الزبدة الفقهيّة - ج ٤

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي

الزبدة الفقهيّة - ج ٤

المؤلف:

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ٥
ISBN: 964-8220-35-2
ISBN الدورة:
964-6307-53-1

الصفحات: ٦٨٠

وظاهره أنه لا يتوقف مع البينة (١) على اليمين وهو أجود القولين (٢) ، ولو شهدت البينة بالإعسار في القسم الثاني (٣) فأولى بعدم اليمين ، وعلى تقدير كون الدعوى ليست مالا (وحلف) على الإعسار (ترك) (٤) إلى أن يقدر ، ولا يكلّف التكسب (٥) في المشهور ، وإن وجب عليه السعي على وفاء الدين ، (وإلا) يتفق ذلك بأن لم يقم بينة ، ولا صادقه الغريم مطلقا (٦) ، ولا حلف حيث لا يكون أصل الدعوى مالا (حبس) (٧) وبحث عن باطن أمره ، (حتى يعلم حاله) فإن علم له مال أمر بالوفاء (٨) ، فإن امتنع باشره القاضي (٩) ولو ببيع ماله إن كان مخالفا للحق ، وإن

______________________________________________________

(١) سواء شهدت بتلف ماله أو بالاعسار مطلقا وكان المدعى عليه مدعيا للاعسار وقوله على خلاف الأصل لأن أصل الدعوى مالا ، أو كان له مال ظاهرا.

(٢) وقد عرفت أن الأكثر على ضم اليمين لدفع الاحتمال الخفي إذا شهدت بالاعسار مطلقا.

(٣) فيما لو كانت الدعوى بغير مال فيكون مدعي الإعسار منكرا وقوله موافقا للظاهر أو الأصل فلا يمين من باب أولى ، لأنه في القسم الأول عند ما كان مدعيا لأن قوله مخالف للظاهر أو الأصل فلا يمين كما استجوده الشارح فهنا من باب أولى.

وفيه : إنه مبني على قبول البينة من المنكر مع أنه على خلاف العموم (البينة على من ادعى واليمين على من أنكر).

(٤) على المشهور كما تقدم.

(٥) أي لا يكلف التكسب تحت يد الغرماء كما هو مختار الشيخ ، أو إذا كان ذا حرفة كما هو مختار ابن حمزة ، وقد تقدم الكلام في ذلك ، نعم يجب عليه السعي باختياره وما فضل عنه دفعه إلى غرمائه ، ووجوب السعي هنا لوجوب الوفاء بالدين من باب المقدمة.

(٦) سواء كان أصل الدعوى مالا أو لا.

(٧) حتى يثبت إعساره كما تقدم.

(٨) لأنه هو الذي له التصرف في ماله وإن تعلق به حق الغير فيؤمر.

(٩) للأخبار منها : خبر الاصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين عليه‌السلام (أنه قضى أن الحجر على الغلام حتى يعقل ، وقضى في الدين أنه يحبس صاحبه ، فإن تبين إفلاسه فيخلي سبيله حتى يستفيد مالا ، وقضى عليه‌السلام في الرجل يلتوي على غرمائه أنه يحبس ثم يؤمر به فيقسّم ماله بين غرمائه بالحصص ، فإن أبى باعه فقسّمه بينهم) (١) ويحمل البيع على ما لو كان الموجود مخالفا بالجنس للمطلوب وإلّا فلو كان موجودا بعينه رد الحاكم على الغير عند امتناع المقرّ لأنه ولي الممتنع.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب كيفية الحكم حديث ١.

١٠١

علم عدم المال ، أو لم يف الموجود بوفاء الجميع أطلق بعد صرف الموجود.

(وأما الإنكار (١) فإن كان الحاكم عالما) بالحق (قضى بعلمه) (٢) مطلقا على أصح القولين ، ولا فرق بين علمه به في حال ولايته ومكانها وغيرهما (٣) ، وليس له حينئذ طلب البينة من المدعي مع فقدها قطعا ، ولا مع وجودها على الأقوى (٤)

______________________________________________________

(١) بأن قال المدعى عليه : لا حق له عليّ.

(٢) فإذا كان الحاكم معصوما قضى بعلمه مطلقا في حقوق الله وحقوق الناس لعصمته المانعة من تطرق التهمة ، ولعلمه المانع من الخلاف ، ولوجوب تصديق الإمام في كل ما يقوله مع كفر مكذبه. وأما غير المعصوم فكذلك لأنه لو لم يحكم بعلمه للزم إيقاف الدعوى أو الحكم على خلاف علمه الموجب لفسقه وكلاهما محذور فيتعين الحكم بعلمه.

وعن ابن حمزة الجواز في حقوق الناس دون حق الله ، وعكس ابن الجنيد في كتابه الأحمدي كما في المسالك ، ويظهر من السيد المرتضى أن ابن الجنيد لا يرى قضاء الحاكم بعلمه مطلقا سواء في ذلك الإمام وغيره ، وفي حق الله وحق الناس ، ودليل من خالف المشهور إما النبوي (البينة على من ادعي واليمين على من ادعي عليه) (١) والقسمة قاطعة للشركة ، وأما صحيح هشام عن أبي عبد الله عليه‌السلام (قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنما أقضي بينكم بالبينات والأيمان ، وبعضكم ألحن بحجته من بعض ، فأيّما رجل قطعت له من حال أخيه شيئا فإنما قطعت له به قطعة من النار) (٢) وخبر العسكري عليه‌السلام المروي في تفسيره عن أمير المؤمنين عليه‌السلام (كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحكم بين الناس بالبينات والأيمان في الدعاوى ، فكثرت المطالبات والمظالم ، فقال ، يا أيها الناس إنما أنا بشر وأنتم تختصمون ، ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض ، وإنما أقضي على نحو ما أسمع منه ، فمن قضيت له من حق أخيه بشي‌ء فلا يأخذ به ، فإنما أقطع له قطعة من النار) (٣) ، وحملت هذه الأخبار عند المشهور على الغالب.

(٣) رد على بعض العامة حيث جوز الحكم بعلمه لو علم بالحق في مكان الولاية دون غيرها.

(٤) لم أجد مخالفا لكن يحتمل طلب البينة مع وجودها إذ ليس فيه تضييع حق للمدعي مع ما فيه من دفع التهمة عن الحاكم لو حكم بعلمه ، لكنه احتمال مردود لما سمعت من كفاية العلم بالحكم.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب كيفية الحكم حديث ١ و ٥.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب كيفية الحكم حديث ١ و ٣.

١٠٢

وإن قصد دفع التهمة ، إلا مع رضاء المدعي. والمراد بعلمه هنا العلم الخاص وهو الاطلاع الجازم ، لا بمثل وجود خطه به إذا لم يذكر الواقعة (١) وإن أمن التزوير.

نعم لو شهد عنده عدلان بحكمه به (٢) ولم يتذكر فالأقوى جواز القضاء كما لو شهدا بذلك (٣) عند غيره. ووجه المنع إمكان رجوعه إلى العلم لأنه (٤) فعله ، بخلاف شهادتهما عند الحاكم على حكم غيره فإنه يكفي الظن (٥) ، تنزيلا لكل باب على الممكن فيه ، ولو شهدا عليه (٦) بشهادته به (٧) ، لا بحكمه فالظاهر أنه كذلك (٨).

(وإلا) يعلم الحاكم بالحق (طلب البينة) من المدعي (٩) إن لم يكن عالما بأنه موضع المطالبة بها ، وإلا جاز للحاكم السكوت (١٠) ، (فإن قال : لا بينة لي عرّفه)

______________________________________________________

(١) أما مع ذكر الواقعة فلا داعي للخط.

(٢) أي بالعلم.

(٣) أي بحكمه فإنه نافذ عند الحاكم الآخر على تقدير ثبوته بالبينة.

(٤) أي العلم.

(٥) لأن الحاكم الآخر غير عالم بالحكم ولا يستطيع إلا تحصيل الظن الآتي من البينة فلذا اكتفى بالشهادة على حكم الحاكم الآخر ، بخلاف الحاكم الأول فإنه يمكن له تحصيل العلم فلا يكتفي بالظن الآتي من البينة القائمة على حكمه بعلمه.

(٦) على الحاكم الأول.

(٧) أي بما يعلم.

(٨) أي قبول الشهادة لعموم أدلة حجية البينة ، ويحتمل العدم لإمكان الرجوع إلى علم الحاكم وهو يشهد بنفسه تنزيلا لكل باب على الممكن فيه.

(٩) بل لو علم الحاكم أن المدعي يعلم أنه موضع المطالبة بالبينة ، فالحاكم بالخيار إن شاء قال للمدعي : ألك بينة؟ وإن شاء سكت ، للأصل.

وأما إذا كان المدعي لا يعلم أنه موضع المطالبة بالبينة أو جهل حاله وجب على الحاكم أن يقول له : ألك بينة؟ ويجب ذلك على الحاكم هنا لئلا يضيع حق المدعي.

(١٠) قال في الجواهر : (بل قد يقال بوجوبه عليه مطلقا لأنه مقدمة للقضاء المأمور به بين المتخاصمين ، وعلمه بالحال ـ أي بحال المدعى أنه يعلم أنه موضع المطالبة بالبينة ـ لا ينافي ذلك منه).

١٠٣

(أن له إحلافه (١) ، فإن طلبه) أي طلب إحلافه (حلّفه [الحاكم] ، ولا يتبرع) الحاكم (بإحلافه) ، لأنه حق للمدعي (٢) فلا يستوفي بدون مطالبته وإن كان إيقاعه إلى الحاكم (٣) ، فلو تبرع المنكر به ، أو استحلفه الحاكم من دون التماس المدعي لغى ، (و) كذا (لا يستقل به الغريم من دون إذن الحاكم) لما قلناه : من أن إيقاعه موقوف على إذنه وإن كان حقا لغيره ، لأنه وظيفته ، (فإن حلف) المنكر على الوجه المعتبر (سقطت الدعوى عنه) (٤) وإن بقي الحق في ذمته (وحرم مقاصته به) لو ظفر له

______________________________________________________

(١) لئلا يضيع حقه أيضا ، إذا كان المدعي جاهلا ذلك ، بل يحتمل وجوب ذلك على الحاكم مع علمه بحال المدعى أنه يعلم ذلك مقدمة للقضاء كما تقدم في البينة.

(٢) فلا يحلف المدعى عليه إلا بعد سؤال المدعي ذلك ، بلا خلاف فيه ، لأنه حق له فيتوقف استيفاؤه على المطالبة ، ومن هنا حكي أن أبا الحسين بن أبي عمر القاضي أول ما جلس للقضاء ارتفع إليه خصمان وادعى أحدهما على صاحبه دنانير فأنكره ، فقال القاضي للمدعي : ألك بينة؟ قال : لا ، فاستحلف القاضي من غير مسألة المدعي ، فلما فرغ قال له المدعي : ما سألتك أن تستحلفه لي ، فأمر أبو الحسين أن يعطي الدنانير من خزانته ، لأنه استحى أن يحلفه ثانيا.

(٣) بمعنى لا يستقل الغريم بالإحلاف من دون إذن الحاكم ، بل الأحلاف مما يقوم به الحاكم لأنه من وظائفه بلا خلاف في ذلك.

(٤) بمعنى سقطت الدعوى عنه في الدنيا ولا يجوز للمدعي فيما بعد المقاصة لو ظفر بمال الغريم ، ولو عاود المدعي المطالبة أثم ولم تسمع دعواه ، وإن كان المنكر كاذبا بيمينه ، غير أنه يجب عليه التخلص من مال الغريم فيما بينه وبين ربه وإرجاعه إلى المدعي ، كل ذلك للأخبار.

منها : صحيح ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إذا رضي صاحب الحق بيمين المنكر لحقه ، فاستحلفه فحلف أن لا حق له قبله ، ذهبت اليمين بحق المدعي فلا دعوى له ، قلت له : وإن كانت عليه بينة عادلة؟ قال : نعم ، وإن أقام بعد ما استحلفه بالله خمسين قسامة ما كان له ، وكانت اليمين قد أبطلت كل ما ادّعاه قبله مما قد استحلفه عليه) (١) وخبر النخعي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (في الرجل يكون له على الرجل المال فيجحده ، قال : إن استحلفه فليس له أن يأخذ شيئا ، وإن تركه ولم يستحلفه فهو على ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب كيفية الحكم حديث ١.

١٠٤

المدعي بمال وإن كان مماثلا لحقه ، إلا أن يكذّب المنكر نفسه بعد ذلك (١).

(و) كذا (لا تسمع البينة) من المدعي (بعده) أي بعد حلف المنكر على أصح الأقوال ، لصحيحة ابن أبي يعفور عن الصادق عليه‌السلام إذا رضي صاحب الحق بيمين المنكر بحقه فاستحلفه فحلف أن لا حق له قبله وإن أقام بعد ما استحلفه خمسين قسامة ، فإن اليمين قد أبطلت كل ما ادعاه ، وغيرها من الأخبار. وقيل : تسمع بينته مطلقا ، وقيل : مع عدم علمه بالبينة وقت تحليفه ولو بنسيانها.

والأخبار حجة عليهما.

______________________________________________________

ـ حقه) (١) وخبر عبد الله بن وضاح (كانت بيني وبين رجل من اليهود معاملة فخانني بألف درهم ، فقدمته إلى الوالي فأحلفته فحلف ، وقد علمت أنه حلف يمينا فاجرة ، فوقع له بعد ذلك عندي أرباح ودراهم كثيرة فأردت أن اقتص الألف درهم التي كانت لي عنده وأحلف عليها ، فكتبت إلى أبي الحسن عليه‌السلام ، فأخبرته أني قد أحلفته فحلف ، وقد وقع له عندي مال فإن أمرتني أن أخذ منه الألف درهم التي حلف عليها فعلت ، فكتب عليه‌السلام : لا تأخذ منه شيئا ، إن كان ظلمك فلا تظلمه ، ولو لا أنك رضيت بيمينه فحلّفته لأمرتك أن تأخذ من تحت يدك ، ولكنك رضيت بيمينه ، وقد ذهبت اليمين بما فيها) (٢) وعن الشيخ في المبسوط وابن إدريس أنه إذا نسي البينة أو لم يعلم بها فاستحلفه ثم تذكر أو علم بها فإنها تسمع وإلا فلا ، وعن الشيخ أيضا أنها تسمع البينة بعد الحلف مطلقا ، وعن المفيد وابن حمزة والقاضي أنها تسمع ما لم يشترط المنكر سقوط الحق باليمين ، وكلها أقوال ضعيفة ، والأخبار المتقدمة حجة عليهم.

(١) أي بعد الحلف ، فإن كذّب نفسه جاز مطالبته وحلّت مقاصته بلا خلاف فيه لخبر مسمع أبي سيّار (قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام إني كنت استودعت رجلا مالا فجحدنيه ، وحلف لي عليه ، ثم إنه جاءني بعد ذلك بسنين بالمال الذي كنت استودعته إياه ، فقال : هذا مالك فخذه وهذه أربعة آلاف درهم ربحتها في مالك فهي لك مع مالك واجعلني في حلّ ، فأخذت المال منه وأبيت أن آخذ الربح منه ، وأوقفت المال الذي كنت استودعته حتى أستطلع رأيك ، فما ترى. فقال : خذ نصف الربح واعطه النصف وحلّله ، إن هذا رجل تائب والله يحب التوابين) (٣) وخصوصية المورد لا تقيد عموم الوارد ، والحكم بإعطاء النصف من الربح محمول على الاستحباب.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب كيفية الحكم حديث ١ و ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤٨ ـ من كتاب الأيمان حديث ٣.

١٠٥

(وإن لم يحلف) المدعى عليه (وردّ اليمين) على المدعي (حلف المدعي) (١) إن كانت دعواه قطعية ، وإلا لم يتوجه الرد عليه كما مر وكذا لو كان المدعي وليا ، أو وصيا فإنه لا يمين عليه وإن علم بالحال بل يلزم المنكر بالحلف فإن أبى حبس إلى أن يحلف ، أو يقضي بنكوله (فإن امتنع) المدعي من الحلف حيث يتوجه عليه (سقطت دعواه) في هذا المجلس قطعا ، وفي غيره على قول مشهور ، إلا أن يأتي

______________________________________________________

(١) لزمه الحلف إن أراد تحصيل حقه وهي المسماة باليمين المردودة بلا خلاف فيه للأخبار.

منها : صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام (في الرجل يدعي ولا بينة له ، قال : يستحلفه فإن ردّ اليمين على صاحب الحق فلا حق له) (١) وصحيح عبيد الله بن زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (في الرجل يدعى عليه الحق ولا بينة للمدعي ، قال : يستحلف أو يردّ اليمين على صاحب الحق فإن لم يفعل فلا حق له) (٢) ومرسل يونس المضمر (استخراج الحقوق بأربعة وجوه : بشهادة رجلين عدلين ، فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ، فإن لم تكن امرأتان فرجل ويمين المدعي ، فإن لم يكن شاهد فاليمين على المدعي عليه ، فإن لم يحلف وردّ اليمين على المدعي فهي واجبة عليه أن يحلف ويأخذ حقه ، فإن أبى أن يحلف فلا شي‌ء له) (٣) ومثلها غيرها. ومقتضى الإطلاق فيها سقوط دعواه لو لم يحلف في هذا المجلس وفي غيره وعند هذا الحاكم وعند غيره بل في الكفاية : (لا أعرف فيه خلافا) ، وعن المفيد وأبي الصلاح والعلامة في التحرير والكاشاني عدم السقوط إذا جاء بالبينة فيما بعد ، وهو ضعيف لما تقدم من إطلاق الأخبار ، وأغرب منه ظاهر المبسوط وموضع من القواعد أن له إعادة الدعوى في غير هذا المجلس ولو مع عدم البينة ، وعن بعض التفصيل بين حكم الحاكم بالنكول فتسقط الدعوى وبين العدم فلا تسقط.

هذا واستثنى من إلزام المدعي باليمين المردودة فيما لو كانت الدعوى ظنية أو وهمية مع وجود التهمة بناء على اعتبار سماعها كما هو الأقوى على ما سمعت سابقا أو فيما لو كان المال للغير وهو ولي عنه كولي اليتيم فالدعوى لا تحسم بيمين غير صاحب المال. ثم عند تعذر رد اليمين على المدعي في الصورتين هل يلزم المنكر بالحلف أو يقضى عليه بمجرد نكوله عن الحلف خلاف سيأتي تفصيله ، وعلى الأول هل توقف الدعوى لعدم إمكان القضاء فيها كما عن جماعة ، أو يحبس المنكر إلى أن يقرّ أو يحلف حسما لمادة النزاع كما عن جماعة أخرى منهم الصيمري.

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب كيفية الحكم حديث ١ و ٢ و ٣.

١٠٦

ببينة (١) ، ولو استمهل أمهل ، بخلاف المنكر (٢) ، ولو طلب المدعي احضار المال قبل حلفه (٣) ففي إجابته قولان : أجودهما العدم (٤) ، ومتى حلف المدعي ثبت حقه لكن هل يكون حلفه كإقرار الغريم ، أو كالبينة قولان : أجودهما الأول (٥).

وتظهر الفائدة في مواضع كثيرة متفرقة في أبواب الفقه (٦) ، (وإن نكل)

______________________________________________________

(١) وقد عرفت ضعفه.

(٢) قال في المسالك : (إنه يسأله القاضي إذا امتنع : عن سبب امتناعه ، فإن لم يعلل بشي‌ء أو قال : لا أريد أن احلف ، فهذا نكول يسقط حقه عن اليمين ، وليس له مطالبة الخصم بعد ذلك ولا استئناف الدعوى في مجلس آخر ، كما لو حلف المدعى عليه ، لظاهر النصوص السابقة خصوصا الصحيحين ـ وقد ذكرناهما ـ مضافا إلى أنه لو لا ذلك لرفع خصمه كل يوم إلى القاضي ، والخصم يرد اليمين عليه وهو لا يحلف ، وهو مناف لمنصب القضاء الذي هو الفصل بين المتخاصمين ، وإن ذكر المدعي لامتناعه سببا فقال : أريد أن آتي بالبينة أو أسأل الفقهاء أو انظر في الحساب ونحو ذلك ترك ولم يبطل حقه من اليمين ، وهل يقدّر إمهاله؟ فيه وجهان : أحدهما أنه لا يقدّر لأن اليمين حقه ، وله تأخيره إلى أن يشاء كالبينة بخلاف المدعى عليه فإنه لا يمهل إن استمهل لأن الحق فيه لغيره ، الثاني : يقدّر لأن الإمهال من أجل رفع العذر فما زاد يكون كالناكل) وفيه : إنه مناف لإطلاق النصوص السابقة حيث حكمت بسقوط حقه بعد امتناعه عن الحلف ، ولا معنى لسؤال القاضي له عن سبب امتناعه ، ولا داعي لإمهاله لاحضار البينة في اليمين المرودة ، نعم في أصل الدعوى له الحق في الإمهال لاحضار البينة وهذا خارج عن محل البحث.

(٣) باعتبار أنه لو حلف ثبت حقه المدعى.

(٤) لأن تكليف الاحضار قبل الثبوت تسلط على مال المسلم بغير حق فليس للحاكم مطالبته ، والقول الثاني لأبي الصلاح ولم يذكر دليل له.

(٥) ووجهه أن رد المنكر اليمين على المدعي بعد امتناعه عن الحلف مشعر باعترافه بالحق فهو بمنزلة الاقرار.

ووجه الثاني المنسوب إلى الأكثر كما عن فخر المحققين بأن المطلوب من المدعي أولا هو البينة ، واليمين المردودة قد قامت مقامها في الإثبات فهي بمنزلتها.

(٦) منها : أن المنكر إذا أقام بينة على أداء المال أو على الإبراء منه بعد حلف المدعي ، فإن قلنا إن اليمين المردودة بمنزلة البينة سمعت بينة المنكر حينئذ ، وإن جعلناها بمنزلة اقرار الغريم الذي هو المنكر فلا تسمع بينة المنكر حينئذ لأنه مكذب لبينته. ـ

١٠٧

المنكر عن اليمين وعن ردها على المدعي بأن قال : أنا نأكل ، أو قال : لا أحلف عقيب قول الحاكم له : احلف ، أو لا أرد (ردت اليمين أيضا) على المدعي (١) بعد

______________________________________________________

ـ ومنها : لو قلنا إن اليمين المردودة بمنزلة البينة فهي تحتاج في مقام ثبوتها إلى حكم الحاكم كاحتياج البينة ، وإن جعلناها بمنزلة اقرار الغريم فلا تحتاج ، لعدم احتياج الاقرار إلى حكم الحاكم كما تقدم سابقا.

وفيه : إن الترديد في اليمين المردودة بين البينة وإقرار الغريم ضعيف إذ لا دليل على الحصر بينهما ، مع أن إلحاقها بأحدهما مبني على الاستحسان الذي لا نقول به ، فالأقوى جعلها قسما مستقلا برأسه ، وأما الفرعان المذكوران فلا تسمع بينة المنكر بعد حلف المدعي ، أولا لثبوت الحق له بالحلف كما هو مقتضى الإطلاق في النصوص السابقة ، وثانيا : لا تسمع البينة من المنكر بل وظيفته الحلف فقط ، هذا بالنسبة للفرع الأول ، وأما بالنسبة للفرع الثاني فالحق لا يثبت بمجرد وقوع اليمين المردودة من المدعي بل لا بد من إنشاء حكم الحاكم على كل حال لفصل النزاع بين المتخاصمين.

(١) ذهب الصدوقان والشيخان والديلمي والحلبي وغيرهم إلى أن المنكر لو نكل بمعنى أنه لم يحلف ولم يرد الحلف على المدعي ، فيعتبره الحاكم ناكلا ويحكم عليه للنبوي (البينة على من ادعى واليمين على من ادعي عليه) (١) ، والتفصيل قاطع للشركة وهو يقتضي اختصاص اليمين بالمنكر فلا يجوز من المدعي ، وفيه : أنه لبيان الحكم الأولي فلا ينافي ثبوت اليمين على المدعي بالرد ومن المنكر أو الحاكم مع امتناع المنكر لأنه ولي الممتنع.

واستدل بصحيح محمد بن مسلم (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الأخرس كيف يحلف إذا أدعي عليه دين وأنكر ولم تكن للمدعي بينة؟ فقال : إن أمير المؤمنين عليه‌السلام أتي بأخرس ـ إلى أن قال ـ كتب له اليمين وغسلها وأمره بشربه فامتنع فألزمه الدين) (٢) ووجه الاستدلال أنه قضى عليه بمجرد النكول ، وفيه : أنه قضية في واقعة لا عموم فيها ، ولعله قضى عليه بمجرد النكول لعدم إمكان الرد على المدعي ، مع أن الخبر المتضمن لشرب الماء بالنحو المذكور لم يعمل به الأصحاب فهو موقوف على العمل به.

واستدل بخبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله (قلت للشيخ ـ يعني الكاظم ـ عليه‌السلام : خبرني عن الرجل يدعي قبل الرجل الحق فلم تكن له بينة بما له ، قال : فيمين المدعى عليه ، فإن حلف فلا حق له ، وإن ردّ اليمين على المدعى فلم يحلف فلا حق له ، وإن لم يحلف فعليه ، وإن كان المطلوب بالحق قد مات فأقيمت عليه البينة فعلى المدعي اليمين بالله الذي ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب كيفية الحكم حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب كيفية الحكم حديث ١.

١٠٨

أن يقول الحاكم للمنكر : إن حلفت ، وإلا جعلتك ناكلا ورددت اليمين (١) ، مرة

______________________________________________________

ـ لا إله إلا هو لقد مات فلان وأن حقه لعليه ، فإن حلف وإلا فلا حق له ، لأنا لا ندري لعله قد أوفاه ببينة لا نعلم موضعها ، أو غير بينة قبل الموت ، فمن ثمّ صارت عليه اليمين مع البينة ، فإن ادعى بلا بينة فلا حق له ، لأن المدعى عليه ليس بحيّ ، ولو كان حيا لألزم اليمين أو الحق أو يرد اليمين عليه) (١).

ووجه الاستدلال قوله عليه‌السلام (ولو كان حيا لالزم اليمين أو الحق أو يرد اليمين عليه) حيث لم يذكر رد اليمين من الحاكم إذا امتنع المنكر من الجميع ، وقد صرح بأنه يحكم عليه بمجرد النكول عند عدم الحلف وعدم الرد ، وفيه : إنه على قراءة (يرد) بصيغة المجهول فتشمل رد الحاكم ولا أقل من الاحتمال ، بل في الرياض أنه بصيغة المجهول عن تهذيب الشيخ وهو معتبر مصحح عنده مضبوط ، وقال : وبه صرح بعض الفضلاء.

وذهب الشيخ أيضا في الخلاف وابن إدريس والعلامة والشهيدان بل نسب للكثير من القدماء وسائر المتأخرين أنه مع نكول المنكر يرد الحاكم اليمين على المدعي فإن حلف فله وإن أبى سقط حقه للمحكي من فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه رد اليمين على المدعي (٢) ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (المطلوب أولى باليمين من الطالب) (٣) وهو يدل على شراكتهما في اليمين وإن كان المطلوب أولى ، وصحيح عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (في الرجل يدعى عليه الحق ولا بينة للمدعي؟ قال : يستحلف أو يرد اليمين على صاحب الحق ، فإن لم يفعل فلا حق له) (٤) بناء على قراءة (يرد) بصيغة المجهول ، وفيه : إنه على خلاف الظاهر بل الظاهر أنه للمعلوم ، والسابقان من أخبار العامة ، واستدل بصحيح هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (تردّ اليمين على المدعي) (٥) وفيه : لعله بالتماس المنكر ومعه لا دلالة فيه على محل النزاع ، واستدل بالاحتياط وبالإجماع المدعى من الشيخ في الخلاف ، وفيهما : أما الاحتياط فهو معارض بمثله حفظا لحق المدعي إذ قد لا يمكن الحلف له ، وأما إجماع الشيخ فهو غريب منه إذ خالف الشيخ نفسه في النهاية وقد سبقه الصدوقان وشيخه المفيد وأبو الصلاح وسلار إلى الأول ومع مخالفتهم كيف يمكن دعوى الإجماع.

(١) بناء على رد الحاكم اليمين المردودة على المدعي.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب كيفية الحكم حديث ١.

(٢) سنن الدار قطني ج ٤ ص ٢١٣.

(٣) سنن الدار قطني ج ٤ ص ٢١٩.

(٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب كيفية الحكم حديث ٢ و ٣.

١٠٩

ويستحب ثلاثا (١) فإن حلف المدعي ثبت حقه ، وإن نكل فكما مر.

(وقيل) والقائل به الشيخان والصدوقان وجماعة : (يقضي) على المنكر بالحق (بنكوله) ، لصحيحة محمد بن مسلم عن الصادق عليه‌السلام أنه حكى عن أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام أنه ألزم أخرس بدين أدّعي عليه فأنكر ونكل عن اليمين فألزمه بالدين بامتناعه عن اليمين.

(والأول أقرب) ، لأن النكول أعم من ثبوت الحق (٢) ، لجواز تركه إجلالا ، ولا دلالة للعام على الخاص (٣) ، ولما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه رد اليمين على صاحب الحق (٤) ، وللأخبار (٥) الدالة على رد اليمين على المدعي من غير تفصيل (٦) ، ولأن الحكم مبني على الاحتياط التام ، ولا يحصل إلا باليمين (٧) ، وفي هذه الأدلة نظر بيّن.

(وإن قال) المدعي مع إنكار غريمه (لي بينة عرّفه) الحاكم (أن له احضارها ، وليقل : أحضرها إن شئت) (٨) إن لم يعلم ذلك (فإن ذكر غيبتها خيّره بين إحلاف)

______________________________________________________

(١) لا نص على ذلك لا مرة ولا ثلاثا كما صرح به أكثر من واحد ، نعم لا بأس به للتسامح في أدلة السنن.

(٢) للمدعي.

(٣) أي لا دلالة للنكول لأنه أعم من كون الحق ثابتا للمدعي ومن العدم ومع ذلك لم يحلف إجلالا ، وفيه : إن المستدل استدل بفعل أمير المؤمنين عليه‌السلام حيث ألزمه بالدين بمجرد امتناعه عن اليمين ، وقد تقدم أنه قضية في واقعة وأنه لعل الأمير عليه‌السلام فعل ذلك لعدم إمكان رد اليمين على المدعي لأنها دعوى غير جازمة أو لأنه ولي يطالب بمال الغير.

(٤) وقد تقدم أنه مروي من طرق العامة.

(٥) وهي صحيحتا هشام وابن زرارة ، وقد تقدم ما فيهما.

(٦) فتشمل رد الحاكم لليمين على المدعي ، ولا تختص برد اليمين بالتماس المنكر.

(٧) وقد عرفت أنه معارض بمثله.

(٨) فعن الشيخ في المبسوط وابن البراج في المهذب وابن إدريس في السرائر لا يجوز للحاكم أن يقول له : أحضرها ، لأنه أمر والحق للمدعي فلا يؤمر باستيفائه بل يقول : أحضرها إن شئت ، وعن الشيخ في النهاية والمحقق وهو اختيار الأكثر أنه يجوز لأن الأمر هنا ليس للوجوب بل مجرد إذن وإعلام. ـ

١١٠

(الغريم والصبر) (١) ، وكذا يتخير بين إحلافه وإقامة البينة وإن كانت حاضرة ، وليس له (٢) طلب إحلافه ، ثم إقامة البينة ، فإن طلب إحلافه ففيه ما مر (٣) ، وإن طلب احضارها أمهله إلى أن يحضر ، (وليس له إلزامه بكفيل) (٤) للغريم ، (ولا ملازمته) لأنه تعجيل عقوبة لم يثبت موجبها. وقيل : له ذلك ، (وإن أحضرها وعرف الحاكم العدالة) فيها (حكم) (٥) بشهادتها بعد التماس المدعي سؤالها (٦) والحكم ، ثم لا يقول لهما : اشهدا (٧) بل من كان عنده كلام أو شهادة ذكر ما عنده إن شاء ، فإن أجابا بما لا يثبت به حق طرح قولهما ، وإن قطعا بالحق ،

______________________________________________________

ـ وعن القواعد والمختلف والدروس التفصيل بين علم الحاكم بمعرفة المدعي أن له الحق في البينة فلا يجوز ، وبين جهله فيجوز ، والحق أن الأمر هنا ليس بداعي الوجوب بل بداعي الإذن والاعلام فلا يدل على الإلزام فيجوز أن يقول : احضرها أو أقمها ، والأولى إضافة المشيئة إليه.

(١) لأن الحق للمدعي فله الخيار إن شاء عجل وأحلف الغريم ، وإن شاء أخر انتظارا لإقامة البينة بلا فرق أن تكون البينة غائبة أو حاضرة.

(٢) أي ليس للمدعي طلب احلاف غريمه ثم إقامة البينة ، لأنه إذا رضي بيمين غريمه فتسقط الدعوى ولا تسمع ـ البينة بعد.

(٣) من ذهاب حق المدعي في الدنيا وعدم جواز مقاصته ولا إقامة الدعوى فيما بعد.

(٤) أي حين ما يمهل المدعي لإحضار بينته فليس للمدعي ملازمة المدعى عليه على وجه لا يجوز له ولا مطالبته بكفيل ، لأنهما عقوبة لم يثبت موجبها على الأكثر ، وذهب الشيخان في المقنعة والنهاية وابن البراج وابن حمزة وابن زهرة إلى ذلك حفظا لحق المدعي حذرا من ذهاب الغريم الموجب للضرر على المدعي.

وفيه : إنه موجب للضرر على المدعى عليه ومع تعارض الضررين يقدم الأقل ضررا وهذا ما يختلف فيناط أمره بنظر الحاكم وهذا ما صرح به الفاضل المقداد ومال إليه سيد المدارك ، والحق عدم الجواز لما فيه من الضرر على المدعى عليه قبل ثبوت موجبه ، وأما المدعي فلم يثبت حقه حتى يكون تفويته موجبا للضرر عليه.

(٥) أي إن عرف الحاكم عدالة الشاهدين أو فسقهما لمخالطته لهما حكم على الأول وطرح شهادتهما على الثاني لما تقدم من جواز حكم الحاكم بعلمه.

(٦) أي سؤال البينة.

(٧) لما فيه من الإحالة إلى المدعي وهو محرم.

١١١

وطابق الدعوى ، وعرف العدالة حكم كما ذكرنا.

(وإن عرف الفسق ترك) ، ولا يطلب التزكية لأن الجارح مقدم (١) (وإن جهل) حالها (٢) (استزكى) أي طلب من المدعي تزكيتها فإن زكاها بشاهدين على كل من الشاهدين يعرفان العدالة ومزيلها أثبتها (٣) ، (ثم سأل الخصم عن الجرح) (٤) فإن اعترف بعدمه حكم كما مر ، وإن (استنظر أمهله ثلاثة أيام) ، فإن أحضر الجارح نظر في أمره على حسب ما يراه من تفصيل ، وإجمال ، وغيرهما ، فإن قبله قدّمه على التزكية لعدم المنافاة (٥) ، (فإن لم يأت بالجارح) مطلقا (٦) ، أو بعد المدة (حكم عليه بعد الالتماس) أي التماس المدعي الحكم (٧).

______________________________________________________

(١) أي مع علمه بالفسق لا يطلب البينة على عدالتهما لأنه جارح وقول الجارح مقدم ، لأن المزكي لا يشهد إلا على ما عرف من عدم المعصية وهذا لا ينافي علم الحاكم الجارح والعالم بالمعصية إذ لعله قد اطلع على ما لم تطلع عليه البينة المزكية.

(٢) بحث عنهما بنفسه للمحكي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) أنه كان يفعل ذلك بإرسال شخصين من قبله ، لا يعلم أحدهما بالآخر ، يسألان قبيلتهما عن حالهما ، فإن جاءا بمدح وحدثنا حكم على طبق شهادتهما ، وإن جاء بشين ستر عليهما ودعا الخصمين إلى الصلح ، وإن لم يكن لهما قبيلة سأل الخصم عنهما فإن زكاهما حكم وإلّا ترك قولهما.

(٣) أي العدالة.

(٤) أجاد صاحب الجواهر حيث قال : (يقول للخصم هل عندك جرح؟ وفي وجوب ذلك اشكال؟ فإن قال : نعم ، وسأل الإنظار في إثباته ، انظره لإمكان صدقه ، ولقول علي عليه‌السلام لشريح : «واجعل لمن ادعى شهودا أمدا بينهما ، فإن احضرهم أخذت له بحقه ، وإن لم يحضرهم أوجبت عليه القضية» (٣) ، إلا أنه كما ترى لا تعيين فيه لمدة الإنظار التي قدّرها في المبسوط وغيره ثلاثا ، بل لا أجد فيه خلافا بينهم ، من دون تفصيل بين بعد المسافة وقربها ، مع أن ظاهر المرسل المزبور كون الأمد بحيث يمكن إتيان البينة فيه ، كما هو ظاهر النافع) انتهى.

(٥) كما تقدم في تقديم قول الجارح.

(٦) في المدة وبعدها.

(٧) لأنه حقه فلا يستوفى بدون إذنه وطلبه.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب كيفية الحكم حديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب آداب القاضي حديث ١.

١١٢

(وإن ارتاب الحاكم بالشهود) مطلقا (١) (فرقهم) (٢) استحبابا ، (وسألهم عن مشخصات القضية) زمانا ومكانا وغيرهما من المميزات ، (فإن اختلفت أقوالهم سقطت) شهادتهم ، ويستحب له عند الريبة وعظهم وأمرهم بالتثبت والأخذ بالجزم (٣) ، (ويكره له أن يعنّت الشهود) أي يدخل عليهم العنت وهو المشقة (إذا كانوا من أهل البصيرة بالتفريق) وغيره من التحزيز (٤).

(ويحرم) عليه (أن يتعتع الشاهد) (٥) أصل التعتعة في الكلام التردد فيه

______________________________________________________

(١) سواء كانوا شهود الأصل أو شهود التزكية.

(٢) ليسأل كل واحد منهم من دون علم الآخر عن مشخصات القضية بالزمان والمكان وغيرهما ، ليستدل على صدقهم باتفاق كلمتهم وعدمه باختلافهم ، وقد فعله دانيال النبي عليه‌السلام (١) في شهود على امرأة بالزنا فعرف منه كذبهم ، وكذا داود عليه‌السلام (٢) ، وقد فعله أمير المؤمنين عليه‌السلام كما في خبر أبي بصير (٣) في سبعة نفر خرجوا في سفر ففقد واحد منهم فجاء ولده إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام وذكر له ذلك ، فاستدعاهم وسألهم فأنكروا ، ففرقهم وأقام كل واحد منهم إلى سارية ووكّل به من يحفظه ، ثم استدعى واحدا منهم وسأله فأنكر فقال عليه‌السلام : الله أكبر ، فسمعه الباقون فظنوا أنه قد اعترف ، فاستدعى واحدا بعد واحد فاعترفوا بقتله فالزمهم المال والدم.

(٣) من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

(٤) وهو الحزازة ، فيكره للحاكم أن يعنت الشهود إذا كانوا من ذوي البصائر والاذهان القوية أن يفرق بينهم أو يكلفهم ما يثقل عليهم من المبالغة في مشخصات القضية ، وكذا يكره لأهل الفضل والعقل الوافر والدين لما فيه من غضاضة لهم وامتهان وإن كان لا يصل إلى حد الحرمة ، نعم يستحب ذلك عند الريبة.

(٥) وهو أن يداخله في أثناء التلفظ بالشهادة بكلام يجعله ذريعة لنطقه ما لا يريد ، أو يجعله مانعا للعدول عما كان يريد التلفظ به ، من باب الهداية إلى ما ينفعه ، وكذا استدراجه إلى ما ينفعه ، بل يجب على الحاكم أن يكف عن الشاهد حتى ينتهي ما عنده ويحكم بمقتضاه ، وإن كان الشاهد يتردد ويتلعثم في شهادته لهيبة الحاكم أو مجلس الحكومة ، كل ذلك لما فيه من تضييع الحق وترويج الباطل.

__________________

(١) الكافي ج ٧ ص ٤٢٦ ـ ٤٢٧.

(٢) القاضي ج ٧ ص ٣٧٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب كيفية الحكم حديث ١.

١١٣

(وهو) هنا (أن يداخله في الشهادة) فيدخل معه كلمات توقعه في التردد ، أو الغلط بأن يقول الشاهد : إنه اشترى كذا فيقول الحاكم : بمائة ، أو في المكان الفلاني ، أو يريد أن يتلفظ بشي‌ء ينفعه فيداخله بغيره ليمنعه من إتمامه ونحو ذلك ، (أو يتعقبه) بكلام ليجعله تمام ما يشهد به بحيث لولاه لتردد ، أو أتى بغيره ، بل يكف عنه حتى ينتهي ما عنده وإن لم يفد ، أو تردد ، ثم يرتب عليه ما يلزمه ، (أو يرغّبه في الإقامة) (١) إذا وجده مترددا (أو يزهّده لو توقف ، ولا يقف عزم الغريم عن الإقرار (٢) إلا في حقه تعالى) فيستحب أن يعرّض المقر بحدّ الله تعالى بالكف عنه والتأويل.

(لقضية ماعز بن مالك عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) حين أقر عنده بالزنا في أربعة مواضع ، والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يردده ويوقف عزمه تعريضا لرجوعه ، ويقول له : لعلك قبلت ، أو غمزت ، أو نظرت قال : لا قال : أفنكتها لا تكني قال : نعم ، قال : حتى غاب ذلك منك في ذلك منها قال : نعم ، قال : كما يغيب المرود (٣) في المكحلة والرشا (٤) في البئر ، قال : نعم ، قال : هل تدري ما الزنا ، قال : نعم أتيت منها حراما ما يأتي الرجل من امرأته حلالا ، فعند ذلك أمر برجمه (٥).

وكما يستحب تعريضه للإنكار يكره لمن علمه منه غير الحاكم حثه على الإقرار ، لأن هزّالا قال لماعز : بادر إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل أن ينزل فيك قرآن فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا علم به : ألا سترته بثوبك كان خيرا لك.

______________________________________________________

(١) فلو تردد الشاهد في الشهادة لأمر قد عرض له لم يجز ترغيبه في الاقدام ، وكذلك لا يجوز تزهيده في إقامتها بعد فرض جزم الشاهد بالشهادة لما فيه من تضييع الحق وترويج الباطل.

(٢) أي لا يجوز للحاكم إيقاف الغريم عن الاقرار لو أراد أن يقر بالحق لما فيه من الظلم بالغريم الآخر ، هذا في حقوق الآدميين ، وأما الاقرار في حق الله تعالى فإنه يجوز ذلك وتزهيده في إتمامه وتعريضه بالتأويل بل يستحب ذلك لقضية ماعز بن مالك الأسلمي عند اعترافه بالزنا وقد نقل الخبر الشارح في الروضة.

(٣) بكسر الميم وسكون الراء وفتح الواو ، وهو الميل الذي يكتحل به.

(٤) بالكسر وهو الحبل.

(٥) سنن البيهقي ج ٨ ص ٢٢٦.

١١٤

واعلم أن المصنف رحمه‌الله ذكر أولا أن جواب المدعى عليه إما إقرار ، أو إنكار ، أو سكوت (١) ، ولم يذكر القسم الثالث ، ولعله أدرجه في قسم الإنكار على تقدير النكول ، لأن مرجع حكم السكوت على المختار (٢) إلى تحليف المدعي بعد إعلام الساكت بالحال. وفي بعض نسخ الكتاب نقل أن المصنف ألحق بخطه قوله : (وأما السكوت فإن كان لآفة) من طرش ، أو خرس (توصّل) الحاكم (إلى) معرفة (الجواب) بالإشارة المفيدة لليقين ، ولو بمترجمين عدلين ، (وإن كان) السكوت (عنادا حبس حتى يجيب) على قول الشيخ في النهاية ، لأن الجواب حق واجب عليه ، فإذا امتنع منه حبس حتى يؤديه ، (أو يحكم عليه بالنكول بعد عرض الجواب عليه) بأن يقول له : إن أجبت ، وإلا جعلتك ناكلا ، فإن أصر حكم

______________________________________________________

(١) إذا طلب الحاكم الجواب من المدعى عليه فسكت ، فإن كان سكوته لدهش له أو غباوة فلا بد من إيناسه إلى أن تزول دهشته ويعرف حاله حينئذ ، وإن كان السكوت لآفة من صمم أو خرس فلا بد من التوصل إلى معرفة جوابه المعتبر بإشارته المفيدة لليقين بكونه مقرا أو منكرا ، ولو استغلقت إشارته بحيث يحتاج إلى مترجم فلا بد من اثنين عدلين يترجمان إشارته ، وإن كان سكوته عنادا ففيه أقوال : الأول : أنه يلزم بالجواب فإن أصرّ حبس حتى يبين ، لأن الجواب حق عليه فيجوز حبسه لاستيفائه منه ، وهو المحكي عن الشيخ في النهاية والخلاف والمفيد وسلّار وابني حمزة وسعيد والعلامة وولده بل في المسالك نسبته إلى المتأخرين.

الثاني : من أنه يجبر من دون حبس بل يجبر بالضرب ويبالغ معه في الإهانة ، وقال في الجواهر : لم نعرف قائله ، ودليله من باب الأمر بالمعروف ، وأن الجواب حق عليه فينتزع منه ولو بالضرب.

الثالث : قول الشيخ في المبسوط والحلي في سرائره والعلامة في موضع من القواعد والقاضي في مهذبه يقول له الحاكم : إما أجبت وإما جعلتك ناكلا ، وعليه فإن قلنا بالحكم عليه بالنكول فهو وإلا ردّ الحاكم اليمين على المدعي كما تقدم الخلاف فيه ، واستدل لهذا القول بأنه لو أجاب جوابا صحيحا ثم امتنع عن اليمين جعل ناكلا ، فإذا امتنع عن الجواب واليمين معا كما هو المفروض هنا فأولى أن يكون ناكلا ، وبالإضافة إلى أن العناد أشدّ وأظهر هنا ، والأخير متجه لما في الأول والثاني من الحبس والضرب وهما ضرران عليه من دون دليل ملزم.

(٢) وهو مختار الشارح لا المصنف ، وإلا مختار المصنف الحكم عليه بمجرد النكول من دون رد اليمين على المدعي من قبل الحاكم.

١١٥

بنكوله على قول من يقضي بمجرد النكول ولو اشترطنا معه (١) إحلاف المدعي أحلف بعده. ويظهر من المصنف التخيير بين الأمرين (٢) والأولى جعلهما إشارة إلى القولين ، وفي الدروس اقتصر على حكايتهما قولين ولم يرجح شيئا. والأول (٣) أقوى (٤).

(القول في اليمين)

(لا تنعقد اليمين الموجبة للحق) من المدعي ، (أو المسقطة للدعوى) من المنكر (إلا بالله تعالى) (٥) وأسمائه الخاصة (مسلما كان الحالف أو كافرا) ، ولا يجوز بغير

______________________________________________________

(١) مع النكول.

(٢) من الحبس حتى يجيب أو الحكم عليه بالنكول.

(٣) أي الحبس حتى يجيب.

(٤) قال في المسالك (فالقول الأول هو الأقوى ، وذكر المصنف ـ أي المحقق في الشرائع ـ أنه مروي أيضا ولم نقف على روايته) وقد عرفت ما فيه.

(٥) لا خلاف في ذلك للأخبار.

منها : صحيح سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه‌السلام (لا تحلفوا اليهودي ولا النصراني ولا المجوسي بغير الله ، إن الله عزوجل يقول : فاحكم بينهم بما أنزل الله) (١) وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (لا أرى أن يحلف الرجل إلا بالله) (٢) وصحيح ابن مسلم (قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : قول الله : (وَاللَّيْلِ إِذٰا يَغْشىٰ وَالنَّجْمِ إِذٰا هَوىٰ) وما أشبه ذلك ، فقال : إن الله عزوجل أن يقسم من خلقه بما شاء ، وليس لخلقه أن يقسموا إلا به) (٣) ومقتضى الأخبار لا بديّة الحلف بالله أو بأسمائه ولو من الكافر ، وعن الشيخ في المبسوط أنه لا يقتصر في المجوسي على لفظ الجلالة لاحتمال أنه يريد منه النور فلا بد من إضافة الخالق فيقال : خالق النور والظلمة لدفع هذا الاحتمال ، ومال إليه فخر المحققين وهو ظاهر الدروس ، وفيه : إن المعتبر هو العلم بكونه قد أقسم بالله الذي هو المأمور به شرعا فيتحقق الإجزاء ، وأما مطابقة قصده للفظ فليس بشرط في صحة اليمين لاطلاق الأخبار المتقدمة.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٢ ـ من كتاب الأيمان حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من كتاب الأيمان ٤.

(٣) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من كتاب الأيمان حديث ٣.

١١٦

ذلك كالكتب المنزلة والأنبياء والأئمة (١) لقول الصادق عليه‌السلام : لا يحلف بغير الله (٢) ، وقال : اليهودي والنصراني والمجوسي لا تحلّفوهم إلا بالله وفي تحريمه بغير الله في غير الدعوى نظر ، من ظاهر النهي في الخبر ، وإمكان حمله على الكراهة أما بالطلاق والعتاق (٣) ...

______________________________________________________

(١) بلا خلاف فيه لما تقدم من حصر الحلف بالله جل وعلا ، وفي النبوي (من حلف بغير الله فقد أشرك) (١) وفي آخر (فقد كفر) (٢).

وظاهر الأخبار ترتب الاثم لو حلف بغير الله مع عدم انقطاع الدعوى به ، وأما القسم بغير الله في غير الدعوى فعن جماعة الحرمة ، وعن المسالك وتبعه الكفاية وصاحب الجواهر الكراهة للسيرة المستمرة ولورود النصوص بذلك.

منها) خبر أبي جرير القمي (قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : جعلت فداك قد عرفت انقطاعي إلى أبيك ثم إليك ، ثم حلفت له : وحق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحق فلان وفلان حتى انتهيت إليه أنه لا يخرج ما تخبرني به إلى أحد من الناس ، وسألته عن أبيه أحي هو أم ميت ، قال : قد والله مات ـ إلى أن قال ـ فأنت الإمام؟ قال : نعم) (٣) وخبر محمد بن يزيد الطبري (كنت قائما على رأس الرضا عليه‌السلام بخراسان ـ إلى أن قال ـ فقال : بلغني أن الناس يقولون : إنا نزعم أن الناس عبيد لنا ، لا وقرابتي من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما قلته قط ، ولا سمعت أحدا من آبائي قاله ، ولا بلغني من أحد من آبائي قاله ، ولكني أقول : إن الناس عبيد لنا في الطاعة ، موال لنا في الدين فليبلغ الشاهد الغائب) (٤).

ولذا ذهب ابن الجنيد إلى جواز الحلف بما عظّم الله من الحقوق من دون كراهة ، لأن ذلك من حقوق الله عزوجل.

(٢) وهو خبر جراح المدائنيّ عن أبي عبد الله عليه‌السلام (لا يحلف بغير الله ، وقال : اليهودي والنصراني والمجوسي لا تحلفوهم إلا بالله عزوجل) (٥).

(٣) فالحلف بالطلاق والعتاق كما تفعله العامة مما لا يجوز بلا خلاف فيه للأخبار.

منها : خبر صفوان الجمال عن أبي عبد الله عليه‌السلام (أن المنصور قال له : رفع إليّ أن مولاك المعلى بن خنيس يدعو إليك ويجمع لك الأموال ، فقال : والله ما كان ، فقال : لا أرضى منك إلا بالطلاق والعتاق والهدي والمشي ، فقال : أبالأنداد من دون الله تأمرني أن ـ

__________________

(١ و ٢) مستدرك الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من كتاب الأيمان حديث ٢٣.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من كتاب الأيمان حديث ٦ و ٧.

(٥) الوسائل الباب ـ ٣٢ ـ من كتاب الأيمان حديث ٢.

١١٧

والكفر والبراءة (١) فحرام قطعا.(ولو أضاف مع الجلالة خالق كل شي‌ء في المجوسي كان حسنا) إماطة (٢) لتأويله ، ويظهر من الدروس تعين إضافة نحو ذلك فيه لذلك (٣) ، ومثله خالق النور والظلمة.

(ولو رأى الحاكم ردع الذمي بيمينهم فعل (٤) ، إلا أن يشتمل على محرم) (٥) كما لو اشتمل على الحلف بالأب والابن ونحو ذلك ، وعليه حمل ما روي أن

______________________________________________________

ـ أحلف ، إنه من لم يرض بالله فليس من الله في شي‌ء) (١) وخبر منصور بن حازم (قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : أما سمعت بطارق ، إن طارقا كان نحاسا بالمدينة فأتى أبا جعفر عليه‌السلام : فقال : يا أبا جعفر ، إني هالك ، إني حلفت بالطلاق والعتاق والنذور ، فقال : يا طارق هذا من خطوات الشيطان) (٢) ومثلها غيرها.

(١) تقدم الكلام فيه في باب اليمين والنذر.

(٢) أي دفعا.

(٣) أي في المجوسي دفعا لتأويله.

(٤) قد تقدم عدم جواز الحلف بغير الله ولو من الكافر ، وعن الشيخ والمحقق وجماعة لو رأى الحاكم تحليف الذمي بما يقتضيه دينه أردع من إحلافه بالله جاز لخبر السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام (أن أمير المؤمنين عليه‌السلام استحلف يهوديا بالتوراة التي أنزلت على موسى عليه‌السلام) (٣) وصحيح ابن مسلم عن أحدهما عليه‌السلام (سألته عن الأحكام فقال : في كل دين ما يستحلفون به) وفي نسخة (ما يستحلون به) (٤) ، وخبر محمد بن قيس (سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : قضى علي عليه‌السلام فيمن استحلف أهل الكتاب بيمين صبر أن يستحلف بكتابه وملته) (٥) ، وسيأتي معنى يمين الصبر وخبر أبي البختري عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام (أن عليا عليه‌السلام كان يستحلف اليهود والنصارى بكتابهم ، ويستحلف المجوس ببيوت نيرانهم) (٦) ، وهي لا تصلح لمعارضة ما تقدم فلا بد من حملها على جواز ذلك مع الحلف بالله احتياطا للمسلمين.

(٥) قال في الجواهر (نعم في اللمعة والروضة إلا أن يشتمل على محرم كما لو اشتمل الحلف على الأب والابن تعالى الله عن ذلك).

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من كتاب الأيمان حديث ٣ و ٤.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ٣٢ ـ من كتاب الأيمان حديث ٤ و ٧.

(٥ و ٦) الوسائل الباب ـ ٣٢ ـ من كتاب الأيمان حديث ٨ و ١٢.

١١٨

عليا عليه‌السلام استحلف يهوديا بالتوراة. وربما أشكل تحليف بعض الكفار بالله تعالى ، لإنكارهم له فلا يرون له حرمة ، كالمجوس فإنهم لا يعتقدون وجود إله خلق النور والظلمة فليس في حلفهم به عليهم كلفة ، إلا أن النص ورد بذلك.

(وينبغي التغليظ بالقول) (١) مثل والله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم الطالب الغالب ، الضارّ النافع ، المدرك المهلك ، الذي يعلم من السر ما يعلمه من العلانية (٢) (والزمان) كالجمعة والعيد (٣) ، وبعد الزوال ، والعصر (٤) ،

______________________________________________________

(١) لأن فيه مظنّة رجوع الحالف إلى الحق خوفا من عقوبة الله ، وعلى تقدير جرأته كاذبا فهو مظنّة المؤاخذة حيث أقدم على الحلف بالله مع إحضار عظمته وجلالته في الموضع والزمان والقول التي هي محل احترام.

(٢) وهذا مستفاد من خبر محمد بن مسلم (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الأخرس كيف يحلف إذا ادعي عليه دين وأنكر ولم يكن للمدعي بينة ، فقال : إن أمير المؤمنين عليه‌السلام أتي بأخرس فادعى عليه دين ولم يكن للمدعي بينة ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : الحمد لله الذي لم يخرجني من الدنيا حتى بيّنت للأمة جميع ما تحتاج إليه ـ إلى أن قال ـ ثم كتب أمير المؤمنين عليه‌السلام : والله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم ، الطالب الغالب ، الضارّ النافع ، المهلك المدرك ، الذي يعلم السر والعلانية ، إن فلان بن فلان المدعي ليس له قبل فلان بن فلان ـ أعني الأخرس ـ حق ولا طلبة بوجه من الوجوه ولا بسبب من الأسباب ، ثم غسله وأمر الأخرس أن يشر به فامتنع ، فألزمه الدين) (١) ، وفي النهج عن أمير المؤمنين عليه‌السلام (احلفوا الظالم إذا أردتم يمينه بأنه بري‌ء من حول الله وقوته ، فإنه إذا حلف بها كاذبا عوجل ، وإذا حلف بالله الذي لا إله إلا هو لم يعاجل ، لأنه قد وحّد الله سبحانه) (٢).

(٣) وفضلهما واضح.

(٤) لقوله تعالى : (تَحْبِسُونَهُمٰا مِنْ بَعْدِ الصَّلٰاةِ) (٣) ، وهو مفسّر بما بعد صلاة العصر ، وللنبوي (ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ، ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم ، رجل تابع إمامه فإن أعطاه وفّى له به وإن لم يعطه خانه ، ورجل حلف بعد العصر يمينا فاجرة ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب كيفية الحكم حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣٣ ـ من كتاب الأيمان حديث ٢.

(٣) سورة المائدة ، الآية : ١٠٦.

١١٩

(والمكان) (١) كالكعبة والحطيم والمقام ، والمسجد الحرام ، والحرم والأقصى تحت الصخرة ، والمساجد في المحراب. واستحباب التغليظ ثابت (في الحقوق كلها ، إلا أن ينقص المال عن نصاب القطع) وهو ربع دينار (٢) ، ولا يجب على الحالف الإجابة إلى التغليظ (٣) ، ويكفيه قوله : والله ما له عندي حق.

______________________________________________________

ـ ليقطع بها مال امرئ مسلم ...) (١) إلى غير ذلك من الأوقات المكرمة كشهر رمضان وغيره.

(١) كالمسجد الحرام والأماكن المعظمة والمشاهد المشرفة خصوصا منبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للنبوي (من حلف على منبري هذا يمينا كاذبة تبوأ مقعده من النار) (٢) وفي ثان (لا يحلف أحد عند منبري هذا على يمين آثمة ولو على سواك أخضر إلا تبوأ مقعده من النار أو وجبت له النار) (٣) ، وفي ثالث (من حلف على منبري هذا يمينا كاذبة استحلّ بها مال امرئ مسلم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) (٤).

(٢) فالحكم مشهور كما في الجواهر والمسالك وفي الرياض نفي الخلاف فيه ، وقال في المسالك : (هذا الحكم هو المشهور بين الأصحاب وذكروا أنه مروي ، وما وقفت على مستنده ، وللعامة اختلاف في تحديده بذلك ـ أي ربع دينار ـ أو بنصاب الزكاة وهو عشرون دينارا أو مائتا درهم ، وليس للجميع مرجح واضح). وقال في الجواهر : (قلت : لعله مضافا إلى ما سمعت ـ من دعوى الاجماع ـ المرسل أو الصحيح عن زرارة ومحمد بن مسلم (٥) عنهما عليهما‌السلام جميعا : لا يحلف أحد عند قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أقل مما يجب فيه القطع) انتهى.

(٣) بلا خلاف فيه ولذا لو امتنع عن الإجابة إلى التغليظ لا يجبر ، وللإطلاق في خبر أبي حمزة عن علي بن الحسين عليهما‌السلام (قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا تحلفوا إلا بالله ، ومن حلف بالله فليصدق ، ومن لم يصدّق فليس من الله ، ومن حلف له بالله فليرض ، ومن حلف له بالله فلم يرض فليس من الله عزوجل) (٦) ومثله غيره ، ولذا لو حلف بالله دون التغليظ لوجب الرضا به ولا يجب عليه الزيادة.

__________________

(١) سنن البيهقي ج ١٠ ص ١٧٧.

(٢ و ٣) سنن البيهقي ج ١٠ ص ١٧٦.

(٤) مجمع الزوائد ج ٣ ص ٣٠٧.

(٥) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب كيفية الحكم حديث ١.

(٦) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من كتاب الأيمان حديث ١.

١٢٠