تفسير من وحي القرآن - ج ٧

السيد محمد حسين فضل الله

مواجهة التحديات الضاغطة بقوة ، وبالتالي فإنه لا يستطيع حماية صاحبه من المؤثرات الذاتية التي تترك بصماتها على طريقة تفكيره ؛ ولهذا كان الأسلوب القرآني جاريا على أساس الدعوة إلى التأمّل والتدبّر والتعمّق في القضايا ، وإلى مواجهة الحجة بالحجة في أسلوب الحوار العميق المنفتح الذي يعمل على فحص الأمور من أعماق الداخل لا من سطح الخارج ، ويؤدي ـ بالنتيجة ـ إلى تعميق الذهنية الفكرية في تقييم الأشياء.

وبهذا كان التأكيد على صفة (الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) يمثل التأكيد على ما لهذه الصفة من أثر بعيد في سلامة التفكير ، وسلامة الوصول إلى النتائج الصحيحة ، في ما تفرضه على شخصية الإنسان من الوقوف مع المشاكل الفكرية موقف الدقّة في ترتيب المقدمات ومناقشتها ، وصحة النتائج ، بعيدا عن كل الانفعالات والرواسب والتشنّجات النفسية.

* * *

٥٤١

الآيات

(إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (١٦٣) وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً (١٦٤) رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً) (١٦٥)

* * *

معاني المفردات

(زَبُوراً) : الزبور : الكتاب.

* * *

مناسبة النزول

جاء في «تفسير البيان» للطبري حديث مرفوع إلى الربيع بن خثيم قال إنّ

٥٤٢

هذه الآية نزلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنّ بعض اليهود لمّا فضحهم الله بالآيات التي أنزلها على رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذلك من قوله : (يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ) فتلا ذلك عليهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قالوا : ما أنزل الله على بشر من شيء بعد موسى. فأنزل الله هذه الآيات تكذيبا لهم.

وجاء فيه أيضا حديث مرفوع إلى ابن عبّاس قال : قال سكين وعدي ابني زيد : يا محمد ، ما نعلم الله أنزل على بشر من شيء بعد موسى. فأنزل الله في ذلك من قولهما (إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ) إلى آخر. الآيات (١).

* * *

جولة سريعة مع الأنبياء

وهذه جولة عامة في آفاق التاريخ النبويّ ، من خلال التعداد الإجمالي للرسل مع الإشارة إلى بعض الشخصيات البارزة التي تركت في الواقع البشري بعض الأثر ، في ما يمثله تاريخها من حركة متنوعة ، أو التي توحي ملامحها الشخصية ببعض العبرة في اتجاه التربية والسلوك العملي للإنسان ؛ (إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ) فقد جاء الحديث عن شخصية نوح والنبييّن من بعده ، الذين أجمل الله ذكرهم لعدم وجود ضرورة في ذلك ، لأنهم لم يقوموا بدور بارز ، بينما كان نوح الشخصية التي تمثل نهاية تاريخ سابق للبشرية ، استوعب الكفر جميع جوانبه وأفراده ، وساهم نوح في الجهاد من أجل تغييره بالدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ، حتى إذا استنفد كل التجارب للوصول إلى ذلك ، ولم تبق هناك تجربة واحدة ، انطلق التغيير على يده بالطوفان ، ليبدأ تاريخ جديد يرتكز على

__________________

(١) تفسير البيان ، م : ٤ ، ج : ٦ ، ص : ٣٧ ـ ٣٨.

٥٤٣

أساس الإيمان بالله ؛ ولذلك اعتبر الأب الثاني للبشرية.

(وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ) أمّا إبراهيم ، فهو الشخصية البارزة المتحركة في هدوء وقوة ووداعة ، التي تنوعت مجالاتها في أكثر من صعيد ، وكانت رسالته أم الرسالات اللاحقة ، لأنها كانت تمثل الخطوط العامة التي تلتقي بكل التفاصيل الموجودة في بقية الرسالات ؛ وبهذا كان دوره حيويا في هذا التاريخ.

وتحركت القافلة من بعده لتشمل أولاده ، (وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ) ، وهم أولاد يعقوب كما قيل ، (وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً) ... وقد كان لكل واحد منهم بعض الخصائص التي تغري بالتفصيل ، بما تشتمل عليه من العبرة ، وربما كان لبعضهم امتداد في تاريخ الرسالات أكثر من بعض آخر ، فإننا قد نلاحظ اختلاف الآفاق بين شخصية عيسى وشخصية الأنبياء الآخرين من أولاد إبراهيم. وقد يكون الحديث عن بعضهم كالأسباط ، حديثا عن متعلقات الأنبياء ، لأنه لم يثبت ذلك ، فيمكن أن لا يكون المراد بالوحي إليهم الوحي بشكل مستقل ، بل ربما كان ذلك يتبع الوحي إلى آبائهم. وقد نواجه في شخصية أيوب ويونس جانب الفكرة الموحية المملوءة بالعبرة أكثر مما نواجه فيها التفاصيل الرسالية الممتدة في الجانب العملي الحركي من الرسالة.

أمّا سليمان ، فقد انطلقت شخصيته في الملك والسيطرة المطلقة التي تتحرك بالوسائل الغيبية ، ولم يبرز منها الشيء الكبير في مجال الحركة الرسالية على مستوى الدعوة إلى الله على طريقة الأنبياء ، وليس معنى ذلك أنها غير موجودة ، ولكن القرآن لم يحدثنا عنه إلا من جانب الملك بالإضافة إلى الملامح الذاتية الرسولية في إخلاصه لله وانقطاعه إليه.

وقد تحدث الله عن داود كونه صاحب كتاب أوحاه الله اليه ـ وهو

٥٤٤

الزبور ـ ليكون الوجه الرسالي الذي يلتقي فيه بالناس في روعة الآفاق الفنية الروحية التي توحي بالخشوع ، ليعيش دور الخلافة القوي الذي يمارس الحكم في حياة الناس من موقع الإرادة الإلهية.

وهكذا أجمل الله لرسوله ـ بعد ذلك ـ قصة الرسالات بين رسل لم يحدثه الله عنهم وآخرين حدّثه عنهم ، (وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ) لأن الكتاب ليس كتاب تاريخ عادي يستعرض كل الوقائع والأشخاص والمواقف ، بل هو كتاب هداية وإرشاد وتوجيه ، يأخذ من التاريخ في وقائعه وأشخاصه ما يتصل بذلك الهدف ، ويترك ما عدا ذلك. وأفرد موسى بالذكر ، وأشار إلى أن الله قد كلّمه بشكل مباشر ، بخلاف الأنبياء الذين كلمهم عن طريق الوحي ، (وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً) لأن هناك حكمة في هذا الأمر ، في ما يعلمه الله من مصلحة الرسالات من خلال مواجهة الرسل للتحديات الضاغطة عليهم في حياتهم. وقد كثر الحديث عن شخصية موسى في القرآن ، لأنه من الشخصيات النبوية المتحركة التي كانت أدوارها تضج بالحركة والحياة ، من خلال ما تحمله شخصيته من القوة والحيوية والامتداد ، وما يتحرك به جوّه البشري من مواقف وتحديات وأوضاع معقّدة في نطاق دوره ، وفي نطاق الأدوار اللاحقة له من بعده.

ما هو دور هؤلاء الرسل ، ولماذا أطلقهم الله في تاريخ البشرية؟ (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) إن هذه الآية تحدد دورهم بالإنذار والتبشير من أجل إقامة الحجة على الناس ، في ما يريد الله للناس أن يعرفوه ويعملوا به في طاعته ، من خلال القضايا التي قد يحتاجون فيها إلى الوحي ، من أجل إدراك تفاصيلها ، أو من خلال المواقف المتنوعة التي تواجههم ، فلا يملكون التفاصيل الواضحة الهادية إلى الصراط المستقيم ، أو في ظل إخراجهم من طبيعة الغفلة التي قد تطبق على أفكارهم

٥٤٥

وعقولهم ، فتبعدهم عن التركيز والامتداد في الخط الصحيح ، إلى غير ذلك من الأمور التي قد لا يكفي فيها العقل لإقامة الحجة ، بل يحتاج فيها إلى الوحي الذي يهدي العقل ، في ما لا سبيل إلى الوصول إليه ، أو ما تحيط به الشبهات والأضاليل فتغرقه في الأجواء الكثيفة من الضباب ؛ فقد يقول الناس غدا ، عند ما يحاسبهم الله على ما انحرفوا فيه ، أو ما أخطئوا به ، إنهم لم يلتقوا بالرسل الذين يبصّرونهم الطريق ؛ فكان تاريخ الرسل الذي تلاحقت فيه الرسالات هو الرد على كل ذلك ؛ (وَكانَ اللهُ عَزِيزاً) في قوته وقدرته ، (حَكِيماً) في أوامره ونواهيه وتقديره في الأمور.

* * *

٥٤٦

الآية

(لكِنِ اللهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) (١٦٦)

* * *

مناسبة النزول

جاء في أسباب النزول ـ للواحدي ـ قال الكلبي : إن رؤساء أهل مكة أتوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالوا : سألنا عنك اليهود فزعموا أنهم لا يعرفونك فائتنا بمن يشهد لك أن الله بعثك إلينا رسولا ، فنزلت هذه الآية (١).

كما جاء في «تفسير البيان» للطبري حديث مرفوع إلى ابن عبّاس قال : دخل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جماعة من يهود ، فقال لهم : إنّي والله أعلم أنّكم لتعلمون أنّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. فقالوا : ما نعلم ذلك. فأنزل الله (لكِنِ اللهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) (٢).

* * *

__________________

(١) أسباب النزول ، ص : ١٠٣.

(٢) تفسير البيان ، م : ٤ ، ج : ٦ ، ص : ٤٢.

٥٤٧

الله يشهد على نبوّة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

ربما يحاول بعض اليهود ، أو غيرهم ، أن يثيروا التشكيك برسالة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كأسلوب من أساليب الحرب النفسية ضده ليهزموا إرادته ، ويفقدوه الثقة بنفسه وبدوره ؛ ولكن الله أودع في نفسه الشعور العميق بالثقة المطلقة بالرسالة وبالوحي المنزل إليه من ربه ، وذلك من خلال التأكيد القرآني الدائم لهذه الحقيقة ، بالإيحاء بأن الله يشهد بما أنزل إليه بعلمه ، وبأن الملائكة يشهدون بذلك. ومهما كانت شهادة الملائكة أو غيرهم ، فإن شهادة الله كافية عن كل شهادة ، لأن كل شهادة من غير الله هي مستمدة من الله سبحانه ، في ما أطلع عليه عباده من ذلك. وقد جاءت هذه الآية لتؤكد هذه الحقيقة في نفس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كردّ على كل الأساليب التشكيكية المضادّة التي كان يقوم بها الآخرون.

* * *

٥٤٨

الآيات

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالاً بَعِيداً (١٦٧) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً (١٦٨) إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً) (١٦٩)

* * *

لن يغفر الله للكافرين الظالمين

هؤلاء الكفار الذين لا يكتفون بأن يكفروا بالله ، بل يضيفون إلى ذلك الوقوف كحجر عثرة أمام سبيل الله ، في كل جوانب الفكر والعمل ، ويعملون على أن يمنعوا العاملين من التحرّك بحرية من أجل الوصول إلى قناعات الناس ، من موقع الإقناع القائم على البرهان والحجة الواضحة ... هؤلاء الكافرون تائهون ضالّون ضلالا بعيدا ، لأنهم يحسبون أنفسهم في طريق الهدى جهلا واستكبارا ؛ ولهذا فإنهم لا يرجعون إلى قاعدة من الهدى ليرتكزوا عليها ، بل يظلون ينتقلون من ضلال إلى ضلال ، لأنهم لا يسمحون لأفكارهم أن تتحرك في داخلهم بحرية ليكتشفوا الحق من ذلك الموقع.

٥٤٩

إن هؤلاء الذين كفروا وظلموا أنفسهم والمؤمنين لا يتعلّقون بأيّ أمل يربطهم بمغفرة الله ، لأنهم لا يرتبطون به بأيّة رابطة إيمان أو عبادة ، فلا يمكن أن ينالوا هذه المغفرة ، ولا يمكن أن يهديهم أيّ طريق ؛ فكلّ الطرق مغلقة أمامهم ، إلا الطريق الوحيد الذي اختاروه بأنفسهم وهو طريق جهنم خالدين فيها أبدا ، لأن ذلك هو جزاء الكفر والكافرين ؛ (وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً) ، لأنه يملك الأمر كله يوم القيامة.

وفي هذه الآيات تصوير لهذا المصير الذي ينتظر الكافرين ، ليقف الناس منه موقف المتأمّل الذي يفكر كيف يختار طريقه ، على أساس من الشعور بمسؤوليته عن نفسه ، في ما ينتظره من عقاب أو ثواب.

* * *

٥٥٠

الآية

(يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً) (١٧٠)

* * *

قد جاءكم الرسول بالحق فآمنوا

... ويعود القرآن ليجدّد الدعوة إلى الناس في الإيمان بالحق الذي جاء به الرسول ، لما يمثله ذلك من الخير الذي يحصلون عليه ، في ما يحقّقه لهم في الدنيا من مصالح ومنافع عامة وخاصة ، وما ينتظرهم من الثواب في الآخرة. أمّا إذا تمرّدوا واختاروا الكفر ، فإن عليهم أن يعرفوا أن ذلك لن يضر الله شيئا ، ولن ينقص من ملكه أيّ شيء ، فإن له ما في السموات والأرض ، وهو القادر على أن يعاقبهم مهما امتدّ بهم العمر ؛ (وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً) ، في ما يتعلق بكل شؤونهم وأعمالهم.

* * *

٥٥١

الآيات

(يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً (١٧١) لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً (١٧٢) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً) (١٧٣)

* * *

معاني المفردات

(تَغْلُوا) : أصل الغلوّ : مجاوزة الحد ، يقال : غلا في الدين يغلو غلوّا ، أو غلا بالجارية لحمها وعظمها : إذا أسرعت الشباب وتجاوزت لداتها

٥٥٢

تغلو غلوا وغلاء ، وغلا بسهمه غلوا : إذا رمى به أقصى الغاية ، وتغالى الرجلان : تفاعلا من ذلك.

(الْمَسِيحُ) : قال في مجمع البيان : «أصل المسيح الممسوح ، سمّاه الله بذلك لتطهيره إياه من الذنوب والأدناس التي تكون في الآدميين وقيل : إنه سرياني وأصله مشيحا ، فعرّبت كما عرّبت أسماء الأنبياء ، وقيل إنه ليس مثل ذلك ، فإن إسحاق ويعقوب وإسماعيل وغيرها أسماء لا صفات ، والمسيح صفة ، ولا يجوز أن يخاطب الله خلقه في صفة شيء إلّا بما يفهم» (١).

(وَكَلِمَتُهُ) : هي كلمة (كن) التكوينية التي ألقيت إلى مريم البتول المذكورة في قوله تعالى : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [آل عمران : ٥٩]. وتمثل مظهر قدرة الله تعالى وتعبّر عن إرادته من دون تخلل الأسباب الطبيعية. قال تعالى : (إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [آل عمران : ٤٧].

(وَرُوحٌ مِنْهُ) : كناية عن قدرة الله التي بها يخلق ما يخلق ويبدع ما يبدع فهو روح (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) [الإسراء : ٨٥].

(ثَلاثَةٌ) : الأقانيم الثلاثة : الأب والابن والروح القدس.

(يَسْتَنْكِفَ) : يأنف ويمتنع. والاستنكاف : الأنفة من الشيء ، يقال : استنكف من الشيء أو عن الشيء ، إذا امتنع منه وأعرض عنه أنفة واستكبارا. قال صاحب المجتمع : «وأصله في اللغة من نكفت الدمع إذا نحيته بإصبعك من خدّك» (٢).

__________________

(١) مجمع البيان ، ج : ٣ ، ص : ٢٢٢.

(٢) (م. ن) ، ج : ٣ ، ص : ٢٢٤.

٥٥٣

(وَاسْتَكْبَرُوا) : الاستكبار طلب الكبر من غير استحقاق ، والتكبر قد يكون باستحقاق فلذلك جاز في صفة الله تعالى المتكبر ولا يجوز المستكبر.

* * *

مناسبة النزول

جاء في أسباب النزول ـ للواحدي ـ في قوله تعالى : (لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ) نزلت في طوائف من النصارى حين قالوا : عيسى ابن الله ؛ فأنزل الله تعالى : (لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَ). وفي قوله : (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ) الآية قال الكلبي : إن وفد نجران قالوا : يا محمد ، تعيب صاحبنا؟ قال : ومن صاحبكم؟ قالوا : عيسى ، قال: وأيّ شيء أقول فيه؟ قالوا : تقول إنه عبد الله ورسوله ، فقال لهم : إنه ليس بعار لعيسى أن يكون عبد الله ، قالوا : بلى ؛ فنزلت الآية (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ) (١).

* * *

يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ... في شخصية المسيح

ويتابع القرآن توجيه الإنسان إلى السير في خط الحق الذي أراد منه الإيمان به ، ليحصل على الخير من خلاله ؛ فأطلق النداء إلى أهل الكتاب

__________________

(١) أسباب النزول ، ص : ١٠٤.

٥٥٤

الذين انحرفوا في تصورهم العقيدي لله وللمسيح ، فابتعدوا عن التوحيد بما استحدثوه من عقيدة التثليث ، سواء في الفكرة التي تعتقد بالتثليث الإلهي بشكل مباشر ، أو في الفكرة التي تعتقد بالتثليث في نطاق الوحدة ، كما هو الشائع لدى النصارى من أهل الكتاب.

ودعاهم إلى عدم الغلو في المسيح باعتقاد صفة الألوهية فيه ، (يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَ) وأراد منهم أن يبتعدوا عن أي خط لا يلتقي بالحق ، وأوضح لهم شخصية المسيح بكل بساطة (إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ) ، فهو لا يحمل في داخل ذاته أسرارا غيبية معقّدة ، أو أجزاء إلهية مقدسة ، فهو بشر كبقية البشر في تكوينه الجسدي وفي طاقاته الإنسانية ؛ وقد ميّزه الله عنهم برسالته التي كلفه بها ، كما ميّز سائر الرسل بذلك ؛ ولكن له ميزة أخرى يختلف بها عن سائر الناس والأنبياء ، فهو لم يولد كما ولد سائر الأنبياء والرسل والناس بالطريقة البشرية الطبيعية الخاضعة لنظام التناسل الطبيعي ، بل كان ـ كما تقول الآية ـ كلمة الله ألقاها إلى مريم ، وروحا منه أفاضها عليها ، كما أفاضها على آدم من قبل ، ليكون مظهرا لقدرة الله في ولادة إنسان بلا أب ، كما كان آدم مظهرا لقدرته ـ تعالى ـ في ولادة إنسان من غير أب أو أم ، كما أشارت الآية الكريمة إلى ذلك في قوله تعالى :

(إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [آل عمران : ٥٩].

وليست الكلمة ، أو الروح ، في الآية ، تعبيرا عن الجزء الإلهي أو الحقيقة الإلهية ، لأن طبيعة الله لا تتجزأ ، فهي بسيطة كل البساطة ، ولا يمكن أن تنتقل من مكان إلى آخر ، بل المراد بهما مظهر قدرة الله وسر إبداعه ،

٥٥٥

في ما أفاضه على جسد آدم الهامد الجامد الخالي من الروح ، كما أفاضها على مريم الخالية عن أسباب الولادة الطبيعية ، ولهذا التقت الكلمات القرآنية في التعبير عنهما ، فنقرأ ـ مثلا ـ في قصة آدم في حوار الله مع الملائكة في الآية الكريمة : (إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ) [ص : ٧١ ـ ٧٢]. ونقرأ في قصة مريم وابنها ، قوله تعالى : (وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ) [الأنبياء : ٩١].

أما وصف عيسى بالكلمة ، فلأن وجوده انطلق من كلمة الإيجاد المتمثلة في قوله تعالى : (لكِنْ) المعبر عن إرادته سبحانه ، من دون تخلّل الأسباب الطبيعية خلافا للناس الآخرين ، مع أن الجميع خاضعون لإرادة الله وقدرته التكوينية.

ولعل الخلاف بين المفسرين في ما يتعلق بالكلمة ، وبالروح خاضع لطريقتهم في فهم القرآن الكريم ، على أساس الاستنطاق الحرفي لمعنى الكلمتين ، والابتعاد عن الجو الذي يحكم الفكرة ، وهو الجو الذي تتحرك فيه القدرة الإلهية بشكل غير مألوف ، ممّا يصحح الطريقة الكنائية في التعبير ، التي يسوغ ـ معها ـ اعتباره مصداقا لروح الله ، أو نفخة من روحه تماما ، مع الفارق الكبير في التشبيه ، كما يقول الأديب أو الشاعر عن القصيدة أو الأثر الفني الذي يصدر عنه : بأنها قطعة من روحه ، أو أنها ذوب روحه ، أو أنه أودع فيها روحه ، للتدليل على ما بذله فيها من جهد فني أو صرفه عليها من طاقة. ومن الطبيعي أن ذلك لا يصلح للانطباق على أفعال الله بشكل دقيق ، على أساس المعنى الحقيقي للكلمة ، لأن الجهد لا معنى له في ما يخلقه الله ، ولكنه يتجسّد في مظهر القدرة وعظمة الخلق ؛ وبهذا يكون التعبير بالروح التي نفخها الله في الجسد أو اعتبرها المخلوق نفسه ، كناية عن قدرة

٥٥٦

الله التي بها يخلق ما يخلق ، ويبدع ما يبدع.

تلك هي صفة عيسى عليه‌السلام التي يريد الله للمؤمنين أن يتمثلوها في إيمانهم ، لأنها تمثل الصفة الواقعية التي ترتفع عن الغلو ، وتنسجم مع طبيعة الأشياء. ثم يدعوهم ـ من خلال ذلك ـ إلى الإيمان بالله ورسله ، (وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ) وإلى الامتناع عن القول بالتثليث ؛ (انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ) فإن ذلك خير لهم ، لأن الله إله واحد ، تعالى عن أن يكون له ولد ، سواء في ذلك ما يعطيه ويدل عليه لفظ الابن في المفهوم البشري من التولّد عن طريق التناسل ، مما يستتبع وجود الزوجة ، أو ما يحاول بعض المتفلسفين في المسيحية أن يحملوه عليه ، وهو التولّد الذاتي الذي يجعل له الطبيعة الإلهية المستمدة من الأب ، فإن ذلك كله مستحيل في حقه ـ كما سنرى في الحديث ـ وبهذا تلتقي آيات التثليث بالآيات التي تجعل لله الابن ، كما في الآية الكريمة المتقدمة (إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ).

ونلاحظ ـ في هذا المجال ـ أن القرآن اتخذ في أسلوب الرد على هذه الفكرة ، طريقة التركيز على عظمة الله وتنزيهه عن ذلك بما توحيه كلمة «سبحانه» ، ثم محاولة إلفات الإنسان إلى أن الله هو مالك السموات والأرض وما فيهن ، وأن كل ما فيهن قانت له خاضع لإرادته ، وأنه مبدع كل شيء ، (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) فهو لا يحتاج في إيجاد أي شيء ـ مهما عظم ـ إلا إلى تعلق إرادته به التي تعبّر عنها كلمة الإيجاد ، وهي قوله : (لكِنْ).

وإذا كانت القضية على هذا الأساس ، فأيّة حاجة به إلى جعل الولد بأيّ معنى كان؟ وما معنى التثليث بعد ذلك؟

ويلتقي هذا الأسلوب ، بالطريقة القرآنية العامة التي لا تميل إلى التعقيد في مجالات الاحتجاج ، بل تتبع سبيل التبسيط والتسهيل الذي يخاطب

٥٥٧

الفطرة الصافية عن قرب ، لأن ذلك هو السبيل الصحيح للإيمان الحق ، حيث يهيّئ الجو للفطرة أن تمتد وتتحرك من أجل الوصول إلى الحقيقة من أقرب طريق ... وبهذا ندرك أن القرآن الكريم لم يدخل مع هؤلاء في جدل فلسفي حول قضية التثليث والوحدة وما يلزم ذلك أو يستتبعه من الوقوع في الفروض المستحيلة ، بل اكتفى بالتأكيد على الوحدة التي يقرها هؤلاء ، وتقتضيها الأدلة ، ثم أطلق النهي عن القول بالتثليث ، وأكّد كفر القائلين به ، لأنه يتنافى مع التوحيد الذي يرفض تعدد مظاهر الطبيعة الواحدة ، كما يفرض تعدد الطبائع ؛ فإن التوحيد الإلهي ، لا يلتقي بأيّ معنى من هذه المعاني. وترك للفطرة أن تقارن ـ بعد ذلك ـ وتحكيم ، دون أن يحدّد لها تفاصيل المقارنة والحكم ، انطلاقا من المنهج القرآني الذي يحاول أن يشقّ الطريق للفكر ويدلّه على المنهج ، ثم يدع له أمر سلوكه أو الاطلاع على ما فيه ، والاستفادة من كل ذلك في كل ما يريد ؛ ذلك هو الخط العريض للفكرة ، من وجهة عامة.

أمّا قضية المسيح عيسى ابن مريم بالذات ، فلا يمكن أن يتصور فيها ذلك ، مع غضّ النظر عن استحالة الفكرة في ذاتها ، لأن فكرة ابن الله تلتقي مع فكرة أنه الله ، كما أشرنا إلى ذلك في ما تقدم من حديث ، وكيف يمكننا أن نقرّ بذلك في ما يتصف بكل خصائص البشرية ولوازمها ، تماما كأيّ بشر عادي؟ وقد ركّز القرآن في أكثر من آية على استعراض الخصائص البشرية في وجود عيسى منذ ولادته إلى أن رفعه الله إليه ، ثم أفاض في وصف ولادته وما أحاط بها من العوارض التي عرضت له في حياته ، كجسد يتأثر بكل ما يتأثّر به الجسد في دائرة الحياة والموت ، مما يتنافى مع أية طبيعة إلهية.

أما قصة ولادته الخارجة عن نواميس الطبيعة العادية ، وما قام به من معاجز وخوارق ، فلا يمكن اعتبارها دليلا على الجانب الإلهي فيه ، لأن

٥٥٨

موضوع الولادة غير المألوفة كان متمثلا في آدم قبله ، بصورة أكثر من ذلك ، إذ ليس لآدم ولادة بالمعنى الطبيعي للولادة. أما الخوارق ، فقد حدثت على أيدي الأنبياء باعتراف كتب العهدين ، من دون أن يكون في هذا أو ذاك ما يوجب اعتبار آدم إلها ، أو القول بألوهية الأنبياء.

ويؤكد القرآن هذه الحقيقة من خلال الحياة العادية للمسيح ، فيعلن أن (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ) من خلال الالتزام والممارسة ، لأنها الحقيقة الواضحة التي تفرض نفسها على كيانه. وقد كانت سيرته في حياته ، في الدعوة إلى الله الواحد ، وفي خضوعه العملي له ، دليلا على ذلك ، (وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ) سيستنكفون من ذلك ، بل يؤكدون هذه العبودية بكل ما لديهم من وسائل التعبير المتنوعة في مظاهر العبادة ، بكلّ ما لديهم من مشاعر الانسحاق أمام عظمة الله ...

ولا تتوقف هذه الآية عند حدود هذا التقرير للحقيقة في حياة السيد المسيح والملائكة المقرّبين ، بل تواجه الموقف بالتهديد الإلهي لكل الذين يعيشون حياتهم بعيدا عن ذلك ، من خلال ابتعادهم عن عبادة الله استنكافا وتكبّرا (وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً) ليواجه المتعبدون والمستكبرون حركة هذه الحقيقة في مصيرهم ، عند ما يحشرون إلى الله ، ليروا أن القوة لله ، وأن العزة له ؛ فله الملك وله السلطة المطلقة في كل خلقه ، وبيده الأمر كله. (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) ، جزاء لإخلاصهم ولعملهم ، (وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً) ، لأنهم لم يستسلموا للإيمان الذي يفرض نفسه على فكرهم وشعورهم ، ولكنهم يتمرّدون عليه (وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً) ...

* * *

٥٥٩

الآيتان

(يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً (١٧٤) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً) (١٧٥)

* * *

معاني المفردات

(بُرْهانٌ) : البرهان : الشاهد بالحق ، وقيل : البرهان : البيان ، يقال : برهن قوله أي بيّنه بحجة.

(وَاعْتَصَمُوا) : الاعتصام ، اعتصم فلان بالله ، أي امتنع من الشرّ به ، والعصمة من الله : دفع الشر عن عبده ، واعتصمت فلانا : هيّأت له ما يعتصم به ، والعصمة من الله على وجهين (أحدهما) بمعنى الحفظ ، وهو أن يمنع عبده كيد الكائدين كما قال سبحانه لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) [المائدة : ٦٧] ، (والآخر) أن يلطف بعبده بشيء يمتنع عنده من المعاصي.

* * *

٥٦٠