رحلات في الجزيرة العربية

جي. آر. ويستلد

رحلات في الجزيرة العربية

المؤلف:

جي. آر. ويستلد


المترجم: د. محمّد درويش
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: المجمع الثقافي
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٤٠

المحلية ، والتي عدّها (نيبور) نفسه إمارات ، لا تعدّ أكثر أهمية من القرى أو القصبات. وتشير بقايا الدور المهدمة وآثار السدود القديمة إلى أنها كانت كثيفة السكان والزراعة. لكن حيثما انعدمت المياه ، فإن استمرار الجفاف يحوّل الأرض إلى صحراء مهما كانت خصبة قبل ذلك.

إن جميع المدن تقع الآن إما داخل الواحات أو بالقرب منها. وقد أتينا على وصفها ووصف سكانها مفصلا مما يجعل العودة إلى ذكرها أمرا لا يثير متعة القارئ ولا اهتمامه. ولكن عند إبراز أي جانب أو إضافة أي معلومات أخرى ، فقد لجأت إلى إضافة وصف موجز على وجه الخارطة.

كما أوضحت على الخارطة أيضا اتجاه رحلاتي العديدة. ولإظهار درجة الثقة التي يمكن أن تعطى لها ، فإن من الضروري التوضيح بأن كل المدن الرئيسية والمدن الصغيرة والقرى والواحات قد ثبتت من خلال المشاهدة الفعلية. وفيما عدا مدينة (الرستاق) التي حدد مكانها من خلال اتجاه البوصلة و (البريمي) ، محطة الوهابيين المتقدمة ، فإنه لا يوجد موقع مهم في عمان لم يتقرر موقعه الجغرافي على نحو صحيح. وهنا ربما يسمح لي بالقول بأنه قد حيل بيني وبين الوصول إلى (الدرعية) بسبب ظروف غير مؤاتية. لكن بإضافة وصف لإقليم تساوي مساحته مساحة بلاد الشام ، للمعلومات الشحيحة التي كنا نملكها فيما مضى من الزمان عن جزيرة العرب ، فإنني أعتقد بأن الأشهر العديدة التي قضيتها هناك لم تكن شهورا بلا عمل أو بلا نتيجة.

٢٠١
٢٠٢

الفصل الرابع والعشرون

المعمار ـ موجز لتاريخ عمان

باستثناء (الرستاق) و (مسقط) المشيدتين بالحجارة ، فإن البيوت في جميع أرجاء عمان مبنية أما بالآجر المجفف تحت أشعة الشمس أو بالحجارة غير المهندمة التي استعمل الطين لتثبيتها. وعلى هذا الأساس فهي مبان قلما تكون مرغوبة ، كما أن زخة مطر قوية تستمر بعض الوقت كافية لان تسوي بالأرض العديد من هذه المباني. وللوقاية من الحوادث يستخدم السكان مادة رابطة مؤلفة من الطين والقش والحصو وتسوى وتثبت باليد فقط. البيوت الكبيرة الحجم تكون مربعة الشكل ومشيدة من حول فناء مكشوف. وحول كل طابق ثمة ممر ينفتح من جوانبه على العديد من الحجرات. وتكون هذه الحجرات فسيحة الأرجاء مرتفعة وبسقوف خشبية ذات تصاميم مرسومة رسما فجا. أما الجدران البيض ، فمكونة من القصب وعلقت عليها سروج جيادهم وإبلهم. وتصنع الأرضيات من الطين الذي تتم تسويته وتقويته بمدماة ومن ثم تغطى بالحصران. ولا يشاهد أي أثاث في غرفهم ، ويتناولون طعامهم فوق سجادة تفرش لهذا الغرض. ولهذه البيوت باب واحد ومحاطة بسور وتبدو مصممة كأماكن دفاعية. ويسكن الفقراء في بيوت مشيدة بنفس مواد البناء وتتكون من غرفتين مربعتين الواحدة فوق الأخرى ، تكون الغرفه العلوية للحريم أما السفلية فلاستقبال الزوار.

تعد (مسقط) سوقا عظيمة للرقيق. وكل ما تحتاجه سواحل الخليج العربي وبغداد والبصرة من رقيق يتم شراؤه من هذا المكان. وكان الأئمة فيما مضى من الزمن منهمكين في هذه التجارة ويحققون عوائد مالية سنوية تقدر بستين ألف دولار. أي ما يقرب من ثلاثة عشر ألف باون. إلا أن (السيد سعيد) تخلى عن تجارة الرقيق على نحو لم يسبق له مثيل في محاولة منه لاسترضاء حكومتنا التي كانت آنذاك جادة في محاولاتها للقضاء على هذه التجارة. ولم يتلق شيئا لقاء ذلك. فهل هذا سخاء؟ أهو صحيح؟ لقد سبق أن قدمنا لأسبانيا وهي حكومة

٢٠٣

مسيحية مائتي ألف باون لقاء مثل هذا التخلي عن تجارة العبيد ، كما أننا ألغينا بضعة ملايين من ديونها. وإنني أؤمل أننا قد قدمنا للأمير المسلم شكرنا في الأقل ، على الرغم من أنني لم أسمع به البتة ، الأمير المسلم الذي يعتنق ديانة تجيز الرق علانية إن لم تكن تأمر به فعليا (١). إننا لا ينبغي لنا أن ندع إنكلترا يضاهيها في الكرم حاكم بقعة نائية من جزيرة العرب ، إنكلترا التي وقفت حتى الآن في الطليعة في قضية يمكن أن يقال بأنها رفعت دون الآخرين من قدر العصر الذي نعيش فيه ووسمته بكتابة هي من جوهر المسيحية (٢).

وسمعت أن قرابة أربعة آلاف من العبيد من كلا الجنسين ومن مختلف الأعمار يتم بيعهم سنويا في (مسقط). ويمكن تقسيم هؤلاء العبيد إلى ثلاث فئات : الفئة الأولى ويطلق عليها (Towaylee) ومصدرها ساحل زنجبار ويعرف عبيد هذه الفئة من أسنانهم التي يبردونها حتى لتصبح مدببة في بعض الأحيان أو تكون كالمنشار. وتوجد أيضا في وجناتهم حزوز عمودية يصنعونها بسكين جيب عند ما يكون أحدهم طفلا في السن الخامسة أو السادسة. والندب التي يحملونها تدل على القبيلة التي ينتمون إليها. ويبلغ سعر العبد من هذه الفئة ما بين أربعين إلى ستين دولار. والفئة الثانية يطلق عليها (Nabi) ) وهؤلاء العبيد يؤتى بهم من أعماق أفريقيا ويقال أنهم محبون للانتقام وغدّارون. والبدو في هذه المنطقة ، كما في الحجاز ، هم المشترون الوحيدون. أما الفئة الثالثة المسماة بعبيد (الجالا) فيؤتى بهم من الحبشة ويكون ثمنهم كبيرا ، ويتراوح بين مائة إلى مائة وخمسين دولار. ويكون سعر الإناث مقاربا لسعر الذكور. كما أن قوة الذكور وتمتعهم بالصحة والمزاج الرائق تعد زينة تقابلهم زينة الإناث وجمالهن. كما يأتون بالمخصيّين من (دارفور) ويبلغ سعر الواحد ما بين مائتي إلى ثلاثمائة دولار ، وغالبا ما يشتريهم الفرس. ومما يبعث على قدر من الراحة أن نعلم بأنه في نفس الوقت الذي نصبح فيه مدركين لمدى انتشار تجارة العبيد في هذه الأقطار ، فإن هؤلاء العبيد يلقون معاملة طيبة جدا. ففي الجزيرة العربية ، لا يوجد سوى فارق ضئيل بين العبودية والاسترقاق ، إذ قلما يعد هذا الفارق مهما

__________________

(*) هكذا يبدي المؤلف جهله بموقف الإسلام من الرق.

(**) يفصح المؤلف هنا عن شخصيته كمسيحي متعصب.

(***) كذا في الأصل ولعل صوابه (النوبه) من كردفان.

٢٠٤

لأن العبد في وسعه أن يذهب إلى القاضي ويطالب بأن يتم بيعه علنا إذا كان غير راض عن سيده. غير أن هذا الشيء لا يحدث إلا فيما ندر ، لان سلطة السيد تمتد لتشمل بيع العبيد ومبادلتهم ومعاقبتهم. إلا أنه لا يستطيع أن يوقع العقاب بهم دون محاكمة علنية حتى إذا ارتكبوا جرائم يرى القانون أن عقوبتها الموت. وإذا زود السيد العبد بزوجة وحملت منه وأنجبت البنين والبنات ، فإن الزوجة والأولاد يباعون مع الأب. وإذا ما توفي السيد ، فيصبح العبيد أحرارا. وتحرم الشريعة الإسلامية أن يكون العبد مسلما. لكن العبد الذي يؤمن بالديانة الإسلامية وكان معتوقا من العبودية قبل ذلك ، في وسعه أن ينتقل إلى سيد آخر بملء إرادته. والعرب الميسورون يملكون عبدين أو أكثر لمساعدتهم في تدبير شؤون منازلهم إضافة إلى عبيد آخرين يكونون في موضع ثقة. وفي كلتا الحالتين يتلقون درجة كبيرة من الاعتبار والعطف لا يحظى بها الخدم في أوروبا. وعند ما يتم شراء العبيد وهم صغار السن ، تتم تنشئتهم على وفق الديانة الإسلامية ويعلمون القراءة والكتابة وعند وصولهم سنا معينة توكل إليهم مهمة قيادة المراكب والقوارب وتودع لديهم حمولات باهظة الثمن.

في أثناء إقامتي في عمان ، بذلت محاولات كثيرة للحصول على معلومات يمكن أن تساعدني في رسم صورة تاريخية للإقليم. بيد أن الصعوبات في بلد لا تسجل فيه الأحداث على الورق بالغة جدا. وإنني أقدم خلاصة أبحاثي بالشكل الذي سارت عليه ملاحظا أن صمت العرب أنفسهم ـ وهو نتيجة طبيعية لوضعهم الأمي ـ يمكن أن يعوّض من خلال الحوليات المتوفرة عند جيرانهم الفرس (١) ففي خلاصة قدمناها في الصفحات الماضية عن المذاهب الدينية الخاصة بهذا الشعب ، يستطيع القارئ أن يلاحظ الدوافع التي دفعت بأعداد كبيرة من أتباع النبي (ص) إلى هجرة زعيمهم والاستقرار في عمان واختيار إمام أو خليفة من بينهم. وقد وقعت هذه الحادثة في أثناء الحروب التي شارك فيها (علي بن أبي طالب) وهو صهر النبي محمد (ص) ، وذلك لكي يحتفظ لنفسه بمنصب الخلافة المتنازع عليها. ثم لقّب هؤلاء بالخوارج ، وهو لقب ينطوي على التوبيخ لا تزال الطائفة توصف به (٢).

__________________

(١) على أي حال ، لا أظن أن توقي الشديد إلى النجاح في هذه الأبحاث سيكون ذا نتائج باهرة. فمن خلال ما طرحته أمام القارئ ، سيظهر أن تاريخ الإقليم لا ينطوي على شيء ، سوى سلسلة من الحروب الصغيرة والنزاعات الداخلية وإن اهتمامنا موزع بعدد الشخصيات التي تظهر على سطح الأحداث مما يجعلنا نفقد الاهتمام بها.

(*) لا تخفى على القارئ ما في هذه الفقرة من أخطاء تنم عن جهل واضح.

٢٠٥

وباستثناء الفترة الزمنية القصيرة من حكم البرتغال ، ظلت سيادة عمان بيد أسرة (اليعاربة) الأزديين قرابة مائتين وخمسين سنة (١). وأظن أن من المناسب أن أبدأ ب (سيف) (٢).

طرد هذا الأمير البرتغاليين من (مسقط) سنة (١٦٥٨) واستولى على زنجبار وعلى عدد من الموانئ على الساحل الأفريقي وعلى بعض موانئ الخليج العربي وعلى ميناء أو ميناءين على ساحل (مكران) ، وكذلك على البحرين و (قشم) والعديد من جزر الخليج العربي. وقد خسر أحفاده البحرين التي تخلصت من السيطرة العمانية عند نهاية القرن الماضي ، لكنهم احتفظوا بالبقية. وقد خلف (سيف) كل من (سلطان) و (محمد بن ناصر الغافري) و (سيف بن سلطان) (٣).

كانت سنوات حكم (سيف) عاصفة وغير سعيدة. وانحرف عن مبادئ الحكومة التي تميزت بها فترات حكم أسلافه. ولم يقهر (سيف) رعاياه حسب ، بل سمح لجنوده بنهبهم وإزعاجهم ، وفي نفس الوقت غض النظر عن عاداتهم الرخيصة وأدمن شرب الخمر وغير ذلك من العادات الفاسقة ، بل حاول أيضا الاعتداء جنسيا على بنات رعاياه. وحاول أقرباؤه

__________________

(*) فترة حكم اليعاربة هي : ١٠٣٤ ـ ١١٥٧ ه‍ (١٦٢٤ ـ ١٧٤٤ م) أي أنها امتدت نحو مائة وعشرين عاما فقط.

(١) هو سيف بن سلطان بن مالك بن بلعرب اليعربي الأزدي القحطاني.

(**) طرد البرتغاليين من مسقط عام ١٦٥٢ م كان على يد سلطان بن سيف الأول (١٦٤٩ ـ ١٦٨٠ م) وفي عهده استمرت الحروب والغارات على البرتغاليين في المحيط الهندي ، أما الانتصار على البرتغاليين في زنجبار والساحل الأفريقي الشرقي فقد تم في عهد إبنه سيف بن سلطان الأول الملقب بقيد الأرضي (١٦٩٢ ـ ١٧١١ م) وكان الاستيلاء على البحرين وطرد الفرس منها ١٧١٧ م في عهد سلطان بن سيف الثاني (١٧١١ ـ ١٧١٨ م).

أما كلامه المتعلق بمن خلف سيف فخطأ وصوابه سلطان بن سيف وهي فترة شهدت انقسام أهل عمان بين مؤيد لإبن سلطان بن سيف واسمه سيف وكان صغيرا وبين مؤيد لمهنا بن سلطان بن ماجد اليعربي الذي كان زوجا لإبنة الإمام المتوفى (أى سلطان بن سيف) ووقف يعرب بن بلعرب بن سلطان إلى جانب سيف باعتباره وصيا عليه واستولى يعرب على مسقط وقتل مهنا عام ١٧٢١ م وبويع يعرب بالإمامة (١٧٢١ ـ ١٧٢٢ م) ثم قام بلعرب بن ناصر (خال سيف بن سلطان) بمحاربة يعرب وخلعه وأقام سيف بن سلطان إماما (١٧٢١ ـ ١٧٢٤ م) وانقسمت عمان إلى فرقتين هناوية وغافرية وبويع زعيم الغافرية محمد بن ناصر الغافري إماما بعد أن قاتل بلعرب بن ناصر (١٧٢٤ ـ ١٧٢٧ م) ثم قتل محمد بن ناصر الغافري وبعد مقتله بويع لسيف بن سلطان بن أن بلغ سن الحلم لكنه أساء التصرف فعزله العلماء وبايعوا بلعرب بن حمير إماما سنة ١٧٣٢ م أما الغزو الفارسي فقد حدث عام ١٧٣٧ م بناء على طلب من سيف بن سلطان المعزول ثم نجحت محاولة صلح بين سيف وبلعرب بن حمير حقنا للدماء وتوحيدا للصف في مواجهة الفرس تنازل بموجبه بلعرب بن حمير عن الإمامة لسيف بن سلطان لكن سيف أساء السيرة فتم عزله وتنصيب سلطان بن مرشد اليعربي إماما سنة ١٧٤١ م.

٢٠٦

ووجهاء قبيلته إعادته إلى جادة الصواب بلا طائل ، حتى اجتاحت البلاد كلها فوضى وبات أفراد شعبه ناقمين عليه فكتبوا أخيرا إلى (أحمد بن سعيد) زعيم (صحار) الذي اكتسب لقب أكثر الأمراء حصافة في عمان. وأوضحوا له أنهم ينوون الإطاحة ب (سيف) واختيار (سلطان بن مرشد) ، أحد أفراد العائلة نفسها ، وطلبوا منه الموافقة والتعاون. فرد عليهم (أحمد) بأنه لن يعارض إرادتهم وأضاف بأنه طالما أظهر الأمير الحالي أنه غير جدير بثقتهم ، فإنه سيد عم أي شخص يرون أنه ملائم أكثر لخلافته. وقبل أن تصبح المؤامرة جاهزة للتنفيذ عرف (سيف) على نحو ما بعض خيوطها. وفي أول نوبة من نوبات هيجانه أقدم على قتل كل الذين استطاعت أن تصل إليهم يداه ، فيما عمد إلى سجن آخرين. إلا أن قلة قليلة تمكنت من الهرب وأعلنت (سلطان بن رشد) إماما لها. وسرعان ما خضعت (عمان) كلها لهذا الزعيم وبدأت المناطق الواحدة تلو الأخرى تسقط بيده حتى وجد (سيف) نفسه في نهاية المطاف أسير (مسقط) آخر ما تبقى له من ممتلكات. وهنا قام جنوده الذين لا يزالون موالين له بسبب سماحه لهم عند انهيار سلطته بسرقة السكان ونهبهم ، بالتمركز في الحصنين اللذين يسيطران على المدينة فلم يتمكن (سلطان بن مرشد) من التقدم إليها. إلا أن الأخير تمكن من الاستيلاء على المدينة المجاورة (مطرح) ذات المرفأ الواسع. واستطاع من خلال تخفيض الرسوم جذب الكثير من السفن إليه مما دفع (سيف) إلى الاستنجاد بالفرس للحيلولة دون دمار (مسقط) دمارا كاملا. ولهذا السبب توجه على ظهر إحدى أكبر سفنه إلى (بندر عباس). كان ملك الفرس آنذاك (نادر شاه) قد قام قبل بضعة أشهر على رأس قوة قوامها عشرة آلاف رجل. بمحاولة فاشلة للهجوم على تلك المدينة. فانتهز هذه الفرصة واستجاب لطلبه ووضع قوة بقيادة (تقي خان) تحت تصرفه اسميا. إلا أن القائد العسكري صدرت له الأوامر الصارمة في نفس الوقت بألّا يضيع أي فرصة في الاستيلاء على الإقليم كله. عاد (سيف) إلى (مسقط) بعد ذلك في حين رسا الفرس عند (رأس الخيمة) وبعد معارك كثيرة خضع الجزء الأكبر من عمان لهم ، وفي نهاية المطاف تقدموا إلى (مسقط). ولما وجدوا أن جنودهم لم يسمح لهم بدخول حصنيها ، دعوا (سيف) إلى وليمة ، وبعد أن قدموا له الشراب ، سكر حتى فقد رشده وعندئذ وضعوا

٢٠٧

توقيعه على أمر مكتوب يطلب من الحاكمين السماح لهم بدخول الحصنين.

ونفذ الأمر دون اعتراض وحصل الفرس بذلك على الحصنين دون أن يضربوا ضربة واحدة. وعند ما استفاق الأمير البائس من سكره وجد نفسه وقد غرر به وتراكمت المصائب التي جلبها على نفسه وعلى بلاده ومات بعد بضعة أشهر من شدة الهم. لجأ (سلطان بن مرشد) إلى (صحار) التي لم تكن قد خضعت للفرس بعد ، لكنهم بدءوا بالتقدم باتجاهها الآن. لقي الإمام مصرعه في هجمة مفاجئة ، إلا أن (أحمد بن سعيد) دافع عن نفسه دفاعا باسلا. وبعد حصار دام ثمانية أشهر ، اضطر الفرس إلى السماح له باستعادة حكومته شرط الولاء لملكهم. غير أن موت (نادر شاه) ، الذي جاء بعد مرور بضع سنوات على هذه الأحداث ، دفع العديد من الغزاة إلى العودة إلا بلادهم ، وبهذا لم يجد (أحمد) إلا صعوبة قليلة في التخلص من البقية الباقية منهم.

بعد ذلك عقد اجتماعا لزعماء ووجهاء القبائل وذكرهم بأن حكومة البلاد تنتمي إلى الأسرة العربية ودعاهم إلى تسمية إمام ينحدر من تلك الأسرة وصرّح برغبته في إطاعة أي شخص يرشحونه. وهنا نهض (محمد بن سلطان) من مجلسه وقال إن أي شخص لا يستطيع أن يقدم مطالب أعظم من مطالب ذلك الفرد الذي خلص بلاده من نير الأجانب. ثم أمسك بيد (أحمد) وأعلنه إماما. فانضم إليه الآخرون وصادق على انتمائه مجموع الناس. إلا أن (أحمد) لم يكن مقدرا له أن يحكم دون صراع. إذ ما أن وصلت أخبار هذا الانتخاب إلى (بلعرب) وهو أحد أقرباء (مرشد) وأمير (جبرين) حتى تقدم لمواجهة الإمام الجديد.

وبعد مناوشات كثيرة ، لقي (بلعرب) مصرعه على يد أحد أبناء (أحمد). وكان زواج (أحمد) من إحدى بنات (سيف) يعني أنه تحالف مع السلالة السابقة وأعطى بذلك ذريته حق المطالبة بالسيادة على البلاد.

إن تفاصيل حظوظ ذرية هذا الأمير وقدرها قد لا تبدو جذابة من أول وهلة ، لكنني أدخلت هذه التفاصيل لأنها كما تبدو لي تعطينا صورة عن النزاعات اللامتناهية التي استلزمها النظام المحمدي على الحكومات الشرقية

٢٠٨

أكثر أمانة من تلك التي يمكن نقلها من خلال أحشد المقالات تعقيدا (١).

عند ما توفي (أحمد) ترك وراءه خمسة أبناءوهم (سيف) و (قيس) و (سلطان) و (طالب) و (محمد). كان (قيس) زعيم (صحار) في أثناء حياة والده وعند موته. أما (سيف) (٢) الوريث كما يبدو فقد انتخب إماما لدى وفاة والده ، وكان له ابن يدعى (أحمد) (٣) وكان هذا أميرا عاقلا يحسن إدارة شؤون حكومة أبيه. وعند ما توفي (أحمد) سادت الفوضى في أرجاء الحكومة واختار زعماء القبائل (سلطان) (٤) إماما. إلا أن هذا لقي مصرعه على أيدي القراصنة القواسم ، فوجهوا أنظارهم إلى (قيس) ليكون إماما. أما (سلطان) فقد ترك ولدين الأكبر وهو (سعيد) الإمام الحالي و (سالم). وكان (بدر) ابن (سيف) قد ترك البلاد وانضم إلى الوهابيين ولكن عند سماعه نبأ وفاة (سلطان) غادر بلدة (Heraiyat) ) وأصبح ضيفا ابني عمه اللذين عاملاه باهتمام كبير واتفق الجميع على البقاء في حالة صداقة وتفاهم. ثم هاجموا (قيس) ، وهو عمهم ، وردوه إلى مقر ولايته في (صحار). ولكن عند ما اتضح أن (بدر) له نفوذ واسع وسط العديد من القبائل العربية ، رغبت هذه القبائل في رؤيته وقد اصبح إماما ، بل إنه عقد معاهدة مع الوهابيين التزم فيها بدفع خمسين ألف دولار سنويا وان تكون عمان من أملاك زعيمهم. وفي نهاية المطاف تبين أن موته فقط هو الذي سيضمن العرش (للسيد سعيد) وأمنه الشخصي ، ودبر مؤامرة لقتله قرب إحدى القرى الصغيرة وتدعى قرية (نمهان) (٦) القريبة من (بركاء) على ساحل البحر. ولكن على الرغم من أن (السيد سعيد) تخلص من خصمه الرئيس إلا أنه لم يترك ليستمتع بعمان دون

__________________

(*) هكذا يقحم المؤلف الدين في مسألة الصراع على السلطة وهي مسألة إنسانية عامة تشترك فيها كل أنظمة الحكم ويشهد بها تاريخ البشرية أجمع ولا علاقة لها بالإسلام.

(**) كذا في الأصل الإنجليزي وصوابه (سعيد).

(***) كذا في الأصل الانجليزي وصووابه (حمد) توفي في عام ١٧٩٢ م.

(****) سلطان بن أحمد بن سعيد. حكم في الفترة (١٧٩٢ ـ ١٨٠٤ م) وهو في رأي بعض المؤرخين أول من حمل لقب (السيد) إذ كان اللقب المعتاد في السابق هو لقب (الإمام).

(*****) كان بدر آنذاك مقيما بقطر فلعلها بلدة هناك.

(******) كذا في الأصل NAMHAN وصوابه (نعمان).

٢٠٩

قتال. فقد كان (بدر) قد اتفق ضمن معاهدة مع (سعود) (١) على أن يحكم الإقليم بوصفه تابعا لذلك الأمير. وهنا رفض (السيد سعيد) المصادقة على هذه المعاهدة. ونتيجة لذلك ، أرسل زعيم الوهابيين قوة من أربعة آلاف رجل بقيادة زعيم محارب يحب المغامرة اسمه (السيد بن مطلق) (٢) للتصديق عليها. استمرت مناوشات حربية صغيرة دامت بضع سنوات وكان نجاحها متفاوتا ، حتى أن حظ (السيد سعيد) في إحدى المرات بات سيئا جدا مما اضطره إلى طلب المساعدة من الفرس ، إلا أن موت خصمه العنيد الذي أعقب موت (سعود) وتشر ذم الوهابيين بصورة عامة جعله ينعم بالسيطرة على مقاطعاته دون إزعاج.

إنني لا أستطيع أن أختتم الصورة التاريخية الصغيرة دون الإشارة إلى حالة علاقاتنا السياسية مع هذا الأمير. إن مخاوفنا التي طالما راودتنا من احتمال تقدم الروس صوب ممتلكاتنا الهندية قد أرغمتنا على النظر بكل اهتمام إلى مختلف الطرق التي يمكن أن يقتربوا من خلالها إلى هذه الممتلكات. تمتد الحدود الروسية اليوم إلى مسافة مائة وعشرين ميل من منابع نهر الفرات. وكانت أبحاثنا الأخيرة عن هذا النهر قد كشفت بأن عبور جيش على امتداد ضفتيه نحو شواطئ الخليج العربي يمكن تحقيقه دون صعوبات كبيرة. وقد أشير ضمنا هنا ، كما في البحر الأحمر ، بلا تأمل واسع ، بأن عددا كافيا من السفن لا يمكن الحصول عليه لنقل أي قوة كبيرة إلى الهند. غير أنني أعتقد أن في وسع (السيد سعيد) جمع ما يكفي من وسائل النقل لنقل جيش قوامه عشرين ألف رجل. فقوته البحرية تتألف من أربع فرقاطات ثقيلة اثنتان منها مزودتان بخمسين مدفع ، ولديه ثلاث حراقات لكل منها ما بين ثمانية عشر إلى اثنين وعشرين مدفع ، إضافة إلى عدد من السفن الحربية الصغيرة. ويستطيع أن يضيف إلى كل هذه القوة ، سفنه التجارية. والسفن التي تحمل الراية العربية تتاجر دوما مع هذا الميناء ، أي (مسقط) ، وفيما وراء الميناء ، فإن خدمات القوارب المحلية أو سفن (البغلة) التي تزيد حمولة بعضها عن مائتي طن متوفرة دوما لكثرة أعدادها. ويمكن لميناء (مسقط)

__________________

(*) سعود بن عبد العزيز (الكبير) حكم في الفترة (١٨٠٣ ـ ١٨١٤ م).

(**) كذا في الأصل وصوابه مطلق بن محمد المطيري وقبل ذلك أرسل سعود المذكور حملتين الأولى بقيادة (ابن عبدان) والثانية بقيادة (ابن معيقل).

٢١٠

أن يصبح فترة قصيرة من الزمن وهو بيد مهندس ماهر منيعا إلى حد كبير ، فموقعه يسيطر على مدخل الخليج العربي ومن شأن مرافئه أن توفر الحماية لأي عدد من السفن.

متى ما أقدمت روسيا على توجيه ضربة ، فإنها تفعل ذلك على حين غرة. ولن نسأل متى سيحدث ذلك ، لأن مهمتنا هي حماية كل نقطة يمكن أن توجه إليها مثل هذه الضربة. فسفن إمام (مسقط) تمخر عباب الخليج العربي دوما. لكن سفينة أو سفينتين صغيرتين من ذوات الإثني عشر أو الثمانية عشر مدفعا هي كل ما نملك من قوة هناك. فهل هناك ما يحول دون قيام أسطوله بالاتفاق بينه وبين الروس في فترة مرسومة سلفا على التلاقي عند ميناء البصرة؟ إن مثل هذا الشيء قد يحدث قبل زمن طويل من تمكن قوتنا البحرية في الهند من لم شملها ، وحتى إذا كانت هذه القوات جيدة التنظيم ، فإن ذلك سيحدث قبل أن يصبح في الإمكان إيصال أخبار مثل هذا التطور إلى مقر قيادتنا. ولا ينبغي أيضا نسيان أن شهرا من الزمن ، في بعض الفصول ، يمثل أقصر فترة زمينة يمكن فيها للسفن القادمة من الهند أن تصل (مسقط). وفي حوزة بحرية الأمام ، تصبح السفن المتينة البنيان والمجهزة تجهيزا جيدا وتضاهي سفن صاحبة الجلالة ومزودة بالبحارة الروس ، ذات قوة تمنحها التفوق البحار في البحار الهندية لبعض الوقت.

ومع القوة التي يمكن حشدها ، إن لم يكن على هذا النحو ، فعلى نحو آخر لا يفيدنا أيضا ، لنتأمل ما هو وضع علاقاتنا الراهنة مع هذا الأمير. فقد وقعت بيننا وبينه فيما مضى اتفاقية تحالف مشترك ، دفاعية وهجومية نصت بعباراتها الشرقية على أن «أعداءه هم أعداؤنا وأن أصدقاءه هم أصدقاؤنا». وقد تصرفنا على هذا الأساس حتى وقت متأخر. ولكن عند ما وصلت أنباء احتمال طلبه مساعدة منا أمام حكومة الهند ، فإن نص الاتفاق الذي أشرت إليه آنفا ، كان ينظر إليه فقط في ضوء مجاملة شرقية ليس إلّا ، واستنادا إلى ذلك ، فقد صدرت التوجيهات بعدم تقديم أي مساعدة له ولهذا السبب فإن حكومة (بومباي) لا تملك السلطة لإرسال سفينة واحدة لمساعدة واحد من أقدم وأخلص حلفائها. إن التضحية بمبلغ عظيم من عائداته لتحقيق رغباتنا بخصوص تجارة الرقيق ، وعرضه في أن يتخلى لنا عن أراضيه في (زنجبار) ، لتعزيز نفس الهدف ، يمكن أن يكونا ،

٢١١

مع غيرهما من الأمثلة ، دليلا على حبه الخالص لنا. إن المعرفة بأن هذا الأمير يلقى دعم الحكومة البريطانية قد حفظ له مقاطعاته حتى الآن. وإذا ما بات مؤكدا إن مثل هذا الدعم سوف يسحب ، فإن الوهابيين ، الذين يقيمون صلات حسنة مع قراصنة القواسم ، والذين إن سيطروا ذات يوم على (مسقط) فمن شأنهم أن يصبحوا أكثر الجيران إثارة للاضطرابات. ولهذا السبب أعتقد أن أفضل وأذكى واحكم سياسة يمكن لنا أن نتبعها إنما تتمثل في جعل قوتنا البحرية ـ كما هو الحال مع أمراء الهند المحليين ـ مساعدة له وعندئذ سيصبح لدينا ، بلا تحمل نفقات إضافية ، قوة ضاربة بإمرتنا في بقعة قد تثبت أنها ذات حيوية بالغة. وإن هذه القوة يمكن أن توفر ، عند الطلب ، من الهند مع البحارة الأوربيين ، في حين أننا لا نملك الآن إلا قوة ضئيلة الشأن. وإذا ما سقطت حكومة عمان بأيد أخرى عندئذ سيكون لنا فيها أشد الأعداء خطرا.

لقد أخبرني سموه بأن هدفه يتمثل في التحالف معنا تحالفا وثيقا جدا ، وليس لدي أدنى شك في أنه متى ما تم عرض المقترح آنف الذكر عليه ، فإنه سيوافق عليه بكل امتنان.

إنني أختتم ملاحظاتي هنا عن (عمان) بتفاصيل عن رحلة قصيرة قمت بها بحثا عن بعض النقوش في إقليم (حضرموت) المجاور.

٢١٢

الفصل الخامس والعشرون

نقب الهجر ـ قبيلة ذييب

في أثناء عملية مسحنا لساحل الجزيرة العربية الجنوبي ، وعلى مقربة من برج يدعى (بلحاف) على رأس (رأس العصيدة) الرملي ، وفي خط العرض ١٣ درجة و ٥٧ دقيقة شمالا ، وخط الطول ٧٥. ٤٦ درجة شرقا تقريبا ، أخبرني البدو بوجود آثار كبيرة على بعد مسافة من الساحل وقالوا أن هذه الآثار شيدها الكفار وأنها موغلة في القدم. لهذا رغبت كل الرغبة في مشاهدتها ، إلا أن الأيام التي بقينا فيها هناك مرت دون نتيجة سوى الوعود الفارغة من (حمد) ، الضابط المسؤول عن البرج ، بتزويدنا بالإبل والمرشدين. وفي نهاية المطاف ، انطلقت السفينة غربا وهي تتابع مسوحاتها.

في الصباح الذي غادرت فيه السفينة وكان اليوم التاسع والعشرون من (إبريل / نيسان) سنة (١٨٣٥) أبلغت بأنني إذا مكثت هنا فإنهم سيوفرون الإبل في خلال ذلك النهار وسينقلوننا إلى مكان توجد فيها كتابات على مسافة بضع ساعات من الشاطئ. وعلى هذا الأساس بقيت مع السيد (كروتندن) ، ضابط الصف البحري لسفينة (بالينوروس) وأحد قوارب السفينة.

وعند حلول الظهيرة وصلت الإبل ، وعندها انتابتني الدهشة إلى حد ما إذ سمعت البدو يعلنون بعد جدال طويل عدم رغبتهم في المضي قدما إلى حيث توجد النقوش ، لكنهم عبّروا عن استعدادهم لمرافقتي إلى الآثار التي كنت قبلئذ راغبا كل الرغبة في زيارتها. أما أنا فكنت غير راغب الآن في زيارتها ، إذ لم تكن لدي أي هدايا أهديها إلى شيوخ مختلف القرى التي يتعين عليّ المرور بها كما أنه لم يكن بحوزتي سوى مبلغ ضئيل من المال. إلا أن الأمر الأكثر أهمية هو أن (حامد) ـ صمام أمننا الشخصي ـ نكث بوعده في مرافقتنا بحجة المرض.

على أية حال ، كانت فرصة ينبغي عدم إضاعتها لرؤية البلاد ، فقررت على الفور أن أضع نفسي تحت حمايتهم والسير وإياهم. وعلى هذا الأساس ، أرسلت قاربي إلى السفينة مع

٢١٣

إيضاح يفيد بأنني أؤمل الوصول بعد ثلاثة أيام إلى قرية (عين) الساحلية حيث يمكن إرساله ثانية إلى هناك. وبعد أن ملأنا القرب بالماء في الساعة الثالثة من بعد الظهر ، اعتلينا ظهور جمالنا وانطلقنا بصحبة بدوي كريه المنظر (يدعي أنه شقيق حامد) إضافة إلى بدوي أخر. وبعد مغادرة (بلحاف) ، كان الطريق يمتد على طول الساحل بالاتجاه الغربي. وشاهدنا قربه على الشاطئ الكثير من المحار المتعددة الأنواع. كما كانت تكثر العديد من قطع المرجان الأحمر والأبيض. وعند أسفل أحد التلال المجدبة التي مررنا بها من جهة اليمين ، أشار مرشدونا إلى بقايا برج قديم ، لكن عند ما قبل لنا أنه لا توجد أي كتابات ، وإن شكله من السفينة يبدو بناء عربيا ، فإننا لم نمكث لمعاينته.

في الساعة الرابعة والدقيقة الخمسين مررنا بقرية صيادين صغيرة تدعى (جلعه) تتألف من حوالي عشرين كوخ شيدت على نحو أخرق من سعف النخيل. وعلى امتداد الشاطئ ، كان الصيادون قد أوقفوا قواربهم ، حيث يسمح لهم دوما بالوقوف هناك إلا إذا كانت هنالك حاجة لاستعمالها. وكانت هذه القوارب لا تختلف من حيث صنعها عن أولئك القوارب التي وصفتها في أجزاء أخرى من الساحل.

في الساعة السابعة والدقيقة العشرين ، انحرفنا في سيرنا ، ونحن نبتعد عن ساحل البحر ، بين حزام عريض من التلال الرملية وتوقفنا مدة ساعتين على بعد ثلاثة أميال عن قرية (عين الجويري) ، فأرسلنا أحد أدلائنا إليها لتأمين تجهيزنا بكمية من التمور وهو الغذاء الوحيد الذي يهتمون بتوفيره لأنفسهم. وبعد عودته مباشرة ، واصلنا سيرنا وفي الساعة الحادية عشرة سمعنا نباح بعض الكلاب قويا وعاليا فعرفنا إننا سنمر بقرية (با معبد) (١). إلا أننا لم نشاهد أيا من السكان. وفي الساعة الواحدة فجرا ، توقفنا لقضاء ليلتنا.

كنا الآن في الأراضي التابعة لبدو (بني ذييب) (٢) الذين كانت تخشاهم كل الخشية

__________________

(*) في الأصل وردت عين أبو مبعث (Abu Mabath) وصوابه (عين با معبد) قرية معروفة ومشهورة بالمنطقة وأخطاء المؤلف في تصحيف الأسماء يتكرر كثيرا مما يشير إلى عدم معرفته بالعربية.

(**) قبيلة معروفة إلى اليوم وتنسب إلى حمير غير أننا نعلم من النقش السبي الشهير المعروف بنقش صرواح (R.٥٤٩٣) والذي يعود إلى القرن السابع ق. م. أنها وقبيلة (سبيان) كانتا تسكنان هذه المنطقة وهما مثالان يشهدان على ثبات قبائل الجزيرة العربية

٢١٤

القبائل المحيطة بهم نظرا لما كانوا يعرفون به من عنف وأعمال نهب. وكانت بعض الجماعات الصغيرة المارة بهذه البقاع تنقطع بها السبل غالبا ، لذلك حذرنا أدلاؤنا بأن تبقى عيوننا مفتوحة. ولكن بعد أن فرشنا عباءاتنا البحرية الكبيرة على الرمل ، لم نقلق كثيرا لأي مخاوف من هذا النوع ونمنا نوما هانئا حتى صباح اليوم التالي.

يملك بدو (بني ذييب) مساحة واسعة من البلاد وأعدادهم غفيرة وقوتهم شديدة. وهم يختلفون من الناحية السياسية عن أي قبيلة أخرى أعرفها في شبه الجزيرة العربية معرفة شخصية أو عن طريق الرواة. وعوضا عن اختيار شيخ أو سلطان ليمثلهم ، تراهم ينقسمون إلى سبعة أقسام يحكم كل قسم أحد الزعماء ويدعى (أبو) ويمارس ما يسمونه سلطة أبوية عليهم. ويجتمع هؤلاء الزعماء لمناقشة جميع القضايا المتعلقة بمصلحة القبيلة العامة وتنفذ قراراتهم بأغلبية الأصوات. وفي بعض الحالات يكون هذا المنصب وراثيا ، إلا أنه على وجه العموم يشغله أفراد تؤهلهم له حكمتهم وتجربتهم وشجاعتهم. وهناك بعض الممارسات الغريبة لا تزال قائمة بين بني ذييب تخص عمليات النهب التي تجري فوق أراضي بعضهم بعضا. ويكون ال (أبو) مسؤولا عن كل السرقات التي تحدث ضمن منطقته ، ويقوم بتعويض الطرف الخاسر إذا كان الجاني غير قادر على التعويض. أما إذا كان اللص يملك ملكا ، فإن ال (أبو) يطالب بالثلث لنفسه إضافة إلى قيمة الشيء المسروق كعقاب إضافي والتعويض عن الخسائر الكثيرة التي يتكبدها خلاف ذلك. ولدى أبناء هذه القبيلة عدد قليل من الرماح ولا يملكون أي سيوف. وسلاحهم هو الخنجر والبندقية والدرع. والشيء الآخر الذي يميزهم عن القبائل المجاورة هو قلة الملابس التي يلبسونها إضافة إلى خفة الإناث وتقلبهن.

الخميس ، الثلاثون من إبريل / نيسان : أيقظنا البدو في ساعة مبكرة وبعد شرب القهوة التي قاموا بإعدادها ، نفضنا الرمال التي أوشكت أن تدفننا في الليل عن ثيابنا ، وفي الساعة الخامسة فجرا واصلنا ببطء سيرنا.

__________________

في مواطنها الأصلية وأن القبائل لا تهاجر عن بكرة أبيها من مواطنها الأصلية مطلقا ومعلوم أن حمير ظهرت عام ١١٥ ق. م. وبالتالي مهما أقدم منها بقرون. وهذه الحالة قلّ أن تجد لها في عالم اليوم عند الشعوب الأخرى نظيرا فدلني اليوم على قبيلتين لازالتا تقيمان في مواطنيهما الأصلي طوال (٢٧٠٠) ألفين وسبعمائة عام تقريبا.

٢١٥

في الساعة السابعة ارتقينا تلا يبلغ ارتفاعه أربعمائة قدم واستطعنا من فوق قمته أن نشاهد منظرا شاملا وكئيبا للبلاد المحيطة بنا. كان طريقنا يمتد بامتداد واد عريض بشكل كل جانب من جانبيه جذور أو حافات سلسلة عالية من الجبال. وفي حين تمتد هذه شمالا ، فإنها تقترب رويدا من بعضها فيصبح الوادي ممرا ضيقا. لكن من الجهة الثانية ، تزداد عرضا المسافة التي تفصل بين موقعنا الحالي والبحر ، كما يقطعها حاجز يبلغ عرضه حوالي ثلاثين ميلا فيشكل بذلك هضابا رملية واطئة مجدبة. والرمال في هذا المكان غير متماسكة ، حتى أن البدو أكدوا لي أنها تغير من ملامحها وتبدل من مواقعها حسب هبوب العواصف. ويثير الفضول كثيرا تراكم مثل هذه الكتل العظيمة من الرمال المتحركة ، على هذا النحو المثير ، فهي تبرز على شكل سلاسل حادة وتشبه حدوة الحصان ، ويتجه الجانب المحدب فيها إلى جهة البحر. وعانت إبلنا صعوبات شاقة في اجتياز هذه المنطقة ، كما حزن البدو كثيرا لأننا اضطررنا مرارا إلى التوقف بسببها. كانت كمية المياه التي تشربها الإبل هائلة وشاهدت في إحدى المرات أن مجموعة من أربعة أو خمسة قد أفرغت قربة ماء تتسع للعديد من الجالونات.

في الساعة الثامنة ، وجدنا أن الشمس لا تطاق البتة فاضطر البدو إلى التوقف في واد ضحل تحت ظلال أشجار الطرفاء. وكان من شأن الأغصان القليلة لهذه الأشجار أن توفر ملاذا قليلا من حرارة أشعة الشمس الحارقة لو لم يلجأ أدلاؤنا إلى قطع جذورها بالخناجر وخفض أغصانها ووضعها فوق قمة الشجرة. وبعملهم هذا ، فقد استولوا بهدوء على معظم المناطق الظليلة وتركونا ننتقل بأفضل ما نتمكن من السبل. ومن خلال هذه التجاويف الحارقة ، كانت أشعة الشمس تتركز وتسلط كأنها صادرة عن مرآة. أما الأعشاب المحيطة بنا فقد احترقت حتى بات لونها أسود. ولم تستطع أي سحابة الحيلولة دون ذلك. أما النسمات التي كانت تهب من حولنا متأوهة فكانت حرارتها متأججة كتلك الحرارة الصادرة عن فوهة فرن. حفر أدلاؤنا تجاويف في الرمال ، ووضعوا أقدامهم المتقيحة فيها. وعلى الرغم من عدم انقضاء فترة طويلة على استفادتنا من الدروس العملية التي علّمونا إياها ، فإنني بدأت انزعج من تصرفهم الفظ. وكانت كل محاولة للتقرب منهم والتفاهم

٢١٦

معهم يقابلها رد جاف ومنفر.

بعد ذلك بدءوا يتحدثون غالبا مع بعضهم بعضا على انفراد ، وكان واضحا أننا كنا موضع حديثهم. كما أنهم لم يرفضوا قبول الماء إلا بكميات يعتقدون أنها كافية بل راقبوا أيضا حركاتنا عن كثب ، حتى إنني وجدت ذات مرة صعوبة في تدوين الملاحظات أو رسم المخططات.

على الرغم من عدم توقع أي خطر ، إلا أنه كان يستحيل ألا نشعر بأن وضعنا كان دقيقا حتما ، إذا ما خدعنا هؤلاء الرجال. كنت أعلم أن سكان هذه المنطقة يكنّون العداء خاصة لأولئك الذين ينتمون إلى قبيلة أخرى ، وإنهم أقدموا قبل بضع سنوات بقطع السبيل أمام طاقم قارب السفينة الوحيدة التي رست عند سواحلهم وذلك بإغوائهم بوعود قطعوها لهم على الشاطئ. لهذا السبب لم أستطع إلا اتهام نفسي بالتسرع بالإقدام على هذه المغامرة دون أي ضمان بسلامتنا سوى الإخلاص الذي وعدونا به. وعلى أي حال ، ليس هناك وقت طويل الآن للتفكير بمثل هذه الأمور. وقررت ، دون إظهار أي تغيير أو عدم ثقة في سلوكي ، بأن أراقبهم عن كثب ، وألا أغفل عن أي شيء قد يتبين أنه لصالحنا.

في الساعة العاشرة والنصف واصلنا رحلتنا فوق نفس الهضاب الرملية كالسابق وفي الساعة الواحدة والنصف اجتزنا تلا من الحجر الرملي يدعى (جبل مسيّه) ، يؤلف القسم العلوي منه امتدادا ضيقا ويشبه الآثار ، ولم نقتنع بأنه ليس كذلك إلا بعد عودتنا. ابتعدنا الآن عن الهضاب الرملية وعبرنا سلاسل مستوية ترتفع بمقدار مائتي قدم عن مستوى سطح السهول الممتدة تحتها ، وتقطعها وديان كثيرة وقيعان سيول مائية سابقة انحدرت من كلا جانبي الجبال. وكان سطح التلال يحتوي على مختلف القطع من الكوارتز واليشب وكان بعضها ذو ألوان جميلة. وكانت الصخور الوحيدة التي شاهدنا في الوديان هي بعض الكتل الدائرية من حجر الكلس الأبيض البدائي على كلا الجانبين ، وكان هذا النوع من الصخور هو الأكثر شيوعا على امتداد مجمل ساحل الجزيرة العربية الجنوبي.

بدأنا نشاهد الآن بعض أشجار الصمغ العربي التي بدأ حجمها يكبر أكثر فأكثر كلما

٢١٧

توغلنا أكثر في سيرنا. وفي الساعة الرابعة عصرا هبطنا إلى (وادي ميفعه) وحططنا رحالنا قرب بئر ماء طيب المذاق. وكان التبدل الذي أحدثته الجرعات المائية القليلة في منتهى الغرابة. فقبل وصولنا ، كانت الإبل تتعثر في كل خطوة تخطوها ، وكانت أنفاسها سريعة مسموعة كما أظهرت أعراضا أخرى تدل على الإنهاك. أما عند وصولنا إلى الماء ، فقد تقدمت منه بخطوات دائرية ، وأخذت تستعيد حيويتها مع كل جرعة. وبعد أن أمضت ساعة في تناول الكلأ المؤلف من البراعم الصغيرة للأشجار المحيطة بنا ، غادرت المكان وهي مفعمة بنفس النشاط الذي كانت عليه ساعة انطلاقنا من ساحل البحر. وعلى الرغم من حرارة النهار الشديدة ، وطبيعة الطريق الشاقة ، فقد يبدو غريبا أن هذه الحيوانات عانت كثيرا وهي تقطع مسافة لا تتجاوز الأربعين ميلا. على أي حال ، الإبل في جزيرة العرب تختلف من حيث قوتها وسرعتها على نحو أكثر مما يعتقده المرء. كانت الحيوانات التي نمتطيها خلال هذه الرحلة تشبه تلك التي انطلقت بها في رحلتي من (عدن) إلى (لجج) ، مثلما يشبه فرس صيد ماهر حصان عربة البريد في إنكلترا. وبينما كنا نزجي الوقت قرب هذه الآبار ، أتى أعرابي بعدد من الثيران لشرب الماء. كانت حدبة الثيران تشبه حدبة الثيران الهندية ، وكانت تشبهها أيضا في اللون والحجم وطريقة نمو القرون.

كانت أشجار العرق لا تعد ولا تحصى ، إلا أنها أطول وأكبر حجما ومن نوع يختلف عن مثيلتها الموجودة على ساحل البحر. كانت الإبل تأكل هذه الأشجار الموجودة هنا بنهم إلا أنها لا تأكل من تلك القريبة من الساحل إلا إذا عضّها الجوع. وتوجد هذه الأشجار في الجزيرة العربية والحبشة والنوبة وأماكن كثيرة على امتداد سواحل البحر الأحمر وساحل (سو قطرة) الجنوبي. وهي ذات ألياف خضر ذات رائحة زكية في بعض فصول السنة. ويصنع العرب المسواك من الأغصان الصغيرة الحجم ويبيعونها في مكة ومناطق أخرى من بلدان الشرق.

كما شاهدنا أيضا العديد من أشجار الطرفاء والصمغ التي تتداخل أغصانها مع غيرها من الأشجار النامية في هذه البقعة. وفي هذا الموسم تنمو لجميع هذه الأشجار البراعم والفروع الصغيرة. وهكذا ، فإن خضرة هذه الأشجار تمثل

٢١٨

راحة للنظر يصعب التعبير عنها بعد رحلتنا فوق الرمال المحرقة الكئيبة.

في الساعة الخامسة ركبنا إبلنا وواصلنا رحلتنا باتجاه الغرب والشمال الغربي على امتداد الوادي. كان عرض الوادي ميلا ونصف الميل. وكان جانباه يوحيان بأنهما شكّلا ذات يوم قاع جدول ماء عظيم. كما أن المنطقة كلها بدأت تظهر بمظهر مغاير. فقد ظهرت للعيان العديد من القرى الصغيرة المنتشرة وسط بساتين النخيل الكثيفة والحقول الخضر وقطعان الماشية ، كما بدأنا نشاهد لأول مرة منذ رحيلنا عن ساحل البحر مجموعات من السكان. وكانت الدهشة ترتسم على وجوههم ، ولكن بما أننا لم نتوقف ، فإنهم لم تؤاتهم الفرصة لإشباع فضولهم والتحديق بنا فترة طويلة. ولكن أحد أفراد مجموعتنا تأخر عن بقية الركب للتعويض عن خيبة أملهم وأخبرهم بما يعرفه عنّا. وفي إجابة عن الاستفسارات المألوفة : من نحن؟ أنحن مسلمون؟ ما طبيعة مهمتنا؟ قال لهم إننا كفار نتوجه لزيارة (نقب الهجر) بحثا عن الكنز. كما أخبر آخرين بأننا وصلنا إلى هنا لدراسة البلاد والكتابة عنها رغبة في السيطرة عليها. حاولت بلا طائل أن أسكته لكنه ضحك ملء شدقيه. أما مرشدونا ، فقد تخلوا عنا حالما اقتربنا من القرية رغبة منهم في ألا يشاهدهم أحد برفقتنا أو لقضاء بعض أشغالهم. وقبيل غروب الشمس قفلوا راجعين وكنا نعد العدة للتوقف قرب إحدى القرى الصغيرة. وهنا وصلتنا رسالة من السكان تقول بأنهم لا يريدون منا أن نبقى قرب مساكنهم. ولم ينفع الاحتجاج أو المقاومة من جانبنا ، في حين ظل مرشدونا متفرجين لا أكثر على ما يدور من حولنا دون بذل أي محاولة للتداخل. ونتيجة لذلك اضطررنا إلى الخضوع لإرادتهم.

بعد أن هبط الظلام تبين أن مرشدينا لا يملكون سوى فكرة قليلة عن الطريق ، إذ ما أن سرنا ثلاثة أو أربعة أميال حتى وجدنا أنفسنا نتسلق السدود العالية التي تحيط بالحقول. وكثيرا ما هوت الإبل وهي تعبر هذه السدود ، حتى إن البدو فقدوا صبرهم وتركونا ومضوا في سبيلهم ولم يبق معنا سوى رجل عجوز وصبي صغير نتدبر معهما أمرنا. وما كنت لأهتم كثيرا لو أنهم أخبروا الصبي بوجهتهم وهكذا أعددنا العدة لنتخذ لنا ملاذا وسط الحقول. ولكن على نحو غير متوقع ، صادفتنا امرأة عجوز وعدتنا دون تردد بعد أن أدركت وضعنا

٢١٩

بأن ترشدنا إلى منزلها. فلحقنا بها مسرورين. ولكن بعد أن سرنا بعيدا عن الطريق لم نصل إلا عند حلول منتصف الليل.

وجدنا مرشدينا جالسين في أحد البيوت يدخنون ويشربون القهوة. وعلى الرغم من أن ذلك أثار حفيظتي كثيرا ، إلا أنني كنت أدرك أن لا فائدة من الاحتجاج. لذلك أخفيت همي وكدري وتقدمت لتأمين مأوى لقضاء الليل. لكن جماعة كبيرة كانت قد وصلت قبلنا واحتلت كل بقعة في المنزل وانهمكت في التدخين وشرب القهوة.

بدا لي أننا وصلنا إلى ما يشبه الخان. ويوجد مثل هذا الخان عادة في مدن اليمن كما في أجزاء أخرى من بلدان الشرق. لهذا طلبنا من السيدة العجوز ـ التي لم تقل عطفا عند ما عرفت بأننا مسيحيون ـ بأن تبعد الإبل عن الفناء حيث نمنا عميقا حتى الساعة الثالثة فجرا ـ بعد وجبة لذيذة من الحليب والتمر ـ إذ استيقظنا على صوت المرشدين وهم يبحثون وسط حاجياتنا عن القهوة. ربما كان يتعين علي في أي وقت آخر أن أكون مسرورا وأنا أشهد السلوك الذي يفتقر إلى الكياسة عند ما أقدموا على خدمة أنفسهم بأنفسهم ، علاوة على عدم الاكتراث الذي أبدوه في وضع الأسرجة أو السلال أو كل ما يقع تحت أيديهم فوقنا. لكن الرجال ليسوا في أفضل حال من المرح كي يستمتعوا بمزحة واقعية عند ما يستغلون فترة قصيرة من الراحة بعد تعب نهار. لهذا السبب وبنفس القدر القليل من الكياسة التي أظهروها لنا ، رفضت السماح لهم بأخذ ما كانوا يفتشون عنه. وكما توقعنا فقد حنقوا حنقا شديدا لذلك ، إلا أن سلوكهم ما كان ليزداد سواء عن ذي قبل إلا إذا لجأوا إلى العنف. وهنا لم اهتم إلا قليلا لمثل هذا الحنق.

الجمعة ، الأول من مايو / أيار : على الرغم من أن الظلمة كانت شديدة عند وصولنا إلى هذا المكان ليلة أمس ، وأننا بسبب طبيعة الأرض التي مررنا بها لم نستطع إلا أن نلاحظ كثرة النباتات فيها ، إلا أننا لم نكن مستعدين تماما للمشهد الذي انفتح أمام أنظارنا في وضح هذا الصباح. كانت الخضرة الداكنة لحقول الذرة والتبغ تمتد إلى أبعد نقطة يمكن أن تراها العين. وكانت تمتزج مع هذه الخضرة أشجار الصمغ والنخيل ، إضافة إلى أصوات النواعير العديدة التي تروى الأرض بواسطتها ، وهناك عدد من المحاريث التي تجرها الثيران. لقد

٢٢٠