همع الهوامع - ج ١

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي

همع الهوامع - ج ١

المؤلف:

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٥

على خبرها ك : ما ، وأنكر الأخفش عملها ، وفي قول له كإن ، وجر الفراء بها الزمان وقد يضاف إليها حين ولو تقديرا ، وقد تحذف حينئذ دون التاء وجاءت مفردة.

(ش) اختلف في لات فذهب سيبويه إلى أنها مركبة من لا والتاء ك : إنما ، ولهذا تحكى عند التسمية بها كما تحكى لو سميت بإنما ، وذهب الأخفش والجمهور إلى أنها لا زيدت التاء عليها ؛ لتأنيث الكلمة ، كما زيدت على ثم ورب فقيل : ثمت وربت ، وذهب ابن الطراوة وغيره إلى أنها ليست للتأنيث وإنما زيدت كما زيدت على الحين كقوله :

٤٣٨ ـ العاطفون تحين ما من عاطف

أي : حين ما من عاطف ، وذهب ابن أبي الربيع إلى أن الأصل في لات ليس أبدلت سينها تاء كما في ست فعادت الياء إلى الألف ؛ لأن الأصل في ليس لاس ؛ لأنها فعل ، ولكنهم كرهوا أن يقولوا : ليت فيصير لفظها لفظ التمني ، ولم يفعل هذا إلا مع الحين كما أن لدن لم تشبه نونها بالتنوين إلا مع غدوة ، وفي «البسيط» : ويحتمل أن تكون التاء بدلا من سين ليس كما في ست ، وانقلبت الياء ألفا على القياس فتكون ليس نفسها ضعفت بالتغيير فعملت في لغة أهل الحجاز عملها في موضعها وهو الحال ، واختلفوا هل لها عمل أم لا؟ على أقوال :

أحدها : وهو مذهب سيبويه والجمهور أنها تعمل عمل ليس ولكن في لفظ الحين خاصة ، قال في «البسيط» : ورب شيء يختص في العمل بنوع ما لا لسبب كما أعملوا لدن في غدوة خاصة والتاء في القسم ، وقيل : لا تقصر على لفظ الحين ، بل تعمل أيضا في مرادفه ك : أوان وساعة ، وعليه ابن مالك كقوله :

٤٣٩ ـ ندم البغاة ولات ساعة مندم

__________________

٤٣٨ ـ البيت من الكامل ، وهو لأبي وجزة السعدي في الأزهية ص ٢٦٤ ، والإنصاف ١ / ١٠٨ ، والخزانة ٤ / ١٧٥ ، ١٧٦ ، ١٧٨ ، ١٨٠ ، واللسان ، مادة (ليت ، عطف ، أين ، حين ، ما) ، وبلا نسبة في الجنى الداني ص ٤٨٧ ، والخزانة ٩ / ٣٨٣ ، ورصف المباني ص ١٦٣ ، ١٧٣ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ١٦٣ ، وشرح الأشموني ٣ / ٨٨٢ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٨٦٤.

٤٣٩ ـ البيت من الكامل ، وهو لمحمد بن عيسى بن طلحة ؛ أو للمهلهل بن مالك الكناني في المقاصد النحوية ٢ / ١٤٦ ، ولأحدهما أو لرجل من طيّىء في الخزانة ٤ / ١٧٥ ، وبلا نسبة في تخليص الشواهد ص ٢٩٤ ، وجواهر الأدب ص ٢٥٠ ، والخزانة ٤ / ١٨٧ ، وشرح الأشموني ١ / ١٢٦ ، وشرح شذور الذهب ص ٢٦٠ ، وشرح ابن عقيل ص ١٦٢ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٨٨٣.

٣٠١

والتزموا فيها ألا يذكر الجزآن معها ، بل لا بدّ من حذف أحدهما ، والأكثر كون المحذوف الاسم وقد يكون الخبر ، وقرئ بالوجهين قوله تعالى : (وَلاتَ حِينَ مَناصٍ) [ص : ٣] ، أي : ولات الحين حين مناص ، أو ولات حين مناص لهم ، وهل تعمل في هنا كسائر مرادف الحين؟ قولان : أحدهما : نعم وعليه الشلوبين وابن عصفور كقوله :

٤٤٠ ـ لات هنّا ذكرى جبيرة

ف : هنا اسمها وذكرى الخبر ، أي : لات هذا الحين حين ذكرى جبيرة ، وقوله :

٤٤١ ـ حنّت نوار ولات هنّا حنّت

أي : ليس هذا أوان حنين.

والثاني : لا وعليه ابن مالك ، وهي فيما ذكر وشبهه مهملة ، وهنا نصب على الظرفية خبر ما بعده والفعل خبر ما بعده على تقدير أن هنا ظرف غير متصرف فلا يخلو من معنى في ، إلا بأن يدخل عليه من أو إلى ، ووافقه أبو حيان.

القول الثاني : أنها لا تعمل شيئا ، بل الاسم الذي بعدها إن كان مرفوعا فمبتدأ ، أو منصوبا فعلى إضمار فعل ، أي : ولات أرى حين مناص ، نقله ابن عصفور عن الأخفش ، وصاحب «البسيط» عن السيرافي ، واختاره أبو حيان ؛ لأنه لم يحفظ الإتيان بعدها باسم وخبر مثبتين ، ولأن ليس لا يجوز حذف اسمها فلو حذف اسم لات لكانوا قد تصرفوا في الفرع ما لم يتصرفوا في الأصل ، إلا أنه جعل المنصوب بعدها خبر مبتدأ محذوف ؛ لأنه لم يحفظ نفي الفعل بها في موضع من المواضع.

القول الثالث : أنها تعمل عمل إن وهي للنفي العام ، وعزي إلى الأخفش فجعل (وَلاتَ حِينَ مَناصٍ) [ص : ٣] بالنصب اسمها مثل لا غلام سفر ، والخبر محذوف ، أي :لهم.

الرابع : أنها حرف جر تخفض أسماء الزمان قاله الفراء وأنشد :

__________________

٤٤٠ ـ البيت من الخفيف ، وهو للأعشى في ديوانه ص ٥٣ ، والخزانة ٤ / ١٩٦ ، ١٩٨ ، والخصائص ٢ / ٤٧٤ ، وشرح التصريح ١ / ٢٠٠ ، وشرح المفصل ٣ / ١٧ ، واللسان ، مادة (هنا) ، والمحتسب ٢ / ٣٩ ، والمقاصد النحوية ٢ / ١٠٦ ، ٤ / ١٩٨ ، وبلا نسبة في الإنصاف ١ / ٢٨٩ ، ورصف المباني ص ١٧٠ ، واللسان ، مادة (هنأ) ، والمقرب ١ / ١٢٦ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٥٩.

٤٤١ ـ تقدم البيت برقم ٢١٨ ، في بحث «اسم الإشارة».

٣٠٢

٤٤٢ ـ طلبوا صلحنا ولات أوان

وقرئ (وَلاتَ حِينَ مَناصٍ) بالجر.

ومن أحكام لات أنها قد تكسر تاؤها ، وأنها قد يضاف إليها حين لفظا كقوله :

٤٣٣ ـ وذلك حين لات أوان حلم

أو تقديرا كقوله :

٤٤٤ ـ تذكّر حبّ ليلى لات حينا

أي : حين لات حين تذكر ، وقد تحذف لا حين تقدير إضافة الحين وتبقى التاء كقوله :

٤٤٥ ـ العاطفون تحين ما من عاطف

أراد : هم العاطفون حين لات حين ما من عاطف ، فحذف حين مع لا ، قاله ابن مالك ، وقد جاءت لات غير مضاف إليها حين ولا مذكور بعدها حين ولا مرادفه في قول الأفوه :

٤٤٦ ـ ترك النّاس لنا أكتافهم

وتولّوا لات لم يغن الفرار

وهي هنا حرف نفي مؤكد بحرف النفي وهو لم وليست عاملة ، والعطف على خبر لات العاملة كالعطف على ما فتنصب وترفع في نحو : لات حين جزع ولا حين طيش ، ويتعين الرفع في مثل نحو : لات حين قلق ، بل حين صبر ، أو لكن حين صبر.

(ص) تزاد الباء في خبر منفي بليس وما ، ولو زيدت كان بعد اسمها خلافا

__________________

٤٤٢ ـ البيت من الخفيف ، وهو لأبي زيد الطائي في ديوانه ص ٣٠ ، والإنصاف ص ١٠٩ ، وتخليص الشواهد ص ٢٥٩ ، وتذكرة النحاة ص ٧٣٤ ، والخزانة ٤ / ١٨٣ ، ١٨٥ ، ١٩٠ ، وشرح شواهد المغني ص ٦٤٠ ، ٩٦٠ ، والمقاصد النحوية ٢ / ١٥٦ ، وبلا نسبة في جواهر الأدب ص ٢٤٩ ، والخزانة ٤ / ١٦٩ ، ٦ / ٥٣٩ ، ٥٤٥ ، والخصائص ٢ / ٣٧٠ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢٥.

٤٤٣ ـ البيت من الوافر ، وهو بلا نسبة في الخزانة ٤ / ١٧٨ ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٤١.

٤٤٤ ـ البيت من الوافر ، وهو لعمرو بن شأس في ديوانه ص ٧٣ ، وتذكرة النحاة ص ٧٣٤ ، وبلا نسبة في الخزانة ٤ / ١٦٩ ، ١٧٨ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٨٤.

٤٤٥ ـ تقدم الشاهد برقم ٤٣٨.

٤٤٦ ـ البيت من الرمل ، وهو للأفوه الأودي في ديوانه ص ١٣ ، والخزانة ١ / ١٧٤ ، والصاحبي ص ١٦٨ ، وبلا نسبة في تذكرة النحاة ص ٥٧٠ ، وجواهر الأدب ص ٢٥٠ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣٤٠.

٣٠٣

للفراء ، أو الخبر مثل خلافا لهشام ، أو ظرف يستعمل اسما ، وقال هشام : مطلقا ، والكسائي : أو كاف التشبيه ، ولا يختص بالحجازية خلافا لأبي علي ، ولا منصوب خلافا للكوفية فيجوز بعد إن وفي مقدم ، وثالثها فيه لهم إن فصل بمعموله ، وقد تزاد بعد نفي فعل ناسخ ولا ، ومنع قياسهما ابن عصفور ولا التبرئة ، واسم ليس مؤخرا وخبر المبتدأ بعد هل ولكن وليت وأن بعد نفي ودونه ، قال ابن مالك : وحال منفية ، وخالفه أبو حيان والأخفش ، وكل موجب.

(ش) تزاد الباء في خبر ليس وما إذا كان منفيا نحو : (أَلَيْسَ اللهُ بِكافٍ عَبْدَهُ) [الزمر : ٣٦] ، (وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ) [الأنعام : ١٣٢] ، وفائدة زيادتها رفع توهم أن الكلام موجب ؛ لاحتمال أن السامع لم يسمع النفي أول الكلام فيتوهمه موجبا ، فإذا جيء بالباء ارتفع التوهم ، ولذا لم تدخل في خبرهما الموجب فلا يجوز ليس زيد إلا بقائم ، ولا ما زيد إلا بخارج ، فلو زيدت كان بين اسم ما وخبرها لم يجز دخول الباء عند الفراء ، وأجازه البصريون والكسائي نحو : ما زيد كان بقائم ولو كان الخبر «مثلا» لم يجز دخول الباء عند هشام ، وأجازه البصريون والكسائي نحو : ما زيد بمثلك ، ولو كان الخبر ظرفا فإن جاز أن يستعمل اسما جاز دخول الباء عليها ، وإن لم يستعمل اسما كحيث لم يجز عند البصريين ، وأجازه هشام نحو : ما زيد بحيث يحب ، وأجاز الكسائي دخولها في الخبر إذا كان كاف التشبيه ، حكي : ليس بكذلك ، ولا يختص دخول الباء بخبر ما الحجازية ، بل تدخل في خبر ما التميمية ، خلافا للفارسي والزمخشري ؛ لوجود ذلك في أشعار بني تميم ونثرهم ، ولأن الباء إنما دخلت الخبر لكونه منفيا لا لكونه منصوبا ، بدليل دخولها في لم أكن بقائم ، وامتناعها في كنت قائما ، ولا يختص أيضا بالخبر المنصوب خلافا للكوفيين ، فيجوز ولو بطل عمل ما لزيادة إن ، أو تقدم الخبر في الأصح قال :

٤٤٧ ـ لعمرك ما إن أبو مالك

بواه ولا بضعيف قواه

وقد تزاد الباء في خبر فعل ناسخ منفي نحو : لم أكن بقائم قال :

__________________

٤٤٧ ـ البيت من المتقارب ، هو للمتنخل الهذلي في شرح أشعار الهذليين ٣ / ١٢٧٦ ، والخزانة ٤ / ١٤٦ ، والشعر والشعراء ٢ / ٦٦٤ ، ولذي الإصبع العدواني في الخزانة ٤ / ١٥٠ ، برواية :

(وما إن أسيد أبو مالك

بوان ولا بضعيف قواه)

انظر المعجم المفصل ٢ / ١٠٥٠.

٣٠٤

٤٤٨ ـ وإن مدّت الأيدي إلى الزّاد لم أكن

بأعجلهم ؛ إذ أجشع القوم أعجل

وقال :

٤٤٩ ـ فلمّا دعاني لم يجدني بقعدد

وقد تزاد في خبر لا أخت ما ، كقوله :

٤٥٠ ـ فكن لي شفيعا يوم لا ذو شفاعة

بمغن فتيلا عن سواد بن قارب

ومنع قياس ذلك في المسألتين ابن عصفور وقد تزاد في لا التبرئة ، قالوا : لا خير بخير بعده النار ، أي : خير وفي اسم ليس إذا تأخر عن الخبر ، وفي خبر المبتدأ بعد هل كقوله :

٤٥١ ـ ألا هل أخو عيش لذيذ بدائم

وفي خبر لكن كقوله :

٤٥٢ ـ ولكنّ أجرا لو فعلت بهيّن

__________________

٤٤٨ ـ البيت من الطويل ، وهو للشنفرى في ديوانه ص ٥٩ ، وتخليص الشواهد ص ٢٨٥ ، والخزانة ٣ / ٣٤٠ ، وشرح التصريح ١ / ٢٠٢ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٨٩٩ ، والمقاصد النحوية ٢ / ١١٧ ، ٤ / ٥١ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٣ / ١٢٤ ، وأوضح المسالك ١ / ٢٩٥ ، والجنى الداني ص ٥٤ ، وجواهر الأدب ص ٥٤ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٦٨٤.

٤٤٩ ـ البيت من الطويل ، وهو لدريد بن الصمة في ديوانه ص ٤٨ ، وتخليص الشواهد ص ٢٨٦ ، وشرح التصريح ١ / ٢٠٢ ، واللسان ، مادة (قعد) ، والمقاصد النحوية ٢ / ١٢١ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ١ / ٢٩٩ ، وجواهر الأدب ١ / ٢٩٩ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢٥٤.

٤٥٠ ـ البيت من الطويل ، وهو لسواد بن قارب في الجنى الداني ص ٥٤ ، وشرح التصريح ١ / ٢٠١ ، ٢ / ٤١ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٢١٥ ، والمقاصد النحوية ٢ / ١١٤ ، ٣ / ٤١٧ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٣ / ١٢٥ ، وأوضح المسالك ١ / ٢٩٤ ، وشرح الأشموني ١ / ١٢٣ ، ٢٥١ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٨٣٥ ، وشرح ابن عقيل ص ١٥٦ ، ١ / ١٢١ ، انظر المعجم المفصل ١ / ١١١.

٤٥١ ـ البيت من الطويل ، وهو للفرزدق في ديوانه ص ٨٦٣ ، والأزهية ص ٢١٠ ، وتخليص الشواهد ص ٢٨٦ ، وجمهرة اللغة ص ٦٣٦ ، والخزانة ٤ / ١٤٢ ، وشرح التصريح ١ / ٢٠٢ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٧٧٢ ، واللسان ، مادة (قلا) ، والمقاصد النحوية ٢ / ١٣٥ ، ١٤٩ ، وبلا نسبة في أساس البلاغة ، مادة (قرد) ، والأشباه والنظائر ٣ / ١٢٦ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٨٩٢.

٤٥٢ ـ البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في الأشباه والنظائر ٣ / ١٢٦ ، وأوضح المسالك ١ / ٢٩٨ ، والخزانة ٩ / ٥٢٣ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ١٤٢ ، وشرح الأشموني ١ / ١٢٤ ، ٢٥٢ ، وشرح التصريح ١ / ٢٠٢ ، وشرح المفصل ٨ / ٢٣ ، ١٣٩ ، واللسان ، مادة (كفى) ، والمقاصد النحوية ٢ / ١٣٤ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣٥٢.

٣٠٥

وفي خبر ليت كقوله :

٤٥٣ ـ ألا ليت ذا العيش اللّذيذ بدائم

وفي خبر أن بعد نفي ودونه كقوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ) إلى قوله : (بِقادِرٍ) [الأحقاف : ٣٣] ، وقول الشاعر :

٤٥٤ ـ فإنك مهما أحدثت بالمجرّب

وذكر ابن مالك أنها تزاد في الحال المنفية كقوله :

٤٥٥ ـ فما رجعت بخائبة ركاب

أي : خائبة ، ونازعه أبو حيان باحتمال كون الباء للحال لا زائدة ، أي : بحاجة خائبة ، أي : ملتبسة بحاجة ، وجوز الأخفش زيادة الباء في كل موجب نحو : زيد بقائم ، واستدل بقوله تعالى : (جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها) [يونس : ٢٧] ، وأوله الجمهور على حذف الخبر ، أي : واقع.

(ص) مسألة : ولي عاطف بعد ليس ، وما وصف تلاه سببي الرفع ، وللوصف ما له ، أو جعلا مبتدأ وخبرا ، أو أجنبي جاز عطفه بعد ليس على اسمها والوصف على خبرها ، ويجر إن جر على الأصح ، ويجب بعد ما الرفع ، وجوز الكوفي نصبه وجره لا إن حذف لا ، وأطلق هشام فإن تأخر الوصف عن الأجنبي جاز نصبه خلافا للقدماء.

(ش) إذا عطف على خبر ليس ، وما وصف يتلوه سببي أعطي الوصف ما له مفردا ، ورفع به السببي نحو : ليس زيد قائما ولا ذاهبا أخوه ، وما زيد قائما ولا ذاهبا أخوه ، ويجوز جعل السببي مبتدأ مؤخرا ، والوصف خبره فتجب مطابقته وإن تلاه أجنبي ، ففي ليس يعطف على اسمها ، والوصف المتلو على خبرها فينصب نحو : ليس زيد قائما ولا ذاهبا عمرو ، فعمرو معطوف على زيد ، وذاهبا على قائما ، فإن كان الخبر مجرورا جاز جر الوصف أيضا نحو : ليس زيد بقائم ولا ذاهب عمرو ، ويجوز في الحالتين الرفع على

__________________

٤٥٣ ـ انظر الشاهد ٤٥١.

٤٥٤ ـ تقدم الشاهد برقم ٢٨٧.

٤٥٥ ـ البيت من الوافر ، وهو للقحيف العقيلي في الخزانة ١٠ / ١٣٧ ، وبلا نسبة في تخليص الشواهد ص ١٧٧ ، والجنى الداني ص ٥٥ ، وجواهر الأدب ص ٥٤ ، والخزانة ١٠ / ٢٧٨ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٣٣٩ ، واللسان ، مادة (منى) ، ومغني اللبيب ١ / ١١٠ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ١٠٥٣.

٣٠٦

الابتداء والخبر ، وقيل : لا يجوز النصب في الأولى ، بل يتعين الرفع قياسا على ما ورد بالسماع ، حكى سيبويه ليس زيد ولا أخوه قاعدين ، وقيل : لا يجوز الجر في الثانية حذرا من العطف على عاملين ، ورد بأنه بباء مقدرة مدلول عليها بالمقدمة وبالسماع قال :

٤٥٦ ـ فليس بآتيك منهيّها

ولا صارف عنك مأمورها

وأما في ما فيتعين الرفع سواء نصب خبرها أم جر ؛ لأن خبرها لا يتقدم على اسمها ، فكذا خبر ما عطف على اسمها كقوله :

٤٥٧ ـ لعمرك ما معن بتارك حقّه

ولا منسئ معن ولا متيسّر

وأجاز الكوفيون النصب إن نصب الخبر ، والجر إن جر ، وحكوا : ما زيد قائما فمتخلفا أحد ، أي : إذا قام لم يتخلف أحد ، ويقال عندهم : ما زيد بمنطلق ولا خارج عمرو بالجر إذا لم تحذف لا ، فإن حذفت لا نحو : خارج امتنع الجر عندهم ، إلا هشاما فإنه يجر كما إذا لم تحذف ولو تأخر الوصف في العطف نحو : ما زيد قائما ولا عمرو خارج جاز مع الرفع النصب عند سيبويه والخليل والكسائي وهشام ، ومنع النصب النحويون القدماء الذين رد عليهم سيبويه.

أفعال المقاربة :

(ص) الثاني : كاد وكرب وأوشك وهلهل وأولى وألم لمقاربة الفعل ، وجعل وطفق كسرا وفتحا وبالباء وأخذ وعلق وأنشأ وهب للشروع فيه ، وعسى واخلولق لترجّيه ، وزاد ابن مالك وابن طريف والسرقسطي حرى ، وثعلب قام ، والبهاري كارب وقارب وقرب وأحال وأقبل وأظل وأشفى وشارف ودنا وأثر وقعد وذهب وازدلف ودلف وأزلف وأشرف وتهيأ وأسف ، وبعضهم طار وانبرى ونشب ، واللخمي ابتدأ وعبأ ، وقد ترد عسى إشفاقا ، وقيل : هو معناها ، وقيل : كرب للشروع.

__________________

٤٥٦ ـ البيت من المتقارب ، وهو للأعور الشني في الخزانة ٤ / ١٣٦ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٢٣٨ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٤٢٧ ، ٢ / ٨٧٤ ، والكتاب ١ / ٦٤ ، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب ٢ / ٦٧٩ ، ومغني اللبيب ١ / ١٤٦ ، والمقتضب ٤ / ١٩٦ ، ٢٠٠ ، وانظر العقد الفريد ٣ / ٢٠٧ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣٨٨ ، وفي نسخة (قاصر) بدلا من (صارف).

٤٥٧ ـ البيت من الطويل ، وهو للفرزدق في ديوانه ١ / ٣١٠ ، والخزانة ١ / ٣٧٥ ، ٣٧٩ ، ٤ / ١٤٢ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ١٩٠ ، والكتاب ١ / ٦٣ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣٦١.

٣٠٧

(ش) الثاني من نواسخ الابتداء : أفعال المقاربة وتسميتها بذلك على سبيل التغليب ؛ إذ هي ثلاثة أقسام :

أحدها ما هو لمقاربة الفعل ، وهو ستة ألفاظ أشهرها كاد ، وأغربها أولى ومن شواهدها قوله :

٤٥٨ ـ فعادى بين هاديتين منها

وأولى أن يزيد على الثّلاث

والبواقي كرب بفتح الراء وكسرها والفتح أفصح ، وزعم بعضهم أنها من أفعال الشروع.

وأوشك وهلهل ومن شواهدها قوله :

٤٥٩ ـ وطئنا بلاد المعتدين فهلهلت

نفوسهم قبل الإماتة تزهق

وألم ومن شواهدها حديث : «وإن مما ينبت الربيع يقتل أو يلم» (١) ، أي : يلم أن يقتل ، وحديث : «لو لا أنه شيء قضاه الله لألم أن يذهب ببصره» (٢).

والثاني ما هو للشروع في الفعل وهو ستة ألفاظ جعل قال :

٤٦٠ ـ وقد جعلت إذا ما قمت يثقلني

ثوبي فأنهض نهض الشارب الثّمل

وطفق بكسر الفاء وفتحها ، والكسر أشهر ، ويقال : طبق بكسر الباء قال تعالى : (وَطَفِقا يَخْصِفانِ) [طه : ١٢١].

__________________

٤٥٨ ـ البيت من الوافر ، وهو بلا نسبة في الخزانة ٩ / ٣٤٥ ، واللسان ، مادة (لبث ، ولي) ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٥١.

٤٥٩ ـ البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في شذور الذهب ص ٢٤٩ ، ٣٥٩ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٥٦٩.

٤٦٠ ـ البيت من البسيط ، هو لعمرو بن أحمر في ملحق ديوانه ص ١٨٢ ، والخزانة ٩ / ٣٥٩ ، ٣٦٢ ، ولأبي حية النميري في ملحق ديوانه ص ١٨٦ ، والحيوان ٦ / ٤٨٣ ، وشرح التصريح ١ / ٢٠٤ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٧٤ ، والمقاصد النحوية ٢ / ١٧٣ ، ولأبي حية أو للحكم بن عبدل في شرح شواهد المغني ٢ / ٩١١ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٩٢.

(١) أخرجه البخاري ، كتاب الزكاة ، باب الصدقة على اليتامى (١٤٦٥) ، ومسلم ، كتاب الزكاة ، باب خوف ما يخرج من زهرة الدنيا (١٠٥٢).

(٢) أخرجه ابن المبارك في الزهد ١ / ٥٠٨ (١٤٥٠) ، والبيهقي في البعث والنشور ١ / ٢٥٢.

٣٠٨

وأخذ قال :

٤٦١ ـ فأخذت أسأل والرّسوم تجيبني

وعلق قال :

٤٦٢ ـ أراك علقت تظلم من أجرنا

وأنشأ قال :

٤٦٣ ـ أنشأت أعرب عمّا كان مكنونا

وهب قال :

٤٦٤ ـ هببت ألوم القلب في طاعة الهوى

قاله ابن مالك ، وأغربهن علق وهب.

الثالث ما هو لترجي الفعل وهو لفظان عسى واخلولق نحو : اخلولقت السماء أن تمطر ، فهذه الأفعال المتفق عليها في هذا الباب ، زاد ابن مالك فيها حرى للترجي كقوله :

٤٦٥ ـ فحرى أن يكون ذاك وكانا

قال أبو حيان : والمحفوظ أن حرى اسم منون لا يثنى ولا يجمع ، قال ثعلب : أنت حري من ذلك ، أي : حقيق وخليق ، قال ابن قاسم : ولكن ابن مالك ثقة ، قلت : ظاهر كلامهما أنه منفرد بذلك ، وليس كذلك فقد سبقه إلى عدها ابن طريف السرقسطي.

وزاد ثعلب في أفعال الشروع قام وأنشد :

٤٦٦ ـ قامت تلوم وبعض اللّوم آونة

وزاد أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن يحيى البهاري في كتابه المسمى «الإملاء»

__________________

٤٦١ ـ البيت من الكامل ، وهو بلا نسبة في شرح شذور الذهب ص ٣٥٧ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٨٨١ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٣٤.

٤٦٢ ـ البيت من الوافر ، وهو بلا نسبة في شرح الأشموني ١ / ١٣٠ ، ٢٦٣ ، وشرح شذور الذهب ص ٣٥٧ ، وشرح عمدة الحفاظ ص ١٨٠ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤٥١.

٤٦٣ ـ البيت من البسيط ، وهو بلا نسبة في شرح شذور الذهب ص ٣٥٨ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٧٧.

٤٦٤ ـ البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في شرح شذور الذهب ص ٢٤٨ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٨١٢ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ١٠٧٥.

٤٦٥ ـ البيت من الخفيف ، وهو للأعشى في شرح شذور الذهب ص ٣٤٩ ، وليس في ديوانه ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٦٥.

٤٦٦ ـ البيت من البسيط ، تفرد به السيوطي في همع الهوامع ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٠٠.

٣٠٩

المنتحل في أفعال هذا الباب مع قام المذكورة كارب وما ذكر بعده وذلك تسعة عشر فعلا ، زاد غيره طار وانبرى ونشب ، وزاد اللخمي ابتدأ وعبأ ، فبلغت أفعال الباب أربعين فعلا ، قال ابن قاسم : وما زاده البهاري ومن ذكر لا يقوم عليه دليل على أنه من أفعال الباب ، وقد ترد عسى للإشفاق من المكروه وهو أقل من مجيئها للرجاء ، وقد اجتمعا في قوله تعالى : (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ) [البقرة : ٢١٦].

ملازمة أفعال المقاربة للفظ الماضي :

(ص) ويلزمها لفظ المضي وسمع مضارع كاد وأوشك واسم فاعلها ، وحكى الجوهري مضارع طفق ، والأخفش مصدره ، وقطرب مصدر كاد ، وبعضهم اسم فاعله ، وعبد القاهر مضارع عسى وفاعله ، والكسائي مضارع جعل ، وبعضهم الأمر والتفضيل من أوشك ، وقوم فاعل كرب.

(ش) أفعال هذا الباب جامدة لا تتصرف ملازمة للفظ الماضي ، وعلل ذلك ابن جني بأنها لما قصد بها المبالغة في القرب أخرجت عن بابها وهو التصرف ، وكذلك كل فعل يراد به المبالغة كنعم وبئس وفعل التعجب ، وعلله ابن يسعون بالاستغناء بلزوم المضارع خبرها ، فلم يبنوا منها مستقبلا ، وعلله ابن عصفور بأن معناها لا يكون إلا ماضيا ؛ إذ لا تخبر عن الرجاء إلا وقد استقر في نفسك ، والماضي يستعمل في الحال الذي هو الشروع لإرادة الاتصال والدوام ، فلا يكون معناها مستقبلا أصلا ، واستثني منها كاد وأوشك فسمع فيها المضارع قال تعالى : (يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ) [النور : ٣٥] ، قال الشاعر :

٤٦٧ ـ يوشك من فرّ من منّيته

بل المضارع في أوشك أشهر من الماضي حتى زعم الأصمعي أنه لا يستعمل ماضيها ، وسمع اسم الفاعل من أوشك قال :

٤٦٨ ـ فموشكة أرضنا أن تعودا

__________________

٤٦٧ ـ البيت من المنسرح ، وهو لأمية بن أبي الصلت في ديوانه ص ٤٢ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ١٦٧ ، وشرح التصريح ١ / ٢٠٧ ، وشرح المفصل ٧ / ١٢٦ ، والكتاب ٣ / ١٦١ ، واللسان ، مادة (بيهس ، وكأس) ، والمقاصد النحوية ٢ / ١٨٧ ، ولعمران بن حطان في ديوانه ص ١٢٣ ، ولأمية أو لرجل من الخوارج في تخليص الشواهد ص ٣٢٣ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٥٩٣.

٤٦٨ ـ البيت من المتقارب ، وهو لأبي سهم الهذلي في تخليص الشواهد ص ٣٣٦ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٢٢١ ، ولأسامة بن الحارث في شرح أشعار الهذليين ص ١٢٩٣ ، وبلا نسبة في شرح الأشموني ١ / ١٣١ ، ٢٦٤ ، وشرح ابن عقيل ص ١٧١ ، ١ / ١٢٦ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٨٢٣ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣٠.

٣١٠

وقال :

٤٦٩ ـ فإنّك موشك ألّا تراها

وحكى الجوهري مضارع طفق ، قال ابن مالك : ولم أره لغيره ، والظاهر أنه قال ذلك رأيا ، وحكى الأخفش مصدر طفق ، وحكى قطرب مصدر كاد كيدا وكيدودة ، وقال بعضهم : كودا ومكادا نقله في «البسيط» ، وحكى ابن مالك اسم الفاعل من كاد وأنشد:

٤٧٠ ـ أموت أسى يوم الرّجام وإنّني

يقينا لرهن بالّذي أنا كائد

أي : بالموت الذي كدت آتيه ، وحكى عبد القاهر الجرجاني المضارع واسم الفاعل من عسى ، وحكى الكسائي مضارع جعل ، روي أن البعير يهرم حتى يجعل إذا شرب الماء مجه ، وحكى أبو حيان الأمر وأفعل التفضيل من أوشك وأنشد قول زهير :

٤٧١ ـ وأوشك ما لم يخشه يقع

وقوله :

٤٧٢ ـ بأوشك منه أن يساور قرنه

وحكى قوم اسم الفاعل من كرب.

(ص) وألف كاد واو ، وقيل : ياء ووزنها فعل ، ولا تزاد خلافا للأخفش ، وكسر عسى لغة ، ومع ضمير رفع قليل.

(ش) كاد من ذوات الواو حكى سيبويه كدت بضم الكاف ولا يكون هذا إلا من الواو ، وقيل : من ذوات الياء.

__________________

٤٦٩ ـ البيت من الوافر ، وهو لكثير عزة في ديوانه ص ٢٢٠ ، وشرح التصريح ١ / ٢٠٨ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٨٢٣ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٢٠٥ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ١ / ٣٢١ ، وتخليص الشواهد ص ٣٣٦ ، وشرح الأشموني ١ / ١٣١ ، ٢٦٥ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢٤٣.

٤٧٠ ـ البيت لكثير عزة في ديوانه ص ٢٣٠ ، وتخليص الشواهد ص ٣٣٦ ، وشرح التصريح ١ / ٢٠٨ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٨٢٤ ، والمقاصد النحوية ٢ / ١٩٨ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ١ / ٣١٨ ، وشرح الأشموني ١ / ١٣١ ، ٢٦٥ ، وشرح ابن عقيل ص ١٧١ ، ١ / ١٢٧ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢١١.

٤٧١ ـ البيت من البسيط ، وهو لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص ٢٤٤ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٥٣٦ ، وفي نسخة (بما لم تخشه) بدلا من (ما لم يلقه).

٤٧٢ ـ البيت من الطويل ، تفرد به السيوطي في همع الهوامع ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٠١.

٣١١

وزعم الأخفش أن كاد قد تزاد واستدل بقوله تعالى : (إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها) [طه : ١٥].

والجمهور تأولوا الآية على معنى أكاد أخفيها ، فلا أقول هي آتية ، وكسر السين من عسى لغة ، حكى ابن الأعرابي عسى فهو عس ، وإذا اتصل بها ضمير الرفع نحو : عسيت وعسين وعسينا وعسيتم جاز فيها الفتح والكسر ، والفتح أكثر وأشهر ، وقرئ بالوجهين في السبع ، أما مع ضمير النصب فليس إلا الفتح.

(ص) مسألة : تعمل ككان لكن خبرها مضارع مجرد من أن مع هلهل ، وما للشروع ومعها مع أولى ، والرجاء وفي الباقي الوجهان ، والحذف مع كاد وكرب أعرف ، وعسى وأوشك ، قيل : وقارب بالعكس ، وندر دخول أن مع جعل ، والباء مع أن في أوشك والسين عن أن في عسى ، ومجيء خبرها وكاد مفردا وجعل جملة اسمية ، وإسناد عسى إلى الشأن ، ونفيها ونفي خبر كاد ، وزعم الكوفية ذا أن بدلا مما قبله ، وقوم مفعولا به ، وقوم بإسقاط الجار ، وقيل : بتضمين الفعل ، وقيل : رفع ساد عن الجزأين.

(ش) أفعال هذا الباب تعمل عمل كان فترفع المبتدأ اسما لها وتنصب الخبر خبرا لها ، ويدل على ذلك مجيء الخبر في بعضها منصوبا كما سيأتي ، ولا خلاف في ذلك حيث كان الفعل بعدها غير مقرون بأن ، أما المقرون بها فزعم الكوفيون أنه بدل من الأول بدل المصدر ، فالمعنى في كاد أو عسى زيد أن يقوم : قرب قيام زيد ، فقدم الاسم وأخر المصدر ، وزعم المبرد أنه مفعول به ؛ لأنها في معنى قارب زيد هذا الفعل ، وحذرا من الإخبار بالمصدر عن الجثة ، وردّا بأن أن هنا لا تؤول بالمصدر وإنما جيء بها لتدل على أن في الفعل تراخيا ، وزعم آخرون أن موضعه نصب بإسقاط حرف الجر ؛ لأنه يسقط كثيرا مع أن ، وقيل : يتضمن الفعل معنى قارب ، وزعم ابن مالك أن موضعه رفع ، وأن والفعل بدل من المرفوع ساد مسد الجزأين كما في (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا) [العنكبوت : ٢] ، قال في «البسيط» : وهذه التأويلات تخرج الألفاظ عن مقتضاها بلا ضرورة مع أنها لا تسوغ في جميعها ، وانفردت هذه الأفعال بالتزام كون خبرها مضارعا.

ثم هو ثلاثة أقسام : ما يجب تجرده من أن وهو خبر هلهل وأفعال الشروع ؛ لأنها للأخذ في الفعل ، فخبرها في المعنى حال وإن تخلص للاستقبال.

وما يجب اقترانه بها وهو خبر أولى ، وأفعال الرجاء ؛ لأن الرجاء من مخلصات الاستقبال فناسبه أن.

٣١٢

وما يجوز فيه الوجهان وهو خبر البواقي ، والأعرف في خبر كاد وكرب الحذف قال تعالى : (وَما كادُوا يَفْعَلُونَ) [البقرة : ٧١] ، (يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ) [النور : ٣٥] ، قال الشاعر :

٤٧٣ ـ كرب القلب من جواه يذوب

ومن الإثبات قوله :

٤٧٤ ـ قد كاد طول البلى أن يمصحا

وقوله :

٤٧٥ ـ وقد كربت أعناقها أن تقطّعا

والأعرف في عسى وأوشك الإثبات قال تعالى : (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا) [البقرة : ٢١٦] ، (فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ) [المائدة : ٥٢] ، و (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا) [محمد : ٢٢].

وقال الشاعر :

٤٧٦ ـ ولو سئل النّاس التّراب لأوشكوا

إذا قيل هاتوا أن يملّوا ويمنعوا

__________________

٤٧٣ ـ البيت من الخفيف ، وهو للكلحبة اليربوعي أو لرجل من طيىء في شرح التصريح ١ / ٢٠٧ ، والمقاصد النحوية ٢ / ١٨٩ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ١ / ٣١٤ ، وتخليص الشواهد ص ٣٣٠ ، وشرح الأشموني ١ / ١٣٠ ، ٢٦٢ ، وشرح شذور الذهب ص ٣٥٣ ، وشرح ابن عقيل ص ١٦٩ ، ١ / ١٢٦ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٨١٤ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٨٠.

٤٧٤ ـ الرجز لرؤبة في ملحق ديوانه ص ١٧٢ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٩٩ ، وشرح المفصل ٧ / ١٢١ ، والكتاب ٣ / ١٦٠ ، واللسان والتاج ، مادة (كود) ، والمقاصد النحوية ٢ / ٢١٥ ، وبلا نسبة في أسرار العربية ص ٥ ، وتخليص الشواهد ص ٣٢٩ ، واللسان ، مادة (مصح) ، والمقتضب ٣ / ٧ ، وديوان الأدب ٢ / ١٩٨ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١١٣٥.

٤٧٥ ـ البيت من الطويل ، وهو لأبي زيد الأسلمي في تلخيص الشواهد ص ٣٣٠ ، وشرح التصريح ١ / ٢٠٧ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٨١٥ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٩٣ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ١ / ٣١٦ ، وشرح الأشموني ١ / ١٢٣ ، ٢٦٢ ، وشرح شذور الذهب ص ٣٥٥ ، وشرح ابن عقيل ص ١٩٦ ، ١ / ١٢٦ ، والمقرب ١ / ٩٩ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٥٠١.

٤٧٦ ـ البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في أوضح المسالك ١ / ٣١١ ، وتخليص الشواهد ص ٣٢٢ ، وشرح الأشموني ١ / ١٢٩ ، ٢٦١ ، وشرح التصريح ١ / ٢٠٦ ، وشرح شذور الذهب ص ٣٥٠ ، وشرح ابن عقيل ص ١٦٨ ، ١٧١ ، ١ / ١٢٦ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٨١٧ ، واللسان والتاج ، مادة (وشك) ، ومجالس ثعلب ص ٤٣٣ ، والمقاصد النحوية ٢ / ١٨٢ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٥٤٢.

٣١٣

ومن الحذف قوله :

٤٧٧ ـ عسى الكرب الذي أمسيت

يكون وراءه فرج قريب

وقوله :

٤٧٨ ـ يوشك من فرّ من منّيته

فى بعض غرّاته يوافقها

قال أبو حيان : وزعم الزجاجي أن قارب مما الأجود فيه أن يستعمل ب : أن ، ورد عليه وعلى من أدخلها في أفعال المقاربة بأنها لا تستعمل إلا ب : أن ، وليست من هذا الباب ؛ لأنها ليست داخلة على المبتدأ والخبر بدليل مجيء مفعولها اسما في فصيح الكلام ، تقول : قارب زيد القيام ، وندر دخول أن في خبر جعل ، قال : وندر دخول الباء في خبر أوشك قال :

٤٧٩ ـ أعاذل توشكين بأن تريني

وندر دخول السين في خبر عسى عوضا من أن قال :

٤٨٠ ـ عسى طيّئ من طيّئ بعد هذه

ستطفئ غلّات الكلى والجوانح

وندر مجيء خبر عسى وكاد اسما مفردا قال :

٤٨١ ـ لا تلحني إنّي عسيت صائما

__________________

٤٧٧ ـ البيت من الوافر ، وهو لهدبة بن الخشرم في ديوانه ص ٥٤ ، والخزانة ٩ / ٣٢٨ ، ٣٣٠ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ١٤٢ ، وشرح التصريح ١ / ٢٠٦ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٩٧ ، وشرح شواهد المغني ص ٤٤٣ ، والكتاب ٣ / ١٥٩ ، واللمع ص ٢٢٥ ، والمقاصد النحوية ٢ / ١٨٤ ، وبلا نسبة في أسرار العربية ص ١٢٨ ، وأوضح المسالك ١ / ٣١٢ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٨٩.

٤٧٨ ـ تقدم الشاهد برقم ٤٦٧.

٤٧٩ ـ البيت من الوافر ، تفرد به السيوطي في همع الهوامع ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣٤٠.

٤٨٠ ـ البيت من الطويل ، وهو لقسام بن رواحة في الخزانة ٩ / ٣٤١ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٩٦٠ ، وشرح شواهد المغني ص ٤٤٥ ، والمؤتلف والمختلف ص ١٢٧ ، ومعجم الشعراء ص ٣٤٠ ، وبلا نسبة في الجنى الداني ص ٤٦٠ ، وحاشية ياسين على شرح التصريح ١ / ٢٠٦ ، وشرح المفصل ٨ / ١٤٨ ، ومغني اللبيب ص ١٥٣ ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٨٥.

٤٨١ ـ الرجز لرؤبة في ملحقات ديوانه ص ١٨٥ ، والخزانة ٩ / ٣١٦ ، ٣١٧ ، ٣٢٢ ، والخصائص ١ / ٨٣ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٨٣ ، والمقاصد النحوية ٢ / ١٦١ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢ / ١٧٥ ، وتخليص الشواهد ص ٣٠٩ ، والخزانة ٨ / ٣٧٤ ، ٣٧٦ ، والجنى الداني ص ٤٦٣ ، وشرح الأشموني ١ / ١٢٨ ، ٢٥٩ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١٢٥٢.

٣١٤

وقال :

٤٨٢ ـ فأبت إلى فهم وما كدت آيبا

وهذا تنبيه على الأصل ؛ لئلا يجهل ، وندر مجيء خبر جعل جملة اسمية كقوله :

٤٨٣ ـ وقد جعلت قلوص بنى سهيل

من الأكوار مرتعها قريب

وندر إسناد عسى إلى ضمير الشأن ، حكى غلام ثعلب عسى زيد قائم.

(ص) ولا يتقدم خبرها ويتوسط بلا أن ومعها بخلف ، ويحذف إن علم ، ولا يرفع أجنبيا مطلقا ، ولا سببيا غالبا ، إلا خبر عسى ، وقد يجيء اسمها نكرة محضة ، ويسند أوشك وعسى وكذا واخلولق في الأصح إلى أن يفعل ، فيغني عن الخبر ، وقيل : هي تامة حينئذ فإن وقعت خبر اسم سابق جاز الإضمار وتركه ، قال دريود : وهو أجود وقد يوصل بعسى ضمير نصب اسما حملا على لعل ، وقيل : خبرا مقدما ، وقيل : نائب المرفوع ، وقيل : هي حرف حينئذ ، وقد يقتصر عليه ونفي كاد نفي للمقاربة ، وقيل : يدل على وقوع الخبر ببطء ، وقيل : إثباتها بنفيه وعكسه.

(ش) فيه مسائل :

الأولى لا يتقدم الخبر في هذا الباب على الفعل ، فلا يقال : أن يقوم عسى زيد اتفاقا كما حكاه في «البسيط».

ويتوسط بين الفعل والاسم إذا لم يقترن ب : أن اتفاقا نحو : طفق يصليان الزيدان ، قال ابن مالك : والسبب في ذلك أن أخبار هذه الأفعال خالفت أصلها بلزوم كونها أفعالا ، فلو قدمت لازدادت مخالفتها الأصل ، وأيضا فإنها أفعال ضعيفة لا تتصرف فلها حال ضعف بالنسبة إلى الأفعال الكاملة التصرف ، فلم تتقدم أخبارها لتفضلها كان وأخواتها ،

__________________

٤٨٢ ـ البيت من الطويل ، وهو لتأبط شرّا في ديوانه ص ٩١ ، وتخليص الشواهد ص ٣٠٩ ، والخزانة ٨ / ٣٧٤ ، ٣٧٦ ، والخصائص ١ / ٣٩١ ، وشرح التصريح ١ / ٢٠٣ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٨٣ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٦٢٩ ، واللسان مادة (كيد) ، والمقاصد النحوية ٢ / ١٦٥ ، وبلا نسبة في الإنصاف ٢ / ٥٤٤ ، وأوضح المسالك ١ / ٣٠٢ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣٧٠.

٤٨٣ ـ البيت من الوافر ، وهو بلا نسبة في تخليص الشواهد ص ٣٢٠ ، والخزانة ٥ / ١٢٠ ، ٩ / ٣٥٢ ، وشرح الأشموني ١ / ١٢٨ ، ٢٥٩ ، وشرح التصريح ١ / ٢٠٤ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٣١٠ ، وشرح شواهد المغني ص ٦٠٦ ، ومغني اللبيب ص ٢٣٥ ، والمقاصد النحوية ٢ / ١٧٠ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٨٩.

٣١٥

وحال قوة بالنسبة إلى الحروف ، فأجيز توسطها تفضيلا لها على إن وأخواتها ، فإن اقترن ب : أن ففي التوسط قولان :

أحدهما : الجواز كغيره وعليه المبرد والسيرافي ، وصححه ابن عصفور.

والثاني : المنع وعليه الشلوبين.

الثانية : يجوز حذف الخبر في هذا الباب إذا علم ، ومنه قوله تعالى : (فَطَفِقَ مَسْحاً) [ص : ٣٣] ، أي : يمسح ؛ لدلالة المصدر ، والأحسن كما قاله مصعب الخشني : إنه مما ورد فيه الخبر اسما مفردا تنبيها على الأصل كما تقدم في صائما وآيبا ، ومن الحذف حديث : «من تأنى أصاب أو كاد ، ومن عجل أخطأ أو كاد» (١) ، وقوله :

٤٨٤ ـ وقد ذاق طعم الموت أو كربا

الثالثة : يتعين في خبر هذا الباب أن يعود منه ضمير إلى الاسم ، فلا يجوز رفعه الظاهر لا أجنبيا ولا سببيا ، فلا يقال : طفق زيد يتحدث أخوه ، ولا أنشأ عمرو ينشد ابنه ؛ لأنها إنما جاءت لتدل على أن فاعلها قد تلبّس بهذا الفعل وشرع فيه لا غيره ، ويستثنى عسى فإن خبرها يرفع السببي كقوله :

٤٨٥ ـ وماذا عسى الحجّاج يبلغ جهده

على رواية رفعه جهده ، وقولي : «غالبا» أشرت به إلى ما ورد نادرا من رفع خبر غير عسى السببي كقوله :

٤٨٦ ـ وأسقيه حتى كاد مما أبثّه

تكلّمني أحجاره وملاعبه

__________________

٤٨٤ ـ البيت من البسيط ، وهو للحطيئة في ديوانه ص ١٨ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤٠.

٤٨٥ ـ البيت من الطويل ، وهو للفرزدق في ديوانه ١ / ١٦٠ ، وشرح التصريح ١ / ٢٠٥ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٦٧٧ ، ومعجم ما استعجم ص ٤٥٩ ، والمقاصد النحوية ٢ / ١٨٠ ، ولمالك بن الريب في ديوانه ص ٥١ ، والخزانة ٢ / ٢١١ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ١ / ٣٠٨ ، وشرح الأشموني ١ / ١٣٠ ، ٢٦٤ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢٤٥.

٤٨٦ ـ البيت من الطويل ، وهو لذي الرمة في ديوانه ص ٨٢١ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٣٦٤ ، وشرح التصريح ١ / ٢٠٤ ، وشرح شافية ابن الحاجب ١ / ٩١ ، ٩٢ ، وشرح شواهد الشافية ص ٤١ ، والكتاب ٤ / ٥٩ ، واللسان ، مادة (سقى ، شكا) ، والمقاصد النحوية ٢ / ١٧٦ ، والممتع في التصريف ص ١٨٧ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ١ / ٣٠٧ ، وشرح الأشموني ١ / ١٣٠ ، ٢٦٤ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٦٨.

(١) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير ١٧ / ٣١٠ (٨٥٨) ، والقضاعي في مسند الشهاب ١ / ٢٣١ (٣٦٢).

٣١٦

وقوله :

٤٨٧ ـ وقد جعلت إذا ما قمت يثقلني

ثوبي ...

قال أبو حيان : وذلك عند أصحابنا لا يجوز ، وتأولوا ما ورد من ذلك.

الرابعة : حق الاسم في هذا الباب أن يكون معرفة أو مقارنا لها كما في باب كان ، وقد يرد نكرة محضة كقوله :

٤٨٨ ـ عسى فرج يأتي به الله إنّه

الخامسة : يسند أو شك وعسى واخلولق إلى أن يفعل فيغني عن الخبر ، ويكون أن والفعل سادة مسد الجزأين ، كما سدت مسد مفعولي حسب.

وقيل : بل هي حينئذ تامة مكتفية بالمرفوع كما في كان التامة كقوله تعالى : (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً) [البقرة : ٢١٦] ، (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً) [الإسراء : ٧٩] ، وقال الشاعر :

٤٨٩ ـ سيوشك أن تنيخ إلى كريم

ينالك بالنّدى قبل السّؤال

وتقول : اخلولق أن تمطر السماء ، وقال الخضراوي : لا يجوز ذلك في اخلولق ، بل يختص بأوشك وعسى ، فإن تقدم والحالة هذه اسم ظاهر نحو : زيد عسى أن يخرج ، جاز جعل الفعل مسندا إلى أن يفعل كما تقدم ، وجعله مسندا إلى ضمير الاسم السابق ، وأن يفعل الخبر.

فعلى الأول يجرد الفعل من علامة التثنية والجمع والتأنيث نحو : الزيدان عسى أن يقوما ، والزيدون عسى أن يقوموا ، وهند عسى أن تقوم ، والهندات عسى أن يقمن ، وكذا أوشك واخلولق.

وعلى الثاني يلحق بها فيقال في الأمثلة : عسيا وعسوا وعسيت وعسين ، والتجرد أجود كما قال دريود ، وقال أبو حيان : «وقفت من قديم على نقل وهو أن التجريد لغة لقوم

__________________

٤٨٧ ـ تقدم الشاهد برقم ٤٦٠.

٤٨٨ ـ البيت من الطويل ، وهو لمحمد بن إسماعيل في حاشية شذور الذهب ص ٣٥١ ، وبلا نسبة في شرح ابن عقيل ص ١٦٦ ، والصحابي ص ١٥٧ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٢١٤ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣٧٧.

٤٨٩ ـ البيت من الوافر ، وهو لكثير عزة في ديوانه ص ١٠٩ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٣٣.

٣١٧

من العرب ، والإلحاق لغة لآخرين ، ونسيت اسم القبيلتين فليس كل العرب تنطق باللغتين ، وإنما ذلك بالنسبة إلى لغتين». انتهى.

أما غير الثلاثة فلا يسند ل : أن يفعل بحال.

السادسة : حق عسى إذا اتصل بها ضمير أن لا يكون إلا بصورة المرفوع ، هذا هو المشهور في كلام العرب ، وبه نزل القرآن ، ومن العرب من يأتي به بصورة المنصوب المتصل فيقال : عساني وعساك وعساه ، قال :

٤٩٠ ـ يا أبتا علّك أو عساكا

فمذهب سيبويه إقرار المخبر عنه والخبر على حاليهما من الإسناد السابق ، إلا أن الخلاف وقع في العمل فعكس العمل بأن نصبت الاسم ورفعت الخبر حملا لها على لعل ، وقد صرح به في قوله :

٤٩١ ـ فقلت عساها نار كأس وعلّها

برفع نار ، ومذهب المبرد والفارسي عكس الإسناد ؛ إذ جعلا المخبر عنه خبرا والخبر مخبرا عنه ، ويلزم منه جعل خبر عسى اسما صريحا ، ومذهب الأخفش وابن مالك إقرار الأمرين العمل والإسناد ، لكنه تجوز في الضمير فجعل مكان ضمير الرفع ضمير النصب وهو في محل رفع نيابة عن المرفوع ، كما ناب ضمير الرفع عن ضمير النصب والجر في قولهم : أكرمتك أنت وأنا كأنت ، ومذهب السيرافي أنها حينئذ حرف ك : لعل ، وقد يقتصر والحالة هذه على الضمير المنصوب كالبيت المصدر به ، فيكون الخبر محذوفا كما يقع ذلك في لعل السابقة ، وزعم قوم أن نفي كاد إثبات للخبر وإثباتها نفي له ، وشاع ذلك على الألسنة حتى قال بعضهم ملغزا فيها :

__________________

٤٩٠ ـ الرجز لرؤبة في ملحق ديوانه ص ١٨١ ، والخزانة ٥ / ٣٦٢ ، ٣٦٧ ، ٣٦٨ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ١٦٤ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٤٣٣ ، وشرح المفصل ٢ / ٩٠ ، ٧ / ١٢٣ ، والكتاب ٢ / ٣٧٥ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٢٥٢ ، وللعجاج في ملحق ديوانه ٢ / ٣١٠ ، وتهذيب اللغة ١ / ١٠٦ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ١ / ٣٣٦ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١٢١٩.

٤٩١ ـ البيت من الطويل ، وهو لصخر بن جعد الخضري في شرح التصريح ١ / ٢١٣ ، وشرح شواهد المغني ص ٤٤٦ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٢٢٧ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ١ / ٣٢٩ ، والجنى الداني ص ٤٦٩ ، والخزانة ٥ / ٣٥٠ ، ومغني اللبيب ص ١٥٣ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢٢٤.

٣١٨

٤٩٢ ـ أنحويّ هذا العصر ما هي لفظة

جرت في لساني جرهم وثمود

إذا استعملت فى معرض الجحد أثبتت

وإن أثبتت قامت مقام جحود

واستدل لذلك بقوله تعالى : (فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ) [البقرة : ٧١] ، وقد ذبحوا ، وبقوله : (يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ) [النور : ٣٥] ، ولم يضئ ، والتحقيق أنها كسائر الأفعال نفيها نفي وإثباتها إثبات ، إلا أن معناها المقاربة لا وقوع الفعل ، فنفيها نفي لمقاربة الفعل ، ويلزم منه نفي الفعل ضرورة أن من لم يقارب الفعل لم يقع منه الفعل ، وإثباتها إثبات لمقاربة الفعل ولا يلزم من مقاربة الفعل وقوعه ، فقولك : كاد زيد يقوم ، معناه : قارب القيام ولم يقم ، ومنه : (يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ) [النور : ٣٥] ، أي : يقارب الإضاءة إلا أنه لم يضئ ، وقولك : لم يكد زيد يقوم ، معناه : لم يقارب القيام فضلا عن أن يصدر منه ، ومنه : (إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها) [النور : ٤٠] ، أي : لم يقارب أن يراها فضلا عن أن يرى ، (وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ) [إبراهيم : ١٧] ، أي : لا يقارب إساغته فضلا عن أن يسيغه وعلى هذا الزجاجي وغيره.

وذهب قوم منهم ابن جني إلى أن نفيها يدل على وقوع الفعل بعد بطء لآية : (وَما كادُوا يَفْعَلُونَ) [البقرة : ٧١] ، فإنهم فعلوا بعد بطء ، والجواب أنها محمولة على وقتين ، أي : فذبحوها بعد تكرار الأمر عليهم بذبحها ، وما كادوا يذبحونها قبل ذلك ولا قاربوا الذبح ، بل أنكروا ذلك أشد الإنكار بدليل قولهم (أَتَتَّخِذُنا هُزُواً) [البقرة : ٦٧].

إن وأخواتها

(ص) الثالث إنّ للتأكيد ، ولكن للاستدراك ، قيل : والتوكيد وهي بسيطة ، والكوفية مركبة من لكن أن ، أو لا كأن ، أو لا أن ، أقوال ، وكأن للتشبيه ، زاد الكوفية والتحقيق والتقريب والشك إن كان الخبر صفة أو جملة أو ظرفا ، وتدخل في تنبيه وإنكار وتعجب ، والأصح أنها مركبة ، وأنه لا تعلق لكافها ، وليت للتمني ، ويقال : لتّ ، ولعل لترج وإشفاق ، قال الأخفش : وتعليل ، والكوفية : واستفهام ، والطوال : وشك ، وهي بسيطة ولامها أصل ، وقيل : زائدة ، وقيل : ابتداء ، ويقال : عل ولعل ولعن وعن ولأن وأن ورعن ورغن ولغن وغن ولعلت ولعا ولوان.

__________________

٤٩٢ ـ قال محقق العلمية : البيتان من الطويل ، وهما للمعري في الأشباه والنظائر ٢ / ٦٥١ ، ٦٥٢ ، «طبعة مجمع اللغة» ، وبلا نسبة في عمدة الحفاظ ٣ / ٤٤٣ ، مادة (كيد) ، نسبتهما في عمدة الحفاظ إلى المعري نقلا عن الدر المصون ١ / ١٧٦ ، وشرح الأشموني ١ / ٢٦٨ ، ٤٠٠.

٣١٩

(ش) الثالث من نواسخ الابتداء الأحرف الخمسة المشبهة بالفعل ، وعددتها خمسة كما صنع سيبويه والمبرد في «المقتضب» ، وابن السراج في «الأصول» ، وابن مالك في «التسهيل» ، لا ستة كما صنع آخرون ؛ لأن أن وإن واحدة وإنما تكسر في مواضع وتفتح في مواضع ، وإن كانتا غيرين فالثانية فرع الأولى ، قال ابن مالك : فإن قيل : ينبغي ألا تعد كأن ؛ لأن أصلها أن زيدت عليها الكاف! فالجواب : إن ذلك أصل منسوخ ؛ لاستغناء الكاف عن متعلق به ، بخلاف أن فليس أصلها منسوخا ، بدليل جواز العطف بعدها على معنى الابتداء ، كما يعطف بعد المكسورة فإن للتأكيد ، ولذا أجيب بها القسم كما يجاب باللام في قولك : والله لزيد قائم.

وزعم ثعلب أن الفراء قال : إن مقررة لقسم متروك استغني عنها بها ، والتقدير : والله إن زيدا لقائم ، وأن المفتوحة أيضا تفيد التوكيد كما ذكروه ، وفيه إشكال ذكرته في «الفتح القريب على مغني اللبيب».

ولكن للاستدراك ومعناه أن يثبت حكما لمحكوم عليه يخالف الحكم الذي للمحكوم عليه قبلها ، ولذلك لا بد أن يتقدمها كلام ملفوظ به أو مقدر ، ولا بد أن يكون نقيضا لما بعده ، أو ضدا له ، أو خلافا على رأي نحو : ما هذا ساكن لكنه متحرك ، وما هذا أسود لكنه أبيض ، وما هذا قائم لكنه شارب ، ولا يجوز زيد قائم لكن عمرا قائم بالإجماع ، وذكر ابن مالك وصاحب «البسيط» أنها للتأكيد أيضا ، قال في «البسيط» : معناها الاستدراك لخبر يوهم أنه موافق لما قبله في الحكم ، فإنه يؤتى به لرفع ذلك التوهم وتقريره ، أو لتأكيد الأول وتحقيقه نحو : ما قائم زيد لكن عمرا قاعد ، لما قيل : ما قائم زيد ، فكأنه يوهم أن عمرا مثله لشبه بينهما أو ملابسة ، فيرفع ذلك التوهم بالاستدراك ، ونحو : لو قام فلان لقمت لكنه لم يقم ، فأكدت لكن ما دلت عليه لو ، وكأنها في المعنى مخرجة لما دخل في الأول توهما ، ولذا لا يقع بين وفاقين.

واختلف فيها أهي بسيطة أم مركبة؟ فالبصريون على الأول ، وأنها منتظمة من خمسة أحرف وهو أقصى ما جاء عليه الحرف ، والكوفيون على الثاني ، ثم اختلفوا فقال الفراء : هي مركبة من لكن ساكنة النون ، وأن المفتوحة المشددة طرحت الهمزة فحذفت نون لكن ؛ لملاقاتها الساكن ، وقال قوم من الكوفيين : هي مركبة من لا وأن حذفت الهمزة وزيدت الكاف ، وقال آخرون منهم : هي مركبة من لا وكأن ، واختاره السهيلي.

فإذا قلت : قام زيد لكن عمرا لم يقم ، فكأنك قلت : لا كأن عمرا لم يقم ، والمعنى :

٣٢٠