تفسير من وحي القرآن - ج ١١

السيد محمد حسين فضل الله

تفسير من وحي القرآن - ج ١١

المؤلف:

السيد محمد حسين فضل الله


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الملاك
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٩٨

الواجبة ، كالزكاة ، في ما تعبّر عنه من مضمون روحيّ يتصل بالواقع التربويّ الداخليّ للإنسان إلى جانب الواقع الاجتماعي. وذلك هو أسلوب الإسلام في عملية التغيير ، فهو يعمل على أن لا يتحوّل التشريع إلى مجرد تقليد عاديّ ، تقتصر مهمته على الجانب المادي في سدّ حاجة المحرومين من الناس ، بل يريده حركة تتصل بالعمق الروحيّ للإنسان ، ليتغيّر الوجه الخارجي للمجتمع من موقع تغيير الداخل ، ولهذا اعتبر الفقهاء الضرائب المالية كالزكاة ، عبادة لا بد للإنسان من أن يقصد بها التقرب إلى الله ، كما هي الصلاة ، مما يوحي بأن الإسلام يؤكد على عباديّة العطاء ، كعمل يتحرك في الحياة الاجتماعية باسم الله.

* * *

الزكاة تطهير للنفس

(خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ) في ما تمثله الصدقة من التغلّب على كل العوامل السلبيّة من الأنانية والأثرة والبخل والقسوة التي تمثل لونا من ألوان القذارة الروحيّة التي يعيش فيها الإنسان المشاعر العفنة (وَتُزَكِّيهِمْ بِها) في ما توحي به من التخلص من حالة الجدب الروحي الذي يمنع الإنسان من النموّ في اتجاه السموّ والانطلاق ، ليحل محله الخصب الذي تخضرّ فيه المشاعر وتتنامى ، لتبدع الإنسان الجديد في الخط الجديد (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ) أي ادع لهم بالرزق والطمأنينة والأمن من خلال ما تعطيه الصلاة من معنى الدعاء (إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ) لأنّها تمنحهم الشعور بالثقة في مواجهة كل عوامل الضعف التي تهزّ الإنسان وتشدّه إلى الأرض ليخلد إليها ، لما يعيشونه من الإحساس بالقرب من الله الذي يتفضل عليهم بلطفه ورحمته وعفوه وغفرانه ، من خلال

٢٠١

دعاء النبي لهم بما يمثله النبيّ من روحيّة سامية متصلة بالله قريبة إليه. وأيّ سكينة أعظم من السكينة التي يعيشها الإنسان في رحاب الله من خلال رسوله ، حيث كل الحياة لله في الأفق الأعلى في أجواء القدس والملكوت ، (وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) يسمع الدعاء فيستجيب له ، ويعلم عمق الإخلاص في الإنسان ، فيرحمه ويعفو عنه ويشمله بلطفه ورضوانه.

(أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ) فهو الذي خلقهم وعرف مكامن الضعف في نفوسهم وعرف كيف يتساقطون أمام التجربة الصعبة من خلال نوازعهم الذاتية ، فأراد لهم أن يتراجعوا عن الانحراف ويأخذوا بأسباب القوّة من جديد ، لتستقيم لهم الشخصية الإنسانية التقيّة المؤمنة ، ففتح لهم باب التوبة ، بأوسع مجالاته ، ودعاهم إليها ، ووعدهم بقبولها والاستجابة لها ، ووجّههم إلى الانفتاح على هذا الجانب من العقيدة ، في آفاق المعرفة ، ليعلموا سعة رحمته ، وعظيم عفوه ، لئلا يسقطوا في عقدة المعصية أمام وهدة اليأس. (وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ) التي يقدمونها في سبيله ، من أجل الحصول على رضاه. وقد ورد في بعض الكلمات المأثورة : «إن الصدقة لا تقع في يد العبد حتى تقع في يد الرب» (١) ، لأن معنى الإنفاق في سبيل الله ، يوحي بانطلاق العطاء له ، فهو الغاية في ذلك كله ، وهو الذي يجزي المعطي عوض عمله (وَأَنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) الذي لا يرد تائبا عن ساحته ولا يمنع مذنبا عن رحمته.

* * *

__________________

(١) البحار ، م : ٣٤ ، ج : ٩٣ ، ص : ٨٣ ، باب : ١٤ ، رواية : ٥٢.

٢٠٢

الدعوة إلى العمل

ثم يطرح الشعار الذي أراد الله للإنسان أن يحمله كعنوان للمسيرة كلها ، بعيدا عن كل أجواء الاستعراض والمباهاة والكلمات المنفتحة غير المسؤولة : (وَقُلِ اعْمَلُوا) فقد جعل الله العمل أمانة في عنق الإنسان ، لأنه هو الذي يؤكد صدق الإيمان وجدّيته ، وهو الذي يحقق للحياة نموّها ومصداقيتها وتقدّمها ، وهو الذي يجعلها تتحرك في اتجاه التغيير ، (فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ) بسبب ما يطّلع عليه من خفايا عباده وظواهرهم (وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) من خلال ما يتابعون به المسيرة من رعاية وعناية وتقييم.

* * *

معنى أن يرى الله

وربّما حاول البعض أن يتعمّق في معنى الرؤية كما نقل عن محيي الدين ابن العربي في الجزء الرابع من «الفتوحات المكيّة» وتلخيصه ـ كما جاء في تفسير الكاشف ـ : إن معنى الرؤية يختلف باختلاف الرائي ، فمعنى الرؤية من الله للشيء أن يحيط به علما من جميع جهاته ، ومعناها من الرسول أن يعلم الشيء المرئيّ من وجهة الوحي الذي نزل عليه ، ومعناها من المؤمن العارف أن يعلمه بقدر ما علم وفهم من الوحي المنزل على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. ويتابع صاحب التفسير توضيحه للفكرة فيقول : «وعلى هذا ، فمن عمل لله ، فإن الله يعلم حقيقة عمله ، ويرضى عنه ، والرسول يعلم أيضا أنّ هذا العمل مرضيّ عند الله ، والمؤمن العارف يعلم أنّه مرضيّ عند الرسول ، والنتيجة الحتمية لذلك أن من يعمل صالحا فهو مرضيّ عند الله ورسوله والمؤمنين ..» (١).

__________________

(١) مغنية ، محمد جواد ، التفسير الكاشف ، دار العلم للملايين ، ط : ٤ ، ١٩٩٠ م ، م : ٤ ، ص : ٩٨ ـ ٩٩.

٢٠٣

ولكننا لا نحسب أن المسألة تحتاج إلى مثل هذا التحليل ، أو أنها تتجه هذا الاتجاه في تفسير الآية ، فإن الظاهر منها الدعوة إلى العمل تحت رقابة الله والرسول والمؤمنين ، في ما يمثله ذلك من تعميق الإحساس بالمسؤولية في حركة العمل في نفس الإنسان من خلال وعيه للرقابة الشاملة من جميع الجوانب ، وربما يؤيّد هذا المعنى الفقرة التالية : (وَسَتُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) الذي أحاط بكل شيء علمه ، في ما يخفيه الإنسان أو يظهره (فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) لأن النبي والمؤمنين إذا رأوا الأعمال ، فإنهم لا يملكون الحكم عليها وعلى أهلها ، فالله هو الحاكم في عملية التقييم ، لأنه المطّلع على خفايا الأمور وبواطنها.

* * *

المرجون لأمر الله

(وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ) فلم يحسم أمرهم ، وتركهم لإرادته في يوم القيامة ، فأخّر إعلان الحكم عليهم إلى وقت مّا (إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ) لأنهم مارسوا ما قد يستحقون العقاب عليه ، في الوقت الذي يملكون فيه بعض الصفات أو الأفعال التي قد تؤهلهم للمغفرة لهم والتوبة عليهم. وقد قيل إنها نزلت في قوم تخلّفوا عن النبي في غزوة تبوك فلم يخرجوا معه ، ثم ندموا على ذلك ، ولكن سبب النزول ـ لو صحّت روايته ـ لا يمثّل حدود الآية في خصوصيته ، بل يمثل المنطلق الذي انطلقت الآية منه لتتسع في كل مورد مماثل (وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) عند ما يعذّب أو يعفو ، فهو يعلم المصلحة هنا أو هناك ويتصرف بالحكمة في هذا أو ذاك.

* * *

٢٠٤

الآيات

(وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلاَّ الْحُسْنى وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (١٠٧) لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (١٠٨) أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللهِ وَرِضْوانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠٩) لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (١١٠)

* * *

معاني المفردات

(ضِراراً) : الضرار : هو طلب الضرر ومحاولته.

(وَإِرْصاداً) : ارتقابا.

٢٠٥

(شَفا جُرُفٍ) : حرفه ونهايته ، يضرب به المثل في القرب من الهلاك.

* * *

مناسبة النزول

جاء في مجمع البيان : قال المفسرون : إن بني عمرو بن عوف اتخذوا مسجد قباء ، وبعثوا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يأتيهم ، فأتاهم وصلّى فيه ، فحسدهم جماعة من المنافقين من بني غنم بن عوف فقالوا : نبني مسجدا فنصلي فيه ولا نحضر جماعة محمد ، وكانوا اثني عشر رجلا ، وقيل خمسة عشر رجلا ، منهم ثعلبة بن حاطب ومعتّب بن قشير ونبتل بن الحرث ، فبنوا مسجدا إلى جنب مسجد قباء. فلما فرغوا منه ، أتوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يتجهّز إلى تبوك فقالوا : يا رسول الله إنّا قد بنينا مسجدا لذي العلة والحاجة والليلة الممطرة والليلة الشاتية ، وإنا نحب أن تأتينا فتصلي فيه لنا وتدعو بالبركة ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إني على جناح سفر ولو قدمنا أتيناكم ، إن شاء الله ، فصلّينا لكم فيه ، فلما انصرف رسول الله من تبوك نزلت عليه الآية في شأن المسجد ... قال : فوجّه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلّم عند قدومه من تبوك عاصم بن عوف العجلاني ومالك بن الدخشم ، وكان مالك من بني عمرو بن عوف ، فقال لهما : انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدماه واحرقاه ، وروي أنه بعث عمار بن ياسر ووحشيّا ، فحرّقاه ، وأمر بأن يتخذ كناسة يلقى فيها الجيف (١).

* * *

__________________

(١) مجمع البيان ، ج : ٥ ، ص : ٩٤ ـ ٩٥.

٢٠٦

مسجد ضرار والقيمة الحقيقية للمسجد

إن قيمة المسجد في الإسلام ، في ما يمثّله بناؤه من قيمة روحية ، لا تنطلق من الشكل من حيث هو جهد ماليّ وبدنيّ وعمرانيّ كبير ، بل من المضمون من حيث الدوافع الخيّرة التي تدفع إليه ، والأجواء التي تحيط به ، والنتائج التي تتحقق من خلاله ، وذلك هو مقياس العمل الصالح. فليست القضية قضية حجم العمل وكميته ، بل هي قضية روح العمل ونوعيته. فإن الله قد يتقبل العمل القليل من عبده المؤمن ، إذا كان منبعثا من إخلاص قلبيّ وعبوديّة مخلصة ، ويرفض العمل الكثير إذا كان أساسه الرياء والمباهاة والإضرار بالآخرين. وهذا هو الذي جعل مسجد قبا ، موضع التقدير والاحترام والرعاية من الله ورسوله ، لأنه مسجد أسس على التقوى من أوّل يوم ، لأن الذين شيّدوه ، لم يفكروا فيه إلّا من خلال الشعور بالحاجة إلى وجود مكان يعبد الله فيه ، بعيدا عن أيّ طموح شخصي ، أو فائدة عائليّة ، أو مصلحة ماديّة ، أمّا المسجد الآخر ، وهو مسجد الضرار ، فقد كان يمثّل ردّ الفعل الذاتي للامتياز الذي حقّقه أصحاب مسجد قبا ، من صلاة الرسول فيه واجتماع المسلمين عليه ، واعتباره قاعدة للإسلام في منطقته. وبذلك كان الهدف هو الحصول على امتيازات مماثلة من وحي الأنانية العشائرية أو الشخصية ، ليحطّموا الموقع الذي حصل عليه أولئك ، وليحصلوا على موقع أكبر وأرباح أكثر ، ولذلك واجههم الله والرسول بطريقة حاسمة ، على خلاف الأهداف التي استهدفوها ، وذلك بامتناع النبي عن الصلاة فيه من جهة ، وتهديمه وإحراقه من جهة أخرى ، وما يستتبع ذلك من كشف لنواياهم السيّئة وأفكارهم الخبيثة ، وفضحهم على أكثر من مستوى بين المسلمين.

* * *

٢٠٧

الموقف تجاه من يتستر بأعمال الخير

وهذا هو الذي ينبغي للمسلمين أن يستوحوه في تقييم الأشخاص والجماعات التي تقوم بأعمال خيريّة من بناء المساجد والمدارس والمياتم ونحو ذلك ، لتكون القيمة للشخصية من الداخل ، لا للعمل من الخارج ، لئلا يصعد إلى الدرجة العليا في المجتمعات الإسلامية ، بعض الأشخاص الذين لا يعيشون طهر الفكرة التي تمثلها المؤسسات ، فيستغلون ذلك في سبيل الإساءة إلى الأهداف الكبرى للإسلام ، باسم الجانب الشكلي من مؤسسات الإسلام ، عند ما يحصلون على ما يريدونه لأشخاصهم أو لارتباطاتهم المشبوهة أو الشرّيرة من خلال ذلك.

إن هذا الاتجاه في فهم القيمة الحقيقة للعمل الصالح ، ولفكرة المؤسسات ، يمنع الطامحين غير المخلصين من اللعب على الناس في حاضرهم ومستقبلهم باسم العمل الخيري في شكله ومظهره الساذج ، لأن الناس سوف تواجه المسألة من موقع دراسة الشخصية ومعرفة النتائج السلبية أو الإيجابية للعمل قبل الحكم له أو عليه. وقد نستطيع الدخول في التفاصيل بطريقة أكثر تفصيلا من خلال تفسير الآيات.

* * *

دوافع مسجد ضرار

(وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً) من حيث الدوافع التي تكمن وراء بناء المسجد ، في الإضرار بالمسلمين الآخرين الذي بنوا مسجد قبا ، أو في

٢٠٨

الإضرار بالمسلمين بشكل أشمل من ذلك ، لما يريدونه من إيقاع المشاكل فيما بينهم (وَكُفْراً) بالله ورسوله ، في ما يمثله هذا العمل من أداة شيطانية للوصول إلى بعض النتائج التي تخدم الكفر في نهاية الأمر ، كما ورد في بعض الروايات ، أنهم كانوا ينتظرون أبا عامر الراهب الذي وعدهم أن يأتيهم بجيش من الروم ليخرجوا النبيّ محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من المدينة ، وأمرهم أن يستعدوا للقتال معه (وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ) فيجعلوا لكل فريق منهم مسجدا يتعصبون له ضد المسجد الآخر ، ليتحوّل ذلك إلى نوع من الحاجز النفسي الذي يفصل المسلمين عن بعضهم البعض ، وبذلك تحصل الفرقة بين المسلمين من الموقع الذي أريد لهم أن يجتمعوا فيه ، وهو المكان الذي حرّره الله من كل خصوصيّة للشخص وللعائلة وللفئة ، فلا يريده ملكا لأحد ، بل يبقى ملكا لله لمنفعة المسلمين جميعا ، ليحصلوا فيه على أجواء العبادة الخاشعة الخالصة ، وليلتقوا فيه من أجل التداول في مشاكلهم وقضاياهم في حالة السلم والحرب ، ولتفتح لهم من خلاله أبواب الحياة بكل سعتها ، من قاعدة الطهارة الروحية الخالية من كل قذرات العصبية الجاهلية ، فأراد هؤلاء أن يعيدوا الإنسان إلى سجن المؤسسة العائلية ، ليهدّموا أساس الفكرة التي تنطلق منها الوحدة ، فيحوّلوها إلى قاعدة للفتنة ، فيتحول المسجد إلى هيكل تقليديّ ، تعبد فيه العشيرة والأشخاص ، بدلا من الله. (وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ) فيكون محل رصد ورقابة ، ويتحول إلى موقع متقدم ، ومعقل لكل الجماعات التي تكيد للإسلام والمسلمين حربا لله ورسوله ، لتستطيع التحرك من موقع إسلامي عباديّ يلتقي فيه الكافرون المقنّعون باسم الصلاة ليتآمروا وليفتنوا المسلمين الساذجين عن دينهم من خلال أجواء الدين. وسيحاولون التأكيد على إخلاصهم بمختلف وسائل الإقناع عند ما يجدون علامات الاستفهام تحاصرهم في عيون المسلمين وأفكارهم ومشاعرهم (وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى) من خلال ما يمثله الحلف بالله من إيحاء بالصدق والإيمان ، وتأكيد على عمق

٢٠٩

الالتزام وطهارة الدوافع ونظافة الأفكار ، ولكن ذلك لا يجديهم شيئا ، فما هي قيمة شهادتهم لأنفسهم أمام شهادة الله عليهم الذي يعلم السرّ وأخفى ، ويعلم وساوس الصدور (وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) في ما يدّعون ويحلفون ، لأن الله اطلع على سرّهم فرأى كيف تحرّكوا من موقع الكفر لا من موقع الإيمان ، ومن قاعدة الانحراف ، لا من قاعدة الاستقامة. ولهذا فإن محاولتهم إقناع النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالصلاة في هذا المسجد يعني منحهم الشرعيّة في ذلك كله ، ليصلوا إلى أهدافهم من أقرب طريق. وفي ضوء هذا ، كان الأمر الإلهيّ للنبي حاسما بالرفض القاطع لهم وللمسجد ولكل ما يمثلون ، من أجل حماية المسيرة في شكلها ومضمونها وفي امتدادها في الحياة على خط الاستقامة التي لا تسمح لأحد باللعب ، ولا تساعد مرحلة على الانحراف.

* * *

عدم الاعتراف بشرعية المسجد

(لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً) في صلاة أو في اجتماع ، أو في أيّ نشاط آخر يوحي بالرضا والتأييد ، لأن القيادة لا يمكن أن تدعم الوجود المنحرف ، بل يجب عليها العمل على القضاء عليه ، وتوجيه الأمة كلها إلى هذا الاتجاه في عملية توعية فكرية من جهة ، وقدوة عمليّة من جهة أخرى ، ليتحوّل الدعم والإخلاص إلى الوجود المستقيم الخالص لله في كل شيء ، وهذا ما يفرض الإصرار على القيام في مسجد قبا وأمثاله من مساجد الله الخالصة.

* * *

٢١٠

المساجد تؤسس على التقوى

(لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ) لأنه هو الذي يحقّق للصلاة غاياتها ، ويركّز للدين قواعده على أساس الحق ، ويبني للمسلمين علاقاتهم على أساس التقوى ، ويدفع الحياة إلى أن تتحرر من عبوديّتها للشيطان ، ليبقى لها الخط الذي تتحرك فيه من خلال عبوديّتها لله ، في حركة الإنسان في حرّيته وعبوديّته.

وقد خاض المفسرون في الحديث عن المقصود بهذا المسجد ، بين من قال بأنه مسجد رسول الله الذي بني على التقوى من أول يوم في المدينة ، وبين من قال بأنه مسجد قبا ، وهذا ما تؤيده أحاديث أهل البيت ، في ما روي عن الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام وربّما يؤيّد هذا ما ورد في أسباب النزول ، في ما توحي به القصة من المقابلة بين المسجدين ، مسجد قبا ومسجد الضرار ، باعتبار أن الثاني هو ردّ فعل للأوّل. وقد ذهب البعض إلى أن المقصود به كل مسجد أسّس على التقوى من أوّل يوم تعميره ، واستدل بالتنكير على ذلك. ولكن يمكن المصير إلى ذلك من خلال الإيحاء ، لا من خلال مدلول الآية ، لأنها واردة في الحديث عن موضوع يختص بموقف من مواقف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هناك ، فإذا أردنا الاستيحاء منه ، فقد نفهم أن للمسلمين أن يواجهوا المسألة في الحالات المماثلة ، من المنطلق الذي واجه به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحادثة التي عاش فيها ، (فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا) بسبب ما يمثله المسجد من ينبوع للطهارة ، وما توحي به الصلاة من طهارة الفكر والقلب والشعور ، وما ينطلق به الإيمان بالله ، من سموّ في انفتاح الإنسان على طهر الروح في علاقته بالله ، بعيدا عن كل الآفاق الضيّقة والمواقع القذرة والأجواء العفنة التي تثقل الروح

٢١١

بالعصبيّة ، والفكر بالجاهلية ، والحياة بالرجس والخبث والقذارة ، في ما يريد الكثيرون أن يعيشوه من الاتجار بالإيمان للوصول إلى أرباح مادّية خسيسة ، من هؤلاء الذين يبغضهم الله ولا يحبّهم ، لأنه ـ سبحانه ـ يريد للإنسان أن يقف بين يديه في صلاته من موقع الإخلاص والطهارة التي يحبها ويحب من يتحرك في مواقعها ويسبح في أمواجها (وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ) الذين يعملون للطهارة الروحية على مستوى الفرد والمجتمع والحياة كلها ، في الطريق إلى الله في رحابه الفسيحة الشاملة.

* * *

الموقف الواعي والموقف المزاجي

وهنا يتساءل القرآن ، لتأكيد القاعدة التي تفرض الموقف الإيجابي أو السلبي في الحياة ، فهناك فرق كبير بين الموقف الذي يرتكز على أساس الوعي الكامل لمسألة الإيمان في ما يمثّله من مفهوم وعقيدة وخطّ واضح يتّصل بتقوى الله ، في عمليّة مراقبة ومحاسبة وحركة واعية قويّة تستهدف رضا الله في الإقدام على الفعل أو الترك ، وبين الموقف الذي لا يرتكز على أساس ثابت لخضوعه للحالات المزاجيّة الطارئة والأطماع الشخصية والأفكار القلقة التي تدفع الإنسان إلى تلبية النوازع الذاتيّة المعقّدة. ففي الموقف الأوّل ، هناك رضوان الله الذي يسبغه الله على عباده المؤمنين الواعين ، في وعي العقيدة والعمل الثابتين في حالات الاهتزاز ، وفي الموقف الثاني ، هناك الانهيار الكبير للشخصية ، لفقدانهم الثوابت الفكرية والروحية التي تمنع السقوط في الحضيض.

* * *

٢١٢

بنيان التقوى وبنيان الشك

(أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللهِ وَرِضْوانٍ خَيْرٌ) أي من أسس فكره على قاعدة التقوى في حسابات المفاهيم المحدّدة الواضحة ، وأطلق إرادته وفق قاعدة الارتباط برضوان الله ، لتكون متصلة بإرادة الله ، في خضوع وإيمان ، خير (أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ) أي من أسس فكره ووجوده على حافة الوادي المهتز في حركة الانهيارات المتساقطة من أعلى (فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ) حيث السقوط المميت الذي لا يستقر معه الساقطون على قرار. وتلك هي النهاية التي ينتهي إليها أولئك الذين لا يفتحون عيونهم للنتائج من خلال حركة الطريق ، ولا يفتحون قلوبهم للهدى من خلال خطّ السير ، وإذا أغفل الإنسان ذلك كله ، فما ذا هناك إلا الضلال ، (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) الذين ظلموا أنفسهم بالكفر والتمرد والعصيان ، لأنهم اختاروا ذلك لأنفسهم ، بعد أن فتح الله لهم أبواب الهداية على مصاريعها ، فتركوها وساروا في طريق الضلال.

(لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا) على أساس من الاهتزاز في الفكر والموقف (رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ) يثير الشك ويقود إلى التزلزل ، فيطبع كل مشاعرها ونبضاتها بطابعه حتى يتحوّل إلى ما يشبه الخصوصيات الذاتية التي لا تزول إلا أن تزول الذات نفسها ، فتبقى ما بقيت الذات (إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ) وتتلاشى وتموت ، فيتلاشى الشك بزوال قاعدته وموضعه (وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) في ما يمنح من رضوانه ، وفي ما يمنع من غفرانه.

وتلك هي القصة التي يريد الله للإنسان أن يعيشها في كل مواقفه في الحياة ، لينطلق الموقف من القاعدة الثابتة في العقيدة والشعور والإرادة ،

٢١٣

ليتحرك الفرع الأخضر من الجذور الضاربة في أعماق الأرض المتحركة بالخصب والحياة ، فلا حركة إلا من فكرة ، ولا فكرة إلا من قاعدة. وكلما اقترب الإنسان من الله ، كلما كانت حساباته دقيقة في كل شيء ، لأنه الأساس في كل خير وحقّ وثبات ، ولا فرق في ذلك بين حالة فكرية أو سياسيّة أو اجتماعية أو غير ذلك مما تعارف الناس أن يدفعوا حياتهم نحوه.

* * *

٢١٤

الآيتان

(إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١١١) التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (١١٢)

* * *

معاني المفردات

(أَوْفى بِعَهْدِهِ) : أكثر إتماما له ومحافظة عليه.

(السَّائِحُونَ) : الذين يسيحون في الأرض ، أي يسافرون وينتقلون.

وقيل : الصائمون.

* * *

٢١٥

المؤمن بائع والله يشتري

كيف يواجه المؤمنون الموقف مع الله ، في ما يملكونه من نفس ومال؟ وهل للجنّة ثمن عند الله ، أو أن المسألة تنتهي بطريقة مجانيّة؟ وما هو الثمن ، وكيف تتم عملية المقايضة؟ هذه أسئلة تتوالى في الفكر ، وتجيب عنها الآيتان.

(إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) فهناك عملية بيع وشراء مع الله ، فالمؤمن هو البائع الذي باع نفسه وماله لله ، والله هو المشتري الذي جعل الجنة عوضا عن ذلك. وإذا كان الله يملك الإنسان في ماله ونفسه ، فكيف نتصور مسألة البيع هذه؟ ويمكن الجواب عن ذلك بأن الله أراد الإيحاء للإنسان بأنه يترك له الحرّية في ما يتصرف به من ماله ونفسه ، ليحدّد هو طبيعة تصرفاته فيهما. ولمن يكون البيع ، هل هو للمالك الأصلي الحقيقي ، أو هو للمالكين الطارئين الذين لا يملكون شيئا من نفسه وماله؟ وفي هذا الجو ، يتمثل إيمان الإنسان ، في مدلوله العميق ، بيعا للمال والنفس ، لله تعالى ، وهذا ترجمة لمعنى العبودية الحقة لله تعالى ، هذا المعنى الذي يؤكد معنى المملوكية المطلقة لله ، حيث لا يملك العبد ، في جنب الله ، حرية التصرف في ماله ونفسه وكل ما تحت يديه في غير المجال الذي أراده الله منه ، وهو خط الجهاد ، وفي المقابل ، فإن العبد سيفوز بالجنة لقاء ما يدفعه ثمنا لها. (يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ) ويجاهدون بالمال والروح (فَيَقْتُلُونَ) أعداء الله ، (وَيُقْتَلُونَ) بأيديهم في معركة الكفر والإيمان.

* * *

٢١٦

تشريع الجهاد ثابت في كل الرسالات

(وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا) ثابتا لا يمكن التراجع عنه أو التردّد فيه (فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ) فليست القضية وقفا على أهل دين بعينه ، أو جماعة بعينها ، أو مرحلة زمنيّة محدودة ، بل هي شاملة لكل الأديان والجماعات والأزمنة ، فقد أنزل الله ذلك على موسى في التوراة ، وعلى عيسى في الإنجيل ، وعلى محمد في القرآن ، لتتحرك خطة الجهاد على مراحل يتصل بعضها ببعض ، ويقوّي بعضها بعضا ، ممّا يوحي بأن الجهاد هو شريعة الله في كل العصور وبرنامج الرسل في كل مراحل التاريخ. فالله يريد القوّة للحق الذي أنزله ، ولا قوة بدون جهاد ، ولا جهاد بدون استعداد للعطاء والتضحية. وبهذا نستطيع أن نعرف خطأ الفكرة التي تقول إن الجهاد فريضة إسلامية في التشريع الإسلامي الذي انطلق في رسالة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لنخلص إلى الفكرة التي ترى فيه الفريضة الدينية في جميع الرسالات ، فلا بد للمؤمن من أن يقدّم نفسه وماله لله ، من أجل إعلاء كلمة الله ، بالدعوة إلى دينه ، والعمل في سبيله ، والجهاد من أجل إقامته على أساس ثابت متين في كل أنحاء الأرض.

* * *

المتاجرة مع الله رابحة

(وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ) عند ما يعاهد عبده على الوفاء.

(فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ) لأنه التجارة التي لا خسارة فيها ، بل

٢١٧

هو الربح كله والغنم كله ، وأيّ ربح أعظم من ربح المصير في الآخرة ، وأيّ غنيمة أعظم من الجنة ، وأيّ بيع أعظم من أن يبيع الإنسان نفسه لله؟! (وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) الذي يربح الإنسان فيه نفسه ليجد في النهاية أنه يملك نفسه التي بذلها في سبيل الله ، كما يملك عوضها وهو الجنة.

* * *

صفات المؤمنين الذين باعوا أنفسهم لله

ولكن من هم هؤلاء الذين باعوا أنفسهم لله ، وما هي صفاتهم؟

(التَّائِبُونَ) الذين صدقوا الله التوبة بالندم والإخلاص والإصرار على الثبات وعدم العودة عنها إلى أيّ شيء يسخط الله (الْعابِدُونَ) الذين عاشوا عبوديتهم لله في أجواء العبادة الخالصة (الْحامِدُونَ) الذي يحمدون الله على ما أولاهم من فضله ونعمه اعترافا بآلائه (السَّائِحُونَ) الذين لا يتجمدون في مواقعهم التي نشأوا فيها لتبقى آفاقهم ضيّقة في حدودهم المعينة ، بل ينطلقون في رحاب الأرض ، في آفاق الله ، ليحصلوا على العلم من ينابيعه الأصلية ، وينفتحوا على الحياة في مجالاتها الرحبة ، ويعيشوا مع الله في آفاقه الواسعة ، في سياحة مستمرة تحمل معنى التجدّد والسموّ والانفتاح على أكثر من تجربة جديدة واسعة (الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ) حيث يعيشون العبودية لله ، ركوعا يجسد الخضوع له في كل شيء ، وسجودا يمثل الانسحاق أمام إرادته في كل مجال ، (الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ) في ما يثيره الأمر بالمعروف من حمل مسئولية الحياة من أجل إقامة الحق على ما يوحيه المعروف من خط الحق ، (وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ) في ما يعنيه النهي عن المنكر من محاولة جادّة لحماية الحياة والإنسان من كل انحراف وتدمير وتخريب ، في قيم الفرد

٢١٨

والجماعة ، في أجواء السياسة والفكر والاجتماع والاقتصاد وغير ذلك (وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ) الذين يقفون حيث يريد الله أن يقفوا ، ويتحركون حيث يريد الله منهم الحركة ، فلا يتجاوزونها إلى غيرها ، لأنهم يخافون عقاب الله ويرجون ثوابه ، (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) الذين تنتظرهم البشارة بالجنة والرضوان من الله ، من خلال إيمانهم به وعملهم الصالح وتواصيهم بالحق وتواصيهم بالصبر.

* * *

٢١٩

الآيتان

(ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (١١٣) وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) (١١٤)

* * *

معاني المفردات

(لَأَوَّاهٌ) : الأوّاه من التأوّه ، وهو التوجّع والتحزّن. وهنا : بمعنى كثير الدعاء والبكاء.

(حَلِيمٌ) : صبور على الأذى ، صفوح عن الذنب.

* * *

٢٢٠