكن كان ذلك منه استخلافا لي كما استخلف موسى هارون عليه‌السلام حيث يقول : (اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ).

وقوله حين تكلّمت طائفة فقالت : نحن موالي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، إلى حجّة الوداع ثمّ صار إلى غدير خم فأمر فأصلح له شبه المنبر ثمّ علاه وأخذ بعضدي حتّى رئي بياض إبطيه رافعا صوته قائلا في محفله ، من كنت مولاه فعليّ مولاه اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه وكانت على ولايتي ولاية الله وعلى عداوتي عداوة الله وأنزل الله عزوجل في ذلك (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) ، فكانت ولايتي كمال الدّين ورضى الرّبّ جلّ ذكره ، فأنزل تبارك وتعالى اختصاصا لي وتكرما نحّلنيه وإعظاما وتفضّلا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله منحنيه وهو قوله : (ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ) في مناقب لو ذكرتها لعظم بها الارتفاع وطال لها الاستماع ولئن تقمصها دوني الأشقيان ونازعاني فيما ليس لهما بحقّ وركباها ضلالة واعتقداها جهالة ، فلبئس ما عليها وردا ولبئس ما لأنفسهما ، فهذا يتلاعنان في دورهما ويبرأ كلّ منهما من صاحبه ، يقول لقرينه : إذا التقيا (يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ) فيجيبه الأشقى على رثوثة : يا ليتني لم اتّخذك (خَلِيلاً لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولاً) ، فأنا الذّكر الذي عنه ضلّ والسّبيل الذي عنه

__________________

(١) الفصول المختارة للشيخ المفيد ٢٨.

١١٦

مال والإيمان الذي به كفر والقرآن الذي إيّاه هجر والدّين الذي به كذب والصّراط الذي عنه نكب ، ولإن وقعا في الحطام المنصرم والغرور المنقطع وكانا منه على شفا حفرة من النّار لهما على شر ورود في أخيب وفود وألعن مورود ، يتصارخان باللعنة ، يتناقعان بالحسرة ما لهما من راحة ولا عن عذابهما مندوحة ، إنّ القوم لم يزالوا عبّاد أصنام وسدنة أوثان يقيمون لها المناسك وينصبون لها العتائر ويتّخذون لها القربان ويجعلون لها البحيرة والوصيلة والسّائبة والحام ويستقسمون بالأزلام ، عامهين عن الله عزّ ذكره حائرين عن الرّشاد ومهطعين إلى البعاد ، قد استحوذ عليهم الشيطان وغمرتهم سوداء الجاهلية ورضعوها جهالة وانفطموها خلاله ، فأخرجنا الله إليهم رحمة وأطلعنا عليهم رأفة واسفر بنا على الحجب نورا لمن اقتبسه وفضلا لمن اتبعه وتأييدا لمن صدّقه والحديث طويل. (١)

السادس والخمسون : ابن بابويه قال : حدّثنا أبي رضى الله عنه قال : حدّثنا عبد الله بن الحسن المؤدّب قال : حدّثنا أحمد بن عليّ الاصبهاني عن إبراهيم بن محمّد الثقفي قال : حدّثنا جعفر بن الحسن عن عبيد الله بن موسى العبسي عن محمّد بن عليّ السّلمي عن عبد الله بن محمّد بن عقيل عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : لقد سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول في عليّ خصالا لو كانت واحدة منها في جميع الناس لاكتفوا بها فضلا قوله عليه‌السلام : من كنت مولاه فعليّ مولاه ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : عليّ منّي كهارون من موسى ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : عليّ منّي وأنا منه ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : عليّ منّي كنفسي طاعته طاعتي ومعصيته معصيتي ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : حرب عليّ حرب الله وسلم عليّ سلم الله ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولي عليّ ولي الله وعدوّ عليّ عدوّ الله ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : عليّ حجّة الله وخليفته على عباده ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حبّ عليّ إيمان وبغضه كفر ، وقوله : حزب عليّ حزب الله وحزب أعدائه حزب الشيطان ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : عليّ مع الحق والحق معه لا يفترقان حتّى يردا عليّ الحوض ، وقوله عليه‌السلام : عليّ قسيم الجنّة والنّار وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم: من فارق عليّا فقد فارقني ومن فارقني فارق الله عزوجل ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : شيعة عليّ هم الفائزون يوم القيامة. (٢)

السابع والخمسون : ابن بابويه قال : حدّثنا عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس النيشابوري بنيشابور في شعبان سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة قال : حدّثنا عليّ بن محمّد بن قتيبة النّيشابوري عن الفضل بن شاذان قال : سأل المأمون عليّ بن موسى الرّضا عليه‌السلام أن يكتب له محض الإسلام على الايجاز والاختصار فكتب إليه عليه‌السلام : إن محض الإسلام شهادة أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له إلها

__________________

(١) الكافي : ٨ / ٢٦ / ح ٤.

(٢) أمالي الصدوق ١٤٩ / مجلس ٢٠ / ح ١.

١١٧

واحدا أحدا صمدا قيّوما سميعا بصيرا قديرا قديما عالما ، لا يجهل قادرا لا يعجز غنيا لا يحتاج عدلا لا يجور وأنّه خالق كلّ شيء وليس كمثله شيء وهو السّميع البصير ، لا شبه له ولا ضدّ له ولا ندّ ولا كفوا، وأنّه المقصود بالعبادة والدّعاء والرّهبة ، وأنّ محمّدا عبده ورسوله وأمينه وصفوته وصفيّه من خلقه وسيّد المرسلين وخاتم النبيّين وأفضل العالمين ولا نبيّ بعده ولا تبديل لملّته ولا تغيّر لشريعته ، وأنّ جميع ما جاء به محمّد بن عبد الله هو الحق المبين والتصديق بجميع ما مضى قبله من رسل الله وأنبيائه وحججه ، والتّصديق بكتابه الصّادق العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ، وأنّه المهيمن على الكتب كلّها وأنّه حق من فاتحته إلى خاتمته ، يؤمن بمحكمه ومتشابهه وخاصّه وعامّة ووعده ووعيده وناسخه ومنسوخه وقصصه وأخباره لا يقدر أحد من المخلوقين أن يأتي بمثله ، وأنّ الدّليل بعده والحجّة على المؤمنين والقائم بأمر المرسلين والناطق عن القرآن والعالم بأحكامه أخوه وخليفته ووليه الذي كان منه بمنزلة هارون من موسى عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين وإمام المتّقين وقائد الغرّ المحجلين وأفضل الوصيّين ووارث علم النبيين والمرسلين ، وبعده الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة ، ثمّ عليّ بن الحسين زين العابدين ، ثمّ محمد بن عليّ باقر علم النبيين ، ثمّ جعفر بن محمد الصّادق وارث علم الوصيّين ، ثمّ موسى بن جعفر الكاظم ، ثمّ عليّ بن موسى الرّضا ، ثمّ محمّد بن عليّ ، ثمّ عليّ بن محمّد ، ثمّ الحسن بن عليّ ، ثمّ الحجّة القائم المنتظر المهدي ولده صلوات الله عليهم أجمعين ، أشهد لهم بالإمامة والوصيّة وأنّ الأرض لا تخلو من حجّة الله على خلقه في كلّ عصر وأوان ، وأنّهم العروة الوثقى وأئمّة الهدى والحجّة على أهل الدّنيا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، وأنّ كلّ من خالفهم ضال مضلّ تارك للحقّ ، وأنّهم المعبّرون عن القرآن والنّاطقون عن الرّسل صلوات الله عليهم بالبيان ، ومن مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهليّة ، ومن دينهم الورع والفقه والصّدق والصلاح والاستقامة والاجتهاد وأداء الأمانة إلى البرّ والفاجر ، وطول السّجود وصيام النّهار وقيام الليل واجتناب المحارم وانتظار الفرج بالصّبر وكرم الصّحبة ، ثمّ ذكر صفّة الوضوء وساق الحديث في الفقه (١).

الثامن والخمسون : السيّد الأجل أبو القاسم عليّ بن موسى بن جعفر بن طاوس في الطرائف الثّلاث والثلاثين في النصّ على أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام بالامامة والخلافة والوصيّة قال : الطرفة العاشرة في تصريح النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عند الوفاة بخلافة عليّ عليه‌السلام على الصّغار والكبار وجميع

__________________

(١) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ١ / ١٢٩ / ب ٣٥ / ح ١.

١١٨

أهل الأمصار بمحضر الأنصار ، عن أبي الحسن موسى بن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام قال : لمّا حضرت رسول الله الوفاة دعا الأنصار وقال : يا معاشر الأنصار قد حان الفراق وقد دعيت وأنا مجيب الدّاعي ، وقد جاورتم فأحسنتم الجوار ونصرتم فأحسنتم النصرة وواسيتم في الأموال ووسعتم في المسكن وبذلتم لله مهج النفوس والله مجزيكم بما فعلتم الجزاء الأوفى ، وبقيت واحدة وهي تمام الأمر وخاتمة العمل ، العمل معها مقرون جميعا ، إنّي أرى أن لا أفرّق بينهما جميعا لو قيس بينهما بشعرة ما انقاست ، من أتى بواحدة وترك الاخرى كان جاحدا للأولى ولا يقبل الله منه عملا من الأعمال.

قالوا : يا رسول الله أين لنا نعرفها فلا نمسك عنها فنضل ونرتد عن الإسلام والنّعمة من الله ورسوله علينا ، فقد أنقذنا الله بك من الهلكة يا رسول الله قد بلغت ونصحت وأدّيت وكنت بنا رءوفا رحيما شفيقا مشفقا فما هي يا رسول الله؟

قال لهم : كتاب الله وأهل بيتي فإنّ الكتاب هو القرآن ففيه الحجّة والنور والبرهان كلام الله جديد غض طري وشاهد وحاكم عادل ولنا قائد بحلاله وحرامه وأحكامه يقوم به غدا فيحاج به أقواما فنزلّ أقدامهم عن الصّراط ، واحفظوني معاشر الأنصار في أهل بيتي فإنّ اللطيف الخبير قال : إنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ، ألا وإن الإسلام سقف تحته دعامة ولا يقوم السّقف إلّا بها فلو أنّ أحدكم أتى بذلك السّقف ممدودا لا دعامة تحته فأوشك أن يخر عليه سقفه فيهوي في النّار ، أيّها الناس الدّعامة دعامة الإسلام وذلك قوله تعالى (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) فالعمل الصّالح طاعة الإمام ولي الأمر والتمسّك بحبل الله أيّها الناس أفهمتم؟ الله ، الله في أهل بيتي مصابيح الظلم ومعادن العلم وينابيع الحكم ومستقرّ الملائكة ، منهم وصيّي وأميني ووارثي منّي بمنزلة هارون من موسى ألا هل بلغت؟ والله يا معاشر الأنصار ألا فاسمعوا ألا إن باب فاطمة بابي وبيتها بيتي فمن هتكه هتك حجاب الله ، قال عيسى ـ يعني راوي الحديث ـ : فبكى أبو الحسن صلوات الله عليه طويلا وقطع عنه بقيّة الحديث وأكثر البكاء وقال : هتك حجاب الله هتك والله حجاب الله هتك والله حجاب الله يا أماه صلوات الله عليها (١).

التاسع والخمسون : الشيخ أحمد بن عليّ بن أبي منصور الطبرسي في كتاب الاحتجاج عن أبان ابن تغلب قال : قلت لأبي عبد الله جعفر بن محمّد الصادق عليه‌السلام : جعلت فداك هل كان أحد في أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنكر على أبي بكر فعله وجلوسه مجلس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟

__________________

(١) لم أجده في كتاب الطرائف لابن طاوس ، نعم نقله عنه العلامة المجلسي في كتاب الطرف ، انظر البحار : ٢٢ / ٤٧٦ / ح ٢٧.

١١٩

فقال : نعم كان الذي أنكر على أبي بكر اثنا عشر رجلا من المهاجرين : خالد بن سعد بن العبّاس وكان من بني أميّة وسلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري والمقداد بن الاسود وعمّار بن ياسر وبريدة الأسلمي ، ومن الأنصار أبو الهيثم بن التيهان وسهل وعثمان ابنا حنيف وحزيمة بن ثابت ذو الشّهادتين وأبي بن كعب وأبو أيّوب الأنصاري ، قال : فلمّا صعد أبو بكر المنبر تشاوروا بينهم فقال بعضهم لبعض: والله لتأتينّه ولتنزلنّه عن منبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقال الآخرون منهم : والله لئن فعلتم ذلك إذا لعنتم على أنفسكم وقد قال الله عزوجل : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) فانطلقوا بنا إلى أمير المؤمنين لنستشيره ونستطلع رأيه ، فانطلق القوم إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام بأجمعهم فقالوا : يا أمير المؤمنين تركت حقّا أنت أحق به وأولى منه لأنّا سمعنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : عليّ مع الحق والحق مع عليّ يميل مع الحق كيف مال ، ولقد هممنا أن نصير إليه فننزله عن منبر رسول الله فجئنا نستشيرك ونستطلع رأيك فيما تأمرنا ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : وأيم الله لو فعلتم ذلك فما كنتم لهم إلّا حربا ولكنّكم كالملح في الزّاد وكالكحل في العين ، وأيم الله لو فعلتم ذلك لأتيتموني شاهرين بأسيافكم مستعدين للحرب والقتال إذن لأتوني ، فقالوا لي : بايع وإلّا قتلناك فلا بدّ أن أدفع القوم عن نفسي وذلك انّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أوعز لي قبل وفاته قال : يا أبا الحسن انّ الأمّة ستغدر بك من بعدي وينقض فيك عهدي وإنّك منّي بمنزلة هارون من موسى ، وإنّ الأمّة الهادية من بعدي بمنزلة هارون ومن تبعه ، والأمّة الضالة من بعدي بمنزلة السّامري ومن اتّبعه ، فقلت يا رسول الله : فما تعهد إلي إذا كان ذلك ، قال : إذا وجدت أعوانا فبادر إليهم وجاهدهم وإن لم تجد أعوانا كفّ يدك وأحقن دمك حتّى تلحق بي مظلوما والحديث طويل (١).

الستون : الطبرسي في الاحتجاج أيضا عن جعفر بن محمّد الصادق عليه‌السلام عن أبيه عن آبائهعليهم‌السلام قال : خطب الناس سلمان الفارسي رضى الله عنه بعد إذ دفن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بثلاثة أيّام فقال فيها : ألا يا أيّها الناس اسمعوا عنّي حديثي ثمّ اعقلوه عني ألا إني أوتيت علما كثيرا فلو حدّثتكم بكلّ ما أعلم من فضائل أمير المؤمنين صلوات الله عليه لقالت طائفة منكم هو مجنون ، وقالت طائفة اخرى اللهمّ اغفر لقاتل سلمان ألا أنّ لكم منايا تتبعها بلايا ألا وإن عند عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه علم المنايا والبلايا وميراث الوصايا وفصل الخطاب وأصل الانساب على منهاج هارون بن عمران من موسىعليهما‌السلام إذ يقول له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنت وصيي في أهل بيتي وخليفتي في أمّتي وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى ، ولكنّكم أخذتم سنّة بني إسرائيل فأخطأتم الحق وأنتم تعلمون فلا

__________________

(١) الاحتجاج : ١ / ٩٧.

١٢٠