هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٥

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٥

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٢

فقال الأوّل (١) فيما حكي عنه : «إنّ وجه الإشكال (٢) أنّ المشتري مع العلم (٣) يكون مسلّطا للبائع الغاصب على الثمن ، ولذا (٤) لو تلف لم يكن له الرجوع. ولو بقي (٥)

______________________________________________________

(١) وهو قطب الدين محمّد بن محمّد البويهي ، من تلامذة العلّامة قدس‌سرهما وتسمّى حاشيته «الحواشي القطبيّة» كما أفاده في الذريعة (١). والحاكي لكلامه هو السيد الفقيه العاملي قدس‌سره.

(٢) قد مرّ آنفا توضيح الاشكال ، وأنّ مناطه هو تسليط المشتري العالم بغصبية المبيع البائع الغاصب على الثمن. وقوله : «إن المشتري .. إلخ» بيان لأوّل وجهي الإشكال.

(٣) أي : مع علم المشتري بغصبية المبيع ، وقوله : «على الثمن» متعلق ب «مسلّطا».

(٤) أي : ولأجل تسليط المشتري ـ العالم بغصبية المبيع ـ البائع الغاصب على الثمن ، لو تلف الثمن عند البائع الغاصب فليس للمشتري مطالبة بدله. وهذا يكشف عن خروج الثمن عن ملك المشتري ، ودخوله في ملك الغاصب بسبب التسليط المجّاني. فتأمّل ، إذ مع فرض بقائه على ملكه يكون عدم جواز الرجوع إلى بدله منافيا لقاعدتي السلطنة وضمان اليد العادية.

(٥) يعني : ولو بقي الثمن ـ ولم يتلف في يد الغاصب ـ ففيه الوجهان ، من حيث نفوذ الإجازة وعدمه.

__________________

ويظهر حقيقته بتطبيق ما في النسخة المذكورة مع المطبوع من النجارية ، كما ذكرنا» (٢). لكن الموجود في غير موضع من رياض العلماء نسبة الحواشي النجارية إلى الشهيد ، كقوله : «ومنها الحواشي النجارية ، والحقّ أنّها بعينها حاشية الشهيد الأوّل» (٣). وقوله : «وله أي وللشهيد أيضا حواشي القواعد إلى آخر الكتاب ، سمّاها حواشي النجارية ..» (٤).

__________________

(١) الذريعة الى تصانيف الشيعة ، ج ٦ ، ص ١٧٢.

(٢) نفس المصدر.

(٣) رياض العلماء ، ج ١ ، ص ٣٨٧ وج ٦ ، ص ٣٦.

(٤) المصدر ، ج ٥ ، ص ١٨٧.

٤٢١

ففيه الوجهان (١) (*) ، فلا ينفذ (٢) فيه إجازة المجيز بعد تلفه بفعل (٣) المسلّط بدفعه ثمنا

______________________________________________________

(١) من كون عين المال موجودا ، فله المطالبة. ومن أنّ الإعراض الحاصل بالتسليط يوجب الخروج عن الملك ، فيتملكه الغاصب بالقبض ، فليس للمشتري الرجوع بها على الغاصب.

ويمكن أن يكون بناء الوجهين على أنّ التسليط تمليك للغاصب ، فليس للمشتري العالم بغصبية المبيع الرجوع إلى الغاصب إلّا من باب الهبة إن لم تكن من ذي الرحم ، أو إذن في الإتلاف ، فعلى الأوّل ليس له الرجوع ، وعلى الثاني له الرجوع.

(٢) يعني : فلا ينفذ في بيع الغاصب مال الغير إجازة المالك الأصيل بعد تلف الثمن. وهذا متفرّع على ما أفاده قطب الدين رحمه‌الله من تسليط المشتري ـ العالم بغصبية المبيع ـ البائع الغاصب على الثمن.

توضيحه : أنّ الثمن بسبب التسليط صار ملكا للفضولي الغاصب ، ولم يدخل في ملك مالك المبيع المغصوب ، فلم يتحقق مفهوم البيع المتقوّم بالمبادلة بين المالين ، فلا موضوع للإجازة ، ضرورة أنّ مرجعها إلى إجازة البيع بلا ثمن ، ولذا يصير المال الذي يشتريه الغاصب ـ بذلك الثمن ـ ملكا له ، كما صار الثمن ملكا له بالتسليط.

(٣) الباء للسببية ، ومتعلق ب «ينفذ» يعني : لا تنفذ الإجازة في هذا البيع بسبب فعل المسلّط ، وهو البائع الغاصب ، والمقصود بفعله هو دفع الثمن ـ الذي أخذه من المشتري ـ إلى بائع مبيع اشتراه لنفسه. فتلف الثمن إنّما حصل بدفعه عن سلعة اشتراها الغاصب من بائعها. وهذا التلف ناش عن تسليط المشتري الذي هو السبب حقيقة لعدم نفوذ إجازة

__________________

(*) الظاهر كون اللام للتعريف الذكري ، لكن لم يذكر الوجهان قبل العبارة المحكيّة في المتن ، ولا يحضرني حاشية قطب الدين على القواعد حتى أراجعه.

وكيف كان فالحقّ جواز الرجوع مع بقاء العين ، لأنّ التسليط المجّاني على تقديره إمّا هبة ، وإمّا إباحة مالكية. وعلى التقديرين يجوز الرجوع إلّا في هبة ذي الرّحم.

لكن الحق انتفاء كليهما ، إذ ليس هناك إنشاء جديد حتى يقال : إنّه هبة أو إباحة ، بل التسليط ليس إلّا وفاء للثمن. ومنه يظهر جواز إجازة مالك المبيع المغصوب ، واشتغال ذمة المشتري له بالثمن.

٤٢٢

عن مبيع اشتراه (١). ومن (٢) أنّ الثمن عوض عن العين المملوكة ، ولم يمنع (٣) من نفوذ الملك فيه إلّا عدم صدوره (٤) عن المالك ، فإذا أجاز (٥) جرى (*)

______________________________________________________

المالك الأصيل ، لصيرورة البيع بلا ثمن ، وهو غير قابل للإجازة كما مرّ آنفا.

(١) أي : عن مبيع اشتراه الغاصب لنفسه.

(٢) هذا ثاني وجهي الإشكال المثبت لنفوذ الإجازة ، مع علم المشتري بغصبيّة المبيع فضولا. والظاهر زيادة كلمة «من» وحق العبارة أن تكون «وأنّ الثمن» حتى يعطف «ان الثمن» على «ان المشتري» فكأنه قال : «إن وجه الاشكال : أنّ المشتري مع العلم .. إلخ. وأنّ الثمن عوض».

وكيف كان فملخّص هذا الوجه : أنّ المانع عن تملك المالك الأصيل للثمن الذي دفعه المشتري إلى البائع الغاصب ـ عوضا عن العين المملوكة للغير ـ ليس إلّا عدم صدور البيع عن المالك ، فإذا أجاز كانت الإجازة بمنزلة صدور العقد منه ، فيملك الثمن بلا مانع. كما يملك المشتري المبيع كذلك ، فلا يلزم كون البيع بلا ثمن حتى لا يكون موضوعا للإجازة.

وبالجملة : قد جعل الثمن قبل دفعه إلى الغاصب البائع ثمنا للمبيع المغصوب ، وعدم اتصافه بالثمنية كان لأجل عدم صدور البيع من المالك. فإذا أجاز كانت إجازته بمنزلة صدور البيع عنه ، فيتصف حينئذ بالثمنية والعوضية.

(٣) يعني : ولم يمنع شي‌ء من نفوذ الملك في الثمن ، سوى عدم صدور البيع من المالك.

(٤) الضمير راجع إلى «العقد» المستفاد من العبارة.

(٥) يعني : إذا أجاز مالك المبيع المغصوب ـ الذي باعه الفضول ـ جرى مجرى البيع الصادر عن المالك.

__________________

(*) هذا بناء على كاشفية الإجازة ، حيث إنّ الإجازة تكشف عن صحة العقد قبل تسليط المشتري ، وعدم ملكية الثمن للبائع الغاصب ، وعن انتقال المبيع إلى المشتري قبل دفع الثمن إلى البائع الغاصب. وأمّا بناء على ناقليتها فليست الإجازة نافذة ، لصدورها بعد دخول الثمن في ملك البائع بالتسليط ، فلا يجري عقد الفضولي حينئذ بسبب الإجازة مجرى العقد الصادر من المالك.

٤٢٣

مجرى الصادر عنه» انتهى (١) (*).

__________________

(*) لا يخفى أن قطب الدين الرازي قدس‌سره لم يرجّح أحد طرفي الاشكال. ووجه عدم صحة الإجازة ـ وهو عدم انتقال الثمن إلى مالك المبيع فضولا لأجل تسليط المشتري البائع الغاصب على الثمن ـ مشترك بين الفخر والشهيد قدس‌سرهما ، إذ كلاهما قائل بعدم المقتضي للإجازة ، حيث إنّ المقتضي وهو البيع مفقود هنا ، لتقومه بتبادل المالين المنفي في المقام ، بعد فرض انتقال الثمن إلى البائع الغاصب ، وعدم انتقاله إلى المالك الأصيل.

ولازم بطلان إجازة العقد الأوّل بطلان إجازة الثاني ، ضرورة أنّه وقع على مال الغاصب ، إذ المفروض وقوع البيع على الثمن الذي صار ملكا له بتسليط المشتري. ومن المعلوم أنّ صحة الإجازة من المالك منوطة بكون المجيز مسلّطا شرعا على الإجازة ، بأن يكون مالكا لأحد العوضين ، أو وكيلا عنه ، أو وليّا عليه ، أو مأذونا من قبله.

والحاصل : أنّ البيع الثاني وإن كان مشتملا على عوضين وأجنبيا عن البيع بلا ثمن ، لكنّهما ليسا من المالك الأصيل ، فلو أجازه وقعت إجازته على غير ماله ، وهي غير نافذة. بخلاف البيع الأوّل ، فإنّه لا ثمن فيه ، فليس بيعا حقيقة حتى يقبل الإجازة ، هذا.

لكن الحق صحة إجازة البيع الأوّل من مالك المبيع المغصوب ، بداهة أنّ المشتري لا ينشئ تمليكا جديدا للثمن للبائع الغاصب ، بل تسليطه الغاصب على الثمن يكون بعنوان الوفاء ، إذ من المعلوم أنّه لا يدفع الثمن إلّا عوضا عن المبيع ، ولذا لم يدفع إليه المال في غير مقام المعاملة. غاية الأمر أنّه يعلم بأنّ البائع لا يدفع الثمن إلى مالكه وهو المغصوب منه ، ويتصرف فيه عدوانا ، كتصرفه في نفس المبيع ، وهذا العلم لا يضرّ بقصد البيع والمبادلة ، فلا مانع من إجازة المالك ، إذ لا يلزم محذور البيع بلا ثمن. كما أنّه لا مانع من إجازة البيع الثاني والثالث والرابع الجارية على الثمن أو المثمن.

تنبيه : لا يخفى أنّ مورد الاشكال هو الثمن الشخصي لا الكلي ، لأنّ المبذول للغاصب ليس هو الثمن الذي وقع عليه العقد حتى تكون العقود الواردة عليه واقعة على الثمن كي تندرج هي تحت عنوان تتبع العقود الجارية على الثمن. لكنّك قد عرفت عدم مملّكية التسليط ، وصحة إجازة مالك المبيع العقد الأوّل وغيره من العقود الواقعة على المبيع أو الثمن.

__________________

(١) حكاه السيد العاملي عنه في مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٩٢.

٤٢٤

وقال (١) في محكيّ الحواشي : «إنّ المشتري مع علمه (٢) بالغصب يكون مسلّطا للبائع الغاصب على الثمن ، فلا يدخل (٣) في ملك ربّ العين (*).

______________________________________________________

(١) يعني : وقال الشهيد الأوّل في محكيّ الحواشي المنسوبة إليه على قواعد العلّامة قدس‌سره. وملخص ما أفاده : صيرورة بيع الفضول الغاصب للمبيع ـ مع علم المشتري بالغصب ـ بيعا بلا ثمن ، حيث إنّ تسليطه البائع الغاصب على الثمن مانع عن دخول الثمن في ملك مالك المبيع المغصوب ، حتى يتحقق التبادل بين المالين الذي يتقوّم به البيع. فالمتاع الذي يشتري به الغاصب يكون ملكا له ، لصيرورة ثمنه ملكا له.

والشاهد على مملكية التسليط برهانان إنّيّان :

أحدهما : حكمهم بعدم جواز استرداد الثمن من الغاصب إذا رجع المالك على المشتري بالمبيع ، وهذا دليل على ملكية الثمن للبائع الغاصب.

ثانيهما : حكمهم بعدم جواز الرجوع إلى البدل إذا أتلفه الغاصب ، إذ لو كان ملكا للمشتري كان إتلافه موجبا للضمان (*).

(٢) أي : علم المشتري بغصبيّة المبيع للبائع الفضول.

(٣) يعني : فلا يدخل الثمن مع هذا التسليط في ملك ربّ العين ، وهو مالك المبيع المغصوب.

__________________

(*) هذه العبارة ظاهرة في كون الإجازة ناقلة ، إذ مع الكاشفية يؤثر عقد الفضول من حينه ، ويدخل الثمن في ملك مالك المبيع المغصوب قبل تسليط المشتري البائع الغاصب على الثمن ، فيجوز للمالك إجازة البيع الأوّل من دون لزوم كونه بيعا بلا ثمن.

(**) لكن فيهما ما لا يخفى إذ في الأوّل : أنّ التسليط ليس من الأسباب الناقلة ، إلّا إذا كان هبة. وحينئذ يجوز الرجوع فيه مع بقائه.

وفي الثاني : أنّ عدم الضمان ليس لازما مساويا لمالكية الغاصب للثمن ، بل أعمّ منه. فعدم الضمان لا يدلّ على كون الثمن ملكا للغاصب ، بل عدم الضمان إنّما هو لأجل إذن المشتري في التصرّف فيه ولو بإتلافه ، أو لأجل العقوبة ، لأنّه عاوض ماله بحرام ، فليس له الرجوع إلى بدله إذا أتلفه الغاصب.

٤٢٥

فحينئذ (١) إذا اشترى به البائع متاعا فقد اشتراه لنفسه (٢) ، وأتلفه عند الدفع إلى البائع (٣) ، فتتحقق (٤) ملكيّته (٥) للمبيع. فلا (٦) يتصوّر نفوذ الإجازة هنا (٧) ،

______________________________________________________

(١) أي : فحين تسليط المشتري العالم بالغصب البائع الغاصب على الثمن كدينار مثلا ـ الموجب لعدم دخول الثمن في ملك مالك المبيع المغصوب ـ يترتّب عليه : أنّه إذا اشترى البائع الغاصب بهذا الثمن متاعا كما إذا اشترى به ثوبا ، فقد اشتراه لنفسه ، لصيرورة الثمن ملكا له إمّا للتسليط المجاني بناء على ملكيته ، وإمّا للبناء على جواز جميع التصرفات حتى المتوقفة على الملك في المعاطاة ، فيصير الثوب الذي اشتراه البائع الغاصب ملكا له ، كما يصير الدينار ملكا لبائع الثوب.

(٢) لأنّه اشتراه بالثمن الذي صار ملكا له بالتسليط المزبور. وعلى هذا فمالك المبيع المغصوب ـ الذي بيع فضولا ـ أجنبي عن الثوب والثمن الذي اشترى به الفضولي ثوبه.

(٣) أي : بائع ذلك المتاع ، وهو الثوب في المثال.

(٤) هذه نتيجة ملكية الثمن للبائع الغاصب بسبب تسليط المشتري ، يعني : فيتحقق مالكية البائع الغاصب للمبيع ، وهو الثوب الذي اشتراه لنفسه بالثمن المزبور.

(٥) كذا في نسخ الكتاب ، وفي مفتاح الكرامة «ملكه للمبيع» والأولى أن يقال : «مالكيته» أو «ملكية المبيع للبائع الغاصب».

(٦) هذا متفرّع على قوله : «فلا يدخل في ملك ربّ العين» يعني : أنّه لا يتصور نفوذ إجازة مالك المبيع المغصوب في بيع الغاصب ، لأنّ المفروض صيرورة الثمن ملكا للبائع الغاصب ، دون المالك المغصوب منه حتى يكون عوضا عن المبيع المغصوب ، فيصير بيعه بلا ثمن ، وهو ليس بيعا لا شرعا ولا عرفا. فإجازته لا تنفذ ، لعدم موضوع لها ، فبيع الفضول المال المغصوب ليس قابلا للإجازة ، لأنّه صورة بيع ، وليس بيعا حقيقة ، لكونه بلا ثمن.

(٧) أي : في العقد الثاني ، وهو اشتراء البائع متاعا بالثمن المذكور ، فلا تنفذ إجازة مالك المبيع المغصوب في البيع الثاني ، لصيرورة الثمن ملكا للبائع الغاصب ، وعدم دخوله في ملك المالك الأصيل حتى تنفذ إجازته ، بل يكون أجنبيا عن الثمن والمتاع الذي اشتراه به الغاصب.

٤٢٦

لصيرورته (١) ملكا للبائع ، وإن أمكن إجازة المبيع (٢). مع احتمال عدم نفوذها (٣) أيضا ، لأنّ (٤) ما دفعه إلى الغاصب كالمأذون له في إتلافه ، فلا يكون (٥) ثمنا ، فلا تؤثّر (٦) الإجازة في جعله ثمنا.

______________________________________________________

(١) تعليل لعدم تصور نفوذ الإجازة هنا ، ومحصّله : أنّ صيرورة الثمن ملكا للبائع الغاصب ـ وعدم انتقاله إلى المالك المغصوب منه حتى يصحّ منه إجازة العقد الثاني ـ توجب كون المالك الأصيل أجنبيا عن البيع ، فلو أجازه لم تنفذ فيه.

(٢) هذا راجع إلى البيع الأوّل ، يعني : وإن احتمل نفوذ إجازة المبيع المغصوب الذي باعه الفضولي ، نظرا إلى ما ذكره قطب الدين في (ص ٤٢٣) بقوله : «ومن أنّ الثمن عوض عن العين المملوكة». والمانع عن دخول الثمن في ملكه عدم صدور العقد من المالك ، فإذا أجاز جرت إجازته مجرى صدور العقد من المالك.

(٣) أي : عدم نفوذ الإجازة ـ كما هو أحد وجهي الإشكال الذي ذكره قطب الدين في كلامه ـ فإنّه محتمل ، كاحتمال نفوذها.

وحاصل وجه عدم النفوذ : أنّ الثمن الذي دفعه المشتري العالم بالغصب إلى البائع الغاصب يكون كالمال الذي أذن مالكه لمن قبضه في إتلافه. والقابض أيضا أتلفه بدفعه إلى من اشترى ثوبا منه ، وجعله ثمنا له. فلم يبق شي‌ء حتى يكون ثمنا للمبيع المغصوب الذي باعه الفضولي ، فإجازة المالك الأصيل لا تؤثّر في جعل هذا المال التالف ثمنا لذلك المبيع المغصوب ، فيصير بيع الفضول بيعا بلا ثمن ، وغير قابل للإجازة.

(٤) تعليل لاحتمال عدم نفوذ الإجازة ، وقد مرّ توضيحه بقولنا : «وحاصل وجه عدم النفوذ».

(٥) أي : فلان يكون ما دفعه ثمنا. وقوله : «كالمأذون» خبر «لأنّ».

(٦) هذه نتيجة عدم صيرورته ثمنا بالإجازة ، إذ الإذن في إتلافه ـ المفروض حصوله ـ يسقطه عن قابلية العوضية عن المبيع المغصوب ، فليس في البين تسليط تمليكي ، بل تسليط على ماله وإذن له في إتلافه ، مع بقاء إضافة ملكيته له حين إتلافه ، بمعنى ورود الإتلاف على ماله.

٤٢٧

فصار (١) الإشكال في صحّة البيع (٢) وفي التتبّع (٣)».

ثمّ قال (٤) : «إنّه يلزم من القول ببطلان التتبّع (٥)

______________________________________________________

(١) هذا متفرّع على عدم صيرورة الثمن ملكا لمالك المبيع المغصوب ، يعني : فصار الإشكال في نفوذ الإجازة في البيع الأوّل ، وهو بيع العبد بالفرس في مثال المصنف قدس‌سره. وفي التتبع ، وهو اشتراء البائع الغاصب فراشا مثلا بالفرس.

ووجه الإشكال في البيع الأوّل ـ وهو بيع العبد بالفرس ـ أنّه بيع بلا ثمن ، إذ المفروض عدم صيرورة الثمن المبذول وهو الفرس ملكا لمالك العبد ، فيكون بيع العبد بالفرس بيعا بلا ثمن ، وهو غير قابل للإجازة ، لعدم كونه بيعا حقيقة.

وفي البيع الثاني ـ وهو اشتراء البائع الغاصب فراشا بالفرس ـ أنّ مالك العبد أجنبي عن بيع الفرس بالفراش ، إذ المفروض كون الفرس ملكا للغاصب الذي اشترى به الفراش ، فصار الفراش ملكا له. فمالك العبد أجنبي عن هذا البيع الثاني ثمنا ومثمنا ، فلا موضوع لإجازته. فلا تنفذ الإجازة في شي‌ء من هذين العقدين ، فهما باطلان بالنسبة إلى المالك ، وليسا قابلين لإجازته.

(٢) أي : البيع الأوّل ، وهو بيع الغاصب العبد بالفرس ، فإنّه أوّل عقد وقع على مال المجيز.

(٣) وهو بيع الفرس بالفراش ، وما بعده من العقود الواقعة عليه ، لأنّها أجنبيّة عن مالك العبد عوضا ومعوّضا ، فليس له إجازة شي‌ء منها. فالتتبع ـ وهو إجازة أيّ عقد من العقود الواقعة على مال المجيز أو عوضه ـ غير جار هنا.

(٤) أي : قال الشهيد الأوّل في الحواشي المنسوبة إليه على القواعد.

(٥) أي : عدم نفوذ إجازة مالك العبد العقد الثاني ، وهو بيع الفرس بالفراش ، فإنّ لازم بطلان التتبع ـ لأجل أجنبية مالك العبد عن بيع الفرس بالفراش ـ بطلان بيع العبد بالفرس ، إذ المفروض صيرورة الفرس بسبب التسليط المجاني ملكا للبائع الغاصب ، فيكون بيع العبد بالفرس بيعا بلا ثمن ، وهو ليس قابلا للإجازة.

فيصح أن يقال : إنّ الإشكال في صحة البيع الأوّل في نفسه مع الغض عن كونه من لوازم بطلان التتبع ، إذ لو لم يقع البيع الثاني كان البيع الأوّل باطلا أيضا ، لأنّ منشأ بطلانه خلوّه عن الثمن ، وهو معلول التسليط المجاني على الثمن ، لا وقوع البيع الثاني.

٤٢٨

بطلان إجازة البيع (١) في المبيع ، لاستحالة (٢) كون المبيع بلا ثمن. فإذا قيل : إنّ الإشكال في صحّة العقد (٣) كان (٤) صحيحا أيضا» (٥) انتهى (١).

واقتصر في جامع المقاصد على ما ذكره الشهيد رحمه‌الله أخيرا (٦) في وجه سراية

______________________________________________________

(١) وهو البيع الأوّل الذي مبيعه العبد ، ومعنى بطلان الإجازة عدم نفوذها ، لعدم قابلية البيع بلا ثمن لها.

(٢) تعليل لبطلان إجازة البيع الأوّل ، وهو واضح.

(٣) يعني : صحة العقد الأوّل في نفسه. وقوله : «فإذا قيل ان الاشكال» متفرع على «لاستحالة».

(٤) جواب الشرط في «فإذا قيل» واسم «كان» هو القول المستفاد من الشرط.

(٥) يعني : كما يصح أن يقال : إنّ لازم بطلان القول ببطلان التتبع بطلان إجازة البيع الأوّل.

(٦) وهو قوله في (ص ٤٢٧) : «لأنّ ما دفعه إلى الغاصب كالمأذون له في إتلافه ، فلا يكون ثمنا ، فلا تؤثر الإجازة .. إلخ».

ثم إنّ عبارة المتن ظاهرة في أنّ المحقق الثاني قدس‌سره اقتصر في بيان وجه الإشكال ـ المذكور في القواعد عند علم المشتري بالغصب ـ على التعرض لأحد الوجهين المذكورين في حواشي الشهيد قدس‌سره ، ولم يتعرض للوجه الآخر. يعني : أنّ المذكور في جامع المقاصد هو خصوص ما أفاده الشهيد أخيرا من استلزام بطلان تتبع العقود بطلان إجازة أصل البيع الفضولي مع علم المشتري بالغصب ، حيث قال الشهيد : «إنّه يلزم من القول ببطلان التتبع بطلان إجازة البيع في المبيع .. فإذا قيل : إن الاشكال في صحة العقد كان صحيحا».

وقال المحقق الكركي ـ في شرح قول العلامة : ومع علم المشتري إشكال ـ ما لفظه : «أمّا مع علمه بالغصب ففي الحكم إشكال ، ينشأ من ثبوت المعاوضة في العقد ، فله تملكه بالإجازة رعاية لمصلحته. ومن انتفائها بحسب الواقع ، لأنّ المدفوع ثمنا يملكه الغاصب ، لتسليطه إيّاه عليه» وهذان هما الوجهان المتقدمان في كلام الشهيد.

__________________

(١) يعني : انتهى كلام الشهيد في الحواشي المنسوبة إليه ، والحاكي هو السيد العاملي في مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٩٢.

٤٢٩

هذا الإشكال (١) إلى صحّة عقد الفضوليّ مع علم المشتري بالغصب.

والمحكيّ عن الإيضاح : ابتناء وجه بطلان جواز تتبّع العقود للمالك مع علم المشتري (٢) على (٣) كون الإجازة ناقلة ،

______________________________________________________

ثم قال المحقق الكركي قدس‌سره : «والأصح عدم الفرق بين علمه بالغصب وعدمه ، لأنّ المعتمد أنّ للمشتري استعادة الثمن مع بقاء عينه ، لعدم خروجه عن ملكه إلى الغاصب ، لعدم المقتضي .. إلخ» (١).

وهذه العبارة ظاهرة بل صريحة في الحكم بصحة بيع الفضولي في فرض علم المشتري بالغصب. ولم يظهر لنا مراد المصنف من اقتصار المحقق الثاني على بيان سراية إشكال تتبع العقود إلى مطلق علم المشتري بالغصب. وهو أعلم بما قال.

وهذه المسامحة موجودة في مفتاح الكرامة أيضا ، لقوله : «وجعل الإشكال في جامع المقاصد في صحة البيع ، وذكر في توجيهه نحو ما ذكره الشهيد» (٢).

(١) وهو : أنّه كيف يتصوّر نفوذ إجازة مالك المبيع المغصوب مع علم المشتري بغصبيّته؟ الموجب لعدم دخول الثمن في ملك مالك المبيع.

(٢) بكون البائع الفضول غاصبا للمبيع. محصّل ما أفاده في عبارته المحكية في المتن هو : أنّ عدم جواز تتبع العقود لمالك المبيع المغصوب ـ مع علم المشتري بغصبيته ـ مبنيّ على مذهب القائلين بناقلية الإجازة ، إذ مع كاشفيتها تكون ملكية الثمن لمالك المبيع قبل تسليط المشتري البائع الغاصب على الثمن ، لصيرورة الثمن ملكا لمالك المبيع حين العقد الذي أنشأه العاقد الفضولي. وهذا يشعر بتسليمه كون التسليط مملّكا للثمن للغاصب ، فله الإجازة ، لتحقق المعاوضة التي يتقوم بها البيع ، فلا يلزم أن يكون البيع بلا ثمن.

بخلاف البناء على ناقلية الإجازة ، فإنّ التسليط على الثمن يكون قبل الإجازة ، فيملكه البائع الغاصب قبل الإجازة ، فيصير البيع بلا ثمن ، وهو غير صالح للإجازة.

وبالجملة : فمنشأ الإشكال في جواز تتبع العقود للمالك وعدمه هو الإشكال في كاشفية الإجازة وناقليتها.

(٣) متعلق ب «ابتناء» وهو خبر قوله : «والمحكيّ».

__________________

(١) جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٧١.

(٢) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٩٢.

٤٣٠

فيكون منشأ الإشكال في الجواز (١) والعدم الإشكال في الكشف والنقل (*).

قال (٢) في محكيّ الإيضاح : «إذا كان المشتري جاهلا فللمالك تتبّع العقود

______________________________________________________

(١) أي : الإشكال في جواز تتبع العقود وعدمه للمالك.

(٢) يعني : قال فخر المحققين قدس‌سره. محصّل ما أفاده : أنّه في صورة جهل المشتري بغصبية المبيع يجوز للمالك تتبع العقود الواقعة على ملكه وعوضه ، لأنّه مع الجهل بالغصبية لا يسلّط المشتري البائع الغاصب على الثمن حتى لا يدخل في ملك مالك المبيع كي يكون بيعا بلا ثمن ، ولا يتحقق مفهوم المعاوضة المقوّمة عرفا وشرعا للبيع. فللمالك حينئذ تتبع العقود في سلسلتي الثمن والمثمن.

وأمّا في صورة علم المشتري بغصبية المبيع ، فعلى القول بناقلية الإجازة ليس للمشتري حقّ الرجوع على البائع الغاصب وأخذ الثمن منه إذا رجع المالك على المشتري وأخذ المبيع المغصوب منه ، وإن كانت عين الثمن موجودة عند البائع كما ذهب إليه الفقهاء. وذلك لأنّ الثمن صار ملكا للبائع بتسليط المشتري له على الثمن وتمليكه له مجّانا قبل إجازة المالك الأصيل ، والمفروض أنّ الإجازة إمّا سبب أو شرط للنقل والانتقال ، ولم يحصل إلّا بعد صيرورة الثمن ملكا للبائع الغاصب بالتسليط ، فليس للمالك تتبع العقود ، لعدم وقوعها على ملكه. كما أنّه ليس للمشتري الرجوع على البائع وأخذ الثمن منه وإن كان موجودا.

وعلى القول بكاشفية الإجازة للمالك حقّ تتبع العقود ، لأنّ الثمن بنفس العقد صار ملكا لمالك المبيع المغصوب ، والإجازة تكشف عن ملكية الثمن لمالك المبيع قبل تسليط

__________________

(*) هذا صحيح بناء على كون تسليط الغاصب على الثمن مملكا مجّانيّا ، بأن يكون هبة. وأمّا إذا كان التسليط وفاء للثمن لا إنشاء للتمليك الجديد ، ولذا لم يسلّط الغاصب في زمان آخر غير زمان هذا البيع ، خصوصا بملاحظة ما تقدّم من : أنّ حقيقة البيع هي مبادلة المالين من دون نظر إلى خصوصية المالكين ـ كان ابتناء بطلان جواز تتبع المالك للعقود كما عن الإيضاح على ناقلية الإجازة ـ بحيث يكون منشأ الاشكال في الجواز والعدم هو الإشكال في النقل والكشف ـ غير ظاهر الوجه.

٤٣١

ورعاية مصلحته ، والربح في (١) سلسلتي الثمن والمثمن.

وأمّا (٢) إذا كان عالما بالغصب فعلى قول الأصحاب : من أنّ المشتري إذا رجع (٣) عليه بالسلعة لا يرجع على الغاصب بالثمن مع وجود عينه ، فيكون (٤) قد ملّك الغاصب مجّانا ، لأنّه (٥) بالتسليم إلى الغاصب ليس للمشتري استعادته من الغاصب بنصّ الأصحاب (٦).

______________________________________________________

المشتري البائع الغاصب على الثمن ، فللمالك تتبع العقود الواقعة على الثمن ، لأنّها وقعت على ملكه.

فالمتحصل : أنّه في صورة علم المشتري بغصبية المبيع يكون جواز تتبع العقود وعدمه مبنيا على كاشفية الإجازة وناقليتها.

(١) كذا في نسخ الكتاب ، ولكنّ الصحيح ـ كما في الإيضاح وفي ما نقله عنه في مفتاح الكرامة ـ «والربح له في ..» أي : للمالك. وعلى تقدير سقوط «له» فلا بد أن يكون الظرف ـ أعني به في ـ متعلقا ب «تتبع» ، ويمكن تعلقه ب «رعاية» أيضا.

(٢) في الإيضاح : «وأما إن كان» وهو معطوف على «إن كان المشتري جاهلا» أي بالغصب.

(٣) يعني : إذا رجع مالك المبيع المغصوب على المشتري ، وأخذ المبيع منه ، لم يرجع المشتري على البائع الغاصب بالثمن ، لسبق سبب ملكية الثمن للغاصب على سبب ملكيته للمالك.

ثم إنّه قيل : انّ «رجع» بصيغة المفعول ، و «يرجع» بصيغة الفاعل. وإن كان الأوّل بصيغة الفاعل صحيحا أيضا.

(٤) العبارة في الإيضاح هكذا : «فيكون قد ملكه الغاصب مجانا» والأولى أن يقال : «لأنّه قد ملّك الغاصب مجّانا بالتسليم إليه» لأنّ الفاء في «فيكون» ظاهر في التفريع ، مع أنّ الأمر بالعكس ، لأنّ تمليك الغاصب علّة لعدم الرجوع ، لا معلول له.

(٥) الضمير للشأن ، وهذا تعليل لتمليك الغاصب ، وحاصله : أنّ التسليم إلى الغاصب علّة لملكية الثمن للبائع الغاصب ، وعليه فليس للمشتري استرداد الثمن منه.

(٦) سقط من عبارة الإيضاح هنا قوله : «فقبله أولى أن لا يكون له ، والمالك ..» وظاهره الإجماع كما ادعاه والده في المختلف بقوله : «إذا رجع ـ أي المالك ـ على المشتري

٤٣٢

والمالك (١) قبل الإجازة لم يملك الثمن ، لأنّ الحقّ أنّ الإجازة شرط أو سبب (٢) ، فلو لم يكن (٣) للغاصب فيكون (٤) الملك بغير مالك ، وهو محال (٥) ، فيكون (٦) قد سبق

______________________________________________________

العالم ، قال علماؤنا : لم يكن للمشتري الرجوع على الغاصب البائع ، لأنّه علم بالغصب ، فيكون دافعا للمال بغير عوض. وأطلقوا القول في ذلك. والوجه عندي التفصيل ، وهو : أنّ الثمن إن كان موجودا قائما بعينه كان للمشتري الرجوع به. وإن كان تالفا فالحق ما قاله علماؤنا» (١).

(١) مبتدء ، خبره قوله : «لم يملك» والغرض منه تأييد مالكية الغاصب للثمن ، وحاصله : أنّه لو لم يكن الثمن ملكا للبائع الغاصب يلزم المحال ، وهو : كون الملك بلا مالك ، توضيحه : أنّ الثمن بعد تسليط البائع عليه خرج عن ملك المسلّط وهو المشتري ، ولم يدخل في ملك مالك المبيع ، لتوقّف دخوله في ملكه على الإجازة ، ضرورة أنّها إمّا شرط لتأثير البيع الفضولي ، أو بيع مستقلّ ، على الخلاف الذي تقدّم سابقا ، فلا بدّ أن يكون مالك الثمن هو الغاصب ، وإلّا لزم أن يكون الملك بلا مالك ، وهو محال.

(٢) كما تقدمت حكاية كاشف الرموز ذلك عن شيخه (٢).

(٣) يعني : فلو لم يكن الثمن ملكا للغاصب لزم بقاء الملك بلا مالك ، وهو محال ، لأنّ المالكيّة والمملوكيّة من الأوصاف المتضايفة ، فيمتنع انفكاك إحداهما عن الأخرى.

(٤) في الإيضاح : «لكان ملكا بلا مالك» والظاهر اعتماد المصنف على ما في مفتاح الكرامة من قوله : «فيكون ملكا بغير مالك».

(٥) لاستحالة انفكاك أحد المتضايفين عن الآخر.

(٦) هذه نتيجة دخل الإجازة ـ سببا أو شرطا ـ في تأثير العقد ، ومحصّله : أنّ سبب ملكية الثمن للبائع وهو التسليط لمّا كان قبل سبب ملكية الثمن وهو الإجازة للمالك ، فلا محالة يصير الثمن ملكا للغاصب قبل حصول الإجازة ، لتقدّم سببه ـ وهو التسليط ـ على سبب ملك الثمن للمالك وهو الإجازة.

__________________

(١) مختلف الشيعة ، ج ٥ ، ص ٥٥ و ٥٦.

(٢) راجع الجزء الرابع من هذا الشرح ، ص ٥٦٩.

٤٣٣

ملك الغاصب للثمن على سبب ملك المالك له (١) أي (٢) الإجازة. فإذا (٣) نقل الغاصب الثمن عن ملكه لم يكن للمالك (٤) إبطاله ، ويكون ما يشتري الغاصب بالثمن (٥) وربحه (٦) له (٧). وليس للمالك (٨) أخذه ، لأنّه (٩) ملك الغاصب.

وعلى القول (١٠) بأنّ إجازة المالك كاشفة ،

______________________________________________________

(١) أي : ملك المالك للثمن. وقوله : «على سبب» متعلق ب «سبق ملك».

(٢) هذا مفسّر لقوله : «سبب ملك المالك» وهذه الزيادة ليست من عبارة الإيضاح ، وإنّما ذكرها السيد العاملي توضيحا لكلام فخر المحققين.

(٣) هذه نتيجة ملكية الثمن للغاصب. بعد أن ثبت كون الثمن ملكا للغاصب ، فإذا نقل الغاصب الثمن عن ملكه بأن اشترى به ثوبا مثلا ، كان ما اشترى به ملكا له ، وليس لمالك المبيع المغصوب إبطاله ، لكونه أجنبيا عن الثمن وغير مالك له.

(٤) أي : لمالك المبيع المغصوب.

(٥) سقط هنا كلمة «له» أي للغاصب.

(٦) معطوف على «ما» والضمير راجع الموصول المراد به المال الذي يشتريه الغاصب بالثمن الذي أخذه من المشتري ، كما إذا اشترى به الغاصب غنما ، فإنّ ذلك الغنم مع منافعه ملك للغاصب ، وليس شي‌ء من الغنم ومنافعه ملكا لمالك العين المغصوبة.

(٧) أي : للغاصب.

(٨) أي : ليس لمالك العين المغصوبة أخذ المال الذي اشتراه الغاصب بالثمن الذي قبضه من المشتري.

(٩) تعليل لعدم جواز أخذ مالك المبيع المغصوب المتاع الذي اشتراه الغاصب بذلك الثمن ، وحاصله : أنّ المتاع المشتري بذلك الثمن ملك للغاصب ، فليس لمالك المبيع المغصوب أخذه منه.

هذا كلّه بناء على ناقلية الإجازة الموجبة لتأخر سبب نقل الثمن ـ إلى مالك العين المغصوبة ـ عن سبب نقله إلى الغاصب ، وصيرورة الثمن ملكا للغاصب بالتسليط الذي هو قبل الإجازة التي هي بعد التسليط.

(١٠) يعني : وبناء على كاشفية الإجازة إذا أجاز مالك المبيع المغصوب كان الثمن له ،

٤٣٤

فإذا أجاز العقد (١) كان له (٢).

ويحتمل (٣) أن يقال : لمالك العين حقّ تعلّق بالثمن ، فإنّ (٤) له إجازة البيع وأخذ الثمن ، وحقّه (٥) مقدّم على حقّ الغاصب (٦) (*) ،

______________________________________________________

لكون سببه ـ وهو العقد الفضولي ـ متقدما على التسليط الذي هو سبب ملكية الثمن للغاصب.

(١) العبارة في الإيضاح هكذا «فإذا أجازه كان له».

(٢) أي : كان الثمن للمالك ، لتقدّم سبب ملكية الثمن له على سبب ملكيته للغاصب كما مرّ آنفا.

(٣) الغرض من إبداء هذا الاحتمال هو إثبات جواز الإجازة وتتبع العقود على النقل أيضا ، وحاصل هذا الوجه : أنّ نفس العقد يوجب لمالك المبيع المغصوب حقّا متعلّقا بالثمن ، وهذا الحقّ مقدّم على حقّ الغاصب ، لقيامه بنفس العقد. بخلاف حق الغاصب ، فإنّه قائم بالتسليط ، وهو متأخر عن العقد. فللمالك إجازة البيع وأخذ الثمن منه.

(٤) تعليل لقوله : «لمالك العين حق» وحاصله : أنّ منشأ تعلّق الحق بالثمن هو ثبوت حق إجازة البيع.

(٥) يعني : وحقّ المالك ـ لقيامه بنفس العقد ـ مقدّم على حق الغاصب الناشئ من التسليط.

(٦) وقد حذف أيضا هنا قول الإيضاح : «بدفع المشتري ، ولأن الغاصب ..».

__________________

(*) ثبوت الحق للغاصب مبني على مملكية التسليط ، أو كونه موجبا للإذن في تصرف الغاصب في الثمن مطلقا حتى التصرف المتلف له. وقد عرفت أنّ التسليط ليس إنشاء جديدا حتى يقال : إنّه تمليك أو إذن في مطلق التصرف ، بل هو وفاء للثمن الذي جعله المشتري عوضا عن المبيع ، فلا يتصور حينئذ للغاصب حق بالنسبة إلى الثمن حتى يكون حقّ المالك مقدّما عليه ، بل للمالك حقّ الإجازة في بيع الغاصب مطلقا ، سواء أكان المشتري عالما بغصبية البائع أم لا ، من دون فرق بينهما أصلا.

٤٣٥

لأنّ (*) الغاصب يؤخذ بأخسّ أحواله وأشقّها عليه ، والمالك مأخوذ (١) بأجود الأحوال».

ثمّ قال (٢) : «والأصحّ عندي ـ مع وجود عين الثمن ـ للمشتري العالم (٣) أخذه ، ومع التلف ليس له الرجوع به» انتهى كلامه رحمه‌الله.

______________________________________________________

(١) عبارة الإيضاح المنقولة في مفتاح الكرامة أيضا هي : «والمالك بأجود أحواله» (١).

(٢) أي : قال فخر المحققين بعد أسطر : «والأصحّ عندي ..» ومختاره موافق لما تقدم عن والده في المختلف. فراجع (ص ٤٣٣).

(٣) أي : العالم بغصبية المبيع ، وقوله : «أخذه» خبر «والأصح» ، وضميره كضمير «به» راجع إلى الثمن.

__________________

(*) الأولى التعليل بأسبقية سبب ملكية الثمن ـ وهو العقد ـ لمالك العين المغصوبة من سبب ملكية الثمن للغاصب ، وإلّا فمع فرض تقدم سبب ملكية الثمن للغاصب ، على سبب ملكيته للمالك يحكم بملكية الثمن له دون المالك ، ولا معنى حينئذ لأخذ الغاصب بأخس أحوالها ، إذ ليس البائع حينئذ غاصبا للثمن. وكونه غاصبا للمبيع أجنبي عن الثمن. وأخذ الغاصب بأشقّ الأحوال إنّما هو بعد تحقق الغاصبية له. والكلام في المقام يكون في حدوثها ، فإنّ أخذ الغاصب بأشقّ الأحوال لا يمنع عن تأثير الأسباب الشرعية في حقه ، فتمليك المشتري إيّاه الثمن ـ كتمليكه شيئا آخر من أمواله ـ في الصحة والنفوذ.

والحاصل : أنّه بناء على سببية التسليط شرعا للملكية وتقدمه على الإجازة التي هي السبب لملكية الثمن للمالك الأصيل لا بدّ من الحكم بملكية الثمن للغاصب.

__________________

(١) إيضاح الفوائد ، ج ١ ، ص ٤١٧ و ٤١٨ ، والحاكي لكلامه هو السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٩٢ و ١٩٣.

٤٣٦

وظاهر كلامه (١) أنّه لا وقع للإشكال على تقدير الكشف.

وهذا (٢) هو المتّجه ، إذ (٣) حينئذ يندفع ما استشكله القطب والشهيد (٤) بأنّ (٥)

______________________________________________________

(١) أي : كلام صاحب الإيضاح ، والمراد بكلامه قوله : «وعلى القول بأنّ إجازة المالك كاشفة ، فإذا أجاز العقد كان له».

التفصيل في ورود الاشكال بين الكشف والنقل

(٢) المشار إليه عدم الاشكال على تقدير الكشف ، وهذا هو مختار المصنف أيضا.

(٣) تعليل لمختاره ، ومحصّله : أنّ هذا الوجه يدفع إشكال جواز إجازة المالك مع علم المشتري بغاصبية البائع ، لأنّه مع فرض تأثير العقد الفضولي من حينه لا يؤثّر التسليط المتأخر عن العقد في ملكية الثمن للغاصب حتى لا يبقى مورد لإجازة المالك.

(٤) المراد بما استشكله القطب هو قوله المتقدم في (ص ٤٢١) : «فقال الأوّل فيما حكي عنه : أنّ وجه الإشكال .. إلخ». والمراد بما استشكله الشهيد هو قوله في (ص ٤٢٥) : «ان المشتري مع علمه بالغصب .. إلخ».

(٥) متعلق ب «يندفع» توضيح هذا الدفع : أنّ تسليط البائع الغاصب على الثمن ـ بناء على كاشفية الإجازة ـ تسليط على ملك المالك الأصيل ، لأنّه تملّك الثمن بنفس العقد الذي هو سابق على التسليط ، ومتقدم عليه ، فلا أثر حينئذ للتسليط أصلا ، فلا مانع من إجازة المالك بلا إشكال.

فإن قلت : سبق تأثير العقد على التسليط مختص بما إذا أنشأ الغاصب البيع بالعقد حتى يستند الملك إليه. فلو كان البيع الفضولي الواقع بين الغاصب والمشتري معاطاتيا لم يكن تسلط الغاصب على الثمن مسبوقا بعقد ، بل كان نفس هذا التسليط جزء السبب الناقل ، ويتجه حينئذ إشكال القطب والشهيد من عدم قابلية العقد للإجازة ، بناء على ما تقدم من جريان الفضولية في كلّ من البيع القولي والفعلي.

قلت : قد تقدم في مباحث المعاطاة كفاية إعطاء المبيع وأخذ المشتري له في تحقق عنوان المعاملة الفعلية ، ولا يتوقف النقل والانتقال على التعاطي من الطرفين.

وعليه فالقول بجريان الفضولية في المعاطاة لا يقتضي كون تسليط البائع على الثمن دخيلا في حصول عنوان «البيع» ، لحصوله بمجرد تسليم المبيع المغصوب إلى المشتري

٤٣٧

تسليط المشتري للبائع (١) على الثمن على تقدير الكشف تسليط على ما ملكه [ملك] الغير (٢) بالعقد السابق على التسليط الحاصل بالإقباض. فإذا انكشف ذلك (٣) بالإجازة عمل بمقتضاه ، وإذا تحقّق الردّ (٤) انكشف كون ذلك (٥) تسليطا من المشتري على ماله ، فليس له (٦) أن يستردّه ، بناء (٧) على ما نقل من الأصحاب.

نعم (٨) على القول بالنقل

______________________________________________________

العالم بالغصب.

وحينئذ يتجه الإشكال على القطب والشهيد قدس‌سرهما من : أنّ الإجازة اللاحقة لمّا كشفت عن تأثير العقد ، كان مقتضاه دخول الثمن في ملك المغصوب منه قبل تسلّط البائع الغاصب عليه.

(١) وهو العاقد الفضولي الغاصب ، وقوله : «تسليط» خبر قوله : «بأنّ تسليط».

(٢) وهو المالك الأصيل ، فإنّه قد ملك الثمن بسبب العقد الفضولي المتقدّم على التسليط.

(٣) أي : فإذا انكشف صيرورة الثمن ملكا لمالك المبيع بسبب الإجازة عمل بمقتضاه ، وهو جواز تتبع العقود الجارية على ماله ، وإجازة أيّ واحد شاء منها.

(٤) يعني : وإذا تحقق ردّ المالك الأصيل لهذا العقد الفضولي ، وثبت عدم إجازته له ، فقد انكشف أنّ تسليط المشتري العالم بالغصب البائع ـ الفضوليّ الغاصب ـ على الثمن تسليط على ماله ، لا على مال المالك الأصيل.

(٥) أي : كون تسليط المشتري العالم بغاصبية البائع على الثمن تسليطا على ماله ، لا على مال الغير كما مرّ آنفا. وضمير «ماله» راجع إلى المشتري.

(٦) هذا متفرّع على كون التسليط على مال المشتري ، يعني : فليس للمشتري حينئذ استرداد الثمن من البائع الغاصب. وضمير «يستردّه» راجع الى الثمن.

(٧) هذا وجه عدم استرداد الثمن من البائع الغاصب ، وحاصله : أنّ بناء الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) على عدم استرداد الثمن من البائع الغاصب في صورة رد المالك الأصيل البيع الفضوليّ مع بقاء الثمن بعينه عند البائع.

(٨) استدراك على قوله : «لا وقع للإشكال على تقدير الكشف» ومحصّل ما أفاده : أنّه بناء على ناقليّة الإجازة يقع الإشكال في موردين :

٤٣٨

يقع الإشكال (١) في جواز إجازة العقد الواقع على الثمن ، لأنّ (٢) إجازة مالك المبيع (٣) له (٤) موقوفة على تملّكه (٥) للثمن (*)

______________________________________________________

الأوّل : في إجازة العقد الثاني الواقع على الثمن ، كما إذا فرض أنّ الفضوليّ الغاصب باع عبد المالك بفرس ، ثم اشترى بالفرس ثوبا ، فإنّ بيع الفرس بالثوب عقد ثان وقع على الفرس الذي هو الثمن في البيع الأوّل أعني به بيع العبد.

تقريب الإشكال في إجازة العقد الثاني هو : أنّ جواز إجازة العقد الواقع على الثمن ـ وهو الفرس الذي جعل ثمن العبد في البيع الأوّل ـ منوط بكون الثمن ملكا للمجيز ، وهو مالك العبد ، للزوم كون المجيز مالكا للعوض حين الإجازة ، ضرورة عدم نفوذ إجازة الأجنبي. والمفروض أنّ المجيز ليس مالكا للفرس قبل الإجازة التي فرض كونها ناقلة ، ولا يملك الثمن إلّا بالإجازة ، فتملّك المجيز للثمن ـ وهو الفرس ـ موقوف على الإجازة ، والإجازة موقوفة على تملكه للثمن أيضا ، وهذا دور ، فإشكال جواز إجازة العقد الثاني هو محذور الدور.

(١) وهو إشكال الدور في المورد الأوّل ، أي العقد الثاني الواقع على الثمن ، وهو الفرس في المثال المذكور. وعلى هذا فلا يصحّ إجازة العقد الثاني الواقع على الثمن أعني به الفرس.

(٢) هذا بيان الإشكال ، وقد مرّ تقريبه بقولنا : «تقريب الإشكال في إجازة العقد الثاني هو أنّ جواز اجازة العقد .. إلخ».

(٣) وهو المبيع المغصوب الذي بيع فضولا في العقد الأوّل.

(٤) أي : للعقد.

(٥) أي تملّك مالك المبيع في البيع الأوّل.

__________________

(*) لا يخفى أنّ الملكية الفعلية للمجيز ليست شرطا لصحة الإجازة ، بل الشرط هو كون المجيز قابلا وصالحا لتملّك الثمن ولو بالإجازة ، كما نبّه عليه الفقيه المامقاني قدس‌سره (١).

هذا مضافا إلى منافاة اعتبار التملك الفعلي للثمن في صحة الإجازة لما أفاده من أنّ

__________________

(١) غاية الآمال ، ص ٣٩٩.

٤٣٩

لأنّه (١) قبلها أجنبيّ عنه ، والمفروض أنّ تملّكه (٢) الثمن موقوف (٣) على الإجازة على القول بالنقل.

وكذا الإشكال (٤) في إجازة العقد الواقع على المبيع (٥) بعد قبض البائع الثمن ،

______________________________________________________

(١) أي : لأنّ مالك المبيع قبل الإجازة أجنبي عن الثمن ، وهذا تعليل لتوقّف جواز إجازة المالك الأصيل على تملّكه للثمن ، وحاصل التعليل : أنّ مالك المبيع في البيع الأوّل ـ قبل إجازة البيع الثاني ـ أجنبي عن الثمن ، وليس مالكا له ، مع وضوح توقف صحة الإجازة على كون المجيز مالكا للثمن.

(٢) أي : تملّك مالك المبيع في العقد الأوّل.

(٣) وجه التوقّف : أنّه لا بدّ أن يكون المجيز حين الإجازة ـ التي هي بناء على النقل سبب النقل والانتقال ـ مالكا حتى تصح منه الإجازة ، إذ لا تصحّ الإجازة من غير المالك.

(٤) يعني : وكذا يقع الاشكال ، وهذا إشارة إلى المورد الثاني ، وهو إشكال إجازة العقد الأوّل الواقع من الفضولي على العبد الذي هو في المثال المزبور ملك المغصوب منه.

(٥) أي : المبيع في العقد الأوّل ، وتقريب الإشكال في إجازة العقد الأوّل هو : عدم صلاحية المورد للإجازة ، لكونه بيعا بلا ثمن. توضيحه : أنّه بناء على ناقلية الإجازة لا ينتقل الثمن إلى المالك الأصيل ، حيث إنّ تسليط المشتري للبائع الغاصب الموجب لملكية الثمن للبائع يكون قبل إجازة المالك الموجبة لملكية الثمن للمالك ، فتقع الإجازة على بيع لا ثمن له ، ومن المعلوم أنّه ليس بيعا حقيقة. فإشكال إجازة المالك الأصيل في البيع الأوّل هو كون البيع بلا ثمن.

__________________

صحة العقود الواقعة على عوض مال المجيز بالإجازة تستلزم صحة العقود الواقعة على مال المجيز ، مع عدم كون المجيز مالكا للعوض حين الإجازة ، كما إذا باع الفضوليّ عبد المالك بفرس ، ثم بيع الفرس بدرهم ، وأجاز مالك العبد بيع الفرس بالدرهم ، فإنّ المجيز لا يملك العوض وهو الفرس حين الإجازة ، ومع ذلك تصح الإجازة ، فإنّها تصحّح العقد الذي ترد عليه بالدلالة المطابقية ، وغيره من العقود بالدلالة الالتزاميّة.

٤٤٠