تفسير من وحي القرآن - ج ١١

السيد محمد حسين فضل الله

تفسير من وحي القرآن - ج ١١

المؤلف:

السيد محمد حسين فضل الله


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الملاك
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٩٨

الآيات

(وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ (٥٨) وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ سَيُؤْتِينَا اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللهِ راغِبُونَ (٥٩) إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (٦٠)

* * *

معاني المفردات

(يَلْمِزُكَ) : لمزه : عابه.

(يَسْخَطُونَ) : يغضبون غضبا شديدا.

(حَسْبُنَا اللهُ) : أي كافينا الله.

* * *

١٤١

ذم المنافقين للنبي على أسلوب توزيعه للصدقات

وهذا نموذج آخر من نماذجهم ، وهو الذي يعتبر المنفعة الماليّة أساسا للرضا والسخط والمدح والذّم ، فليست القيمة عنده ، هي طبيعة الموقع الروحي والفكري والعملي للشخص أو للجهة ، بل القيمة ، كل القيمة ، هي للمال ، من خلال ما يعطيه الآخرون له ، أو ما يمنعونه عنه. وهذا هو ما عاشه بعض هؤلاء مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

(وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ) أي يعيبك ، فيتخذ لنفسه المبرّر في ذمّ النبي والتهجم عليه (فِي الصَّدَقاتِ) التي يوزعها على من حوله من الفقراء والمساكين ، أو من الذين تفرض المصلحة الإسلامية إعطاءهم ، (فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا) وكالوا المدح للمعطي ، بعيدا عن استحقاقه الذاتي للمدح وعدم استحقاقه له ، (وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ) وينسبون للمانع كل صفات الذّم القبيحة التي لا يستحقها ، ولكن المشكلة كل المشكلة ، هي أنهم لم يحصلوا منه على شيء ، فكأن ذلك مبرّر لكل السخط والغضب في موقفهم من هذا الإنسان.

* * *

القناعة من الإيمان

(وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ) من مال يستحقونه من خلال موازين العطاء لدى الإسلام ، وقنعوا به ، وعرفوا أنه يمثل العدل كله في طريقة التوزيع ، (وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ سَيُؤْتِينَا اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ) في ما نأمل من

١٤٢

زيادة في العطاء ، وسعة في الرزق ، لأن الله لا يمنع أحدا من فضله في ما يفيضه على عباده من نعمه ، وفي ما يأمر رسوله أن يعطي للمحتاجين من كرمه ونيله ، فهو منتهى رغبة الراغبين الذين إذا تطلعت رغباتهم إلى أي شيء من حولهم ، فإنها تتطلّع إلى الله ، في جوّ روحيّ خاشع تعبّر عنه هذه الكلمة الخاشعة (إِنَّا إِلَى اللهِ راغِبُونَ) ولو أنهم قالوا ذلك لكان خيرا لهم في المدلول الإيماني للكلمة ، وفي الامتداد الروحي للشعور ، وفي القاعدة العقلية للفكرة ، ولانطلقوا في أجواء المجتمع الإسلامي ، من مواقع الثبات في العقيدة والشعور والعمل.

* * *

موارد نفقات الصدقة

(إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ) الذين لا يجدون الفرصة الذاتية للعيش الكريم ، فيضطرهم ذلك إلى الاقتراض ، أو إلى سؤال الناس الآخرين ، وربما كانت الكلمة الثانية تمثل المعنى الذي يجعل الفئة الثانية المساكين أردأ حالا من الفئة الأولى ، (وَالْعامِلِينَ عَلَيْها) الجباة لها من المكلّفين (وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ) الذين يراد تقريبهم إلى أجواء الإسلام ، أو تثبيتهم في مواقفه ، وذلك من خلال الرعاية الماليّة لهم ، ليتحوّل ذلك إلى شعور حميم تجاه الإسلام وأهله ، فيزداد اهتمامهم بالتفكير فيه ، وبتعلّم أحكامه وشرائعه ، وبالالتزام بخطه المستقيم ، (وَفِي الرِّقابِ) وذلك بصرف الصدقة في عتق العبيد الذين هم تحت الشدّة ، أو مطلق العبيد ، باعتبار أن تحريرهم هو من أولى الأهداف الإسلامية في الحياة ، التي يدعو الله المسلمين إليها ، أو يوحي إلى وليّ الأمر أن يقوم بها من خلال الميزانية المالية للدولة ، (وَالْغارِمِينَ) الذين أطبقت عليهم الديون فلم يستطيعوا إلى الوفاء بها سبيلا ، (وَفِي سَبِيلِ اللهِ) في خطّ

١٤٣

الجهاد من أجل إعلاء كلمته في الأرض ، وفي خطّ الخير العام الذي يراد به دفع مستوى الحياة على أساس الغايات التي يريد الله للحياة أن تصل إليها في حركة الإنسان في الأرض ، (وَابْنِ السَّبِيلِ) الذي انقطع في سفره ، فلم يجد ما ينفق به على نفسه ، أو يرجع به إلى بلده (فَرِيضَةً مِنَ اللهِ) وليست مجرد عمل خيري ذاتيّ ، يملك الناس الحريّة في ممارسته وعدم ممارسته ، بل هو فريضة لازمة يلتزم بها الناس على أساس العقاب والثواب (وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) ، فهو العالم بحاجات الناس وبمواقعها ، الذي يشرّع لهم الحلول لمشاكلهم من مواقع الحكمة.

وإذا كانت الصدقات تمثل سدّ الحاجة لأمثال هؤلاء الناس ، فلا يملك النبيّ أو غيره أمر التصرّف فيها في غير مواردها ، فكيف يطمح هؤلاء المنافقون ، أن يعطيهم النبيّ بغير حساب ، تماما كما لو كان المال ماله الشخصي الذي يملك حرية التصرف فيه؟ هل يتصورونه ملكا كبقية الملوك ، أو أميرا كبقية الأمراء ممن ينطلق حسابهم من خلال حاجتهم لتكثير أتباعهم وتدعيم سلطتهم على حساب الأهداف الكبيرة للإنسان والحياة؟ ولهذا فهم يحددون موقفهم منه في رضاهم وسخطهم على أساس ما يبذله لهم من مال ، وما يقدّمه من امتيازات. إنّ الله حدّد لرسوله مصارف ذلك كله ، فإذا كانوا من مصارف الصدقات ، فعليهم أن يعرفوا أنّ لذلك حدّا محدودا لا يتجاوزه إلى غيره ، أمّا إذا لم يكونوا من مصارفها ، فلا مجال لهم بأن يأملوا بشيء من ذلك ، لأن النبي لا يتجاوز حدود الله ، في ما جعله للأشياء من حدود وضوابط.

وذلك هو ما ينبغي لهم أن يعرفوه من شؤون التشريع في حدوده وتطبيقاته العملية.

* * *

١٤٤

الآيات

(وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٦١) يَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ (٦٢) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِداً فِيها ذلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ) (٦٣)

* * *

معاني المفردات

(أُذُنٌ) : الأذن : الجارحة ، ويستعار لمن كثر استماعه وقوله لما يسمع.

(يُحادِدِ) : المحادّة : مجاوزة الحدّ بالمخالفة.

(الْخِزْيُ) : الهوان.

* * *

١٤٥

مناسبة النزول

جاء في تفسير القمي ، نقلا عن الميزان ، في سبب نزول الآية ، قال : إن عبد الله بن نبتل كان منافقا وكان يقعد إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيسمع كلامه وينقله إلى المنافقين ، فينمّ عليه ، فنزل جبرئيل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا محمد إن رجلا من المنافقين ينمّ وينقل حديثك إلى المنافقين ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من هو؟ قال : الرجل الأسود الوجه الكثير شعر الرأس ينظر بعينين كأنهما قدران ، وينطق بلسان شيطان ، فدعاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأخبره ، فحلف أنه لم يفعل ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قد قبلت منك فلا تفعل ، فرجع إلى أصحابه فقال : إن محمدا أذن ، أخبره الله أني أنمّ عليه وأنقل أخباره فقبله ، وأخبرته أني لم أقل ولم أفعل فقبله (١).

* * *

من أساليب إيذاء المنافقين للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

وتتنوّع أساليبهم في إرباك المجتمع الإسلامي بالكلمات غير المسؤولة التي يوجهونها إلى النبيّ من أجل أن يخففوا من تقديس الناس له ، وذلك بتصويره بصورة الإنسان الذي لا يملك موقفا ثابتا في نظرته للأشياء وتقييمه للناس وحكمه على الواقع ، مما يجعل من موقعه الذي يمثل الهدى للناس في أمور دينهم ودنياهم ، موقعا قلقا مهتزّا يبعث على اهتزاز الثقة به ، ويثير القلق حول طبيعة قيادته الروحيّة والعملية للناس .. فكيف كان ذلك ، وما هو ردّ الله عليهم؟

* * *

__________________

(١) تفسير الميزان ، ج : ٩ ، ص : ٣٣٣.

١٤٦

إيذاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم القول إنه أذن

(وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ) بمعنى أنه يسمع من كل أحد ويقبل منه ما يقول ، وربما كان الكلام من شخص مناقضا للكلام من شخص آخر ، فيقبل الحديث منهما معا.

(قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ) فهو لا يقبل ما يسمع من الناس عن اقتناع ، بل كل ما هناك أنه يظهر القبول لئلا يحرج المعتذر أو يكذّب القائل ، انطلاقا من سماحته وحسن أخلاقه (يُؤْمِنُ بِاللهِ) فيصدّقه في ما يوحي به إليه (وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ) بمعنى أنه يظهر التصديق لهم. فالمسألة ليست منطلقة من قناعة بالواقع ، بل من مراعاة مواقفهم ومواقعهم ، فهو يؤمن لأجلهم ، وتلك هي سيرة النبيّ في خلقه العظيم الذي يريد أن يوحي للمؤمنين الذين يعيشون معه ، بإمكانية التراجع من دون إحراج لهم أو تعقيد لعلاقتهم به ، كما أنه يعمل على أساس أن يكون الأذن التي يستمع بها إليهم جميعا ، فيصغي لهذا ، ويسمع لذاك ، ليدخل السرور عليهم ، وليوفّق في ما بينهم ، وليسهّل لهم سبيل اللقاء على أكثر من طريق.

(وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ) في أسلوبه العملي الذي يجمع به كلمتهم ، ويفتح به قلوبهم ، ويوحي إليهم بالخير والرحمة والإيمان. (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) لأن في إيذائهم له إيذاء لله ، في ما يمثله الرسول من موقع يرتبط بالله ، وفي ما يعنيه هذا التصرّف من عقدة نفاقيّة ضد الإسلام بالذات ، الذي يتحول ، بطريقة غير مباشرة ، إلى عقدة ضد الله سبحانه وتعالى ، مما يجعل المسألة مسألة تمرّد وعصيان وطغيان.

* * *

١٤٧

تبرير الخطأ بالحلف بالله

(يَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ) في مواقف الشك الذي توجّهونه نحوهم ، وفي مجالات العتاب الذي تثيرونه في وجوههم ، ويلهثون وراءكم من أجل أن يؤكدوا لكم أنهم في مستوى الثقة ، فيحلفون لكم بالأيمان المغلّظة ، ليحصلوا على رضاكم عنهم وثقتكم بهم ، وتلك هي صفة المنافقين الذين يعيشون الهمّ الكبير لأقل بادرة شكّ في سلوكهم لدى الآخرين ، لأن القضية عندهم هي الحصول على رضا المجتمع ، فإذا فقدوا ذلك ، فقدوا الأساس الذي يرتكزون عليه في حياتهم العامة (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) لأنه هو الضمانة الوحيدة للنجاة في الدنيا والآخرة ، في ما تمثله قضية المصير التي ترتبط بالخط الذي يتصل بالله ورسوله ، ويحقق رضاهما عن السائرين عليه ، أمّا رضا الناس ، فإنه لا يمثل شيئا حقيقيا في ميزان القيمة الروحيّة ، كما أنه لا يشكّل أيّة ضمانة كبيرة على مستوى الآخرة ، وذلك هو ما يمثله موقف الإيمان الذي لا يتطلع فيه المؤمن إلّا إلى الله ، لأن قيمة الناس عنده لا تخضع إلا لعلاقتهم بالله ، فهو الأساس لأية علاقة بكل ما عداه ، فمنه تنطلق الفكرة ، وعنده تتحرك العاطفة ، وفي رحابه تنشأ العلاقة بالآخرين ، (إِنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ) بما يمثله الإيمان من عمق وامتداد.

وماذا لدى هؤلاء في آفاقهم التي يطوفون بها ، وفي مواقفهم التي يحددونها ، عند ما يتخذون الموقع العدواني في مواجهة الله ورسوله؟ هل يعرفون نتائج ذلك؟ هل يعلمون ماذا يحدث لهم من خلال هذا السلوك؟

* * *

١٤٨

جزاء من يحادد الله ورسوله

(أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللهَ وَرَسُولَهُ) فيتجاوز الحد بالمخالفة والمعاداة لهما (فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِداً فِيها) لأن ذلك هو الجزاء العادل لمثل هذا الموقف الذي يوحي بنكران الجميل وكفران النعمة وجحود الحقيقة. (ذلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ) الذي يمثل العار كله في النهايات السوداء للمصير.

* * *

١٤٩

الآيات

(يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ (٦٤) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ (٦٥) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ) (٦٦)

* * *

معاني المفردات

(يَحْذَرُ) : الحذر : التحرّز ومجانبة الشيء خوفا منه.

(نَخُوضُ) : الخوض : دخول القدم في ما كان مائعا من الماء والطين ، ثم كثر حتى استعمل في غيره.

* * *

١٥٠

في بعض أجواء المنافقين

وينطلق المنافقون بأسلوب الاستهزاء يحاولون من خلاله الإساءة إلى الإسلام والمسلمين بطريقة نفسية تهزم الروح القوية التي تنطلق بها المسيرة في خط المواجهة في طريق المستقبل ، ولكنهم يحاولون أن يتحقق ذلك بطريقة خفيّة ، لا تكشف نفاقهم ، ليتمّ لهم اللعب بحريّة في داخل المجتمع ، ليعيشوا فيه فسادا من حيث لا يشعر بهم أحد. وكانت تجاربهم السابقة تملأ قلوبهم بالخوف من كشف أمرهم ، في ما ينزل به القرآن في كل وقت ليحدّث المسلمين عن خفاياهم وأساليبهم الشيطانية في الكيد للإسلام والمسلمين. ولذا فإنهم يعملون ما يعملون بروح قلقة حذرة ، وبذهنيّة خائفة مرتبكة ، وذلك هو شأن المنافقين في كل زمان ومكان ، في ما يريدون أن يحصلوا عليه من الثقة بهم ، مع الحفاظ على مكاسبهم في اتجاه خطّ التآمر والكيد.

* * *

حذر المنافقين من كشف القرآن لهم

(يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ) من النوايا الخفيّة السيّئة التي تفضحهم في ما يريدون أن يفعلوا أو يتركوا في اتجاه الهدم والإضلال (قُلِ اسْتَهْزِؤُا) ما امتد بكم المجال من أساليب السخرية والاستهزاء بالإسلام والمسلمين ، فسيكشف الله لنا ذلك كله لنواجهه بالأساليب المناسبة التي تبطل مفعوله وتعطّل نتائجه (إِنَّ اللهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ) من خلال ما

١٥١

يظهره ويكشفه للناس.

وقد فسر البعض من المفسرين الحذر بأنه وارد على سبيل السخرية ، ولكنه خلاف الظاهر ، ويحاولون أن يبرّروا ذلك كله ، بأن الأمر لا يمثل حالة جديّة في مواجهة المجتمع المسلم في دينه وعقيدته ، بل كل ما هناك أنهم يحاولون الخوض في الحديث في ما يخوض به الخائضون من أفانين الكلام من دون أيّة عقدة داخليّة مضادة ، وأنّهم كانوا يلعبون كما يلعب الناس ، فلا ينبغي محاسبتهم على ذلك ، كما لو كان الأمر يمثل خطّة بعيدة المدى.

* * *

عذر أقبح من ذنب

(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ) ، ولكن هذا عذر أقبح من ذنب ، فهل يمكن أن تكون قضية الرسالة والوحي والرسول والجهاد في سبيل الله ، من القضايا التي يخوض الناس فيها كما يخوضون في أحاديث الباطل ، أو يتلاعب بها اللاعبون كما لو كانت شيئا من الهزل الذي لا يمثل قيمة حقيقية في حياة الناس ، إنه العذر الذي يؤكد حقيقة الجريمة ، بسبب ما يمثله من روحيّة سلبيّة ضد الله والرسول (قُلْ أَبِاللهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ) من خلال ما يمثله الخوض واللعب من عدم احترام واستهزاء بطريقة غير مباشرة.

* * *

١٥٢

اعتذار المنافقين غير مقبول

(لا تَعْتَذِرُوا) لأنكم لا تملكون القاعدة التي تجعل من هذه الأعذار شيئا حقيقيا يبرّر أفعالكم وأقوالكم بطريقة حقيقيّة ، (قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ) فقد أعلنتم الإيمان وأظهرتموه وعاملناكم بما يعامل به المسلمون إخوانهم من المسلمين ، ولكنكم كشفتم ما كنتم تبطنونه من الكفر الداخليّ ، وبذلك كان هذا الموقف منكم كفرا بعد إيمان. (إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ) ربما كانوا من التابعين المستضعفين الذين خضعوا لتأثير الكبار منهم ، فقد يكون ذلك مبرّرا للعفو عنهم ، (نُعَذِّبْ طائِفَةً) من هؤلاء المتمردين الذين انطلق النفاق من خلال تفكيرهم وتخطيطهم وتنفيذهم لكل الأعمال الإجراميّة ضد الإسلام والمسلمين ، ولذلك فإنهم يتحملون مسئولية النتائج السلبيّة جملة وتفصيلا (بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ) فيستحقون كل عقاب الجريمة ، في ما تؤدي إليه من دمار وتضليل وخراب ، وربّما فسّرت الفقرة ، بالعفو عن التائبين منهم ، والعذاب للمصرّين على العصيان والنفاق.

* * *

١٥٣

الآيات

(الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٦٧) وَعَدَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْكُفَّارَ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللهُ وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ (٦٨) كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوالاً وَأَوْلاداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٦٩) أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْراهِيمَ وَأَصْحابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (٧٠)

* * *

١٥٤

معاني المفردات :

(وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ) : أي يمسكون أموالهم عن إنفاقها في طاعة الله.

(مُقِيمٌ) : دائم.

(بِخَلاقِهِمْ) : الخلاق : النصيب والحظ.

(حَبِطَتْ) : فسدت وبطلت.

(وَالْمُؤْتَفِكاتِ) : جمع مؤتفكة. ائتفكت بهم الأرض أي انقلبت.

* * *

حقيقة المنافقين ووظيفتهم

وهذه جولة في أجواء المنافقين والمنافقات في خصائصهم البارزة التي تحكم كل أوضاعهم السلبيّة في ما يفعلون أو يتركون ، في مقابلة بينهم وبين المؤمنين ، لتتضح الصورة لدينا من موقع التمايز البارز في الأقوال والأفعال والمواقف ، ثم ليعرف الناس نهاياتهم في ما ينتظرهم عند الله من شؤون الثواب والعقاب.

(الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ) في عملية ارتباط عضويّ ، من

١٥٥

خلال ما يمثله مجتمع النفاق من ارتباط بين أفراده في الأفكار والمشاعر والأعمال ، (يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ) في مواجهة حادّة للخط الإيماني الذي جاءت به الرسالات في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، لأن ذلك هو ما يمثله دورهم الشيطانيّ في تخريب الأسس الروحيّة والأخلاقية الاجتماعية ، بسبب ما يثيرون من عوامل الريب والتشكيك والتضليل التي تغيّر صورة الأشياء ، فتقلب الحق باطلا والباطل حقّا ، كوسيلة من وسائل تعطيل المسيرة الإيمانيّة في اتجاه الرسالات الإلهيّة.

(وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ) عن الخير والعطاء في سبيل الله ، لأنهم يعيشون أنانياتهم الذاتية التي تجعلهم لا يتصورون إلا الآفاق الداخليّة لشخصياتهم المحدودة المهزوزة ، فلا يشعرون بأيّة مسئوليّة تجاه الآخرين الذين يعيشون مشاكل الجوع والحرمان ، لأن المشاعر الخيّرة التي تنساب في أعماق الروح ، لا بد لها من دوافع روحيّة عميقة تتصل بالإيمان بالله ، في ما يوحيه للإنسان من أخلاقية التضحية وروحيّة العطاء ، مما يدفعه إلى المزيد من وعي المسؤولية في حركة الإيثار ، بعيدا عن العوض الماديّ الذي يحوّل المسألة إلى عمليّة تجاريّة ، لأن قصته في معنى الإيمان ، هي قصة السموّ الروحي الذي يعيش معه الأمل الكبير بالحصول على الرضا من الله ، فذلك هو الربح الكبير عنده ، والعوض العظيم لديه. أمّا الذين لا يعيشون الإيمان ، فما هي الدوافع التي تثير فيهم روح العطاء ، إنهم يفقدون كل شيء يوحي بالخير ، لأنهم يفقدون هذا الجو الحميم الذي يرتفع بأرواحهم إلى آفاق الله.

(نَسُوا اللهَ) في ما يفكرون ، فكان فكرهم شيطنة ومكرا ، وفي ما يشعرون ، فكان شعورهم حقدا وبغضاء ، وفي ما يعملون ، فكان عملهم تمرّدا وعصيانا وانحرافا عن الخط المستقيم ، لأنهم عند ما فقدوا الله في فكرهم وشعورهم وحياتهم ، التقوا بالشيطان من أقرب طريق ، لأن أيّة منطقة تخلو من

١٥٦

الله ، لا بدّ من أن يدخلها الشيطان ، (فَنَسِيَهُمْ) بحرمانهم من لطفه ورضوانه ورحمته ، إذ لا معنى لنسيان الله للناس ، إلا إهماله لهم ، واعتبارهم مجرّد كميّات مهملة لا تعني شيئا ولا تمثّل شيئا في ما يفيضه من رحمته ورضوانه وعفوه وغفرانه (إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ) الذين يجسّدون الفسق واقعا حيّا يشير إلى المفهوم العملي للفسق بأوضح صورة ، في ما يمثله سلوكهم ، وتتكشف عنه نفسيّاتهم ، من خبث وتعقيد وانحراف عن طريق الله (وَعَدَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْكُفَّارَ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها) فذلك هو جزاؤهم على كل ما فكروا فيه من الشرّ ، وأثاروه من الفساد ، ونفّذوه من خطط الهدم والتخريب لقواعد الإيمان في المجتمع كله ، تمرّدا على الله ، وعصيانا لرسالاته ، وإيذاء لرسوله ، (هِيَ حَسْبُهُمْ) في ما تمثله من العقوبة الكافية الوافية على أعمالهم ، (وَلَعَنَهُمُ اللهُ) بإبعادهم عن رحمته ، وذلك هو غاية الخسران ، لأن فقدان الإنسان لرحمة الله ، وإبعاده عن ساحة لطفه ورضوانه ، لا يعني إلا فقدان الأمل في كل إشراقة للروح في حياته ، أو انطلاقة للخير في مصيره. (وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ) لا زوال له ولا انقطاع.

* * *

نتيجة النفاق .. عذاب مقيم

وتلك هي مسيرة النفاق في الحاضر التي ترتبط بمسيرته في التاريخ ، في المقدّمات والنتائج ، (كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوالاً وَأَوْلاداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ) ونصيبهم من الدنيا وسارت بهم الحياة كما يشتهون ، (فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ) ونصيبكم من الدنيا في ما تشتمل عليه من لذائذ وشهوات (كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا)

١٥٧

من الكفر والنفاق والاستهزاء بالرسل والرسالات والإمعان في الباطل قولا وعملا ، فما ذا كانت نتائجهم في حساب الأرباح والخسائر؟ ليس هناك شيء على مستوى الأرباح في الدنيا والآخرة ، فلم يحصلوا على شيء مقابل كل ما عانوه وما خاضوا فيه ، (أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) فلم يبق منها شيء ، بطلت في كل نتائجها ، لأن الكفر يهدم كل عمل من أعمال الخير السابقة لو كان لهم شيء من ذلك ، فلا يستحقون عليه ثوابا في الآخرة ، ولا يحصلون منها على نتيجة مرضية في الدنيا ، في ما يحصل منه الناس من نتائج معنوية أو ماديّة على ما يقدمونه من عمل أو يبذلونه من جهد ، (وَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) الذين خسروا أنفسهم وفقدوا مصيرهم ، فإذا كان مصير أولئك هو ذلك ، فهل يكون مصيركم أفضل من مصيرهم ، وأنتم تسيرون على الخط نفسه الذي ساروا عليه ، وتسعون إلى نفس الأهداف التي استهدفوها ، وتخوضون في الباطل الذي خاضوه ، وتتمردون على الله في كل شيء؟!

* * *

الاعتبار بمن مضى من الكفار

(أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْراهِيمَ وَأَصْحابِ مَدْيَنَ) قوم شعيب (وَالْمُؤْتَفِكاتِ) وهي القرى التي انقلبت بأهلها ، وهم قوم لوط ، (أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) التي توضّح لهم السبيل وتدلّهم على مواقع الهدى ، فجحدوا وكفروا وتمردوا ، فعذبهم الله بذنوبهم ، بمختلف ألوان العذاب ، وأهلكهم ، (فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ) وهو الغني عن ظلم عباده لأنه القوي الذي لا يحتاج أحدا ، بينما يحتاج الظلم الضعيف ، والله قادر على أن يصل إلى ما يريد ، بما يريد ، (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) بما

١٥٨

عصوا به الله وانحرفوا عن طريقه ، بعد أن أقام عليهم الحجة من جميع الجهات. إن ذلك التاريخ الذي يمثل سيرة هؤلاء ، من خلال ما يمثله من النتائج السلبيّة لكل هذا الخط المنحرف المتمرّد ، هو الصورة التي يجب أن تتمثلوا فيها النتائج الوخيمة لكل ما تقبلون عليه في مستقبل حياتكم ، ولذلك فإن عليكم أن تتراجعوا عن خط الانحراف لئلا تقعوا في ما وقعوا فيه ، وتنتهوا إلى ما انتهوا إليه ، لأن الله يعامل الآخرين بما عامل به الأوّلين من موقع عدله الذي لا يعجزه أحد ، في أيّ زمان ومكان.

* * *

١٥٩

الآيتان

(وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٧١) وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (٧٢)

* * *

معاني المفردات

(عَدْنٍ) : خلود.

(وَرِضْوانٌ) : الرضوان : الرضا الكثير.

* * *

المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض

وهذه هي الصورة الثانية التي تقف في المواجهة ، في مواجهة صورة

١٦٠